الضيعة على مخلفي، فأقرأ و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها( ١) ، و اما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء، فأقرأ و العاقبة للمتقين( ٢ ) ، و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ و حيل بينهم و بين ما يشتهون( ٣) .
«ليقتحم» الاقتحام ارتكاب الشديد، قال تعالى: فلا اقتحم العقبة( ٤ ) و قال الشاعر:
أقول و الناقة بي تقحم |
و أنا منها مكلئز معصم |
ويحك ما اسم امها يا علكم( ٥)
قالوا: الناقة النادة تسكن اذا سمّيت امها، و الجمل الناد اذا سمي أبوه.
«غفلته و يستلب» افتعال من السلب أي: يختلس «غرته» و لعمر اللّه كان خال مؤمني اخواننا كان كما وصفهعليهالسلام شيطانا ثانيا يأتي المرء من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته، فقال خطيبهم في (أول تاريخ بغداده): معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبيّ، فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.
و كيف كان فقال الجزري في (كامله) مع نصبه: لم يذكر الطبري في استلحاق معاوية لزياد حقيقة الحال، انما ذكر حكاية جرت بعد استلحاقه، و أنا أذكر سبب ذلك و كيفيته فان من الامور المشهورة الكبيرة في الاسلام و كان استلحاقه أول ما ردت به أحكام الشريعة علانية، فان النبيّصلىاللهعليهوآله
____________________
(١) هود: ٦.
(٢) الاعراف: ١٢٨ و القصص: ٨٣.
(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٨، و الآية ٥٤ من سورة سبأ.
(٤) البلد: ١١.
(٥) أورده أساس البلاغة: ٣٥٦، مادة (قحم) و لسان العرب ١٢: ٤٦٤، مادة (قحم).
قضى بالولد للفراش، و للعاهر الحجر و كان ابتداء حاله ان سمية ام زياد كانت لدهقان زند رود بكسكر، فمرض الدهقان، فدعا الحرث بن كلدة الطبيب الثقفي، فعالجه فبرأ، فوهبه سمية فولدت عند الحرث أبا بكرة و اسمه نفيع فلم يقر به ثم ولدت نافعا، فلم يقر به أيضا، فلما نزل أبو بكرة الى النبيّصلىاللهعليهوآله حين حصر الطائف قال الحرث لنافع: أنت ولدي، و كان الحرث زوّج سمية من غلام له اسمه عبيد و هو رومي، فولدت له زيادا و كان أبو سفيان بن حرب سار في الجاهلية الى الطائف فنزل على خمّار يقال له أبو مريم السلولي.
الى أن قال: فلما رأى معاوية أن يستميل زيادا باستلحاقه، و أحضر الناس و حضر من يشهد لزياد و كان فيمن حضر أبو مريم فقال له معاوية:
بم تشهد؟ قال: أنا أشهد ان أبا سفيان حضر عندي و طلب مني بغيّا، فقلت له:
ليس عندي إلاّ سمية. فقال: ايتني بها على قذرها و وضرها، فأتيته بها، فخلا معها، ثم خرجت من عنده و ان اسكتيها ليقطران منيا، فقال له زياد: مهلا أبا مريم، انما بعثت شاهدا، و لم تبعث شاتما، فاستلحقه معاوية( ١) .
و في (العقد): أول دعيّ كان في الاسلام و اشتهر زياد بن عبيد دعيّ معاوية، و كانت سمية ولدت زيادا و أبا بكرة و نافعا، فكان زياد ينسب في قريش، و أبو بكرة في العرب، و نافع في الموالي، فقال فيهم يزيد بن مفرغ:
ان زيادا و نافعا و ابا |
بكرة عندي من أعجب العجب |
|
ان رجالا ثلاثة خلقوا |
من رحم انثى مخالفي النسب |
|
ذا قرشي فيما يقول و ذا |
مولى و هذا ابن عمّه عربي |
و في (الاستيعاب): كان أبو بكرة يقول: انا من اخوانكم في الدين و ان
____________________
(١) كامل ابن الأثير ٣: ٤٤٣، سنة ٤٤.
أبي الناس إلاّ ان تسبوني فأنا نفيع بن مسروح( ١) .
و في (تاريخ الطبري): آل أبي بكرة ردهم المهدي في سنة (١٦٠) من نسبهم في ثقيف الى نفيع بن مسروح( ٢ ) . قلت: يفهم منه انهم انتسبوا الى الحرث بن كلدة الثقفي حتى ردهم.
«و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة» أي: فجأة «من حديث النفس» أي: الحكاية عن شخصه.
و في (نسب قريش مصعب الزبيري): المنذر بن الزبير هو الّذي شهد على قول عليعليهالسلام في زياد، قال: سمعت أبا سفيان بن حرب مقدم زياد من تستر من عند أبي موسى حين قدم على عمر و أمره أن يتكلم يخبر الناس بفتح تستر، فقام زياد فتكلم فأبلغ، فعجب الناس من بيانه و قالوا: ان ابن أبي عبيد لخطيب. قال عليعليهالسلام : فسمع ذلك أبو سفيان فأقبل عليّ و قال: ليس بابن عبيد و أنا و اللّه أبوه ما أقره في رحم امه غيري. قلت: فما يمنعك عنه؟ قال: خوف هذا يعني عمر فكان آل زياد يشكرون ذلك للمنذر، و كان المنذر منقطعا الى معاوية، و أوصى معاوية أن يحضر غسله و أمر له بمال، فكتب يزيد الى عبيد اللّه، فدفعه إليه، و أقطعه الدار التي تنسب الى الزبير بكلاء البصرة، و أقطعه منزلا بالبصرة، ثم بدا ليزيد فكتب الى عبيد اللّه يأمره بحبس ذلك المال عن المنذر و ان لا يدع المنذر يخرج من البصرة، و ذلك حين خالفه عبد اللّه بن الزبير، فخاف ان يلحق بأخيه فيكون ذلك المال عونا له، فأرسل إليه ابن زياد فأخبره الخبر و قال: قد أجلتك ثلاثا و خذ من وراء أجلي ما شئت، فانطلق المنذر قبل مكة و سار سيرا شديدا قال الراجز:
____________________
(١) الاستيعاب ٤: ٢٣.
(٢) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣، سنة ١٦٠.
تركن بالرمل قياما حسرا |
لو يتكلمن اشتكين المنذرا |
فكان مع أخيه حتى قتل في حصار الحصين بن نمير حصار ابن الزبير الأول. «و نزغة من نزغات الشيطان» في (الأساس): نزغه اذا طعنه و نخسه، و من المجاز «نزغه الشيطان» كأنه ينخسه ليحثه على المعاصي( ١) .
«لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها ارث» قال الشاعر:
زياد لست أدري من أبوه |
و لكن الحمار أبو زياد |
العرب تكنّي الحمار بأبي زياد، و قال آخر:
حمار في الكتابة يدّعيها |
كدعوى آل حرب في زياد |
و في (تاريخ الطبري): ذكر علي بن سليمان ان أباه حدثه قال: حضرت المهدي و هو ينظر في المظالم، اذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب، فقال له: من أنت؟ قال: ابن عمك. قال: أي: ابن عمي أنت؟
فانتسب الى زياد، فقال له المهدي: يا ابن سمية الزانية متى كنت ابن عمي، و غضب و امر به، فوجىء في عنقه و اخرج الى أن قال: فأمر المهدي بالكتاب الى هارون والي البصرة من قبله أن يخرج آل زياد من قريش و ديوانهم و العرب.
الى أن قال: ثم ان آل زياد بعد ذلك رشوا الديوان حتى ردهم الى ما كانوا عليه. الى أن قال بعد ذكر نسخة كتاب المهدي في كون استلحاق معاوية لزياد على خلاف كتاب اللّه و سنة رسوله: فلما وصل الكتاب الى محمد بن سليمان وقّع بانفاذه، ثم كلّم فيهم، فكف عنهم، و قد كان كتب الى عبد الملك بن أيوب النميري بمثل ما كتب به الى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس،
____________________
(١) أساس البلاغة: ٤٥٣، مادة (نزغ).
و كراهته ان يخرج أحد من قومه الى غيرهم( ١) .
و في العقد: لما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و نصر بن الحجاج عند معاوية في عبد اللّه بن حجاج مولى خالد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر مجلسه حتى يحتفل، فجلس معاوية و قد تلفع بمطرف خز أخضر و أمر بحجر فأدني منه و ألقى عليه طرف المطرف، ثم اذن لهما و قد احتفل المجلس فقال نصر: أخي و ابن أبي عهد إلى إنّه منه، و قال عبد الرحمن: مولاي و ابن عبد أبي و أمته ولد على فراشه. فقال معاوية: خذ هذا الحجر و كشف عنه فادفعه الى نصر، و قال: هذا مالك في حكم النبيّ. فقال نصر: أ فلا أجريت هذا الحكم في زياد. قال: ذاك حكم معاوية و هذا حكم النبيّصلىاللهعليهوآله .
و قال ابن أبي الحديد: قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة: ابتزازه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، و قتله حجرا و يا ويله من حجر و أصحاب حجر، و استلحاقه زيادا مراغمة لقول النبيّصلىاللهعليهوآله الولد للفراش و للعاهر الحجر( ٢) .
و قال: روى الشرقي بن القطامي ان سعيد بن أبي سرح مولى حبيب بن عبد شمس كان من شيعة عليعليهالسلام ، فلما قدم زياد الكوفة طلبه و أخافه، فأتى الحسنعليهالسلام مستجيرا به، فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته، فحبسهم، و أخذ ماله، و نقض داره، فكتب الحسن الى زياد: عمدت الى رجل من المسلمين له مالهم و عليه ما عليهم، فهدمت داره، و أخذت ماله، و حبست أهله و عياله، فاذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، و اردد عليه عياله، و ماله و شفعني فيه فقد أجرته.
____________________
(١) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣ ٣٦٦ سنة ١٦٠.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٣.
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان الى الحسن بن فاطمة: أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، و أنت طالب حاجة، و أنا سلطان و أنت سوقة، و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته، كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي، و رضى منك بذلك، و أيم اللّه لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك، و ان نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك، و ان أحب لحم علي ان آكله للحم الّذي أنت منه، فسلمه بجريرته الى من هو أولى به منك، فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، و ان قتلته لم أقتله إلاّ لحبه أباك الفاسق.
فلما ورد الكتاب على الحسنعليهالسلام تبسم و كتب بذلك الى معاوية و جعل كتاب زياد عطفه و كتب جواب زياد كلمتين لا ثالثة لهما «من الحسن بن فاطمة الى زياد بن سمية، اما بعد فان رسول اللّه قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر».
فلما قرأ معاوية كتاب زياد الى الحسنعليهالسلام ضاقت به الشام، و كتب الى زياد ان الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه اليك في ابن سرح، فأكثرت العجب منك، و علمت ان لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية، فأما الّذي من أبي سفيان فحلم و حزم، و أما الّذي من سمية فما يكون من رأي مثلها، من ذلك كتابك الى الحسن تشتم أباه و تعرض له بالفسق، و لعمري انك الأولى بالفسق من أبيه، فأما ان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، فان ذلك لا يضعك لو عقلت، و أما تسلطه عليك بالأمر، فحق لمثل الحسن أن يتسلّط، و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك، فحظ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك، و أما كتابك الى الحسن باسمه و اسم امه و لا تنسبه الى أبيه، فان الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان و الى أي ام وكلته
لا ام لك، أما علمت انها فاطمة بنت رسول اللّه، فذلك أفخر له لو كنت تعقل، و كتب شعرا من جملته:
أما حسن فابن الّذي كان قبله |
اذا سار الموت حيث يسير |
|
و هل يلد الرئبال إلاّ نظيره |
و ذا حسن شبه له و نظير |
|
و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا |
بأمر لقالوا يذبل و ثبير |
فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد، و ابن له داره، و أردد عليه ماله و لا تعرض له( ١) .
و قال: كتبت عائشة الى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه، ان كتبت زياد ابن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و ان كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت، فكتبت من ام المؤمنين الى ابنها زياد، فلما قرأه ضحك، و قال: لقد لقيت من هذا العنوان نصبا( ٢) .
قلت: و في (فتوح البلاذري) في انهار البصرة و من نسبت إليه قال ابو اليقظان: نسب نهر مرة الى مرة بن ابي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر و كان سريا سأل عائشة ان تكتب له الى زياد و تبدأ به في عنوان كتابها، فكتبت له و عنونته «الى زياد بن أبي سفيان من عائشة ام المؤمنين»، فلما رأى زياد أنها قد كاتبته و نسبته الى ابي سفيان سر بذلك و أكرم مرة و ألطفه و قال للناس: هذا كتاب ام المؤمنين إلى في مرة و عرض الكتاب عليهم ليقرأوا عنوانه، ثم اقطعه مائة جريب على نهر الابلة و أمر فحفر لها نهرا فنسب إليه( ٣) .
«و المتعلق بها كالواغل» قال الجوهري: الواغل في الشراب مثل الوارش
____________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٤.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٢٠٤.
(٣) فتوح البلدان: ٣٥٤.
في الطعام، قال امرؤالقيس:
و اليوم فاشرب غير مستحقب |
اثما من اللّه و لا واغل |
و قال ابن دريد: الواغل الداخل في القوم و هم يشربون و لم يدع إليه، كما ان الوارش و الراشن الداخل الى القوم و هم يأكلون و لم يدع إليه.
«المدفّع» قال الجوهري: المدفع بالتشديد الفقير و الذليل، لأن كلا يدفعه عن نفسه. و قال ابن دريد: الضيف المدفع الذي يتدافعه الحي فيحيله هذا على هذا، و رجل مدفّع اذا دفع عن نسبه.
في (الأغاني): كان الحجاج ينفي آل زياد من آل ابي سفيان و يقول:
آل أبي سفيان سته حمش |
و آل زياد رسح خدل |
و معنى «سته» ضخم الالية و مقابلها «الرسح»، و «الحمش» دقة الساق و مقابله «الخدل» و المراد أن السفيانيين ذوو أستاه عظيمة، و أسوق دقيقة، و الزياديين بالعكس.
و في (أنساب البلاذري) قال عقيبة الأسدي:
نجار فهر مبين في توسّمهم |
لكن نجار زياد غير معروف |
|
لستم قريشا و لكن أنتم نبط |
صهب اللحى و النواصي ضهية الليف |
فكان ابن زياد يذكر هذا البيت و يقول كذب ابن الفاعلة( ١) .
«و النوط» قال الجوهري: كل ما علق من شيء فهو نوط، و في المثل «عاط بغير أنواط» أي: يتناول و ليس هناك شيء معلق، و هذا نحو قولهم: «كالحادي و ليس له بعير» و «تجشأ لقمان من غير شبع»
____________________
(١) انساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.
«المذبذب» أي: المتحرك.
لما كتبوا الشهود على حجر كان فيهم «ابن بزيعة»، و هو شداد بن المنذر الذهلي، قال زياد: ألقوا هذا من الشهود، اما لهذا أب ينسب إليه، فقال:
ويلي على ابن الزانية، أو ليست أمه أعرف من أبيه، و اللّه ما ينسب إلاّ الى امة سمية.
و أتي زياد بعروة بن ادية و هو أول من سل سيفه من الخوارج و كان نجا من النهروان فسأله عن معاوية، فسبه سبّا قبيحا، ثم سأله عن نفسه، فقال: أو لك لزنية، و آخرك لدعوة، و أنت بعد عاص لربك، فأمر زياد به فضربت عنقه. و لكن في (أنساب البلاذري): أمر فقطعوا يديه و رجليه ثم امر بصلبه( ١) .
و فيه: كان عروة هرب فطلبه أشد طلب و جعل فيه جعلا، فوجد في سرب في دار، فقرأ عبيد اللّه قصته أنا وجدنا عروة يشرب في دار، فضحك و قال: كذبتم ليته كان يشرب. فقال له بعض من حضر: انما وجد بسرب( ٢) .
في (البلاغات): أتى زياد بامرأة من الخوارج، فلما همّ بقتلها تسترت بثوبها، فقال لها زياد: أ تسترين و قد هتك اللّه سترك، و أهلكك و أهلك قومك.
قالت: أي و اللّه أ تستر و لكن اللّه أبدى عورة امك على لسانك إذ أقررت بأن أبا سفيان زنى بها.
و أتى عبيد اللّه بن زياد بامرأة من الخوارج، فقطع رجلا لها، ثم قطع رجلها الاخرى و جذبها، فوضعت يدها على فرجها، فقال: لتسترينه. فقالت:
لكن سمية امك لم تكن تستره.
____________________
(١) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٨٢ و ٨٩.
(٢) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.
و في (شعراء ابن قتيبة): لما هجا ابن مفرغ عباد بن زياد أخذه عبيد اللّه بن زياد، و سقاه الزبد في النبيذ، و حمله على بعير، و قرن به خنزيره، و أمشاه بطنه مشيا شديدا، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصيء، فكلما صاءت قال ابن مفرغ:
ضجّت سمية لما مسّها القرن |
لا تجزعي انّ شرّ الشيمة الجزع |
فطيف به في أزقة البصرة و جعل الناس يقولون له: اين چيست؟ أي: ما هذا؟
و هو يقول:
اين است نبيد است |
سميه رو سفيد است |
فلما ألح عليه ما يخرج قيل لعبيد اللّه انه يموت، فأمر به فانزل و اغتسل، فلما خرج من الماء قال:
يغسل الماء ما فعلت و قولي |
راسخ منك في العظام البوالي |
و في (العقد): قال زياد ما هجيت ببيت أشد عليّ من قول الشاعر:
فكّر ففي ذاك ان فكّرت معتبر |
هل نلت مكرمة إلاّ بتأمير |
|
عاشت سمية ما عاشت و ما علمت |
ان ابنها من قريش في الجماهير |
و في (الاستيعاب) في زياد: دخل بنو امية على معاوية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم أيام استلحق زيادا، فقال له عبد الرحمن: يا معاوية لو لم تجد إلاّ الزنج لاستكثرت بهم علينا يعني على بني أبي العاص قلّة و ذلّة. فقال معاوية لأخيه مروان: أخرج عنّا هذا الخليع، أ لم يبلغني شعره فيّ و في زياد:
ألا أبلغ معاوية بن صخر |
لقد ضاقت بما تأتي اليدان |
|
أ تغضب ان يقال أبوك عفّ |
و ترضى أن يقال أبوك زان |
|
فأشهد أن رحمك من زياد |
كرحم الفيل من ولد الاتان |
و قال لمروان: لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضى عنه، فأتاه و أنشده:
اليك أبا المغيرة تبت مما |
جرى بالشام من جور اللسان |
|
زياد من أبي سفيان غصن |
تهادى ناضرا بين الجنان |
|
أراك أخا و عمّا و ابن عمّ |
فما أدري بعيني من تراني |
|
و أنت زياد في آل حرب |
أحبّ إلي من وسطى بناني |
فكتب له رضى، فأخذه و ذهب به الى معاوية، فلما قرأه قال: قبح اللّه زيادا أ لم يتنبه له إذ قال:
و أنت زياد في آل حرب( ١ ) و الى قول عبد الرحمن ينظر من قال في ابن أبي دؤاد كما في (تاريخ بغداد):
الى كم تجعل الاعراب طرا |
ذوي الارحام منك بكلّ واد |
|
تضم على لصوصهم جناحا |
لتثبت دعوة لك في أياد |
|
فأقسم ان رحمك في أياد |
كرحم بني امية من زياد |
أي: في كونه كرحم الفيل من ولد الاتان.
و في (تاريخ الطبري) بعد ذكر أمر عبيد اللّه بن زياد بقتل مسلم قال مسلم لعبيد اللّه: أما و اللّه يا ابن زياد لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني( ٢) .
و فيه في دخول أهل بيت الحسينعليهالسلام مجلس يزيد قال ابو مخنف:
ثم دعا يزيد بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل
____________________
(١) الاستيعاب ١: ٥٧٠ و ٥٧٣ و ٥٧٤.
(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٨٣ سنة ٦٠.
هذا بكم و لا بعث بكم هكذا( ١) .
و في (الوفيات): خرج المأمون يوما من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بصري اني تزوجت بامرأة من آل زياد و ان أبا الرازي فرّق بيننا و قال:
هي امرأة من قريش. فكتب إليه: بلغني ما كان من الزيادية و خلعك اياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت اليك العرب في أنسابها، و متى وكلتك قريش يا ابن اللخناء بأن تلصق بها من ليس منها، فخل بين الرجل و امرأته، فلئن كان زياد من قريش انه لابن سمية بغي عاهرة لا يفتخر بقرابتها، و لا يتطاول بولادتها، و لئن كان ابن عبيد لقد باء بأمر عظيم إذ ادعي الى غير أبيه بحظ تعجله، و ملك قهره.
(فلما قرأ زياد الكتاب) هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و لكن في (ابن أبي الحديد و الخطية) (كتابه)( ٢) .
قول المصنّف: (قوله عليه السلام الواغل) هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم و الخطية): «قوله كالواغل المدفّع الواغل» و في (ابن أبي الحديد) «الواغل»( ٣) .
(هو الذي يهجم على الشرب) بالفتح جمع شارب، كصحب جمع صاحب (ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا).
و في (تاريخ الطبري) أقبل مالك و عقيل و هما اللذان صارا نديمي جذيمة يريد انه من الشام، فلما كانا ببعض الطريق نزلا منزلا و معهما قينة لهما يقال لها أم عمرو، فقدمت اليهما طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل فتى
____________________
(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٣ سنة ٦١.
(٢) كذا في شرح ابن ميثم ٥: ٩٦، و لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧ مثل المصرية.
(٣) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٨.
عريان شاحب قد تلبد شعره، و طالت أظفاره، و ساءت حاله و هو عمرو بن عدي ابن اخت جذيمة الذي استطارته الجن، فضرب له جذيمة في الآفاق لا يقدر عليه فجاء حتى جلس ناحية منهما، فمد يده يريد الطعام، فناولته القينة كراعا، فأكلها، ثم مد يده اليها، فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها و أوكت زقها، فقال عمرو بن عدي:
صددت الكأس عنّا ام عمرو |
و كان الكأس مجراها اليمينا |
|
و ما شر الثلاثة ام عمرو |
بصاحبك الذي لا تصبحينا |
فسأله مالك و عقيل من أنت؟ فعرّف نفسه، فقالا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس منه الخ( ١) .
(و النوط المذبذب هو ما يناط) أي: يعلق (برحل الراكب من قعب). قال الجوهري: القعب قدح من خشب مقعر الخ. و في المثل: «أتاك ريان بقعب من لبن»( ٢) .
(أو قدح) قال الجوهري: واحد الأقداح التي للشرب (أو ما أشبه ذلك) من الأمتعة.
(فهو أبدا يتقلقل اذا حث طهره و استعجل سيره) و المراد حال العدو و شبهه، قال حسان:
و أنت دعيّ نيط في آل هاشم |
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد |
و يقال للدعي العربي من القوارير و ابن الزئبق و الملصق، قال بشار في عمرو الباهلي:
____________________
(١) تاريخ الطبري ١: ٤٤٢.
(٢) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١: ٤٢ و الزمخشري في المستقصى ١: ٣٧.
أرفق بعمرو اذا حركت نسبته |
فانه عربي من قوارير |
و قال آخر:
و تنقل من والد الى والد |
فكان امك أو أباك الزئبق |
و قال أبو فراس:
أيها المدعي سليما سفاها |
لست منها و لا قلامة ظفر |
|
انما أنت ملصق مثل واو |
ألصقت في الهجاء ظلما بعمرو |
٨ - الكتاب (٤٣) و من كتاب لهعليهالسلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ و هو عامله على أردشير خرّة:
بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ أَغْضَبْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اِعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً أَلاَ وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ أقول: رواه اليعقوبي مع جوابه، ففي (تاريخه): كتب عليعليهالسلام الى مصقلة و بلغه أنه يفرق و يهب أموال اردشير خره و كان عليها أما بعد، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدقه، انك تقسم فيء المسلمين في قومك، و من اعتراك من السألة و الأحزاب و أهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لافتشن عن ذلك تفتيشا شافيا، فإن وجدته حقا لتجدن
بنفسك عليّ هوانا، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.
فكتب مصقلة إليهعليهالسلام : أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين، فليسأل ان كان حقّا فليعجل عزلي بعد نكالي، و كل مملوك لي حر، و علي أيام ربيعة و مضر ان كنت رزأت من عملي دينارا و لا درهما و لا غيرهما منذ وليته الى أن ورد علي كتاب أمير المؤمنين، و لتعلمن أن العزل أهون علي من التهمة. فلما قرأ كتابه قال: ما أظن أبا الفضل إلاّ صادقا( ١) .
و نقل عن (تاريخ ابن واضح) روايته و رواه (أنساب اشراف البلاذري) في عنوان القول في ما كتبهعليهالسلام الى ولاته( ٢) .
و مر في فصل اخبارهعليهالسلام بالغيب قوله في مصقلة لما كان اشترى سبي بني ناجية من عامله و أعتقهم و لم يؤد الثمن و هرب الى معاوية قبّح اللّه مصقلة، فعل فعل السادة، و فر فرار العبيد الخ( ٣) .
قول المصنّف: (الى مصقلة) قال البلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان، فأخذوا عليه المضائق، فهلك مع جيشه، فضرب به المثل فقالوا:
حتى يرجع مصقلة من طبرستان( ٤) .
(و هو عامله في أردشير خرّه) قال الحموي: أردشير خرّه اسم مركب معناه بهاء اردشير، و هي من أجل كور فارس، و منها مدينة شيراز( ٥) .
____________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.
(٢) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٢: ١٦٠، و اما تاريخ ابن واضح فهو نفس كتاب تاريخ اليعقوبي.
(٣) مر في العنوان ١٠ في فصل أخباره (ع) بالملاحم و هو الفصل التاسع.
(٤) فتوح البلدان: ٣٣٠.
(٥) معجم البلدان ١: ١٤٦.
و في (أنساب البلاذري): و كان على أردشير خرّه من قبل ابن عباس( ١) .
قولهعليهالسلام «بلغني عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت الهك و أغضبت امامك» ان اللّه لا يحبّ الخائنين( ٢ ) و ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين( ٣ ) ان اللّه لا يحب كلّ خوّان كفور( ٤ ) ان اللّه لا يحب من كان خوّانا أثيما( ٥ ) و لا تكن للخائنين خصيما( ٦ ) ، و البلاذري بدل «فقد اسخطت الهك و أغضبت امامك».
«فقد أتيت شيئا ادا»( ٧) .
«انك» ليس في نسخة ابن ميثم( ٨ ) «تقسم فيء المسلمين» قال الجوهري:
الفيء: الخراج و الغنيمة «الذي حازته» قال الجوهري: من ضم الى نفسه شيئا فقد حازه «رماحهم و خيولهم» أي: حازوه بهما «و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك» هكذا في (المصرية)، و لكن في ثم «اعتماك»، و نسبه ابن أبي الحديد الى رواية( ٩ ) ، و المعنى واحد. قال الجوهري: و اعتميت الشيء اخترته، و هو قلب الاعتيام.
«من أعراب قومك» و في (أنساب البلاذري) بدله «من أعراب بكر بن وائل»( ١ ) ٠.
____________________
(١) انساب الاشراف ٢: ١٦٠.
(٢) الانفال: ٥٨.
(٣) يوسف: ٥٢.
(٤) الحج: ٣٨.
(٥) النساء: ١٠٧.
(٦) النساء: ١٠٥.
(٧) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.
(٨) توجد في نسختنا من شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.
(٩) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥: ٩٤ مثل المصريّة.
(١٠) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.
و في (المروج): استبد سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان بالأموال و قال بعض الايام و كتب به الى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش، فقال له الاشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك( ١) .
«فو الذي فلق الحبة» و في بعض الأدعية «يا فالق الحب و النوى»( ٢) .
«و برأ» أي: خلق «النسمة» أي: الإنسان، و زاد البلاذري: و أحاط بكلّ شيء علما( ٣) .
«لئن كان ذلك حقا لتجدن بك» هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و نقله ابن أبي الحديد: «لك» و نسب «بك» الى رواية( ٤) .
«علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا» و في (عيون ابن قتيبة): كان زياد اذا ولّى رجلا قال له: خذ عهدك و سر الى عملك، و اعلم انك مصروف الى رأس سنتك، و انك تصير الى أربع خلال فاختر لنفسك: انا ان وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك و سلمتك من معرتنا أمانتك، و ان وجدناك خائنا قويا استهنا بقوتك و أحسنا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك و أثقلنا غرمك، و ان جمعت علينا الحرمين جمعنا عليك المضرين، و ان وجدناك أمينا قويا رددناك في عملك و رفعنا لك ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا عقبك.
«فلا تستهن» أي: لا تستخف «بحق ربك» فلا حق فوق حقه «و لا تصلح دنياك بمحق» أي: محو «دينك» فتكون كمن محا نفيسا بخسيس «فتكون من الأخسرين أعمالا» أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت
____________________
(١) مروج الذهب ٢: ٣٣٧.
(٢) رواه ابن الأثير في النهاية ٣: ٤٧١، مادة (فلق).
(٣) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.
(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.
تجارتهم و ما كانوا مهتدين( ١) .
و في رواية اليعقوبي و البلاذري زيادة الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٣) .
«ألا و ان حق من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء» فيه اشارة الى كون عمل عمر في تفضيل الأشراف على خلاف الشريعة (يردون عندي عليه و يصدرون عليه) و لا يمكن تبديله و تغييره.
٩ - الكتاب (٤٠) و من كتاب لهعليهالسلام إلى بعض عماله:
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ أقول: جعله عقد ابن عبد ربه كتابهعليهالسلام الى ابن عباس فيما اشتهر عنه من الخيانة لما كان في البصرة، و جعل ما ننقله بعد في العنوان الآتي كتابهعليهالسلام إليه بعد رحلته من البصرة الى مكة. فقال: روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد ان ابن عباس مر على أبي
____________________
(١) البقرة: ١٦.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٢، و انساب الأشراف ٢: ١٦١.
(٣) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤.
الأسود فقال له: لو كنت من البهائم كنت جملا و لو كنت راعيا ما بلغت. فكتب أبو الأسود الى عليعليهالسلام : ان اللّه جعلك واليا و مؤتمنا و راعيا مسئولا، و قد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للامة توفر لهم فيأهم و تكفّ نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم و لا ترتشي بشيء في أحكامهم، و ابن عمك قد أكل ما تحت يديه من غير علمك فلم يسعني كتمانك ذلك.
قال: فكتبعليهالسلام إليه: أما بعد فمثلك نصح الإمام و الامة و والى على الحق و فارق الجور، و قد كتبت لصاحبك بما كتبت إلي فيه و لم أعلمه بكتابك الي، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك جدير و هو حق واجب للّه عليك.
و كتبعليهالسلام الى ابن عباس: اما بعد، فقد بلغني عنك أمران كنت فعلته فقد أسخطت اللّه و أخزيت امانتك و عصيت امامك و خنت المسلمين، بلغني انك خربت الأرض و أكلت ما تحت يدك، فارفع الي حسابك و اعلم ان حساب اللّه أعظم من حساب الناس.
و في (أنساب البلاذري): قالوا و استعمل عليعليهالسلام عبد اللّه بن عباس على البصرة، و استعمل أبا الأسود على بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود الخ مثله( ١) .
قول المصنّف: (و من كتاب لهعليهالسلام الى بعض عمّاله) قد عرفت من (مستنده) أن المراد به ابن عباس كالعنوان الآتي، الا ان الكلام في صحته، و لعله لذا أجمله المصنف مع انك عرفت في أوّل الكتاب ان ابن ميثم لم ينقله رأسا.
قولهعليهالسلام «أما بعد فقد بلغني» بكتابة أبي الأسود، و لم يذكرهعليهالسلام لئلا
____________________
(١) انساب الأشراف ٢: ١٦٩.
يوجب تشديد العداوة بينهما.
«عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت ربك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك» في (عيون ابن قتيبة): دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة و هو أمير البصرة، فقال له: اني قرأت في بعض الكتب عن اللّه تعالى: أيا راعي السوء دفعت اليك غنما سمانا سحاحا، فأكلت اللحم، و شربت اللبن، و ائتدمت بالسمن، و لبست الصوف، و تركتها عظاما تتقعقع.
و فيه أيضا: في كتاب ابرويز الى ابنه: اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فاذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترىء عليك في الكبير.
و فيه أيضا: قال أبرويز لصاحب بيت ماله: اني لا احتملك على خيانة درهم، و لا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك انما تحقن بذلك دمك، و تعمّر به أمانتك، فانك ان خنت قليلا خنت كثيرا، و احترس من الخصلتين:
النقصان فيما تأخذ، و الزيادة فيما تعطي.
«بلغني أنك جردت الأرض» أي: أكلتها كالجراد تأكل نبت الأرض من جردت الجراد الأرض، و به سمي الجراد.
«فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك» لا يخفى لطف الكلام.
و في (العيون): ذكر اعرابي رجلا خائنا فقال: ان الناس يأكلون أماناتهم لقما، و ان فلانا يحسوها حسوا.
و ولّى حارثة بن بدر، فسرق، فكتب إليه أنس الدؤلي:
أحار بن بدر قد وليت ولاية |
فكن جرذا فيها تخون و تسرق |
و قدم بعض عمّال السلاطين من عمل، فدعا قوما فأطعمهم و جعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال تعالى: سمّاعون
إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو اتهامهم بالسعي لتأييد مفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته "عليهالسلام " حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة الشريفة..
وقد جرى هذا الصنع الإلهي له "عليهالسلام " حيث كان لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه تعالى له، وعنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الإهتداء إلى نور ولايته أيسر، ويكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذين سوف تترك لمسات ذباب سيفه "ذي الفقار" آثارها في أعناق المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم صلة أو رابطة من أي نوع..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
ثم إن هذا الرصيد الوجداني، قد هيأه الله لهم ليختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضل علي "عليهالسلام " وإمامته، ثم جاء الواقع العملي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ووقوفهم على ما حباه الله به من ألطاف إلهية، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله، ومن عباده المخلصين.
وذلك سيجعلهم يدركون: أنه "عليهالسلام "، لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له "عليهالسلام "، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، والضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
ولادة علي(عليهالسلام) في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي "عليهالسلام "، في الكعبة المشرفة، لطف إلهي، بالأمة بأسرها، حتى بأولئك الذين وترهم الإسلام، وهو سبيل هداية لهم ولها، وسبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان، عن الإمعان في الطغيان، والعدوان، وعن الإنسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي "عليهالسلام " وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته "عليهالسلام "، في الكعبة سبباً أو منشأً لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد
حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وإلى صفاته، وإلى النبوة، وتدلهم على النبي، وتؤكد صدقه، وتلزم الناس كلهم بالإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى التسليم باليوم الآخر ـ إن هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فإن الله تعالى لم يصنع لرسوله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه، لا بد لهم من الخضوع والبخوع له، وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى، في سياسية الهداية الإلهية
إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس، وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة. فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه، إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه، لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو إضعافه.
نشـأة علي (عليهالسلام )..
علي(عليهالسلام) في كنف الرسول(صلىاللهعليهوآلهوسلم) :
ورد في رواية يزيد بن قعنب: أن فاطمة بنت أسد ولدت علياً "عليهالسلام " ولرسول الله"صلىاللهعليهوآلهوسلم " ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حباً شديداً. وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.
وكان "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر علياً "عليهالسلام " في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله على صدره، ويقول: هذا أخي، ووليي، وناصري، وصفيي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي.
وكان يحمله دائماً، ويطوف به جبال مكة، وشعابها، وأوديتها(١) .
____________
١- بحار الأنوار ج٣٥ ص٩ و ١٠وكشف اليقين ص١٩ـ ٢١ وبشارة المصطفى ص٧ و ٨ وكشف الغمة ج١ ص١٢٦و ١٢٧و (ط دار الأضواء) ص٦١ وكتاب الأربعين ص٦١ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢١٩ وخصائص الوحي المبين ص٢٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٧٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٥٧.
وقال المعتزلي: "عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين "عليهالسلام ": سمعت زيداً ـ أبي ـ يقول: كان رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يمضغ اللحمة والثمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم علي "عليهالسلام "، وهو صغير في حجره"(١) .
وفي خطبته "عليهالسلام " المسماة بالقاصعة يقول عن رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": "وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل..".
إلى أن قال: "ولقد كنت أتبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري".
ونقول:
لاحظ ما يلي:
لماذا في غار حراء؟!:
وقد ذكر "عليهالسلام " أنه كان مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حين
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٣ و ٣٢٤ وشرح أصول الكافي ج٢ ص٢٩٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٢.
يكون في حراء فيراه ولا يراه غيره، لم يكن "عليهالسلام " مجرد متفرج على رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، بل كان يشاركه في تعبده وتخشعه.
والذي نراه: أن تعبده "صلىاللهعليهوآلهوسلم " هو وعلي "عليهالسلام " بحراء لم يكن عفوياً، بل كان له سبب هام جداً، وهو أن الأصنام قد وضعت حول الكعبة وفيها وعليها، فلم يكن يتعبد عندها أو فيها كراهة أن يتخيل أحد أنه إنما يسجد للأصنام، أو يخضع لها، أو أنه يُكِنُّ لها في نفسه شيئاً من الإحترام الذي يزعمونه.
ويلاحظ: أن بني هاشم وعلى رأسهم عبد المطلب وأبو طالب لا يُذْكَرُون في جملة المترددين على الكعبة، أو في جملة الذين يجلسون عندها، أو في جملة من كان يعظم تلك الأصنام، ربما لأنهم كانوا أيضاً على دين الحنيفية، ويريدون أن ينأوا بأنفسهم عن أن يتوهم في حقهم أي تقديس لتلك الأصنام.
لو ولدت الزهراء( عليهاالسلام ) قبل البعثة!!:
وقال "عليهالسلام ": "ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام، غير رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة"(١)
____________
١- نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة القاصعة رقم ١٩٢ ج٢ ص١٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٨٠ والطرائف لابن طاووس ص٤١٤ ـ ٤١٥ وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص٢٢٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٢٣ وحلية الأبرار ج٢ ص٣٠ وبحـار الأنـوار ج١٤ ص٤٧٥ وج١٥ = = ص٣٦١ وج٣٨ ص٣٢٠ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٤٣٦ والأنوار البهية ص٣٥ وجامع أحاديث الشيعة ج١ ص٦٨ والغدير ج٣ ص٢٤٠ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٣٣١ وسنن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " للسيد الطباطبائي ص٤٠٣ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٥٣١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص١٩٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص٥٣٢.
ويدل هذا الكلام على: أن فاطمة الزهراء "عليها السلام" قد ولدت بعد البعثة، إذ لو كانت قد ولدت قبل البعثة بخمس سنين ـ كما يزعمون ـ لم يصح قوله "عليهالسلام ": لم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وخديجة وأنا ثالثهما.
كما أن قوله "عليهالسلام ": إنه سمع رنة الشيطان حين البعثة يدل على عدم صحة قولهم: إن الوحي نزل على النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وهو في حراء، وكان وحده، فرجع إلى خديجة يرجف.
العلاقة بين النبي(صلىاللهعليهوآلهوسلم) وعلي(عليهالسلام) :
وعن الفضل بن عباس: سألت أبي عن ولد رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " الذكور: أيهم كان رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " له أشد حباً؟!
فقال: علي بن أبي طالب "عليهالسلام ".
فقلت له: سألتك عن بنيه؟!
فقال: إنه كان أحب إليه من بنيه جميعاً وأرأف. ما رأيناه زايله يوماً من الدهر، منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفر لخديجة. وما رأينا أباً أبر بابن منه لعلي "عليهالسلام "، ولا أبناً أطوع لأب من علي له(١) .
وروى جبير بن مطعم، قال: قال أبي مطعم بن عدي لنا، ونحن صبيان بمكة: ألا ترون حب هذا الغلام ـ يعني علياً "عليهالسلام " ـ لمحمد "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، واتَّباعه له دون أبيه؟! واللات والعزى، لوددت أنه أبني بفتيان بني نوفل جميعاً(٢) .
إن جبير بن مطعم يود أن علياً "عليهالسلام " ولده، حتى لو خسر جميع فتيان بني نوفل.
ولادة علي(عليهالسلام) قبل زواج خديجة:
اتضح مما سبق: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حين ولادة علي "عليه
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٥ ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص٤٦.
٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠١ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٥.
السلام" كان لا يزال في بيت أبي طالب، وقد طلب من فاطمة بنت أسد أن تجعل مهده بقرب فراشه، فكان هو "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يتولى أكثر تربيته..
وهذا يعني: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لم يكن قد تزوج بخديجة، إذ لو كان قد تزوجها لكان فراشه في بيته، لا في بيت أبي طالب.. ولكان من غير الطبيعي أن يتولى هو أكثر تربية علي "عليهالسلام ".
وهذا يعطي: أن الرواية الصحيحة في تاريخ زواج النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بخديجة هي تلك التي تقول: إنه قد تزوجها وهو في سن الخامسة أو الثالثة والثلاثين، أي بعد ولادة علي "عليهالسلام " بخمس أو ثلاث سنوات، فراجع(١) .
خصني بالنظر وخصصته بالعلم:
قال ابن شهراشوب: "وسمعت مذاكرة: أنه لما ولد علي "عليهالسلام " لم يفتح عينيه ثلاثة أيام، فجاء النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، ففتح عينيه، ونظر إلى النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فقال صلوات الله عليه: خصني بالنظر، وخصصته بالعلم"(٢) . أي أنه "عليهالسلام " لا يريد أن يفتح عينيه إلا على مصدر الخير والبركات.. كما أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " حباه بالخير كله حين
____________
١- راجع: كتابنا: الصحيح من سيرة النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " (الطبعة الرابعة) ج٢ ص١١٤ و (الطبعة الخامسة) ج٢ ص١٩٩.
٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص١٤٦.
خصه بالعلم.
ولعل ذلك قد حصل في الأيام التالية للولادة بأن يكون "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قد غاب عنه، فلم يفتح عينيه في وجه أحد إلا في وجه رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم ".
النبي(صلىاللهعليهوآلهوسلم) يخبر بالغيب عن علي(عليهالسلام) :
ثم إن ما ورد على لسان النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " من أن علياً "عليهالسلام " وصيه وزوج ابنته، وناصره، وخليفته يؤكد ما قلناه أكثر من مرة، من أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كان نبياً منذ صغره، إذ لا سبيل إلى معرفة هذه الأمور إلا بالوحي الإلهي.. لا سيما وأن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لم يكن قد تزوج بعد، وإن كان قد تزوج بالفعل، فإن الزهراء "عليها السلام" لم تكن قد ولدت أصلاً بالإتفاق..
علي (عليهالسلام ) يشير إلى معنى العصمة:
وفي قول أمير المؤمنين "عليهالسلام " في خطبته القاصعة: "وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل" إشارة إلى عصمته "عليهالسلام " منذ صغره.. وهذا يؤكد كمال عقله، وتحليه بالكمالات التي تفرض سلامة الفكر، والقول، والعمل. ويدل أيضاً على أن طفولته لم تكن طفولة طيش، وهوى، بل هي محض الاتزان، والحكمة، والوعي، والإلتزام..
النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) تولى تغذية علي (عليهالسلام ):
قال برهان الدين الحلبي: "فلم يزل علي "عليهالسلام " مع رسول الله
"صلىاللهعليهوآلهوسلم "..".
وفي خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " تولى تسميته بعلي، وتغذيته أياماً من ريقه المبارك، يمص لسانه، فعن فاطمة بنت أسد، أم علي "رضي الله تعالى عنها" قالت: "لما ولدته سماه علياً، وبصق في فيه. ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام.
فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة، فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمداً "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله"(١) .
وفي نص آخر عن فاطمة بنت أسد: كنت مريضة فكان محمد "صلىاللهعليهوآلهوسلم " يمص علياً "عليهالسلام " لسانه في فيه، فيرضع بإذن الله(٢) .
أحب الناس إلى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ):
روي عن عائشة وابن العاص: أنهما سألا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟!
فقال: أبو بكر.
____________
١- السيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج١ ص٢٦٨ و (ط دار المعرفة سنة ١٤٠٠هـ) ج١ ص٤٣٢ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية)، والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٥٣٢.
٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٦٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٨ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣١٨ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٣٧٨ والأنوار العلوية ص٣٨.
قالا: ثم من؟!
قال: عمر.
فقال فتى من الأنصار: يا رسول الله، فما بال علي؟!
فقال له النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": ما ظننت أن أحداً يُسْأَل عن نفسه(١) .
مع أن عائشة تروي عن رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " أنه قال: إن أحب الناس إليه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " فاطمة "عليها السلام" من النساء، وعلي "عليهالسلام " من الرجال(٢) .
____________
١- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج٢ ص٢٧٢ وعن: السيوطي في كتاب اللآلي المصنوعة (ط١) ج١ ص١٩٨ بطرق ثلاثة أو أربعة وروى بعضها أيضاً تحت الرقم: (٣٦١) من باب فضائل علي "عليهالسلام " من كنز العمال (ط٢) ج١٥ ص١٢٥.
٢- راجع المصادر التالية: المسترشد للطبري ص٤٤٩ و ٤٥٠ وشرح الأخبار ج١ ص١٤٠ و ٤٢٩ وج٣ ص٥٥ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١١١ والفضائل ص١٦٩ والطرائف ص١٥٧ وذخائر العقبى ص٣٥ ص٦٢ وبحار الأنوار ج٣٢ ص٢٧٢ وج٣٧ ص٧٨ وج٣٨ ص٣١٣ وج٤٣ ص٣٨ و ٥٣ وج٣ ص١٥٧ ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص١٤٥ و ١٤٦ و ١٥١ و ٢٣٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٢ ص٣٠٢ والغدير ج١٠ ص٨٦ ومكاتيب الرسول ج٣ ص٦٧٢ وسنن الترمذي ج٥ ص٣٦٢ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٧ ونظم درر السمطين ص١٠٢ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص١٠٩ وتاريخ بغداد ج١١ ص٤٢٨ وكنز العمال ج١٣ ص١٤٥ = = وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٦١ و ٢٦٣ و ٢٦٤ وتهذيب الكمال ج٥ ص١٢٦ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص١٢٥ و ١٣١ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله "عليهم السلام" للبري ص١٧ وإعلام الورى ج١ ص٢٩٥ والمناقب للخوارزمي ص٧٩ وكشف الغمة ج١ ص٩٤ وج٢ ص٩٠ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي "عليهالسلام " ج١ ص٥٣ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج٢ ص٣٩ و ٥٥ و ١٥١ و ٣٢٠ واللمعة البيضاء للتبريزي ص١٧٩ والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص٥٠.
فأيهما نصدق؟! عائشة في قولها الثاني؟! أم عمرو بن العاص وعائشة في القول الأول؟!
وعن شريح بن هاني عن أبيه، عن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " من علي بن أبي طالب(١).
كفالة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) لعلي (عليهالسلام ):
ورووا: "أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لعمه العباس ـ وكان (من) أيسر بني هاشم ـ:
____________
١- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٦٠ وعن كفاية الطالب ص١٨٤ وقال: هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته.
يا أبا الفضل، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه.
فقال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه.
فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً، فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " علياً "عليهالسلام "، فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً، فضمه إليه، فلم يزل علي "عليهالسلام " مع رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، حتى بعثه الله نبياً، فاتَّبعه وصدقه.
ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم، واستغنى عنه(١) .
____________
١- المستدرك على الصحيحين ج٣ ص٥٦٧ الحديث رقم (٦٤٦٣)، وبحار الأنوار ج١٨ ص٢٠٨ و ٢٠٩ وج٣٥ ص٢٤ و ٢٥ وج٣٥ ص٤٣ وج٣٨ ص٢٣٧ وراجع ص٢٩٤ و ٣١٥ وج٤٢ ص١١٥و ٤٣ و ٤٤ و ٢٤ و ٢٥ وراجع ما يلي: الطرائف لابن طاووس ص١٧ وكنز الفوائد للكراجكي ص١١٧ و (ط دار الذخائر) ص٢٥٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص١٩٨ و ١٩٩ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٥٧ والكامل لابن الأثير ج٢ ص٥٨ وكشف الغمة ج١ ص١٥٢ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص١٨١ و ١٨٢ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٤١ و ٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٢٩ ونور الأبصار ص٧٧ ومجالس ثعلب ج١ ص٢٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١ ص١٣٦ وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج٢ ص٣٤٦ = = ومقاتل الطالبيين ص٢٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج١ ص١٦٢ وسبل الهـدى والرشاد ج٢ ص٣٠١ ودلائل النبوة للبيهقي ج٢ ص١٦٢ والمناقب للخوارزمي ص٥١ ومطالب السؤول ص٥٨ وعيون الأثر ج١ ص١٢٤ والبداية والنهاية ج٣ ص٢٥ و (ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤٠٨هـ) ج٣ ص٣٤ وعلل الشرائع ج١ ص٢٠١ و ٢٠٢ و (ط المكتبة الحيدرية سنة ١٣٨٥هـ) ج١ ص١٦٩ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٧٩ و ١٨٠ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ عن الطبري، والبلاذري، والواحدي، وتفسير الثعلبي، وشرف النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وأربعين الخوارزمي، ودرجات محفوظ البستي، ومغازي محمد بن إسحاق، ومعرفة أبي يوسف الفسوي، وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٤ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص١٤٨ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص١٠ وإعلام الورى ج١ ص١٠٥ و ١٠٦ وروضة الواعظين ص٨٦ ونزهة المجالس للصفوري الشافعي (ط سنة ١٣١٠ هـ) ج١ ص١٦٤ والعمدة لابن البطريق ص٦٣ وذخائر العقبى ص٥٨ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٧ و ٤٧ ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص٣٧ والسيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج١ ص٢٦٨ و (ط دار المعرفة سنة ١٤٠٠هـ) ج١ ص٤٣٢ وغاية المرام ج٥ ص١٥٤.
وقد صرحت بعض نصوص الرواية: بأن ذلك قد حصل، وكان عمر
علي "عليهالسلام " ست سنين(١) .
ونقول:
أولاً: هناك اختلاف واضح في نصوص الرواية، فلاحظ ما يلي:
ألف: في الرواية: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قال للعباس ما قال، فوافقه، وأخذ العباس جعفراً.
وفي رواية أخرى: أنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قال ذلك للحمزة والعباس، وأن الذي أخذ جعفراً هو الحمزة. وأما العباس، فأخذ طالباً. وكان معه إلى يوم بدر، ثم فقد(٢) .
ب: الرواية المتقدمة ذكرت: أن العباس أخذ جعفراً، لكن رواية أخرى
____________
١- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبـة الحيدريـة) = = ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ و ٢٩٥ والأنوار العلوية ص٣٨ وينابيع المودة ج١ ص٤٥٦.
٢- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ و ٢٩٥ ومقاتل الطالبيين ص١٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج١ ص٣٥٣ و ٣٥٤ وينابيع المودة ج١ ص٤٥٦ وعقيل ابن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص٢٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٣ وج٨ ص١٠٠ وج٩ ص١٢٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٧ ص٧٥.