• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68443 / تحميل: 6863
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

6 ـ وهناك من يزعم: أنه لم يخرجه إلا أحمد في مسنده(1) .

وكل ذلك تحكم جائر، وتمحل غبي، يظهر عواره للعيان، حتى للعميان، فضلاً عن العوران والحولان..

مصادر حديث الغدير:

قد جمع العلامة الأميني في كتابه القيم (الغدير) طائفة كبيرة من مصادر حديث الغدير، ولكنه لم يستطع أن يستقصيها كلها أو أكثرها، ويمكن الإستدراك عليه بمثل ما جمعه أو يزيد.

وقد ألف الكثيرون في مصادر هذا الحديث وطرقه، وأسانيده ـ كما سيمر معنا ـ وكثير من رواياته هي في عداد الصحاح والحسان..

علماً بأن هذا الحديث متواتر بلا ريب، وتواتره يغني عن النظر في أسانيده، فلا عبرة بعدها بتضعيف بعض ما لا خبرة له..

طرق حديث الغدير:

قال العلامة الأميني (رحمه‌الله ): (رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، والجزري المقري من ثمانين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، وفي تعليق هداية العقول ج2 ص30 عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء

____________

1- الغدير ج1 ص315 عن نجاة المؤمن لمحمد محسن الكشميري.

١٨١

الغدير في القرن الثاني عشر): إن له مائة وخمسين طريقاً)(1) . وكذا في طبق الحلوى، عن السيد محمد إبراهيم.

وأنهاها أبو العلاء العطار إلى مائتين وخمسين طريقاً(2) .

وجمع الدارقطني الحافظ طرقه في جزء(3) .

وجمع الحافظ ابن عقدة الكوفي كتاباً مفرداً فيه الخ..(4) . عن سبعين صحابياً وأكثر(5) .

وقال العسقلاني في فتح الباري: (وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها

____________

1- الغدير ج1 هامش ص14 وذكر تفاصيل ذلك ص152 ـ 158.

2- الغدير ج1 هامش ص302 و 158 عن القول الفصل ج1 ص445 للعلوي الهدار الحداد، ونهج الإيمان لابن جبر ص133 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص678.

3- الغدير ج1 ص154 و 297 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص50 عن كفاية الطالب ص60.

4- كفاية الطالب ص59 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص102 والغدير ج1 ص297 وكتاب الولاية لابن عقدة ص139.

5- تهذيب التهذيب ج7 ص339 و (ط دار الفكر) ج7 ص298 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص193 والغدير ج1 ص153 و 299 وكتاب الولاية لابن عقدة ص140 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص289.

١٨٢

ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)(1) .

وقال العاصمي: (هذا حـديـث تلقتـه الأمـة بالقبول، وهـو مـوافـق بالأصول)(2) .

وقال ابن عبد البر عن حديث المؤاخاة، وحديثي الراية والغدير: (وهذه كلها آثار ثابتة)(3) .

وقال ابن المغازلي عن هذا الحديث: (وقد رواه نحو مائة نفس، منهم العشرة المبشرة، وهو حديث ثابت، لا أعرف له علة)(4) .

____________

1- الغدير ج1 ص153 و 399 و 304 و 310 وفتح الباري ج7 ص61 والمواهب اللدنية ج3 ص365 والصواعق المحرقة ص42 و 43 ووسيلة المآل ص117 و 118 ونزل الأبرار ص54 وبحار الأنوار ج37 ص199 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص211 و 216 وينابيع المودة ج2 ص369 وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص291 و 292 و 295.

2- الغدير ج1 ص295 عن زين الفتى.

3- الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص373 و (ط دار الجيل) ج3 ص1099 والغدير ج1 ص295 ومناقب أهل البيت "عليهم‌السلام " ص44.

4- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص27 والعمدة ص108 والطرائف ص142 والصراط المستقيم ج1 ص300 وكتاب الأربعين للشيرازي ص121 وبحار الأنوار ج37 ص183 وكتاب الأربعين للماحوزي ص141 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص139 وج9 ص16 والغدير ج1 ص295 و 315 ونهج الإيمان ص122.

١٨٣

وفي سر العالمين: (أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم، باتفاق الجميع)(1) .

وفي المناقب لابن الجوزي: (اتفق علماء السير)(2) .

وقال السمناني: (هذا حديث متفق على صحته)(3) .

وقال الذهبي: (صدر الحديث متواتر، أتيقن أن رسول الله قاله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قاله، وأما (اللهم وال من والاه..) فزيادة قوية الإسناد)(4) .

كما أن شمس الدين الجزري روى حديث الغدير من ثمانين طريقاً، وأفرد في إثبات تواتره رسالته المسماة بـ (أسنى المطالب).

____________

1- سر العالمين ص21 وكتاب الأربعين للشيرازي ص284 وبحار الأنوار ج37 ص251 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص186 والغدير ج1 ص276 و 296 و 392.

2- بحار الأنوار ج37 ص150 وج109 ص19 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص350 وج9 ص195 والغدير ج1 ص296 و 392 والعدد القوية ص183.

3- العروة لأهل الخلوة ص422 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص314 و 315 والغدير ج1 ص297 و 396.

4- البداية والنهاية ج5 ص228 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص333 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص426 وراجع: الغدير ج1 ص 297 و 298 و (ط مركز الغدير للدراسات) ج1 ص132 و 133 وراجع: روح المعاني ج6 ص195 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص282.

١٨٤

وقال بعد ذكر مناشدة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يوم الرحبة: (هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام )..)(1) .

رواة حديث الغدير:

وتابع الأميني (رحمه‌الله ): ولا شك في أن هذا الحديث متواتر أيضاً عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير. والروايات الصحاح والحسان كثيرة فيه، رغم أن تواتر الحديث يغني عن النظر في الأسانيد، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطِّلاع ولا بصيرة له في هذا العلم، فقد ورد مرفوعاً ـ كما قالوا ـ عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.

____________

1- الغدير ج1 ص298 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص186 و 190 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص102.

١٨٥

وصحح عن جماعة منهم ممن يحصل القطع بخبرهم(1) .

وقد أحصى العلامة الأميني رواية مائة وعشرة من الصحابة لهذا الحديث، وربما يمكن إضافة عدد وافر آخر إليهم بالإستفادة من الجهاز الآلي (الكمبيوتر)، تبعاً لازدياد المصادر التي تضاف إلى ذاكرته.

تواتر حديث الغدير:

تقدم معنا ما دل على تواتر حديث الغدير، ونزيد هنا قول جمال الدين الحسيني الشيرازي: أصل هذا الحديث ـ سوى قصة الحارث(2) ـ تواتر عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وهو متواتر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً، ورواه جمع كثير، وجم غفير من الصحابة(3) .

وعن السيوطي أيضاً: إنه حديث متواتر(4) .

____________

1- الغدير ج1 ص298 و 299 وأسنى المطالب ص47 و 48 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص190 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص103.

2- أي التي نزلت آيات سورة المعارج بسببها.

3- الغدير ج1 ص301 و 302 عن الأربعين للشيرازي، وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص198 وج8 ص261 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص294.

4- فيض القدير ج6 ص218 وقطف الأزهار ص277 والبيان والتعريف ج3 ص75 و 233 والغدير ج1 ص300 و 308 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص291.

١٨٦

وعده المقبلي أيضاً في جملة الأحاديث المتواترة، والمفيدة للعلم(1) .

وقال محمد الصنعاني: حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث(2) .

وعده العمادي الحنفي من المتواترات(3) .

وراجع كتاب تشنيف الآذان ص77، فإنه حكم بتواتره وذكر طائفة من طرقه أيضاً.

الرازي.. والأربع مئة طريق:

يقول الرازي: (ظفرت بأربع مئة طريق إلى حديث الغدير، ومع ذلك لم يؤثر صحته في قلبي)(4) .

وللرازي مكانته المرموقة بين علماء أهل السنة، وهو هنا كما ترى يصرح بأنه ينقاد لدواعي الهوى والتعصب، وهذا تصريح خطير منه، نكل أمر الحكم عليه إلى ضمير القارئ، ليعرف مع من نتعامل، وبمن ابتلي علي

____________

1- الغدير ج1 ص306 عن كتاب الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة، وعن هداية العقول إلى غاية السؤول ج2 ص30 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص213.

2- الروضة الندية ص154 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص218 والغدير ج1 ص307 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص296.

3- الصلات الفاخرة ص49 والغدير ج1 ص310.

4- رسالة في الإمامة للشيخ عباسي نجل الشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة ص98.

١٨٧

أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وماذا يمكن أن يكون قد جرى لكثير من الحقائق المرتبطة به (عليه‌السلام ) التي لم توفق إلى أربع مئة طريق من الأسانيد؟! وهل بلغتنا؟! وإن كانت قد بلغتنا، فهل وصلت سليمة عن التحريف والتزييف، والتقليم والتطعيم؟!..

وإذا كان هذا هو حال علماء السلف القريب، فكيف كان حال سلف الرازي نفسه، والذين ذاقوا أو ذاق آباؤهم وإخوانهم طعم سيف علي (عليه‌السلام )، وواجهوا صلابته في دينه (عليه‌السلام )؟!

هذا مع العلم بأن الرازي يتهم بالتشيع أيضاً.. فاضحك بعد هذا، أو فابك، ما بدا لك..

ما أصعب أن يتواتر حديث الغدير!:

وكلنا يعلم مدى شراسة أعداء علي (عليه‌السلام )، ولا سيما الأمويين والعباسيين، وغيرهم ممن جاء بعدهم، وإلى يومنا هذا تجاه كل من يروي فضيلة لعلي (عليه‌السلام ) مهما كانت، ومدى الأخطار التي يواجهها العلماء في هذا المجال، حيث يتعرضون لمختلف أنواع الأذى، وأهونها تشويه السمعة، والإهانات والضرب والزج بالسجون، وقطع الأرزاق، إن لم يمكنهم قطع الأعناق..

هذا فضلاً عن أن الكثيرين من حملة الحديث كانت الأحقاد والضغائن تصدهم عن رواية أي شيء يتعلق بعلي (عليه‌السلام )، فهل يروون له حديث الغدير الذي يدينهم في اعتقادهم، ويسقط حجتهم؟!..

من أجل ذلك نقول:

١٨٨

إن تواتر هذا الأمر الذي يحاربه الأكثرون، ويعاقَبُ من يرويه بأشد ما يكون. لا يحتاج إلى كل هذا العدد الهائل، بل يكفي لإثباته، وظهور تواتره خمس هذا العدد، أو أقل من ذلك، ما دام أن الراوي له إنما يحمل دمه على كفه، ويخاطر بروحه ونفسه، ويسير إلى حتفه بظلفه..

وقد قال ابن قتيبة عن تعصب أهل السنة على علي (عليه‌السلام ) ما يلي:

(وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله (عليه‌السلام )، أو يظهروا ما يجب له.. وأهملوا من ذَكَرَه، أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدثين ثوابها، وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص، ومعاوية! كأنهم لا يريدونهما بذلك. بل يريدونه.

فإن قال قائل: أخو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي، وأبو سبطيه الحسن والحسين، وأصحاب الكساء: علي، وفاطمة، والحسن والحسين، تمعَّرت الوجوه، وتنكرت العيون، وطرَّت حسائك الصدور.

وإن ذكر ذاكر قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه)، و (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) واشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج ليتنقصوه ويبخسوه حقه). انتهى(1) .

____________

1- الإختلاف في اللفظ (ط دار القدسي بمصر سنة 1349 هـ) ص47 وفتح الملك العلي لأحمد بن الصديق المغربي ص154 ودفع الإرتياب عن حديث الباب لعلي بن محمد العلوي ص33.

١٨٩

أسباب إنكارهم التواتر:

ولأن الشيعة يقولون: لا بد في الأمور الإعتقادية الأساسية، ومنها الإمامة من الثبوت بالدليل القطعي، من العقل، أو النقل، فلا يكفي خبر الواحد.. فقد سعى بعض الناس إلى إنكار تواتر حديث الغدير، زعماً منهم أنهم بذلك يسقطون هذا الحديث عن صلاحية الإستدلال به..

وقد غفلوا عن أن المتواتر عند بعض علماء أهل السنة: هو الذي يرويه ثمانية من الصحابة(1) ، أو أربعة منهم(2) ، أو خمسة(3) ، بل إن هذا المدعي نفسه يجزم بتواتر حديث الأئمة من قريش، وقد رواه عندهم ثلاثة أشخاص فقط، هم: أنس، وابن عمر، ومعاوية، وروى معناه ثلاثة آخرون هم: جابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وعبادة بن الصامت(4) .

ومنهم من يحكم بتواتر حديث روي باثنتي عشرة طريقاً(5) ، وجوَّد

____________

1- الصواعق المحرقة ص23 والغدير ج1 ص321 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص35.

2- المحلى لابن حزم ج2 ص135 وج7 ص512 وج8 ص453 وج9 ص7 والغدير ج1 ص321 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص51 وفيض القدير ج1 ص649.

3- المنخول للغزالي ص329.

4- الفصل لابن حزم ج4 ص89.

5- البداية والنهاية ج7 ص289 ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص16.

١٩٠

السيوطي قول من حدد التواتر بعشرة(1) .

فكيف إذا كان الحديث مروياً بمئات الطرق ذكر منها بعضهم مائة وخمسين، وبعضهم الآخر مائتين وخمسين طريقاً عن أكثر من مائة وعشرة من الصحابة؟! والرازي يقول: (ظفرت بأربع مئة طريق إلى حديث الغدير..).

أما أحمد أمين، فقد فضح نفسه، حين قال: إن الشيعة يروون حديث الغدير عن البراء بن عازب.. فاقرأ واعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً!

الغدير لم يخرِّجه الشيخان:

وطعن بعضهم في حديث الغدير: بأن البخاري ومسلم لم يخرِجاه(2) .

بل قال بعضهم: إن أحداً من أصحاب الصحاح لم يخرجه(3) .

مع أن الترمذي قد أخرجه في صحيحه، وكذلك ابن ماجة في سننه، فضلاً عمن عداهم، مثل الضياء في المختارة وغيره.

وعدم إخراج الشيخين له إنما يوجب الطعن بهما، من حيث إنه يشير

____________

1- ألفية السيوطي في علم الحديث ص44 والمجموع للنووي ج19 ص232 ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 8.

2- شرح المقاصد للتفتازاني ج5 ص274 والمواقف لعضد الدين الأيجي ص405 والغدير ج1 ص316.

3- الغدير ج1 ص317 عن مرافض الروافض للسهارنپوري.

١٩١

إلى تعصبهما، ومجانبتهما سبيل الإنصاف، واتباعهما طريق الإعتساف..

على أن هناك آلافاً من الأحاديث التي لم يخرجها الشيخان، فراجع المستدرك للحاكم، وتلخيصه للذهبي، فضلاً عن مستدركات أخرى ذكرها آخرون، فهل يرضى هؤلاء بإهمالها، أو بطمسها؟!

المؤلفات في حديث الغدير:

وقد أشار العلامة الأميني (رحمه‌الله ) إلى طائفة من المؤلفات في حديث الغدير بلغت ستة وعشرين مؤلفاً.

كما أن للعلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي (رحمه‌الله ) كتاباً بعنوان: (الغدير في التراث الإسلامي) صدر عن دار المؤرخ العربي في بيروت سنة 1414 هـ. أشار فيه إلى الكثير مما لم يذكره العلامة الأميني (رحمه‌الله ).

وقد حكي عن الجويني الملقب بإمام الحرمين، وهو أستاذ الغزالي: أنه كان يتعجب ويقول: (رأيت مجلداً في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم، مكتوباً عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون)(1) .

____________

1- بحار الأنوار ج37 ص236 والغدير ج1 ص158 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص545 وقاموس الرجال ج11 ص517 ونهج الإيمان لابن جبر ص134 وينابيع المودة ج1 ص113 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص292.

١٩٢

وقال الذهبي: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له، ولكثرة تلك الطرق(1) .

ثم إن أكثر من حضر يوم الغدير كان من أعراب البوادي، الذين ذهبوا وذهب ما عندهم، ولم ينقل شيء عنهم إلى غيرهم إلا ما شذ..

____________

1- تذكرة الحفاظ ج2 ص713 ومشكل الآثار ج2 ص308 والصواعق المحرقة ص42 و 43 والمعتصر من المختصر ج2 ص301 والمرقاة في شرح المشكاة ج10 ص476 والمسترشد للطبري (الشيعي) ص43 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص219 والغدير ج1 ص152 و 307 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " لأحمد الرحماني ص808 وفتح الملك العلي لابن الصديق المغربي ص15.

١٩٣

١٩٤

الفصل السادس: خطبة الغدير: حدث.. ودلالة..

١٩٥

١٩٦

قبل أن يبدأ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطبته:

بعد ما جرى في عرفات، وإلى أن بلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غدير خم، خطب الناس مرات عديدة وجرت أحداث لها العديد من الإشارات والدلالات، ونذكر من ذلك:

ألف: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين خطب بمنى اسمع الله الناس كلهم صوته، لتكون هذه المعجزة تذكيراً للناس بالهيمنة والتصرف الإلهي، لكي لا يظنوا أن ما جرى في عرفة دليل على قوة أولئك المتجرئين وضعف في النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولكي يعرفوا أن الله تعالى لم يعاملهم بعدله، وإنما عاملهم بحِلمه..

أي أنه إنما سكت عنهم رحمة بهم، وتكرماً وتفضلاً عليهم، وذلك يزيد في ظهور قبح عملهم، ولا بد أن يؤكد سر النبوة، ونبل وخلق الأصفياء، والأطياب من أهل الله تبارك وتعالى..

ب : ثم كانت مبادرته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للخروج من مكة بمجرد نفره من منى، فلم يطف بالبيت، ولم يدخل المسجد الحرام أصلاً، ولو لإلقاء نظرة الوداع على أحب الأمكنة إليه..

ج : ثم قطع المسافة بين مكة والجحفة، ثم غدير خم في مدة أربعة أيام،

١٩٧

مع أن عائشة بذلت محاولة لإعاقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن مقصده هذا، حيث أصرت عليه أن يعمرها عمرة مفردة، فأخبرها بأن طوافها بالبيت، وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها، فأبت إلا أن تعتمر، فأرسلها مع أخيها إلى التنعيم لتعتمر منه، وواعدها أن تلقاه في مكان كذا وكذا..(1) .

د: إن حبس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المتقدمين في غدير خم، وانتظاره المتأخرين قد عرَّف الناس أن ثمة أمراً يريده النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) منهم، حيث إنه لم يفعل ذلك إلا هذه المرة.. فهو لم يتركهم يجتمعون في بعض المنازل، ثم يقوم فيهم خطيباً، بصورة مفاجئة، لأنهم قد يتلقَّون ذلك على أنه أمر عادي من نبي يريد ان يعظ قومه، وأن ينصحهم، فلا يهتمون بالإصغاء إليه، وقد يخطر على بال بعضهم أن يذهب للإستراحة، أو

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج8 ص484 وراجع: نيل الأوطار ج5 ص59 ومسند أحمد ج6 ص122 و 43 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج2 ص151 و 196 و 201 و 202 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج4 ص32 و 33 وسنن النسائي ج5 ص178 وعمدة القاري ج9 ص195 وج10 ص98 و 123 و 125 ومسند ابن راهويه ج3 ص862 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص366 و 474 وشرح معاني الآثار ج2 ص202 و 203 وتغليق التعليق ج3 ص114 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص339 وسبل السلام ج2 ص187 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص331 والمصنف لابن أبي شيبة ج4 ص231 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص189.

١٩٨

لأي حاجة أخرى.

كما أن الكثيرين منهم قد لا يبلغهم أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد أن يخطبهم، أو لا يبلغه خبر ذلك إلا بعد أن ينتهي الأمر، ولعل أحداً لا يعرف بما جرى أصلاً.

وخلاصة الأمر: إن هذا التصرف منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا بد أن يثير فيهم الرغبة للتدقيق فيما يجري، وسيجعلهم ذلك أشد انتباهاً وتيقظاً، وسعياً لتحليل الحدث وفهم معانيه ومراميه.. وستفقد سائر الصوارف قدرتها على التأثير في درجة اهتمامهم به..

هـ: ومما يضاعف شعورهم بخطورة وأهمية الحدث الذي ينتظرونه: أن هذا الإجراء قد جاء في حر الهاجرة، التي يصفها زيد بن أرقم بقوله: (ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه)(1) مع أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرأف الناس بالناس، وأشدهم عطفاً عليهم، وقد وصفه الله بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ(2) ، أي يعز عليه أدنى تعب ينالكم مهما كان قليلاً وضئيلاً..

و: ويتأكد ما ذكرناه: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) منعهم من النزول تحت

____________

1- المستدرك للحاكم ج3 ص533 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص248 وج9 ص83 والغدير ج1 ص32 والمعجم الكبير ج5 ص171 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص438 وج18 ص271 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج2 ص440 وراجع: شرح الأخبار ج1 ص99

2- الآية 128 من سورة التوبة.

١٩٩

دوحات خمس كانت هناك، وهي دوحات عظام متقاربات، وقد أمر بإزالة الشوك، وتمهيد المكان هناك..

وهذا يدل على أن عليهم أن ينتظروا حدثاً من نوعٍ مّا عند تلك الشجرات، ولا بد أن تبقى تلك الشجرات وما حدث عندها ماثلة في عمق وجدان وذاكرة الناس كل الناس..

حيث إنه في ذلك المكان بالذات نودي بالصلاة، فعمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إليهن، فصلى بالناس تحتهن، ثم نصب لهم علياً (عليه‌السلام ) ولياً وإماماً(1) .

علي (عليه‌السلام ) في السحاب:

وعن علي (عليه‌السلام ) أنه قال: عممني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم غدير خم بعمامة، فسدلها خلفي (أو فسدل طرفها على منكبي)، ثم قال: (إن الله أمدَّني (أيدني) يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة).

____________

1- الفصول المهمة لابن الصباغ ص241 والغدير ج1 ص10 و 26 و 27 عن مصادر كثيرة أخرى، والبداية والنهاية ج5 ص209 وج7 ص348 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص226 والصواعق المحرقة ص43. وراجع: كتاب الأربعين للماحوزي ص139 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص155 و 156 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص342 ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص53 وغاية المرام ج1 ص299 وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص147.

٢٠٠