وقيل: خمس عشرة سنة"(١) .
وقال الصفوري الشافعي: "وكان إسلامه قبل أن يولد علي بن أبي طالب"(٢) .
ومستندهم في ذلك، الرواية التي ذكرها الدياربكري عن ابن عباس وهي تحكي لنا قصة بحيرا، جاء في آخرها قوله: فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق قبل ما نبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "(٣) .
وما رووه عن أبي موسى الأشعري، من أنه لما سافر النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " مع عمه أبي طالب إلى الشام، ونزلوا على بحيرا، عرفهم بحيرا الراهب، وألح على عمه أبي طالب بأن يرجعه إلى مكة، فرده، وبعث معه أبو بكر بلالاً(٤) . وتيقن أبو بكر بنبوته منذئذٍ.
____________
١- الغدير ج٧ ص٢٧٢.
٢- نزهة المجالس ج٢ ص١٤٧.
٣- تاريخ الخميس ج١ ص٢٦١.
٤- راجع: الثقات لابن حبان ج١ ص٤٢ والبداية والنهاية ج٢ ص٢٨٥ وتاريخ الأمم والملوك( ط الإستقامة) و( ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٣٣ وتاريخ الإسلام ج١ ص٥٥ وإمتاع الأسماع ج٨ ص١٧٥ وكشف الخفاء ج١ ص١٤١ وتاريخ الخميس ج١ ص٢٥٨ والسيرة الحلبية ج٢ ص١٢٠ وج١ ص١٩٥ والمستدرك للحاكم ج٢ ص٦١٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٤٣٥ وتاريخ بغداد ج١٠ ص٢٥١ وعيون الأثر ج١ ص٦٣ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص١٤٠ ودلائل النبوة للأصبهاني ج١ ص٣٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج٣ ص٤ و ٥ وسنن الترمذي ج٥ ص٢٥٠، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفي السيرة النبوية لدحلان ج١ ص٤٩: أنه رجع إلى مكة ومعه أبو بكر وبلال.
ونقول:
إن ذلك لا يمكن أن يصح، وذلك لما يلي:
أولاً: إنهم يقولون: إن عمر النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " آنئذٍ كان أحد عشر سنة، بل قيل: كان عمره تسع سنين(١) .
ويقولون أيضاً: إن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كان أسن من أبي بكر بأكثر من سنتين، وأبو بكر كان أسن من بلال بعدة سنين تتراوح ما بين خمس إلى عشر سنوات(٢) .
____________
١- راجع: تاريخ الأمم والملوك( ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٣٣ والبداية والنهاية ج٢ ص٢٨٦ والسيرة الحلبية ج١ ص١٢٠ و( ط دار المعرفة) ج١ ص١٩٦ وقال: إن صاحب الهدى قد رجح هذا القول.. وراجع: بحار الأنوار ج١٥ ص٣٦٩ والغدير ج٧ ص٢٧٨.
٢- راجع: السيرة الحلبية ج١ ص١٢٠ و( ط دار المعرفة) ج١ ص١٩٦ لكن ذكر ابن حبان، وكذا الإصابة ج١ ص٦٥ عن أبي نعيم، وإمتاع الأسماع ج٩ ص١١٠: أن بلالاً كان ترباً لأبي بكر.. لكن الأشهر والأكثر هو ما ذكرناه.
فلعل بلالاً لم يكن ولد حين سفر النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " إلى الشام، فكيف يقال: إن أبا بكر الذي كان آنئذٍ طفلاً كان في ذلك السفر، وأنه أرسل بلالاً مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كي يوصله إلى مكة؟!
ثانياً: إن بلالاً لم يكن له أي ارتباط بأبي بكر، وإنما كان يملكه أمية بن خلف، فإن كان أبو بكر قد اشتراه ـ كما يزعمون ـ فإنما حصل ذلك بعد ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ(١) ..
وإن كنا قد قلنا: إن في الروايات ما يدل على أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " هو الذي اشترى بلالاً، وأن أبا بكر لم يملكه أصلاً(٢) .
ثالثاً: صرح بعض المؤرخين: بأن أبا بكر لم يكن في ذلك السفر أصلاً، ولعله لأجل ذلك قال الذهبي عن هذا الحديث: أظنه موضوعاً، بعضه باطل(٣) ..
وشكك فيه ابن كثير، وحكم عليه الترمذي بالغرابة. فراجع.
____________
١- راجع: تاريخ الخميس ج١ ص٢٥٩ عن حياة الحيوان، عن الحافظ الدمياطي. وراجع: سيرة مغلطاي ص١١.
٢- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآلهوسلم " (الطبعة الخامسة) ج٣ الفصل الأول من الباب الثالث.
٣- تاريخ الخميس ج١ ص٢٥٩ والسيرة الحلبية ج١ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ج١ ص١٩٧.
علي(عليهالسلام) أول الصبيان إسلاماً:
وقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بعض ما يرتبط بمقولة: أن علياً "عليهالسلام " كان أول من أسلم من الصبيان، ليكون أبو بكر أول الرجال إسلاماً، وخديجة الأولى من النساء، والأول من الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال(١) .
ونزيد هنا ما يلي:
أولاً: لماذا لم يستطرد من ابتدع هذه الفكرة، فيذكر لنا أول من أسلم من الأغنياء، ومن الفقراء، ومن الطوال، ومن القصار، ومن البيض، ومن السود، ومن أهل هذا البلد وذاك، ومن التجار، ومن المزارعين.. وهكذا إلى ما لا نهاية..
ثانياً: إن أولية إسلام علي "عليهالسلام " بالنسبة لخصوص الصبيان لا تتلاءم مع اعتبار ذلك من فضائل وامتيازات أمير المؤمنين "عليهالسلام " ومن مفاخره على رجال ونساء الأمة بأسرها.
وكان النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " أول من جعل ذلك من مفاخره. فراجع ما يرتبط بزواج فاطمة "عليها السلام"، حيث ذكر أنه زوجها أقدم الأمة إسلاماً، أو "أولهم سلماً"(٢) .
____________
١- راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآلهوسلم " (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٦١ و (الطبعة الرابعة) ج٢ ص٣٣١.
٢- راجع: المناقب للخوارزمي ص١٠٦ وكشف الغمة للإربلي ج ١ ص ١٤٨ و٣٧٤ والغدير للشيخ الأميني ج٢ ص٤٤ ج٣ ص٩٥٤ و ٢٢٠ وج٩ ص٣٩٤ والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص٩٣ و ١٤٤ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٣ ص٢٥٧ وج١٣ ص٢٢٧ وكنز العمال ج١١ ص٦٠٥ وج١٣ ص١١٤ و ١٣٥ ومناقب الإمـام أمـير المـؤمنين "عليهالسلام " للكـوفي ج١ ص٢٩٠ والعثمانيـة = = للجاحظ ص٢٨٩ وفضائل أمير المؤمنين "عليهالسلام " لابن عقدة الكوفي ص٢٤ و ١٠٢ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص٩٨ وشرح الأخبار ج٢ ص٣٦٠ وكنز الفوائد للكراجكي ص١٢١ وبحار الأنوار ج٣٨ ص١٩ وج٤٣ ص١٣٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص١٥١ و ١٥٢ و ١٥٥ وج١٥ ص٣٢٥ و ٣٣٨ و ٣٣٩ و ٣٤٠ و ٤١٠ وج٢٠ ص٢٧١ وج٢٢ ص١٤٢ و ١٥٣ و ١٨٦ و ٢٥٦ و ٣٥٩ و ٣٦٠ وج٢٣ ص٥٢٦ و ٥٢٩ و ٥٣٧ و ٦١١ و ٦١٤ وج٣١ ص٢٦٨ وج٣٢ ص٤٦ و ٢١١ وج٣٣ ص٣٢٤ و ٣٢٦ و ٣٢٧. ودفع الإرتياب عن حديث الباب ص١٦ وفتح الملك العلى للمغربي ص٦٧ و ٦٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٣٢ وأسد الغابة لابن الأثير ج٥ ص٥٢٠ وغاية المرام للبحراني ج٥ ص١٧٩.
كما أنه هو نفسه "عليهالسلام " كان يفتخر بذلك.. فراجع الكتب التي جمعت الأحاديث حول إسلامه عليه الصلاة والسلام..
ثالثاً: إن هذه الطريقة في الجمع بين الأخبار لا توصلهم إلى تقدم إسلام أبي بكر على إسلام علي "عليهالسلام "، وإن أوهمت ذلك.. فإن تقدم إسلام أبي بكر
وزيد، وبلال، وخديجة على أمثالهم لا يمنع من أن يكون إسلام علي "عليهالسلام " قد تقدم على إسلام هؤلاء جميعاً، وعلى الأمة بأسرها بأشهر أو بسنوات.
وقد صرح علي "عليهالسلام ": بأنه أسلم قبل أن يسلم أبو بكر، بل صرح: بأنه صلى قبل الناس كلهم بسبع سنين كما تقدم. فمن صلى مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قبل بعثته بسبع سنين، لا يمكن أن يسبقه أحد، أو أن يساويه أحد في موضوع التقدم في الإسلام..
رابعاً: حبذا لو ذكر لنا هؤلاء قائمة بالصبيان الذين أسلموا في تلك الفترة، ليكون علي "عليهالسلام " قد تقدمهم في ذلك.
الإجماع على تقدم إسلام علي(عليهالسلام) :
قال ابن حجر الهيثمي حول تقدم إسلام علي "عليهالسلام ":
"قال ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وجماعة[ من الصحابة] : إنه أول من أسلم،[ حتى] ونقل بعضهم الإجماع عليه"(١) .
كما أن الحاكم بعد أن روى عن زيد بن أرقم: أن أول من أسلم مع رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " علي بن أبي طالب، قال: "هذا حديث صحيح الأسناد، وإنما الخلاف في هذا الحرف أن أبا بكر الصديق كان أول الرجال البالغين إسلاماً، وعلي بن أبي طالب تقدم إسلامه قبل البلوغ"(٢) .
____________
١- الصواعق المحرقة الباب التاسع، الفصل الأول (ط مصر) ص١٢٠ و (ط بيروت) ص١٨٥ غاية المرام للسيد هاشم البحراني ج٥ ص١٦٥.
٢- المستدرك للحاكم النيسابوري ج٣ ص١٣٦.
فالحاكم يصرح: بأنه لا خلاف في تقدم إسلام علي "عليهالسلام " على الناس أجمعين. وإنما الخلاف في تقدم إسلام أبي بكر على البالغين، لا على علي "عليهالسلام "..
ونحن قد أثبتنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": أن أبا بكر قد أسلم في السنة الخامسة أو السادسة.
وذكر في الطبري: أنه أسلم بعد أكثر من خمسين فراجع(١) .
موقف أبي طالب من إسلام علي (عليهالسلام ):
هناك عدة نصوص تتحدث عن موقف أبي طالب من إسلام ولده علي "عليهالسلام "، فلاحظ ما يلي:
١ ـ رووا عن علي "عليهالسلام ": أنه حين رآه أبو طالب "عليهالسلام " هو والنبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " ساجدين، قال: أفعلتماها؟!
قال علي: ثم أخذ بيدي، فقال: أنظر كيف تنصره. وجعل يرغبني في
____________
١- تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٦٠ والإفصاح للشيخ المفيد ص٢٣٢ وكنز الفوائد للكراجكي ص١٢٤ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٨٩ وبحار الأنوار ج٨ ص٢٢٨ والغدير ج٣ ص٢٤٠ و ٢٤٣ وج٧ ص٩٢ و ٢٨٠ و ٣٢٤ والبداية والنهاية ج٣ ص٣٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣٦ ونظرة في كتاب البدايـة والنهاية للشيخ الأميني ص٧٧ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٥٤٤.
ذلك، ويحضني عليه(١) .
وفي نص آخر: أنه لما صادف أبو طالب "عليهالسلام " النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وعلياً "عليهالسلام " يصليان في بعض جبال مكة بإزاء عين الشمس، قال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك(٢) .
ومرة أخرى: رأى أبو طالب "عليهالسلام " النبي وعلياً "صلى الله عليهما وآلهما" يصليان في المسجد، فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك.
وهذا يدل على أن أمر أبي طالب لجعفر بصلة جناح ابن عمه قد تكرر في وقائع مختلفة(٣) .
____________
١- بحار الأنوار ج٣٨ ص٢٠٦ وج٣٤ ص٣٦٠ ومناقب آل أبي طالب (المطبعة الحيدرية) ج١ ص٣٠٠ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج١ ص١٧٩ و (ط مركز النشر الإسلامي) ج٣ ص١٧٠ والغدير ج٧ ص٣٨٩ وإيمان أبي طالب للشيخ الأميني ص٨١ والغارات للثقفي ج٢ ص٥٨٧.
٢- كنز الفوائد للكراجكي ج١ ص١٨١ و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص١٢٤ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج٣ ص٥٤٩ وبحار الأنوار ج٣٥ ص١٢٠ والغدير ج٧ ص٣٩٧ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص٢٤٨ وإيمان أبي طالب للشيخ الأميني ص٩٣.
٣- راجع: روضة الواعظين ج١ ص١٤٠ و (منشورات الشريف الرضي ـ قم) ص٨٦ و ١٣٩ و ١٤٠ والأمالي للصدوق ص٥٩٧ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٨ ص٢٨٨ و (ط دار الإسلامية) ج٥ ص٣٧٣ ومستدرك الوسائل ج٦ ص٤٥٥ والفصول المختارة ص١٧١ و ٢٨٣ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٠١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤٩٣ وحلية الأبرار ج١ ص٦٩ وبحار الأنوار ج١٠ ص٣٨٠ وج١٨ ص٥٣ و ١٧٩ وج٢٢ ص٢٧٢ وج٣٥ ص٦٠ و ٨٠ و ١٢١ و ١٧٤ وج٨٥ ص٣ وجامع أحاديث الشيعة ج٦ ص٤٠٦ و ٤٦٣ والغدير ج٧ ص٣٥٦ و ٣٥٧ و ٣٩٤ و ٣٩٦ و ٣٩٧ ومستـدرك سـفـيـنـة البحـار ج٦ = = ص٣٢٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٧٢ وتفسير القمي ج١ ص٣٧٨ ونور الثقلين ج٣ ص٣٢ والبحر المحيط ج٨ ص٤٨٩ وتفسير الآلوسي ج٣٠ ص١٨٣ والدرجات الرفيعة ص٦٩ وأسد الغابة ج١ ص٢٨٧ والعثمانية للجاحظ ص٣١٥ وإعلام الورى ج١ ص١٠٣ وقصص الأنبياء للراوندي ص٣١٦ والدر النظيم ص١٣٤ وكشف الغمة ج١ ص٨٧ ونهج الإيمان ص٣٧٦ والسيرة الحلبية ج١ ص٤٣٤ و ٤٣٦ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص٢٥٠ وإيمان أبي طالب للأميني ص٣٦ و ٣٧ و ٨٨ و ٩٠ و ٩٢ وشرح إحقاق الحق( الملحقات) ج٧ ص٥٥٥.
٢ ـ وفي نص آخر: أن رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب "عليهالسلام "، مستخفياً من أبيه أبي طالب، ومن جميع اعمامه، وسائر قومه. فيصليان الصلوات فيها، فاذا أمسيا رجعا.
فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.
ثم إن أبا طالب "عليهالسلام " عثر عليهما يوماً وهما يصليان، فقال لرسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟
قال: أي عم، هذا دين الله، ودين ملائكته، ودين رسله، ودين أبينا ابراهيم.
٣ ـ وذكروا أنه قال لعلي "عليهالسلام ": أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟
فقال: يا أبت آمنت بالله، وبرسول الله، وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله، واتبعته.
فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه.
٤ ـ وفي لفظ عن علي "عليهالسلام ": إنه لما أسلم قال له أبو طالب: الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس، عاجل وآجل.
ثم قال لي:
إن الوثيـقـة في لزوم محمدٍ |
فاشدد بصحبتـه علي يديكا(١) |
____________
١- الغدير ج٧ ص٣٥٥ و ٣٥٦ وإيمان أبي طالب للأميني ص٣٦ وبحار الأنوار ج٣٥ ص١٢٠ و ١٦٣ وج٣٨ ص٢٠٧ و ٣٢٣ والدرجات الرفيعة ص٥٤ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص٢٤٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٤ ص٧٥ وراجع ص٥٢ و ٥٣ وج١٣ ص٢٠٠ وراجع: الإصابة ج٧ ص١٩٨ وعيون الأثر ج١ ص١٢٥ ومجمع البيان ج٥ ص١١٣ ونور الثقلين ج٢ ص٢٥٦ وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٤ والجوهرة في نسـب الإمام علي وآله ص١١ وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٨ ومطالب السؤول ص٦٤ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص٣٠١ والسيرة الحلبية ج١ ص٤٣٦ وغاية المرام ج٥ ص١٥٤ وشرح إحقاق الحق ج٢٢ ص٦٢٠ وج٢٣ ص٥٢٥ وج٣٠ ص٦٢٤ وج٣٣ ص٢١٦ ومناقب آل أبي طالب (المطبعة الحيدرية) ج١ ص٣٠١ والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج١ ص١٦٣.
٥ ـ وروا: أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه، فاجتاز به علي "عليهالسلام " وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي! إلي، أقبل.
فأقبل إليه ملبياً، فقال له النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم ": إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة، فقف عن يميني وصل معي.
فقال: يا رسول الله، حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي.
فقال له: إذهب، فإنه سيأذن لك.
فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه، فقال: يا ولدي، تعلم أن محمداً أمين الله منذ كان. إمض إليه واتبعه ترشد وتفلح.
فأتى علي "عليهالسلام " ورسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان. فقال: يا محمد ما تصنع؟!
قال: أعبد إله السماوات والأرض، ومعي أخي علي يعبد ما أعبد، وأنا أدعوك إلى عبادة الواحد القهار.
فضحك أبو طالب حتى بدت نواجذه، وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا اليـك بجمعهم |
حتى أغيَّب في الـتراب دفينــا |
إلى آخر الأبيات(١) .
ونقول:
إننا نسجل هنا الملاحظات التالية:
١ ـ إن النصوص الأربعة الأول منسجمة كل الإنسجام، والإختلاف في طبيعة ما قاله أبو طالب لولده لا يضر، فلعله "رحمهالله " قد ذكر أكثر من مطلب، فاقتصر بعض الرواة على هذه الخصوصية، وبعضهم على تلك.. أو أن بعضهم نقل النص بالمعنى.
٢ ـ إن النصوص الأربعة الأولى، لا تنافي النص الأخير، لأن هذا النص يتحدث عن أن النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " إنما طلب من علي "عليهالسلام " أن يصلي معه في المسجد الحرام ظاهراً لكل أحد..
فأراد "عليهالسلام " أن يجمع بين امتثال أمر الرسول "صلىاللهعليهوآلهوسلم " وبين التأدب مع أبيه بإعلامه وإلا.. فإن قبول الدين الحق لا يحتاج إلى
____________
١- الغدير للأميني ج٧ ص٣٥٦ عن أبي بكر الشيرازي في تفسيره، ومناقب آل أبي = = طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٣٠١ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٠٧ وإيمان أبي طالب للأميني ص٣٧.
إذن أحد..
ولأنه أراد أن يعلم أباه لكي يعرف كيف يتصرف لو تطورت الأمور، بسبب رعونة قريش.
ويشهد لذلك ما ذكرته الرواية من أن أبا طالب قال في هذه المناسبة:
والله لن يصلوا اليـك بجمعهم |
أحــــــــــــــ حتى أغيَّ s ب في التراب دفيـنــا ــب |
فليس في استمهال علي "عليهالسلام " رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " لاستئذان أبيه أية دلالة على تردده في طاعة رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، أو تردده في قبول ما يعرضه النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم ".
ويشهد لما نقول: قول علي "عليهالسلام " إنه قد صلى لله تعالى مع رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قبل أن يصلي أحد من الأمة سبع سنين وأشهراً..
٣ ـ اللافت هنا قول أبي طالب لولده علي "عليهالسلام ": "أنظر كيف تنصره". ولم يقل له: انصره.. فإن نصرة علي "عليهالسلام " لرسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " محرزة في نظر أبي طالب "عليهالسلام "، ولكنه يريدها نصرة قائمة على التدبر والوعي، وتقدير الأمور، وليست نصرة عشوائية ربما يكون ضررها أكثر من نفعها..
وهذا يدل على بعد نظر أبي طالب "عليهالسلام "، ومدى دقته وحكمته، ونظره للعواقب..
٤ ـ لا ندري مدى صحة ما ورد في الرواية رقم (٢) من أن علياً كان
يستخفي بصلاته عن أبيه، وسائر أعمامه.. إذ لا مبرر لاستخفائه بصلاته من أبيه، إلا إن كان رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قد أمره بذلك لمصلحة رآها، وهي أن لا يحرج أباه أمام قريش، إذا ظهر لها أن أبا طالب يدبر ويشارك في هذا الأمر، وأنه يخدعهم بذلك. فيكون هذا التدبير ظاهرياً وليس حقيقياً. وإلا، فإن أبا طالب هو الذي جعل ولده مع النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم "، وكان يرى منهما الكرامات والمعجزات التي تبين له أن لهما شأناً..
بل في النصوص ما يدل على أن أبا طالب "عليهالسلام " كان يعلم بذلك منذ ولادة علي "عليهالسلام "، ومنذ تزويج النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " بخديجة صلوات الله عليها، وقد صرح أبو طالب بذلك في خطبة الزواج، فراجع..
٥ ـ إنه "صلىاللهعليهوآلهوسلم " قال لعلي "عليهالسلام ": "إني رسول الله إليك خاصة، وإلى الخلق عامة". وهذا يدل على أمرين:
أولهما: أن علياً لم يكن حكمه حكم الأطفال، رغم صغر سنه، بل هو مكلف ومطالب بما يطالب به الكبار البالغون.
الثاني: إن إسلامه "عليهالسلام " يوازي اسلام الأمة بأسرها، لأن الله بعث رسوله إليه خاصة، وإلى الأمة عامة، وان لله عناية خاصة به، دون سائر الخلق. فلولا علم الله تعالى بما سيكون له من أثر في هذا الدين، أو بموقعه فيه لم يكن الأمر كذلك.
٦ ـ قوله في الرواية المتقدمة رقم (٢): فمكثا ما شاء الله ان يمكثا..
يدل على أن الفاصل بين اسلام جعفر "عليهالسلام "، وبين بعثة النبي "صلىاللهعليهوآلهوسلم " كان طويلاً.. ويتعاضد هذا مع ما سيأتي في حديث إسلام أبي ذر، وحديث انذار العشيرة من أن علياً وخديجة قد اسلما قبل أن يسلم أحد غيرهما بعدة سنوات.
الفهرس
الصحيح من سيرة الإمام علي ( عليهالسلام ) ١
القسم الأول:٤١
الباب الأول:٤٣
الفصل الأول:٤٥
الفصل الثاني:٧٥
الفصل الثالث:١٠٦
الفصل الرابع:١٣٨
الفصل الخامس:١٧٠
الفصل السادس:٢١٢
الفصل السابع:٢٤٥
الفصل الثامن:٢٧٨
ملحق الفصل الثامن ٣٠٠
ملحق الفصل الثامن ٣١٢
الباب الثاني:٣٢٤
الفصل الأول:٣٢٦
الفهرس ٣٥٦