تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84744 / تحميل: 6269
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

المرصد السابع

في النبوة

وفيه مطالب

١٨١

١٨٢

مقدمة (١)

[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسانُ المخبرُ عن الله - تعالى - بغير واسطة أحدٍ من البشر، فخرجت الملائكة والمُخبرُ عن غير الله تعالى، والعالِمُ. (٢) ولابُدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. والمعجزة (٣) ما خرق العادةَ، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى ويعدده (٤) في جنسه وصفته.

____________________

(١) ج: المطلب الأوّل.

(٢) ج: من العالم.

(٣) إلف: المعجز.

(٤) ب: يعده، ج: تعذُره.

١٨٣

المطلب الأوّل (١)

في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمةَ والصّابئةَ، لأنّ فيها مصلحةً للعالَم، ولا مفسدةَ فيها، وما كان كذلك فهو واقعٌ، فيكونُ ممكناً.

احتجّوا بأنّ الرّسول(عليه السلام) إنّما جاء بما يوافقُ العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة وإلاّ كان (٢) مردوداً.

والجوابُ، الفائدةُ ظاهرةٌ في ما يوافق العقل، وهو تأكيدُ العقليّ بالنقليّ، وقطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (٣) ولأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاجُ إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، وكالقبائح المستندة إليه والمنافع المعلومة منه، كالصّنائع وغيرها. وما لا يوافقُ العقلَ لا يكون مردوداً إذا لم يقتض العقل نقيضَه.

____________________

(١) ج: المطلب الثاني.

(٢) ب: لكان.

(٣) النساء: ٤/٦٥.

١٨٤

المطلب الثّاني

في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافاً للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبةٌ إجماعاً وهي ألطافٌ في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظبَ على فعل الواجبات السمعيّة (١) أقربُ إلى فعل الواجبات العقليّة؛ وقد نبّه الله - تعالى - عليه في قوله تعالى: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (٢) . واللّطف واجبٌ، ولا يمكن معرفةُ السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه، ودوام الثّواب ألطافٌ في التّكليف قطعاً، واللّطفُ واجبٌ ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

وللأوائل في هذا الباب طريق آخر، وهو أنّ الإنسانَ مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون ومشارك بحيثُ يفرغُ كلٌّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في أُمور معاشه. ولا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع والتغالب، فلا يستمر (٣) فائدته إلاّ بسُنّةٍ وعدل ينتظمُ باعتبار استعمالهما (٤) أحوال النّوع. وتلك السّنّة

____________________

(١) ج: على تعليم الواجبات الشرعية.

(٢) العنكبوت: ٢٩/٤٥.

(٣) ب: فلا تتمُّ.

(٤) ألف: استعمالها.

١٨٥

والعدل لابُدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع وكان يفضي إلى ما يقربُ منه. وذلك الامتياز، إنماّ هو بفعل لا يتمكن غيره من الإِتيان بمثله، وهو المعجزةُ.

ثمّ إنّ كثيراً من النّاس من يستحقرُ اختلالُ (١) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف ووعد بوصول ثواب وعقاب إليه أُخرويّين عندَ المخالفة أو الموافقة.

ولمّا كان الإنسانُ في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - ووعده ووعيده. وذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعثٌ رسول منذر (٢) بثوابٍ وعقابٍ، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسبِ مقتضى الحكمة الإلهيّة.

____________________

(١) ب، ج: اختلاف.

(٢) ب: - رسول منذر.

١٨٦

المطلب الثّالث

في وجوب العصمة

ذهب الإماميّةُ خاصّةً إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافاً لجميع الفرق؛ فإنّ جمهورَ الأشاعرة والحشويّة جوّزوا جميعَ المعاصي عليهم إلاّ الكفرَ والكذبَ في الأداء. وقال بعضُ المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهواً، وبعضهم عمداً على سبيل التّأويل، وبعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقعُ مكفّرةً.

لنا : أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقضُ الغرض بالبعثة، وهو القبول منهم والامتثال لأوامرهم ونواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّفُ المعصيةَ عنهم جوّز كونَ ما أمروا به معصيةً، ولأنّه يجوزُ أن يؤدّي بعض ما أُمِر بأدائه وأن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدةُ البعثة، ولأنّه إذا فعل المعصيةَ وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّهُ من القلوب. ولأنّا لو جوّزنا المعصيةَ عليه لم يجب علينا امتثالُ قوله إلاّ بعدَ العلم بصدقه، ويلزمُ الدّور.

ويجب أن يكونَ معصوماً من السّهو في ما يؤدّيه، خلافاً لجميع الفرق، وإلاّ لزم نقضُ غرض البعثة، وأن يكونَ مُنزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وإلاّ لزم التّنفير عنه وسقوط محلّه من القلب. (١)

____________________

(١) ج: القلوب.

١٨٧

المطلب الرّابع

في نبوّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

لأنّه ادّعى النّبوّةَ وظهرت المعجزةُ على يده، فيكون صادقاً.

والأُولى ضروريّةٌ.

وأمّا الثّانيةُ، فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجزٌ، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضةَ بمثله أو الحربَ، فاختاروا الحربَ؛ ومعلومٌ أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجأوا إلى أشقّ الأمرين. ولأنّه ظهر على يده معجزاتٌ كثيرةٌ، كانشقاق القمر، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وغير ذلك. وإن لم يكن كلّ واحدٍ منها متواتراً، فإنّها متواترةُ المعنى.

وأمّا الثّالثةُ فضروريّةٌ، فإنّ من ادّعى رسالةَ ملك وقال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنتُ صادقاً فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّةً بعدَ أُخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخَ باطلٌ، وإلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهيُ عن الحَسن؛ ولأنّ موسى (عليه السلام) إن بيّن دوامَ شرعه بطل النّسخُ لصدقه، وإن بيّن

١٨٨

انقطاعَه وجب تواتره، لتواتر (١) أصل شرعه، وإن لم يبيّن شيئاً اقتضى الفعل مرّةً. ولقوله (عليه السلام): ((تمسّكوا بالسّبتِ أبداً)) (٢) .

والجوابُ: (أنّ الحسن والقبيح يختلفُ باختلاف المصالح والمفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، وتواترَ اليهود انقطع، والتأبيدَ لا يدلّ (٣) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح(عليه السلام) عند خروجه من الفلك: ((إنّي جعلتُ كلّ دابّة حيّة مأكَلاً لك ولذرّيّتك وأطلقتُ ذلك لكم كنبات العشب أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه)) (٤) ، ثمّ حرّم على لسان موسى (عليه السلام) كثيراً من الحيوانات.

وفي التّوراة: ((قرّبوا إليّ كلَّ يوم خروفين، خروف غدوةً وخروف عشيّةً بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم)) (٥) . ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

وقال: (يستخدمُ العبدُ سِتّ سنين، ثمّ يُعرضُ عليه العتقُ، فإن لم يقبل ثُقِبَ أُذنه واستُخدِمَ أبداً). (٦)

وفي موضع آخر: (يُستخدمُ خمسين سنةً، ثمّ يعتقُ في تلك السّنة). (٧) وهي كثيرةٌ.

____________________

(١) ج: كتواتر.

(٢) مبادئ الوصول: ١٧٨، نقلاً عن سفر الخروج: ١٤٤، فصل ٣١، طبع بيروت - ١٩٣٧م.

(٣) ج: لابُدّ.

(٤) التوراة، السفر الأوّل.

(٥) التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: ٤٨٧.

(٦) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

(٧) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

١٨٩

المطلب الخامس

في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحةُ. وقال البلخيّ: إنّ جنسَ القرآن غيرُ مقدور للبشر. وقال الجوينيّ (١) : إنّه الفصاحةُ والأسلوبُ. وذهب المرتضى والنظّامُ (٢) إلى أنّ الله - تعالى - صرف العربَ ومنعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العربَ كانوا (٣) متمكّنين من المفردات والتّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

واحتجّ الأوّلون بأنّ الإعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكونَ في غاية الرّكاكة، والقدرةُ على مطلق التّأليف مُسلّمٌ، أمّا على تأليف القرآن فإنهّ ممنوعٌ، والملازمةُ ممنوعةٌ.

____________________

(١) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله المعروف بإمام الحرمين والجويني، توفّي سنة ٤٧٨هـ. قاله في كتابه البرهان في أُصول الفقه: ١/٩٨.

(٢) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة ٢٣١هـ الأعلام: ١/٤٣.

(٣) ب: كافّة.

١٩٠

المطلب السّادس

في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرةَ على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرةُ على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. ومنهم من أثبت القدرةَ وفسّر العصمةَ بأنها أمرٌ يفعله - تعالى - بالعبد بحيثُ لا يُقدِمُ معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، وإلاّ لما استحقّ المدحَ ولبطل التّكليفُ؛ ولقوله تعالى: ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (١) .

وأسبابُ العصمة عندهم أمورٌ أربعةٌ: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور، وحصول العلم بالمدح على الطاعة والذّمّ على المعصية؛ وتأكيدُ تلك العلوم بترادفِ الوحي وترك إهمال معاتبته عند ترك الأولى. وفي اشتراطِ ترادفِ الوحي نظرٌ؛ فإنّ الأئمّة ومريم وفاطمة (عليهم السلام) معصومون من غير وحي، والتّحقيق أنّ الله - تعالى - يفعل به لطفاً ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

____________________

(١) المؤمنون: ٢٣/٣٣.

١٩١

المطلب السّابع

في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة وبعدها عن الصّغائر والكبائر عمداً وسهواً، وإلاّ لزم نقضُ الغرض من الانقياد إليهم والتّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصياً، وجوّزت الفضليّةُ (١) من الخوارج بعثةَ من يعلم الله - تعالى - منه أنّه يكفرُ. وابن فورك (٢) جوّز بعثةَ من كان كافراً، ولم يقع. وبعض الحشوية زعم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (أنّه) كان كافراً قبل البعثة، لقوله تعالى: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى‏ ) (٣) ، وأطبق المحققون على بطلانه.

وأكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرةَ على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسفَ. ومنع الباقون من نبوّتهم. واتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام والأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

____________________

(١) ب: الفضيليّة.

(٢) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد والبصرة، توفّي سنة ٤٠٦هـ. الأعلام للزركلي: ٦/٨٣.

(٣) الضّحى: ٩٣/٧.

١٩٢

المطلب الثّامن

في الكرامات

اتّفقت الأشاعرةُ على جوازها، وهو الحقّ عندي؛ لقصّة مريمَ وآصفَ وما نقل متواتراً عن الأئمّة (عليهم السلام) من المعجزات. ومنع منه المعتزلة، لامتناع (١) الاستدلال به على النّبوّة. والجوابُ: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

____________________

(١) ب: لجواز امتناع.

١٩٣

المطلب التّاسعُ

في أنّ الأنبياء أفضلُ من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) وهو يتناول الملائكة؛ ولاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة والغضب والموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، وقال (عليه السلام): ((أفضلُ الأعمال أحمزُها)) (٢) وقالت المعتزلة والفلاسفة: الملائكةَ أفضلُ، لقوله تعالى: ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (٣) ، وقوله: ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (٤) ، ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (٥) ، ولأنّ الملائكةَ جواهرُ مجرّدةٌ، فتكونُ أشرفَ من البشر.

____________________

(١) آل عمران: ٣/٣٣.

(٢) بحار الأنوار: ٦٧/١٩١ و٢٣٧، وج٧٩/٢٢٩.

(٣)الأعراف: ٧/٢٠.

(٤) النساء: ٤/١٧٢.

(٥) يوسف: ١٢/٣١.

١٩٤

والجوابُ: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليسَ، لا بعدَ الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام ونفيُ الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي (١) قالت النّصارى إنّه ابنُ الله، كقول المشركين إنّهم بناتُ الرّحمن. وتخيّلُ النّساء أنّ جمال الملك أكثرُ من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

____________________

(١) ج: نفياً للّذي.

١٩٥

١٩٦

المرصد الثّامن

في الإمامة

وفيه مطالب

١٩٧

١٩٨

[المطلب] الأوّل

في وجوبها

الإمامة رياسة عامّة في أُمور الدّين والدّنيا لشخص من الأشخاص. واختُلفَ في وجوبها. فمنع منه الأصمّ والفوطيّ، وذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة وأبي الحسين البصريّ والبغداديّين أنّ طريقَ وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على الله - تعالى -، لكونها لطفاً بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيسٌ ينتصفُ للمظلوم ويردَعُ الظالم، كانوا من الصّلاح أقربَ وعن الفساد أبعدَ؛ واللّطفُ واجبٌ، لما تقدّم.

لا يُقال: يجوزُ أن تكونَ الإمامةُ لطفاً يقومُ غيرُها مقامَها فلا يجبُ عيناً، فإنّ من اللّطف ما لا يقومُ غيره مقامَه، كالعلم باستحقاق الثّواب والعقاب، ومنه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، وإلاّ لم يخل مكلّفٌ من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. ولا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه (١) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاقُ العقلاء في كلّ مكان وزمان على نصب الرّؤساء دليل

____________________

(١) ج: وجه.

١٩٩

على انتفاء غيرها من الألطاف، ووجوه القبح محصورة. وهي منفيّةٌ هنا.

وقال أبو الحسين والبغداديون: إنّها واجبةٌ على العقلاء. وهو خطأٌ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. وذهب الجُبّائيّان والأشاعرة إلى أنّها واجبةٌ سمعاً.

٢٠٠

وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاسعليه‌السلام فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه(1) .

ونظر الحسينعليه‌السلام إلى ما حوله، ومدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم ير أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.

وهكذا بقي الإمامعليه‌السلام وحده يحمل سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين جنبيه قلب عليعليه‌السلام وبيده راية الحق البيضاء، وعلى لسانه كلمة التقوى.

الحسينعليه‌السلام وحيداً في الميدان:

حينما التفت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام يميناً وشمالاً ولم ير أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع. فقال: (يا عمّتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وإذا بالحسينعليه‌السلام ينادي: (يا أم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسينعليه‌السلام من المسنّاة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 109.

(2) بحار الأنوار: 45 / 46.

٢٠١

فامتلأت القلنسوة دما، فقال له الحسينعليه‌السلام : (لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين).

ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنْسوة أخرى فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به)(1) .

حمل الإمام الحسينعليه‌السلام سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة.

قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب(2) .

ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلى أساليب الجبناء; فقد استدعى شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زُرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه،

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 110، إعلام الورى: 1 / 467.

(2) الإرشاد: 2 / 111، إعلام الورى: 1 / 468.

٢٠٢

وبدر إليه خُولى بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، ما لك ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلى خولى بن يزيد فقال: إحمله إلى الأمير عمر بن سعد.

ثم أقبلوا على سلب الحسينعليه‌السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه(1) .

امتداد الحمرة في السماء:

ومادت الأرض واسودَّتْ آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله لأولئك السفّاكين المجرمين الذين انتهكوا جميع حُرُماتِ الله(2) .

وصبغ فرس الحسينعليه‌السلام ناصيته بدم الإمام الشهيد المظلوم وأقبل يركض مذعوراً نحو خيام الحسينعليه‌السلام ليعلم العيال بمقتله واستشهاده، وقد صوّرت زيارة الناحية المقدّسة هذا المشهد المأساوي كما يلي: (فلما نظرت النساء إلى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجن من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذَلَّلات وإلى مصرع الحسين مبادرات).

ونادت عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهي ثكلى: وا محمداه! وا أبتاه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! هذا حسين بالعراء، صريع

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 112، إعلام الورى: 1 / 469.

(2) راجع كشف الغمة: 2 / 9، سير أعلام النبلاء: 3 / 312، تاريخ الإسلام للذهبي: 15، حوادث سنة 61، إعلام الورى: 1 / 429.

٢٠٣

بكربلاء، ليت السماء أطبقت على الأرض! وليت الجبال تدكدكت على السهل!!(1)

حرق الخيام وسلب حرائر النبوة:

وعمد المجرمون اللئام إلى حرق خيام الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام غير حافلين بمن في الخيام من بنات الرسالة وعقائل النبوّة. قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : (والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة وتذكّرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين!)(2) .

وعمد أراذل جيش الكوفة إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فنهبوا ما عليهن من حليّ وحلل، كما نهبوا ما في الخيام من متاع.

الخيل تدوس الجثمان الطاهر:

لقد بانت خِسّة الأمويين لكل ذي عينين، وعبّرت عن مسخ في الوجدان الذي كانوا يحملونه وماتت الإنسانية فتحولت الأجساد المتحركة إلى وحوش دنيئة لا تملك ذرّة من رحمة ولا يزعها وازع من بقية ضمير إنساني.

فحين حاصرت جيوش الضلالة أهل بيت النبوةعليهم‌السلام في عرصات كربلاء كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً وهو يبيّن له ما يستهدفه من نتيجة للمعركة، وما تنطوي عليه نفسه الشريرة من حقد دفين على الرسالة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل ما يمتّ إليهما بصلة أو قرابة، وقد جاء فيه ما يلي:

أما بعد: فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعقد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرم: 346.

(2) حياة الإمام الحسينعليه‌السلام ، نقلاً عن تاريخ المظفري: 238.

٢٠٤

الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن علي قول، لو قد قتلته فعلت هذا به(1) .

على أن ابن زياد كان من أعمدة الحكم الأموي. ولا نعلم أوامر صدرت من أحد أفراده بحيث كانت ترعى حرمة أو تقديراً لمقام ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لم يكن خافياً على أحد من الأمويين.

وهكذا انبرى ابن سعد بعد مقتل ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لينفّذ أوامر سيّده الحاقد ابن زياد، فنادى في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة، فداسوا جسد الحسينعليه‌السلام بخيولهم حتى رضّوا ظهره(2) .

عقيلة بني هاشم أمام الجثمان العظيم:

ووقفت حفيدة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنة أمير المؤمنينعليه‌السلام العقيلة زينبعليها‌السلام على جثمان أخيها العظيم، وهي تدعو قائلةً: (اللهم تقبّل هذا القربان)(3) . إنَّ الإنسانية لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السر الوحيد في خلود تضحية الحسينعليه‌السلام وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 314، إعلام الورى: 1 / 453.

(2) إعلام الورى: 1 / 470، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 39.

(3) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام : 3 / 304.

٢٠٥

٢٠٦

الفصل الثالث:

نتائج الثورة الحسينية

انبعثت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام من ضمير الأمة الحيّ ومن وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمى الرسالة والرسول ودافع عنهما، حتى استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التأريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام وتدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى.

ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. وأهم تلك الآثار هي:

1 - فضح الأمويين وتحطيم الإطار الديني المزيّف:

بفعل ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام تكشفت للناس حقيقة النزعة الأُموية المتسلطة على الحكم، ونسفت تضحيات الثائرين كل الأطر الدينية المزيّفة

٢٠٧

التي استطاع الأمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأمة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته(1) .

وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي - من قادة الجيش الأموي - يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً: يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام(2) . فالدين في دعوى الأمويين طاعة يزيد ومقاتلة الحسينعليه‌السلام .

ولكن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الأمة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسينعليه‌السلام يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الإسلامي: أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟!

هذا بالإضافة إلى كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 281.

(2) المصدر السابق: 4 / 331.

٢٠٨

بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الأمويين ودناءتهم ودجلهم.

وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام فضح الجرائم التي ارتكبها بنو أُمية ومن ثم توضيح رسالة الإمام الحسينعليه‌السلام .

إنّ جميع المسلمين متفقون - على اختلاف مذاهبهم وآرائهم - بأن الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، وأن يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.

2 - إحياء الرسالة الإسلامية:

لقد كان استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام هزّة لضمير الأمة وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني أُمية ومن سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً إلى من يليهم من الأجيال.

لقد استطاع سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للأمة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسينعليه‌السلام في تحقيق هذا الهدف؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبد الله قائلاً: من الغالب؟ قالعليه‌السلام : (إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب)(1) .

لقد كان الحسينعليه‌السلام هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته وإخراجه من معترك الحياة.

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي.

٢٠٩

3 - الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الأمويين:

اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام وزينب بنت عليّ بن أبي طالب وبقية أفراد عائلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التي ساقها الطغاة الأمويون كسبايا من كربلاء إلى الكوفة فالشام.

فقد وقفت زينبعليها‌السلام في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت:

أما بعد:

يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟).

وتكلم عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال:

أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من أمتي(1) .

____________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : 3 / 341 عن مثير الأحزان.

٢١٠

وروي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً وأكرم عبيد الله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم(1) .

ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الأموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الأموي الظالم.

صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الأموي وبعده عن الرسالة الإسلامية إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبويعليهم‌السلام يحسبون له ألف حساب.

4 - إحياء إرادة الأمة وروح الجهاد فيها(2):

كانت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالأمة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعاظ السلاطين أحياناً وأخرى بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.

فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسينعليه‌السلام أن لا يستسلم ولا يساوم،

____________________

(1) تأريخ الطبري: 4 / 388، تأريخ الخلفاء: 208.

(2) للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية، الموقف، النتائج ) للسيّد محمد باقر الحكيم:100.

٢١١

وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو على الأقل برضا الجماهير.

ونجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح; إلاّ أنها توالت حتى سقط النظام. ورغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسينعليه‌السلام أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين(1) التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، وثورة المدينة(2) ، وثورة المختار الثقفي(3) الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسينعليه‌السلام ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام (4) وثورة أبي السرايا(5) .

لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الأمة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أن الأمة الإسلامية أثبتت حيويّتها وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الأمويين أسلافهم.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 426، 449.

(2) المصدر السابق: 4 / 464.

(3) المصدر السابق: 4 / 487.

(4) مقاتل الطالبيين: 135.

(5) المصدر السابق: 523.

٢١٢

الفصل الرابع:

من تراث الإمام الحسينعليه‌السلام

نظرة عامّة في تراث الإمام الحسينعليه‌السلام :

الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم أمناء على تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير.

إن المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة; لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة; ولكنها لم تقتصر على الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب; وإنما كانت تمتد أبعادها إلى أعماق الأُمة والشريعة.

إن هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الأمة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر على تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال

٢١٣

خمسين عاماً بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضى والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً. حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهمعليهم‌السلام . وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام ووثائق الثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله; ليقف على عظمة هذه الثروة الكبرى وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث:

في رحاب العقل والعلم والمعرفة:

قالعليه‌السلام :

1 - خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع: العقل والدين والأدب والحياء وحسن الخلق(1) .

2 - وسُئل عن أشرف الناس، فقال: من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ(2) .

3 - وقالعليه‌السلام : لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق(3) .

4 - العاقل لا يحدِّث من يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل من يخاف منعَه ولا يثِقُ بمن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه(4) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 743 عن حياة الإمام الحسين: 1 / 181.

(2) المصدر السابق: 743 عن إحقاق الحق: 11 / 590.

(3) المصدر السابق: 742 عن اعلام الدين: 298. وورد هذا النص عن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً.

(4) المصدر السابق: 742 عن حياة الإمام الحسينعليه‌السلام : 1/181.

٢١٤

5 - العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوى، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك(1) .

6 - من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر(2) .

7 - لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لاَوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه.

8 - وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسينعليه‌السلام مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة إلى المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:

قالعليه‌السلام :

أ - إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟....

ب - إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء....

ج - إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمة توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكونَ هو المظهِرَ لك؟! متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟!. ومتى بَعُدْتَ حتّى تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

د - إلهي أمرتَ بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 742 و 743 عن بحار الأنوار: 78 / 128، الحديث 11.

(2) المصدر السابق.

٢١٥

الهمّة عن الاعتمادِ عليها.

هـ - منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك.

و - إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حققّني بحقايق أهلِ القُرب....

ز - إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي.

ح - إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة اسرني، فكن أنت النصير لي حتَى تنصرني وتبصرني.

ط - أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتى عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ؟! وما الذي فقد من وجدك؟!.

ي - أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كل شيء... كيف تخفى وأنت الظاهرُ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!(1) .

في رحاب القرآن الكريم:

لقد اعتنى أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناء وافراً فعكفوا على تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد أثرت عن الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 803 - 806 عن إقبال الأعمال: 339.

٢١٦

أ - قالعليه‌السلام : (كتاب الله عَزَّ وجَلَّ على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء)(1) .

ب - (من قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكل حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكل حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتى يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتى يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيراً له ممّا بين السماءِ والأرضِ)(2) .

ج - وعنهعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى:( تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها (أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة)(3) .

د - وسأله رجل عن معنى( كهيعص ) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت على الماء(4) .

هـ - وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبد الله حَدِّثني عن قول الله عزَّ وجَلَّ:( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) ، قال: (نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عَزَّ وجَلَّ، قلنا صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة)(5) .

و - وفي قوله تعالى:( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ) قالعليه‌السلام : (هذه فينا أهل البيت)(6) .

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 551 عن جامع الأخبار: 48.

(2) المصدر السابق: 551، عن الكافي: 2 / 611، الحديث 3.

(3) المصدر السابق: 560 عن تفسير البرهان: 2 / 323.

(4) المصدر السابق: 561 عن ينابيع المودّة: 484.

(5) المصدر السابق: 563 عن حياة الحسين: 2 / 234.

(6) المصدر السابق: 564 عن بحار الأنوار: 24 / 166.

٢١٧

ز - في قوله تعالى:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالعليه‌السلام : (إن القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا على كلّ مسلم)(1) .

ح - وفسّر النعمة في قوله تعالى:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (بما أنعم الله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دينهِ)(2) .

ط - وفسّر الصَمَد بقوله: إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله:( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (3) .

ي - وقال: (الصمد: الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهى سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد: الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال)(4) .

ك - وروي أن عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسينعليه‌السلام سورة الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاهعليه‌السلام ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك، فقالعليه‌السلام : وأين يقع هذا من عطائه؟ يعني بذلك تعليمه القرآن(5) .

في رحاب السُنّة النبويّة المباركة:

لقد عاصر الحسين جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كأمه وأبيه وأخيه، وعلم أن سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي،

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 565 عن بحار الأنوار: 23 / 251 الحديث 37.

(2) المصدر السابق: 567 عن المحاسن: 1 / 344 الحديث 11.

(3) المصدر السابق: 568 عن التوحيد: 90 الحديث 5 ثم نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

(4) المصدر السابق: 569 عن معادن الحكمة: 2 / 51.

(5) المصدر السابق: 827 عن بحار الأنوار: 44 / 191.

٢١٨

وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.

ومن هنا نجد الحسينعليه‌السلام يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويضحّي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه: (حسين منّي وأنا من حسين)، (ألا وإن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوى الثورة على من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.

قال صلوات الله عليه:

1 - (كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحسن ما خلق اللهُ خلْقاً)(1) .

2 - وروى الحسينعليه‌السلام - كأخيه الحسن وصفاً دقيقاً للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما عليعليه‌السلام وهو الذي ربّاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ نعومة أظفاره حتى التحاقه بالرفيق الأعلى. ونشير إلى مقطع من هذه السيرة. قال الحسينعليه‌السلام فسألته عن سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:

(كان سكوته على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى. وجمع له الحلم في

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 571، عن كنز العمّال: 7 / 217.

٢١٩

الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح أمته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة)(1) .

3 - وروى أيضاً أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال: (إني رأيت في المنام كأنّ بني أُمية يتعاورون منبري هذا). فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دُنيا تنالهُمُ، فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ... ) (2) .

4 - وروى أيضاً أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أكل طعاماً يقول: (اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه)، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وارزقنا منه)(3) . وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ(4) .

5 - وسُئل عن الأذان وما يقول الناس فيه، قال: (الوحي ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: أهبَطَ الله عَزَّ وجَلََّ ملكاً حين عُرِج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذّن مثنى مثنى، وأقامَ مثنى مثنى، ثم قال له جبرئيل: يا محمّد هكذا أذان الصلاة)(5) .

6 - وروى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث مع عليّعليه‌السلام ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل فقال: (يا عليّ أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل):( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ

____________________

(1) موسوعة كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام : 571 - 575 عن مجمع الزوائد: 8 / 274 ومعاني الأخبار: 79.

(2) المصدر السابق: 575 عن الغدير: 8 / 248.

(3) المصدر السابق: 578 عن عيون أخبار الرضا: 2 / 42.

(4) المصدر السابق: عن بحار الأنوار: 16 / 287.

(5) المصدر السابق: 683 عن مستدرك الوسائل: 4 / 17.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257