(الحمد لله، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.. أيها الناس، قد نبأني اللطيف الخبير: أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟!
قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.
قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، و أن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟!
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد.
ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟!
قالوا: نعم.
قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى(١) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين(٢) .
____________
١- صنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبُصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.
٢- الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.
فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟!
قال: الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تَقَدَّموهما فتهلكوا، ولا تُقَصِّروا عنهما فتهلكوا.
ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟!
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ـ ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية (١) ) (٢) .
____________
١- الآية ٣ من سورة المائدة.
٢- وقد روي نزول الآية في يوم الغدير في المصادر التالية: الغدير ج١ ص١١ و ٢٣٠ ـ ٢٣٧ و ٢٩٦ وروى ذلك الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير، كما في ضياء العالمين. وتفسير القرآن العظيم ج٢ ص١٤ عن ابن مردويه، والـدر = = المنثور ج٢ ص٢٥٩ وتاريخ مدينة دمشق ج١٢ ص٢٣٧ والإتقان ج١ ص٣١ وكشف الغمة ج١ ص٣٣٠ وعن مفتاح النجا، وعن الفرقة الناجية وما نزل من القرآن في علي "عليهالسلام " لأبي نعيم ص٥٦ وكتاب سليم بن قيس ج٢ ص٨٢٨ وتاريخ بغداد ج٨ ص٢٩٠ ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص١٨ والعمدة لابن البطريق ص١٠٦ وشواهد التنزيل للحسكاني ج١ ص٢٠١ والمناقب للخوارزمي ص١٣٥ و١٥٦ وفرائد السمطين ج١ ص٧٤ و٧٢ وعن النطنزي في كتابه الخصائص العلوية، وتوضيح الدلائل للصالحاني، وتذكرة الخواص ص٣٠ والبداية والنهاية ج٥ ص٢١٠. وراجع: بحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٠ وج٣٧ ص١٣٤ و ١٦٦ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٣٠١ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٥٤٤ وإعلام الورى ج١ ص٢٦١ ـ ٣٦٣ قصص الأنبياء للراوندي ص٣٥٣ ـ ٣٥٤ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص٢٠ وكشف اليقين ص٢٥٣.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.
ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بَخٍ بَخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولايَ ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم(١) .
____________
١- الغدير ج١ ص١٠ و ١١. وراجع: العمدة لابن البطريق ص١٠٤ ـ ١٠٦ وبحار = = الأنوار ج٣٧ ص١٨٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٣٢ وج٨ ص١٢٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٢٥٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٣٤١ و ٣٤٢ عن ابن المغازلي.
الخطبة برواية الطبري:
وعن زيد بن أرقم: أنه (صلىاللهعليهوآله ) خطب في يوم الغدير خطبة بالغة، ثم قال: إن الله تعالى أنزل إليَّ:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، وخليفتي، والإمام بعدي.
فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي، لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المؤذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي، وشدة إقبالي عليه، حتى سموني أذناً، فقال تعالى:( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) (٢) . ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت، ولكني بسترهم قد تكرمت.
فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه. فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله
____________
١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.
٢- الآية ٦٧ من سورة المائدة.
مولاكم، وعلي إمامكم.
ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة، لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله وهم، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله وهم.
فما من علم إلا وقد أحصاه الله فيَّ، ونقلته إليه؛ فلا تضلوا عنه، ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتماً على الله أن يفعل ذلك، أن يعذبه عذاباً نكراً أبد الآبدين.
فهو أفضل الناس بعدي، ما نزل الرزق، وبقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن الله، فلتنظر نفس ما قدمت لغد.
إفهموا محكم القرآن، ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده، وشائل بعضده، ومُعْلِمُكم: أن من كنت مولاه فهذا (فعلي) مولاه، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عليَّ.
ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.
ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي (صلىاللهعليهوآله ) وقال:
معاشر الناس! هذا أخي، ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربي.
وفي رواية: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب على من جحد حقه.
اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي:( ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) بإمامته، فمن لم يأتم به، وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة، فأولئك حبطت أعمالهم، وفي النار هم خالدون.
إن إبليس أخرج آدم (عليهالسلام ) من الجنة، مع كونه صفوة الله، بالحسد(٢) ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزل أقدامكم.
في علي نزلت سورة( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر ) (٣) .
معاشر الناس!( آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) (٤) . النور من الله فيَّ، ثم في عليٍّ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي.
معاشر الناس!( سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار. وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان و يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٥) ) (٦) .
____________
١- الآية ٣ من سورة المائدة.
٢- لنا كتاب مستقل حول هذا الموضوع أسميناه "براءة آدم" راجع ذلك.
٣- الآيتان ١ و ٢ من سورة العصر.
٤- الآية ٤٧ من سورة النساء.
٥- الآية ٣٥ من سورة الرحمن.
٦- الغدير للعلامة الأميني ج١ ص٢١٥ و ٢١٦ عن ضياء العالمين للفتوني عن كتاب = = الولاية للطبري. وراجع: كتاب الإحتجاج ج١ ص١٣٣ ـ ١٦٢ والتحصين لابن طاووس ص٥٧٩ ـ ٥٩٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص٩١ ـ ١١٢ والعدد القوية للحلي ص١٦٩ ـ ١٨٣ والصافي (تفسير) ج٢ ص٥٦ ـ ٦٧ وفيها زيادات هامة، وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٠١ ـ ٢١٩ وروضة الواعظين ص١٠٠ ـ ١١٣ وغاية المرام ج١ ص٤٠٢ ـ ٤١٩ وراجع: الصراط المستقيم ج١ ص٣٠١ ـ ٣٠٤.
النبي (صلىاللهعليهوآله ) يعلمهم التهنئة والبيعة:
وتذكر الروايات أيضاً: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال:
(معاشر الناس! قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا، وميثاقاً بألسنتنا، وصفقة بأيدينا، نؤديه إلى من رأينا من أولادنا وأهالينا، لا نبغي بذلك بدلاً، وأنت شهيد علينا، و كفى بالله شهيداً.
قولوا ما قلت لكم، وسلموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا:( الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (١) ، فإن الله يعلم كل صوت، وخائنة كل عين،( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (٢) . قولوا ما يرضي الله عنكم،( فـ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ (٣) ) (٤) .
____________
١- الآية ٤٣ من سورة الأعراف.
٢- الآية ١٠ من سورة الفتح.
٣- الآية ٧ من سورة الزمر.
٤- الغدير للعلامة الأميني ج١ ص٥٠٨ و ٥٠٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص٢٧٠ = = عن الطبري في كتاب الولاية ص ٢١٤ ـ ٢١٦، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وعيد الغدير في الإسلام للشيخ الأميني ص٢٠ وراجع: الصراط المستقيم ج١ ص٣٠٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢١٧.
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم، سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله، بقلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، وجميع جوارحنا.
ثم انكبوا على رسول الله، وعلى عليٍّ بأيديهم..
وكان أول من صافق رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أبو بكر وعمر، وطلحة والزبير، ثم باقي المهاجرين [والأنصار وباقي] الناس على طبقاتهم، ومقدار منازلهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخ
وفي نص آخر: قال أبو بكر وعمر: أمسيت يابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة(١) .
____________
١- راجع: الغدير ج١ ص٢٧٣ عن كتاب الولاية لابن عقدة، وعن المرزباني في كتابه سرقات الشعر، وعن الدارقطني، وعن الإبانة لابن بطة، وعن التمهيد للباقلاني، وعن العاصمي في زين الفتى، والصواعق المحرقة ص٤٤ وكفاية الطالب ص٦٢ ـ ٦٤ وفيض القدير للمناوي ج٦ ص٢١٨ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج٧ ص١٣ والفتوحات الإسلامية ج٢ ص٣٠٦. والفضائل لابن شاذان ص١٣٣ وكتاب الولاية لابن عقدة ص١٥٥ وبحار الأنوار ج١٠٤ ص١١٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١١ و ٢٦٣ و٣٦٤ و ٤٠٥ و ٤١٢ وج٨ ص٨٢ وج٩ ص٩٧ و ١٤٣ و المراجعات ص٢٨٢ والغدير ج١ ص١١ و ٢٧٣ و ٢٨١ و ٢٨٢= = و ٣٠٣ و ٣٠٩ و ٣٥٤ وشرح إحقاق الحق ج٦ ص٣٦٦ وج٢٠ ص٥٨١ و ٥٩٩ وج٢١ ص٥٠ و ٥٢ و ٥٦ وج٣١ ص٥٠٠ ونهج الإيمان ص١٢٧.
فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهن.
فقال: قل على بركة الله.
فقام حسان، فقال: يا معشر مشيخة قريش، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية، ثم قال(١) :
____________
١- الغدير للعلامة الأميني ج١ ص١١ و ٢٣٢ ورسائل المرتضى ج٤ ص١٣١ ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليهالسلام " للكوفي ج١ ص١١٩ و ٣٦٣ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص٤٦٩ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص٩٤ والطرائف ص١٤٦ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص٦٤ والجمل للمفيد ص١١٧ ومناقب علي بن أبي طالب "عليهالسلام " وما نزل من القرآن في علي "عليهالسلام " لابن مردويه ص٢٣٣ والمناقب للخوارزمي ص١٣٦ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٨٨ وج٣٧ ص١١٢ و ١٦٦ و ١٧٨ و ١٧٩ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٤٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٣٠٩ و ٣١٠ و ٣١٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٣٥٦ وج٢٠ ص١٩٩ والأمالي للصدوق ص٦٧٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص١١٦ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص٤٢ وروضة الواعظين ص١٠٣ وشرح أصول الكافي ج٦ ص١٢٠ ونظم درر السمطين ص١١٢ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص٢٩٠ والإرشاد ج١ ص١٧٧ وأقسام المولى للشيخ المفيد ص٣٥ والصراط المستقيم ج١ ص٣٠٥ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٣٠ وكنز = = الفوائد ص١٢٣ ومسار الشيعة للشيخ المفيد ص٣٩ وإعلام الورى ج١ ص٢٦٢ والدر النظيم ص٢٥٣ و ٣٩٦ وكشف الغمة ج١ ص٣٢٥.
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم فاسمع بالرسول مناديا
يقول: فمن مولاكم ووليكم؟! فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا ولم تر منا في الولاية عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهم وال وليه وكن للذي عادا علياً معاديا
وحسب رواية سليم بن قيس:
ألم تعلموا أن النبي محمداً لدى دوح خم حين قام مناديا
وقد جاءه جبريل من عند ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا
عليك فما بلغتهم عن إلههم رسالته إن كنت تخشى الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه بيمنى يديه معلن الصوت عاليا
فقال لهم: من كنت مولاه منكم وكان لقولي حافظاً ليس ناسيا
فمولاه من بعدي علي وإنني به لكم دون البرية راضيا
فيا رب من والى علياً فواله وكن للذي عادى علياً معاديا
ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا
ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا(١)
وعن عمر بن الخطاب قال:
نصب رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) علياً علماً، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم.
قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح، قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله عقداً لا يحله إلا منافق.
فأخذ رسول الله بيدي فقال: يا عمر، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرائيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي(٢) ..
____________
١- كتاب سليـم بن قيس ج٢ ص٨٢٨ و ٨٢٩ و (بتحقيق الأنصـاري) ص٣٥٦ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٩٥.
٢- الغدير للعلامة الأميني ج١ ص٥٧ عن مودة القربى لشهاب الدين الهمداني، المودة الخامسة، وينابيع المودة ج٢ ص٧٣ و (ط دار الأسوة) ص٢٨٤ عنه.
وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٨٧ وج٩ ص٢٧٣ والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص١٧٨ وشرح إحقاق الحق ج٦ ص٢٥٢ عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص٥٦٥ وج٢١ ص٦٥ عن آل محمد (نسخة مكتبة السيد الأشكوري) ص٤٥٣ وراجع: الدر النظيم ص٢٥٣.
الفصل الرابع: هكذا حورب عيد الغدير..
بداية ضرورية:
لقد حاول مناوؤا علي (عليهالسلام )، والرافضون لامامته بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أن يتخلصوا من حديث الغدير باتجاهان:
١ ـ تغييبه من التاريخ بادعاء أن هذه الواقعة أما حدث جاهلي، أو حدث اسلامي، ولكن لا ربط له بموضوع الإمامة، بل اريد به تبرئة علي (عليهالسلام ) من تهمة وجهت إليه.
٢ ـ تغيبه عن الممارسة ومنعه من الحضور في الواقع العملي عن طريق محاربته في كل سنة، والمنع من الإحتفال به..
٣ ـ الطعن في أسانيده، وهذه الأمور الثلاثة هي التي سنتحدث عنها بايجاز في هذا الفصل..
٤ ـ التشكيك في دلالة مضمونة، وهذا ما سنتعرض له في الفصول التي تليه.
وعلى هذا الأساس نقول:
حديث الغدير واقعة حرب:
زعم الدكتور ملحم إبراهيم الأسود: أن واقعة الغدير هي واقعة حرب
معروفة(١) .
ونقول:
إن من المعلوم: أنه ليس في غزوات النبي (صلىاللهعليهوآله )، ولا في سراياه أية واقعة حرب معروفة بهذا الاسم.
وقد ذكر: أنه كان في الجاهلية واقعة حرب بهذا الإسم(٢) ، وتطبيقها على حديث الغدير هنا لا معنى له، فإنه لم يكن للنبي (صلىاللهعليهوآله ) ولا لعلي (عليهالسلام ) أدنى ارتباط به.. فلا معنى لتفسير المراد بذلك بصورة مطلقة، وبطريق التعميم.. فإن ما حدث في الإسلام وذكر فيه النبي (صلىاللهعليهوآله ) وعلي (عليهالسلام ) لا يمكن أن يراد به تلك الواقعة التي كانت في الجاهلية.
يوم الغدير لتبرئة علي (عليهالسلام ):
قال ابن كثير: (فصل: في إيراد الحديث الدال على أنه (صلىاللهعليهوآله ) خطب بمكان بين مكة والمدينة، مرجعه من حجة الوداع، قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبين فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة، التي ظنها بعضهم جوراً، وتضييقاً وبخلاً،
____________
١- الغدير للعلامة الأميني ج١ ص١٢ وج٢ ص٣٣١ عن شرح ديوان أبي تمام ص٣٨١ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٥٦٩.
٢- الأغاني ج١٠ ص١٤ و١٥ والعقد الفريد ج٥ ص٩٩.
والصواب كان معه في ذلك.
ولهذا لما تفرغ (صلىاللهعليهوآله ) من بيان المناسك، ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق. فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذٍ ـ وكان يوم الأحد بغدير خم ـ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل علي، وأمانته وعدله، وقربه إليه، ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه)(١) .
إلى أن قال: (قال محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوداع ـ: حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل علي من اليمن، ليلقى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بمكة، تعجل إلى رسول الله، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل، فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي.
فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك! ما هذا؟
قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز.
قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم(٢) .
____________
١- البداية والنهاية ج٥ ص٢٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤١٤.
٢- البداية والنهاية ج٥ ص٢٢٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤١٥ والسيرة النبوية لابن هشـام ج٢ ص٦٠٣ و (نشر مكتبـة محمد علي صبيح) ج٤ ص١٠٢١ وبحـار = = الأنوار ج٤١ ص١١٥ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٤٠٢ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٧٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص٣٠٤ وتفسير الآلوسي ج٦ ص١٩٤.
ثم روى ابن إسحاق، عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس علياً، فقام رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) فينا خطيباً، فسمعته يقول:
(أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يُشكى)(١) .
ونقول:
١ ـ قد تحدثنا عن القضية التي أشار إليها ابن كثير في فصل سابق.. فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك.
٢ ـ إن ما زعمه ابن كثير من أن السبب هو قضية الحلل، التي من الخمس، حيث منع علي (عليهالسلام ) المقاتلين من الإستيلاء عليها.. ليس له ما يدل عليه في كلمات الرسول في غدير خم، ولا في النصوص التاريخية التي
____________
١- البداية والنهاية ج٥ ص٢٢٨ وج٧ ص٣٨١ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤١٥ وتفسير الآلوسي ج٦ ص١٩٤ ومسند أحمد ج٣ ص٨٦ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج٢ ص٦٠٣ و (نشر مكتبة محمد علي صبيح) ج٤ ص١٠٢٢ وينابيع المودة ج٢ ص٣٩٨ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج٤ ص١٨٥٧ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٩ وتهذيب الكمال ج٣٥ ص١٨٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٢٤٠ و ٢٣٤ و ٤٤٠ و ٤٤١ و ٤٤٢ وج٢٠ ص٣٠٠ و ٣٠٢ وج٢٣ ص٦٠٦ وج٣١ ص٤٨.
يمكن التعويل عليها، بل هو مجرد حدس، وتخمين من ابن كثير على الأظهر.. إن لم نقل: أن وراء الأكمة ما وراءها من الكيد، والتعصب ضد علي (عليهالسلام ).. والسعي لإنكار مقاماته وفضائله..
والنصوص المعتبرة والمتواترة صريحة: بأنه (صلىاللهعليهوآله ) قد نصب علياً (عليهالسلام ) ولياً في ذلك اليوم، وليست القضية قضية تبرئة علي (عليهالسلام ) مما نسب إليه..
٣ ـ إن نزول قوله تعالى:( ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ) (١) شاهد صدق على ما نقول، ويسقط ما يريد ابن كثير أن يسوِّق له.. وسيأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله تعالى..
٤ ـ إن الخطبة التي رواها ابن إسحاق هي خطبة أخرى، لا ربط لها بما جرى في غدير خم.. ولكن ابن كثير اجتهد في تطبيق هذه على تلك، وتجاهل الخطبة الحقيقية، والنصوص الصحيحة المتواترة، الآتي شطر منها.
يوم الغدير عيد:
هذا.. ولا حاجة بنا إلى إثبات أن يوم الغدير عيد إسلامي أصيل، وأنه لم يزل معروفاً بهذه الصفة منذ القرون الثلاثة الأولى.
فلا يصح قول المقريزي عن عيد الغدير: (أول ما عرف في الإسلام
____________
١- الآية ٣ من سورة المائدة.