الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
والتحايل عليه، لا يحدهم حد، ولا يقعون تحت عد، فلو كان قد صدر منه أمر قبيح لكانوا قد ملأوا الدنيا بأرجازهم وأزجالهم، ولكانوا قد تفننوا وتفاصحوا في خطبهم الطنانة والرنانة في لومه، وتوجيه الإهانات له، والغمز من قناته..
ثالثاً: إن النصوص ليست على نسق واحد في بيانها لهذا الأمر، بل في بعضها تصريح بما يكذب هذه النسبة..
فقد أظهرت بعض النصوص: أن اعتراض سهيل، قد أحفظ المسلمين، فبادر بعضهم للإمساك بيد علي (عليهالسلام ) ومنعه من الكتابة(١) .
وإن كنا نرى أن الأوفق بالطاعة هو انتظار أمر النبي (صلىاللهعليهوآله ) لا المبارزة إلى الإمساك بيد علي (عليهالسلام )..
وفي بعضها: أن سهيلاً هو الذي طلب من علي (عليهالسلام ) محو الاسم الشريف، فرفض (عليهالسلام ) طلبه.
فبادر (صلىاللهعليهوآله ) للطلب من علي أن يضع يده على اسمه الشريف، حسماً للنزاع، وإعزازاً منه لعلي (عليهالسلام )(٢) .
____________
١- المغازي للواقدي ج٢ ص٦١٠ و ٦١١ وراجع: سبل الهدى والرشاد ج٥ ص٥٤ وإمتاع الأسماع ج١ ص٢٩٦ وغاية البيان في تفسير القرآن ج٦ ص٥٨ و ٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣ والسيرة الحلبية (ط المعرفة) ج٢ ص٧٠٨.
٢- راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص١٤٩ وإحقاق الحق (قسم الملحقات) ج٨ ص٤١٩ وج٢٣ ص٤٦١ والأمالي للطوسي ص١٩٠ و ١٩١ وبحار الأنوار ج٣٣ ص٣١٦ وراجع ج٢٠ ص٣٥٧ والخرايج والجرايح ج١ ص١١٦ وصفين للمنقري ص٥٠٩ ومكاتيب الرسول ج١ ص٨٧.
وعن علي (عليهالسلام ): أن المشركين هم الذين راجعوه في هذا الأمر(١) .
رابعاً: في نص آخر: أن علياً (عليهالسلام ) هو الذي محا الكلمة، وقال للنبي (صلىاللهعليهوآله ): لولا طاعتك لما محوتها(٢) .
ولعل الجدال الذي جرى بين علي (عليهالسلام ) وسهيل قد انتهى بتدخل الصحابة للإمساك بيد علي (عليهالسلام )، ثم تدخل النبي (صلىاللهعليهوآله ) بقوله:
ضع يدي عليها، وبذلك يكون قد حفظ أصحابه، ولم يعطل عملية الصلح.
ويؤيد ذلك: أن علياً (عليهالسلام ) قد محا عبارة: بسم الله الرحمان الرحيم، وكتب: باسمك اللهم، قائلاً: لولا طاعتك لما محوتها، فمن يقول هذا كيف يعصيه بعد لحظات؟! فإن الطاعة إذا كانت تدعو لمحو الأولى، فهي تدعو لمحو الثانية، خصوصاً إذا كان ذلك في مجلس واحد.
كما أن من يرضى بمحو الأولى التي هي الأصعب، لماذا لا يرضى بمحو
____________
١- صفين للمنقري ص٥٠٨.
٢- كشف الغمة ج١ ص٣١٠ و (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص١٢٠ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٥٩ و ٣٦٣ و ٣٥٧ وعن إعلام الورى ص٩٧ وكشف الغطاء (ط.ق) ج١ ص١٥.
الثانية؟!
خامساً: لنفترض: أن سهيل بن عمرو طلب من علي ذلك، ورفض علي طلبه، ثم قال له النبي (صلىاللهعليهوآله ):
امحها.. فإن هذا القول لا يدل على إلزام علي (عليهالسلام ) بالمحو، بل هو يدل على رفع الحظر، أي أنه أصبح يستطيع أن يمحو إذا شاء.. فقد أوكل الأمر إليه.
فإذا بادر الصحابة للإمساك بيد علي (عليهالسلام ) ليمنعوه من اختيار هذا الطرف ـ وهو طرف المحو ـ فإن تدخل النبي (صلىاللهعليهوآله ) بقوله:
ضع يدي عليها، يكون قد أتى لرفع الحرج عن علي (عليهالسلام ) مع اخوانه من الصحابة، وإرادة إعزازه، وتعلية شأنه، مقابل سهيل بن عمرو.
سادساً: إن العديد من النصوص والروايات لم تشر إلى امتناع علي (عليهالسلام ) عن محو الإسم الشريف، بل ساقت الحديث على أساس الأمر، وطاعة الأمر، ولا شيء سوى ذلك، فراجع، ما ذكره ابن حبان، وما روي عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(١) ، واليعقوبي، وابن كثير، وغيرهما تجد طائفة
____________
١- الثقات ج١ ص٣٠٠ و ٣٠١ وراجع: الكافي ج٨ ص٢٦٩ عن الإمام الصادق (عليهالسلام ) مع بعض إضافات وتغييرات لا تضر. وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٦٨ ونور الثقلين ج٥ ص٦٨ وتفسير البرهـان ج٤ ص١٩٤ والإكتفاء = = للكلاعي ج٢ ص٢٤٠ وتاريخ ابن الوردي ج١ ص١٦٦ وحياة محمد لهيكل ص٣٧٤ وإكمال الدين ص٥٠.
من هذه النصوص المروية عن:
الزهري، وابن عباس، وأنس بن مالك، ومروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، وهو المروي عن أمير المؤمنين (عليهالسلام ) أيضاً(١) .
____________
١- تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٥٤ وراجع: البداية والنهاية ج٧ ص٢٧٧ و ٢٨١ وروح المعاني ج٩ ص٥٠ والكشاف ج٣ ص٥٤٢.
وحول النص المنقول عن الزهري راجع: تاريخ الأمم والملوك ج٥ ص٦٣٤ والبداية والنهاية ج٤ ص١٦٨ وأنساب الأشراف ج١ ص٣٤٩ و ٣٥٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٣٣١ و ٣٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٢٠ و ٣٢١ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٣ وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) ومسند أحمد ج١ ص٨٦.
وحول النص المنقول عن ابن عباس راجع: الرياض النضرة المجلد الثاني ص٢٢٧ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٥٢٢ ومسند أحمد ج١ ص٣٤٢ وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص١٤٨ و ١٤٩ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص٢٠٠ عن أحمد، وأبي داود، والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥١ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) وصححاه على شرط مسلم، وتاريخ اليعقوبي ج٢ ص١٩٢.
وروايتا أنس ومروان والمسور توجدان معاً أو إحداهما، أو بدون تسمية، في المصادر = = التالية: صحيح البخاري ج٢ ص٧٩ و ٧٨ والمصنف للصنعاني ج٥ ص٣٣٧ ومسند أحمد ج٣ ص٢٦٨ وج٤ ص٣٣٠ و ٣٢٥ وجامع البيان ج٢٥ ص٦٣ والدر المنثور ج٦ ص٧٧ عنهم، وعن عبد بن حميد، والنسائي، وأبي داود، وابن المنذر، وصحيح مسلم ج٥ ص١٧٥.
وراجع: المواهب اللدنية ج١ ص١٢٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص٣٧٠ و ٣٧١ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص١٩٨ و ٢٠٠ والبداية والنهاية ج٤ ص١٧٥ ومختصر تفسير ابن كثير ص٣٥١ و ٣٥٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٣٣٣ والسنن الكبرى الكبرى ج٩ ص٢٢٠ و ٢٢٧ وتاريخ الخميس ج١ ص٢١ عن المدارك، وتفسير الخازن ج٤ ص١٥٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص١٠٥ و ١٤٦ و ١٤٧ والإحسان بتقريب صحيح ابن حبان ج١١ ص٢٢٢ و ٢٢٣ والجامع لأحكام القرآن ج١٦ ص٢٧٧ وبهجة المحافل ج١ ص٣١٦ وزاد المعاد ج٢ ص١٢٥ ومسند أبي عوانة ص٢٤١.
وحول ما روي عن علي (عليهالسلام ) وغيره راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٢٣٢ وقريب منه مـا في ينابيع المـودة ص١٥٩ ومسند أحمـد ج٤ ص٨٦ و ٨٧ ومجمع الزوائد ج٦ ص١٤٥ وقال: رواه أحمد ورجاله الصحيح.
ومختصر تفسير ابن كثير ص٣٤٧ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص١٩٢ وتفسير المراغي ج ٩ ص١٠٧ والدر المنثور ج٦ ص٧٨ عن أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن جرير، وأبي نعيم في الدلائل، وابن مردويه.
لعلها قضية مستعارة:
ولنا أن نحتمل: أن تكون أجزاء هامة من هذه القضية قد استعيرت من قصة أخرى.. بهدف إثارة الشبهات والتساؤلات حول أقدس شخصية بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
والقصة هي: أن تميم بن جراشة قدم على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في وفد ثقيف، فأسلموا، وسألوه أن يكتب لهم كتاباً فيه شروط، فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثم إيتوني به.
فأتوا علياً (عليهالسلام ) ليكتب لهم.
قال تميم: "فسألناه في كتابه: أن يحلّ لنا الربا والزنى. فأبى علي (عليهالسلام ) أ ن يكتب لنا.
فسألناه خالد بن سعيد بن العاص.
فقال له علي: تدري ما تكتب؟!
قال: أكتب ما قالوا، ورسول الله أولى بأمره.
فذهبنا بالكتاب إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقال للقارئ: اقرأ.. فلما انتهى إلى الربا قال: ضع يدي عليها في الكتاب.
فوضع يده، فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) الآية(١) .. ثم محاها.
____________
١- الآية ٢٧٨ من سورة البقرة.
وألقيت علينا السكينة، فما راجعناه.
فلما بلغ الزنى وضع يده عليها، وقال:( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الآية(١) ، ثم محاه. وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا"(٢) .
لك مثلها يا علي:
وقد قلنا: إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ) في الحديبية: لك مثلها، تعطيها، وأنت مضطهد، أو مضطر..
وظهر مصداق قوله (صلىاللهعليهوآله ) في حرب صفين، حينما أخذوا بكتابة كتاب الموادعة، فابتدأوا فيه بعبارة:
هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان..
فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت: أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته.
وقال عمرو: لا بل نكتب اسمه، واسم أبيه، إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا.
فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه.
فقال الأحنف: لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك؛ فإني أتخوف، إن محوتها أن لا ترجع إليك أبداً، فلا تمحها.
____________
١- الآية ٣٢ من سورة الإسراء.
٢- أسد الغابة ج١ ص٢١٦ وقال: أخرجه أبو موسى، ومكاتيب الرسول ج٣ ص٧٢.
فقال (عليهالسلام ): إن هذا اليوم كيوم الحديبية، حين كتب الكتاب عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك ولم أخالفك، إني لظالم لك إن منعتك أن تطوف بيت الله، وأنت رسوله، ولكن اكتب: من محمد بن عبد الله..
فقال لي رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم: من محمد بن عبد الله، فاكتبها، فامح ما أرادوا محوه، أما إن لك مثلها، ستعطيها وأنت مضطهد(١) .
لماذا كان التزوير؟!:
ولعل السبب في هذا التزوير:
١ ـ أن ما أخبر به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بقوله: ولك مثلها يا علي تعطيها وأنت مضطهد مقهور(٢) .. قد أحرج اتباع معاوية ومحبيه بعد
____________
١- بحار الأنوار ج٣٢ ص٥٤١ و ٥٤٢ وصفين للمنقري ص٥٠٣ و ٥٠٤ والمسترشد ص٣٩١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٢٣٢ والدرجات الرفيعة ص١١٧ وينابيع المودة ج٢ ص١٨ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج٢ ص٦٢٨ ومصادر ذلك كثيرة.
٢- راجع: الكامل في التاريخ ج٢ ص٢٢٠ و ٢٠٤ والمعيار والموازنة ص٢٠٠ وخصائص أمير المؤمنين علي (عليهالسلام ) للنسائي ص١٤٩ و ١٥٠ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٤١٩. والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣ والسـيرة = = الحلبية ج٣ ص٢٠ ومجمع البيان ج٩ ص١١٨ و ١١٩ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢١٤ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٣٣٥ و ٣٥٢ و ٣٥٧ و ٣٥٩ و ٣٦٣ و ٣٣٣ وج٣٣ ص٣١٤ و ٣١٦ و ٣١٧ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٥٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص٣٩٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج٤ ص١٤٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج٨ ص١٧٩ و ١٨٠ وتاريخ الخميس ج٢ ص٢١ وحبيب السير ج١ ص٣٧٢ وتفسير القمي ج٢ ص٣١٣ والخرايج والجرايح ج١ ص١١٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص١٩٠ وج٢ ص٥٨٨ و ٢٣٢ والمغني لعبد الجبار ج١٦ ص٤٢٢ وينابيع المودة للقندوزي ص١٥٩ وصبح الأعشى ج١٤ ص٩٢ والأمالي للطوسي ج١ ص١٩٠ و ١٩١ وصفين للمنقري ص٥٠٨ و ٥٠٩ وكشف الغمة للأربلي ج١ ص٢١٠ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٢٠ وإعلام الورى ص٩٧ والبرهان ج٤ ص١٩٣ ونور الثقلين ج٥ ص٥٢ والفتوح لابن أعثم ج٤ ص٨ والبداية والنهاية ج٧ ص٢٧٧ والأخبار الطوال ص١٩٤ عن تاريخ الأمم والملوك ج٥ ص٥٢ وعن فتح الباري ج٥ ص٢٨٦.
قضية التحكيم بعد صفين.
فلجأوا إلى إثارة الشبهات حول علي (عليهالسلام )، لتخفيف الوطأة عن فريقهم.
٢ ـ إن نفس الطعن بقداسة علي (عليهالسلام )، وفي عصمته، والحط من
مقامه، والنيل منه، وابتذال شخصيته، ونسبة الرذائل والمعاصي إليه، وتصغير شأنه، حتى يصبح كسائر الناس العاديين، أمر مطلوب، ومحبوب لأعدائه، ومناوئيه. وبذلك تضعف حجة الطاعنين في مناوئيه، ويخرج أتباعهم من الإحراجات القوية التي تواجههم.
٣ ـ تكريس أبي بكر على أنه الرجل المميز بين جميع الصحابة، الذي كان يرى في الحديبية رأي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ويدعو الناس للقبول منه، والتسليم له..
قال دحلان: ".. ولم يكن أحد في القوم راضياً بجميع ما يرضى به النبي (صلىاللهعليهوآله )، غير أبي بكر الصديق، وبهذا يتبين علو مقامه.
ويمكن أن الله كشف لقلبه، وأطلعه على بعض تلك الأسرار التي ترتبت على ذلك الصلح، كما أطلع على ذلك النبي (صلىاللهعليهوآله )، فإنه حقيق بذلك، كيف وقد قال النبي (صلىاللهعليهوآله ): والله، ما صب الله في قلبي شيئاً إلا وصببته في قلب أبي بكر"(١) .
وقد نسي دحلان أن أبا بكر قد حزن في الغار. ولم يحزن الرسول (صلىاللهعليهوآله )، فأين ذهب ما كان النبي قد صبه في قلب أبي بكر آنئذ. وكذلك الحال في مبارزة عمرو في الخندق وكذلك ما جرى في خيبر وسواها..
٤ ـ إن السعي إلى جعل علي وعمر في سياق واحد، من حيث إن هذا يشك في دينه في الحديبية، وذاك يعصي أوامر الرسول الأكرم "صلى الله عليه
وآله" من شأنه أن يوجد حالة من التوازن، ثم تترجح كفة الفريق الآخر حيث جعل أبو بكر فوق الجميع، بل هو في مستوى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
____________
١- السيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٤٣.
الباب السادس :
خيبر وفدك..
الفصل الأول :
فتح ثلاثة حصون من خيبر..
المسير إلى خيبر:
عن الضحاك الأنصاري، قال: لما سار النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى خيبر جعل علياً (عليهالسلام ) على مقدمته، فقال (صلىاللهعليهوآله ): من دخل النخل فهو آمن.
فلما تكلم النبي (صلىاللهعليهوآله ) نادى بها علي(عليهالسلام )، فنظر النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى جبرائيل يضحك، فقال: ما يضحكك؟!
قال: إني أحبه.
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ): إن جبرائيل يقول إنه يحبك!
قال (عليهالسلام ): بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل؟!
قال (صلىاللهعليهوآله ): نعم، ومن هو خير من جبرائيل، الله عزَّ وجلّ(١) .
____________
١- أسد الغابة ج٣ ص٣٤ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٦ و المعجم الكبير للطبراني ج٨ ص٣٠١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٧٩ وج٢١ ص٣٠٦ و٣٠٧.
ونقول:
إننا نشير هنا إلى عدة أمور، في سياق العناوين التالية:
الرايات لم تكن قبل خيبر:
قال ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) فرق الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية(١) .
وكانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) سوداء، من برد عائشة تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب (عليهالسلام )..
ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة. وكان شعارهم: يا منصور أمت(٢) .
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٠ وقال في الهامش: أخرجه البيهقي في الدلائل ج٤ ص٤٨ وذكره ابن حجر في المطالب العالية (٤٢٠٢) والواقدي في المغازي ج١ ص٤٠٧، و (ط أخرى) ج٢ ص٦٤٩.
والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٠٦ وإمتاع الأسماع ص٣١٣ والسيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤.
٢- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص١٢٠ وفي الهامش قال: أخرجه البيهقي في الدلائل ج٤ ص٤٨ وذكره ابن حجر في المطالب العالية (٤٢٠٢) والواقدي في المغازي ج٢ ص٦٤٩.
وراجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ والإمتاع ص٣١١ و ٣١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٤٤٢.
وأضاف الحلبي: راية إلى أبي بكر، وراية إلى عمر(١) .
ونقول:
أولاً: قالوا: إن اللواء الذي دفعه النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى علي (عليهالسلام ) يوم خيبر ـ وكان أبيضاً ـ كان يقال له: العقاب أيضاً(٢) .
وذلك يشير إلى عدم الفرق بين اللواء والراية، فإن العقاب الذي كان عند النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان يقال له: راية تارة، ويقال له: لواء أخرى.
ثانياً: ذكروا: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أعطى اللواء لعلي (عليهالسلام ) في قضية قتل مرحب، مع أن الكلمة التي تناقلوها عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) في ذلك هي: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله إلخ.."..
وفي نص آخر: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ): خذ هذه الراية وتقدم(٣) .
____________
١- السيرة الحلبية ج٣ ص٣٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤.
٢- السيرة الحلبية ج٣ ص٣٦ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ عن سيرة الدمياطي.
٣- راجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٦ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٧٣٤ وكشف الغطاء ج١ ص١٥ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج١ ص٣٠٢ والعمدة ص١٥٣ والطرائف لابن طاووس ص٥٧ والصوارم المهرقة ص٣٥ وبحار الأنوار ج٣٩ ص٩٠ وبغية الباحث ص٢١٨ والمعجم الكبير للطبراني ج٧ ص٣٥ والثقات لابن حبان ج٢ ص١٣ والكامل لابن عدي ج٢ ص٦١ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٨٩ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٧٩٨.
وذلك يؤكد على عدم الفرق بين اللواء والراية أيضاً.
إلا أن يقال: إنه (صلىاللهعليهوآله ) قد جمع لعلي (عليهالسلام ) هنا بين الراية واللواء.
ثالثاً: تقدم في غزوة أحد: أنهم تارة يقولون: كانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مع علي (عليهالسلام ) في بدر وفي كل مشهد.
وأخرى يقولون: كان علي (عليهالسلام ) حامل لواء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في بدر وفي كل مشهد، والظاهر أنهم يريدون الحديث عن شيء واحد..
رابعاً: ومما يدل على أن الراية واللواء كانا سابقين على خيبر، وقد جمعهما النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ) قبل هذه الغزوة، قول الشيخ المفيد "رحمهالله ": "ثم تلت بدراً غزاة أحد، فكانت راية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بيد أمير المؤمنين (عليهالسلام ) فيها، كما كانت بيده يوم بدر، فصار اللواء إليه يومئذ، ففاز بالراية، واللواء جميعاً"(١) .
وقال "رحمهالله " أيضاً، ما ملخصه: كانت راية قريش ولواؤها بيد قصي بن كلاب، ثم لم تزل بيد ولد عبد المطلب، فلما بعث النبي "صلىاللهعليهوآله "
____________
١- الإرشاد ج١ ص٧٨ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٧٩ و٨٠ عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص٦٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٥٤.
صارت راية قريش وغيرها إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، فأعطاها علياً (عليهالسلام ) في غزاة ودّان، وهي أول غزاة حملت فيها راية في الإسلام.
ثم لم تزل مع علي (عليهالسلام ) في المشاهد، في بدر، وأحد.
وكان اللواء بيد بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى مصعب بن عمير، فاستشهد، ووقع اللواء من يده، فتشوقته القبائل، فأخذه (صلىاللهعليهوآله ) فدفعه إلى علي (عليهالسلام )، فجمع له يومئذ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم(١) .
خامساً: ويدل على عدم صحة قولهم: إنه (صلىاللهعليهوآله ) جمع الراية واللواء يوم خيبر ما رواه أبو البختري عن الإمام الصادق عن أبيه "عليهماالسلام ": أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعث علياً (عليهالسلام ) يوم بني قريظة بالراية، وكانت سوداء تدعى العقاب، وكان لواؤه أبيض(٢) .
____________
١- الإرشاد ص٤٨ و (ط دار المفيد) ج١ ص٧٩ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٨٠ وج٤٢ ص٥٩ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢٩٩ و (ط المطبعة الحيدرية) ج٣ ص٨٥ وكفاية الطالب ص٣٣٥ وإعلام الورى ص١٩٣ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٧٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٧.
٢- قرب الإسناد ص ١٣١ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٤٦ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٥ ص١٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج١١ ص١١٠ وجامع أحاديث الشيعة ج١٣ ص١١٥.