• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70107 / تحميل: 8219
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

نوع كان، ومن أي جهة صدر.

وذلك يشير إلى: أنه (عليه‌السلام ) هو المحق في كل نزاع يحاول الآخرون أن يفرضوه عليه، وأن على الأمة نصره، بردع المعتدي، فإن لم تستطع، فلا أقل من أن لا تنصر أعداءه عليه، وأن تعتقد بأن غيره ظالم له، معتد عليه، مبطل في ما يدَّعيه.

وقد جاءت هذه الإشارات اللائحة، والدلالات الواضحة قبل وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيسير، وقد واجه علي (عليه‌السلام ) المحنة التي فرضها عليه نفس هؤلاء الذين خاطبهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بهذا الخطاب!! واستنطقهم، وقررهم، وردوا عليه الجواب. وهم الذين هنأوا علياً (عليه‌السلام )، وبخبخوا له، وبايعوه، حتى قال ابن عباس: وجبت ـ والله ـ في أعناق القوم.

معنى الولاية في حديث الغدير:

قال السيد المرتضى (رحمه‌الله ): أولى بمعنى مولى، كما قاله أئمة اللغة في تفسير الآية(١) .

____________

١- راجع: رسائل المرتضى ج٣ ص٢٥٣ وج٤ ص١٣١ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج٢ ص٢٦١ وراجع: العمدة لابن البطريق ص١١٦ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٣٨ وج٣٧ ص٢٤٠ وتفسير مجمع البيان ج٨ ص١٢٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٢٤ والصراط المستقيم ج١ ص٣٠٨ والرسائل العشر للشيخ الطوسي ص١٣٥ وراجع: كنز الفوائـد ص٢٢٩ وقـد ذكـر العلامـة الأميني = = طائفة كبيرة من أقوال العرب وأهل اللغة، فراجع كتاب الغدير ج١ ص٣٤٥ ـ ٣٤٨.

٢٢١

أما سائر معاني كلمة مولى فهي إما بديهية الثبوت لعلي، فيكون ذكرها في يوم الغدير عبثاً.. مثل: (ابن العم، والناصر) التي ذكر أنها من معاني (المولى).

وإما هي واضحة الإنتفاء، ولا يصح إرادتها. مثل: (معنى المعتِق والمعتَق، فلا يصح إرادتهما في مناسبة الغدير، لأن ذلك يستلزم الكذب فيهما.. وهو لا يصدر من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..).

فأجاب الرازي بما ملخصه: لو كان مولى وأولى بمعنى واحد لصح استعمال كل منهما مكان الآخر، فيصح أن يقال: هذا مولى من فلان.. كما صح أن يقال: هذا أولى من فلان(١) .

وأجاب علماؤنا على كلام الرازي هذا بما يلي:

أولاً: إن الترادف إنما يكون في حاصل المعنى، دون الخصوصيات التي تنشأ من اختلاف الصيغ، والإشتقاقات، أو أنحاء الإستعمال.. فكلمة (أفضل) تضاف إلى صيغة التثنيه بدون كلمة (من)، فيقال: زيد أفضل الرجلين، لكن حين تضاف إلى المفرد، فلا بد من كلمة من، فلا يقال: زيد

____________

١- راجع: التفسير الكبير ج٢٩ ص٢٢٧ والغدير ج١ ص٣٥٠ و ٣٥١ عنه، وعن نهاية العقول، وتفسير الآلوسي ج٢٧ ص١٧٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص١٨١.

٢٢٢

أفضل عمرو، بل يقال: زيد أفضل من عمرو.

ثانياً: لنأخذ معنى الناصر في كلمة (مولى).. فإنه يصح أن يقال: فلان ناصر دين الله، ولكن لا يصح أن يقال: فلان مولى دين الله.

وقال عيسى:( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ ) (١) . ولا يقال: من مواليّ إلى الله..

ويقال: الله ولي المؤمنين ومولاهم.. ويقال: فلان ولي الله، ولا يقال: مولى الله، كما ذكره الراغب(٢) .

ويقال: إنك عالم. ولا يقال: إنَّ أنت عالم.

فالمولى اسم للمتولي، والمالك للأمر، والأولى بالتصرف. وليس صفة ولا هو من صيغ أفعل التفضيل بمنزلة الأولى، لكي يقال: إنه لا يأخذ أحكام كلمة (أولى) التي هي صفة..

ثالثاً: إذا لاحظنا المعاني المذكورة، فنقول:

ألف: إن كان المراد بالمولى المحب والناصر، فقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه).

إن كان المراد به: الإخبار بوجوب حبه (عليه‌السلام ) على المؤمنين، أو إنشاء وجوب حبه عليهم، فذلك يكون من باب تحصيل الحاصل، لأن كل مؤمن يجب حبه على أخيه المؤمن، فما معنى أن يجمع عشرات الألوف في ذلك المكان؟! ليقول لهم: يجب أن تحبوا أخاكم علياً؟!

____________

١- الآية ٥٢ من سورة آل عمران.

٢- مفردات الراغب ص٥٣٣.

٢٢٣

ولماذا يكون ذلك موازياً لتبليغ الرسالة وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ؟!(١) .

ولماذا يكمل به الدين، وتتم به النعمة؟!.

ولماذا يهنئه عمر وأبو بكر بهذا الأمر، ويقولان له: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟! وكأنه لم يكن كذلك. قبل هذا الوقت باعتقادهما!!

ألم يكن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يحب بعضهم بعضاً؟!

ألم يكن الله قد اعتبر المؤمنين بمثابة الإخوة؟!

يضاف إلى ما تقدم: أن وجوب النصرة والمحبة لا يختص بعلي (عليه‌السلام )، بل يشمل جميع المؤمنين.

وإن كان المقصود هو إيجاب نصرة مخصوصة تزيد على ما أوجبه الله على المؤمنين تجاه بعضهم، فهو المطلوب، لأن هذا هو معنى الإمامة، ولا سيما مع الإستدلال على هذه النصرة الخاصة بمولوية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم..

وإن كان المراد الإخبار بأنه يجب على علي (عليه‌السلام ) أن يحب المؤمنين وأن ينصرهم.. فلا يحتاج هذا إلى جمع الناس يوم الغدير، ولا إلى نزول الآيات، وما إلى ذلك.. إذ كان يكفي أن يخبر علياً بأنه يجب عليه ذلك..

على أن ذلك يطرح سؤالاً عن السبب في تخصيص هذا الأمر بعلي؟!

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢٢٤

وعلى كل حال، فإن قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يفيد أنها ولاية نصرة ومحبة ناشئة عن هذه الأولوية منهم بأنفسهم.. كما أن جعل وجوب نصرة علي (عليه‌السلام ) كوجوب نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم يؤكد ذلك..

فإن نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم إنما هي من حيث نبوته، وملكه لأمورهم، وزعامته عليهم.. وليست كوجوب نصرتهم أو محبتهم لبعضهم بعضاً.

ب: أما القول بأن المراد بالمولى المالك والمعتق، فيرد عليه: أنه لم يكن هناك مالكية حقيقية، ولا عتق، ولا انعتاق.

ج: إن كان المراد بكلمة مولى: السيد، فهو يقترب من معنى الأولى، لأن السيد هو المتقدم على غيره. وهذا التقدم ليس بالقهر والظلم، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرن سيادة علي (عليه‌السلام ) بسيادة نفسه، فلا بد أن يكون التقدم بالإستحقاق، من خلال ما يملك من مزايا ترجحه عليهم، وبديهي: أن أية مزية شخصية لا توجب تقدماً، ولا تجعل له حقاً عليهم، يجعله أولى بهم من أنفسهم، إلا إذا كانت هذه المزية قد أوجبت أن يجعل من بيده منح الحق ومنعه لصاحب هذه المزية مقام الأولوية بهذا المستوى الذي هو من شؤون النبوة والإمامة. وليس لأحد الحق في منح هذا المقام إلا لله تبارك وتعالى..

د: ولو كان المراد بكلمة المولى، المتصرف، والمتولي للأمر، فالأمر كذلك أيضاً، فإن حق التصرف إنما يثبت له بجعل من له الحق في الجعل، وهو الله

٢٢٥

سبحانه وفق ما ذكرنا آنفاً..

الجمع بين المعاني:

وقد ذكر العلامة الأميني وغيره: أن الذي يجمع تلك المعاني كلها هو أن يراد: الأولى بالشيء، فإنه مأخوذ من جميع تلك المعاني بنوع من العناية، فـ (المعتِق) أولى. لأن له حقاً على (المعتَق)، وهو أولى به لتفضله عليه.

والمالك أولى بالمملوك، والسيد أولى بمن هم تحت سيادته، والابن أولى بالأب، والأخ أولى بأخيه، والتابع أولى بمتبوعه، والصاحب أولى بصاحبه الخ..

فالمعاني التي تذكر لكلمة مولى ليست معاني لها على سبيل الإشتراك اللفظي، بل هي خصوصيات في موارد استعمال كلمة مولى، ولا دخل لها في معناها وهو (الأولى). وقد اشتبه عندهم المفهوم بخصوصية المصداق.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يدل على ما نقول..

ويدل عليه أيضاً: ما ورد في بعض نصوص الحديث، من أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سأل الناس، فقال: فمن وليكم؟!

قالوا: الله ورسوله مولانا.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في نص آخر: (تمام نبوتي، وتمام دين الله في ولاية علي بعدي..) فإن ما يتم به الدين هو الولاية بمعنى الإمامة.

وفي بعض النصوص أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال في تلك المناسبة: هنئوني، هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة، وخص أهل بيتي بالإمامة..

٢٢٦

يضاف إلى ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.

ويؤيد ذلك أيضاً، بل يدل عليه: بيعتهم لعلي (عليه‌السلام ) في تلك المناسبة، وقد استمرت ثلاثة أيام.

وكذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومكذبيهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني) أو ما هو قريب من هذه المعاني، فإن طعن أهل النفاق، وخوف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الإبلاغ إنما هو لأمر جليل كأمر الإمامة، ولا ينسجم ذلك مع إرادة المحب أو الناصر من كلمة المولى.

يضاف إلى ذلك، التعبير بكلمة: (نصب علياً)، أو (أمر الله تعالى نبيه أن ينصبني)، أو (نصبني) أو نحو ذلك.

وعبارة ابن عباس: وجبت والله في رقاب (أو في أعناق) القوم.

ونزول قوله تعالى:( وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) .

وثمة مؤيدات وقرائن أخرى ذكرها كلها العلامة الأميني في كتابه الغدير، فراجع الجزء الأول منه، فصل (القرائن المعيّنة لمعنى الحديث). وراجع الأحاديث الأخرى المفسرة لمعناه أيضاً في كتاب الغدير ج١ ص٣٨٥ ـ ٣٩٠.

أمهات المؤمنين يهنئن علياً (عليه‌السلام ):

وقد تقدم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أمهات المؤمنين بأن يسرن إلى

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢٢٧

علي (عليه‌السلام ) ويهنئنه، ففعلن، وما ذلك إلا لأنه يريد أن يقطع العذر لمن تريد منهن أن تشن عليه حرباً ضروساً، يقتل فيها المئات والألوف، فليس لها أنها تدَّعي أنها بسبب عزلتها في خدرها، وكونها رهينة الحجاب، لم تعرف شيئاً مما جرى في يوم الغدير.

أو أن تدّعي: أن ما عرفته من أفواه الناس من أقاربها كان لا يقيم حجة، ولا يقطع عذراً، أما النساء فإنهن وإن أبلغنها بشيء مما كان يجري، لكن حالهن حالها، وربما يبلغها ما لا يبلغهن، أو أن ما يبلغها قد يكون أكثر دقة مما يتناهى إلى مسامعهن، بعد أن تعبث به الأهواء، ويختلط بالتفسيرات والتأويلات، والإجتهادات وما إلى ذلك..

وإن نفس الطلب إلى نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن يقمن بهذا الأمر، يقتضي فسح المجال لهن لكي يسألن عن سبب هذه التهنئة، وعن حقيقة ما جرى. لا سيما إذا كانت هذه أول مرة يطلب فيها من أمهات المؤمنين أن يشاركن في تهنئة أحد، في أمر له ارتباط بالرجال غير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

وقد جاء الأمر بذلك عاماً وشاملاً لهن من دون استثناء، فلا مجال للتأويل والتحليل، أو لاحتمال أن ذلك كان لخصوصية اقتضت طلب ذلك من امرأة بعينها.. بل هو امتداد لبيعتهن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والتزامهن بطاعة الله ورسوله من ناحية، وتأسيس لمرحلة ما بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من ناحية أخرى.

٢٢٨

الفصل السابع: آيات الغدير.

٢٢٩

٢٣٠

متى نزلت سورة المائدة؟!:

في سورة المائدة آيتان ترتبطان بموضوع الغدير، هما آية كمال الدين، وآية الأمر بإبلاغ ما أنزل إليه من ربه، وقد تقدمت الأولى على الثانية، فلماذا كان ذلك؟!

وقبل البدء في بيان ما نرمي إليه نشير إلى تاريخ نزول سورة المائدة، فنقول:

إن سورة المائدة نزلت كما يقول محمد بن كعب القرظي في حجة الوداع بين مكة والمدينة(١) .

وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قوله في حجة الوداع: (إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً)(٢) .

____________

١- الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٢٠ والدر النثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد، والغدير ج٦ ص٢٥٦ وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٦ و فتح القدير ج٢ ص٣ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧.

٢- الغدير ج١ ص٢٢٧ وتفسير الثعلبي ج٤ ص٥ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٦٩ و ١٧٢ وتفسير أبي السعود ج٣ ص٤ و ١٠ وتفسير الخازن ج١ ص٤٢٩ والجامع = = لأحكام القرآن ج٦ ص٣٥٠ ودقائق التفسير لابن تيمية ج٢ ص١٥ والبرهان للزركشي ج١ ص١٩٤ و ٢٦٢ وتفسير البيضاوي ج٢ ص٢٩٨ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٦١٥ وإمتاع الأسماع ج٤ ص٣٣٤ والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس. وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ والفتح السماوي للمناوي ج٢ ص٥٥٢ وبحار الأنوار ج٧٧ ص٢٥٣ ومستدرك سفينة البحار ج٩ ص٥٠٤ وراجع: الصراط المستقيم ج٣ ص٢٨٤ وعوالي اللآلي ج٢ ص٦ و ٩٥ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٢٦ والتفسير الصافي ج٢ ص١٣.

٢٣١

وصرحت عدة روايات بنزولها في حجة الوداع. فراجع ما روي عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس(١) .

وعن عائشة: إن المائدة آخر سورة نزلت(٢) .

____________

١- الدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد وابن جرير، وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٥ و ١٩٦ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ والغدير ج٦ ص٢٥٦ وجامع البيان للطبري ج٦ ص١١٢ والمحرر الوجيز لابن عطية ج٢ ص١٥٥ وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

٢- الغدير ج١ ص٤٢٩ عن تفسير القرآن العظيم ج٢ ص٣ عن أحمد، والحاكم، والنسائي، والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أحمد، وأبي عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصحح، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، والمحلى لابن حزم ج٧ ص٣٩٠ وج٩ ص٤٠٧ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي= = ج١ ص٨٤ ونيل الأوطار ج٩ ص٢٠٤ ومسند أحمد ج٦ ص١٨٨ ومسند الشاميين ج٣ ص١٤٤ والجـامع لأحكـام القرآن ج٦ ص٣١ وتفسير السمرقندي ج١ ص٣٨٨ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٦١٥ والفتح السماوي ج٢ ص٥٥٢ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ وفتح القدير ج٢ ص٣ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج٥ ص٣٠٢ والسنن الكبرى للنسائي ج٦ ص٣٣٣ ومسند ابن راهويه ج٣ ص٩٥٦ وعون المعبود ج١٠ ص١٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج٧ ص١٧٢ والمستدرك للحاكم ج٢ ص٣١١.

٢٣٢

وعن عبد الله بن عمر: إن آخر سورة أنزلت، سورة المائدة، والفتح(١) ، يعني سورة النصر، قاله السيوطي في الإتقان(٢) .

وعن أبي ميسرة: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة

____________

١- الغدير ج٢ ص٢٢٨ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٥٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ وسنن الترمذي ج٤ ص٣٢٦ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٤٦ والإتقان في علوم القرآن ج١ ص٨٤ والفتح السماوي ج٢ ص٥٥٣ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ و فتح القدير ج٢ ص٣ وتفسير القرآن العظيم ج٢ ص٣ عن الترمذي، والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أحمد، والترمذي وحسّنه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه.

٢- الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٨٤ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٤٦ وراجع: الفتح السماوي ج٢ ص٥٥٣ والغدير ج٢ ص٢٢٨.

٢٣٣

فريضة(١) .

وسيأتي المزيد مما يرتبط بتاريخ نزول السورة حين الحديث عن نزولها إن شاء الله تعالى..

موقع آية الإكمال:

وقد أنزل الله تعالى في مناسبة الغدير قوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) .

وهي في وسط آية ذكرت بعض المحرمات، كما يلي:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٣)

فقد يقال: إن وقوع هذه الفقرة في ضمن بعض المحرمات، يدل على أن

____________

١- الدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن سعيد بن منصور، وابن المنذر، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٣٠.

٢- الآية ٣ من سورة المائدة.

٣- الآية ٣ من سورة المائدة.

٢٣٤

إكمال الدين: معناه: أن الله قد أكمل الدين بتشريع هذه الأحكام.. فلا ربط لها بالإمامة والولاية..

والجواب:

إن قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..) (١) جملة إعتراضية وقعت بين هذه الأحكام، التي كان قد سبق بيانها في آيات أخرى نزلت قبل ذلك بسنوات، إما صراحة، أو ببيان عناوين عامة تشملها..

وهنا ثلاثة أسئلة وأجوبتها:

السؤال الأول: لماذا جملة إعتراضية؟!

والجواب: أن الإتيان بجملة إعتراضية بين أمرين ظاهري التلازم يشير إلى الأهمية البالغة للأمر الذي يراد بيانه بها، وأنه لا مجال لتأجيله، إذ لا يقطع أحد كلامه لأجل بيان أمر تافه، أو عادي.

السؤال الثاني: لماذا جاء الإعتراض بين أحكام سبق بيانها، وليس من بينها أي حكم يبين للمرة الأولى؟!

والجواب: أن المطلوب هو أن لا يتوهم أحد أن الدين قد كمل ببيان هذا الحكم، الذي يبين لأول مرة، كما أن ذلك يشير إلى تناغم بين مضمون الإعتراض وبين مساق الآية، حيث إن الآية تريد التأكيد على مضمون أحكام سبق بيانها بهدف حفظها..

والإمامة التي كمل بها الدين تريد حفظ الشريعة أيضاً، وإلزام الناس

____________

١- الآية ٣ من سورة المائدة.

٢٣٥

بها، وإشاعة الإلتزام بها، بالإضافة إلى أن من وظائف الإمام حفظ الشريعة من التحريف، والإهمال، وضمان صحة تطبيقها في حياة الأمة.

السؤال الثالث: لماذا وردت الجملة الإعتراضية في سياق أحكام إلزامية تحريمية لا وجوبية ولا استحبابية؟!.

والجواب: أنها بين أحكام إلزامية، للإيحاء بأن أدنى درجة من التفريط في هذا المورد معناها الوقوع في الهلكة.. وهي تحريمية، لأنها لو وقعت بين أحكام وجوبية لتوهم متوهم: أن المطلوب هو جلب المصلحة، والمصلحة قد يتخلى الإنسان عنها لسبب أو لآخر..

وبذلك يتضح:

أنه لا مجال لإيرادها في سياق بعض الأحكام المستحبة، أو المكروهة، أو بعض التوجيهات الأخلاقية، أو في سياق بيان بعض السياسات التدبيرية أو غير ذلك، لكي يمكن لأحد التأويل فيها، والتهرب من مضمونها الإلزامي.

متى يئس الذين كفروا؟!:

وقد يقال: قد دلت آية إكمال الدين على أن يأس الذين كفروا من ديننا هو في نفس يوم إكمال الدين..

فقيل: هو يوم فتح مكة(١) .

____________

١- تفسير السمرقندي ج١ ص٣٩٣ والجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٦٠ وفتح القدير ج٢ ص١٠ وتفسير السمعاني ج٢ ص١٠ وتفسير الميزان ج٥ ص١٦٩ وراجع: تفسير الجلالين ص١٣٥.

٢٣٦

وقيل: ما بعد تبوك، حيث نزلت سورة براءة، وانبسط الإسلام على جزيرة العرب كلها، وعفيت آثار الشرك، وذهبت سنن الجاهلية(١) .

وقيل: يوم عرفة(٢) .

ونجيب:

بأن هذا غير صحيح، لما يلي:

ألف: إذا كان كمال الدين بإتمام إبلاغ أحكام الشريعة، فقد قلنا: إن الأحكام الواردة في الآية كانت قد بينت قبل ذلك بسنوات ـ في آيات أخرى، إما بالتنصيص على بعض مفرداتها، وإما ببيان أحكام باقي المفردات في عمومات تشملها(٣) .

____________

١- تفسير الميزان ج٥ ص١٦٩.

٢- تفسير مقاتل بن سليمان ج١ ص٢٨٠ وجامع البيان للطبري ج٦ ص١٠٥ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٣٩٢ و ٤٠٥ وتفسير الثعلبي ج٤ ص١٦ وتفسير ابن زمنين ج٢ ص٨ وتفسير السمعاني ج٢ ص١٠ وتفسير البغوي ج٢ ص١٠ وتفسير الواحدي ج١ ص٣٠٨ وتفسير الثعالبي ج٢ ص٣٤٢ وزاد المسير لابن الجوزي ج٢ ص٢٣٨ عن مجاهد وابن زيد، والتفسير الكبير للرازي ج٥ ص١٩١ وج١١ ص١٣٧ والمحرر الوجيز ج٢ ص١٥٤ وتفسير العز بن عبد السلام ج١ ص٣٧٠ والتسهيل لعلوم التنزيل ج١ ص١٦٨ وتيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ص٢٢٠ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص٥٨.

٣- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج٣١ ص٣٠٠ و ٣٠١.

٢٣٧

ب: إن نفس تحريم هذه الأمور الواردة في الآية لا يوجب يأس الذين كفروا، فإنها لا تختلف عن غيرها من الأحكام..

ج: قد استمر تشريع الأحكام إلى ما بعد يوم الفتح.. وبعد نزول سورة براءة، وقد تضمنت سورة المائدة بعضاً من ذلك كما بيناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

د: إنه لا مبرر ليأس الذين كفروا في يوم عرفة، إذ لم يحصل فيه شيء يوجب ذلك.

إلا إن كان المراد: أنهم قد يئسوا يوم عرفة بسبب ما جرى في فتح مكة، أو بنزول سورة براءة، أو لما جرى في غزوة تبوك، أو غير ذلك..

ويجاب:

بأن هذا اليأس في تلك الأحداث قد حصل حين وقوعها، ولا مبرر لتأخر حصوله إلى يوم عرفة.

فإن قلت: لعل سبب اليأس في يوم عرفة هو إبلاغ جميع الأحكام فيه.

قلت: هذا لا يصح، فإن آية الكلالة التي في آخر سورة النساء، وآيات الربا قد نزلت بعد يوم عرفة، كما قاله عمر بن الخطاب في خطبة له(١) .

____________

١- صحيح مسلم ج٢ ص٨١ وج٥ ص٨ والغدير ج٦ ص١٢٧ ونهج السعادة ج٨ ص٤٢٢ ومسند أحمد ج١ ص٢٦ و ٢٨ و ٤٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٨ ص١٥٠ وشرح مسلم للنووي ج٥ ص٥٣ وج١١ ص٥٧ ومسند أبي يعلى ج١ ص١٦٦ وج٥ ص٧٥ وجامع البيان للطبري ج٦ ص٥٩ وتفسير البغوي ج١= = ص٤٠٤ وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٦٠٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج١ ص٦٩ و ١٦٨ والدر المنثور ج٢ ص٢٤٩ وفتح القدير ج١ ص٥٤٤ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج٤ ص١٩٥ وأحكام القرآن لابن العربي ج١ ص٤٥٠ والجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٢٩.

٢٣٨

وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً(١) .

وقد يقال: إن نفس حضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة بعد أن كان قد أخرج من مكة أوجب يأس الذين كفروا من هذا الدين.

ويجاب:

بأنه لا خصوصية لحضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة، في موسم الحج، في هذا اليأس، وقد حضر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى مكة فاتحاً

____________

١- راجع: أسباب نزول الآيات ص٩ وأحكام القرآن للجصاص ج١ ص٥٦٣ وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٥ و ٢٩٥ وج١١ ص٢٠٢ وج٢٣ ص٢٤٦ والبرهان للزركشي ج١ ص٢٠٩ ومجمع الزوائد ج٦ ص٣٢٤ والسنن الكبرى ج٦ ص٣٠٧ وجامع البيان ج٣ ص١٥٦ و ١٥٧ وتفسير السمرقندي ج١ ص٢٠٩ ومعاني القرآن للنحاس ج١ ص٣١٢ والمعجم الكبير للطبراني ج١١ ص٢٩٣ وج١٢ ص١٩ وتخريج الأحاديث للزيلعي ج١ ص٣٧١ والفتح السماوي ج٢ ص٥٤٥ والتبيان للطوسي ج٢ ص٣٦٩ وتفسير مجمع البيان ج٢ ص٢١٣ وتفسير الثوري ص٧٣ وتفسير الثعلبي ج٢ ص٢٨٩ وتفسير البغوي ج١ ص٥٠٤ وزاد المسير ج١ ص٣ و ١٥ والجامع لأحكام القرآن ج١ ص٦٠ وج٣ ص٣٧٥ وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٣٤٠

٢٣٩

يوم الفتح، وقبلها في عمرة القضاء.

السبب الحقيقي ليأس الذين كفروا:

والذي نراه: أن سبب يأس الذين كفروا من هذا الدين هو بإيجاد العلة المبقية لهذا الدين، وتكريس معنى الإمامة فيه بنصب الحافظ له، والمبين لحقائقه، والأمين على شرائعه، والعالم بمعاني قرآنه، والعارف بناسخه وبمنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، والمسدد والمؤيد، والمعصوم الذي لا يخطئ في شيء من ذلك وسواه.

وبذلك يئس الذين كفروا من التمكن بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من تحريف هذا الدين، والتلاعب بأحكامه، وإلقاء الشبهات حول حقائقه..

وكما أن الكافرين ييأسون، فإن المؤمنين سوف يشعرون بكمال دينهم، وبتمام النعمة عليهم، بعد أن وضعت الضمانات لحفظه، وبذلك رضي الله لهم الإسلام ديناً عالمياً باقياً، وأبدياً للبشرية كلها.

فلا تخشوهم واخشوني:

وبذلك تكون قد زالت موجبات خشية المؤمنين من كيد الذين كفروا، وأصبح الأمر مرهوناً بالمسلمين أنفسهم، وبمدى التزامهم بما أُخِذَ عليهم من عهد وميثاق منه تعالى، وخضوعهم للتدبير الرباني، وباستجابتهم لما يحييهم، وطاعتهم لمن نصبه الله ورسوله ولياً وحافظاً لهم، ولدينهم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347