تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 77662
تحميل: 5559

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77662 / تحميل: 5559
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

البحث الثالث: في خواصّ المُحدَث

لمّا كان المُحدَث هو الموجود بعدَ العدم كانت ماهيّته موصوفة بالأمرين، فتكون ممكنةً بالضّرورة، وكلّ ممكن مفتقرٌ إلى غيره، فكلّ محدث مفتقرٌ إلى الغير.

وأثبت الأوائل لكلّ حادث مادّةً (1) ومدّةً سابقتين عليه؛ لأنّه قبل وجوده ممكن، فلإمكانه محلّ، فليس هو الماهيّة المعدومة، فلابدّ من محلّ هو المادّة، وقبليّة العدم تستدعي معروضاً لها، وهو الزّمان.

وهذا خطأ: أمّا أوّلاً، فلأنّ الإمكانَ عدميّ، لما بيّنا أوّلاً، وإلاّ لزم التّسلسل.

وأمّا ثانياً، فلأنّ المادّة ممكنة فتفتقرُ إلى مادّة أخرى، ويتسلسل.

وأمّا ثالثاً، فلأنّ المادّة مغايرة للماهيّة، والإمكان صفة للماهيّة، فكيف يصحّ عروضه لغير الموصوف به؟

وأمّا القبليّة فهي أمرٌ اعتباريّ لا تحقّق له في الأعيان وإلاّ لزم التّسلسل.

وأيضاً، فإنّ الزّمان يعرضُ له قبليّاتٌ وبعديّاتٌ، فإن افتقر كلّ موصوف بهما إلى زمان افتقر الزّمان إلى زمان آخر، ويتسلسل، وإلاّ فالمطلوبُ.

____________________

(1) ج: ماله.

٤١

المقصد الثّاني

في التّقسيم على رأي الأوائل

الموجود إمّا أن يكونَ واجب الوجود لذاته، وهو الله - تعالى - خاصّةً، وإمّا أن يكون ممكن الوجود. وهو عشرة: الجوهر والكم والكيف والأين ومتى والمضاف والملك والوضع وأن يفعل وأن ينفعل.

واحدٌ منها جوهرٌ والتّسعة أعراضٌ؛ لأنّ الممكن إمّا أن يكون في موضوع (1) ، أي في محلّ متقوّم بذاته (2) مستغن عن الحالّ فيه، وهو العرضُ؛ وإمّا أن لا يكون، وجاز أن يكونَ في محلّ، وهو الجوهرُ.

فإن كان محلاً لمثله فهو المادّة، وإن كان حالاًّ فهو الصّورة، وإن كان مركّباً منهما فهو الجسم وإن كان مجرّداً فهو نفسٌ إن تعلّق بالأجسام تعلّقَ التّدبير؛ وإلاّ فعقلٌ.

فالجوهر: هو الوجود لا في موضوع.

والمادّة: هي (3) الجوهر القابل (للصّورة).

والصّورة هي الجوهرُ المتّصل لذاته الحالّ في المادّة.

____________________

(1) ج: موضع.

(2) ج: بذات.

(3) ألف: هو.

٤٢

والجسم: هو الجوهر القابلُ للأبعاد الثّلاثة المتقاطعة على زوايا قوائمَ.

والنّفسُ: كمالٌ أوّل لجسم طبيعيّ إلى ذي حياة بالقوّة.

والعقل: جوهرٌ مجرّدٌ عن الجسم حلولاً وتدبيراً.

والكمُ: هو القابلُ لذاته المساواةَ وعدمها. وهو إمّا متّصلٌ، وهو الخطّ، إن انقسم في بُعد واحد؛ والسّطح، إن انقسم في بُعدين؛ (1) والجسم التّعليميّ إن انقسم في ثلاثة أبعاد؛ والزّمان إن لم يكن قارّاً، وإمّا منفصلٌ هو العدد، لا غير.

والكيفُ: هو العرضُ الّذي لا يتوقفُ تصوّره على تصوّر غيره ولا يقتضي القسمةَ واللاّ قسمة في محلّه اقتضاء أوّليّاً وأنواعه أربعةٌ:

الكيفيّات المحسوسةُ: فإن كانت راسخةً فهي انفعاليّات وإلاّ فهي الانفعالات.

والكيفيّات المختصّة بالكميّات: إما متّصلةٌ، كالاستقامة والانحناء، وإمّا منفصلةٌ، كالزّوجيّة والفرديّة.

والكيفيّات النّفسانيّة: فإن كانت راسخةً فهي الملكاتُ وإلاّ فهي الحالات.

والكيفيّات الاستعداديّة: فإن كان نحو الدّفع فهو القوّة وإلاّ فهو اللاقوّة.

____________________

(1) ج: أبعاد.

٤٣

والأينُ: نسبةُ الشّيء إلى مكانه.

والمتى: نسبتُهُ إلى زمانه أو طرفه (1) .

والمضاف: وهو النّسبةُ المتكررّة.

والمِلك: وهو نسبةُ التملّك.

والوضعُ: وهو هيئةٌ تعرضُ للجسم بسببِ نسبة أجزائه بعضها إلى بعض، ونسبةِ أجزائه إلى أمور خارجة عنه، كالقيام والانتكاس (2) .

وأن يفعل، وهو التّأثير.

وأن ينفعل، وهو التّأثّر.

والحقّ أنّ المادّة ليست ثابتةً، وإلاّ لزم التّسلسل (3) .

والكمُ هو الجسم أو الخطُّ أو السّطحُ وهي جواهرُ أفراد يأتي البحثُ فيها.

والمتى (4) وما بعده من النّسبيّة؛ لو كانت ثبوتيّةً لزم التّسلسل.

والكيفيّات المختصّة (5) بالمنفصل فرعٌ على ثبوته وليس، وإلاّ لزم قيامُ العرض بمحلّين.

____________________

(1) ج: ظرفه.

(2) ج: انعكاس.

(3) ج: التّسليك.

(4) ألف: متى.

(5) ألف: المخصوصة.

٤٤

المرصد الثالث

في البحث عن أقسام الموجودات

وفيه مباحث

٤٥

٤٦

[البحث] الأوّل

في ماهيّة الجسم

المتكلّمون زعموا: أنّ الجسم مؤلّفٌ من جواهر أفراد، (و) كلّ واحد منها ذو وضع لا يقبلُ القسمةَ بالفعل ولا بالقوّة، يتألّفُ على نسبةٍ مّا بحيث يحصل له طولٌ وعرضٌ وعمقٌ.

والحكماء ذهبوا إلى أنّه (مؤلف) من المادّة والصّورة. والبحث في هذه المسألة يتوقّفُ على ثبوت الجزء الّذي لا يتجزّى ونفيه.

وقد استدلّ مثبتوه بوجوه:

الأوّل: أنّ الزّمانَ منه ماضٍ ومنه مستقبلٌ، وهما معدومان، ومنه حاضرٌ، فإن كان منقسماً لم يكن كلّه حاضراً، هذا خُلفٌ. وإن لم يكن منقسماً فالحركة المقطوعة فيه إن انقسمت لزم انقسامه، لأنّ الزّمان الّذي يقع فيه نصفُ الحركة نصفُ الزّمان الّذي يقع فيه كلّ الحركة، وقد فرضنا الزّمانَ غيرَ منقسم، هذا خُلفٌ. فثبت أنّ الحركة الواقعةَ في الآن غيرُ منقسمة (1) .

____________________

(1) ألف، ب: غير منقسم.

٤٧

فالمسافة الّتي يقع فيها تلك الحركة في ذلك الزّمان غيرُ منقسمة، لأنّها لو انقسمت لكانت الحركة إلى نصفها نصفَ الحركة إلى آخرها، فتكونُ الحركة الّتي فَرضَت غيرَ منقسمةٍ منقسمةً، هذا خُلفٌ. فثبت وجودُ جزء لا يتجزّى من المسافة، وهو المطلوب.

الثّاني: إنّ النقطةُ شيءٌ ذو وضع لا جزء له، فإن كانت جوهراً ثبت المطلوبُ، وإن كان عرضاً فمحلّهُ إن انقسم لزم انقسامُها، لأنَّ الحالّ في المنقسم منقسمٌ؛ لأنّه إن حلّ في جميع أجزائه كان منقسماً بالضّرورة، لاستحالة كون الحالّ في أحد الجزأين عين الحالّ في الآخر، وإن حلّ في بعضها لم يكن ما فرضناه محلاًّ بمحلّ، هذا خلفٌ وإن كان غيرَ منقسم ثبت المطلوب.

الثّالث: إذا وضعنا كرةً حقيقيّةً على سطح مستوٍ لاقته بما لا ينقسمُ، وإلاّ كانت مضلّعةً. فإذا دحرجت حتّى انتهت إلى آخر السّطح كانت ملاقيةً له بنقطة عقيبَ أُخرى، وهو المطلوب.

واحتجّ النّافون بوجوه:

الأوّلُ: إذا وضعنا جواهرَ ثلاثةً متماسّةً فالوسطُ إن لم يحجُب الطرفين عن التّماسّ لزم التّداخل، وهو معلوم البطلان، وإن يحجبهما كان الجانب الملاقي لأحد الطرفين غيرَ الملاقي للآخر، فيلزم الانقسام.

الثاني: إذا فرضنا كرةً متحرّكةً أكملت الدّورة (1) على نفسها، فإنّ كلّ

____________________

(1) ب: كملّت دورتها.

٤٨

جزء يفرضُ على سطح تلك الكرة قد أكمل دورةً واحدةً. فإذا فرضنا جزءاً على المنطقة تحرّك جزءاً غيرَ منقسم فالقريبُ من القُطب إن تحرّك مثله تساوى المداران، وهو ضروريّ البطلان، وإن لم يتحرّك أصلاً لزم التّفكيك، وإن تحرّك أقلّ من جزء ثبت المطلوب.

الثالث: إذا فرضنا خطّاً مركّباً من ثلاثة جواهر، ثمَّ وضعنا على طرفيه جزأين وتحرّكا، تلاقيا على منتصف الثالث، فتنقسمُ (1) الخمسة.

الرّابع: المربّع المركّب من ستّة عشر جزءاً يكون قطرهُ من أربعة. فإن تلاقت ساوى القطر الضّلعَ، هذا خلفٌ، وإن تباينت: فإن اتّسع ما بين كلّ جزأين الآخر ساوى القطر الضّلعين، هذا خلفٌ بشكل الحمار (2) ، وإن اتّسع لأقل ثبت الانقسام. وهاهنا حججٌ أخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام (3) .

____________________

(1) ب: فانقسمت.

(2) لاحظ الأسرار الخفية في العلوم العقلية: 232.

(3) انظر نهاية المرام في علم الكلام: 2/417، الفصل الأوّل من النوع الأوّل.

٤٩

البحث الثّاني

في إبطال حجّة الحكماء في المادّة

قال الحكماء: الجسم البسيط واحد في نفسه متصل لاستحالة تركّبه من الجواهر الأفراد. ولا شكّ في أنّه قابل للقسمة، وهي عدم الاتّصال عمّا من شأنه أن يكون متّصلاً. فالقابل إن كان هو الاتّصال كان الشّيء قابلاً لعدمه، وهو مُحالٌ، لاجتماع القابل والمقبول، وإن كان شيئاً آخر فهو المطلوب، لأنّا لا نعني بالمادّة سواه.

والاعتراض من وجوه:

الأوّل: المنع من وحدة الجسم، وقد برهنّا على ثبوت الجزء الّذي لا يتجزى.

الثّاني: إنّ الانقسام المعلوم ثبوته إنّما هو الفرضيّ دونَ الانفكاكيّ. والأوّل لا يقتضي ثبوت المادّة، بل الثّاني.

الثالث: لا يلزم من اجتماع القابل والمقبول مطلقاً اجتماعهما في الوجود؛ فإنّ مثل هذا القبول لا يتوقفُ على الوجود؛ إذ المراد به إمكان اتّصاف الشّيء بمقبوله، ولا شكّ في أنّ الماهيّة الممكنة من حيث هي هي مغايرةٌ للوجود والعدم وقابلة لهما، ولا يلزم من ذلك استحالةٌ، فكذا هنا.

٥٠

الرّابع: المادّة تنقسمُ بانقسام الصّورة. فلو افتقر (1) انقسام الصّورة إلى محلّ افتقرت المادّة إلى مادّة أخرى وتسلسل.

البحث الثالث

في الأعراض

العرض إمّا أن يفتقر إلى المحلّ لا غير، وهي الكيفيّات المحسوسة والأكوان، وإمّا أن يفتقر إلى المحلّ والبنية، وهو الحياة وما هو مشروط بها، وهو تسعةٌ: القدرة والاعتقاد (2) والظنّ والنّظر والإرادة والكراهة والشّهوة والنّفرة والألم واللّذة وهما من نوع واحد.

وأمّا المحسوسات: فإمّا بالبصر، وهو الضّوء واللّون، وإمّا بالسّمع، وهي الأصوات والحروف، وإما بالذّوق، وهي الطعوم، وإمّا بالشّمّ، وهي الرّوائح، وإمّا باللّمس، وهي الحرارة والبرودة والرّطوبة واليبوسة والثّقل والخفّة واللّين والصّلابة.

وأمّا الأكوانُ، فهو الحركة والسّكون والاجتماع والافتراق.

فلنبحث عن كلّ واحد من هذه الأقسام على سبيل الاختصار في مطالب.

____________________

(1) ج: في انقسام.

(2) ج: الاعتقاك.

٥١

المطلب الأوّل: في المبصرات

وهي بالذّات شيئان، الضّوء واللّون. أمّا الضّوء، فقيل: إنّه جسمٌ، لتحرّكه بحركة المضيء، وهو خطأ، لتساوي الأجسام في الجسميّة، واختلافها في الإضاءة وعدمها، والحركة ممنوعة، بل يتجدّد بتجدّد المقابلة. وقيل: إنّه اللّون. وقيل: ظهوره. فالظهور المطلق هو الضّوء، والخفاء المطلق هو الظلمة، والمتوسّط هو الظلّ.

وهو خطأ، لاشتراك السّواد والبياض في الإضاءة، واختلافهما بماهيّتهما (1) . بل الحقّ أنّه كيفيّة منبسطة على الجسم الكثيف يحصل عند مقابلة المضيء ومنه أوّل وثان هو الظلّ.

وأمّا الظلمةُ فهي عدم الضّوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئاً.

وقال بعض الأشاعرة: إنّها وجوديّة، لأنّها محسوسة. والصّغرى كاذبة (2) .

وأمّا اللّون فعند المعتزلة أنّه جنسٌ للسّواد والبياض والحمرة والصّفرة والخضرة، وجعلوا البواقي مركّبة منها. وأثبت البلخيّ (3) الغُبرةَ.

وبعض الأوائل جعل الخالص هو السّواد، وأمّا البياضُ فإنّه يتخيّل (4)

____________________

(1) ج: في ماهيتهما.

(2) ج: كان به.

(3) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي الخراساني، أحد أئمة المعتزلة، توفّي 319هـ الأعلام: 4/65.

(4) ب: يتحصّل.

٥٢

عند مخالطة الهواء للأجسام الشّفّافة الصّغيرة كما في زَبَدِ الماء والثّلج، وهو خطأ، لأنّه محسوس، فيكون وجوديّاً، نعم قد يكون بعض أسبابه ذلك وقد يكون غيره، كما في بياض البيض المسلوق، فإنّه يرى أبيض، مع أنّ النّار لم تحدث فيه هوائيّة، لأنّه بعد الطبخ أثقل.

واتّفق الشّيخان على تجويز زائد على الخمسة في مقدوره تعالى. وأشخاصُ كلّ جنس متماثلةٌ، فإنّ الهيئة المحسوسة من أحد السّوادين هي المحسوسة من الآخر. وهذه الأجناسُ متضادّةٌ. أمّا السّوادُ والبياضُ فمطلقاً وأمّا البواقي، فإذا لم يشرط في الضّدّين غايةُ الاختلاف.

وجوّز المرتضى وجماعةٌ من الأوائل اجتماعَ السّواد والبياض، كما في الغبرة. ولا يفتقرُ اللّونُ إلى البنية، خلافاً للعلاّف، وإلاّ لنقص عند زوال البنية بالسّحق. وليس مقدوراً لنا، وإلاّ لأمكننا تغييرُ ألواننا إلى ما نشتهيه.

وفي الملازمة نظرٌ، لجواز أن يتعلّق قدرته - تعالى - بألواننا، ويمتنعُ منّا مقاومته.

وقال بعضُ البغداديين: إنّه مقدورٌ لنا، لأنّا نضربُ جسم الحيّ، فيظهر حمرةٌ، كما يوجد ألمٌ. فيجبُ تولّدهما عن الضّرب. ويُضعّفُ: بأنّ تلك حمرةُ الدّم، حيث انزعج بالضّرب، ولا يقع متولّداً، إذ الأسباب المولّدة معروفةٌ، وليس منها ما يولّده.

وذهب البغداديّون إلى أنّه متولّدٌ عن غيره من الألوان، وهو باق، للحكم بأنّ ما شاهدناه ثانياً هو ما شاهدناه أوّلاً، ولا يتوقفُ وجوده على

٥٣

الضّوء، خلافاً لابن سينا، للحكم القطعيّ ببقاء اللون في الظلمة.

احتجّ: بأنّا لا نراه في الظلمة، وليس [كذلك]؛ لأنّ المظلم فيه كيفيّةٌ مانعةٌ عن الإبصار، وإلاّ لتساوى البعيدُ من النّار والقريبُ منها ليلاً في عدم الرّؤية، والتّالي باطلٌ، فكذا المقدّم، فلم يبق إلاّ لعدمه.

والجواب: منعُ الحصر، بل عدمُ الرؤية لعدم الشّرط الّذي هو الضوء.

المطلب الثّاني: في الأصوات والحروف

ذهب إبراهيم النّظّام إلى أنّ الصّوت جسمٌ ينقطعُ بالحركة، تسمعهُ (1) بانتقاله إلى الأُذن.

وهو خطأٌ، فإنّ الأجسام مشتركةٌ في الجسميّة وفي كونها ملموسةً ومبصرةً، وليس الصّوتُ كذلك.

وقيل: إنّه اصطكاك الأجسام الصّلبة أو القلع أو القرع، أو تموّجُ الهواء.

والكلّ باطلٌ؛ فإنّ الاصطكاك والقرع مماسّةٌ، والقلع تفريقٌ، والتّموّجَ حركةٌ، وكلّ ذلك مبصرٌ، بخلاف الصّوت.

نعم سببه تموّج الهواء، لا بمعنى انتقال هواء معيّن، بل حالةٌ شبيهةٌ (2) بتموّج الماء الحاصل بالتّدارك، لصدم بعد صدم، مع سكون بعد سكون.

وسبب التّموّج إمساسٌ عنيفٌ هو القرع أو تفريقٌ عنيفٌ هو القلع، وهو مقدورٌ لنا، لصدوره باختيارنا وإن كنّا لا نفعله إلاّ بسببٍ هو الاعتماد.

____________________

(1) ب: يسمعه/ ج: نسمعه.

(2) ج: شبهه.

٥٤

ويستحيلُ بقاؤه، وإلاّ لأدركناه في الزّمن الثّاني والثّالث، ولم يكن سماعُ زيد أولى من أن يسمع على سائر تقاليب حروفه الخمسة ويتوقّفُ الإحساسُ به على وصول (1) الهواء الحامل له إلى سطح الصّماخ، لميل صوت المؤذّن على المنارة من جانب إلى آخر عندَ هبوب الرّياح.

وقيل بالمنع؛ لأنّ حامل كلّ واحد من الحروف إمّا كلُّ واحد من أجزاء الهواء، فيجبُ في من تكلّم بكلمة أن يتكرّر سماعُها للسّامع الواحد بأن تتأدّى إلى صماخِه أجزاء كثيرةٌ من الهواء، أو المجموعُ. فكان (2) لا يسمع الكلام دفعةً واحدةً إلاّ سامعٌ واحدٌ؛ لأنّ المجموعَ لا ينتقلُ (3) دفعةً إلاّ إلى سامع واحد، وللسّامع من وراء الجدران مع تغيير الشّكل عند صدم الجدار.

وفي الأصوات متماثلٌ ومختلفٌ. واختُلف في التّضاد. فذهب الشّيخان إلى تضادّ ما اختلف فيها وتوقّف قاضي القضاة وأبو عبد الله (4) في ذلك وإذا تموّج الهواء وقاوم ذلك التّموّجَ جسمٌ، كجبل أو جدار أملس بحيثُ يردّ ذلك التموّج بصرفه إلى خلف، ويكون شكله شكل الأوّل، وعلى هيئته، حدث من ذلك صوتٌ هو الصّدى.

وأمّا الحرف، فهو هيئة عارضةٌ للصّوت يتميّز بها صوت آخر مثله في

____________________

(1) ج: فصول.

(2) ج: فإن كان.

(3) ب: - ينقل.

(4) هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم الملقّب بالجُعل، من شيوخ المعتزلة، ولد في البصرة ومات في بغداد سنة 369هـ الأعلام: 2/244.

٥٥

الحِدّة (1) والثِّقل تميّزاً عن المسموع. وهو إمّا مُصوّتٌ، وهو حروف المدّ واللّين، ولا يمكن الابتداء بها. وإمّا صامتٌ، وهو ما عداها.

والكلام هو المركّب من الحروف المنتظمة على نسبة مخصوصة.

واختلف الشّيخان، فقال أبو هاشم: إنّه هو الأصوات المخصوصة، وقال أبو علي: إنّه زائدٌ على الأصوات، وذهب إلى بقاء الكلام دونَ الصّوت وأثبته مسموعاً عند مقارنة الصّوت له.

وذهبت الأشاعرة إلى أنّ الكلام معنىً في النّفس قائمٌ بالمتكلّم شاهداً أو غائباً.

والكلابيّة أثبتوا الكلام النفساني (2) غائباً لا شاهداً.

والخاطر عند أبي هاشم كلامٌ يفعله الله في داخل سمع المكلّف، أو يفعله الملك بأمره تعالى.

واختلف قول أبي عليّ، فتارةٌ جعله فكراً، (3) وأُخرى إنّه اعتقادٌ، وتارةً إنّه ظنٌّ، ومنع من كونه كلاماً.

والتّمنّي عند أبي هاشم معنىً يوجد في النّفس، وعند أبي عليّ إنّه قول مخصوصٌ لابدَّ فيه من اعتقاد وقصد؛ فإن من قال: (ليت كان كذا)، واعتقد أنّه كان ينتفع به وقصد إلى هذا القول؛ فإنّه متمنّ. والأصلُ هو القولُ، وما عداه شرط؛ لأنّ أهل اللغة عدّوه من أقسام الكلام.

____________________

(1) ب: في الخفّة.

(2) ب: النفسّي/ ج: النفسانيّة.

(3) ب: خاطراً.

٥٦

تذنيبٌ

اختلف الشّيخان، فقال أبو عليّ وأبو الهذيل (1) : الحكاية هي المحكيّ؛ لأنّهما جعلا الكلام معنىً باقياً غيرَ الصّوت، وجعلا (2) المراد بالقراءة الصّوتَ وبالمَقرُوّ الحرف الباقي، وقالا بأنّ هذا المسموع نفس ما أوجده الله تعالى.

وأثبت أبو عليّ الكلامَ موجوداً في المحلّ بغيره كما أوجب (3) وجودَ الجوهر في جهة بغيره وقال: إذا كان متلوّاً وجد مع الصّوت، وإذا كان محفوظاً فمع الحفظ، وإذا كان مكتوباً فمع الكتابة. فأثبت مع الحفظ والكتابة كلاماً كما أثبته مع التّلاوة، لأنّ المسموع لو كان غير ما أوجده الله - تعالى - لبطلت المعجزة، إذ كان أحدُنا قادراً على الإتيان بمثله.

وقال أبو هاشم: الحكايةُ غيرُ المحكيّ؛ لأنّ الكلام غيرُ باقٍ، فالمسموعُ غيرُ ما أوجده الله تعالى. ولو كانت الحكاية هي المحكيّ لكان من حكى عن النّار محترقاً، ولو كان في المكتوب كلامٌ لكان مسموعاً، وكذا الحفظ.

____________________

(1) هو أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، مولى عبد القيس، المعروف بالعلاّف، من شيوخ المعتزلة، كفّ بصره في آخر عمره، توفّي سنة 235هـ الأعلام: 7/131.

(2) ب: حملوا.

(3) ج: اوجد.

٥٧

المطلب الثالث: في الطعوم والرّوائح

الجسم إمّا أن يكونَ عديمَ الطعم إمّا حقيقةً أو حسّاً بأن يكونَ له طعمٌ في نفسه، لكنّه لشدّة تكاثفه لا يتحلّلُ منه شيءٌ يخالط اللّسان. فإذا احتيل في تحليل أجزائه وتلطيفها أُحسّ طعمه، مثل النّحاس والحديد، ويسمّى التَّفِه؛ وإمّا أن يكونَ ذا طعم.

وبسائطُ الطعوم ثمانيةٌ؛ لأنَّ الجسمَ الحاملَ للطّعم إمّا أن يكونَ لطيفاً أو كثيفاً أو معتدلاً. والفاعل في الثلاثة إمّا الحرارة أو البرودة أو القوّة المعتدلة بينهما.

فالحارّ إن فعل في الكثيف حدثت الحرارة، وإن فعل في اللّطيف حدثت الحرافة، وإن فعل في المعتدل حدثت الملوحة.

والبارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصةُ، وإن فعل في اللّطيف حدثت الحموضةُ، وإن فعل في المعتدل حدث القبضُ.

والمعتدل إن فعل في اللّطيف حدثت الدّسومة، وإن فعل في الكثيف حدثت الحلاوةُ، وإن فعل في المعتدل حدثت التّفاهةُ.

والمعتزلة جعلوا البسائط خمسةً: الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والحرافة.

وقد يجتمع طعمان في جسم واحد، كالمرارة والقبض في الحُضض

٥٨

ويسمّى البشاعة، والمرارة والملوحة في السّبخة، ويسمّى الزّعوقة، والمرارة والحرافة والقبض في الباذنجان، والمرارة والتّفاهة في الهِندبا.

وليست الطعوم مقدورةً لنا ويصحّ عليها البقاء.

وشرط قاضي القضاة في إدراك الطعم مماسّة اللّهاة لمحلّ الطعم، ولم يشرط أبو هاشم وأبو عبد الله ذلك. فعلى قولهما لو وجد طعمٌ لا في محلّ يصحّ (1) إدراكه، خلافاً للقاضي.

أمّا الرّوائحُ فإنّها لم توضع لأنواعها اسم إلاّ من جهة الموافقة والمخالفة، فيقال: رائحةٌ طيّبةٌ ومنتِنَةٌ، أو يشتقّ لها من الطعوم المقارنة لها اسمٌ، فيقال: رائحةٌ حلوةٌ وحامضةٌ، أو يُضافُ إلى المحلّ فيقال: رائحةُ المسك أو الكافور. وفيها متماثلٌ ومتضادٌ.

المطلب الرّابع: في الحرارة والبرودة

من خواصّ الحرارة، التّصعيدُ، فيعرض من ذلك الجمعُ بين المتماثلات، والتّفريق بين المختلفات من المركّبات، ولو كان الالتحام شديداً حدثت حركةٌ دوريّةٌ إن تساوى اللّطيف والكثيف، وإن غلب اللّطيف تَصَعَّدَ، وإن غلب الكثيف جدّاً لم تقو النّار على تليينه، كالطلق، وإلاّ أثّرت في تليينه، كالحديد؛ وتسويدُ الرّطب وتبييضُ اليابس. وإفادةُ القوام، كما في بياض البيض، وقد تَحدث بالحركةِ للتّجربة. ولا يلزم

____________________

(1) ب، ج: لصحَّ.

٥٩

صيرورةُ العناصر ناراً، لعدم القبول في الفلكيّات.

وزعم قومٌ من الأوائل أنّ البرودة عدمُ الحرارة. وهو خطأ؛ لأنّا نُدرك من الجسم البارد كيفيّةً زائدةً على الجسميّة، والعدم لا يدركُ، بل هي كيفيّة وجوديّة مُضادّةٌ للحرارة.

وفي كونهما مقدورتين (1) لنا خلافٌ بين المعتزلة وكذا في بقائهما. ولا يحتاج في إدراكهما إلى حاسّة عندهم، بل يكفي فيه محلّ الحياة. والحارّ يقال لِما يُحَسُ بسخونته، كالنّار، ولِما يكونُ ظهور الكيفيّة منه موقوفاً على ملاقاة بدن الحيوان، كالغذاء والدّواء، والحرارة جنسٌ للّتي في النّار وفي بدن الحيوان والفائضةِ عن الأجرام الفلكيّة.

المطلب الخامس: في الرّطوبة واليبوسة

الماء الموصوف بالرّطوبة له وصفان:

أحدهما الكيفيّة الّتي بها يكون سهلَ الالتصاق بالغير، سهلَ الانفصال عنه.

وثانيهما الكيفيّة الّتي بها يكون سهلَ التّشكّل بالحاوي الغريب، سهلَ التّرك له.

وقد فسّرت الرّطوبةُ بكلّ واحدٍ من الوصفين. ويبطل الأوّلُ بقولهم:

____________________

(1) ب، ج: مقدورين.

٦٠