• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70112 / تحميل: 8222
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وقال الفضل(١) :

قد عرفت أنّ خالق الشيء غير فاعله ومباشره(٢) ، فالفعل تارة يطلق ويراد به : الخلق ، كما يقال : الله تعالى فاعل كلّ شيء ، وقد يطلق ويراد به :

المباشرة والاعتمال.

وعلى التقديرين فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء الذي خلقه ، وإن كان المخلوق من جملة الصفات كما قدّمنا(٣) .

فمن خلق الظلم لا يقال : إنّه ظالم.

وقد ذكرنا أنّه لم يفرّق بين هذين المعنيين(٤) ، ولو فرّق لم يستدلّ بأمثال هذا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٠.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

(٣) تقدّم في الصفحتين ١٦٥ و ٢٢٠ من هذا الجزء.

(٤) راجع الصفحة ١٤٩ من هذا الجزء.

٢٤١

وأقول :

إذا أقرّ بإطلاق الفعل على الخلق ، وأنّه يقال : فاعل كلّ شيء ، ويراد خالقه ، فقد صارا مترادفين ، وبطل قوله : إنّ خالق الشيء غير فاعله.

ولو سلّم فلا يرتفع الإشكال بمجرّد هذا الاصطلاح ، إذ يكفينا أن نقول : إنّ من أوجد الظلم والفساد يسمّى ظالما مفسدا لغة وعرفا ، فيلزمهم الإشكال.

وأمّا قوله : « وعلى التقديرين ، فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء »

فغلط ظاهر ، ضرورة أنّ أكثر صفات الله سبحانه من أفعاله ، كالعادل والرحمن والهادي والمحيي والمميت ونحوها ، بل صفات الذات أيضا من مخلوقاته بزعمهم ؛ لأنّها مغايرة له وصادرة عنه بالإيجاب.

ثمّ إنّ مراد المصنّفرحمه‌الله ب‍ « الآخر » في قوله : « ولهذا لا يصحّ إثبات أحدها إلّا حال نفي الآخر » هو الآخر الضدّ ، لا مطلقا.

وحينئذ فلو ثبت الظلم لأحد لم يصحّ إثبات العدل له في مورد ثبوت الظلم له ، فلا يصحّ وصف الله سبحانه بالعادل حال خلقه للظلم وثبوته له ، وهو كفر آخر.

* * *

٢٤٢

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه المحال ؛ لأنّه لو كان هو الخالق للأفعال ، فإمّا أن يتوقّف خلقه لها على قدرتنا ودواعينا ، أو لا ، والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل : فلأنّه يلزم منه عجزه سبحانه عمّا يقدر عليه العبد ، ولأنّه يستلزم خلاف المذهب ، وهو وقوع الفعل منه والداعي من العبد ، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده ، ولأنّه القدرة والداعي إن أثّرا فهو المطلوب ، وإلّا كان وجودهما كوجود لون الإنسان وطوله وقصره.

ومن المعلوم بالضرورة أنّه لا مدخل للّون والطول والقصر في الأفعال ، وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منّا.

وأمّا الثاني : فلأنّه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد ـ أي خلق ـ تلك الأفعال من دون قدرتهم ودواعيهم ، حتّى توجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممّن لا يكون عالما بهما ، ووقوع الكتابة ممّن لا يد له ولا قلم ، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية ، الريّان في الغاية ، مع تمكّنه من الأكل.

ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال ، وأن لا يقوى الرجل الشديد القوّة على رفع تبنة ، وأن يجوز من الممنوع المقيّد العدو ، وأن يعجز القادر

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٨.

٢٤٣

الصحيح عن تحريك الأنملة(١) .

وفي هذا زوال الفرق بين القوي والضعيف ، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزّمن والصحيح.

* * *

__________________

(١) الأنملة ـ بالفتح ـ : المفصل الأعلى الذي فيه الظفر من الإصبع ؛ انظر لسان العرب ١٤ / ٢٩٥ مادّة « نمل ».

٢٤٤

وقال الفضل(١) :

نختار القسم الثاني ، وهو أنّ خلقه تعالى لأفعالنا لا يتوقّف على دواعينا وقدرتنا ، وما ذكره من لزوم وجدان الكتابة بدون اليد وغيره من المحالات العادية ، فهي استبعادات ، والاستبعاد لا يقدح في الجواز العقلي.

نعم ، عادة الله جرت على إحداث الكتابة عند حصول اليد والقلم ، وإن أمكن حصوله وجاز حدوثه عقلا بدون اليد والقلم ، ولكن هو من المحالات العادية كما مرّ غير مرّة(٢) .

وما ذكر أنّه يلزم أن تكون القدرة والداعي إذا لم يكونا مؤثّرين في الفعل ، كاللون والطول والقصر بالنسبة إلى الأفعال ، فهو ممنوع

للفرق بأنّ الفعل يقع عقيب وجود القدرة ، كالإحراق الذي يقع عقيب مساس النار عادة ، ولا يقال لا فرق بالنسبة إلى الإحراق بين النار وغيرها ، إذ لا تجري العادة بحدوث الإحراق عقيب مساس الماء.

فكذلك لم تجر عادة الله تعالى بإحداث الفعل عقيب وجود اللون ، بل عقيب حصول القدرة والداعي مع أنّهما غير مؤثّرين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٢.

(٢) راجع الصفحة ٢١٤ من هذا الجزء.

٢٤٥

وأقول :

لا يخفى أنّ مقصود المصنّف هو : إنّه يلزم انتفاء الفرق في صحّة نسبة الكتابة إلى ذي اليد أو مقطوعها ؛ لأنّ المفروض عدم دخل القدرة وآلاتها في وجود الأفعال ، وذلك باطل بالضرورة.

وكذا الكلام في تأثير الداعي ، وليس المقصود امتناع حصول الكتابة مثلا بدون الآلات ، فإنّه لا ينكر إمكانه ، بل وقوعه في اللوح وغيره.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القدرة والداعي ، وبين اللون والطول والقصر بجريان العادة ، فليس في محلّه ؛ لأنّ المصنّفرحمه‌الله أراد لزوم عدم الفرق في عدم المدخلية والتأثير ، لا لزوم عدم الفرق أصلا ، وإلّا فالفروق كثيرة.

ولا ريب أنّ عدم الفرق بعدم المدخلية والتأثير خلاف الضرورة ، فإنّ كلّ عاقل يدرك مدخلية القدرة والداعي في الفعل وتأثيرهما فيه ، دون اللون والطول والقصر.

* * *

٢٤٦

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى جاهلا أو محتاجا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ لأنّ في الشاهد فاعل القبيح إمّا جاهل ، أو محتاج ، مع إنّه ليس عندهم فاعلا في الحقيقة ، فلأن يكون كذلك في الغائب ـ الذي هو الفاعل في الحقيقة ـ أولى.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٤٧

وقال الفضل(١) :

قد مرّ أنّ الخالق غير الفاعل ، بمعنى الكاسب والمباشر(٢) ، وخالق القبيح لا يلزم أن يكون جاهلا أو محتاجا ، حيث لا قبيح بالنسبة إليه ، كما في خلقه لما هو قبيح بالنسبة إلى المخلوق ، فلا يلزم منه جهل ولا احتياج.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٣.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

٢٤٨

وأقول :

ضرورة العقلاء قاضية بأنّ خلق القبيح وإيجاده أولى بالقبح من كسبه ، بمعنى محلّيّة المحلّ له بلا تأثير ، بل لا معنى لنسبة قبح الفعل الاختياري إلى غير المؤثّر.

فلا محالة يلزم من خلق القبيح أحد الأمرين : الجهل ، والاحتياج ، ولا عبرة بالسفسطات.

* * *

٢٤٩

قال المصنّف ـ رفع الله منزلته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه الظلم ؛ لأنّ الفعل إمّا أن يقع من العبد لا غير

أو من الله تعالى

أو منهما بالشركة ، بحيث لا يمكن تفرّد كلّ منهما بالفعل ، أو لا من واحد منهما

والأوّل : هو المطلوب.

والثاني : يلزم منه الظلم ، حيث فعل الكفر وعذّب من لا أثر له فيه ألبتّة ، ولا قدرة موجدة له ، ولا مدخل له في الإيجاد ، وهو أبلغ أنواع الظلم.

والثالث : يلزم منه الظلم ؛ لأنّه شريك في الفعل ، وكيف يعذّب شريكه على فعل فعله هو وإيّاه؟!

وكيف يبرّئ نفسه من المؤاخذة مع قدرته وسلطنته ، ويؤاخذ عبده الضعيف على فعل فعل هو مثله؟!

وأيضا : يلزم منه تعجيز الله تعالى ، إذ لا يتمكّن من الفعل بتمامه ، بل يحتاج إلى الاستعانة بالعبد.

وأيضا : يلزم المطلوب ، وهو أن يكون للعبد تأثير في الفعل ، وإذا جاز استناد أثر ما إليه ، جاز استناد الجميع إليه.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٥٠

فأيّ ضرورة تحوج إلى التزام هذه المحالات؟!

فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص التي نزّه الله تعالى نفسه عنها وتبرّأ منها!

* * *

٢٥١

وقال الفضل(١) :

نختار أنّ الفعل ـ بمعنى الخلق ـ يصدر من الله تعالى ، والعبد كاسب للفعل ، مباشر له ، ولا تأثير لقدرته في الفعل.

قوله : « يلزم منه الظلم ».

قلنا : قد سبق أنّ الظلم لا يلزم أصلا ؛ لأنّه يتصرّف في ما هو ملك له ، والتصرّف في الملك كيف شاء المالك لا يسمّى ظلما ، ثمّ إنّ تعذيب العاصي بواسطة كونه محلّا للفعل الموجب للعذاب(٢) .

وأمّا قوله : « فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص ».

فنقول : أنا أخبره بالذي دعاهم إلى تخصيص الخلق بالله تعالى ، وهو الهرب والفرار من الشرك الصريح الذي لزم المخالفين ممّن يدّعون أنّ العبد خالق مثل الربّ ، وهذا فيه خطر الشرك ، وهم يهربون من الشرك!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٤.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ٢٣٠ من هذا الجزء.

٢٥٢

وأقول :

لا يمكن أن يكون مجرّد الملك مصحّحا لعذاب من لا ذنب له ؛ لما سبق من أنّه ليس من أحكام الملكيّة جواز إضرار المالك بملكه الحسّاس ، بلا جرم منه ، ولا فائدة له ، بل هو مناف لمقتضى الملكيّة من رعاية المملوك وحمايته عمّا يضرّه(١) .

وأمّا ما أخبر به من الأمر الداعي لأصحابه ، فلو صدق فيه ، فلم أثبتوا لأنفسهم قدرة وإرادة وغيرهما من الصفات الزائدة بزعمهم على الذات ، وأثبتوا لأنفسهم أيضا ملكيّة؟!

وادّعوا مشاركة الله سبحانه في الكلّ! والحال أنّ المشاركة فيها أعظم من المشاركة في الفعل ، بل لو كان الشرك مطلقا باطلا لم تصحّ مشاركة الله تعالى في الوجود والشيئية ، وفي ثبوت الهوية.

فالحقّ ـ كما سبق ـ أنّ المشاركة في ما لا نقص به على الله سبحانه من الأمور التي لا توجب الإلهية ، ولا المعارضة ، أو المماثلة له ، جائزة وواقعة ، كما في محلّ النزاع.

وكيف يكون فيها نقص؟! وهي من مظاهر القدرة الربّانيّة ، ودلائل النزاهة ، حيث جعل قدرة العبيد الفعّالة دليلا على قدرته العظمى ، وطريقا إلى نزاهته عن أفعالهم القبيحة!

نعم ، أنا أخبره أنّ الذي دعاهم إلى الالتزام بذلك وسلوك أسوأ

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٩٥ من هذا الجزء.

٢٥٣

المسالك ، هو التعصّب للأسلاف ، والاقتداء بآثار الآباء.

ومن المضحك أنّه في مقام إنكار تأثير العبيد يثبت التأثير لهم فيقول :

« أنا أخبره بالذي دعاهم » فأشرك بمذهبه ، وأساء باعتقاده إلى ربّه!

وما زال يعاقب المصنّف عقاب الفاعلين للفاعلين المؤثّرين!

أعاذنا الله من مخالفة العمل للقول ، والتعرّض لسخطه ، إنّه أرحم الراحمين.

* * *

٢٥٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم مخالفة القرآن العظيم والسنّة المتواترة والإجماع وأدلّة العقل.

* أمّا الكتاب فإنّه مملوء من إسناد الأفعال إلى العبيد ، وقد تقدّم بعضها(٢) .

وكيف يقول الله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٣) ولا خالق سواه؟!

ويقول :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٤) ولا تحقّق لهذا الشخص ألبتّة؟!

ويقول :( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ) (٥)

( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (٦)

( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٧)

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٨٢.

(٥) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦ ، سورة الجاثية ٤٥ : ١٥.

(٦) سورة النجم ٥٣ : ٣١.

(٧) سورة الكهف ١٨ : ٧.

٢٥٥

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (١)

( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٢) ولا وجود لهؤلاء؟!

ثمّ كيف يأمر وينهى ولا فاعل؟! وهل هو إلّا كأمر الجماد ونهيه؟!

* وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إعملوا ، فكلّ ميسّر لما خلق له »(٣)

«نيّة المؤمن (٤) خير من عمله »(٥)

«إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى »(٦)

* والإجماع دلّ على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى ، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرضا به ، والرضا بالكفر حرام بالإجماع.

فعلمنا أنّ الكفر ليس من فعله تعالى ، فلا يكون من خلقه.

* * *

__________________

(١) سورة الجاثية ٤٥ : ٢١.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٨.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٩٨ ح ٤٤٦ وج ٩ / ٢٨٤ ح ١٧٦ ، صحيح مسلم ٨ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٢٨ ح ٤٧٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٠ ح ٧٨ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٨٨ ح ٢١٣٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٢ ، التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٥٦ ح ٣ ، مجمع البحرين ـ للطريحي ـ ٣ / ٥٢١ مادّة « يسر ».

(٤) كان في الأصل : « المرء » ، وهو تصحيف ، والمثبت من المصادر.

(٥) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٥ ، فراجع.

(٦) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٤ ، فراجع.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما سبق أجوبة كلّ ما استدلّ به من آيات الكتاب العزيز(٢) .

ثمّ إنّ كلّ تلك الآيات معارضة بالآيات الدالّة على أنّ جميع الأفعال بقضاء الله وقدره وإيجاده وخلقه ، نحو :

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٣) أي عملكم

و( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٤) وعمل العبد شيء

( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (٥) وهو يريد الإيمان إجماعا ، فيكون فعّالا له ، وكذا الكفر ، إذ لا قائل بالفصل.

وأيضا : تلك الآيات معارضة بالآيات المصرّحة بالهداية والضلال والختم ، نحو :

( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) (٦)

و( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) (٧) وهي محمولة على حقائقها كما هو الظاهر منها.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٦.

(٢) انظر الصفحة ١٥٤ من هذا الجزء.

(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٦.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٦٢.

(٥) سورة هود ١١ : ١٠٧.

(٦) سورة البقرة ٢ : ٢٦.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٧.

٢٥٧

وأنت تعلم أنّ الظواهر إذا تعارضت لم تقبل شهادتها ، خصوصا في المسائل العقلية ، ووجب الرجوع إلى غيرها من الدلائل العقلية القطعية.

وقد ذكرنا في ما سلف من الكلام ما يغني في إثبات المقصد.

وأمّا ما استدلّ به على تعدّد الخالقين من قوله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) ، فالمراد بالخالقين هناك : ما يدّعي الكافرون من الأصنام.

فكأنّه يقول : تبارك الله الذي هو أحسن من أصنامكم الّذين تجعلونهم الخالقين المقدّرين بزعمكم ، فإنّهم لا يقدرون على شيء ، والله يخلق مثل هذا الخلق البديع المعجب.

أو المراد من الخالقين : المقدّرين للخلق ، كالمصوّرين ، لا أنّه تعالى أثبت لنفسه شركاء في الخلق.

ولكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال الله تعالى :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٤٥.

٢٥٨

وأقول :

قد ظهر ممّا سبق أنّ أجوبته لا تصلح أن توسم باسم الجواب(١) ، ودعواه هنا المعارضة بالآيات الأخر باطلة.

أمّا قوله تعالى :( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، فقد عرفت في أوّل المطلب الأوّل أنّ المراد به السماوات والأرض ، وما فيهما من الأجسام والأعراض والأجرام ، لا ما يشمل أفعال العباد ، فراجع(٣) .

وأمّا قوله تعالى :( أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٤) فالمراد فيه ب‍ ( ما يعملون ) هو : ما ينحتونه من الأصنام لا عملهم(٥) ، إذ لا معنى للإنكار على عبادتهم لما ينحتون بحجّة أنّه خلقهم وأعمالهم التي منها عبادتهم التي أنكر عليها!

وأمّا قوله تعالى :( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) ، فالظاهر أنّ معناه أنّه تعالى فعّال لما يريد فعله وتكوينه.

ومن أوّل الدعوى أنّه يريد تكوين الإيمان ، وإنّما يريده تكليفا وتشريعا.

وأمّا المعارضة بالآيات الواردة في الهداية والإضلال والختم ، فمبنيّة

__________________

(١) انظر الصفحة ١٥٦ من هذا الجزء.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٦١ ، سورة الزمر ٣٩. ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) راجع ج ٢ / ٣٤٣.

(٤) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٥ و ٩٦.

(٥) انظر : تفسير الماوردي ٥ / ٥٨ ، الكشّاف ٣ / ٣٤٥ ، مجمع البيان ٨ / ٢٨١.

تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٥١.

٢٥٩

على أنّ المراد بالهداية والإضلال : خلق الهدى والضلال ، وهو ممنوع ؛ بل المراد بالهداية أحد أمور :

الأوّل : الدلالة والإرشاد ، كما في قوله تعالى : إنّا( هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (١) ( إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (٢) .

وقوله تعالى :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٣)

وقوله تعالى :( إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٤) .

.. إلى غيرها من الآيات الكثيرة.

الثاني : الإثابة والإنعام ، كما في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (٥) .

فإنّ المراد هنا بالهداية : الإثابة ؛ لوقوعها بعد القتل والموت ، كما إنّ المراد هنا بالإضلال : إبطال أعمالهم.

ومثلها في إرادة الإثابة قوله تعالى :( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) (٦) .

الثالث : التوفيق وزيادة الألطاف ، كما في قوله تعالى :( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) (٧) ، ونقيضه الإضلال بأن يكلهم إلى أنفسهم ، ويمنعهم زيادة

__________________

(١) سورة البلد ٩٠ : ١٠.

(٢) سورة الإنسان ٧٦ : ٣ ، وتمام الآية :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

(٤) سورة الشورى ٤٢ : ٥٢.

(٥) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٤ و ٥.

(٦) سورة يونس ١٠ : ٩.

(٧) سورة الإسراء ١٧ : ٩٧.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ثانياً: إن تنصيب علي (عليه‌السلام ) لم يكن حين ذهاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من المدينة إلى مكة، بل كان حين رجوعه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من مكة إلى المدينة، بعد أدائه مناسك الحج(١) .

ويظهر من كلام الذهبي: أن صاحب هذا الزعم الباطل هو ابن داود، فعمل ابن جرير كتاب الفضائل ردّ فيه عليه، والظاهر: أنه سماه (كتاب الرد على الحرقوصية)(٢) نسبة إلى حرقوص بن زهير زعيم الخوارج، معرضاً: بأن صاحب هذا الزعم كان خارجياً.

وقال الذهبي: إنه رأى مجلداً من كتاب ابن جرير، فاندهش له ولكثرة

____________

١- إقبال الأعمال ص٤٥٣ و (ط مكتب الإعلام الإسلامي) ج٢ ص٢٧٩ وأشار إلى كتاب ابن جرير في: البداية والنهاية ج١١ ص١٤٦ وتهذيب التهذيب ج٧ ص٣٣٩ وقاموس الرجال ج١١ ص٢٦٤ وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص٨٢ والفهرست للطوسي ص١٥٠ وبحار الأنوار ج٩٥ ص٣٠١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢٢٨ والغدير ج١ ص٢٣ وأسد الغابة ج١ ص٣٠٨ وتنبيه الغافلين ص٦٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٧٤.

٢- راجع: مشكل الآثار ج٢ ص٣٠٨ والصواعق المحرقة ص٤٢ و ٤٣ والمعتصر من المختصر ج٢ ص٣٠١ والمرقاة في شرح المشكاة ج١٠ ص٤٧٦ وشرح الأخبار ج١ ص٨١ والمسترشد للطبري ص٣٥ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج٢ ص٢٣٩ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٢٦ والغدير ج١ ص١٥٣ ورجال النجاشي ص٣٢٢ وقاموس الرجال ج٩ ص١٥١ و ١٥٤ و ١٩٣.

٣٠١

تلك الطرق(١) .

علي (عليه‌السلام ) بعد العبدين الصالحين:

ورد في رواية جرير بن عبد الله البجلي لواقعة الغدير: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخذ بذراع علي (عليه‌السلام ) وقال:

(من يكن الله ورسوله مولاه، فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. اللهم من أحبّه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً. اللهم إنّي لا أجد أحداً استودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين(٢) غيرك(٣) ، فاقض له بالحسنى.

____________

١- تذكرة الحفاظ ج٢ ص٧١٣ ومشكل الآثار ج٢ ص٣٠٨ والصواعق المحرقة ص٤٢ و ٤٣ والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للرحماني ص٨٠٧ والمعتصر من المختصر ج٢ ص٣٠١ وفتح الملك العلي ص١٥ والمرقاة في شرح المشكاة ج١٠ ص٤٧٦ والمسترشد للطبري ص٤٣ والكنى والألقاب ج١ ص٢٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١٨ والغدير ج١ ص١٥٢ و ٣٠٧.

٢- الغدير ج١ ص٢٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص١١٣ و ١١٤ وكنز العمال ج١٣ ص١٣٨.

٣- راجع: الغدير (تحقيق مركز الغدير للدراسات) ج١ ص٦٢١ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٦ والمعجم الكبير للطبراني ج٢ ص٣٥٧ وتاريـخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٣٧ والإكمال في أسماء الرجال ص٣٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٦ ص٥٦٤ وج٣٠ ص٤٢٢ عن مخـتـصـر تـاريـخ دمشق (ط دار الفـكـر) ج١٧ = = ص٣٥٨ وهداية العقول ص٣١ وقال في الغدير: في تعليق هداية العقول (ص ٣١): لعله أراد بالعبدين الصالحين أبا بكر وعمر، وقيل: الخضر وإلياس.

وقيل: حمزة وجعفر رضي الله عنهما، لأن علياً "عليه‌السلام " كان يقول عند اشتداد الحرب: وا حمزتاه ولا حمزة لي؟! وا جعفراه ولا جعفر لي؟!

أقول: هذا رجم بالغيب، إذ لا مجال للنظر في تفسير العبدين الصالحين بمن ذكر إلا أن يعثر على نص، والظاهر: عدم ذلك لما ذكره سيدي العلامة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن المفضل "رحمه‌الله " لما سأله بعضهم عن تفسير الحديث، فأجاب بما لفظه: لم أعثر عليه في شيء من كتب الحديث، إلا أن في رواية مجمع الزوائد ما يدل على عدم معرفة الراوي أيضاً بالمراد بالرجلين، لأن فيه قال بشر، أي الراوي عن جرير: قلت: من هذان العبدان الصالحان؟!

قال: لا أدري.

قال "رحمه‌الله ": ومثل هذا إن لم يرد به نقل فلا طريق إلى تفسيره بالنظر هـ. راجع: الغدير ج١ هامش ص٦٢.

وقال في كتاب على ضفاف الغدير: وأخرجه عنه أحمد بن عيسى المقدسي في الجزء الثاني من فضائل جرير بن عبد الله البجلي الموجود في المجموع ٩٣ في المكتبة الظاهرية. أخرجه في الورقة ٢٤٠.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخـه: رقم ٥٨٧، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ص١٧ ص٣٥٨، والقرافي في نفحات العبير الساري: ق٧٦/ب، والسيوطي في جمع الجوامع ص١ ص٨٣١، وفي قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة= = ص٢٧٧ ح١٠٢، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ص٢٠٦، والشوكاني في در السحابة ص٢١٠، والكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص١٩٤ وإسحاق بن يوسف الصنعاني في تفريج الكروب في حرف الميم.

٣٠٢

٣٠٣

قال بشر (الراوي عن جرير) قلت: من هذان العبدان الصالحان؟!

قال: لا أدري(١) .

ونقول:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أشار إلى أن العبدين الصالحين الذين سيكون علي (عليه‌السلام ) ثالثهما بعده، كانا على قيد الحياة، وأن لهما دوراً في وديعته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولعلهما: الخضر وإلياس.

لكن لا مجال للتأكيد على أنهما هما اللذان قصدهما (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بكلامه هذا.. وإن كان ذلك محتملاً في حد نفسه. بل قد يقال: أن أحداً لا يصلح للاستيداع، مع وجود الحسنين(عليهما‌السلام ) فهو من قبيل: رب لا تذرني فرداً، أو من قبيل: إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، فهو بمثابة طلب حفظ الحسنين (عليهما‌السلام ) على لسان رسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

____________

١- الغدير ج١ ص٢٣ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٦ والمعجم الكبير ج٢ ص٣٥٧ و ٣٥٨ والإكمال في أسماء الرجال ص٣٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٣٦ وشرح إحقاق الحق ج١٦ ص٥٦٤ وج٣٠ ص٤٢٣ وأسد الغابة ج١ ص٣٠٨ وقال: أخرجه الثلاثة. يريد: ابن عبد البر، وابن مندة، وأبا نعيم.

٣٠٤

الزهري.. وحديث الغدير:

وقد حدث الزهري بحديث الغدير، فقيل له: لا تحدث بهذا بالشّام وأنت تسمع ملء أذنيك سب علي.

فقال: والله، إن عندي من فضائل علي (عليه‌السلام ) ما لو تحدّثت بها لقتلت(١) .

فكلام الزهري هذا صريح في: أن لديه فضائل أكثر صراحة في حقيقة فضله (عليه‌السلام )، وأشد إيلاماً لمناوئيه، وأكثر إثارة لغضبهم إلى حد أنها تدفعهم إلى قتله..

إلا إذا كان مراده: أن كثرتها هي الموجبة لغضب أعداء علي (عليه‌السلام ).

فإذا كان الزهري يكتم من فضائله ما يؤدي به إلى القتل، فما بالك بما كان يكتمه العشرات والمئات غير الزهري من فضائله (عليه‌السلام )؟!

عمر في خدمة جبرئيل:

عن عمر بن الخطاب، قال: نصب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً علماً، فقال: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم).

____________

١- أسد الغابة ج١ ص٣٠٨ وقاموس الرجال ج١٢ ص٣٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢٢٨ والغدير ج١ ص٢٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٧٤ و ٣٧٦.

٣٠٥

قال عمر بن الخطاب: وكان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح، قال لي: يا عمر، لقد عقد رسول الله عقداً لا يحله إلا منافق (زاد في مودة القربى، قوله: فاحذر أن لا تحله). (لعل الصحيح: أن تحله، أو فاحذر.. لا تحله).

قال عمر: فقلت: يا رسول الله، إنك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه، طيب الريح قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عقداً لا يحله إلا منافق

فأخذ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيدي، فقال: يا عمر، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرائيل، أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي(١) .

ونقول:

إننا نلاحظ ما يلي:

١ـ قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم أنت شهيدي عليهم.. كأنه إشارة إلى أن هذا الحدث سوف يتعرض للإنكار من قبل جماعة من الناس، أو على الأقل لتحريف دلالته، والتلاعب بمقاصده ومراميه، المساوق

____________

١- مودة القربى ص١٨ لشهاب الدين الهمداني، المودة الخامسة، وينابيع المودة ج٢ ص٢٨٤ والغدير ج١ ص٥٧ وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٨٧ وج٩ ص٢٧٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٥٢ وج٢١ ص٦٥ والإمام علي "عليه‌السلام " في آراء الخلفاء ص٧٣ عن الكوكب الدري للكشفي ص١٣١ المنقبة رقم١٥٤.

٣٠٦

لإنكاره. وسيعرض الأمر يوم القيامة للحساب والمطالبة، فيحتاج (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الشهادة له بأنه قد ابلغهم مقاصده، واضحة لا لبس فيها.

٢ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين أراد أن يخبر عمر بحقيقة ذلك الشاب الحسن الوجه، الطيب الريح أخذ بيد عمر، لكي تتشارك المشاعر في وعي وحفظ ما سيلقيه إليه.. فإن تحريك الحواس الظاهرية باللمس، ونبرات الصوت، وبتعابير الوجه، يجعل المشاعر أكثر تحفزاً لمتابعة ما يجري بانتباه أشد، ويهيء الذاكرة لاختزان ذلك كله بصورة أعمق وأدق.

٣ ـ إن جمال ذلك الشاب قد لفت نظر عمر، حيث لم يعهد في نظرائه وأقرانه جمالاً أو طيب ريح يستحق الذكر، إلا ما كان من ذلك في بني هاشم.

ثم جاءت كلمة ذلك الشاب متوافقة مع مظهره في التأثير على عمر إلى حد دعاه إلى استيضاح الحال من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مباشرة.

ولعله كان يرمي إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو أن يسجل شكواه منه، علّه يسمع من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) استنكاراً لكلام ذلك الشاب وإدانة له، لكي يرتاح عمر، وتهدأ خواطره، ويزول بلباله.. ولكن عمر فوجئ بما أخبره به رسول الله، وهو أن ذلك الشاب هو جبرئيل..

ولنا أن نتصور كم كان عمر يحلم في أن يروي للناس أنه قد رأى جبرائيل، مباهياً بذلك ومفاخراً.. ولكن ما يصده عن ذلك كان أعظم وأخطر، فإن حديث جبرائيل قد نص على نفاق من يحل العقدة التي عقدها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ).

وهل يمكن أن يرضى أولئك الذين ساروا في هذا الإتجاه بما قاله

٣٠٧

جبرئيل عنهم؟!

وإذا كان جبرئيل قد قال ذلك، فكيف يمكن بعد هذا ادعاء أن هذا التصرف كان من ابتكارات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حباً بصهره وابن عمه؟

ماذا بعد الأئمة؟!:

قلنا: إن قريشاً كانت مهتمة بصرف الأمر عن علي (عليه‌السلام ) بأي ثمن كان، ولو بإثارة الشبهات والشكوك حول عدل النبي وإنصافه، بل إلى حد اتهامه في عقله، حين قالوا: إن النبي ليهجر، فضلاً عن الشائعات وحياكة المؤمرات.. التي كانت تدفع بها في كل اتجاه.. وكانت تمانع بالفعل وبالقول، وتتحدى، وتعج، وتضج، ولكنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يزل يهتف باسمه، ويعمل لإحكام أمره، وتثبيت إمامته من بعده. حتى أمام الحشود الغفيرة في يوم عرفة.

وحين غُلِبت قريش على أمرها، وأعلن النبي للأمة كلها يوم عرفة: أن الأئمة الإثني عشر كلهم من قريش، ومن بني هاشم قصدته قريش إلى منزله، ليستوضحوا منه الأمر عن هؤلاء الأئمة، وماذا يكون من بعدهم، لترى إن كان لها نصيب، ولو بعد انقضاء عهد الأئمة، وإذ بها تفاجأ بقوله: ثم يكون الهرج، وفي نص آخر: (الفرج)، كما رواه الخزاز(١) .

____________

١- راجع: كفاية الأثر ص٥٢ ويقارن ذلك مع ما في إحقاق الحق (الملحقات) وغيبة النعماني ص١٠٤ والغيبة للطوسي ص١٢٨ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٥٠ = = وغيرهم. فإنهم صرحوا بان قريشاً هي التي أتته. وراجع: الصوارم المهرقة للتستري ص٩٣ وبحار الأنوار ج٣٦ ص٣٦٥ ومكاتيب الرسول ج٣ ص٧٢٧ ومسند أحمد ج٥ ص٩٢ وسنن أبي داود ج٢ ص٣٠٩ وصحيح ابن حبان ج١٥ ص٤٣ والمعجم الكبير للطبراني ج٢ ص٢٥٣ وتهذيب الكمال ج٣ ص٢٢٤ والبداية والنهاية ج٦ ص٢٧٩ وإمتاع الأسماع ج١٢ ص٣٠٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٣ ص٣ و ١٦ و ٢٠ وج٢٩ ص٩١ و ٩٤ و ٩٦.

٣٠٨

أي يوم أعظم حرمة؟!:

ولكي نربط الأحداث ببعضها نعود فنذكر القارئ بما جرى في عرفة، فنقول:

إنه بالرغم من أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان قد ذكرهم بشرف الزمان، وشرف المكان، وشرف المناسبة، فإن ذلك لم يمنعهم من إساءة الأدب مع رسول الله والإسراف في التحدي لله ولرسوله، فقد سألهم: عن أي شهر أعظم حرمة، وأي بلد أعظم حرمة، وأي يوم أعظم حرمة(١) .

____________

١- راجع هذه الفقرات الواردة في خطبة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " في حجة الوداع في المصادر التالية: مسند أحمد ج٣ ص٣١٣ و ٣٧١ وكنز العمال ج٥ ص٢٨٦ و ٢٨٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٦٠٠ والكافي ج٧ ص٢٧٣ و ٢٧٥ ودعائم الإسلام ج٢ ص٤٨٤ والمجموع للنووي ج٨ ص٤٦٦ وج١٤ ص٢٣١ والمحلى لابن حزم ج٧ ص٢٨٨ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٢٩ ص١٠ و (ط دار الإسلامية) ج١٩ ص٣ والتفسير الصافي ج٢ ص٦٧ وتفسير نور الثقلين = = ج١ ص٦٥٥ وتفسير القمي ج١ ص١٧١ ومستدرك الوسائل ج١٧ ص٨٧ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١١٣ وإمتاع الأسماع ج١٠ ص٣٤٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٣٩١ والبداية والنهاية ج٥ ص٢١٥ وجامع أحاديث الشيعة ج٢٦ ص١٠٠ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص١٧٠ إضافة إلى مصادر أخرى تقدمت.

٣٠٩

فأقروا له بالحقيقة، ولكن ذلك لم يمنعهم من العجيج والضجيج، والتحدي.

ولا ندري ماذا كان سيحصل لو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) صرح لهم بإسمه (عليه‌السلام ) في ذلك الموقف، فهل كانوا سيكتفون بشتم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (والعياذ بالله) أم أنهم سيتجاوزون ذلك إلى قذفه بالحصباء أو بالحجارة، أو إلى ما هو أعظم من ذلك؟! وهو مباشرة قتله والعياذ بالله!!

التهديد الإلهي حسم الأمر:

وحين جاء التهديد الإلهي لهم، الذي صرح باعتبارهم في دائرة الكفر الذي يفتح باب الحرب معهم، وتضمن تطمين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى أنهم سيكونون عاجزين عن فعل أي شيء يضر في أمر إبلاغ ذلك الأمر الخطير، وإقامة الحجة كما يريده الله في قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٣١٠

وحين أبلغهم أن الله سبحانه يعتبر عدم إبلاغ هذا الأمر بمثابة عدم إبلاغ أصل الدين وأساس الرسالة.. مما يعني: أنه قد يحل بهم عذاب الإستئصال، فهو ينذرهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، أو على الأقل أنه سيعاملهم على أساس أنهم عادوا إلى نقطة الصفر، التي اقتضت حرب بدر، وأحد، والخندق، وحنين وسوى ذلك.. وهذا ما لا طاقة لهم به..

نعم.. حين بلغ الأمر إلى هذا الحد، قرروا الإنحناء أمام العاصفة، واللجوء إلى سياسة المداراة والمكيدة، وانتظار الفرصة.. حتى لا تحل كارثة فاضحة، تتلاشى معها جميع الآمال..

ولزمتهم الحجة بالبيعة التي أعطوها له (عليه‌السلام ) يوم الغدير، وقامت الحجة بذلك على الأمة بأسرها.. ولم يكن المطلوب أكثر من ذلك..

وكان ذلك قبل استشهاده (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بسبعين يوماً.

محاولة قتل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

ومما يذكر هنا: أن بعض النصوص يقول: إن تنفير الناقة برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليلة العقبة ليسقط في ذلك الوادي السحيق قد كان بعد حجة الوداع، وبعد البيعة لعلي (عليه‌السلام ) يوم الغدير..

ويمكن ترجيح هذا النص، لكثير من الإعتبارات التي ألمحنا إليها في كتابنا هذا وفي كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

٣١١

٣١٢

الباب الثاني عشر: من تاريخ علي (عليه‌السلام ) في عهد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٣١٣

٣١٤

الفصل الأول: أحداث ذات مغزى..

٣١٥

٣١٦

أبو هريرة أعلم من أبي بكر وعمر:

وحدث أبو هريرة: أنه كان في المدينة مجاعة، ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئاً، وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه، ومضيت معه إلى بابه، وودعني وانصرفت جايعاً يومي.

وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر.

فجئت في اليوم الثالث إلى علي، وسألته ما يعلمه فقط. فلما أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته، فأطعمني رغيفين وسمناً، فلما شبعت انصرفت إلى رسول الله.

فلما بصر بي ضحك في وجهي وقال: أنت تحدثني أم أحدثك، ثم قص علي ما جرى، وقال لي: (جبرئيل عرفني)(١) .

ونقول:

نلاحظ هنا أموراً نقتصر منها على ما يلي:

____________

١- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج٢ ص١٢٢ و(ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٤٧ و (ط أخرى) ج٢ ص٧٣ وبحار الأنوار ج٤١ ص٢٧.

٣١٧

١ ـ إن أبا هريرة يصف نفسه بأنه أعرف من أبي بكر وعمر بتأويل الآيات التي سألهما عنها، فكيف نوفق بين قوله هذا، وبين قول الناس الذين لم يروا أبا بكر ولا غيره من الصحابة: بأنه أعلم من أبي هريرة وغيره؟!

٢ ـ إنه ذكر: أنه سأل علياً عما يعلمه فقط، أي سأله عما يعلمه هو دون سواه.. ولا يعلمه غيره..

فدل أيضاً بذلك على أنه يرى أن لدى علي (عليه‌السلام ) علوماً قد تفرد بها عن غيره، وذلك ينقض أيضاً دعواهم لحوق غيره (عليه‌السلام ) به. فضلاً عن دعواهم الغريبة والمضحكة للثكلى: أن غيره (عليه‌السلام ) أعلم منه.

٣ ـ لا بأس بالمقارنة بين فعل علي (عليه‌السلام ) مع أبي هريرة بعد جوابه له، وبين فعل غيره معه!!

٤ ـ نلاحظ: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذكر لأبي هريرة أن جبرئيل عرفه بما جرى.. وذلك يدل على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يعرف بتفاصيل ما يجري للناس، وأن ذلك كان بواسطة الوحي الإلهي.. فليس لأبي هريرة ولا لغيره: أن يظن أنه قد اطلع على ما جرى بنفسه، أو بإخبار علي (عليه‌السلام ) إياه، أو بواسطة ناظر ومراقب من الناس، أو بأية وسيلة أخرى قد يتوهمها متوهم.

لو كان علي (عليه‌السلام ) معكم لما ضللتم:

وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن (عليه‌السلام ): أن ماعز بن مالك أقر عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالزنا، فأمر به أن يرجم،

٣١٨

فهرب من الحفرة، فرماه الزبير ـ بن العوام ـ بساق بعير، فعقله به فسقط، فلحقه الناس، فقتلوه.

فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك، فقال: هلا تركتموه يذهب إذا هرب، فإنما هو الذي أقر على نفسه. وقال: أما لو كان علي حاضراً معكم لما ضللتم.

قال: ووداه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من مال المسلمين(١) .

ونقول:

١ ـ إن من يثبت عليه الزنا بإقراره يرجم، ولكنه إذا هرب من الحفيرة، لا يعاد إليها، بل يكف عنه، وكأنه لأجل أن هربه بمثابة رجوع عن إقراره ذاك.

٢ ـ إن كلمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (أما لو كان علي حاضراً معكم لما ضللتم) يفيد ما يلي:

ألف: إن هذ الحكم كان قد بلغهم، ولكنهم ضلوا، بعد هدايتهم.

ب: إن التعبير بالضلال دون التعبير بالنسيان، أو الغفلة يشعر بذمهم على ذلك، وأنهم غير معذورين في فعلهم..

ج: إن وجود علي (عليه‌السلام ) معهم يفرض عليهم الإلتزام بأحكام الله، ويمنع من انسياقهم وراء عصبياتهم، وميولهم وأهوائهم، حين يريدون

____________

١- الكافي ج٧ ص١٨٥ والمحاسن للبرقي ج٢ ص٣٠٦ ووسائل الشيعة ج١٨ ص٣٧٦ وبحار الأنوار ج٧٦ ص٤٤.

٣١٩

إجراء الأحكام.

٣ ـ يلاحظ: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصفهم بالضلال حين فقدهم علياً (عليه‌السلام ) من دون تقييد، فلم يقل: ضللتم عن ذلك الحكم..

ليفيد: أن ضلالهم حين يفقدون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلياً (عليه‌السلام ) يكون عاماً وشاملاً..

٤ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يؤاخذهم بفعلهم هذا، ولم يغرمهم ديته، لأنهم يدعون الغفلة عن الحكم ونسيانه، أو عدم سماعه من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فلا محيص من معاملتهم وفقاً لما يظهرونه ولو أمكن تحصيل العلم بالوسائل العادية بوجود متعمد بينهم على سبيل الإجمال، فيصعب تحديد المتعمد للقتل منهم، ويصعب أيضاً تحديد القاتل بصورة أو بأخرى.

٥ ـ وربما كان غير علي (عليه‌السلام ) يعرف الحكم، ولو كان حاضراً معهم لعرفهم به كسلمان مثلاً. ولكن بما أنهم قد لا ينقادون له، لأنهم يستضعفونه، ويتعصبون عليه. أو قد يلجأون إلى تكذيبه إلى غير ذلك من حالات وتصرفات. إلا أنهم لا يمكنهم ممارسة ذلك مع علي (عليه‌السلام ) ، فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حصر أمر إعادتهم إلى جادة الصواب به..

يضاف إلى ذلك: أنه (عليه‌السلام ) هو الهادي لهم، والمبين ما يختلفون فيه بعد وفاته كما قاله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكما أثبتته الوقائع والأحوال.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347