• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19136 / تحميل: 6008
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 10

مؤلف:
العربية

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:

علي (عليه‌السلام ) لم يسأل الزهراء (عليها‌السلام ) عن حاجتها:

جاء في الرواية المتقدمة: أن علياً (عليه‌السلام ) تعهد بقضاء حاجة فاطمة، دون أن يسألها عنها، وما ذلك إلا لثقته (عليه الصلاة والسلام) بأنها (صلوات الله عليها) لا تطلب إلا ما هو خير وصلاح، ومشروع ومقدور ويرضى الله، ويقربها إلى الله؛ لأنها مطهرة، ومعصومة؛ ولأنها من حجج الله تبارك وتعالى..

أعداؤها وأعداء الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وقد صرّحت الرواية المتقدمة: بأنها (عليها‌السلام ) تعتبر ظالميها أعداءً لها، وأعداءً لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. رغم أن أبا بكر قد تظاهر لها بالكثير من المحبة والتودد في كلماته المعسولة حين جاء هو وعمر لعيادتها واسترضائها، وكذلك حين خطبت خطبتها المعروفة في المسجد في قصة فدك، التي بيّنت فيها عظيم ظلمهم لها، وعدوانهم على حقوقها.

وهذا يدل على: أنها (عليها‌السلام ) تعتبر أن ما يظهره أبو بكر من كلام ودود ليس له حقيقة، بل هو يدخل في سياق السياسة، والتمويه على

٣٠١

الناس لامتصاص حالة التشنج، والتخفيف من وقع ما ارتكبه في حقها.

فمثله كمثل الذي كان يعاني من مرض في عينيه، التي لا يزال يسيل الدمع منها، فصاد عصفوراً، وهو مشغول بذبحه ودموعه تسيل، فرآه عصفوران كانا على الشجرة، فقال أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الصياد ما أرق قلبه، فهو يبكي رقة ورحمة للعصفور.

فقال له رفيقه: لا تنظر إلى دموع عينيه، بل انظر إلى فعل يديه.

وبذلك يقول أحد الشعراء:

فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري إلى الكف ماذا بالعصافير تصنعُ

والخلاصة: إن الزهراء (عليها‌السلام ) تعرف أن عمر قد قال لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مرض موته: إن النبي ليهجر، ولم تنس بعد هجوم هؤلاء الناس على بيتها، وضربها، وإسقاط جنينها، وإضرام النار على بابها. إلى آخر ما هنالك مما يدل على عداوتهم لها، وعدم رعايتهم أية حرمة لأبيها.. فكيف تصدّق أنهم يحبونها وهم لم يغيروا شيئاً مما صنعوه، ولا أعادوا الحق الذي اغتصبوه؟! ولا.. ولا.

يا سكينة.. يا فضة:

وتقدم: أن علياً (عليه‌السلام )، نادى قبل أن يعقد الرداء بنات وأبناء الزهراء (عليها‌السلام )، بالإضافة إلى فضة: أن هلموا فتزودوا من أمكم..

ونريد نحن هنا أن نشير إلى عدة نقاط:

الأولى: ذكر سكينة في جملة البنات اللواتي ناداهن.. يشير إلى وجود

٣٠٢

بنت للزهراء (عليها‌السلام ) بهذا الإسم أيضاً..

وقد ذكرنا ما يدل على ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب حين ذكرنا أولاده (عليه‌السلام ). فليراجع.

الثانية: ذكر فضة في جملة البنات اللواتي ناداهن، مع أنها لم تكن من بناتها (عليها‌السلام ).. يؤكد نظرة الإسلام الأصيل إلى الموالي، وأنه يراهن بمثابة الأخوة والأبناء..

الثالثة: يلاحظ هنا: أنه (عليه‌السلام ) قد صرح بأسماء الجميع، مع أنه كان يمكنه أن يناديهم بواسطة عنوان جامع، كأن يقول: يا أهل البيت، أو: أيها الحاضرون، هلموا إلى التزود من أمكم..

ولكنه (عليه‌السلام ) أراد أن لا يتوهم متوهم: أنه أطلق الكلام على نحو التغليب، فانطباق الوصف على فضة مثلاً قد لا يكون على نحو الحقيقة. فإذا صرح بالأسماء يكون قد أشعرهم جميعاً، بما فيهم فضة بالإعزاز، والمحبة، بصورة مباشرة، وغير قابلة للتأويل..

ويزيد في تأكيد هذا المعنى: التنصيص على أمومة الزهراء لهم جميعاً، وبلا تمييز..

الرابعة: إنه (عليه‌السلام ) قد نادى البنات أولاً، ثم نادى الحسنين (عليهما‌السلام )، وهي لفتة رائعة وسديدة، جاءت منسجمة مع الموقف العاطفي، في أكثر اللحظات إثارة، وهي لحظة الفراق للأم، التي يكون شعور بناتها بالحاجة إليها، وبعمق العلاقة معها أشد من شعور غيرهن.. وهكذا كان..

٣٠٣

حنّت، وأنّت، ومدت يديها:

ونحن لا نستطيع أن نغفل الإشارة إلى أن ما ذكر في بعض الروايات من أنها (عليها‌السلام ) حنّت وأنّت.. ليس بالأمر الباطل، ولا المستجهن على أولياء الله سبحانه، ولا هو بعيد عن قدرة الله، اذ لا تستلزم نسبته إليه تعالى محذوراً عقلياً، يجعل الإعتقاد به في دائرة الباطل، علماً بأن علاقة الروح بالجسد، وإن كانت قد ضعفت بالموت بصورة كبيرة، ولكنها لم تنقطع بصورة نهائية وتامة.

يدلنا على ذلك: وجود حساب القبر.. واستحباب زيارة القبور، وقراءة القرآن عندها وغير ذلك..

فلا مانع من أن يكون لبعض الأمور تأثير في زيادة العلاقة، وتقويتها لدى الأنبياء والأصفياء، أو بطلب منهم..

ولذلك نلاحظ: أن بعض الأموات يرجعون إلى الحياة بسبب طلب نبي، وبعضهم يتكلمون، أو يجيبون على بعض الأسئلة التي توجه إليهم من قبل نبي أو وصي نبي.

وقصة بقرة بني إسرائيل التي ذبحوها، وضربوا ببعضها ذلك الميت فأحياه الله، وأخبرهم بما سألوه عنه، معروفة، ومصرح بها في القرآن.

قال تعالى:( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) (1) .

____________

1- الآية 73 من سورة البقرة.

٣٠٤

هل هذه الرواية مكذوبة؟!:

عن ورقة بن عبد الله الأزدي، عن فضة (رحمها الله) (التي كانت عند السيدة الزهراء (عليها‌السلام )) قالت في رواية مطولة: (فأقبل الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وهما يناديان: وا حسرتاه، لا تنطفئ أبداً.. فقدنا جدنا محمداً المصطفى، وأمنا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن، يا أم الحسين، إذا لقيت جدنا المصطفى فاقرئيه منا السلام، وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا..

فقال أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ): إني أُشهِد الله أنها قد حنَّت وأنَّت، ومدت يديها، وضمتهما إلى صدرها ملياً. وإذا بهاتف من السماء ينادي:

يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب.

قال: فرفعتهما عن صدرها، وجعلت أعقد الرداء..)(1) .

وقريب من ذلك ما روي عن أسماء بنت عميس..(2) أيضاً.

وهذه الرواية، وإن كانت لا تملك سنداً صحيحاً، ومعتبراً، لكن ذلك

____________

1- بحار الأنوار ج43 ص174 ـ 180 واللمعة البيضاء ص854 ـ 761 والأنوار العلوية ص302 ـ 306 ومجمع النورين ص151 ـ 154.

2- راجع: الزهراء بهجة قلب المصطفى ص579.

٣٠٥

لا يعني لزوم ردها، والحكم ببطلانها، فإنه ليس بالضرورة أن يكون الحديث الضعيف مكذوباً..

وإنما تردُّ الرواية بصورة قاطعة.. إذا اشتملت على ما يخالف القرآن، أو المسلَّمات الدينية بصورة عامة، أو ما يخالف ما تحكم به العقول.. أو ما يخالف الواقع العيني الخارجي.

وليس الأمر في الرواية المشار إليها كذلك.. بل هي قد تضمنت أمراً يتصل بالغيب، وبالكرامة الإلهية للمصطفين من عباده الأكرمين..

وأمثال هذه الأمور مما تجوِّز العقول وقوعها، ولا تحيلها..

غاية الأمر: أن إثبات حصولها يحتاج إلى الدليل المقنع والمعتبر، وحيث لا يوجد مثل هذا الدليل، فلا يصح ردها بصورة قاطعة، بل توضع في بقعة الإمكان، حتى يذود عنها قاطع البرهان..

ما أرانا إلا سنصبح:

وقد اجاب علي (عليه‌السلام ) أبا بكر وعمر حين طلبا منه إخراج الزهراء (عليها‌السلام ) ليصليا عليها: (ما أرانا إلا سنصبح).

وهذا من مفردات التورية البديعة، فإنه إنما أخبرهم عن ميله إلى الإعتقاد ببقائه حياً حتى الصباح. ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى ما سيفعله في موضوع دفن الزهراء، والصلاة عليها، وأين سيكون ذلك، ومتى.

كما أن كلمة أبي ذر لا تدل على أن تأخير التشييع سيستمر إلى اليوم

٣٠٦

الثاني؛ لأنه إنما ذكر لهم: أن تشييعها سيتأخر في تلك العشية. ولم يحدد مقدار هذا التأخير.

علي (عليه‌السلام ) يلمح لعمر باستحقاقه للقتل:

بالنسبة لقول علي (عليه‌السلام ) لعمر: لقد فررت يوم خبير وفي مواطن، ثم لم ينزل الله لك توبة حتى الساعة.

نقول: إنه تضمن تلميحاً أو تلويحاً بما أزعج عمر وأبا بكر بشدة، فهو يشير:

أولاً: إلى جبن عمر، وضعفه البالغ..

وثانياً: إن عدم إنزال الله له توبة يعني: أن الله تعالى لم يرض على عمر لأجل ذلك، ولأنه لم يفعل ما يستحق به التوبة عليه..

وثالثاً: لعله يشير إلى أن ذلك يسوِّغ مواجهته بما يستحقه من عقوبة الفارين من الزحف..

الذين شيعوا جنازة فاطمة:

وقد ذكرت إحدى الروايات المتقدمة الزبير في جملة الذين حضروا دفن فاطمة.. وربما يكون ذلك من اضافات الرواة، فإنها أوصته أن يدفنها سراً، ولا ندري إن كان الزبير يؤتمن على سر. وتقدم عن دلائل الإمامة وغيره: أنه لم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيره..

٣٠٧

إتخاذ النعش:

وقد أوصت الزهراء (عليها‌السلام ): علياً (عليه‌السلام ) بأن يتخذ لها نعشاً صوَّرته لها الملائكة، ووصفته له، فاتخذه لها(1) .

وهي أول من جُعل لها النعش، كما رُوي عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )(2) .

____________

1- مناقب آل أبي طالب ج3 ص362 و (ط المطبعة الحيدرية) ج3 ص137 واللمعة البيضاء ص861 و 868 و 875 وروضة الواعظين ص151 وعلل الشرائع ج1 ص188 وبحار الأنوار ج43 ص182 و 192 و 204 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص96 والأنوار العلوية ص303 ومجمع النورين ص150 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص333.

2- الكافي ج3 ص251 وتهذيب الأحكام ج1 ص469 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص220 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص876 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص364 و (ط المطبعة الحيدرية) ج3 ص138 وبحار الأنوار ج43 ص212 عن التهذيب، وج78 ص249 عن فقه الرضا، وراجع ص250 و 282 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص367 وراجع ص162 و 208 و 271 و 291 و 356. وفقه الرضا ص189 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص194 وراجع: دعائم الإسلام ج1 ص233 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص96 والمستدرك للحاكم ج3 ص162 وعون المعبود للعظيم آبادي ج8 ص338 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص153 وناسخ الحديث ومنسوخه ص588 والطبقات الكبرى لابن = = سعد ج8 ص28 والأعلام للزركلي ج5 ص132 والمنتخب من ذيل المذيل ص91 واللمعة البيضاء ص865 وشرح إحقاق الحق ج10 ص471 و 475 وج19 ص177 وج25 ص14 و 548 وج33 ص382.

٣٠٨

ورُوي أنها قالت لأسماء: استريني سترك الله من النار، يعني بالنعش(1) .

ولكن ثمة من يدَّعي: أن أسماء هي التي أشارت على الزهراء (عليها‌السلام ) باتخاذ النعش، وأنها قد رأته في بلاد الحبشة.

وروُي ذلك عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) أيضاً(2) .

غير أن ذلك قد اقترن بطلب الزهراء (عليها‌السلام ) منها: أن لا تحملها على سرير ظاهر.

فقالت أسماء: لا، لعمري ولكن أصنع نعشاً كما رأيت يصنع بالحبشة.

____________

1- مناقب آل أبي طالب ج3 ص364 و (المطبعة الحيدرية) ج3 ص138 والحدائق الناضرة ج4 ص89 ومستدركات علم رجال الحديث ج8 ص548 وبيت الأحزان ص173 وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص475 وج25 ص549.

2- تهذيب الأحكام ج1 ص469 وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص220 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص876 ومستدرك الوسائل ج2 ص360 واللمعة البيضاء ص883 و 884 و 865 وبحار الأنوار ج43 ص212 وج78 ص255 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص367 و 369 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج8 ص253.

٣٠٩

فقالت: أرنيه.

فأرتها إياه(1) .

وسبب طلب الزهراء، هذا هو: أنها (استقبحت ما يُصنع بالنساء: أنه يطرح على المرأة الثوب، فيصفها لمن رأى)(2) .

مفارقة تحتاج إلى تفسير:

وفي حديث إصرار أبي بكر وعمر على الصلاة على فاطمة (عليها‌السلام ) مفارقة تحتاج إلى تفسير، وهي: أنه إذا قورن موقفهم هذا بموقفهم من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين استشهاده، حيث غابوا عن جنازته، وأوكلوا أمر غسله، وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه إلى أهله، وانصرفوا إلى العمل على الفوز بالخلافة، مغتنمين فرصة انشغال علي (عليه‌السلام ) بجنازة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ولكن موقفهم في وفاة الصدّيقة اختلف إلى حدّ التناقض، حيث كانوا يريدون نبش القبور، واستخراج جسد الزهراء (عليها‌السلام )، رغم ما

____________

1- راجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص220 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص876 وج43 ص189 وج78 ص250 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص115 واللمعة البيضاء ص865 عن كشف الغمة ج2 ص126 والذرية الطاهرة ص152 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص368 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص108.

2- راجع الهامش السابق.

٣١٠

يتضمنه ذلك من هتك لحرمتها (صلوات الله وسلامه عليها).

إن هذا يجعلنا ندرك: أن السياسة هي التي أملت عليهم هذا الموقف وذاك على حد سواء، فقضت بتجاهل جنازة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هناك، ونبش قبر الزهراء (عليها‌السلام ) هنا، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

الناس يلوم بعضهم بعضاً:

ولا ندري لماذا يتلهّف الناس على ما فاتهم من الصلاة على البنت الوحيدة لنبيهم، وهم الذين خذلوها بالأمس، ولم ينصروها على من هاجمها، وضربها وحاول احراق بيتها عليها وعلى زوجها وابنائها، وخالفوا بذلك وصية أبيها فيها؟!

وماذا ينفع هذا التظاهر بالإعزاز والمحبة للزهراء (عليها‌السلام )، وكيف نفسره من أناس كانوا هم الذين آذوها، وقتلوها.. أو سكتوا عما يجري عليها..

فما أحرى هؤلاء بقول عبيد بن الأبرص:

لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي(1)

____________

1- راجع: خزانة الأدب للبغدادي ج11 ص273 ودرر السمط في خبر السبط لابن الأبار ص83 وتنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ص367 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص165 و (تحقيق الشيري) ج1 ص215.

٣١١

ولاة الأمر ونبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )؟!:

ثم إننا لم نجد أي اندفاع أو حتى تفكير لدى عامة الناس في نبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )، للصلاة عليها، ولم نجدهم شجعوا عمر على موقفه.. بل اكتفوا بإظهار الأسف لعدم تمكنهم من حضور جنازتها، ولام بعضهم بعضاً.

بل جاءت الفكرة من قبل ولاة الأمر أنفسهم، حيث ظهر اندفاعهم الشديد لتنفيذ هذا الأمر، لولا أن سيف ذي الفقار حال بينهم وبين ذلك.

ومن حقنا أن نفهم سبب هذا الاندفاع القوي نحو هذا الأمر القبيح، الذي لا يرضاه أي ملتزم بالشرع، أو من يحترم نفسه، وإنسانيته..

ولعل الإجابة الأقرب للاعتبار هي: أنهم أدركوا، أن ما جرى سوف يسجله التاريخ.

ليكون إدانة صريحة لهم، ووصمة لا مجال لمحوها، ولا للتشكيك فيها. ولن يتضاءل تأثيرها مهما طال الزمن.

وأدركوا أيضاً: أنه لن يكون لهم في ظل هذه الإدانة أية قداسة، أو احترام، أو مقبولية لهم، أو ارتياح وجداني لدى الكثيرين ممن يطلعون على ما جرى، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، من عقلاء الناس.. وإلى يوم القيامة..

تهافت في بعض الخصوصيات:

وقد يلمح الباحث تهافتاً في بعض الخصوصيات في الروايات، حيث

٣١٢

ذكر بعضها: أن المسلمين وجدوا في البقيع أربعين قبراً جدداً(1) . ولم يرش قبرها(2) ، فأشكل عليهم الأمر، ولم يعرفوا قبر الزهراء (عليها‌السلام ).

مع أن بعضها الآخر يقول: إنه (عليه‌السلام ) خط برجله سبعة قبور فقط(3) . إلا أن يكون قد خط أولاً سبعة، ثم أكملها إلى أربعين.

ولعل المسلمين قد وجدوا أولاً أربعين، ثم ذهبت علامات أكثرها

____________

1- راجع: دلائل الإمامة ص136 واللمعة البيضاء ص836 و 852 و 887 و 864 وبحار الأنوار ج29 ص390 ج30 ص349 وج43 ص171 و 183 و 212 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص281 ومجمع النورين ص147 والهداية الكبرى ص179 وعيون المعجزات لابن عبد الوهاب ص47 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص324 والشافي في الإمامة ج4 ص115 وبيت الأحزان ص185 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج19 ص170 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص337 و 467.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص281 وبحار الأنوار ج29 ص390 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص324 واللمعة البيضاء ص836 والشافي في الإمامة ج4 ص115 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص467.

3- اللمعة البيضاء ص887 و 864 و 869 وبحار الأنوار ج43 ص183 و 193وروضة الواعظين ص152 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 والأنوار البهية ص63 والأنوار العلوية ص304 ومجمع النورين للمرندي ص151 وبيت الأحزان ص183 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص337.

٣١٣

بسبب كثرة المترددين، وبقي أثر سبعة، فجاءت جماعة السلطة، فوجدت هذه البقية، فأشكل الأمر عليها.

غضب علي (عليه‌السلام ):

وأما غضب علي (عليه‌السلام ) في محاولة نبش قبر الزهراء (عليها‌السلام )، فإنما كان غضباً لله تعالى.. لأنه يريد أن يمنعهم من هتك حرمة سيدة نساء العالمين (عليها‌السلام ).

ولو أنهم أصروا على ذلك، وحدث الأسوأ من الإحتمالات، فإن كل الناس سوف يتفهمون صوابية موقف علي (عليه‌السلام )، إذ لا مبرر لنبش قبر، واستخراج شخص من قبره لمجرد أن فلاناً من الناس يريد الصلاة على ذلك الميت.. لا سيما إذا كان الميت امرأة، لها مقامها العظيم عند الله تعالى، وفي نبش قبرها هتك لحرمتها.. مع عدم وجود أي داعٍ لهذا الأمر، بعد أن دُفنت وفق أحكام الشرع الشريف، وأجريت جميع المراسم المطلوبة لذلك..

فكيف إذا كانت تلك المرأة المتوفاة لا ترضى بحضورهم جنازتها، ولا بالصلاة عليها، وقد تم استبعادهم بطلبٍ منها. لا سيما مع سوابقهم في توجيه الإساءات الخطيرة إليها، التي بلغت حد ضربها، وإسقاط جنينها، وكون موتها بسبب ذلك الضرب بالذات.. وما يمثل ذلك من إساءة للدين تتجاوز كل حدّ.

وبذلك يتضح الفرق بين هذه الحالة التي لا يأبى فيها علي (عليه‌السلام ) من المبادرة إلى أي تصرف رادع لمن يريد الإساءة للزهراء (عليها‌السلام ) في قبرها.. وبين ما نشهده من وقوفه الصارم عند حدود لا

٣١٤

يتجاوزها في موضوع التصدي لغاصبي مقام الخلافة.

وذلك لكي لا يعرّض الدين للخطر. ويكتفي بمجرد الإحتجاج، ويتحمل جميع أنواع الأذى لأجل حفظ الدين..

إن منعهم من نبش قبر الصديقة الزهراء (عليها‌السلام )، هو عين الصواب حتى لو تفاقمت الأمور وبلغت إلى ما لا تحمد عقباه.

ويدل على ذلك: ما رُوي عن الإمام الباقر (عليه‌السلام )، من أنه قال: (إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر، لم يمنع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) من أن يدعو إلى نفسه إلا نظراً للناس، وتخوفاً عليهم أن يرتدوا عن الإسلام، فيعبدوا الأوثان، ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وكان الأحب إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن الإسلام، وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا.

فأما من لم يصنع ذلك، ودخل فيما دخل فيه الناس، على غير علم ولا عداء لأمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فإن ذلك لا يكفره، ولا يخرجه من الإسلام.

فلذلك كتم علي (عليه‌السلام ) أمره، وبايع مكرهاً، حيث لم يجد أعواناً)(1) .

____________

1- الكافي ج8 ص295 وبحار الأنوار ج28 ص255 و 55 وج29 ص468 وج33 ص154 وج44 ص23 وج69 ص156 ومستـدرك الوسائـل ج11 = = ص75 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص7 وج4 ص238 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص137 و 215 و 305 و 459 والإحتجاج ج2 ص8 وحلية الأبرار ج2 ص65 وشرح أصول الكافي ج12 ص412 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص41 ومجمع النورين للمرندي ص90 وغاية المرام ج2 ص105 وج5 ص197 وج6 ص17 و 25.

٣١٥

٣١٦

الفصل الرابع: خارج أجواء السياسة..

٣١٧

٣١٨

زمان وفاة الزهراء (عليها‌السلام ):

وكانت وفاتها (عليها‌السلام ) في السنة الحادية عشرة(1) .

____________

1- مصباح المتهجد ص793 ودلائل الإمامة ص79 و 134 وذخائر العقبى ص52 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص240 وبحار الأنوار ج16 ص78 وج43 ص9 و 188 و 215 وج95 ص196 والأنوار البهية ص58 وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج8 ص253 وج9 ص197 ومجمع الزوائد ج9 ص211 وفتح الباري ج7 ص81 وتحفة الأحوذي ج10 ص250 والآحاد والمثاني ج5 ص366 والذرية الطاهرة النبوية ص152 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص400 والإستيعاب ج4 ص1899 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص494 والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص28 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص162وج14 ص256 وتهذيب الكمال ج35 ص252 والإصابة ج8 ص268 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص18 وترجمة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) لابن عساكر ص441 والعدد القوية ص220 والفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ ج1 ص666 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص49 ومجمع النورين للمرندي ص51 وبيت الأحزان ص189 وشرح إحقاق الحق = (الملحقات) ج10 ص455 وج19 ص175 و 176 وج25 ص556 و 559 و 561 و 562 ونظم درر السمطين ص181.

٣١٩

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه‌السلام ): أنها توفيت في السنة العاشرة(1) .

وقد اختلفت الروايات أيضاً في تحديد تاريخ ذلك ومقدار بقائها بعد أبيها على أقوال، هي:

1 ـ أربعون يوماً(2) .

2 ـ شهران (ستون يوماً)(3) .

____________

1- اللمعة البيضاء ص884 و 885 وبحار الأنوار ج43 ص215 ح45 وعن مقاتل الطالبيين ص59.

2- مقاتل الطالبيين (ط المكتبة الحيدرية) ص31 وبحار الأنوار ج28 ص397 وج43 ص7 و 215 واللمعة البيضاء ص885 ومجمع النورين للمرندي ص155 و 157 وعيون المعجزات ص47 وتاريخ الأئمة (المجموعة) لابن خشاب البغدادي ص10 ونظم درر السمطين ص181 وبيت الأحزان ص189.

3- مجمع النورين للمرندي ص157ومستدرك الوسائل ج2 ص134 وبحار الأنوار ج43 ص217 وج78 ص233 جامع أحاديث الشيعة ج3 ص134 وفتح الباري ج7 ص378 وعمدة القاري ج17 ص258 ومجمع النورين ص148 و 155 و 157 وبيت الأحزان ص169.

٣٢٠