تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس23%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84880 / تحميل: 6296
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

المرصد السابع

في النبوة

وفيه مطالب

١٨١

١٨٢

مقدمة (١)

[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسانُ المخبرُ عن الله - تعالى - بغير واسطة أحدٍ من البشر، فخرجت الملائكة والمُخبرُ عن غير الله تعالى، والعالِمُ. (٢) ولابُدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. والمعجزة (٣) ما خرق العادةَ، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى ويعدده (٤) في جنسه وصفته.

____________________

(١) ج: المطلب الأوّل.

(٢) ج: من العالم.

(٣) إلف: المعجز.

(٤) ب: يعده، ج: تعذُره.

١٨٣

المطلب الأوّل (١)

في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمةَ والصّابئةَ، لأنّ فيها مصلحةً للعالَم، ولا مفسدةَ فيها، وما كان كذلك فهو واقعٌ، فيكونُ ممكناً.

احتجّوا بأنّ الرّسول(عليه السلام) إنّما جاء بما يوافقُ العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة وإلاّ كان (٢) مردوداً.

والجوابُ، الفائدةُ ظاهرةٌ في ما يوافق العقل، وهو تأكيدُ العقليّ بالنقليّ، وقطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (٣) ولأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاجُ إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، وكالقبائح المستندة إليه والمنافع المعلومة منه، كالصّنائع وغيرها. وما لا يوافقُ العقلَ لا يكون مردوداً إذا لم يقتض العقل نقيضَه.

____________________

(١) ج: المطلب الثاني.

(٢) ب: لكان.

(٣) النساء: ٤/٦٥.

١٨٤

المطلب الثّاني

في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافاً للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبةٌ إجماعاً وهي ألطافٌ في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظبَ على فعل الواجبات السمعيّة (١) أقربُ إلى فعل الواجبات العقليّة؛ وقد نبّه الله - تعالى - عليه في قوله تعالى: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (٢) . واللّطف واجبٌ، ولا يمكن معرفةُ السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه، ودوام الثّواب ألطافٌ في التّكليف قطعاً، واللّطفُ واجبٌ ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

وللأوائل في هذا الباب طريق آخر، وهو أنّ الإنسانَ مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون ومشارك بحيثُ يفرغُ كلٌّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في أُمور معاشه. ولا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع والتغالب، فلا يستمر (٣) فائدته إلاّ بسُنّةٍ وعدل ينتظمُ باعتبار استعمالهما (٤) أحوال النّوع. وتلك السّنّة

____________________

(١) ج: على تعليم الواجبات الشرعية.

(٢) العنكبوت: ٢٩/٤٥.

(٣) ب: فلا تتمُّ.

(٤) ألف: استعمالها.

١٨٥

والعدل لابُدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع وكان يفضي إلى ما يقربُ منه. وذلك الامتياز، إنماّ هو بفعل لا يتمكن غيره من الإِتيان بمثله، وهو المعجزةُ.

ثمّ إنّ كثيراً من النّاس من يستحقرُ اختلالُ (١) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف ووعد بوصول ثواب وعقاب إليه أُخرويّين عندَ المخالفة أو الموافقة.

ولمّا كان الإنسانُ في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - ووعده ووعيده. وذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعثٌ رسول منذر (٢) بثوابٍ وعقابٍ، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسبِ مقتضى الحكمة الإلهيّة.

____________________

(١) ب، ج: اختلاف.

(٢) ب: - رسول منذر.

١٨٦

المطلب الثّالث

في وجوب العصمة

ذهب الإماميّةُ خاصّةً إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافاً لجميع الفرق؛ فإنّ جمهورَ الأشاعرة والحشويّة جوّزوا جميعَ المعاصي عليهم إلاّ الكفرَ والكذبَ في الأداء. وقال بعضُ المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهواً، وبعضهم عمداً على سبيل التّأويل، وبعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقعُ مكفّرةً.

لنا : أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقضُ الغرض بالبعثة، وهو القبول منهم والامتثال لأوامرهم ونواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّفُ المعصيةَ عنهم جوّز كونَ ما أمروا به معصيةً، ولأنّه يجوزُ أن يؤدّي بعض ما أُمِر بأدائه وأن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدةُ البعثة، ولأنّه إذا فعل المعصيةَ وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّهُ من القلوب. ولأنّا لو جوّزنا المعصيةَ عليه لم يجب علينا امتثالُ قوله إلاّ بعدَ العلم بصدقه، ويلزمُ الدّور.

ويجب أن يكونَ معصوماً من السّهو في ما يؤدّيه، خلافاً لجميع الفرق، وإلاّ لزم نقضُ غرض البعثة، وأن يكونَ مُنزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وإلاّ لزم التّنفير عنه وسقوط محلّه من القلب. (١)

____________________

(١) ج: القلوب.

١٨٧

المطلب الرّابع

في نبوّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

لأنّه ادّعى النّبوّةَ وظهرت المعجزةُ على يده، فيكون صادقاً.

والأُولى ضروريّةٌ.

وأمّا الثّانيةُ، فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجزٌ، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضةَ بمثله أو الحربَ، فاختاروا الحربَ؛ ومعلومٌ أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجأوا إلى أشقّ الأمرين. ولأنّه ظهر على يده معجزاتٌ كثيرةٌ، كانشقاق القمر، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وغير ذلك. وإن لم يكن كلّ واحدٍ منها متواتراً، فإنّها متواترةُ المعنى.

وأمّا الثّالثةُ فضروريّةٌ، فإنّ من ادّعى رسالةَ ملك وقال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنتُ صادقاً فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّةً بعدَ أُخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخَ باطلٌ، وإلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهيُ عن الحَسن؛ ولأنّ موسى (عليه السلام) إن بيّن دوامَ شرعه بطل النّسخُ لصدقه، وإن بيّن

١٨٨

انقطاعَه وجب تواتره، لتواتر (١) أصل شرعه، وإن لم يبيّن شيئاً اقتضى الفعل مرّةً. ولقوله (عليه السلام): ((تمسّكوا بالسّبتِ أبداً)) (٢) .

والجوابُ: (أنّ الحسن والقبيح يختلفُ باختلاف المصالح والمفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، وتواترَ اليهود انقطع، والتأبيدَ لا يدلّ (٣) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح(عليه السلام) عند خروجه من الفلك: ((إنّي جعلتُ كلّ دابّة حيّة مأكَلاً لك ولذرّيّتك وأطلقتُ ذلك لكم كنبات العشب أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه)) (٤) ، ثمّ حرّم على لسان موسى (عليه السلام) كثيراً من الحيوانات.

وفي التّوراة: ((قرّبوا إليّ كلَّ يوم خروفين، خروف غدوةً وخروف عشيّةً بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم)) (٥) . ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

وقال: (يستخدمُ العبدُ سِتّ سنين، ثمّ يُعرضُ عليه العتقُ، فإن لم يقبل ثُقِبَ أُذنه واستُخدِمَ أبداً). (٦)

وفي موضع آخر: (يُستخدمُ خمسين سنةً، ثمّ يعتقُ في تلك السّنة). (٧) وهي كثيرةٌ.

____________________

(١) ج: كتواتر.

(٢) مبادئ الوصول: ١٧٨، نقلاً عن سفر الخروج: ١٤٤، فصل ٣١، طبع بيروت - ١٩٣٧م.

(٣) ج: لابُدّ.

(٤) التوراة، السفر الأوّل.

(٥) التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: ٤٨٧.

(٦) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

(٧) شرح التجريد للشعراني: ٥٠٤؛ مبادئ الوصول: ١٧٩.

١٨٩

المطلب الخامس

في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحةُ. وقال البلخيّ: إنّ جنسَ القرآن غيرُ مقدور للبشر. وقال الجوينيّ (١) : إنّه الفصاحةُ والأسلوبُ. وذهب المرتضى والنظّامُ (٢) إلى أنّ الله - تعالى - صرف العربَ ومنعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العربَ كانوا (٣) متمكّنين من المفردات والتّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

واحتجّ الأوّلون بأنّ الإعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكونَ في غاية الرّكاكة، والقدرةُ على مطلق التّأليف مُسلّمٌ، أمّا على تأليف القرآن فإنهّ ممنوعٌ، والملازمةُ ممنوعةٌ.

____________________

(١) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله المعروف بإمام الحرمين والجويني، توفّي سنة ٤٧٨هـ. قاله في كتابه البرهان في أُصول الفقه: ١/٩٨.

(٢) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة ٢٣١هـ الأعلام: ١/٤٣.

(٣) ب: كافّة.

١٩٠

المطلب السّادس

في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرةَ على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرةُ على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. ومنهم من أثبت القدرةَ وفسّر العصمةَ بأنها أمرٌ يفعله - تعالى - بالعبد بحيثُ لا يُقدِمُ معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، وإلاّ لما استحقّ المدحَ ولبطل التّكليفُ؛ ولقوله تعالى: ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (١) .

وأسبابُ العصمة عندهم أمورٌ أربعةٌ: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور، وحصول العلم بالمدح على الطاعة والذّمّ على المعصية؛ وتأكيدُ تلك العلوم بترادفِ الوحي وترك إهمال معاتبته عند ترك الأولى. وفي اشتراطِ ترادفِ الوحي نظرٌ؛ فإنّ الأئمّة ومريم وفاطمة (عليهم السلام) معصومون من غير وحي، والتّحقيق أنّ الله - تعالى - يفعل به لطفاً ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

____________________

(١) المؤمنون: ٢٣/٣٣.

١٩١

المطلب السّابع

في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة وبعدها عن الصّغائر والكبائر عمداً وسهواً، وإلاّ لزم نقضُ الغرض من الانقياد إليهم والتّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصياً، وجوّزت الفضليّةُ (١) من الخوارج بعثةَ من يعلم الله - تعالى - منه أنّه يكفرُ. وابن فورك (٢) جوّز بعثةَ من كان كافراً، ولم يقع. وبعض الحشوية زعم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (أنّه) كان كافراً قبل البعثة، لقوله تعالى: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى‏ ) (٣) ، وأطبق المحققون على بطلانه.

وأكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرةَ على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسفَ. ومنع الباقون من نبوّتهم. واتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام والأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

____________________

(١) ب: الفضيليّة.

(٢) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد والبصرة، توفّي سنة ٤٠٦هـ. الأعلام للزركلي: ٦/٨٣.

(٣) الضّحى: ٩٣/٧.

١٩٢

المطلب الثّامن

في الكرامات

اتّفقت الأشاعرةُ على جوازها، وهو الحقّ عندي؛ لقصّة مريمَ وآصفَ وما نقل متواتراً عن الأئمّة (عليهم السلام) من المعجزات. ومنع منه المعتزلة، لامتناع (١) الاستدلال به على النّبوّة. والجوابُ: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

____________________

(١) ب: لجواز امتناع.

١٩٣

المطلب التّاسعُ

في أنّ الأنبياء أفضلُ من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) وهو يتناول الملائكة؛ ولاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة والغضب والموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، وقال (عليه السلام): ((أفضلُ الأعمال أحمزُها)) (٢) وقالت المعتزلة والفلاسفة: الملائكةَ أفضلُ، لقوله تعالى: ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (٣) ، وقوله: ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (٤) ، ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (٥) ، ولأنّ الملائكةَ جواهرُ مجرّدةٌ، فتكونُ أشرفَ من البشر.

____________________

(١) آل عمران: ٣/٣٣.

(٢) بحار الأنوار: ٦٧/١٩١ و٢٣٧، وج٧٩/٢٢٩.

(٣)الأعراف: ٧/٢٠.

(٤) النساء: ٤/١٧٢.

(٥) يوسف: ١٢/٣١.

١٩٤

والجوابُ: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليسَ، لا بعدَ الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام ونفيُ الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي (١) قالت النّصارى إنّه ابنُ الله، كقول المشركين إنّهم بناتُ الرّحمن. وتخيّلُ النّساء أنّ جمال الملك أكثرُ من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

____________________

(١) ج: نفياً للّذي.

١٩٥

١٩٦

المرصد الثّامن

في الإمامة

وفيه مطالب

١٩٧

١٩٨

[المطلب] الأوّل

في وجوبها

الإمامة رياسة عامّة في أُمور الدّين والدّنيا لشخص من الأشخاص. واختُلفَ في وجوبها. فمنع منه الأصمّ والفوطيّ، وذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة وأبي الحسين البصريّ والبغداديّين أنّ طريقَ وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على الله - تعالى -، لكونها لطفاً بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيسٌ ينتصفُ للمظلوم ويردَعُ الظالم، كانوا من الصّلاح أقربَ وعن الفساد أبعدَ؛ واللّطفُ واجبٌ، لما تقدّم.

لا يُقال: يجوزُ أن تكونَ الإمامةُ لطفاً يقومُ غيرُها مقامَها فلا يجبُ عيناً، فإنّ من اللّطف ما لا يقومُ غيره مقامَه، كالعلم باستحقاق الثّواب والعقاب، ومنه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، وإلاّ لم يخل مكلّفٌ من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. ولا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه (١) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاقُ العقلاء في كلّ مكان وزمان على نصب الرّؤساء دليل

____________________

(١) ج: وجه.

١٩٩

على انتفاء غيرها من الألطاف، ووجوه القبح محصورة. وهي منفيّةٌ هنا.

وقال أبو الحسين والبغداديون: إنّها واجبةٌ على العقلاء. وهو خطأٌ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. وذهب الجُبّائيّان والأشاعرة إلى أنّها واجبةٌ سمعاً.

٢٠٠

بالشجرة...) و(افسدت علينا...) لامعنى لان يقال فيه انه يدل دلالة صريحة على نفي الحديث، لأنه لا دلالة لفظية فيه على ذلك، وأقصى ما يمكن ادعاؤه انهما يدلان بالدلالة العقلية على نفيه باعتبار انه ترك الاستدلال بحديث الغدير في موقع كان الأولى أن يستدل به، فعدوله عنه دليل على عدم ثبوته وإلا لاستدل به. وهذه الدلالة لاتسمى دلالة صريحة.

ونحن ننكر عليك حتى هذه الدلالة العقلية لأنه لم يكن في موقع الاستدلال بحديث الغدير حتى يكون تركه دليلا على عدم ثبوته في القول الاول، لانه جاء احتجاجا على من احتج باستحقاق الخلافة بالقرابة من الرسول فقال لهم: إذا كان ذلك سببا للاستحقاق فمن كان اكثر قرابة وأقرب فهو أولى بالاستحقاق. والتشبيه بالشجرة والثمرة من التشبيهات البديعة في الباب فانه لبيان أولوية الاستحقاق للأقرب لأنه هو الثمرة التي هي أولى من أصل الشجرة بالاستفادة منها بل الثمرة هي الغاية المقصودة من الشجرة. وليس هذا موردا لذكر النص لأنه من باب النقض على المستدل بحجته.

وأما القول الثاني فعلى تقدير صحة نقله فان قوله: (لم ترع لنا حقا) كلام عام يجوز ان يراد به النص ويجوز ان يراد مطلق الحق الذي صورته في كلامك. وهذا التصوير الذي ذكرته وأطنبت فيه ليس في كلام الامام دلالة عليه وإنما هو من اجتهاد الكاتب حينما تخيل ان الامام لانص عليه فلا بد أن تكون احتجاجاته وشكواه ناشئة من اعتقاده بالأحقية.

٢٠١

٢ - تحدثت عن قصة انصراف الناس عنه بعد موت فاطمة فانه كلام غريب فانه لاربط له بقصة النص وإنما تلك القصة ترتبط بقصة التجاء الامام إلى مسالمة القوم بعد الانصراف عنه.

٣ - تقارن بين قول الامام: (فنظرت فاذا ليس لي معين...) وبين آية( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) لتستدل من الآية على تكذيب نسبة هذا القول اليه. وازيدك انك بهذا الاستدلال تستطيع ان تكذب كثير من الأحاديث النبوية مثل احاديث الحوض ونحوها الدالة على ارتداد أصحابه بعده وتبدلهم ورجوعهم القهقرى والمروية في الصحاح.

غير اني احيلك على كتب التفسير لمعرفة مدى دلالة هذه الآية. وما علينا من كتب التفسير! لننظر بأنفسنا إلى مدى دلالة هذه الآية على المقصود:

ان دلالتها تكمن في كلمة (كنتم) فان كانت على ظاهرها من دلالتها على الماضي المنقطع بمعنى انهم كانوا فيما مضى خير امة ثم لم يستمر ذلك لهم فلا ينافيها أن تكون الامة قد انقلبت بعد الرسول على الاعقاب لأنه قال: كنتم خير امة، ولم يقل انتم خير امة أبد الدهر.

ولكن بعض المفسرين أوّل معنى (كنتم) فقال: انها للماضي الاستمراري مثل قوله تعالى:( وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) وأنا شخصياً كذلك أفهم هذا المعنى من الآية، غير ان الذي يشكل علينا ان المسلمين لم يكونوا في جميع عهودهم على ما تصف الآية الكريمة يأمرون بالمعروف وينهون عن

٢٠٢

المنكر لاسيما في مثل عهودهم الحاضرة التي لم يبق فيها من المعروف حتى رسمه فضلا عن أن يكون كلهم من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. هذا هو الواقع المرير الذي لا سبيل لنا من انكاره والمكابرة فيه فكيف نتصور انطباق الآية على عهودنا وامثالها.

وعليه فليس الاشكال يخص الامة الاسلامية في أول عهودها بعد النبي بل في جميع عهودها الغابرة والحاضرة فكيف نستطيع التوفيق بين واقع امتنا المحزن وبين دلالة الآية على امتداح هذه الامة وتفضيلها على سائر الامم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ كيف التوفيق ياترى؟

والذي يخطر في بالي من الجواب على ذلك أحد أمرين( الأول) وهو الأرجح عندي ان الآية قد تقدمتها آيات أٌخر ذكرت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن هذا التشريع كما يبدو منها انه من مختصات المسلمين المخاطبين بهذا الوجوب على أن يتولى بعضهم هذا الأمر ثم ذكرت نهي المؤمنين عن ان يتفرقوا ويختلفوا من بعد ان جاءتهم البينات فتبيض وجوه بعض وتسود وجوه آخرين ثم قال: (كنتم خير امة...) لبيان انه لما كانوا خير الأٌمم لا ينبغي ان يختلفوا وسر انهم خير الأٌمم لأنه قد شرع لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس المقصود الأخبار عن انهم كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لاسيما ان المخاطب

٢٠٣

بالوجوب بعض المسلمين على نحو الوجوب الكفائي (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف...)

(الثاني) ان المراد انكم تأمرون بالمعروف من حيث مجموعكم ولو بامتثال البعض وان كان ذلك البعض قليلا باعتبار ان ذلك البعض من الامة يعمل باسمها كأنه يقول: انكم خير الامم لأن فيكم من يأمر بالمعروف وليس كذلك باقي الامم. وهذا كما نقول مثلا ان الأمة الانكليزية احتلت العراق، وليس المراد ان جميع الامة احتلته بل بعض جيوشها وذلك باعتبار ان ذلك البعض منها وكان عمله باسمها.

في البحث السابع

١ - تسأل عما إذا كان تناقض بين قول الامام: (لو وجدت اربعين ذوي عزم...) وبين قوله: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس...) فاني لم اعرف وجها للتناقض بين القولين فان الامام في الأول يقول: لو وجدت الأربعين على هذه الصفة لناهضت القوم، ومعنى ذلك انه لم يجد الأربعين فلم يناهضهم يعني انه سالمهم، ثم صرح في الثاني بأنه امسك يده عن نصرتهم غير انه لما رأى راجعة الناس عن الاسلام فرأى ان المصيبة في ذلك اعظم من مصيبة فوت الولاية فالتجأ أن ينصر الأسلام لأجل ذلك، لانصرة للامراء ولا لكونهم عنده أهلاً للنصرة كما هو مدلول كلامه. وأنت

٢٠٤

ترى ان احد الكلامين يتصل بالآخر ويكون متمماً له، فأين التناقض؟

أما انه لو ناهض القوم بالأربعين عندما يجدهم فانك تحتمل ان تدور عليه الدائرة كالحسين فهذا تكهن لم يعترف به الامام وهو من ظاهر كلامه كان جازما بأن الأربعين على هذه الصفة لو وجدهم لكانوا كافين له في النصرةعلى خصومه. أما انه يكون ذلك ثلما للاسلام لو انتصر عليهم، فمن أين نفهمه إذا فرضنا انه انتصر على غاصبي حقه من الخلافة التي هي بنص النبي وبها حينئذ قوام الاسلام لا هدمه إلا إذا كنا لانعترف بالنص فهذا أمر آخر.

وأما كفاية نصرة مالك بن نويرة فعلى تقديره فهو واحد من ذوي العزم إذا كان هو حقيقة من ذوي العزم الذين يشترطهم الامام فكيف تفرض ان الحجة قد قامت عليه بمالك وحده على انه كونه يعترف بحقه شيء وكونه من ذوي العزم شيء آخر.

وأما سؤالك عن اتفاق قوله عليه السلام: (فخشيت ان لم أنصر الاسلام وأهله ان أرى فيه ثلماً أو هدما) مع ما ذهبتُ اليه من تقاعس الامام عن نصرة الخلفاء إلا بمقدار الضرورة فانه واضح الاتفاق لان الامام في صدر كلامه ذكر انه أمسك يده ولكن ضرورة حفظ بيضة الاسلام دعته إلى النصرة. وهذا صريح بأن الضرورة هي التي دعته الى ذلك

٢٠٥

والضرورات تقدر بقدرها لا ان النصرة ابتدائية بدافع نفسي ليناقض ما قلته عنه، بل هذا الكلام مما يؤيد قولي ويؤكده وهو يدل على أن العمل الذي يعلم انه يضر بالاسلام يتركه ويعمل ما يرى عمله ضرورة اسلامية، فكيف كان قوله هذا يدل على انه يحجم عن الفعل أو القول الذي يكون خذلانا للاسلام كما رغبت انت ان تقوله وتتصوره عن هذه الكلمة.

نعم ان الامام اعظم وأجل ان يتقاعس عن عمل يراه واجبا لنصرة الاسلام، ومن اين يدل كلامه المنقول او كلامي المسطور على خلاف ذلك فاذا تباطأ ابو الحسن فانما تباطأ عن شيء يكون فيه نصرة لأبي بكر وعمر ولم يتباطأ عما تدعوه الضرورة الاسلامية الى فعله، وانما لم يشترك في الحروب لأنه حينئذ يكون مأموراً لهم وهذا ما كان يتحاشاه بل يتحاشونه معه. وما ذكرته في السقيفة عن ذلك ففيه الكفاية.

وأما قياسه في الاشتراك في الحروب بعمر وعثمان وطلحة وامثالهم فقياس مع الفارق البعيد، لو كان هناك قياس، وابو الحسن من تعرف في حروبه ايام خلافته ولم يشترك قبله ولا بعده من الخلفاء بنفسه في الحروب، فكيف يقاس غيره به وكيف لا يستغرب عدم اشتراكه في الحروب ايام الخلفاء قبله وكيف لا يدل ذلك على عدم تعاونه معهم معاونة صادقة؟

هذا ما أردت ان اقوله يا قرة العين في جوابات

٢٠٦

اسئلتك واعذرني إذا كنت قد رمزت لك رمزاً في كثير من الأبحاث اقتصاداً في الوقت واستعجالاً في الاجابة للشواغل التي دهمتني في خلال تسجيل هذه الرسالة فعاقتني عن الاسراع إلى اتمامها في الوقت المناسب.

وتقبل التحيات من المخلص

محمد رضا المظفر

١٢ جمادي الاولى سنة ١٣٧٣

٢٠٧

أهم مصادر الكتاب

١ - صحيح البخاري المطبوع بمصر عام ١٣٢٠ هـ

٢ - صحيح مسلم المطبوع بمصر عام١٣٩٠هـ

وما في ص٥٨ رجعنا فيه الى المطبوع عام ١٣٣٤ هـ

٣ - مسند احمد المطبوع بمصر عام١٣١٣ هـ

٤ - العقد الفريد المطبوع بمصر عام ١٣٥٣ هـ

٥ - مستدرك الحاكم

٦ - الجمع بين الصحيحين

٧ - كنز العمال

٨ - تاريخ الطبري

٩ - تاريخ ابن الأثير

١٠ - تاريخ الخميس

١١ - تاريخ اليعقوبي

١٢ - السياسة والامامة لابن قتيبة

١٣ - تاريخ الخلفاء للسيوطي

١٤ - تاريخ ابن خلدون

١٥ - مروج الذهب

١٦ - السيرة الحلبية

١٧ - سيرة ابن هشام

٢٠٨

١٨ - سيرة دحلان

١٩ - طبقات ابن سعد

٢٠ - الاصابة

٢١ - الاستيعاب

٢٢ - اسد الغاية

٢٣ - التهذيب لابن عساكر

٢٤ - ميزان الاعتدال

٢٥ - نهج البلاغة

٢٦ - شرح النهج لابن ابي الحديد

٢٧ - منهاج السنة لابن تيمية

٢٨ - الصواعق المحرقة له

٢٩ - مقالات الاسلاميين لأبي الحسن الأشعري

٣٠ - الملل والنحل للشهر ستاني

٣١ - الفصل في الملل والنحل لابن حزم

٣٢ - البيان والتبين للجاحظ

٣٣ - معجم البلدان

٣٤ - لسان العرب

٣٥ - حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل

٢٠٩

الفهرس

مقدمة ٩

١ - تأثير العقيدة على المؤرخ. ١٦

٢ - اضطراب التاريخ. ١٧

٣ - خطة الكتاب.. ١٩

تمهيد. ٢٣

الفصل الاول: مَوقِفْ النَّبي تجَاه الخَلافَة ٣٠

(١ هل كان يعلم بأمر الخلافة؟) ٣١

٢ - هل وضع حلا للخلاف؟ ٣٣

٣ - ايكال الامر الى اختيار الأمة ٣٥

٤ - لا نص في قاعدة الاختيار ٤٤

٥ - اختلاف امتي رحمة ٤٦

٦ - الاجماع على قاعدة الاختيار ٤٨

٧ - النص على أبي بكر ٥٢

٨ - النص على علي بن أبي طالب.. ٥٩

الفصل الثاني : تدبير النبي لمَنع الخِلاَف ٧٥

(أ - بعث اسامة) ٧٥

ب - ائتوني بكتف ودواة ٨٤

الفصل الثالث : بيعَة السقيفة ٩٦

(١- الدوافع لاجتماع السقيفة) ٩٦

٢ - نفسية الأنصار ٩٩

٣ - الأنصار حزبان. ١٠٣

٤ - هل مات النبي محمد ...؟ ١٠٩

٥ - وصول النبأ باجتماع الأنصار ١٢٠

٢١٠

٦ - تأثير دخول المهاجرين في اجتماع الأنصار ١٢٤

٧ - تأثير خطب أبي بكر على المجتمعين. ١٢٦

٨ - نقاش المهاجرين والأنصار ١٣٣

٩ - المهاجرون يربحون الموقف.. ١٣٧

١٠ - النتيجة ١٤١

الفصل الرابع : عَلي مَع الخلفَاء ١٤٧

(١ - الافتيات على الامام) ١٤٧

٢ - رأيه في بيعة السقيفة ١٤٧

٣ - الموقف الدقيق. ١٥٠

٤ - سلوكه مع الخلفاء ١٥٦

على هامش السَّقيفَة ١٦٥

نص رسالة الاستاذ عبد الله الملاح حول كتاب السقيفة ١٧١

نص رسالة الشيخ المظفر رداًعلى رسالة الاستاذ الملاح. ١٨٣

إلى حضرة الأخ الفاضل عبد الله الملاح المحترم ١٨٣

البحث الأول. ١٨٤

في البحث الثاني. ١٩٣

في البحث الثالث.. ١٩٤

في البحث الرابع. ١٩٦

في البحث الخامس.. ١٩٧

في البحث السادس. ٢٠٠

في البحث السابع. ٢٠٤

أهم مصادر الكتاب.. ٢٠٨

٢١١

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257