تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس15%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84667 / تحميل: 6263
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

المطلب السّادس

في الإحباط والتفكير

ذهبت الإماميّة والأشعريّةُ والمرجئة إلى نفيهما؛ لأنّ الثّوابَ والعقابَ إن لم يتنافيا فالمطلوب، وإن تنافيا لم يكن الطارئ بإزالة الباقي أولى من منع الباقي الطارئ من الوجود.

ولأنّ الطارئ إن اعتبر فيه الزّيادة، كما يقوله أبو هاشم في الموازنة، فإن لم يسقط النّاقص منه شيئاً كان وجودُ النّاقص وعدمه سواءً. وهو باطلٌ، لقوله تعالى: ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ ) (١) وإن سقط بإزائه لم يكن بعضُ الآحاد أولى بالسّقوط، وإن سقط الجميعُ لزم خلافُ الموازنة، وإن لم يعتبر فيه الزّيادةُ، بل يكفي في كونه نافياً تأخّره، سواء زاد أو نقص، لزم أن يكون من عَبَدَ الله (٢) - تعالى - مدّةَ عمره ثمّ عزم في آخره على معصية، مُساوياً لمن لم يعبد البتة.

وذهبت المعتزلةُ إلى إثباتهما؛ لأنّ كلّ واحد من الثّواب والعقاب لو لم

____________________

(١) الزّلزلة: ٩٩/٧.

(٢) ب: عند الله.

٢٢١

يُحبطُ الآخر عندَ زيادته أو تأخّره لوصلا إلى المكلّف، لبقاء الاستحقاق، ولا يمكن الجمع، فإنّ شرطَ الثواب خلوصُه من الشّوائب، (١) ومقارنة التّعظيم والإجلال له، ولا سبق أحدهما لوجوب دوامهما، وهو ممنوعٌ لما يأتي.

____________________

(١) ب: الشوائر.

٢٢٢

المطلب السّابع

في التّوبة

قالت البهشميّة إنّها النّدمُ على المعصية والعزم على ترك المعاودة، ولم يجعل الخوارزميّ الأخير شرطاً ولا جزءاً. وهي واجبةٌ، لأنّها دافعةٌ لضرر العقاب.

فإن كانت من فعل قبيح تتضمّنُ إيصال ضرر إلى الغير، كالظلم والقذف، لم تصحّ إلاّ بعدَ الخروج إلى المظلوم أو ورثته من حقّه إن أمكن والعزم على الأداء إن لم يكن؛ وإن كان إضلالاً لم يصحّ إلاّ بعدَ أن يُبيّنَ للضّالِ بطلانَ قوله ورجوعَه منه إن أمكن. وإن لم تتضمّن إيصال ضرر إلى الغير، كالزّنا وشرب الخمر، كفى النّدمُ والعزمُ على ترك المعاودة.

وإن كانت من إخلال بواجبٍ يمكن فعله في كلّ وقتٍ، كالزّكاة، لم يصحّ إلاّ بعدَ أدائه إن أمكن، وإن أختصّ بوقتٍ، كالصّلاة، افتقر إلى الاشتغال في القضاء إن أمكن.

٢٢٣

تنبيهٌ

ذهبت المعتزلةُ إلى وجوب سقوط العقاب عندها، وإلاّ لقبح تكليفُ العاصي بعدَ عصيانه، إذ لم يبق له طريقٌ إلى الخروج من العقاب، فلم يبق له طريقٌ إلى الثّواب، وهو مبنيّ على دوام العقاب.

وذهبت المرجئةُ إلى أنّه تفضّلٌ، وإلاّ لوجب قبول عذر من أساء إلينا بأعظم الإساءة.

تذنيبٌ

ذهب أبو هاشم إلى أنّها لا تصحّ من قبيح دون آخر، لأن التّوبة من القبيح يجبُ أن تكون لقبحه، وإلاّ لم تكن توبةً مقبولةً أو لم تكن مقبولة، والقبحُ حاصل في الجميع، فلو تاب من بعضه لكشف غيره أنّ توبته لا للقبح.

وقال أبو عليّ: تصحُّ، وإلاّ لما صحّ الإتيانُ بواجبٍ دونَ واجبٍ؛ لأنّ التّوبةَ كما يجبُ من القبيح لقبحه، كذا فعلُ الواجبِ إنّما يجبُ لوجوبه. فإن اقتضى الاشتراك في الأوّل المنعَ من التّخصيص فكذا في الثّاني. والفرقُ ظاهرٌ بينَ الفعل والتّرك.

٢٢٤

المطلب الثّامن

في جواز العفو

منع المعتزلةُ منه سمعاً، فالبصريّون على جوازه عقلاً، والبغداديّون على منعه عقلاً. والحقّ جوازُه سمعاً وعقلاً، لأنّه إحسانٌ، فيكون حسناً ولأنّه حقُّ الله تعالى، فجاز إسقاطهُ. ولقوله تعالى: ( وَإِنّ رَبّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلَى‏ ظُلْمِهِمْ ) (١) وقوله: ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٢) وللإجماع على ثبوت الشّفاعة للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وليست في زيادة المنافع، وإلاّ لكنّا شافعين في النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فهي من (٣) إسقاط المضارّ. ونفي شفيع يُطاع لا يستلزم نفيَ مطلق الشّفيع.

احتجّوا: بأنّ فيه إغراءً بالقبيح، فإنّ العاقل متى علم العفو أقدم، ولاستلزامه الكذبَ في آيات الوعيد. ويُنتقضُ الأوّل بسقوط العقاب بالتّوبة، وتجويز عدمها كتجويز عدم العفو، وآياتُ الوعيد مشروطةٌ بعدم العفو.

____________________

(١) الرعد: ١٣/٦.

(٢) النساء: ٤/٤٨.

(٣) ب: في.

٢٢٥

المطلب التّاسع

في أنّ عذابَ الفاسق منقطعٌ

خلافاً للوعيديّة.

لنا: قوله تعالى: ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (١) ، وهو مستحقٌّ للثّواب بإيمانه، فلابُدّ من إيصاله إليه. ولا يمكنُ أن يكونَ قبل العقاب إجماعاً، ولعدم خلوصه من الشّوائب، فيتعيّنُ العكسُ.

احتجّوا بالآيات الدّالّة على الخلود، كقوله تعالى: ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) (٢) ، ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ خَالِداً فِيهَا ) (٣) وغير ذلك.

ويُخصُّ بالكفّار أوان الخلود للزمان المتطاول.

أمّا الكفّار، (٤) فقد أجمع المسلمون كافّةً على خلودهم في النّار.

____________________

(١) الزّلزال: ٩٩/٧.

(٢) الفرقان: ٢٥/٦٩.

(٣) النساء: ٤/٩٣.

(٤) (ب): المسلمون.

٢٢٦

المطلب العاشر

في الأسماء والأحكام

الإيمانُ لغةً التّصديقُ، وشرعاً تصديقُ الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في كلّ ما علم مجيئه به ضرورةٌ، ولا يكفي التّصديقُ بالقلب عن التّصديق باللّسان وبالعكس، لقوله تعالى: ( فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) (١) فأثبت المعرفة والكفر، ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) (٢) وقوله: ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٣) فأثبت الإقرار باللّسان دونَ القلب.

وعند الأشاعرة: أنّه التّصديق النّفسانيّ وعند الكرّاميّة: أنّه الإقرار بالشّهادتين، وعندَ قدماء المعتزلة والقاضي عبد الجبّار، أنّه فعل الجوارح من الطاعات.

وأمّا الكفرُ، فهو عدم الإيمان إمّا بضدّ اعتقاد علمه أو لا بضدّ. والفسقُ

____________________

(١) البقرة: ٢/٨٩.

(٢) النمل: ٢٧/١٤.

(٣) البقرة: ٢/٨.

٢٢٧

الخروج عن الشّيء، والنّفاق إن يبطن خِلافَ ما يُظهِر، وهو في الشّرع إظهارُ الإيمانِ وإبطان الكفر.

واختلفوا في الفاسق، فعند المعتزلة: أنّه لا مؤمنٌ ولا كافرٌ، بل هو منزلةٌ بينَ المنزلتين، لأنّ الإيمان فعلُ الواجبات والامتناع عن المحظورات، فلا يكون مؤمناً ولا كافراً، لأنّه يُغسّلُ ويكفّنُ ويُدفَن في مقابر المسلمين ويُصلّى عليه، وينكحُ ويُقاد به.

وعند الحسن البصريّ أنّه منافقٌ، لأنّ مَن يعتقدُ الضّررَ في فعلٍ يمتنعُ عنه. فلو اعتقد الفاسقُ العقابَ لم يعصِ.

وعندَ الخوارج أنّه كافرٌ وعند الأزارقة منهم أنّه مشركٌ، وعند المرجئة والإماميّة والأشعريّة أنّه مؤمنٌ، لأنه يُصدّقُ (١) للنّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، في جميع ما جاء به بالضّرورة.

واعلم أنّ الإيمانَ لمّا كان هو التّصديقَ لم يقبل الشّدّةَ والضّعفَ ولا الزّيادةَ والنّقصانَ، وعند المعتزلة أنّه اسمٌ لفعل الطاعاتُ فكان قابلاً لهما.

وعند الإماميّة: أُصول الإيمان التّصديقُ بالله وبتوحيده وبعدله وبالنّبوّة وبالإمامة.

والمعتزلة قالوا: أُصول الإيمان خمسةٌ: التّوحيد والعدل والنّبوّة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والوعد والوعيد. ومن لم يُقرّ ببعض هذه لم

____________________

(١) ب: مُصدّقٌ.

٢٢٨

يكن مسلماً، ومن أقرّ بذلك وفعل كبيرةً لم يكن مؤمناً.

والتّكليفُ ساقطٌ في الآخرة. أمّا أهل الثّواب فلوجوب خلوصه من المشاقّ.

وأمّا المُعاقبُ، فلأنّه نوع إلجاء.

وليكن هذا آخرَ ما قصدنا إثباته (١) في هذا الكتاب، واللهُ الموفّقُ للصّواب.

***

[تمّ الكتاب والحمد لله رب العالمين]

____________________

(١) ب: إيراده.

٢٢٩

٢٣٠

الفهارس

١. فهرس الآيات

٢. فهرس الأحاديث والروايات

٣. فهرس الأعلام والرواة

٤. فهرس أسماءِ الكتب الواردة في المتن

٥. فهرس الفرق والمذاهب

٦. فهرس مصادر التحقيق

٧. فهرس المحتويات

٢٣١

٢٣٢

فهرس الآيات

- ( أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (٤/٥٣)                                                       ١٥٨

- ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلّا أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١٠/٣٥)           ٢٠٢

- ( إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) .

- ( الّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) (٦٧/٢)،                                            ٧٤

- ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (٢٩/٤٥)                          ١٨٥

- ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٣/٣٣)، ١٩٤

- ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٣/٤٨)،     ٢٢٥

- ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (٣٦/٨٢)               ١٤٩

- ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (٢٣/٣٣)                                             ١٩١

- ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) (٥/٥٥)                              ٢٠٣

٢٣٣

- ( أَوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ ) (٣٦/٨١)                                     ٢١١

- ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ ) (٢/٦)                                                ١٦٥

- ( فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّهِ ) (٦٢/١٠)                       ١٧٩

- ( فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) (٢/٨٩)                                  ٢٢٧

- ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ ) (٩٩/٨)                                       ٢٢١، ٢٢٦

- ( كُلّ ذلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبّكَ مَكْرُوهاً ) (١٧/٣٨)                            ١٧٠

- ( كُلّ شَىْ‏ءٍ هَالِكٌ إِلّا وَجْهَهُ ) (٢٨/٨٨)                                          ٢١٣

- ( كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (٥٥/٢٦)                                                 ٢١٣

- ( كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (٢١/١٠٤)                                      ٢١٤

- ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (٤/٦٥)                     ١٨٤

- ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ ) (٣٩/٦٥)                                     ٢٢٠

- ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (٦/١٠٣)                           ١٥٧

- ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢/١٢٤)                                         ٢٠٦

- ( لَنْ تَرَانِي ) (٧/١٤٣)                                                            ١٥٧

- ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (٤/١٧٢)       ١٩٤

٢٣٤

- ( لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) (٦/١٤٨)                                             ١٧٠

- ( مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ ) (١١١/٢)                                                      ١٦٥

- ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (٧/٢٠)  ١٩٤

- ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (١٢/٣١)                              ١٩٤

- ( وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (٢/٢٠٥)                                              ١٧٠

- ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (٩/٧١)                       ٢٠٤

- ( وَإِنّ رَبّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلَى‏ ظُلْمِهِمْ ) (١٣/٦)،                          ٢٢٥

- ( وَأَنْفُسَنَا ) (٣/٦١)                                                              ٢٠٥

- ( و أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْنَاكُم ) (٦٣/١٠)                                           ١٧٩

- ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) (٢٧/١٤)                                 ٢٢٧

- ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ ) (٧٥/٢٣)                                                ١٥٨

- ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (٤/١٦٤)                                          ١٤٣

- ( وَلاَ يَرْضَى‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) (٣٩/٧)                                           ١٧٠

- ( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً ) (٩٩/١٠)                   ١٧١

- ( وَمَا أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) (٩٨/٥)                       ١٧٠

٢٣٥

- ( وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ ) (١٧/١٥)                                                     ٨٦

- ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ ) (٣/١٠٨)                                      ١٧٠

- ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (٥١/٥٦)                           ١٧٠

- ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢/٨)  ٢٢٧

- ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ خَالِداً فِيهَا ) (٤/٩٣)               ٢٢٦

- ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ) (٩٣/٧)                                                ١٩٢

- ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) (٢٥/٦٩)                                                   ٢٢٦

- ( هُوَ الْأَوّلُ وَالْآخِرُ ) (٥٧/٤)                                                     ٢١٣

٢٣٦

فهرس الأحاديث والروايات

((أفضل الأعمال أحمزها))                                                            ١٩٤

((أقضاكم عليُّ))                                                                     ٢٠٥

((الست أولى منكم بأنفسكم، قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله))                                                                              . ٢٠٤

((اللهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر)).                     ٢٠٥

((أنت الخليفةُ من بعدي))                                                           ٢٠٣

((أنت منّي بمنزلة هارونَ من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي))                           ٢٠٤

((إني جعلت كل دابة حيّة مأكلاً لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشبي أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه))   ١٨٩

((تمسّكوا بالسّبت أبداً))                                                             ١٨٩

((جُرحُ العجماء جبارٌ))                                                              ١٧٧

(((سلّموا عليه) بإمرة المؤمنين))                                                       ٢٠٣

((علي خيرُ البشر، فمن أبي فقد كفر))                                              ٢٠٦

٢٣٧

((قرّبوا إليّ كل يومٍ خروفين، خروف غدوة وخروف عشية بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم))   ١٨٩

((لولا علي لهلك عمر))                                                              ٢٠٥

((من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه والى عيسى في عبادته فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب))   ٢٠٥

((واسمعوا وأطيعوا له))                                                                 ٢٠٣

((هذا ابني إمام ابن إمام اخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم أفضلهم))        ٢٠٧

((يستخدم العبدُ ستّ سنين، ثمّ يعرض عليه العتق، فان لم يقبل العتق ثقب أُذنه واستخدم أبداً))          ١٨٩

((يستخدم خمسين سنة، ثم يعتق في تلك السنة))                                    ١٨٩

((يُنتصفُ للجمّاء من القرناء))                                                       ١٧٧

وزن قيد العبد بالماء المشهورة بـ (قضية الحالف): قضى علي (عليه السلام) قضية في زمن عمر بن الخطّاب قالوا: إنّه اجتاز عبد مقيّد على جماعة، فقال أحدهم: إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثاً، فقال الآخر: إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثاً، قال: فقاما فذهبا مع العبد إلى مولاه، فقالا له: إنّا حلفنا بالطّلاق ثلاثاً على قيد هذا العبد، فحلّه نزنه، فقال سيّده: امرأته طالق ثلاثاً إن حلّ قيده، فطلق الثلاثة نساءهم، فارتفعوا إلى عمر بن الخطّاب وقصّوا عليه القصّة، فقال عمر: مولاه أحقّ به، فاعتزلوا

٢٣٨

نساءهم قال: فخرجوا وقد وقعوا في حيرة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) لعلّه أن يكون عنده شيء في هذا، فأتوه فقصّوا عليه القصّة، فقال لهم: ((ما أهون هذا! ثمّ إنّه (عليه السلام) اخرج جفنة وأمر أن يحطّ العبد رجله في الجفنة وأن يصبَّ الماء عليها، ثمّ قال: ارفعوا قيده من الماء)) فرفع قيده وهبط الماء فأرسل عوضه زبراً من الحديد وزنوه، فإنّه وزن القيد، قال: فلمّا فعلوا ذلك وانفصلوا وحلّت نساؤهم عليهم خرجوا وهم يقولون: نشهد أنّك عيبة علم النبوة وباب مدينة علمه، فعلى من جحد حقّك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.                                                                                                 ٢٠٥

قضية صاحب الأرغفة:

جلس رجلان يتغذيان، مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة.

فلمّا وضعا الغذاءَ بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم. فقالا: اجلس للغذاء فجلس واكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثّمانية. فقام الرّجل وطرح إليهما ثمانية دراهم وقال: خذا هذا، عوضاً مما أكلت، لكما ونلته من طعامكما، فتنازعا وقال صاحب الخمسة الأرغفة لي خمسة دراهم ولك ثلاثة. فقال صاحب الثلاثة الأرغفة: لا أرضى إلاّ أن تكون الدّراهم بيننا نصفين وارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وقصّا عليه قصّتهما. فقال (عليه السلام) لصاحب الثلاثة الأرغفة: (( قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة)) فقال: لا، والله لا رضيتُ منه

٢٣٩

إلا بمُرّ الحقّ فقال علي (رضي الله عنه): (( ليس لك في مُرّ الحقّ إلاّ درهم واحد وله سبعة)) فقال الرّجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين هو يَعْرض عليّ ثلاثة فلم أرض وأشرت عليّ بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن أنه لا يجب في مرّ الحقّ إلاّ درهم واحد. فقال الرّجل: فعرّفني بالوجه في مُرّ الحقّ حتّى أقبله. فقال عليّ (رضي الله عنه): ((أليس للثّمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثاً، أكلتموها وانتم ثلاثة أنفس، ولا يُعلم الأكثر منكم أكلاً ولا الأقلّ فتحملون في أكلكم على السّواء))؟ قال: بلى. قال: ((فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنّما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثاً، أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة واكل لك واحدة من تسعة فلك واحد بواحدك وله سبعة بسبعته)). فقال له الرجل: رضيتُ الآن.                                                             ٢٠٥

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257