• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68434 / تحميل: 6863
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

ثانياً: إن تنصيب علي (عليه‌السلام ) لم يكن حين ذهاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من المدينة إلى مكة، بل كان حين رجوعه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من مكة إلى المدينة، بعد أدائه مناسك الحج(1) .

ويظهر من كلام الذهبي: أن صاحب هذا الزعم الباطل هو ابن داود، فعمل ابن جرير كتاب الفضائل ردّ فيه عليه، والظاهر: أنه سماه (كتاب الرد على الحرقوصية)(2) نسبة إلى حرقوص بن زهير زعيم الخوارج، معرضاً: بأن صاحب هذا الزعم كان خارجياً.

وقال الذهبي: إنه رأى مجلداً من كتاب ابن جرير، فاندهش له ولكثرة

____________

1- إقبال الأعمال ص453 و (ط مكتب الإعلام الإسلامي) ج2 ص279 وأشار إلى كتاب ابن جرير في: البداية والنهاية ج11 ص146 وتهذيب التهذيب ج7 ص339 وقاموس الرجال ج11 ص264 وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص82 والفهرست للطوسي ص150 وبحار الأنوار ج95 ص301 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص228 والغدير ج1 ص23 وأسد الغابة ج1 ص308 وتنبيه الغافلين ص65 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص274.

2- راجع: مشكل الآثار ج2 ص308 والصواعق المحرقة ص42 و 43 والمعتصر من المختصر ج2 ص301 والمرقاة في شرح المشكاة ج10 ص476 وشرح الأخبار ج1 ص81 والمسترشد للطبري ص35 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج2 ص239 وبحار الأنوار ج37 ص126 والغدير ج1 ص153 ورجال النجاشي ص322 وقاموس الرجال ج9 ص151 و 154 و 193.

٣٠١

تلك الطرق(1) .

علي (عليه‌السلام ) بعد العبدين الصالحين:

ورد في رواية جرير بن عبد الله البجلي لواقعة الغدير: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخذ بذراع علي (عليه‌السلام ) وقال:

(من يكن الله ورسوله مولاه، فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. اللهم من أحبّه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً. اللهم إنّي لا أجد أحداً استودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين(2) غيرك(3) ، فاقض له بالحسنى.

____________

1- تذكرة الحفاظ ج2 ص713 ومشكل الآثار ج2 ص308 والصواعق المحرقة ص42 و 43 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للرحماني ص807 والمعتصر من المختصر ج2 ص301 وفتح الملك العلي ص15 والمرقاة في شرح المشكاة ج10 ص476 والمسترشد للطبري ص43 والكنى والألقاب ج1 ص241 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص218 والغدير ج1 ص152 و 307.

2- الغدير ج1 ص23 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص113 و 114 وكنز العمال ج13 ص138.

3- راجع: الغدير (تحقيق مركز الغدير للدراسات) ج1 ص621 ومجمع الزوائد ج9 ص106 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص357 وتاريـخ مدينة دمشق ج42 ص237 والإكمال في أسماء الرجال ص36 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج16 ص564 وج30 ص422 عن مخـتـصـر تـاريـخ دمشق (ط دار الفـكـر) ج17 = = ص358 وهداية العقول ص31 وقال في الغدير: في تعليق هداية العقول (ص 31): لعله أراد بالعبدين الصالحين أبا بكر وعمر، وقيل: الخضر وإلياس.

وقيل: حمزة وجعفر رضي الله عنهما، لأن علياً "عليه‌السلام " كان يقول عند اشتداد الحرب: وا حمزتاه ولا حمزة لي؟! وا جعفراه ولا جعفر لي؟!

أقول: هذا رجم بالغيب، إذ لا مجال للنظر في تفسير العبدين الصالحين بمن ذكر إلا أن يعثر على نص، والظاهر: عدم ذلك لما ذكره سيدي العلامة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن المفضل "رحمه‌الله " لما سأله بعضهم عن تفسير الحديث، فأجاب بما لفظه: لم أعثر عليه في شيء من كتب الحديث، إلا أن في رواية مجمع الزوائد ما يدل على عدم معرفة الراوي أيضاً بالمراد بالرجلين، لأن فيه قال بشر، أي الراوي عن جرير: قلت: من هذان العبدان الصالحان؟!

قال: لا أدري.

قال "رحمه‌الله ": ومثل هذا إن لم يرد به نقل فلا طريق إلى تفسيره بالنظر هـ. راجع: الغدير ج1 هامش ص62.

وقال في كتاب على ضفاف الغدير: وأخرجه عنه أحمد بن عيسى المقدسي في الجزء الثاني من فضائل جرير بن عبد الله البجلي الموجود في المجموع 93 في المكتبة الظاهرية. أخرجه في الورقة 240.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخـه: رقم 587، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ص17 ص358، والقرافي في نفحات العبير الساري: ق76/ب، والسيوطي في جمع الجوامع ص1 ص831، وفي قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة= = ص277 ح102، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ص206، والشوكاني في در السحابة ص210، والكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص194 وإسحاق بن يوسف الصنعاني في تفريج الكروب في حرف الميم.

٣٠٢

٣٠٣

قال بشر (الراوي عن جرير) قلت: من هذان العبدان الصالحان؟!

قال: لا أدري(1) .

ونقول:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أشار إلى أن العبدين الصالحين الذين سيكون علي (عليه‌السلام ) ثالثهما بعده، كانا على قيد الحياة، وأن لهما دوراً في وديعته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولعلهما: الخضر وإلياس.

لكن لا مجال للتأكيد على أنهما هما اللذان قصدهما (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بكلامه هذا.. وإن كان ذلك محتملاً في حد نفسه. بل قد يقال: أن أحداً لا يصلح للاستيداع، مع وجود الحسنين(عليهما‌السلام ) فهو من قبيل: رب لا تذرني فرداً، أو من قبيل: إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، فهو بمثابة طلب حفظ الحسنين (عليهما‌السلام ) على لسان رسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

____________

1- الغدير ج1 ص23 ومجمع الزوائد ج9 ص106 والمعجم الكبير ج2 ص357 و 358 والإكمال في أسماء الرجال ص36 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص236 وشرح إحقاق الحق ج16 ص564 وج30 ص423 وأسد الغابة ج1 ص308 وقال: أخرجه الثلاثة. يريد: ابن عبد البر، وابن مندة، وأبا نعيم.

٣٠٤

الزهري.. وحديث الغدير:

وقد حدث الزهري بحديث الغدير، فقيل له: لا تحدث بهذا بالشّام وأنت تسمع ملء أذنيك سب علي.

فقال: والله، إن عندي من فضائل علي (عليه‌السلام ) ما لو تحدّثت بها لقتلت(1) .

فكلام الزهري هذا صريح في: أن لديه فضائل أكثر صراحة في حقيقة فضله (عليه‌السلام )، وأشد إيلاماً لمناوئيه، وأكثر إثارة لغضبهم إلى حد أنها تدفعهم إلى قتله..

إلا إذا كان مراده: أن كثرتها هي الموجبة لغضب أعداء علي (عليه‌السلام ).

فإذا كان الزهري يكتم من فضائله ما يؤدي به إلى القتل، فما بالك بما كان يكتمه العشرات والمئات غير الزهري من فضائله (عليه‌السلام )؟!

عمر في خدمة جبرئيل:

عن عمر بن الخطاب، قال: نصب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً علماً، فقال: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم).

____________

1- أسد الغابة ج1 ص308 وقاموس الرجال ج12 ص38 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص228 والغدير ج1 ص24 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص274 و 376.

٣٠٥

قال عمر بن الخطاب: وكان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح، قال لي: يا عمر، لقد عقد رسول الله عقداً لا يحله إلا منافق (زاد في مودة القربى، قوله: فاحذر أن لا تحله). (لعل الصحيح: أن تحله، أو فاحذر.. لا تحله).

قال عمر: فقلت: يا رسول الله، إنك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عقداً لا يحله إلا منافق

فأخذ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيدي، فقال: يا عمر، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرائيل، أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي(1) .

ونقول:

إننا نلاحظ ما يلي:

1ـ قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم أنت شهيدي عليهم.. كأنه إشارة إلى أن هذا الحدث سوف يتعرض للإنكار من قبل جماعة من الناس، أو على الأقل لتحريف دلالته، والتلاعب بمقاصده ومراميه، المساوق

____________

1- مودة القربى ص18 لشهاب الدين الهمداني، المودة الخامسة، وينابيع المودة ج2 ص284 والغدير ج1 ص57 وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج7 ص187 وج9 ص273 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص252 وج21 ص65 والإمام علي "عليه‌السلام " في آراء الخلفاء ص73 عن الكوكب الدري للكشفي ص131 المنقبة رقم154.

٣٠٦

لإنكاره. وسيعرض الأمر يوم القيامة للحساب والمطالبة، فيحتاج (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الشهادة له بأنه قد ابلغهم مقاصده، واضحة لا لبس فيها.

2 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين أراد أن يخبر عمر بحقيقة ذلك الشاب الحسن الوجه، الطيب الريح أخذ بيد عمر، لكي تتشارك المشاعر في وعي وحفظ ما سيلقيه إليه.. فإن تحريك الحواس الظاهرية باللمس، ونبرات الصوت، وبتعابير الوجه، يجعل المشاعر أكثر تحفزاً لمتابعة ما يجري بانتباه أشد، ويهيء الذاكرة لاختزان ذلك كله بصورة أعمق وأدق.

3 ـ إن جمال ذلك الشاب قد لفت نظر عمر، حيث لم يعهد في نظرائه وأقرانه جمالاً أو طيب ريح يستحق الذكر، إلا ما كان من ذلك في بني هاشم.

ثم جاءت كلمة ذلك الشاب متوافقة مع مظهره في التأثير على عمر إلى حد دعاه إلى استيضاح الحال من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مباشرة.

ولعله كان يرمي إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو أن يسجل شكواه منه، علّه يسمع من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) استنكاراً لكلام ذلك الشاب وإدانة له، لكي يرتاح عمر، وتهدأ خواطره، ويزول بلباله.. ولكن عمر فوجئ بما أخبره به رسول الله، وهو أن ذلك الشاب هو جبرئيل..

ولنا أن نتصور كم كان عمر يحلم في أن يروي للناس أنه قد رأى جبرائيل، مباهياً بذلك ومفاخراً.. ولكن ما يصده عن ذلك كان أعظم وأخطر، فإن حديث جبرائيل قد نص على نفاق من يحل العقدة التي عقدها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ).

وهل يمكن أن يرضى أولئك الذين ساروا في هذا الإتجاه بما قاله

٣٠٧

جبرئيل عنهم؟!

وإذا كان جبرئيل قد قال ذلك، فكيف يمكن بعد هذا ادعاء أن هذا التصرف كان من ابتكارات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حباً بصهره وابن عمه؟

ماذا بعد الأئمة؟!:

قلنا: إن قريشاً كانت مهتمة بصرف الأمر عن علي (عليه‌السلام ) بأي ثمن كان، ولو بإثارة الشبهات والشكوك حول عدل النبي وإنصافه، بل إلى حد اتهامه في عقله، حين قالوا: إن النبي ليهجر، فضلاً عن الشائعات وحياكة المؤمرات.. التي كانت تدفع بها في كل اتجاه.. وكانت تمانع بالفعل وبالقول، وتتحدى، وتعج، وتضج، ولكنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يزل يهتف باسمه، ويعمل لإحكام أمره، وتثبيت إمامته من بعده. حتى أمام الحشود الغفيرة في يوم عرفة.

وحين غُلِبت قريش على أمرها، وأعلن النبي للأمة كلها يوم عرفة: أن الأئمة الإثني عشر كلهم من قريش، ومن بني هاشم قصدته قريش إلى منزله، ليستوضحوا منه الأمر عن هؤلاء الأئمة، وماذا يكون من بعدهم، لترى إن كان لها نصيب، ولو بعد انقضاء عهد الأئمة، وإذ بها تفاجأ بقوله: ثم يكون الهرج، وفي نص آخر: (الفرج)، كما رواه الخزاز(1) .

____________

1- راجع: كفاية الأثر ص52 ويقارن ذلك مع ما في إحقاق الحق (الملحقات) وغيبة النعماني ص104 والغيبة للطوسي ص128 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص250 = = وغيرهم. فإنهم صرحوا بان قريشاً هي التي أتته. وراجع: الصوارم المهرقة للتستري ص93 وبحار الأنوار ج36 ص365 ومكاتيب الرسول ج3 ص727 ومسند أحمد ج5 ص92 وسنن أبي داود ج2 ص309 وصحيح ابن حبان ج15 ص43 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص253 وتهذيب الكمال ج3 ص224 والبداية والنهاية ج6 ص279 وإمتاع الأسماع ج12 ص303 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص3 و 16 و 20 وج29 ص91 و 94 و 96.

٣٠٨

أي يوم أعظم حرمة؟!:

ولكي نربط الأحداث ببعضها نعود فنذكر القارئ بما جرى في عرفة، فنقول:

إنه بالرغم من أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان قد ذكرهم بشرف الزمان، وشرف المكان، وشرف المناسبة، فإن ذلك لم يمنعهم من إساءة الأدب مع رسول الله والإسراف في التحدي لله ولرسوله، فقد سألهم: عن أي شهر أعظم حرمة، وأي بلد أعظم حرمة، وأي يوم أعظم حرمة(1) .

____________

1- راجع هذه الفقرات الواردة في خطبة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " في حجة الوداع في المصادر التالية: مسند أحمد ج3 ص313 و 371 وكنز العمال ج5 ص286 و 287 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص600 والكافي ج7 ص273 و 275 ودعائم الإسلام ج2 ص484 والمجموع للنووي ج8 ص466 وج14 ص231 والمحلى لابن حزم ج7 ص288 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج29 ص10 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص3 والتفسير الصافي ج2 ص67 وتفسير نور الثقلين = = ج1 ص655 وتفسير القمي ج1 ص171 ومستدرك الوسائل ج17 ص87 وبحار الأنوار ج37 ص113 وإمتاع الأسماع ج10 ص343 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص391 والبداية والنهاية ج5 ص215 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص100 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص170 إضافة إلى مصادر أخرى تقدمت.

٣٠٩

فأقروا له بالحقيقة، ولكن ذلك لم يمنعهم من العجيج والضجيج، والتحدي.

ولا ندري ماذا كان سيحصل لو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) صرح لهم بإسمه (عليه‌السلام ) في ذلك الموقف، فهل كانوا سيكتفون بشتم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (والعياذ بالله) أم أنهم سيتجاوزون ذلك إلى قذفه بالحصباء أو بالحجارة، أو إلى ما هو أعظم من ذلك؟! وهو مباشرة قتله والعياذ بالله!!

التهديد الإلهي حسم الأمر:

وحين جاء التهديد الإلهي لهم، الذي صرح باعتبارهم في دائرة الكفر الذي يفتح باب الحرب معهم، وتضمن تطمين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى أنهم سيكونون عاجزين عن فعل أي شيء يضر في أمر إبلاغ ذلك الأمر الخطير، وإقامة الحجة كما يريده الله في قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (1) .

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٣١٠

وحين أبلغهم أن الله سبحانه يعتبر عدم إبلاغ هذا الأمر بمثابة عدم إبلاغ أصل الدين وأساس الرسالة.. مما يعني: أنه قد يحل بهم عذاب الإستئصال، فهو ينذرهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، أو على الأقل أنه سيعاملهم على أساس أنهم عادوا إلى نقطة الصفر، التي اقتضت حرب بدر، وأحد، والخندق، وحنين وسوى ذلك.. وهذا ما لا طاقة لهم به..

نعم.. حين بلغ الأمر إلى هذا الحد، قرروا الإنحناء أمام العاصفة، واللجوء إلى سياسة المداراة والمكيدة، وانتظار الفرصة.. حتى لا تحل كارثة فاضحة، تتلاشى معها جميع الآمال..

ولزمتهم الحجة بالبيعة التي أعطوها له (عليه‌السلام ) يوم الغدير، وقامت الحجة بذلك على الأمة بأسرها.. ولم يكن المطلوب أكثر من ذلك..

وكان ذلك قبل استشهاده (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بسبعين يوماً.

محاولة قتل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

ومما يذكر هنا: أن بعض النصوص يقول: إن تنفير الناقة برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليلة العقبة ليسقط في ذلك الوادي السحيق قد كان بعد حجة الوداع، وبعد البيعة لعلي (عليه‌السلام ) يوم الغدير..

ويمكن ترجيح هذا النص، لكثير من الإعتبارات التي ألمحنا إليها في كتابنا هذا وفي كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

٣١١

٣١٢

الباب الثاني عشر: من تاريخ علي (عليه‌السلام ) في عهد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٣١٣

٣١٤

الفصل الأول: أحداث ذات مغزى..

٣١٥

٣١٦

أبو هريرة أعلم من أبي بكر وعمر:

وحدث أبو هريرة: أنه كان في المدينة مجاعة، ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئاً، وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه، ومضيت معه إلى بابه، وودعني وانصرفت جايعاً يومي.

وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر.

فجئت في اليوم الثالث إلى علي، وسألته ما يعلمه فقط. فلما أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته، فأطعمني رغيفين وسمناً، فلما شبعت انصرفت إلى رسول الله.

فلما بصر بي ضحك في وجهي وقال: أنت تحدثني أم أحدثك، ثم قص علي ما جرى، وقال لي: (جبرئيل عرفني)(1) .

ونقول:

نلاحظ هنا أموراً نقتصر منها على ما يلي:

____________

1- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص122 و(ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص347 و (ط أخرى) ج2 ص73 وبحار الأنوار ج41 ص27.

٣١٧

1 ـ إن أبا هريرة يصف نفسه بأنه أعرف من أبي بكر وعمر بتأويل الآيات التي سألهما عنها، فكيف نوفق بين قوله هذا، وبين قول الناس الذين لم يروا أبا بكر ولا غيره من الصحابة: بأنه أعلم من أبي هريرة وغيره؟!

2 ـ إنه ذكر: أنه سأل علياً عما يعلمه فقط، أي سأله عما يعلمه هو دون سواه.. ولا يعلمه غيره..

فدل أيضاً بذلك على أنه يرى أن لدى علي (عليه‌السلام ) علوماً قد تفرد بها عن غيره، وذلك ينقض أيضاً دعواهم لحوق غيره (عليه‌السلام ) به. فضلاً عن دعواهم الغريبة والمضحكة للثكلى: أن غيره (عليه‌السلام ) أعلم منه.

3 ـ لا بأس بالمقارنة بين فعل علي (عليه‌السلام ) مع أبي هريرة بعد جوابه له، وبين فعل غيره معه!!

4 ـ نلاحظ: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذكر لأبي هريرة أن جبرئيل عرفه بما جرى.. وذلك يدل على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يعرف بتفاصيل ما يجري للناس، وأن ذلك كان بواسطة الوحي الإلهي.. فليس لأبي هريرة ولا لغيره: أن يظن أنه قد اطلع على ما جرى بنفسه، أو بإخبار علي (عليه‌السلام ) إياه، أو بواسطة ناظر ومراقب من الناس، أو بأية وسيلة أخرى قد يتوهمها متوهم.

لو كان علي (عليه‌السلام ) معكم لما ضللتم:

وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن (عليه‌السلام ): أن ماعز بن مالك أقر عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالزنا، فأمر به أن يرجم،

٣١٨

فهرب من الحفرة، فرماه الزبير ـ بن العوام ـ بساق بعير، فعقله به فسقط، فلحقه الناس، فقتلوه.

فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك، فقال: هلا تركتموه يذهب إذا هرب، فإنما هو الذي أقر على نفسه. وقال: أما لو كان علي حاضراً معكم لما ضللتم.

قال: ووداه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من مال المسلمين(1) .

ونقول:

1 ـ إن من يثبت عليه الزنا بإقراره يرجم، ولكنه إذا هرب من الحفيرة، لا يعاد إليها، بل يكف عنه، وكأنه لأجل أن هربه بمثابة رجوع عن إقراره ذاك.

2 ـ إن كلمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (أما لو كان علي حاضراً معكم لما ضللتم) يفيد ما يلي:

ألف: إن هذ الحكم كان قد بلغهم، ولكنهم ضلوا، بعد هدايتهم.

ب: إن التعبير بالضلال دون التعبير بالنسيان، أو الغفلة يشعر بذمهم على ذلك، وأنهم غير معذورين في فعلهم..

ج: إن وجود علي (عليه‌السلام ) معهم يفرض عليهم الإلتزام بأحكام الله، ويمنع من انسياقهم وراء عصبياتهم، وميولهم وأهوائهم، حين يريدون

____________

1- الكافي ج7 ص185 والمحاسن للبرقي ج2 ص306 ووسائل الشيعة ج18 ص376 وبحار الأنوار ج76 ص44.

٣١٩

إجراء الأحكام.

3 ـ يلاحظ: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصفهم بالضلال حين فقدهم علياً (عليه‌السلام ) من دون تقييد، فلم يقل: ضللتم عن ذلك الحكم..

ليفيد: أن ضلالهم حين يفقدون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلياً (عليه‌السلام ) يكون عاماً وشاملاً..

4 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يؤاخذهم بفعلهم هذا، ولم يغرمهم ديته، لأنهم يدعون الغفلة عن الحكم ونسيانه، أو عدم سماعه من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فلا محيص من معاملتهم وفقاً لما يظهرونه ولو أمكن تحصيل العلم بالوسائل العادية بوجود متعمد بينهم على سبيل الإجمال، فيصعب تحديد المتعمد للقتل منهم، ويصعب أيضاً تحديد القاتل بصورة أو بأخرى.

5 ـ وربما كان غير علي (عليه‌السلام ) يعرف الحكم، ولو كان حاضراً معهم لعرفهم به كسلمان مثلاً. ولكن بما أنهم قد لا ينقادون له، لأنهم يستضعفونه، ويتعصبون عليه. أو قد يلجأون إلى تكذيبه إلى غير ذلك من حالات وتصرفات. إلا أنهم لا يمكنهم ممارسة ذلك مع علي (عليه‌السلام ) ، فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حصر أمر إعادتهم إلى جادة الصواب به..

يضاف إلى ذلك: أنه (عليه‌السلام ) هو الهادي لهم، والمبين ما يختلفون فيه بعد وفاته كما قاله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكما أثبتته الوقائع والأحوال.

٣٢٠