رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين22%

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 164

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين
  • البداية
  • السابق
  • 164 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92806 / تحميل: 10132
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

مؤلف:
العربية

رسالة ماجستير

الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

رسالة ماجستير

الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي

٣

المركز العالمي للدراسات الاسلامية‌

جامعة آل البيت (ع) العالمية

رسالة ماجستير‌

الإعتقادُ بمنجي العالم في القرآن والعهدين

الأستاذُ المشرف

حُجَّةُ الإسلام والمسلمين

الشيخ الدكتور محمد علي أسدي نسب

الأستاذ المشاور

حُجَّةُ الإسلام والمسلمين الشيخ علي الشيخ

إعداد: كاظم مزعل جابر الأسدي

تاريخ الدفاع: صيف ٢٠٠٥

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الاهداء:

اليك يا نورَ الله !

الذي يهتدي به المهتدونَ ويفرّجُ به عن المؤمنين

اليك‌! يا أملَ المحروميَن والمظلومينَ والمضطهدينَ في العالم

اليك‌! يا حُلُمَ الانبياء والصدّقين والصالحيناليك‌! أيُّها القائم‌ المنجي والمخلِّص

اتقدّم‌ُ الى‌ ساحة‌ قُدسك المطهّرة

لأهديَك‌َ بضاعتي ‌التي أحملها بين يديَّ المقصّرتين

ولساني‌ يردّدُ ويقول‌ُ :(يا أيّها العزيزُ مسّنا وأهلنا الضّرُّ وجئنا ببضاعةٍ ٍ‌ مزجاة‌ٍفأوف‌ِ لنا الكيل‌ وتصدّق ‌علينا ان‌ّ الله يجزي‌ المتصدّقين‌ )

سيّدي! يا بقيّة‌ الله في‌ أرضهاشفع‌ لنا عند الله، ليغفر لنا ويرحمنا ويقبلنا ،ويكشف‌ عنا وعن‌ أهلنا الضّرَّ والبلاءَ ،ويأخذ بأيدينا الى عالم الحقّ والحقيقةبلطفه ورحمته التي وَسعت كُلَّ شيء ٍ فهو ارحم الراحمين.

٥

كلمةُ شكرٍ وتقدير

أتقدم بالشكر الجزيل وخالص الإمتنان إلى الأساتذة الأعزّاء والمسؤولين الكرام في المركز العالمي للدراسات الإسلامية وفي جامعة آل البيت (ع) العالميّة، لجهودهم الكبيرة التي يبذلونها في سبيل نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة المتمثلة بعلوم أهل البيت(عليهم الصلاة والسلام) والبحث العلميّ الدقيق عن الحقّ والحقيقة أينما كانت وحيثما وجدت.

وكذلك اتقدم بالشكر الجزيل وعظيم التقدير إلى أساتذتي الأفاضل الذين أعانوني في كتابة هذا البحث، وبذلوا قصارى جُهدَهم في سبيل إنجاح هذا العمل وأخص بالذكر الأستاذ المشرف: سماحة الشيخ حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد علي أسدي نسب، وكذلك سماحة الشيخ حجة الإسلام والمسلمين: الأستاذ علي الشيخ، والذين أبدوا سعةَ صدرٍ كبيرةٍ، وأخذوا بيدي في كل صغيرة وكبيرة، لينتهي هذا البحث الى ما انتهى اليه بحلّتِهِ الأخيرة. وكذلك شكراً خاصّاً الى سماحة الأُستاذ الشيخ حجة الإسلام والمسلمين كاظم النصيري، أُستاذ اللغة العبريَّة في جامعة بغداد سابقاً، لجهودهِ الخيِّرةِ في ترجمة النصوص من أصلها العبري الى اللغة العربية، ووقوفه على العديد من المعاني الدقيقة والمهمّة، والتي مرَّت على بعضِ المترجمين مَرَّ الكرام.

كما لا يفوتني أن أقدم شكري للأخوة الذين ساهموا بأي شكل كان، من قريب أو بعيد، في اكمال هذا البحث وانجاحه. سائلا المولى تبارك وتعالى للجميع العافية والموفقيّة والعمر المديد، لخدمة دين الله الحنيف وعموم الانسانيّة، انّه قريب مجيب.

٦

خُلاصةُ البحث:

أُحاولُ في هذا البحث بإذنه تباركَ وتعالى الاجابةَ على السؤال المهم المرتبط بالاعتقاد بمنجي ومخلص العالم وضرورة وجود هكذا شخصية مقدسة مباركة، وقد قسمت البحث إلى خمسة فصول:

الأول: في الكليات (حول القرآن والعهدين)، ويتناول نظرة في القرآن الكريم وكذلك العهدين،إذ كان لابُدَّ قبل الدخول في البحث من أن أقدم مقدمة حولهما لأنّهما أعظمُ المصادرالمقدّسة في هذا العالم لإثبات تلك الحقيقة الإلهيّة الدامغة والعقيدة الراسخة ل- ( منجي العالم ) والتي تهمُّ جميعَ البشر. فقد تطرّقتُ في المبحث الأوّل وهو: نظرةٌ في القرآن الكريم الى مواضيع مهمةٍ تشملُ، أولاً: التعريفَ بالقرآن الكريم ومن ذلكَ :نزولَ القرآن، واعجاز القرآن وبلاغته، وثانياً: في خصائصه وامتيازاته عمَّن سواه من الكتب السماوية، ومن ذلك، كون بلاغته معجزة الهية، والقرآن والمعارف، والقرآن والاتقان في المعاني، والقرآن والاخبار بالغيب، والقرآن وأسرار الخليقة؛ ثم بيَّنتُ باختصار مقام القرآن الكريم وأهميّتهُ وخصائصه.وأما في المبحث الثاني وهو: نظرة في العهدين ( الكتاب المقدّس )، فقد وضعتُ بحثأً مختصراً ومناسباً ل- ( العهد القديم والعهد الجديد )، ثمّ وضعتُ بعد ذلك كلمةُ إنصافٍ في العهدين، وذكرت شيئاً عن آفات الترجمة وما يرتبطُ بها، والفرق بين مترجمي العهدين.

وفي الفصل الثاني بحثتُ فيه عن: قدسيّة ومقام منجي العالم وضرورة وجود منجٍ ومخلّصٍ لهذا العالم. فقد تطرّقتُ في المبحث ألأول: الى ضرورة وجود المنجي وبيّنتُ شيئاً من العقائد العامة لجميع البشر بمنجي العالم وحتميّة مجيء يومه الموعود اولاً، ثم ذكرتُ لذلكَ آياتٍ من القرآن الكريم والروايات الشريفة ثانياً، ونصوصٍ وفقراتٍ من العهدين ثالثاً. وتطرّقتُ في المبحث الثاني: الى موضوع قدسيّةِ ومقام منجي العالم بلسان الأنبياءعليهم‌السلام في القرآن الكريم اولاً، وفي العهدين ثانياً.

وخصصت الفصل الثالث للبحث في: حوادث ماقبل ظهور منجي العالم. فقدتطرّقتُ في المبحث الأول الى: حالة العالم قبل ظهور المنجي. وتطرّقتُ فيه الى الفتنة الكونية الكبرى قبل الظهور اولاً، ثم ذكرتُ دعاء الأنبياء الملحّ لمنجي العالم اثرَ ذلك واستجابته من قبل الله تبارك وتعالى ثانياً.وبيّنتُ كلَّ ذلك في القرآن والحديث وفي العهدين.وأما المبحث الثاني فقد بحثتُ فيه عن :آيات وعلامات ما قبل ظهور منجي العالم في القرآن والعهدين.

٧

وخصّصتُ الفصل الرابع للبحث في: أحداث ظهور منجي العالم ومابعد الظهور.فقد تطرّقتُ في المبحث الأول الى: حالة العالم قُبَيلَ الظهور وعند الظهور وبعدَهُ وكيفية الظهور. وبيّنت كيفيّة طلب الشعوب وإنتظارهم للقائم وحالة الضيق والحرج والعسر وتضرُّر المؤمنين. وأماالمبحث الثاني فقد خصّصتهُ للبحث في: أوصاف القائم المنجي وذكرتُ شيئاً من علمه وشدَّته وقوّته الربانية التي يتمتّعُ بها بفضل الله تعالى في القرآن الكريم والروايات الشريفة وفي العهدين.وذكرتُ في المبحث الثالث: أوصاف حكومة منجي العالم وبيّنتُ كيف يكون حكمهُ بالعدل والإنصاف وكيف سينتقمُ من كلّ الظالمين وكيفية حلول السلام في عهده وسموّ المعارف والعلوم في عهده المبارك في القرآن الكريم والروايات الشريفة، وفي العهدين كذلك.

وقد خصّصتُ الفصل الخامس للبحث في: قواعد ومتبنّيات ثورة المنجي في القرآن والعهدين وعلامَ ترتكزُ هذه الثورة الإلهية الكبرى.وقد تطرّقتُ في المبحث الأول الى: الأُسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّة وبيّنت في المبحث الثاني كون المنتقم من الظالمين صنيعة‌ٌ لربّ العالمين تقدّست أسماؤهُ.وفي الختام: ذكرتُ نتيجةَ البحث، وما توصَّلتُ إليه من نقاطٍ مشتركةٍ بين القرآن الكريم والعهدين (الكتاب المقدَّس)، وأنَّهُ لابُدَّ من إنصافِ العهدين والنظر اليهما بعينِ العدلِ والدقّةِ، لكونهما إرثاً دينيّاً وأخلاقيّاً وتأريخيّاً وحضاريّاً كبيراً ؛وأنَّ بعضَ ما وردَ فيهما هو بلا شكٍّ ولاريبٍ ترجمةٌ أو نقلٌ شفاهيٌّ أو تواترٌ لوحيٍ موحى. وأنَّ للترجمة آفاتٌ خطيرةٌ قد صبَّتها وطَلَت بها الكتاب المقدّس ( العهدين ) ؛ وقد لعبت الترجمات دوراً مهماً في التشويش وإخفاءِ الحقائقِ والأعم الأغلب منها جاءت عن غير قصدٍ ولا عمدٍ.وأنَّ القرآن الكريم والعهدين كلاهما يصدِّقُ الآخر في هذا المجال، وأنَّ الكتب السماوية أجمعت على مجيء منجي العالم وقد ذكرهُ الأنبياء بكلِّ جميلٍ وحَلُموا بهِ وذابوا اليه شوقاً وحنّوا الى يومه المبارك وهو يوم الله الموعود والأكبر، وأنَّ الأملَ الرباني لجميع الإنسانية لم ينقطع وهو سارٍ ومُثبتٍ ويجري بدقّةٍ.وأنَّ منجي العالم ليس ملكاً لشعبٍ من الشعوب أو أُمةٍ من الأُمم بل هو أملُ الإنسانية وملكٌ لعموم البشرية.وأنَّ عالم الإنسان سينتصرُ إنتصاراً إلهيَّاً ساحقاً لاهزيمة بعدَهُ بمجيء المصلح الأعظم روحي فداه.

٨

المقدّمة

إنّ من لطف الله تبارك وتعالى بعموم البشر، والعناية التربويّة الالهيّة بالانسان، للأخذ بيده الى أعلى مراتب الكمال والرقيّ؛ حتّمت عدم انقطاع الأمل عنه ولو للحظة واحدة، وأن يكون للبشر في كلّ زمان أملاً حقيقيّاً منشوداً، وحلماً ورجاءاً واقعيّاً منتظراً على مدى تعاقب العصور ومرّ الدهور.ومعنى هذا: أن تكون هناك بشارة إلهية كبرى في كلّ عصر وزمان محتّمَةَ التَّحقُّق والوقوع لكونها وعداً ربّانيّاً محضاً، قد قطعه الله تبارك وتعالى على نفسه المقدّسة، كما في قوله تعالى بخصوص ظهور المنجي الموعود:

(وعد الله الذين‌ آمنوا منكم‌ وعملوا الصالحات‌ ليستخلفنّهم‌ في‌ الارض‌ كما استخلف‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌ وليمكنّن‌ّ لهم‌ دينهم‌ الذي‌ ارتضى لهم‌ وليبدّلنّهم‌ من‌ بعدِ خوفهم‌ أمناً يعبدونني‌ لا يشركون‌ بي‌ شيئاً.).(١)

وقول رسوله الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لو لم‌ يبق‌ من‌ الدنيا الاّ يوم‌ واحد لطوّل‌ الله ذلك‌ اليوم‌ حتى‌ يخرج‌ رجل‌ من‌اهل‌ بيتي‌ يواطي‌ء اسمه‌ اسمي‌ وكنيته‌ كنيتي‌ يملا الارض‌ عدلاً وقسطا كماملئت‌ جوراً وظلما».(٢)

____________________

(١) سورة النور: آية ٥٥.

(٢) الرسائل العشرة: ص ٩٩. الطوسي، الغيبة :ص٤٦. الامامة والتبصرة: ص١٥٣.عيون أخبار الرضا (ع): ص٢٩٧. كمال الدين وتمام النعمة: ص٢٨٠، وص ٣٧٢، وص ٣٧٧. كفاية الأثر: ص٢٦٦، وص٢٨١. روضة الواعظين: ص٢٦١. دلائل الامامة: ص٤٦٩. شرح الأخبار: ص٣٥٢, وص ٣٥٦، وص ٣٩١. النكت الاعتقادية: ص٤٣.الارشاد: ص٣٤٠. العمدة ،ص٤٣٣. ذخائر العقبى: ص ١٣٦.بحار الأنوار: ج ١٤، ص٣٣، وج ٢٨ ص٤٦. الغدير: ج٧ ص١٢٥. التفسيرالكبير، ج٢، ص٢٧. وهو حديثٌ نبويٌّ شريفٌ صحيحٌ ومتواترٌ ومشهورٌ عند المسلمين.

٩

ولهذا الوعد الربّاني الصادقُ دورٌ كبيرٌ في حفظ وصون الخطّ الالهيّ المقدّس وامتداده وبقائه غضَّاً طريّاً، وهو بحدّ ذاته علاجاً روحيّاً ناجعاً لعموم البشر(١) ، فضلاً عن العطاء والأجر والثواب الجزيل من الله عزّ وجلّ لكون المُنتظر قد صدّقَ فعلاً بغيب الله تبارك وتعالى والذي هو من أشرف العبادات العالية القدر عند الباريء سبحانه وتعالى حيث قدّمها على الصلاة والزكاة في قوله تبارك وتعالى :

(الم. ذلك‌ الكتاب‌ لا ريب‌ فيه‌ هدى للمتّقين‌. الذين‌ يؤمنون‌ بالغيب ‌ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).(٢) وقد ثبت يقينا أنّ العالم بأسره، وما توصّلت اليه جهود البشر من خلال فترات حياتها الطويلة من علوم واسعة، وأبعاد فكر شاسعة، وتكنلوجيا محيّرة، وصناعات متطوّرة ؛ لكننا نجد أنّ هذا العالم الكبير بأسره يعاني الظلم والجور، ومصادرة أبسط حقوق الانسان، ويحنّ الى السعادة التي يجهلها الكثير ‍‍!ٍحنين الطفل الى محالب أمّه، ويحلم أن يعيش يوماً ما الطمأنينةَ الحقّةَ ببعديها المادّي والمعنوي، وأصبحت فكرة (المجتمع السعيد ) مستحيلة التحقق إلاّ بتدخّل الهي كبير وتغيير ربّانيّ جذري.(٣) وما نراه من انهيار وانهزام كبير على المستوى الديني و الأخلاقي والإجتماعي، بل وحتّى على مستوى بديهيّات الفطرة الانسانيّة ؛ الاّ دليلاً دامغاً وبرهاناً ساطعاً لامحيص عنه لحتميّة التدخّل الالهيّ المؤمّل بواسطة المنقذ والمنجي للعالم وشعوب الأرض كافّة (قرّب الله يومه المقدّس) واحقاق الحقّ على يديه وازهاق الباطل الذي ملأ الدنيا، وربط الانسان بالسماء ربطا وثيقاً بعد الخلود الى الأرض.(٤)

____________________

(١) انظر: سيكلوجية الأنتظار، موضوع الأبعاد النفسية والإيجابية في عقيدة المهدي المنتظر، ص١٨٨ - ٢٦٠.

(٢) سورة البقرة :الآيات ١ - ٣.

(٣) انظر: نهاية صراع الأديان بظهور المهدي في آخر الزمان، ص ٢٥٦ وما بعدها، تحت عنوان: الإمام المنتظر لحدوث التغيير العالمي.

(٤) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ١٩٣وما بعدها تحت عنوان: عقائد الأمم في المهدي، في موضوع: عند المسيحيين، أن عموم المسيحيين الغربيين يعتقدون ب- ( FOTORISM ): وتعني الإعتقاد بمرحلة آخر الزمان، وترقب ظهور منقذ. الخ، و انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص٥١. ومجلة مجموعة الحكمة، السنة الثالثة، العدد ١ - ٢، مقال السيد هادي الخسروشاهي.

١٠

لذا نجد أنّ الأنبياءعليهم‌السلام ومن عهد آدمعليه‌السلام الى روح الله عيسى بن مريمعليهما‌السلام قد بلّغوا وبشّروا أممهم مراراً وتكراراً وبشتّى الوسائل والسبل بحتميّة تشرّف الأرض وتتويج الخلافة الالهية العظمى ب- ( محمد وآل محمد ) صلوات الله عليهم أجمعين؛ كمرحلة اولى على طريق سعادة جميع البشر، كما وقد بشّروا أيضا بتشرّف الأرض بالمصلح الأعظم والمنجي والمخلّص والصاحب والقائم (ع ) كمرحلة ثانية على ذات الطريق وبها يكون الحكم لله وحده بواسطة خليفته المدّخر وعندها يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

وبعد تحقق المرحلة الأولى على وجه الأرض بمجيء محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين نجد أنّ القرآن الكريم والرسول الخاتم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين يبشّرون العالم أجمع بحتميّة مجيء المنقذ المهدي ( عج) وهي المرحلة الثانية التي أشرنا اليها ؛ وبشّروا بمرحلة ثالثة أيضا وهي ( مرحلة الرجعة ) التي لها قوانينها الغير طبيعيّة وخصائصها المختصّة بها ووقتها وظرفها وأسبابها.

وهكذا نجد أنّ ألأمل لم ينقطع من حياة البشر ولو لفترة قصيرة، ولكلّ عصر وزمان بشائره وآماله وأحلامه الخاصة به.

ولقد عاش‌ جميع الانبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) في كلّ العصور والأزمنة واتباعهم‌ من‌ المؤمنين‌ والصالحين‌ و الذين لازالوا يعيشون‌ أملاً عظيماً وشوقاً‌ كبيراً وانتظاراً جميلاً‌، آملين تحقّق‌ البشارة الالهيّة المقدّسة، وذلك بتتويج‌ الخلافة ‌الالهية‌ على الأرض بالقائم‌ المهدي‌ (عج‌) من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاووس‌ اهل‌الجنة‌.

ومن‌ نعم المولى عزّ وجلّ علينا والطافه‌ بنا‌، ان‌ نشاركهم‌ نحن‌ هذا‌ الأمل والانتظار ونعيشه معهم‌، بل‌ تشاركهم‌جميع‌ الاديان‌ والملل‌ والنحل‌ والعوالم‌، وكل‌ّ يحمل‌ علوماً وقصصاً وحكايات‌ٍتخص‌ّ المصلح‌ الاعظم‌ وما يكون‌ من‌ أمره‌، وصلاح‌ الكون‌ على يديه‌ المباركتين‌، وتأسيسه‌ لدولة‌ العدل‌ الالهي‌، التي‌ حَلُم‌َ بها البشر جميعاً. لذا فقد ضمّت‌ بشارات‌ الانبياء وأوصيائهم وأتباعهم الربانيين عشقاً ابديّاً وذوباناً كلّياً بهذا الرجل‌الالهي‌ المقدس‌ على مدى العصور.

ونحن في بحثنا هذا نحاول الوصول إن شاء الله تعالى الى أعماق العقائد الحقّة لموضوع (منجي العالم) سواء فيما ينسب الى الأنبياء السابقين وما يرتبط بهم من آثار مهمة، أوفي القرآن الكريم وبعضِ ما جاء على لسان النبي ّالصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الطيبيين (ع) وصحبه المنتجبين (رض).

١١

واما ضرورة وأهمية مثل هكذا بحث فهي تكمنُ في أنَّ هذا الموضوع هو (موضوعٌ عالميٌّ ) وغير مختص بشعبٍ من الشعوب أو أُمّةٍ من الأُمم، ولهُ جذورهُ العميقة الممتدّدة بقدمِ الإنسانية، وله أثرهُ النفسي والتربوي على الأعم الأغلب من البشر، ولهُ تراثهُ الدّينيّ والعلمي والتأريخيّ والأخلاقيّ، ويملكُ حظّاً وفيراً من القدسيّةِ والإهتمام لدى كلِّ الديانات والفلسفات - لاسيما السماوية منها بشكلٍ خاصّ - والشعوب والأُمم، فيُعدُّ البحث فيه واثبات حقائقه واجباً علميّاً مهماً يخدمُ الجميع.واما أهداف البحث فهي اظهار العقائد الحقّة لموضوع (منجي العالم) بثَوبِها الجميل البهيّ في القرآن الكريم وفي الكتب السماوية المقدّسة الأُخرى، وفي غيرها ان وجد ولكن على نحو الإشارة والإجمال، لإثبات أّنَّ تلك العقائد لها من الحقِّ والصدقِ والعمق والأثر البالغ الشيءَ الكثير وإلاّ لما تواترت في جميع الكتب السماوية وصحفِ الأنبياء (ع) وأقوالهم وما تخلَّفَ عنهم من تراثٍ مقدَّس.واما في مجال سابقة هكذا بحث، فقد تطرّقَ اليه العديد من الأعلام والفضلاء والباحثين، ولكن على نحوٍ جزئيٍّ، وليسَ بمعمَّقٍ في أغلب الأحيان، بل وسطحيٍّ في بعضها، ويفتقرُ الى الإبتكار والتجديد في بعض آخر، وعلى سبيل المثال، فانَّ من بين من أجاد في هذا المجال هو صاحب كتاب ( أهلُ البيت في الكتاب المقدّس ) حيث عقد بحثاً هناك بعنوان: الإمام المهدي(عج) في بشارات العهدين. وصاحب كتاب ( البحث عن الحقيقة) باللغة الإنكليزية، عقد بحثاً خاصاً ب- (منقذ العالم المنتقم) على ضوء ما جاءَ في التوراة. وكذلك صاحب كتاب ( الكتاب المقدس تحت المجهر) فيه بحثٌ عن المنقذ العالمي، وصاحب كتاب (الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين)، وصاحب كتاب(المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري)، وصاحب كتاب(المسيح الموعود والمهدي المنتظر)، وصاحب كتاب (سيكلوجية الانتظار)، وصاحب كتاب (المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة) وصاحب كتاب (الامام المهدي (عج) المصلح العالمي المنتظر) وصاحب كتاب (المسيح المنتظر ونهاية العالم).الخ، وكلُّ تلك المصادر وغيرها قد اعتمدناها في بحثنا، لأنَّ فيها عظيم الفائدة وللهِ درُّ مؤلِّفيها.

واما بشأن الهيكليّة التي اعتمدناها في هذا البحث، فقد راعينا فيها الإختصار و السهولة والسلاسة، مبتعدين بذلك عن التطويل والتعقيد، لذا وضعنا هذه الدراسةِ في خمسة فصول تحتوي على مجموعةٍ من المباحث، آملين المنفعة، واللهُ وليُّ التوفيق.

١٢

الفصل الأوّل: الكليّات (حول القرآن والعهدين)

المبحث الأوّل: نظرة في القرآن الكريمأوَّلاً: تعريفٌ بالقرآن الكريم

ثانياً: خصائصُ القرآن وامتيازاته عَمَّن سواه من الكتب السماويَّة

- مقام القرآن الكريم وأهميَّته وخصائصهُ

المبحث الثاني: نظرة في الكتاب المقدّس (العهدين)

أوَّلاً: التعريفُ بالكتاب المقدّس (العهدين)

١ - العهدُ القديمُ.

٢ - العهدُ الجديدُ.

ثانياً :التقييم العلميّ الحديث للعهدين

- كلمةُ إنصاف في العهدين.

- آفات الترجمة وما يرتبط بها.

- الفروقات بين مترجمي العهدين.

١٣

المبحث الأوّل: نظرة في القرآن الكريم

لقد تجلّى الله سبحانهُ وتعالى في كتابه العزيز (القرآن الكريم )، فهو بحقٍّ معجزةُ المعاجز، والمصدِّقُ والمهيمن على كُلِّ ماسبقهُ من كتبٍ سماويَّةٍ مقدسةٍ، فهو كما قالَ فيه النبيُّ الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (. كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به اجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.)(١) . ولابدَّ لنا هنا من وقفةٍ للتعريفِ بهِ أوَّلاً، ومعرفةُ خصائصهِ وامتيازاته عَمَّن سواه ثانياً.

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص ١٨ - ١٩.وهكذا في سنن الدارمي ج ٢ ص ٤٣٥، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج ١١ ص ٣٠ أبواب فضائل القرآن. وفي بحار الأنوار ج ٩ ص ٧ عن تفسير العياشي. من حديث أخذنا منه موضع الحاجة: روى الحارث الهمداني،قال: (دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت: ألا ترى أن أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد ؟ فقال: قد فعلوها ؟ قلت: نعم، قال: أما إني قد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها ؟ قال: كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم.).

١٤

أوَّلاً: تعريفٌ بالقرآن الكريم نزول القرآن الكريم :

قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان )(١) . وشهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان وشوال ولم يذكر اسم شئ من الشهور في القرآن الا شهر رمضان. والن-زول هو الورود على المحلّ من العلوّ، والفرق بين الانزال والتن-زيل أن الانزال دفعي والتن-زيل تدريجي(٢) ، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار كونه مقرؤاً كما قال تعالى:( انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)(٣) . ويطلق على مجموع الكتاب وعلى ابعاضه.والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان.

وأمّا قوله تعالى: ( والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين)(٤) ، وقوله: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )(٥) ، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أوّل إنزاله أو إنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك كما أدّعى البعض. والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى :( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )(٦) ، وقوله تعالى: ( حم. والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة)(٧) ، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)(٨) ، واعتبار الدفعة أما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى: ( كماء انزلناه من السماء )(٩) ، فإن المطر إنما ين-زل تدريجاً لكن النظر هيهنا معطوف إلى اخذه مجموعاً واحداً،ولذلك عبر عنه بالانزال دون التن-زيل، وكقوله تعالى: ( كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته )(١٠) ، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلاً بالانزال دون التن-زيل. وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)(١١) .

وأمّا قوله تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ضمير( أنزلناه ) للقرآن وظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته ويؤيده التعبير بالانزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التن-زيل الظاهر في التدريج. وفي معنى الآية قوله تعالى:( والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة)(١٢) .

____________________

(١) سورة لالبقرة: آية ١٨٥.

(٢) الميزان في تفسير القرآن، ج ٢ ص١٥. انظر :تاج العروس، ج ١٥ ص ٧٢٩. تفسير الأمثل، ج ١٤ ص ١٥.

(٣) سورة الزخرف: آية ٣.

(٤) سورة الدخان: آية ٣.

(٥) سورة القدر: آية ١.

(٦) سورة البقرة: آية ١٨٥.

(٧) سورة الدخان: آية ٣.

(٨) سورة القدر: آية ١.

(٩) سورة يونس: آية ٢٤.

(١٠) سورة ص: آية ٢٩.

(١١) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٢، ص١٤ - ١٧، بإيجاز وتصرف.

(١٢) سورة الدخان: آية ٣.

١٥

وظاهره الاقسام بجملة الكتاب المبين ثم الاخبار عن إنزال ما اقسم به جملة. فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جمليّاً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في مدة ثلاث وعشرين سنة كما يشير إليه قوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)(١) ، وقوله: ( وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا )(٢) . فلا يعبأ بما قيل: إن معنى قوله: (أنزلناه ) ابتدأنا بإنزاله والمراد إنزال بعض القرآن.وليس في كلامه تعالى ما يبين ان الليلة أية ليلة هي غير ما في قوله تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)(٣) فإن الآية بانضمامها إلى آية القدر تدل على أن الليلة من ليالي شهر رمضان. وأما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الاخبار.وقد سماها الله تعالى ليلة القدر، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير فهي ليلة التقدير يقدر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة: ( فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك )(٤) ، فليس فرق الامر الحكيم إلا إحكام الحادثة الواقعة بخصوصياتها بالتقدير.(٥)

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ١٠٦.

(٢) سورة الفرقان: آية ٣٢.

(٣) سورة البقرة: آية ١٨٥.

(٤) سورة الدخان: آية ٦.

(٥) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج ٢٠، ص٣٣٠ - ٣٣١بإيجاز وتصرف.

١٦

إعجاز القرآن وبلاغته:

قد ذكر للاعجاز في اللغة عدة معان: الفوت. وجدان العجز. إحدائه كالتعجيز. فيقال: أعجزه الامر الفلاني أي فاته، ويقال: أعجزت زيداً أي وجدته عاجزاً، أو جعلته عاجزاً. وهو في الاصطلاح أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الالهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه(١) . وإنما يكون المعجز شاهداً على صدق ذلك المدعي إذا أمكن أن يكون صادقا في تلك الدعوى. وأما إذا امتنع صدقه في دعواه بحكم العقل، أو بحكم النقل الثابت عن نبي، أو إمام معلوم العصمة، فلا يكون ذلك شاهدا على الصدق، ولا يسمى معجزا في الاصطلاح وإن عجز البشر عن أمثاله: مثال الاول: ما إذا ادعى أحد أنه إله، فإن هذه الدعوى يستحيل أن تكون صادقة بحكم العقل، للبراهين الصحيحة الدالة على استحالة ذلك.

ومثال الثاني: ما إذا ادعى أحد النبوة بعد نبي الاسلام، فإن هذه الدعوى كاذبة قطعاً بحكم النقل المقطوع بثبوته الوارد عن نبي الاسلام، وعن خلفائه المعصومين بأن نبوته خاتمة النبوات، وإذا كانت الدعوى باطلة قطعاً، فماذا يفيد الشاهد إذا أقامه المدعي ؟ ولا يجب على الله جل شأنه أن يبطل ذلك بعدحكم العقل باستحالة دعواه،أو شهادة النقل ببطلانها.(٢)

ولذلك اقتضت الحكمة أن يُخَصّ نبي الاسلام بمعجزة البيان، وبلاغة القرآن، فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله، وأنه خارج ببلاغته عن طوق البشر، واعترف بذلك كل عربي غير معاند. ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت أنه قال لابي الحسن الرضاعليه‌السلام : (لماذا بعث الله موسى بن عمرانعليه‌السلام بالعصا، ويده البيضاء، وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى جميع الانبياء - بالكلام والخطب؟. فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إن الله لما بعث موسىعليه‌السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به`الحجة عليهم. وإن الله بعث عيسىعليه‌السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.وإن الله بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال: الشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم )(٣) .

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص٣٣.انظر: لسان العرب، ج٥ ص ٣٧. مجمع البحرين، ج٣ ص ١٢٤.

(٢) البيان في تفسير القرآن، ص ٣٣.

(٣) اصول الكافي، كتاب العقل والجهل، الرواية ٢٠.

١٧

وقد كانت للنبي معجزات اخرى غير القرآن، كشق القمر، وتكلم الثعبان، وتسبيح الحصى، ولكن القرآن أعظم هذه المعجزات شأناً، وأقومها بالحجة، لان العربي الجاهل بعلوم الطبيعة وأسرار التكوين، قد يشك في هذه المعجزات، وينسبها إلى أسباب علمية يجهلها. وأقرب هذه الاسباب إلى ذهنه هو السحر فهو ينسبها إليه، ولكنه لا يشك في بلاغة القرآن وإعجازه، لانه يحيط بفنون البلاغة، ويدرك أسرارها. على أن تلك المعجزات الاخرى موقتة لا يمكن لها البقاء فسرعان ما تعود خبراً من الاخبار ينقله السابق للاحق، وينفتح فيه باب التشكيك. أما القرآن فهو باقٍ إلى الابد، وإعجازه مستمر مع الاجيال.

ثانياً: خصائصُ القرآن وامتيازاته عَمَّن سواه من الكتب السماويَّة

بلاغة القرآن معجزة إلهية :

قد علم كلُّ عاقل بلغة الدعوة الاسلامية،أن محمداً (ص ) بشَّرَ جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام، وأقام الحجة عليهم بالقرآن، وتحدّاهم بإعجازه، وطلب منهم أن يأتوا بمثله وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً(١) ، ثم تنزّل عن ذلك فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مُفتريات(٢) ، ثم تحدّاهم إلى الاتيان بسورة واحدة. وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد، ويسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكناً غير مستحيل.

____________________

(١) فقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) سورة الإسراء: آية ٨٨.

(٢) فقال تعالى: ( أم يقولون افتراهُ قُل فأتوا بعشر سورٍ مثلهِ مفتريت وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) سورة هود: آية ١٣.

١٨

نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، ويأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحدّاهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر. ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لإعجازه، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فخضعوا لدعوة القرآن، وفازوا بشرف الاسلام، وركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر. ولو ادَّعى مدَّعٍ: أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان ؛ وجواب ذلك :

أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لأعلنتها العرب في أنديتها، وشهرتها في مواسمها وأسواقها. ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيداً يوقعونه في كل مجلس، وذكراً يردّدونه في كلّ مناسبة، وللقنه السلف للخلف، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي على حجته، وكان ذلك أقرّ لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف، وأشعار الجاهلية التي ملأت كتب التاريخ، وجوامع الادب، مع أنّا لا نرى أثراً لهذه المعارضة، ولا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدى جميع البشر بذلك، بل جميع الانس والجن، ولم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال عزّ من قائل :(قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)(١) . ونحن نرى أعداء الاسلام، يبذلون الاموال الطائلة في الحط من كرامة هذا الدين، والنيل من نبيه الاعظم، وكتابه المقدس، ويتكرر هذا العمل منهم مراراً. فلو كان من الميسور لهم أن يعارضوا القرآن، ولو بمقدار سورةٍ منه، لكانَ هذا أعظم لهم في الحجة، وأقرب لحصول الامنية، ولما احتاجوا إلى صرف هذه الاموال، وإتعاب النفوس.

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ٨٨.

١٩

القرآن معجزة خالدة :

قد عرفنا أن طريق التصديق بالنبوة والايمان بها، ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهداً لدعواه، ولما كانت نبوءات الانبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، ومحدودة، لانها شواهد على نبوءات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الازمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الاخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين على وجه التواتر، فتقوم عليه الحجة أيضاً. أما الشريعة الخالدة، فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضاً، لان المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة،فإذا كلفه الله بالايمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل على الله تعالى، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة.وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهاناً على صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجةً على الخلف كما كان حجة على السلف. وقد نتج لنا عما قدمناه أمران :الاول: تفوق القرآن على جميع المعجزات التي ثبتت للانبياء السابقين، وعلى المعجزات الاخرى التي ثبتت لنبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكون القرآن باقياً خالداً، وكون إعجازه مستمراً يُسمِعُ الاجيال ويحتجُّ على القرون.الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لأنقطاع زمان المعجزة التى شهدت بصدقها.ثم ان القرآن يختص بخاصيّة اخرى، وبها يتفوّق على جميع المعجزات التي جاء بها الانبياء السابقون، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر، وسوقهم إلى غاية كمالهم. فإن القرآن هو المرشد الذي أرشد العرب المعتنقين أقبح العادات والعاكفين على الاصنام، والمشتغلين بالحروب الداخلية، والمفاخرات الجاهلية، فتكونت منهم أمةٌ ذات عظمةٍ في تاريخها، وذات سموٍ في معارفها وعاداتها. ومن نظر في تاريخ الاسلام وسبر تراجم أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستشهدين بين يديه، ظهرت له عظمة القرآن في بليغ هدايته، وكبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة.ولمّا عرفنا أن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه، لذا يجب علينا أن نعلم أيضاً أن اعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربّانيّة، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى شيء منها على نحو الاختصار :

٢٠

القرآن والمعارف :

صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميٌّ، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أُميَّته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعاً لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الاعجاز. ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن أميّاً، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم ؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالاوهام، ويؤمنون بالخرافات ،ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب( العهدين) التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الانبياء. وإذ فرضنا أن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ تعاليمه من أهل عصره، أفليس لازم هذا أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد التي اكتسبها من معلميه ومرشديه ومن هذه الكتب التي كانت مصدر ثقافته وعلومه ؟ ونحن نرى مخالفة القرآن لكتب العهدين في جميع النواحي، وتن-زيهه لحقائق المعارف عن الموهومات الخرافية التي ملأت مصادر التعلم في ذلك العصر.وقد تعرض القرآن الكريم الى صفات الله جل شأنه في آيات كثيرة، فوصفه بما يليق بشأنه من صفات الكمال،ونزهه عن لوازم النقص والحدوث.وهذه نماذج منها :

-( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والارض كل له قانتون. بديع السماوات والارض، وإذا قضى أمرا فإنما يقولُ له كن فيكون. - وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.

-ألله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض ).(١)

- (إن الله لا يخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء. هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ).(٢) - (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل. لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير).(٣) - (قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ).(٤)

- (ألله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى يدبر الامر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون).(٥)

- (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم وإليه ترجعون).(٦)

____________________

(١) سورة البقرة: الآيات ١١٦، ١١٧، ١٦٣، ٢٥٥.

(٢) سورة آل عمران: الآيات ٥، ٦.

(٣) سورة الأنعام: الآيات ١٠٢، ١٠٣.

(٤) سورة يونس: الآية ٣٤.

(٥) سورة الرعد: الآية ٢.

(٦) سورة القصص: آية ٧٠.

٢١

هكذا يصف القرآنُ الله َ إلى العالمين، ويأتي بالمعارف التي تتمشّى مع البرهان الصريح، ويسير مع العقل الصحيح، وهل يمكن لبشر أميّ نشأ في محيط جاهل أن يأتي بمثل هذه المعارف العالية؟ كما ويتعرض القرآن لذكر الانبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب إليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الالهية، وإليك نماذج منها(١) :- ( الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوارة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث).(٢)

- ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).(٣)

- ( وإن لك لاجرا غير ممنون ). وإنك لعلى خلق عظيم ).(٤)

- ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ).(٥)

- ( وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني فإنه سيهدين).(٦)

- ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين).(٧)

- ( ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين. وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين. وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين )(٨) .

____________________

(١) البيان في تفسير القرآن، ص٤٨، بإيجاز وتصرّف.

(٢) سورة العراف: الآية ١٥٧.

(٣) سورة الجمعة: ألآية ٢.

(٤) سورة القلم: الآيات ٣، ٤.

(٥) سورة آل عمران: الآية ٢٣.

(٦) سورة الزخرف: الآيات ٢٦، ٢٧.

(٧) سورة الأنعام: ألآية ٧٥.

(٨) سورة الأنعام: ألآيات ٨٤، ٨٥، ٨٦.

٢٢

القرآن والاتقان في المعاني :

تعرض القرآن الكريم لمواضيع كثيرة العدد، متباعدة الاغراض من الآلهيات والمعارف، وبدء الخلق والمعاد، وما وراء الطبيعة من الروح والملك وإبليس والجن، والفلكيات، والارض، والتاريخ، وشؤون فريق من الانبياء الماضين، وما جرى بينهم وبين أممهم، وللامثال والاحتجاجات والاخلاقيات، والحقوق العائلية، والسياسات المدنية، والنظم الاجتماعية والحربية، والقضاء والقدر، والكسب والاختيار، والعبادات والمعاملات، والنكاح والطلاق، والفرائض، والحدود والقصاص وغير ذلك. وقد أتى في جميع ذلك بالحقائق الراهنة، التي لا يتطرق إليها الفساد والنقد في أية جهة من جهاتها، ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهذا شئ يمتنع وقوعه عادة من البشر - ولا سيما ممن نشأ بين أمة جاهلة لا نصيب لها من المعارف، ولا غيرها من العلوم - ولذلك نجد كل من ألف في علم من العلوم النظرية، لا تمضي على مؤلفه مدة حتى يتضح بطلان كثير من آرائه. فإن العلوم النظرية كلما ازداد البحث فيها وكثر، ازدادت الحقائق فيها وضوحاً، وظهر للمتأخر خلاف ما أثبته المتقدم، والحقيقة - كما يقولون - بنت البحث، وكم ترك الاول للآخر، ولهذا نرى كتب الفلاسفة الاقدمين، ومن تأخر عنهم من أهل التحقيق والنظر قد صارت عرضة لسهام النقد ممن تأخر، حتى أن بعض ما اعتقده السابقون برهاناً يقينيّاً، أصبح بعد نقده وهماً من الاوهام، وخيالاً من الاخيلة.والقرآن مع تطاول الزمان عليه، وكثرة أغراضه، وسمو معانيه،لم يوجد فيه ما يكون معرضاً للنقد والاعتراض، اللّهمّ إلاّ أوهام من بعض المكابرين، حسبوها من النقد!.

القرآن والاخبار بالغيب :

أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن امور مهمة، تتعلق بما يأتي من الانباء والحوادث، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقاً، لم يخالف الواقع في شئ منها. ولا شك في أن هذا من الاخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوة. فمن الايات التي أنبأت عن الغيب قوله تعالى :( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين).(١) وهذه الاية نزلت في وقعة بدر، وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوهم وبقطع دابر الكافرين، والمؤمنون على ما هم عليه من قلة العدد والعدة، حتى أن الفارس فيهم كان هو المقداد، أو هو والزبير بن العوام والكافرون هم الكثيرون الشديدون في القوة، وقد وصفتهم الاية بأنهم ذووا شوكة، وأن المؤمنين أشفقوا من قتالهم، ولكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته. وقد وفى للمؤمنين بوعده، ونصرهم على أعدائهم، وقطع دابر الكافرين.

____________________

(١) سورة الأنفال: الآية ٧.

٢٣

ومنها قوله تعالى :( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ).(١) فإن هذه الاية الكريمة نزلت بمكة في بدء الدعوة الاسلامية، وقد أخرج البزار والطبراني في سبب نزولها عن أنس بن مالك: أنها نزلت عند مرور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: ( هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبرئيل ).(٢)

فأخبرت الاية عن ظهور دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرة الله له، وخذلانه للمشركين الذين ناوأوه واستهزأوا بنبوته، واستخفوا بأمره. وكان هذا الاخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط شوكة قريش، وانكسار سلطانهم، وظهور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم. ونظير هذه الاية قوله تعالى :

(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).(٣) ومن هذه الانباء قوله تعالى:(غلبت الروم. في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)(٤) . وقد وقع ما أخبرت به الاية بأقل من عشر سنين، فغلب ملك الروم، ودخل جيشه مملكة الفرس. ومنها قوله تعالى :(أم يقولون نحن جميع منتصر. سيهزم الجمع ويولون الدبر).(٥)

فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرقهم وقمع شوكتهم، وقد وقع هذا في يوم بدر أيضا حين ضرب أبو جهل فرسه، وتقدم نحو الصف الاول قائلا: ( نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه ) فأباده الله وجمعه(٦) ، وأنار الحق ورفع مناره، وأعلى كلمته، فانهزم الكافرون، وظفر المسلمون عليهم حينما لم يكن يتوهم أحد بأن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا - ليس لهم عدة، ولا يصحبون غير فرس أو فرسين وسبعين بعيرا يتعاقبون عليها - يظفرون بجمع كبير تام العدة وافر العدد، وكيف يستفحل أمر اولئك النفر القليل على هذا العدد الكثير، حتى تذهب شوكته كرماد اشتدت به الريح، لولا أمر الله وإحكام النبوة وصدق النيات ؟ !.

____________________

(١) سورة الحجر: ألآيات ٩٤، ٩٥، ٩٦.

(٢) لباب النقول، ص ١٣٣.

(٣) سورة الصف: ألآية ٩.

(٤) سورة الروم: ألآيات ٢، ٣.

(٥) سورة القمر: ألآيات ٤٤، ٤٥.

(٦) الكشاف، ج٤ ص ٤١. تفسير القرطبي، ج ١٧ ص ١٤٦. تفسير جوامع الجامع، ج ٣ ص ٤٧. البيان في تفسير القرآن، ص ٧٠.

٢٤

ومنها قوله تعالى: ( تَبَّت يَدا أبي لهبٍ وتبّ. سيصلى ناراً ذاتَ لهب. وامرأته حماّلة الحطب )(١) . وقد تضمنت هذه السورة نبأ دخول أبي لهب، ودخول زوجته النار. ومعنى ذلك هو الاخبار عن عدم تشرفهما بقبول الاسلام إلى آخر حياتهما، وقد وقع ذلك(٢) .

القرآن وأسرار الخليقة :

أخبر القرآن الكريم في غير واحدة من آياته عما يتعلق بسنن الكون، ونواميس الطبيعة، والافلاك، وغيرها مما لا سبيل إلى العلم به في بدء الاسلام إلا من ناحية الوحي الالهي. وبعض هذه القوانين وإن علم بها اليونانيون في تلك العصور أو غيرهم ممن لهم سابق معرفة بالعلوم، إلا أن الجزيرة العربية كانت بعيدة عن العلم بذلك. وإن فريقا مما أخبر به القرآن لم يتضح إلا بعد توفر العلوم، وكثرة الاكتشافات. وهذه الانباء في القرآن كثيرة.وقد أخذ القرآن بالحزم في إخباره عن هذه الامور، فصرح ببعضها حيث يحسن التصريح، وأشار إلى بعضها حيث تحمد الاشارة، لان بعض هذه الاشياء مما يستعصي على عقول أهل ذلك العصر، فكان من الرشد أن يشير إليها إشارة تتضح لاهل العصور المقبلة حين يتقدم العلم، وتكثر الاكتشافات. ومن هذه الاسرار التي كشف عنها الوحي السماوي، وتنبه إليها المتأخرون ما في قوله تعالى: ( وأنبتنا فيها من كل شئ موزون )(٣) . فقد دلت هذه الاية الكريمة على أن كل ما ينبت في الارض له وزن خاص، وقد ثبت أخيراً أن كل نوع من أنواع النبات مركب من أجزاء خاصة على وزن مخصوص، بحيث لو زيد في بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركبا آخر. وان نسبة بعض الاجزاء إلى بعض من الدقة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقا بأدق الموازين المعروفة للبشر.ومن الاسرار الغريبة - التي أشار إليها الوحي الالهي - حاجة إنتاج قسم من الاشجار والنبات إلى لقاح الرياح. فقال سبحانه: (وأرسلنا الرياح لواقح)(٤) . فإن المفسرين الاقدمين وإن حملوا اللّقاح في الاية الكريمة على معنى الحمل، باعتبار أنه أحد معانيه، وفسروا الاية المباركة بحمل الرياح للسحاب، أو المطر الذي يحمله السحاب، ولكن التنبيه على هذا المعنى ليس فيه كبير اهتمام، ولا سيما بعد ملاحظة أن الرياح لا تحمل السحاب، وإنما تدفعه من مكان إلى مكان آخر.

____________________

(١) سورة المسد: ألآيات ١، ٣، ٤.

(٢) البيان في تفسير القرآن، ص ٤٠ - ٤٩، بإيجاز وتصرّف.

(٣) سورة الحجر: ألآية ١٩.

(٤) سورة الحجر: ألآية ٢٢.

٢٥

والنظرة الصحيحة في معنى الاية - بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات - تفيدنا سراً دقيقا لم تدركه أفكار السابقين، وهو الاشارة إلى حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللّقاح. وأن اللّقاح قد يكون بسبب الرياح، وهذا كما في المشمش والصنوبر والرمان والبرتقال والقطن، ونباتات الحبوب وغيرها، فإذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الاكياس، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الازهار الاخرى عفواً. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أن سنة الزواج لا تختص بالحيوان، بل تعم النبات بجميع أقسامه بقوله :- ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين )(١) .- (سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)(٢) .(٣) .ومن الاسرار التي كشف عنها القرآن هي حركة الارض. فقد قال عز من قائل:

( الذي جعل لكم الارض مهداً )(٤) .

تأمل كيف تشير الاية إلى حركة الارض إشارة جميلة لم تتضح إلا بعد قرون، وكيف تستعير للارض لفظ المهد الذي يعمل للرضيع، يهتز بنعومة لينام فيه مستريحا هادئا ؟ وكذلك الارض مهد للبشر وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعية والانتقالية، وكما أن تحرك المهد لغاية تربية الطفل واستراحته، فكذلك الارض، فإن حركتها اليومية والسنوية لغاية تربية الانسان بل وجميع ما عليها من الحيوان والجماد والنبات. تشير الاية المباركة إلى حركة الارض إشارة جميلة، ولم تصرح بها لانها نزلت في زمان أجمعت عقول البشر فيه على سكونها، حتى أنه كان يعد من الضروريات التي لا تقبل التشكيك. ومن الاسرار التي كشف عنها القرآن قبل أربعة عشر قرنا: وجود قارة اخرى. فقد قال سبحانه وتعالى: (رب المشرقين ورب المغربين)(٥) . وهذه الاية الكريمة قد شغلت أذهان المفسرين قرونا عديدة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتى. فقال بعضهم: المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرباهما، وحمله بعضهم على مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما. ولكن الظاهر أن المراد بها الاشارة إلى وجود قارة اخرى تكون على السطح الاخر للارض يلازم شروق الشمس عليها غروبها عنا. وذلك بدليل قوله تعالى :(يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).(٦)

____________________

(١) سورة الرعد: ألآية ٣.

(٢) سورة يس: ألآية ٣٦.

(٣) البيان في تفسير القرآن، ص ٧٢، بايجاز.

(٤) سورة طه: ألآية ٥٣.

(٥) سورة الرحمن: ألآية ١٧.

(٦) سورة الزخرف: ألآية ٣٨.

٢٦

فإن الظاهر من هذه الاية أن البعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة فلا يمكن حملها على مشرقي الشمس والقمر ولا على مشرقي الصيف والشتاء، لان المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة فلا بد من أن يراد بها المسافة التي ما بين المشرق والمغرب. ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقا لجزء آخر من الكرة الارضية ليصح هذا التعبير، فالاية تدل على وجود هذا الجزء الذي لم يكتشف إلا بعد مئات من السنين من نزول القرآن. فالايات التي ذكرت المشرق والمغرب بلفظ المفرد يراد منها النوع كقوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)(١) .

والايات التي ذكرت ذلك بلفظ التثنية يراد منها الاشارة إلى القارة الموجودة على السطح الاخر من الارض. والايات التي ذكرت ذلك بلفظ الجمع يراد منها المشارق والمغارب باعتبار أجزاء الكرة الارضية كما نشير إليه. ومن الاسرار التي أشار إليها القرآن الكريم كروية الارض فقال تعالى :

- ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها )(٢) .

- ( رب السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق )(٣) .

- ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون )(٤) .

ففي هذه الايات الكريمة دلالة على تعدد مطالع الشمس ومغاربها، وفيها إشارة إلى كروية الارض، فإن طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الكرة الارضية يلازم غروبها عن جزء آخر، فيكون تعدد المشارق والمغارب واضحا لا تكلف فيه ولا تعسف. وقد حمل القرطبي وغيره المشارق والمغارب على مطالع الشمس ومغاربها باختلاف أيام السنة، لكنه تكلّف لا ينبغي أن يصار إليه، لان الشمس لم تكن لها مطالع معينة ليقع الحلف بها، بل تختلف تلك باختلاف الاراضي. فلا بد من أن يراد بها المشارق والمغارب التي تتجدد شيئا فشيئا باعتبار كروية الارض وحركتها. وفي أخبار أئمة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام وأدعيتهم وخطبهم ما يدل على كروية الارض.(٥)

____________________

(١) سورة البقرة: ألآية ١١٥.

(٢) سورة الأعراف: ألآية ١٣٧.

(٣) سورة الصافات: ألآية ٥.

(٤) سورة المعارج: ألآية ٤٠.

(٥) البيان في تفسير القرآن، ص٦٧ - ٧٥، بإيجاز وتصرّف. انظر: الوسائل ج ١ ص ٢٣٧ باب ١١٦ ان أول وقت المغرب غروب الشمس، وبحار الأنوار، ج٥٧ ص٩٥.

٢٧

مقام القرآن الكريم وأهميَّته وخصائصهُ :

والحديثُ عن القرآن لاينتهي لعظمتهِ وعمقهِ، ولكن لعلَّ مما تقدَّم يتَّضِحُ مقامُ القرآن الكريم وأهميَّتهِ العظمى في حياة البشر، وخصائصهِ، وما امتاز بهِ عن الكتب السماويةِ السابقةِ، ونجملُ بعضاً منها مراعين الإختصار في ماهو جديد بمايلي :١: جامعيَّتهِ وهيمنتهِ :

فهو جامعٌ لكلِّ ما ورد في الكتب المقدسة - كما أُنزلت(١) - من حقٍّ وصدقٍ، بل وزيادة(٢) ، ومهيمنٌ عليها، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لما بين يديهِ من الكتاب ومُهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق.)(٣) .فما بالُكَ ب- (العهدين) اليوم! حيثُ ليسَ فيها إلاّ القليلِ من بقايا الوحي(٤) ؟.

٢: حفظهِ الإلهي من التحريفِ وغيرهِ :

فقد تكفَّلَ اللهُ بحفظِهِ من ألفهِ الى ياءِهِ من كُلِّ زيادةٍ أو نقصانٍ أو تغييرٍ وتبديلٍ، وأنزلَ في ذلكَ قولاً فصلاً، فقالَ تعالى :

(إنّا نحنُ نزَّلنا الذكرَ وإنّا لهُ لحافظون).(٥)

وقال الله عزَّ وجلَّ هذا ردَّاً لإنكارهم واستهزائهم في قولهم: ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر ) ولذلك قال: ( إنا نحن ) فأكد عليهم أنه هو المنُ-زِّل للقرآن على القطع والثبات، وأنه حافظهُ من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيين ولم يكل القرآن إلى غير حفظه. )(٦) .

هذا وقد دُوِّنَ القرآن الكريم بخطِّ الإمامِ عليّ بن أبي طالب (ع) وإملاء رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدويناً كاملاً ومن غير نقصٍ، كما أشارت الى ذلك الروايات الشريفة الكثيرة وكتب التأريخ العديدة.(٧)

____________________

(١) كما أُنزلت كاملة غير ناقصة، وقبل أن تُمَدُّ لها أيادي العبث والتخريب.

(٢) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج١، ص٢٢.

(٣) سورة المائدة: آية ٤٨.

(٤) وسنقفُ على ذلك في محلّه. لكن لايُتَوهَّمُ أنَّ هذا القليل من بقايا الوحي يستطيعُ انسانٌ مثلنا الوقوف عليه وإحصائه والتمكُّن منهُ، كلاّ وألف كلاّ، لأنّه علمٌ شاسعٌ واسعٌ، دقيقٌ عميقٌ، وربما حيَّرت العلماء والباحثين فقرةٌ واحدةٌ من بقايا الوحي في العهدين فجعلتهم في بالغ الحيرة والدهشة وأُسقطَ ما في أيديهم، وذلك من خلال ربط هذه الفقرة بغيرها وعدم التمكن من تفسيرها على الوجه الصحيح كما في الفقرات الدالة على يوم الله العظيم في آخر الزمان، وخلطها خطئاً بالفقرات الدالة على يوم القيامة والفقرات والدالة على نزول عيسى بن مريم (ع)، وهذه مشكلةٌ لم يواجهها أصحاب الكتاب المقدس فحسب، بل انما وقعت عند العلماء والمفسرين والباحثين المسلمين، فقد خلط الكثير منهم بين يوم القيامة وبين يوم الله الأعظم (يوم منجي العالم) وذلك واضحٌ في كتبهم.

(٥) سورة الحجر: آية ٩.

(٦) تفسير جوامع الجامع، ج ٢، ص ٢٩٦. تفسير الأصفى، ج١ ص ٦٢٦.

(٧) انظر: مقدمة موسوعة الفقه الاسلامية ص٣٥-٤٠. الكافي، ج١ ص٦٤، ح١، وص ٦٣. رجال النجاشي، ص٣٦٠. امالي الصدوق، ص٥١٨. نهج البلاغة، الخطبة رقم ٢١٠، ص٣٢٥ - ٣٢٨.

٢٨

٣: تقييمهُ العلمي مقارنتةً بالكتب الأُخرى :

أنَّهُ كلامُ الله تباركَ وتعالى الملقى والمن-زل على قلبِ رسولهِ الصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرِ واسطةٍ، ولاترجمةٍ، ولانقلٍ بالمعنى ،.الخ، وقد تكفَّلَ الله بإنزالهِ بنفسهِ فقال سبحانهُ تعالى: (إنّا أنزلناهُ في ليلة مباركة إنا كنا منذرين)(١) . (إنّا أنزلناهُ في ليلة القدر)(٢) .

ولَمّا كان القرآنُ كلامَ الله تعالى - والله هو اسمُ للذات الأحديَّةِ الصمديَّة القدسيَّة التي حارَ وهامَ في خضَمِّ بحرها اللجيِّ جميعُ الأنبياء والرسل ( عليهم الصلاةُ والسلام ) والملائكة، بل وكلّ مخلوقٍ سوى الله عزَّ وجلَّ، وذلكَ بسببِ استتارها خَلفَ حُجُبِ الغيب(٣) التي لم يرشحُ منها اسمٌ للوجود ظاهراً مطلقاً(٤) - لذا فقد تجلّى سبحانهُ وتعالى في كتابهِ العزيز لجميعِ خلقِهِ، فهوَ بحقٍّ بيانُ الله ونوره وعلمهُ وحكمهُ وصراطهُ وهُداهُ ومعاجزهُ.الخ، وفيه صبغة الله وعظمتهُ وخُلُقهُ ورحمتهُ وغضبهُ وجمالهُ وجلالهُ.الخ، وقد خاطبَ فيهِ الناسَ على قَدَرِ عقولهم، فالكُلُّ ينتهِلُ من معينِهِ، وهو جديدٌ غضٌ طريٌّ لايَبلى ولاينتهي فهو كلّ يومٍ في شأنٍ كصاحبهِ الناطقِ بهِ سبحانهُ وتعالى.

لذافإنَّ أغراض‌ القرآن‌ الكريم‌ وفوائدهُ لا تنحصر بمرحلة‌ٍ معينة‌ أبداً، والنبي‌ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المعلم‌ الالهي‌ للقرآن‌ يقولُ بحقِّهِ‌: (ظاهرٌ انيقٌ‌ وباطنٌ‌ عميقٌ‌)(٥) ، ويقول‌ أيضاً: «للقرآن‌ بطن‌ٌ وظهرٌ، ولبطنه‌ِ بطنٌ‌، الى‌ سبعة‌ِ بطونٍ‌»(٦) .

وبعد فان‌ استيعاب‌ الناس‌ للقرآن‌ متفاوت‌ٌ، وقدرتهم‌ على‌ اكتساب‌ المعارف‌السماوية‌ التي‌ تنير النفوس‌ وتمنحها الحياة‌ فهي‌ متفاوتة‌، كماقال‌ تعالى‌': (فسالت‌ اودية‌ٌ بقدرها)(٧) .

____________________

(١) سورة الدخان: آية ٣.

(٢) سورة القدر: آية ١.

(٣) وهي الأسماء المستأثرة، وهيَ مفاتيحُ الغيب، واليها أشارَ النبيُّ الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعائه بقوله: ( أو استأثرتَ بهِ في علمِ غيبك ). بحا ر الأنوار، ج٨٥، ص ٢٣٤، ح١. انظر: شرح فصوص الحكم للقيصري، ج١، ص ٧٠.

(٤) أما باطناً فانَّ تأثير تلك الأسماء المستأثرة حاصلٌ وفعّالٌ في هذه النشأةِ وغيرها.

(٥) تفسير الصافى: ص٤.

(٦) نفس المصدر، ص١٥.

(٧) انظر: الشيعه فى الاسلام: ص١٠٤ - ١٠٥.

٢٩

المبحث الثاني: نظرةٌ في الكتاب المقدّس (العهدين)

للوقوف على حقيقةِ الكتابِ المقدّس، وما يستحقُّهُ من قيمةٍ دينيَّةٍ وعلميةٍ وأخلاقيَّةٍ وتأريخيةٍ، لابدَّ لنا من التعريفِ بهِ أوَّلاً، وتقييمهِ تقييماً علميَّاً حديثاً ثانياً :

أوَّلاً: التعريفُ بالكتاب المقدّس (العهدين)

إنّ الكتاب المقدّس - كما يعتقد المسيحيون - هو مجموع الكتب الموحاة من الله، والمتعلّقة بخلق العالم وتاريخ معاملة الله لشعبه، وكذلك مجموع النبوءات عمّا سيكون حتّى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كلّ الأزمنة. وفي الكتاب المقدّس جميع أنواع الكتابة من نثر وشعر، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب، وتعليم وفلسفة وأمثال وإنذار(١) .

ويبلغ عدد الكتّاب ( الملهمين ) الذين كتبوا الكتاب المقدّس أربعين كاتباً. وهم من جميع الطبقات، فبينهم الرّاعي والصيّاد وجابي الضرائب والقائد والنبي والسياسي والملك و. وقد إستغرقت مدة كتابة الكتاب المقدّس ألفاً وستمائة سنة، وكان جميع هؤلاء الكتّاب من الامّة اليهودية ماعدا لوقا كاتب الإنجيل الذي دعي باسمه إذ يظن أنه كان أممياً من أنطاكيا، والنسخ الأصليّة للكتاب المقدس ليست موجودة الآن، بل كل ما هو موجود هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل.ويعتقد المسيحيّون كذلك أنّ الكتاب المقدّس - باعتباره أصل الإيمان المسيحي ومصدره - خال من الأخطاء والزلل وفيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية، وأنه كلمة الله وقاعدة الإيمان والحياة العمليّة لجميع البشر(٢) . وينقسم الكتاب المقدس الى عهدين:١: العهد القديم.٢: العهد الجديد.وسوف نعطي نبذة مختصرة عن كلّ واحد من هذين العهدين بشكل مستقل، ولأنّ المسيحيين يعتقدون أنّ العهد القديم كان تمهيداّ للعهد الجديد، وأنّ العهد الجديد هو المتمِّم لهُ، فهو أكثر أهميّة من العهد القديم، لذا فإننا سنعطيه مجالاً أوسع من صاحبه بقليل.(٣)

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس، ص ٧٦٢.

(٢) مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

(٣) هبة السماء (رحلتي من المسيحية الى الإسلام)، ص ١٩ - ٢٠. بتصرّف.

٣٠

١: العهد القديمكتب أكثر العهد القديم باللغة العبرانيّة، وقد وجدت بعض الفصول بالاراميّة وهي لغة شبيهة بالعبرانيّة، والعهد القديم الموجود بين أيدينا مأخوذ من النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهوديّة في طبرية من القرن السادس الى الثاني عشر للميلاد(١) . ويتألّف العهد القديم من ( ٣٩ ) سفراً أو ( ٤٣ - ٤٤ ) سفراً حسب الكنيسة بإضافة أسفار أو أجزاء أسفار وصفت ( بالقانونيّة - اللاحقة ). وقد قسّم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام وهي :١: التوراة أو الناموس.٢: ألأنبياء، وهم الأولون والمتأخّرون.٣: الكتب.وذلك في إجتماع لمعلّمي الشريعة من مختلف البلدان في فلسطين سنة ٩٠ (ب. م).(٢) وأما ترتيبها فهي كالآتي :أ: التوراة أو الناموس: وهي أسفار موسىعليه‌السلام الخمسة وهي :

١: تك: لسفر التكوين: وهو الأول من التوراة ويسمّى أيضاً بسفر ( الخليفة ) بمقتضى تسمية الترجمة السبعينيّة، ويسمّى بالعبرانية ( جرنشيت ).

٢: خر: لسفر الخروج وهو الثاني بتسمية السبعينية، وفي العبرانيّة يسمى(واله شموت).

٣: لا: لسفر اللاويين، وهو الثالث بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويقرا).

٤: عد :لسفر العدد ،وهو الرابع بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويدبر ).

٥: تث: لسفر التثنية: وهو الخامس بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (اله) ويسمّى أيضاً دباريم.وأمّا بقيّة الأسفار فهي :

٦: يش: لسفر يشوع النبي.٧: قض: لسفر القضاة.٨: ( را ): لكتاب راعوث.٩: ١، اصم: لسفر صموئيل الأول.١٠: ٢، اصم: لسفر صموئيل الثاني.١١: ١، امل: لتاريخ الملوك الأول.١٢: ٢، مل: لتاريخ الملوك الثاني.١٣: ( ١ أي ): لتاريخ الأيام الأولى.١٤: ( ٢ أي ): لتاريخ الأيام الثاني.١٥: ( عز ): لكتاب عزرا.

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس، ص ٧٦٣.

(٢) مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

٣١

١٦: ( نح ): لكتاب نحيا.

١٧: ( اس ): لكتاب استير.

١٨: ( أي ): لكتاب أيوب.

١٩: ( مز ): لمزامير داود أي الزبور.

٢٠: ( ام ): لأمثال سليمان.

٢١: ( جا ): لكتاب الجامعة المنسوب لسليمان.

٢٢: ( نش ): لنشيد الانشاد.

٢٣: ( اش ): لكتاب أشعيا.

٢٤: ( ار ): لكتاب أرميا.٢٥: ( حرا ): لمرائي أرميا.٢٦: ( حز ): لكتاب حزقيال.٢٧: ( دا ): لكتاب دانيال.٢٨: ( هو ): لكتاب هوشع.

٢٩: ( يوء ): لكتاب يوئيل.

٣٠: ( عا ): لكتاب عاموس.

٣١: ( عو ): لكتاب عوبديا.٣٢: ( يون ): لكتاب يونان أي يونس بن متى.

٣٣: ( مي ): لكتاب ميخا.٣٤: ( نا ): لكتاب ناحوم.٣٥: ( حب ): لكتاب حبقوق.

٣٦: ( صف ): لكتاب صنفينا.

٣٧: ( حج ): لكتاب حجي.

٣٨: ( زك ): لكتاب زكريا.

٣٩: ( مل ): لكتاب ملاخي.

ولهذه الكتب في النسخ العبرانيّة ترتيب آخر من حيث التقديم والتأخير(١) . وأمّا الأسفار ( القانونية - اللاحقة ) فهي:١: سفر طوبيا.٢: سفر يهوديت.٣: سفر نبوءة باروك.٤: سفر المكابين.(٢)

____________________

(١) الهدى الى دين المصطفى: ص ٧.

(٢) كتاب ( المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ) ص ١١١.

٣٢

والكنيسة تعتبر أسفار العهد القديم أسفار قد دوّنت بإلهام روح القدس، وعلى هذا فهي تقبله في عداد الكتب المقدسة، مع إنّ هناك إختلافاً بين العهد القديم عند اليهود والذي قبلته الكنيسة، ويعود هذا الإختلاف، الى إختلاف اللاهوتيين اليهود أنفسهم، فالبعض يصرّحون في الواقع أنّ الروح ( أي روح الله الذي يوحي ) لم ين-زل على أحد منذ غياب الأنبياء المتأخرين مثل: حجي وزكريا وملاخي، وبعض الفئات الأخرى من اليهود ( الأسانيين في قمران، واليهود المتشتتين في المعمورة ) تمسكوا بإستمرارية الوحي. والكنيسة تمسكت بدورها بهذه الإستمرارية مستندة في ذلك الى شهادة المسيحعليه‌السلام والرسل. وأيضا تتمسك بالترجمة ( السبعينيّة )(١) وهي (ترجمة يهودالإسكندرية للعهد القديم الى اللغة اليونانية ويعتبرونها كتابهم الخاص ) لنفس السبب(٢) . واعتقاد أرباب الكنيسة بأنّ العهد القديم كتاب سماوي وموحى يستندون فيه الى إستشهاد المسيحعليه‌السلام والرسل بالعهد القديم فهم كانوا يعتبرونه كتابا ملهماً، روحياً، الهياً والإستشهاد به دليل على ذلك(٣) .

ويتّضح من هذه المقدمة أنّ أسفار العهد القديم قد ظهرت للوجود تدريجيّاً ولمدة حوالي خمسة عشر قرناً لتؤلّف لنا العهد القديم، وأنّ المسيحيين يرون أنّ هذا العهد كلّه كان تمهيداً وبشارة بمجيء يسوع المسيحعليه‌السلام ويستشهدون بنبوءات كثيرة جاءت فيه وتحققت هذه النبوءات في المسيحعليه‌السلام .

وفي الحقيقة فإنّي لست في صدد البحث في العهد القديم وتأريخه بشكل مفصّل هنا، ولكن لابدّ من الإشارة الى بعض النقاط المهمّة التي أوقفتني من خلال الدراسة والتمعّنِ والتحقيق فيه، ومنها :

____________________

(١) ( الترجمة السبعينيّة ) :( التي بدأت سنة ٢٥٠ وانتهت حوالي ١٥٠ ق. م وقد بدأت هذه الترجمة بأمر بطليموس فيلادلفوس الذي حكم مصر عام ٢٨٠ ق. م وقيل إنّ عدد هؤلاء المترجمين كان إثنين وسبعين ولهذا دعيت بالسبعينيّة. وكان اليهود يزعمون أنّ الله أوحى للعلماء الذين قاموا بالترجمة البعينية بكلمات هذه الترجمة، ولكن عندما أخذ المسيحيون يستشهدون بآياتها ضد العادات والتعاليم اليهودية التي كانت سائدة في عصرهم عاد اليهود الى الأصل العبراني وأهملوا هذه الترجمة ) قاموس الكتاب المقدس: ٧٦٨.

(٢) المسيح في الفكر الإسلامي: ص ١١٠.

(٣) نفس المصدر.

٣٣

١: انّ هذه الأسفار ( المقدسة )، قد كتبت خلال فترة خمسة عشر قرناً تقريباً أو أكثر، ومعظم النصوص الأصلية أو كلها مفقودة الآن، إضافة الى هذا فإنّ الكثير منها لايعرف مؤلفوها فهي مجهولة ولامن هو ناسخها ومتى كتبت، والنسخ المتوفرة مأخوذة عن نسخ أصلية كما يعتقد في أحسن الأحوال، فهل يمكن القول بأنّ الناسخ لهذه الكتب الجديدة لم يخطيء ،ولاسيما عندالقول بأن هذه الكتب مترجمة من اللغة العبرية الى اللغات الاخرى ؟ !

وهل هذه الترجمة - كما يعتقد اليهود في الترجمة السبعينية - أنما تمّت بوحي من الله تعالى ؟ ولهذا أعتقد أنّ هذه الكتب والأسفار التي بين أيدينا الآن من العهد القديم لايمكن الإعتماد عليها بشكل قاطع ويقيني ولايمكن الإطمئنان من إنها لم تتسرب اليها الأخطاء اذ ينقل في قاموس الكتاب المقدس مانصّه :( وكلّ ما وصل الينا هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ومع أن النساخ قد اعتنوا بهذه النسخ إعتناءاً عظيماً فقد كان لابدّ من تسرّب بعض السهوات الإملائية الطفيفة جدّاً اليها )(١) .

فعلى أقلّ تقدير هناك شكّ في أن هذد النسخ الموجودة هي نفس النسخ الأصلية، ولذا نرى الإختلافات القائمة بين علماء الكتاب المقدس حول هذه الأسفار.

٢: نحن بإعتبارنا مؤمنون بالله ورسالاته وعلى إختلاف المذاهب والأديان نعتقد بأنّ الأنبياء الإلهيين هم من أفضل البشرية ولهذا نستطيع القول بأنّهم صالحون وعلى الأقل معصومون من الذنوب والخطايا التشريعية، ولكننا للأسف نجد في هذه الأسفار، وفي مواضع كثيرة نسبة هذه المعاصي والخطايا الكبيرة لهؤلاء الأنبياء العظام، كشربهم للخمر والزنا بالمحارم وغير ذلك من الأمور التي يأبى كل مؤمن شريف التفكير بها فضلاً عن مزاولتها،. ومن أراد التوسّع فليطالع العهد القديم.(٢)

٣: من المسائل التي يمكن ذكرها أيضاً كثرة التناقضات الموجودة فيها، ففي القصة الواحدة مثلاً نرى أنّ بعض الأسفار تخالف الأسفار الاخرى، بل نجد في السفر الواحد بعض التناقضات.(٣) وكلّ ما تقدّم، يقودنا الى القول بأن هناك تدخّلاً كبيراً للبشر في هذه الأسفار، ويستحيل قبولها على أنّها وحي الهيّ.(٤)

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدس: ص ٧٦٣.

(٢) انظر :سفر التكوين ١٩: ١ - ٣٨،و( ١ ملوك: ١١: ١ - ٢٥ )، و ( التكوين: ٩: ١ - ٢٩ )، و ( اصم: ١٩: ٢٠ - ٢٤ )، وأيضاً أشعيا ( ٢٠: ١ - ٦ ).

(٣) ففي سفر التكوين ينقل عن قصة نوح والسفينة بأنه أمر أن يأخذ معه من كلّ ذي جسد اثنين ذكراً وانثى. انظر: ( تك ٦: ١٩ - ٢٠ )، وفي نفس السفر يأتيه الأمر ( أن تأخذ سبعة سبعة ذكراً وانثى ) انظر: ( تك ٧: ٢ - ٣ ) وأمثال هذا كثير في أسفار العهد القديم.

(٤) هبة السماء ( رحلتي من المسيحية الى الإسلام )، ص ٢١ - ٣٠. بإيجاز وتصرّف.

٣٤

٢: العهد الجديد

العهد الجديد هو القسم الثاني من الكتاب المقدّس ،ويحتوي على كتابات تعود الى النصف الثاني من القرن الأوّل المسيحي، ودوّنت هذه الكتابات باللغة اليونانية التي كانت شائعة آنذاك في حوض البحر البيض المتوسّط(١) . ويوجد هناك قسمان من النسخ للعهد الجديد(٢) :

أولا: النسخ الأسفينية: وهي المدوّنة بحروف كبيرة، فحروفها مفردة لاتقطّع فيها تقريبا، وفي أعمدة متساوية العرض، وفي كلّ صحيفة يوجد من عامود الى اربعة عواميد، وهذه نسخ مكتوبة في رقوق على هيئة كتب،وإنّ أحدث النسخ اللأسفينيّة كتبت في القرن العاشرالميلادي،وأقدم النسخ من بعض أسفار العهد الجديد وجدت مكتوبة على البردي وترجع الى القرنين الثاني والثالث الميلاديين مثل بردي بودمر وغيره. أما أمّ النسخ الكاملة من العهد الجديد بجملته فهي النسخة السينائية والنسخة الفاتيكانية وقد كتبتا في القرن الرابع الميلادي، وهناك أيضا النسخة الإسكندرانية التي كتبت في القرن الخامس الميلادي.ثانيا: النسخ الجرارة: وهي التي كتبت بالخط الإعتيادي، اذ أخذ النسّاخ منذ القرن الحادي عشر يكتبون على ورق مصنوع من القطن والكتان.ولقد حاول علماء الكتاب المقدّس وضع نص موحّد للعهد الجديد تتفق عليه كلّ الكنائس المسيحيّة ويكون الأقرب الى النصّ الأصلي، ولكن لايزال يدور الى اليوم جدل حول صحّة بعض القراءات للعهد الجديد والتشكيك قائم الى يومنا هذا لبعض أسفار العهد الجديد وقانونيّتها.

والظاهر أنّ العهد الجديد هو الآخر إستقى كتّابه معلوماتهم من التعاليم الشفاهيّة، وكتب كلّ واحد منهم ماوصل اليه من هذه التقاليد الشفهوية في كتب، وكانت هذه الكتب في بداية القرن الثاني الميلادي تتجاوز المائة، وقد حاولت الكنيسة جمع ماتراه مناسبا لتعاليمها ووضعته في كتاب واحد هو العهد الجديد. ورفضت الكثير من الكتب الأخرى التي كان البعض منها يحتوي على جزئيّات أكثر عن حياة السيد المسيحعليه‌السلام مما ذكره كتّاب الأناجيل الأربعة ولكنها رفضته واعتبرت تلك الكتب أناجيل منحولة لااعتبار لها. وقد عقدت مجامع كنسيّة كثيرة لوضع لائحةللأسفار المقدّسة للعهد الجديد، فقد أمر مجمع لادوكية (٣٦٣ ب. م) ومجمع هيبون (٣٩٣ ب. م) ومجمع قرطاجة (٣٩٧ ب. م) بوضع لائحة لأسفار العهد الجديد مماثلة الى حدّ كبير للعهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم.

____________________

(١) يعتقد بعض علماء الكنيسة أنّ اللغة اليونانية مناسبة جدّا للفلسفة واللاهوت ولذلك إختارها الله لإعطاء وصاياه بواسطتها من جهة التعاليم المسيحيّة، ويونانيّة العهد الجديد هي ما تسمّى ( بالكوني ) وهي اللغة العاميّة ممزوجة ببعض الإصطلاحات العبرانيّة، ويظهر هذا الإمتزاج بنوع خاص في في إنجيلي متى ومرقس وسفر الرؤيا.

(٢) قاموس الكتاب المقدّس، ص ٧٦٤.

٣٥

وأما السؤال عن الدلائل على كيفية جمع هذه الكتب فقط لتكون كتاباً واحداً دون غيرها؟، فيجيب آباء الكنيسة على ذلك: «أن بشائر الاربعة كانت وحدها قيد الاستعمال الرسمي، ويؤكد ذلك ما ذكره ايريناوس عن «الاناجيل الاربعة» وهو من آباء الكنيسة الاولين، وأيدترتوليان وآباء آخرون في زمانه صحة هذا الأمر ففي نهاية القرن الثاني كانت البشائر الاربعة (الاناجيل) واعمال الرسل (كتباً مقبولة) بلا جدل، كذلك لقيت رسائل بولس في هذا الوقت مالاقَتهُ الاناجيل الاربعة من اعتبار، وهناك دلائل اخرى على قبول رسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الاُولى، اما باقي كتب العهد الجديد فالدلائل على قبولها قليلة، وفي الواقع أن تاريخ جمع كتب العهد الجديد في كتاب واحد قانوني في القرنين الثالث والرابع الميلادي يدور حول مقام هذه الكتب الباقية، فأن اختيار الكتب «المصادق عليها» تأثر إلى حد كبير بملائمة هذه الكتب للقراءة الجهارية في الكنائس»(١) .وهنا أيضاً نكتة يجب الالتفات إليها وهي أن اسفار العهد الجديد وحتى نهاية القرن الثاني لم يكن أحد يتكلم بجلاء وصراحة عن الالهام فيها، حتى آباء الكنيسة، بل الكنيسة كانت في القرن الثاني تعتبر العهد القديم فقط كتاباً مقدساً بالدرجة الاُولى، وكانت تسمية العهد الجديد ذاتها لم تكن قد ولدت بعد، بل كان لا بد من انتظار عدة قرون قبل أن نسمع عبارة «الكتاب المقدس الملهم» التي نعت بها العهد الجديد(٢) .

وأما لماذا اختارت الكنيسة هذ الكتب دون غيرها، فالجواب هو «أن هذه الكتب تعطينا بشكل أفضل ما كانت تؤمن به الكنيسة الاُولى، فانها توضح الايمان الرسولي، أي ان اعتقاد الكنيسة هو أن هذه الكتب تمثل العصر الرسولي، فالواضح أن الكنيسة في القرن الرابع هي التي فتحت ميزة الالهام لهذه الكتب، ولكن علماء المسيحية يرفضون هذا القول ويؤكدون: «أن الكنيسة لم تمنح صفة الالهام لهذه الاسفار (العهد الجديد) بل أن محتوى هذه الاسفار ذاته هو الذي دفع بالكنيسة لتميزها عن الكتب الاخرى»(٣) وقبل الخوض في البحث عن اسفار العهد الجديد أود الإشارة إلى مسألة الاخرى وهي أن المسيحعليه‌السلام لم يكتب شيئاً ابداً حسب ما تدعيه الكنيسة، بل ولم يأمر أحداً من تلاميذه بتدوين اقواله واعماله، ولكن بعد رفعه إلى السماء ولأسباب عديدة تذكرها الكنيسة(٤) بدء المسيحيون الاوائل بكتابة مستندات وكتب ورسائل تشير إلى حياة المسيح وتعاليمه، وكان ذلك بعد منتصف القرن الاول للميلاد.

____________________

(١) المرشد إلى الكتاب المقدس ص ٧٣.

(٢) المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص ١١٧.

(٣) نفس المصدر ص ١١٨.

(٤) ومن تلك الاسباب: رغبة المسيحيين بالحصول على معلومات أوسع عن حياة وتعاليم المسيحعليه‌السلام ، وأيضاً تقدم السن بالرسل الاولين والاضطهادات التي كانت تحيطهم وتهدد حياتهم، وكذلك ظهور الافكار العقائدية الباطلة تحت تأثير الوثنية والعنصرية اليهودية، واخيراً البعد الزمني،لظهور المسيحعليه‌السلام وتعاليمه وكذلك الابتعاد عن مركز المسيحية أي مدينة أورشليم وغيرها من الاسباب: المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص ١١٣.

٣٦

وهي بهذا الادعاء تريد التأكيد على أنه لم يكن هناك في زمن المسيحعليه‌السلام أو حتى بعد رفعه كتاب خاص به يسمى بالانجيل، بل كانت تعاليمهعليه‌السلام كلها شفاهية ولم تدون ابداً، خلاف ما يدعيه الإسلام والقرآن.

وهناك مقولة للمسيحيين تقول أن الانجيل موجود في الاناجيل، أي أن انجيل يسوع له أربع روايات، وسمي كل واحد من كتّاب هذه الروايات إنجيلياً وبالعربية البشير أي مدون الانجيل أو البشارة.وأما كلمة انجيل فقد استعمل المسيحيون منذ ظهور الدين المسيحي كلمة «انجيل» وهي كلمة يونانية تلفظ «ايوانجيليون» وهي اسم جنس واستعملت بمعنى البشرى أو البشارة أي الخبر السار المفرح، وأما عند استعمالها في المسيحية والعهد الجديد تعني بشارة الخلاص التي حملها يسوع المسيح إلى الناس أجمعين(١) .

والظاهر أن الأناجيل الاربعة قد رأت النور في القرن الاول للميلاد، وقد كتبت في فترات مختلفة، فمثلا المشهور أن مرقس دون انجيله نحو سنة ٦٧، ومتى ولوقا بين ٨٠ - ٩٠ وربما قبل ذلك، ويوحنا قبل نهاية القرن الاول، وأما رسائل بولس فهي أقدم من الأناجيل كما هو معروف في التقليد المسيحي، وسفر اعمال الرسل والرسائل العامة الاخرى التي تشكل أسفار العهد الجديد كتبت جميعها قبل نهاية القرن الاول الميلادي، وأسماءها حسب الترتيب الموجود بين ايدينا في جميع نسخ العهد الجديد وهي تشكل:

(٢٧) سفراً، هي كالتالي :١: انجيل متى.٢: انجيل مرقس.٣: انجيل لوقا.٤: انجيل يوحنا.٥: اعمال الرسل.٦: رسائل بولس، وهي ثلاث عشر رسالة :

(رومة،كورنيشوس الاُولى، كورنيشوس الثانية، غلاطية، أفسس،فيليبي،كولوسي، نسالونيكي الاُولى، تسالونيكي الثانية، تيموثاوس الاُولى، تيموثاوس الثانية، تيطس، فيلمون)، الرسالة إلى العبرانيين، الرسائل العامة وهي سبعة: (رسالة يعقوب، رسالة بطرس الاُولى، رسالة بطرس الثانية، رسالة يوحنا الاُولى، رسالة يوحنا الثانية، رسالة يوحنا الثالثة، رسالة يهوذا)، رؤيا يوحنا.(٢)

____________________

(١) المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص ١٢٠.

(٢) حقيقة المسيح، ص١٣ - ١٧. بتصرّف.

٣٧

وقد سميت الأناجيل الثلاثة الاُولى ب-«الأناجيل المتشابهة»، والعلاقة بين الأناجيل المتشابهة النظرة مسألة حيَّرت العلماء لأجيال عديدة، فقد اعتبر الكثير من العلماء أن المصدر لهذه الأناجيل الثلاثة هو مستند واحد، وهذه الأناجيل تختلف كثيراً عن الانجيل الرابع (انجيل يوحنا)، وليس من السهل مقارنة انجيل يوحنا مع الأناجيل المتشابهة النظرة، وقد قال بعضهم أن يسوع في يوحنا يختلف كثيراً عن يسوع في الأناجيل الاخرى(١) .

ثانياً :التَّقييم العلميّ الحديث للعهدين

وهنا لابدَّ لنا من قولِ كلمةِ حقٍّ وإنصافٍ في العهدين، وبيان واحدةٍ من أهمِّ المسبِّبات التي أدَّت الى الضرَرِ بهما، ألا وهي آفاتُ الترجمة وما يرتبطُ بها، وشيءٍ من الفروقات بين مترجمي العهدين :كلمة إنصاف في العهدينبعد أن تعرّفنا على الكتاب المقدّس، واطّلعنا عن قربٍ على عهديه ( القديم والجديد) وأحطنا بما طَرَأَ عليهما خلال هذه المدّة الطويلة من الزّمن، وعدم توثيقهما علميّاً على إطلاقهما(٢) لدى العلماء والباحثين، وكثرة الجدل الدائر حولهما. وما الى ذلك، ولكن يبقى هناك سؤالٌ مهمٌّ يطرحُ نفسه ولابدَّ من الإجابة عليه وهو :مامعنى أن نَجدَ - من خلال البحث والتدقيق بل وحتى في المطالعة العابرة - مايوافقُ القرآن الكريم والسّنة النبويّة المطهّرة، كما في: ( بعض النصوص، أو بعض الفقرات في النصوص ) الواردة في أسفار الكتاب المقدس، سواء في العهد القديم أو الجديد ؟.

ألا يَدلُّ ذلك على أنّ هناكَ بعضَ النصوص، أوبعضَ الفقرات في تلك النصوص(٣) على أقلّ التقديرات، قد وردت بالتواتر مثلاً، وإن نقلت شفاهاً أوبالمعنى أو تُرجمت. وما الى ذلك ؟

ألا يدلّ ذلك على أنّ من بين من قاموا بحفظها وكتابتها كانوا رجالاً صالحين مؤمنين، حفظوا الأمانة الدينيَّة والعلمية ورعوها في عهدهم ولو لفترات معيّنة ليست بطويلة نسبيّاً، ولكن حفظت لنا بعض الحقّ والصّدق الذي ما زالَ يلمعُ نيّراً مشرقاً في العهدين، بل وما أكثر ذلك الحقّ والصدق، لو أمعنّا النظر ؟.

____________________

(١) المرشد إلى الكتاب المقدس ص ٥٣٢.

(٢) ليس بمقدور أحد أن يوثّق كل ما جاء في العهدين القديم والجديد، ويثبت أنّ كل ماجاء فيهما هو كلام موحى، والعكسُ بالعكس.

(٣) يطلقُ عليها ويسميها بعض العلماء والباحثين: ( الآيات ) أُسوةً بآيات القرآن الكريم، لأنهم يعتقدون أن بعضها من بقايا الوحي ‍‍!، انظر: الإسلام في الكتب السماوية، ص ٢٣٧ - ٢٣٨. المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٥٣ - ٥٤. المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص٢٤٥. الخ، وستأتي الإشارة الى بعض ذلك في بحثنا هذا انشاء الله تعالى.

٣٨

ثُمَّ ما معنى أن يحكُمَ علماءُ الإسلام الربانييّنَ، بوجوب أخذ الكتب السماوية من يد الكافر، لأنها تشتملُ على أسماء الله، وأسماء الانبياء (ع)، وعلى أحكامه سبحانه، وقالوا بعدم كونها مفتعلةً بأسرها.، وهذا ما أشارَ اليه أحدُهم بقوله: (أن المصحفَ لو وجب أخذه من يد الكافر بهذا المناط، لوجب أن يؤخذ منهُ غيرهُ من الكتب السماوية كالتوراة وغيرها، لاشتمالها على أسماء الله وأسماء الانبياء بل وعلى أحكامه سبحانه، لعدم كونها مفتعلةً بأسرها فلو بقيت عنده لمسَّها ونجسها وهو حرامٌ).(١)

أَوَ هَل يُعقَلُ أنَّ الصَّرحَ الإلهيَّ المقدَّس، الذي بناهُ قاهرُ الجبّارين وعَلاّمُ الغيوب في التوراة والإنجيل والزبور وصُحُف الأنبياء، قد هَدَّهُ الأشرارُ من خَلقه، واندَثَرَ ولم يبقَ منهُ ما يَبُلُّ الغليلَ ؟، وأنَّ من العيبِ المخزي أن يَظُنَّ أحدٌ من الخلقِ ذلك، بل انَّ الذي انهدمَ وتلاشى هو صرحُ فرعونَ وهامان ونمرود وأشباهمم وأمثالهم ومن خلفهم ابليس لعنهُ الله تعالى وأخزاه.

ثُمّ ما معنى أَن يحتجَّ النبيُّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من أهل البيت (ع) على أهل الكتاب بنصوصٍ من التوراة والإنجيل والزَّبور وصحف الأنبياء، فيُفحمونهم ويُبطلوا حُجَجَهم ويُثبتوا لهم صدقَ ما جاءت به تلكَ الكتب السماوية، بل والأعجبُ من ذلك كُلّه أنَّهم (عليهم الصلاةُ والسلامُ) كانوا يحفظونها عن ظهر قلبٍ! ،(٢) ولم تَصدُرَ عنهم أيّةَ كلمة إهانةٍ أو استهزاءٍ كلاّ وحاشاهم، بل أثبتوا فيها الحقَّ حقّاً والباطلَ باطلاً.وكثيراً ما احتجَّ علماءُ المسلمين أيضاً بذلك على طول التأريخ، وهي عند الكثير منهم ذات قيمةٍ كبيرةٍ، إذ لايُعقَلُ أن نحتجَّ بها ثُمَّ نشتمها !.

____________________

(١) فقه السيد الخوئي، كتاب الطهارة - ج ٢ص ٣١٧، و ج ٣ ص ٣١٦، هل يحرم إعطاء المصحف بيد الكافر.. :( ثالثاً) :. الخ.

(٢) الكلامُ على مستوى الحد الوسط بين معتقدات الجميع، وأمّا عقيدتنا في الأنبياء والأوصياء(عليهم الصلاة والسلام) فهي تفوق ذلك بالكثير الكثير، وهم فوق ذلك بكثير.

٣٩

ولو تدبَّرنا في بعض آيات القرآن الكريم، لحلَّت لنا الكثيرَ من العُقَد ولأَزالت عنا الكثيرَ من العناء فقد قال الله تبارك وتعالى :- ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ).(١) - ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ).(٢) - ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ).(٣) - ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا).(٤) - (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب).(٥) - ( قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين ).(٦)

____________________

(١) سورة المائدة: آية ٤٤ - ٤٨.

(٢) البقرة: ٤٠- ٤٤.

(٣) البقرة: ١٠١.

(٤) النساء: ٤٧.

(٥) آل عمران: ١٩٩.

(٦) المائدة: ٦٨.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164