الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)16%

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19344 / تحميل: 7250
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن حارثة غير صحيح.

الغطرسة القرشية، والحكمة المحمدية:

وعن علي (عليه‌السلام ) قال: "فقدمت قريش، فأقامت على الخندق محاصرة لنا، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يدعوها إلى الله عز وجل، ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً"(١) .

ونقول:

ليس غريباً على قريش هذا العتو، وهذه الغطرسة، ما دامت تقيس الأمور بمقاييس مادية، وترى القوة في أنفسها، والضعف في المسلمين، الذين جاءت لاستئصالهم، وإبادة خضرائهم، ولكن هذا العتو وتلك الغطرسة سرعان ما تلاشت، ليحل محلها الضعف والخنوع، والخيبة القاتلة، كما سنرى.

وليس غريباً أيضاً: أن نجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومن موقع الشعور بالمسؤولية يعتمد الأسلوب الإنساني، ويستثير العاطفة الناشئة عن صلات القربى ولحمة النسب، والتي تكون لها هيمنة حقيقية على الإنسان، ولا بد أن تجتاح لمعاتها وهزاتها الجامحة كل كيانه، وكل وجوده. ثم هو

____________

١- الخصال ج٢ ص٦٨ باب السبعة، و (ط مركز النشر الإسلامي) ص٣٦٨ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٤٤ وج٣٨ ص١٧٠ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٣ ص١٢٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٣٦٣ وغاية المرام ج٤ ص٣١٩.

٢١

(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقرن ذلك بالدعوة إلى الله عز وجل، الذي هو مصدر الخير والقوة والبركات.

وحين لا تستجيب لداعي الرحم، ولا لداعي الله، وتصرّ على الإستجابة للهوى وللشيطان، فلا يبقى خيار سوى التصدي لها، وإسقاط هذا العنفوان الرديء والرذل، وتمريغ أنفها برغام الذلة والخزي والهوان.. وهكذا كان.

حراسة العسكر:

قال القمي: "كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل، وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على العسكر كله بالليل يحرسهم، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم.

وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يجوز الخندق، ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم، فلا يزال الليل كله قائماً وحده يصلي، فإذا أصبح رجع إلى مركزه..

ومسجد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) هناك معروف، يأتيه من يعرفه، فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشابة(١) "(٢) .

____________

١- غلوة نشاب: أي مقدار رمية سهم.

٢- راجع: تفسير القمي ج٢ ص١٨٦ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٣٠ ومستدرك الوسائل ج١٠ ص٢٠٠ وجامع أحاديث الشيعة ج١٢ ص٢٧٤ والصافي ج٤ ص١٧٨ وج٦ ص٢٨ ونور الثقلين ج٤ ص٢٥٤.

٢٢

ونقول:

إن لنا مع هذا النص وقفات هي التالية:

ضرورة الحراسة:

إن من البديهيات ضرورة الحذر من العدو المحارب، وحرمانه من فرصة تسديد ضربات هنا وهناك، من شأنها إرباك الجيش الإسلامي، أو إحداث ثغرات خطيرة فيه، وإلحاق الأذى بمعنوياته، وبثقته بقدارته، وطمأنينته إلى حسن تدبير القائمين على الأمور فيه.

ولم يكن يتولى الحراسة في حرب الخندق أشخاص عاديون، بل كان يتولاها قائد الجيش كله، وحامل لوائه وأميره الذي لم يكن فقط قادراً على اتخاذ القرار المناسب، ثم يأمر وينهى، بل كان يقرر ثم يباشر التنفيذ بنفسه، ثم هو في نفس الوقت لا يترك الفرصة تمر، ولا يمنح العدو أية قدرة على إتخاذ أي قرار آخر سوى الفرار، أو مواجهة الموت المحتم..

وكان لا بد لهذه الحراسة من أن تتواصل لتستغرق الزمان كله، لأن ذلك يعطي العدو الفرصة السانحة، ويجعل من الغفلة العارضة أو المنظمة منفذاً وسبباً لتضييع الجهد، وحمل النصر للعدو.

ولذلك كان لا بد من مواصلة الحراسة في الليل كله، لأن الليل هو وقت الهجعة اللذيذة، والغفلة القاهرة، لا سيما بعد أن يأخذ الملل والتعب مأخذهما.

والليل أيضاً هو الذي يمنح العدو الغطاء والوقاء، ويمكنه من تسديد ضرباته وفق ما يحلو له، وفي المكان الذي يختاره.

٢٣

من أجل ذلك نقول:

إنها لا بد أن تكون حراسة غير خاضعة لحدود الزمان والمكان، فلا تستقر في نقاط بعينها، لأنها في هذه الحال تمنح العدو فرصة التخطيط لإختراقها، أو لتحاشيها..

كما أن إطلاقها هذا يضيع على العدو الإحساس بالأمن، في أي من حالاته، ويجعله يتوقع المفاجآت، فيشغله ذلك بالعمل على تحاشيها، والإهتمام بحفظ نفسه قبل أن يفكر بأي تحرك خارج هذا النطاق، حيث لا بد أن يتوقع أن يفاجأ بدوريات الحراسة في كل إتجاه..

رصد العدو قتالياً:

كما أن المهمة التي اضطلع بها علي (عليه‌السلام ) لم تقف عند حدود الحراسة، بل تعدت ذلك إلى الرصد الدقيق لتحركات العدو..

ولم يكن ذلك مجرد رصد يهتم بنقل مشاهداته إلى القيادة لكي تتخذ هي القرار، بل هو الذي يرصد، ثم يقرر، ثم يباشر التنفيذ..

والذي يتولى الرصد ليس إنساناً عادياً، بل هو قائد الجيش كله، الذي لن يجد معلومات أصح مما يحصل هو بنفسه عليه، ويراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه.. ولن يحسن أحد تنفيذ ما يريده، ويرسم خطته أكثر منه، ولا يحتاج في المستجدات إلى انتظار القرار من أحد.. وهو أيضاً رصد دائم ومتواصل.

وكان الموضع الذي يستقر فيه لممارسة مهمته، موقعاً متقدماً جداً، قد لا يجرؤ على الوصول إليه أحد سواه.. وإن بلغه أحد، فلن يجرؤ على الإستقرار فيه طوال الليل.

٢٤

مسجد في موضع صلاة علي (عليه‌السلام ):

وقد بقي المسجد في ذلك المكان الذي كان علي (عليه‌السلام ) يرصد ويصلي فيه طوال الليل ـ بقي ذلك الشاهد الصادق على هذه التضحيات الجسام من أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وقد صمد هذا المسجد عشرات أو مئات الأعوام.

ولكن هل تركته الفئة الوهابية، أم هدمته متذرعة بأعذار واهية، لممارساتها المتواصلة لمحو آثار الإسلام، حيث هدمت قبور أهل البيت، وأزالت المساجد، ومحت الآثار الدالة على جهاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجهاد وصيه، والشاهدة على تضحيات الأخيار من أصحابه، والصفوة من أهل بيته؟!

وإذا كان لا يزال باقياً، فهل سيستمر بمرأى ومسمع منهم، ولا سيما إذا علموا أن لعلي (عليه‌السلام ) أي أثر فيه؟!

الراصد المصلي:

ويواجهنا هنا سؤال يقول:

ذكروا: أن علياً (عليه‌السلام ) أصاب رجله في غزوة أحد سهم صعب، فأمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإخراجه منها حين اشتغال علي (عليه‌السلام ) بالصلاة، فأخرجوه من رجله، فقال بعد فراغه من الصلاة: إنه لم يلتفت لما جرى(١) .

____________

١- إحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٦٠٢ عن المناقب المرتضوية الكشفي الحنفي ص٣٦٤.

٢٥

وفي نص آخر: كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد والنشاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلي، فإذا اشتغل بالصلاة، وأقبل على الله تعالى أخرجوا الحديد من جسده ولم يحسّ، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك، فيقول لولده الحسن (عليه‌السلام ): إن هي إلا فعلتك يا حسن(١) .

وفي نص ثالث: أن الزهراء "عليها‌السلام " هي التي أشارت عليهم بذلك(٢) .

وفي نص آخر: أن ذلك كان في حرب صفين، وأنهم أخرجوه حال سجوده(٣) .

ولا مانع من أن تتكرر الواقعة، فإنه (عليه‌السلام ) قد خاض حروباً كثيرة، لعلها تعد بالعشرات، ولم يكن يجرؤ أحد على الإقتراب منه، فكان رشقه بالسهام هي الطريقة الممكنة لإلحاق الأذى به (عليه‌السلام )..

فلنا بعد هذا أن نسأل: كيف يمكن رصد حركة العدو من قبل من هو مشغول بالصلاة، إذا كان هذا هو حال الراصد في صلاته؟!

ونجيب:

أولاً: بأن الله تعالى قد أجاب عن ذلك في آية قرآنية مباركة، هي قوله

____________

١- إرشاد القلوب ص٢١٧ وحلية الأبرار ج٢ ص١٧٩.

٢- المحجة البيضاء ج١ ص٣٩٧ و ٣٩٨ وجامع السعادات ج٣ ص٢٦٣.

٣- الحدائق الناضرة ج٧ هامش ص٢٤٢ وأسرار الشهادة (ط سنة ١٣١٩هـ) ص٢٥٥.

٢٦

تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

وقد جعل الله تبارك وتعالى حديث التصدق بالخاتم في حال الركوع مبرراً للإعلان عن أخطر منصب، وأجلّ مقام، يرتبط بمستقبل ومصير البشرية بأسرها، لا في جيل بعينه، وإنما في الأجيال المتعاقبة كلها إلى يوم القيامة..

مع أن هذا التصدق إنما حصل من نفس هذا الذي استخرجت السهام من جسده وهو يصلي، ولم يشعر بذلك..

ثانياً: إن هذا التصدق لا يتنافى مع تلك الصلاة، فإنهما معاً من سنخ واحد، فهما عيش مع الله، وتفكير بما يرضيه، فهو لم يفكر في الدنيا، ولا اهتم لزبارجها وبهارجها.. بل انصرف إلى عبادة الله..

ثالثاً: بل هو (عليه‌السلام ) قد مارسهما معاً في آن واحد، ومن الممكن توضيح ذلك بالإشارة إلى أن من يشرف على الجنة، فإنه يرى أشجارها، وأنهارها، وحورها، وقصورها بنظرة واحدة.

كما أن من يعيش في واحات الرضى والقرب الإلهي، فإنه يشعر ويحس ويرى، ويتفاعل مع كل ما تحويه تلك الواحات، فهو يسبح الله، ويبكي خوفاً منه، ويفرح بكونه في مقام الزلفى، ويرجو أن يحصل على المزيد من منازل الكرامة في آن واحد أيضاً.

____________

١- الآية ٥٥ من سورة المائدة.

٢٧

وهذا بالذات هو ما جرى حين التصدق بالخاتم في الصلاة، وكذلك حين كان (عليه‌السلام ) يصلي ويرصد حركة أعداء الله..

رابعاً: حتى لو أردنا أن نضع هذا الأمر في سياق الحسابات المفرطة في ماديتها، فنسلخها عن أبعادها الإيمانية، العميقة، فإن الناس العاديين قد يتمكنون من فعل ذلك، فإذا كان الراصد يصلي ركعتين مثلاً، ثم يجري معاينة للمحيط الذي يرصده، فإن رأى أنه لم يتغير شيء عاد إلى صلاته.. فإن التحرك المؤثر للعدو، يستغرق أكثر مما تستغرقه صلاة ركعة أو ركعتين، لأن الهدوء في الليل يفضح الأصوات، لمن يكون قريباً من مصدرها، مهما حاول من تصدر عنه أن يتستر عليها، وتحتاج لكي تختفي في ذلك الزمان الذي كان يعتمد في تحركاته الوسائل المغرقة في بدائيتها إلى المزيد من الوقت، حال الإنتقال من مكان إلى مكان.

فكيف إذا كانت تلك التحركات في مكان لا يتحاشى العدو وفيها من أحداث الأصوات، لأنه يظن نفسه بعيداً عن مواقع الرصد من الطرف الآخر..

٢٨

الفصل الثاني :

عمرو في المواجهة.. نصوص.. وآثار

٢٩

٣٠

علي (عليه‌السلام ) يسد طريق الهرب:

وذُكر أنه لما عبر عمرو بن عبد ود ومن معه الخندق أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام )، بأن يمضي بمن خف معه ليأخذ الثغرة عليهم، وقال: "فمن قاتلكم عليها فاقتلوه"(١) .

فخرج (عليه‌السلام ) في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة، وسلمها إليهم، فوقف عمرو، وطلب البراز(٢) .

____________

١- شرح الأخبار ج١ ص٢٩٤.

٢- راجع المصادر التالية: مناقب آل أبي طالب ج١ ص١٩٨ والإرشاد للمفيد ص٥٢ و (ط دار المفيد) ج١ ص٩٨ وكشف الغمة للأربلي ج١ ص٢٠٧ و ٢٠٣ والكامل في التاريخ ج٢ ص١٨١ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٢٣٩ ومجمع البيان ج٨ ص٣٤٢ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٥٣ وتاريخ الخميس ج١ ص٤٨٧ وعيون الأثر ج٢ ص٦١ والسيرة النبوية لابن هشام ج٣ ص٢٣٥ و (ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده) ج٣ ص٧٠٨ وتهذيب سيرة ابن هشام ص١٩٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج٣ ص٤٣٧ والبدء والتاريخ ج٤ ص٢١٨ وبهجة المحافل ج١ ص٢٦٦ والإكتفاء للكلاعي ج٢ ص١٦٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٢٠٢ وتاريخ= = الإسلام للذهبي (المغازي) ص٢٣٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص٢٩٠ وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص١٠٠ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص١٩٢ وشرح الأخبار ج١ ص٢٩٤ والدرر لابن عبد البر ص١٧٤ والجامع لأحكام القرآن ج١٤ ص١٣٤ وقصص الأنبياء للراوندي ص٣٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج٤ ص٣٧٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٨ ص١٠٨ عن مختصر سيرة الرسول لابن عبد الوهاب الحنبلي الوهابي (ط المطبعة السلفية في القاهرة) ص ٢٨٥.

٣١

وقد وصف علي (عليه‌السلام ) قريشاً: "..وفارسها وفارس العرب عمرو بن ود يهدر كالبعير المغتلم..

إلى أن قال: والعرب لا تعد لها فارساً غيره"(١) .

مبارزة علي (عليه‌السلام ) لعمرو:

ونذكر هنا طائفة من النصوص التي تصف ما جرى بين علي وعمرو بن عبد ود ومن معه. وقد آثرنا أن نستعيرها من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٢) ، فنقول:

____________

١- الخصال ج٢ ص٣٦٨ و (ط مركز النشر الإسلامي) ص٣٦٨ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٤٤ وج٣٨ ص١٧٠ والإختصاص ص١٦٧ وشرح الأخبار ج١ ص٢٨٧ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٣ ص١٢٦ وحلية الأبرار ج٢ ص٣٦٣ وغاية المرام ج٤ ص٣١٩.

٢- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (الطبعة الخامسة) ج١١ ص١٢٠ ـ ١٣٦.

٣٢

ذكروا: أن عمرو بن عبد ود جعل يدعو للبراز وكان قد أعلم(١) ، لكي يرى مكانه.. وهو يعِّرض بالمسلمين.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على ما في الروايات: من لهذا الكلب؟!

فلم يقم إليه أحد.

فلما أكثر، قام علي (عليه‌السلام )، فقال: أنا أبارزه يا رسول الله، فأمره بالجلوس، انتظاراً منه ليتحرك غيره.

وأعاد عمرو النداء والناس سكوت كأن على رؤوسهم الطير، لمكان عمرو، والخوف منه وممن معه، ومن وراءه.

فقال عمرو: أيها الناس، إنكم تزعمون: أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار؟ أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة، أو يقدم عدواً له إلى النار؟.

فلم يقم إليه أحد.

فقام علي (عليه‌السلام ) مرة أخرى، فقال: أنا له يا رسول الله، فأمره بالجلوس.

فجال عمرو بفرسه مقبلاً مدبراً. وجاءت عظماء الأحزاب، ووقفت من وراء الخندق، ومدت أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو: أن أحداً لا يجيبه قال:

ولقد بححت من النداء

بجمعهم هل من مبارز

____________

١- أعلم: أي ميز نفسه بعلامة، لكي يراه الأقران، وهو يدلل على شجاعته، وأنه غير هائب من أحد.

٣٣

طووقـفــت مـذ جبـن المـشجـع

مـوقــف القــرن المـنـاجـز

إنـي كذلــــك لــــم أزل

متســرعاً قـبــل الهـزاهـــز

إن الـشــجاعــة فــي الفـتى

والجـود مـــن خــيـــر الغرائز

فقام علي (عليه‌السلام )، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في مبارزته.

فلما طال نداء عمرو بالبراز، وتتابع قيام أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، قال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ادن مني يا علي.

فدنا منه، فقلده سيفه (ذا الفقار)، ونزع عمامته من رأسه، وعممه بها، وقال: امض لشأنك.

فلما انصرف، قال: اللهم أعنه عليه(١) .

____________

١- راجع المصادر التالية: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٩ ص٦٣ و ٦٤ والإرشاد للمفيد ص٥٩ و ٦٠ وعيون الأثر ج٢ ص٦١ و (ط مؤسسة عز الدين ـ بيروت) ج٢ ص٣٩ وإعلام الورى ص١٩٤ و ١٩٥ والمغازي للواقدي ج٢ ص٤٧٠ و ٤٧١ وحبيب السير ج١ ص٣٦١ وراجع: مناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٥ وبحار الأنوار ج٣٩ ص٤ و ٥ وج٤١ ص٨٨ و ٨٩ وج٢٠ ص٢٢٥ ـ ٢٢٨ و ٢٠٣ و ٢٠٥ و ٢٥٤ ـ ٢٥٦ وتفسير القمي ج٢ ص١٨١ ـ ١٨٥ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٤ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٦ و ٧ والسيرة الحلبية ج٢ ص٣١٩ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص٦٤١ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٨٧ ـ ٢٨٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص٦٨ و إمتاع الأسماع ج١ ص٢٣٦ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٦٤ وسبل الهدى والرشاد ج٤ ص٣٧٧.

٣٤

ولكن ابن شهرآشوب قال: إن عمرواً جعل يقول: هل من مبارز؟! والمسلمون يتجاوزون عنه.

فركز رمحه على خيمة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقال: ابرز يا محمد.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟!

فنكل الناس عنه.

إلى أن قال: روي: أنه لما قتل عمرو أنشد علي (عليه‌السلام ):

ضربتـه بـالسيف فوق الهـامـة

بـضربة صارمـــة هــدامــة

أنـا علي صاحب الصمصــامة

وصـاحب الحوض لدى القيامة

أخـو رسول الله ذي العـلامــة

وقال إذ عـمـمـنـي عـمامــة

أنـت الـذي بـعـدي لـه الإمامة(١)

والمفارقة هنا أن علياً هو الذي يقتل عمرواً الذي نكل عنه أبو بكر الذي طلب الإمامة واستأثر بها لنفسه بالقوة والقهر..

وعن حذيفة قال: فألبسه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه بعمامته السحاب على رأسه تسعة أكوار، ثم قال: تقدم.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما ولى: اللهم احفظه من بين يديه،

____________

١- مناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٥ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٣٢٤ وبحار الأنوار ج٤١ ص٨٨.

٣٥

ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدميه(١) .

ويضيف البعض: "أنه رفع عمامته، ورفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه، وقال: اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحرث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا أخي علي بن أبي طالب.( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) (٢) "(٣) .

____________

١- مجمع البيان ج٨ ص٣٤٣ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٣ ص١٣٢ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٠٣ و ٢٢٦ وشواهد التنزيل (ط سنة ١٤١١ هـ.ق) ج٢ ص١١ وينابيع المودة ص٩٥ و (ط دار الأسوة) ج١ ص٢٨٤ وشرح الأخبار ج١ ص٣٢٣ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٨٨ وتفسير القمي ج٢ ص١٨٣ وجوامع الجامع ج٣ ص٥٢ والصافي ج٤ ص١٧٦ وج٦ ص٢٦ ونور الثقلين ج٤ ص٢٥١ وتأويل الآيات ج٢ ص٤٥١ وغاية المرام ج٤ ص٢٧٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٠ ص٦٢٥ وج٣١ ص٢٣٤.

٢- الآية ٨٩ من سورة الأنبياء.

٣- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٩ ص٦١ وج ١٣ ص٢٨٣ و ٢٨٤ وكنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٩٧ و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص١٣٧ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٦ وتاريخ الخميس ج١ ص٤٨٧ والسيرة الحلبية ج٢ ص٣١٩ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢١٥ وج٣٨ ص٣٠٠ و ٣٠٩ وج٣٩ ص٣ وكنز العمال ج١٢ ص٢١٩ وج١٠ ص٢٩٠ و (ط مؤسسة الرسالة) ج١١ ص٦٢٣ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٢١ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٦٢ = = ومستدركات علم رجال الحديث ج٥ ص٢٠٠ ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص١٥٢ وفضائل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لابن عقدة ص٧٩ والمناقب للخوارزمي ص١٤٤ وكشف الغمة ج١ ص٣٠٠ وتأويل الآيات ج١ ص٣٢٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٤٤ وج١٧ ص١١٢ وج٢٠ ص٦٢٤ و ٦٢٦ وج٢٣ ص٦٤٨ وج٣١ ص٣٩٤.

٣٦

وتصور لنا رواية عن علي (عليه‌السلام ) الحالة حين عبور الفرسان الخندق، فهو يقول: "وفارسها وفارس العرب يومئذٍ عمرو بن عبد ود، يهدر كالبعير المغتلم، يدعو إلى البراز، ويرتجز، ويخطر برمحه مرة، وبسيفه مرة، لا يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، فأنهضني إليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعممني بيده، وأعطاني سيفه هذا ـ وضرب بيده إلى ذي الفقار ـ فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقاً عليَّ من ابن عبد ود، فقتله الله عز وجل بيدي، والعرب لا تعد لها فارساً غيره"(١) .

ونحن نشك في الفقرة التي تذكر أن نساء المدينة بواك على علي (عليه‌السلام ) حين خرج إلى عمرو.. فإن نساء المدينة لم يحضرن إلى ذلك المكان، إلا إن كان المقصود كل النساء اللواتي حضرن مع أزواجهن كما هو عادة كثير منهم.

____________

١- راجع: الخصال ج٢ ص٣٦٨ و (ط مركز النشر الإسلامي) ص٣٦٨ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٤٤ وج٣٨ ص١٧٠ والإختصاص ص١٦٦ و ١٦٧ وشرح الأخبار ج١ ص٢٨٧ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٣ ص١٢٦ وحلية الأبرار ج٢ ص٣٦٣ وغاية المرام ج٤ ص٣١٩.

٣٧

ويذكر البعض: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): "أدناه، وقبله، وعممه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودع له، القلق لحاله، المنتظر لما يكون منه. ثم لم يزل (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رافعاً يديه إلى السماء، مستقبلاً لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله، كأن على رؤوسهم الطير الخ.."(١) .

برز الإسلام كله إلى الشرك كله:

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حينئذٍ: برز الإسلام أو الإيمان كله، إلى الشرك كله(٢) .

فخرج له علي (عليه‌السلام ) وهو راجل، وعمرو فارساً، فسخر به

____________

١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٨٥ والعثمانية للجاحظ ص٣٣٢ وغاية المرام ج٤ ص٢٧٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٠ ص٦٢٦.

٢- راجع: كشف الغمة ج١ ص٢٠٥ وإعلام الورى ص١٩٤ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٣٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٦١ و ٢٨٥ وج١٩ ص٦١ والطرائف لابن طاووس ص٣٥ و ٦٠ وكنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٩٧ و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص١٣٧ ومجمع البيان ج٨ ص٣٤٣ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢١٥ و ٢٧٣ وج٣٩ ص٣ ونهج الحق ص٢١٧ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٨٨ والعثمانية للجاحظ ص٣٢٤ و ٣٣٣ وتأويل الآيات ج٢ ص٤٥١ وينابيع المودة ج١ ص٢٨١ و ٢٨٤ وغاية المرام ج٤ ص٢٧٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٩ وج١٦ ص٤٠٤ وج٢٠ ص١٤٠ و ٦٢٥ وج٣١ ص٢٣٤.

٣٨

عمرو، ودنا منه علي(١) ، ومعه جابر بن عبد الله الأنصاري "رحمه‌الله "، لينظر ما يكون منه ومن عمرو(٢) .

وفي بعض الروايات: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لأصحابه: أيكم يبرز إلى عمرو وأضمن له على الله الجنة؟! والجنة اعظم خطرا من السلطة، ومن المناصب الدنيوية والأموال وكل ما في الدنيا ولكنهم زهدوا بها.

فلم يجبه منهم أحد هيبة لعمرو، واستعظاماً لأمره. فقام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ثلاث مرات، والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يأمره بالجلوس(٣) .

وحسب نص ابن إسحاق، وغيره من المؤرخين: خرج عمرو بن عبد ود، وهو مقنع بالحديد، فنادى: من يبارز؟!

فقام علي بن أبي طالب، فقال أنا (له) يا نبي الله.

____________

١- إمتاع الأسماع ج١ ص٢٣٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٣٧١.

٢- راجع: الإرشاد للمفيد ص٥٩ و ٦٠ و (ط دار المفيد) ج١ ص١٠٠ و ١٠١ وحبيب السير ج١ ص٣٦١ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٣ وإعلام الورى ص١٩٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٨١ والدر النظيم ص١٦٤ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص٧٠ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢٥٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٦٤ و ٣٩٥.

٣- كنز الفوائد (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٩٧ و (ط مكتبة المصطفوي ـ قم) ص١٣٧ وبحار الأنوار ج٢٠ ص٢١٥.

٣٩

فقال: إنه عمرو، إجلس.

ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟! فجعل يؤنبهم، ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟! أفلا تُبرزون إليَّ رجلاً؟!

فقام علي، فقال: أنا يا رسول الله.

فقال: إجلس.

ثم نادى الثالثة، فقال:

ولـقـد بـحـحــت مـن الـنــداء (... إلى آخر الأبيات)

قال: فقام علي (عليه‌السلام )، فقال: يا رسول الله، أنا له.

فقال: إنه عمرو.

فقال: وإن كان عمرواً.

فأذن له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول:

لا تـعـجـلن فـقـد أتــاك

مجـيــب صـوتـك غير عـاجز

ذو نـيـــة وبـصــيـــرة

والـصـدق مـنـجــا كـل فـائز

عـلـيــك نـائـحـة الجـنـائز

عـلـيــك نـائـحـة الجـنـائز

مـن ضـربـة نـجـلاء يـبقى

ذكــرهــا عـنــد الهــزاهـز

وفي الديوان المنسوب لعلي (عليه‌السلام ) بيتان آخران هما:

ولـقــد دعــوت إلى الـبـراز

فـتـى يجـيـب إلــى المـبـارز

يـعـلـيـك أبـيـض صـارماً

كـالمـلـح حـتـفـاً لـلـمبارز

فقال له عمرو: من أنت؟!

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160


ما يشترط في الإمام

قال(٢٢٤) :

( يشترط في الإمام أن يكون : مكلفاً ، حراً ، ذكراً ، عدلاً وزاد الجمهور : إشتراط أن يكون شجاعاً مجتهداً ذا رأي واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ، أي : من أولاد نضر بن كنانة ، خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة. لنا : السنّة والاجماع ).

أقول :

قد عرفت في التعريف أن ( الامام ) إنّما هو ( خليفة النّبي ) والقوم لم يشترطوا فيه بالاتفاق إلاّ :

التكليف والحريّة والذّكورة والعدالة.

واختلفوا في شروط هي :

الشجاعة والاجتهاد والرأي

قال :

( واتفقت الأمة على اشتراط كونه قرشياً ) فادّعى الاتّفاق ، لكن قال :

( خلافاً للخوارج وأكثر المعتزلة )!!

ثمّ استدل لإشتراط القرشيّة بالكتاب والسنة وأصرّ عليها إصراراً

أقول :

أمّا التكليف والحريّة والذكورة فالواجدون لها من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالآلاف ، وكذا ( العدالة ) لا سيّما بناء على المشهور بينهم من أصالة العدالة في الصّحابة ، وكذا ( الشجاعة ) و ( الرأي ) فإنهما ـ على القول باعتبارهما ـ كانا في كثير من الصحابة ، وكذا ( الاجتهاد في الأصول والفروع ) عند القوم ، وبه يوجّهون المخالفات الصريحة من الصّحابة فما الذي رجّح أبابكر وعمر وعثمان على غيرهم من الصّحابة فكانوا خلفاء لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم


١٦١


وسلّم دونهم؟

بل في الصّحابة من هو خير منهم في ما عدا الصفات الثلاثة الأولى ، ولذا وقع الاختلاف بين القوم في اشتراط ما عداها!!

ثم إنّ الواجدين لهذه الصفات كلّها في قرش جمع غفير فما الذي ميّز الثلاثة عن غيرهم؟

على أنّ اعتبار القرشيّة ينافي مذهب عمر بن الخطّاب فإنّه تمنى حياة بعض الموالي ليجعل فيه الخلافة من بعده! فقد قال : « لو كان سالم حيّاً ما جعلتها شورى ) يعنى : سالم بن معقل مولى أبي حذيفة وكان من أهل فارس من اصطخر ، وقيل : إنّه من عجم الفرس من كرمد ، ذكر ذلك ابن عبدالبرّ ، وقال : كان من فضلاء الموالي ، ثمّ حمل كلام عمر على أنّه كان يصدر فيها عن رأيه(١) ولا يخفى بعده عن الكلام كلّ البعد ، وقد رووا كلامه بلفظ : « لو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك » وعنه « لو استخلفت سالماً مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربي ما حملك على ذلك لقلت ربي سمعت نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول إنّه يجبّ الله تعالى حقاً من قبله »(٢) .

بل رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ينافي اعتبار القرشية بصراحة ، فقد أخرج أحمد بسنده عن عائشة قالت : « ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلاّ أمرّه عليهم ولو بقى بعده استخلفه »(٣) .

والواقع أنّهم يسعون في تقليل شرائط الإمامة وتهوينها كي يتمكنوا من إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وإلاً فقد عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) فيعتبر في الإمام أن يكون كالنّبي ، أي إنّ الله ما نصب للإمامة أحداً إلاّ كان واجداً لصفات من نصبه نبياً ، بأن كان أفضل الناس

__________________

(١) الاستيعاب ٢/٥٦٧.

(٢) حلية الأولياء ١/١٧٧.

(٣) المسند ٦/٢٢٦.


١٦٢


وأعلمهم ، معصوماً من الخطأ والنسيان مطلقاً فما كان للقاضي العضد من جواب عن هذا إلاّ أن قال : « إنا ندلّ على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء ممّا ذكر » و « إنّ أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً »(١) .

قال(٢٤٦) :

( واشترط الشيّعة أن يكون هاشمياً بل علوياً ، وعالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ، قولاً بلا حجة ، مع مخالفة الاجماع. وأن يكون أفضل أهل زمانه ، لأنّ تقديم المفضول قبيح عقلاً ، ونقل عن الأشعري ، تحصيلاً لغرض نصبه وقياساً على النبوة. وردّ بالقدح في قاعدة القبح وأن يكون معصوماً ).

أقول :

مذهب أصحابنا أن الصّفات المعتبرة في الإمام ، والتي لأجلها يكون النصب من الحكيم العلاّم ، لم تتوفّر إلاّ في أمير المؤمنين وأبنائه الأحد عشر عليهم الصلاة والسّلام ، فكانوا هو الأئمّة ، دون غيرهم من أفراد الأمة فإن أراد من قوله :( اشترطت الشيعة أن يكون هاشمياً بل علويّاً ) هذا المعنى فهو صحيح.

وأمّا كونه( عالماً بكلّ أمر حتى المغيّبات ).

فهو لازم مقام الامامة التي هي النيابة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوراثة له في كلّ شيء إلاّ الوحي ، فان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالماً بكلّ أمرٍ حتّى المغيّبات ، كما هو صريح القرآن الكريم في غير واحدة من الآيات.

بل لقد ادّعى القوم العلم بالغيب لبعض الصحابة ، من ذلك ما رووه في صحاحهم في حذيفة بن اليمان أنّه : « أعلمه رسول الله بما كان وما يكون إلى يوم القيامة »(٢)

__________________

(١) المواقف في علم الكلام ٨/٣٥٠.

(٢) مسند أحمد ٥/٣٨٦ ، صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ، الاصابة ١/٢١٨.


١٦٣


وبعد :

فإنّ الأئمّة الأثني عشرعليهم‌السلام كانوا كذلك ، وتلك خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الدالّة على إحاطة علمه موجودة في الكتب ، وقد أذعن بها القاضي العضد والشريف الجرجاني(١) وبذلك تعرف ما في قول السّعد : « وهذه جهالة تفرد بها بعضهم ».

وأمّا كونهم أفضل أهل زمانهم فسيذكر بعض الأدلة على ذلك وتقديم المفضول قبيح عندنا وعند الأشعري وأتباعه ن بل جاء في الكتاب ٢٩٠ :( ذهب معظم أهل السنّه وكثير من الفرقّ إلى أنه يتعيّن للامامة أفضل أهل العصر ).

ومن هذه العبارة يظهر ما في نسبة صاحب المواقف وشارحها القول بجواز تقديم المفضول إلى الأكثرين(٢) .

ومنها ومن قول ابن تيمية : « تولية المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم »(٣) يظهر أيضاً ما في ردّ بعضهم( بالقدح في قاعدة القبح ).

هذا ، وإنّ عمدة الصّفات المستلزمة للأفضلية هي ( الأعلميّة ) و ( التقوى ) فقد قال الله تعالى :( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٤) وقال :( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (٥) وكذا دلّت الأحاديث النّبوية ، ودلّ عليه العقل وقام الإجماع كما نص في الكتاب ٣٠١ وسيذكر بعض الأدلة على أنّ عليّاًعليه‌السلام أعلم الأمة وأتقاها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وعلى الجملة فإنّ الإمام منصوب من العليم الحكيم ، كما أنّ النبي مبعوث منه ، وكما يدلّ اختياره للنبوة على الأفضلية قطعاً كما نص عليه في الكتاب ٢٤٧

__________________

(١) شرح المواقف ٨/٣٧٠.

(٢) شرح المواقف ٨/٣٧٣.

(٣) منهاج السنة ٣/٢٧٧.

(٤) سورة الحجرات : ١٣.

(٥) سورة الزمر : ٩.


١٦٤


كذلك يدل اختياره للإمامة على الأفضلية ، ومن هنا أجاب في الكتاب عن وجوه القول بجواز تقديم المفضول بقوله ٢٤٧ : بأنّها لا تصلح للاحتجاج على الشيعة( فإن الإمام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق ).

وأمّا العصمة فلا حاجة إلى إقامة الدليل على اشتراطها في الامام ، بعد أن عرفت أنّ ( الامامة ) إنّما هي ( خلافة عن النبي ) فيعتبر في الامام كلّ ما يعتبر في ( النبّي ) إلاّ النبوة ، ومنه العصمة ، وأنّه لمّا كانت العصمة أمراً خفيّاً لا يطّلع عليه أحد كان النص من الله تعالى هو الطّريق إلى معرفة الإمام وتعيينه ، بل كان على الخصم إقامة الدّليل على عدم وجوب العصمة ، فلذا جاء في الكتاب ٢٤٩ :

( إحتجّ أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالاجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم...وقد يحتج كثير بأن العصمة ممّا لا سبيل للعباد إلى الإطّلاع عليه ، فإيجاب نصب إمامٍ معصوم يعود إلى تكليف ما ليس في الوسع ).

أقول :

ولا يخفى سقوط الوجهين ، أمّا الأول فالاجماع على إمامة القوم غير واقع. وأمّا الثاني ، فالأنّه موقوف على أن يكون النصب بيد الخلق وهوباطل ولذا اضطر السّعد إلى أن يقول ٢٤٩ :

( وفي انتهاض الوجهين على الشيعة نظر ).

ومع ذلك فقد استدل أصحابنا لا شتراط العصمة بوجوهٍ من الكتاب والسنة والعقل وقد ذكر بعضها :

قال(٢٤٩) :

( احتجّوا بوجوه : الأوّل : القياس على النبّوة وردّ بأنّ النبّي مبعوث من الله ، مقرون دعواه بالمعجزات الباهرة الدالة على عصمته ولا كذلك الإمام فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سيبل لهم إلى معرفة عصمته ).

أقول :


١٦٥


ليس أمر الامامة مقيساً على النبوة ، بل هي من توابع النبوة وشئونها كما عرفت ، وكما أنّ النبي مبعوث من الله فكذلك الامام منصوب منه. وكما أنّ دعوى النّبي مقرونة بالمعجزات ، فكذلك الامام تظهر المعجزة على يده متى اقتضت المصلحة ، ولذا كان ظهور المعجزة على يده قائماً مقام النص ، كما نص عليه علماؤنا(١) والعجب من السّعد كيف يقول : « فإنّ نصبه مفوّض إلى العباد الذين لا سبيل لهم إلى معرفة عصمته » فانّه ليس إلاّ مصادرة ، مع أنّه يناقض كلامه السابق حيث اعترض على الاحتجاج بجواز تقديم المفضول بأنّ ( الأفضليّة أمر خفي ) قائلاً : بأنّ( هذا وأمثاله لا يصلح للاحتجاج على الشيعة ، فإنّ الامام عندهم منصوب من قبل الحق لا من قبل الخلق )!!

قال :(٢٥٠) :

( الثّاني : إنّ الامام واجب الطاعة. قال الله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (٢) والجواب : إنّ وجوب طاعته إنّما هو فيما لا يخالف الشّرع ) .

أقول :

إن الأمر المطلق بالإطاعة المطلقة دليل العصمة ، لا سيّما في هذه الآية حيث عطف ( أولي الأمر ) على ( الرّسول ) ، ولذا اعترف إمامهم الفخر الرازي بدلالة الآية على العصمة(٣) وأمّا حمله ( أولي الأمر ) على غير ( الإمام ) فيردّه عدم إنكار السّعد الاستدلال من هذه الناحية.

قال :(٢٥٠) :

( الثالث : إنّ غير المعصوم ظالم والجواب ).

__________________

(١) تلخيص الشافي ١/٢٧٤ ، الباب الحادي عشر : ٤٨.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١٠/١٤٤.


١٦٦


أقول :

قال تعالى :( وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (١) .

وإذا عرفنا ( الظالم ) و ( العهد ) ظهر وجه الاستدلال.

فأمّا ( الظالم ) فهو عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضع الشيء في غير موضعه(٢) وغير المعصوم كذلك كما هو واضح.

وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون ـ(٣) هو ( الامامة ).

فمعنى الآية : إن غير المعصوم لايناله الإمامة.

هذا وجه الاستدلال ، ولا يخفى الإضطراب في كلمات السّعد لدى الجواب.

قال( ٢٥١) :

( الرّابع : إنّ الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل ، ولذلك يكون الإمام لطفاً لهم والجواب : إنّ وجوب الإمام شرعي ، بمعنى أنه أوجب علينا نصبه )

أقول :

وفيه ، إنّه مصادرة وهذا أيضاً منه تناقض ظاهر.

قال :(٢٥١) :

( الخامس : إنه حافظ للشّريعة ، فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضاً لها والجواب : إنه ليس حافظاً لها بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الامة واجتهاده الصحيح ، فإن أخطأ في إجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردّون

__________________

(١) سورة البقرة : ١١٨.

(٢) قاله الراغب في المفردات ٣١٥.

(٣) الرازي ٣/٤٠ ، البيضاوي ٢٦ ، أبو السعود العمادي ١/١٥٦.


١٦٧


والآمرون بالمعروف يصدّون ).

أقول :

إنه حافظ للشريعة ـ أي ما في الكتاب والسنة ـ بذاته ، بأنْ يعلّمها المؤمنين بها ، ويدعو الآخرين إليها ، وينفي تحريفات المبطلين عنها كما أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك. وأمّا الكتاب والسنّة فلا يخفظان الشّريعة لأنّهما محتاجان إلى الإمام المبيّن لهما.

ثم إنّ الإمام ليس مجتهداً ، بل شأنه شأن النبي ووظيفته وظيفته كما ذكرنا ، فلا يجوز عليه الخطأ ألبتة فضلاً عن المعصية حتى يردّه المجتهدون ويصدّه الآمرون بالمعروف.

ثم من أين يؤمن المجتهدون والآمرون عن الخطأ والمعصية؟ ومن يكون الرّاد والصادّ لهم عن ذلك؟ وانْ كانوا لا يخطأون ولا يعصون كانوا هو الآئمّة ووجب على الإمام إطاعتهم!

قال(٢٥٢) :

( السادس : إنه لو أقدم على المعصية فإمّا أن يجب الإنكار عليه ، وهو مضاد لوجوب إطاعته والجواب : إن وجوب الطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشّرع ).

أقول :

ومن المشخّص للمخالف للشّرع عن غير المخالف؟ إنْ كان غير معصوم فهو كالأول ، وإنْ كان معصوماً فهو الإمام.

قال :(٢٥٢) :

( السّابع : إنّه لابدّ للشرّيعة من ناقل ، ولا يوجد في كلّ حكمٍ حكم أهل التواتر معنعناً إلى إنقراض العصر ، فلم يبق إلاّ أن يكون إماماً معصوماً عن الخطأ. والجواب : إنّ الظنّ كافٍ في البعض...وأمّا القطعي فإلى أهل التواتر أو جميع الأمة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي


١٦٨


قصد. ثمّ ـ وليت شعري ـ بأيّ طريق نقلت الشّريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلاّ الاسم ).

أقول :

لو سلّمنا كفاية الظن في البعض ، فالرجوع في القطعي إلى أهل التواتر مع احتمال السّهو عليهم لا يفيد ، سلّمنا أنه لا يجوز عليهم السّهو فما المانع من عدولهم من النقل تعمّداً لبعض الأغراض والدواعي؟ وكذا الكلام في الرجوع إلى جميع الأمة ، ودعوى عصمتهم عن الخطأ ممنوعة ، لانّ ما جاز على آحاد الأمة جائز على جميعها.

وأمّا الشّريعة فقد انتقلت إلى الشّيعة عن الأئمّة السابقين على الغائبعليه‌السلام ، وهو حي موجود ينتفع به كالانتفاع بالشمس خلف السحاب.

هذا ، واعلم أنّ جميع هذه الشبهات التي طرحها السّعد حول هذه الأدلة إنّما هي مأخوذة من كتاب ( المغني في الإمامة ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي ، فالقوم في الردّ على الشّيعة عيال على المعتزلة ، لكن أصحابنا أجابوا عنها بأجوبة كافية شافية ، كما لا يخفى على من راجع ( الشافي ) و ( تلخيصه ) وغيرهما.

ثم إنّه يدل على اعتبار العصمة في الإمام من السنّة أحاديث ، منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، وحديث : « علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض »(١) فإنّه يفيد ثلاثة أمور : أحدها : معنى العصمة وهو عدم التخطّي عن القرآن. والثاني : اشتراط هذا المعنى في الامام. والثالث : وجوده في عليعليه‌السلام .

قال(٢٥٢) :

( وأمّا اشتراط المعجزة والعلم بالمغيّبات فمن الخرافات ).

أقول :

__________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/١٢٤ والذهبي في تلخيصه وصحّحاه.


١٦٩


دعوى أنّ ذلك كله خرافات لا دليل عليها ، والأصل في إنكار ظهور المعجزة على يد الامام هو القاضي عبدالجبار المعتزلي أيضاً ، وقد أجاب عنه الشريف المرتضى الموسوي في كتاب ( الشّافي ) فليت السّعد لاحظ كلامه

وممّا قالرحمه‌الله : « إنّ المعجزة هو الدال على صدق من يظهر على يده فيما يدّعيه ، أو يكون كالمدعي له ، لأنّه يقع موقع التصديق ، ويجري مجرى قول الله تعالى له : صدقت فيما تدّعيه عليّ. وإذا كان هذا هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد من يدّعي الإمامة ليدّل به على عصمته ووجوب طاعته والانقياد له ، كما لا يمتنع أن يظهره على يد من يدّعي نبوّته »(١) .

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « فصل في إيجاب النص على الامام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدال على إمامته »(٢) .

وقال العلامة الحلّي : « الامام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه »(٣) .

وأمّا أحاطة علمه فلم ينكره القاضي العضد والشريف الجرجاني.

وأمّا علمه باللّغات وغير ذلك فلا دليل على منعه ، بل الدليل على ثبوته كما هو الحال في النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

طريق ثبوت الإمامة

مذهب أصحابنا أن لا طريق إلى ثبوت الإمامة إلاّ النّص أو ما يقوم مقامه وهو ظهور المعجز على يد المدّعي لها ، وذهب القوم إلى ثبوتها بالنصّ والبيعة.

__________________

(١) الشافي في الإمامة ١/١٩٦.

(٢) تلخيص الشافي ١/٢٧٥.

(٣) الباب الحادي عشر : ٤٨.


١٧٠


قال(٢٥٥) :

( لنا على كون البيعة والاختيار طريقاً : إنّ الطريق إمّا النص وإما الاختيار ، والنص منتف في حق أبي بكر مع كونه إماماً بالاجماع ، وكذا في حق علي على التحقيق. وأيضاً : إشتغل الصّحابة بعد وفاة النبي فكان إجماعاً على كونه طريقاً ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ).

أقول :

لقد أقرّ بانتفاء النص في حق أبي بكر.

وكونه إماماً دعوى تحتاج إلى إثبات ، والاجماع غير متحقق.

ونفي النص في حق عليعليه‌السلام لا يسمع ، لأنّ المثبت مقدّم على النافي.

ولا يخفى إختلاف تعبيره بين النّفيين.

هذا في الوجه الأول.

وفي الثاني : إنّ اشتغال ( الصحابة ) بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير حاصل ، بل المشتغلون بعضهم ، والاجماع بين هذا البعض غير حاصل فكيف بالكلّ؟ وإذ لم يتحقق الإجماع فلا عبرة بقوله( لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .

هذا كلّه بغضّ النّظر عن المفاسد المترتبة على الإختيار ، وبغض النظر عن عدم الدليل على اعتبار إجماع الصحابة بل الأمة ما لم يكن بينهم معصوم.

ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى ( الأمّة ) ويزعمون أن إمامة أبي بكر كانت بالاجماع ، ثم يقولون بأنّه يتحقق( باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ) و( من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ) ٢٥٤ ، ثم يقولون بأنّه( ينعقد بعقد واحد منهم ) ٢٥٤!

فانظر كيف نزلوا من ( الخلق ) و ( الأمة ) و ( الإجماع ) إلى ( أهل الحلّ والعقد ) إلى ( الواحد )!

وكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب إتباع من لم ينص الله عليه ولا


١٧١


رسوله ، ولا اجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق ، في شرق الدّنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد؟!

قال(٢٥٥) :

( احتجت الشيعة بوجوه :

الأول : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً أفضل من رعيّته وردّ بمنع المقدمتين ).

أقول :

قد ثبت تماميّة المقدّمتين ، وتقدّم أنّه لولا العصمة والأفضلية بالأعلمية وأمثالها من الصّفات لم يبق فرق بين الإمام والمأموم ، فالأمران معتبران في الإمام ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، فانحصر الطريق في النص.

قال(٢٥٥) :

( الثاني : إنّ أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء وردّ بمنع الصغرى ولو سلّم فذلك لوجود من إليه التّولية وهو الإمام ).

أقول :

أمّا ما ذكره أوّلاً فلا يخفى ما فيه ، إذ لا ولاية لقاضي التحكيم وللشاهد على القاضي.

وأمّا ما ذكره ثانياً ـ ولعلّه إنّما ذكره لالتفاته إلى المغالطة في كلامه ـ ففيه : أنه خروج عن الكلام ، فإنّه في طريق تعيين الإمام

قال(٢٥٥) :

( الثالث : إنّ الإمامة لإزالة الفتن ، وإثباتها بالبيعة مظنّة إثارة الفتن ، لاختلاف الآراء وردّ بأنّه لا فتنة عند الانقياد للحق ).

أقول :

ولكنّ المشخّص للحق ما هو؟ هل البيعة أو النصّ؟ إن كان الأول ففيه المحذور ، فلا مناص من الثاني.


١٧٢


وقوله :( نزاع معاوية لم يكن في إمامة علي بل في أنه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان؟ ) باطل جداً :

أمّا أوّلاً : فلأنّه أخذ البيعة من أهل الشام لنفسه بالامامة.

وأما ثانياً : فلأنّه وصف هو وأتباعه بالفئة الباغية ، فلو كان توقفه عن البيعة للإمامعليه‌السلام لما ذكره لما وصفوا بذلك.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإمامعليه‌السلام بايعه فضلاء الصحابة وعظماء المسلمين من غير منازعة في شيء ، ومَن معاوية لينفرد بمنازعة الامامعليه‌السلام بما ذكر؟

لقد كان الأولى بالسّعد أن يجلّ نفسه عن الدفاع عن البغاة!!

وكذا قوله( ولو سلّم فالكلام فيما إذا لم يوجد النص ) لأنّ الكلام في طريق ثبوت الإمامة ، وهو إمّا النص كما هو الحق وإمّا الاختيار كما يقولون ، وإذ كان الاختيار منشأ المفاسد فالرجوع إلى النصّ هو المتعيّن ، وفرض عدمه أوّل الكلام

قال(٢٥٦) :

( الرابع : إنّ الإمامة خلافة الله ورسوله وردّ بأنّه لمّا قام الدليل من قبل الشارع ـ وهو الاجماع ـ على انّ من اختاره الأمة خليفة الله ورسوله كان خليفة سقط ما ذكرتم ).

أقول :

أولاّ : إنّه لم تتحقّق صغرى هذا الإجماع.

وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه ، فأين قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التام سنداً ودلالةً عنه الكلّ على أنّ الأمّة إذا أجمعت على اختيار شخص خليفة لله ورسوله كان خليفة؟

وثالثاً : لو سلّمنا وجود هكذا قول فقد عاد الأمر إلى النص.

ورابعاً : لو سلّمنا قيام الاجماع المذكور وكفايته عن النص فهو قائم ـ


١٧٣


بالفرض على أنّ من اختاره ( الأمة ) لا من اختاره ( الواحد ).

وهذا من موارد تناقضاتهم

قال( ٢٥٦) :

( الخامس : إنّ القول بالاختيار يؤدّي إلى خلوّ الزمان عن الإمام وردّ بأنّه ).

أقول :

نعم إنّ القول بالاختيار يؤدّى إلى خلوّ الزمان عن الامام ، فيتسلّط الجبابرة الأشرار ويستولي الظلمة والكفّار ولمّا كانت هذه المفسدة مترتبة على الاختيار فانّه يسقط عن الطريقية ويتعيّن النّص. وهنا يلتجأ القوم إلى تقييد الاختيار بحال ( الاقتدار ) ويقولون بوجوب إطاعة الكفّار والفجّار عند ( العجز والاضطرار ) ولم يعبأ حينئذٍ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ٢٤٥ ...!

وهذا كلّه للفرار عن الرجوع إلى النّص والإنكار له!!

قال(٢٥٦) :

( السّادس : إنّ سيرة النبّي وطريقته على أنّه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ...؟ والجواب : إنّ ذلك مجرّد استبعاد. على أن التفويض إلى اختيار أهل الحلّ والعقد واجتهاد أرباب الألباب نوع استخلاف ).

أقول :

هل إنّ ذلك مجرّد استبعاد حقاً؟ ليته لم يقله واكتفى بما ادّعاه من التفويض لكن فيه :

أولاً : أين الدليل التام المقبول على هذا التفويض؟

وثانياً : على فرض ثبوته فإنّه إلى ( إختيار أهل الحلّ والعقد ) كما ذكر ، لا إلى ( واحد ) منهم إن كان منهم.

وثالثاً : إنّ تفويض الأمر إلى الأصحاب محال ، لأنّه لا يخلو صلّى الله عليه


١٧٤


وآله وسلّم من أن يكون عالماً بما سيقع بين الأصحاب وسائر الأمة من الافتراق الاختلاف أو يكون جاهلاً بذلك ، فإن كان عالماً ففوّض الأمر إليهم مع ذلك فقد خان الله والاسلام والمسلمين ـ والعياذ بالله من ذلك ، وإن كان جاهلاً بما سيكون فهذا نقص كبير والعياذ بالله من نسبته إليه وإذا كان اللازم من الخيانة والجهل محالاً فالملزوم وهو التفويض محال.

قال( ٢٥٧) :

( السابع : إنّ النبي كان لأمّته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصّغار وهو لا يترك الوصيّة في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك ، فكذا النبي في حق الأمة.

الثامن : قوله تعالى :( اليوم أكملت لكم دينكم ) (١) . ولا خفاء في أنّ الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بيّنها وأكملها

والجواب عنهما بمثل ما سبق ).

أقول :

توضيح الوجه السّابع هو : إن نسبة عدم الوصيّة إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيئة كبيرة لا تغفر أبداً ، فالوصيّة ممّا ندب إليه الكتاب والسنة والعقل والاجماع ، قال الله تعالى :( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة ) (٢) وقال رسول الله : « ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده »(٣) .

وإذا كان هذا حكم الرّجل بالنسبة إلى أولاده ، وأمواله ، فالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يريد مفارقة أمّته وهو بالنسبة إليهم كالأب الشفيق كذلك بل أولى.

وهل هذا مجرّد استبعاد؟

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

(٢) سورة البقرة : ١٧٦.

(٣) راجع صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الوصايا.


١٧٥


وتوضيح الوجه الثامن هو : إنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم ، بعد أن خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصّ فيها على إمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأوصى الأمة بالتمسّك بالثقلين وهما الكتاب والعترة وقد روى ذلك كبار الحفّاظ وأئمة الحديث والتفسير من أهل السنة في كتبهم فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما مات بلا وصية ، بل أوصى ، وكانت وصيته بالكتاب وعترته أهل بيته(١) وكان النص ولا تفويض إلى الإختيار

قال(٢٥٧) :

( خاتمة ـ عقد الإمامة ينحلّ بما يخلّ بمقصودها كالرّدة ).

أقول :

هذه أحكام إمامة البيعة والاختيار ولا يخفى أنهم يقولون بانحلاله في حال ( الاقتدار ) وأما في حال ( الاضطرار ) فيقولون بإمامة ( المرتد ) ولكن ما هو ملاك ( الاقتدار ) و ( الاضطرار )؟ ومن المرجع في تشخيصه؟ ومن العجب أنّهم يشترطون في الامامة ( العدالة ) كما عرفت ، ثم يختلفون في انعزاله بالقسق ، قال :( والأكثرون على أنّه ينعزل ، وهو المختار من مذهب الشّافعي وأبي حنيفة ، وعن محمد روايتان. ويستحق العزل بالاتفاق ).

وأيضاً : يشترطون العقل ثم يجوّزون إمامة المجنون غير المطبق كما هو مفاد التقييد بالمطبق.

ثم إنّ المتسلّط بالقهر والغلبة إمام عندهم ولذا ذكروا حكمه( ومن صار إماماً بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه ) . ولكن هل المراد من هذه الإمامة ( الخلافة عن النّبي )؟

__________________

(١) ذكر حديث الغدير وحديث الثقلين في الكتاب وتوضيح الاستدلال بكلّ منهما في موضعه. وأما نزول الآية المباركة يوم الغدير فرواه من أئمّة أهل السنة جماعة كما ستعلم.


١٧٦


هل نصّ النّبي على إمام بعده؟

أقول :

قد عرفت أن نصب الإمام بيد الله لا بيد الأنام

والطريق إلى العلم بنصبه منحصر في النّص عليه أو إظهار المعجز على يده

فلا بدّ من أن يوجد النّص عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة أو كليهما فيجب النظر في الكتاب والسنّة المعتبرة.

أمّا النّص على أبي بكر فقد نصّ السّعد ٢٥٥ كالقاضي العضد(١) وغيره على أنه منتف في حق أبي بكر وامّا على عليعليه‌السلام فموجود في الكتاب والسنّة المعتبرة كليهما.

أمّا السنّة النبوية المعتبرة عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام فلا تعدّ وتحصى أخبارها في هذا الباب كما لا يخفى على من راجع كتب أصحابنا وبها الكفاية عندنا لكنّا لا نستدلّ في مقام البحث بتلك الأخبار بل نرجع إلى كتب أهل السنّة القائلين بإمامة أبي بكر فإنّ أدلّة مذهبنا موجودة في كتبهم أيضاً في التفسير والحديث والسّيرة ، فبها نستدلّ عليهم وبها نلزمهم وقد أورد السّعد في الكتاب شيئاً يسيراً من تلك النصوص والأدلة وتكلّم عليها ونحن نكتفي بدفع شبهاته عنها وإثبات دليليّتها ودلالتها والله المستعان.

قال(٢٥٩) :

( ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبي لم ينص على إمام بعده. وقيل : نص على أبي بكر وقيل : نص على علي وهو مذهب الشيعة )

__________________

(١) شرح المواقف ٨/٣٥٤.


١٧٧


أقول :

قد عرفت تنصيصه على أنّ النّص منتف في حقّ أبي بكر ، أمّا هنا فلم ينص على ذلك ، ولعلّه لئلاً يورد عليه في استدلاله ببعض النّصوص المزعومة في أبي بكر.

وهذه النصوص التي قد يستدلّ بها على إمامة أبي بكر هي من موضوعات شرذمةٍ من الناس عرفوا بـ ( البكرية ) ، وضعوا أحاديث في فضل أبي بكر نصّ على وضعها علماء أهل السنّة حتى المتعصّب منهم كابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ).

لكن لا يخفى أنها حتى لو تمّت سنداً ودلالةً لا تكون حجة على أصحابنا ، لانفراد أولئك بنقلها بخلاف اصحابنا فإنّهم لا يستدلّون إلاّ بما جاء في كتب أهل السنّة ، بالاضافة إلى وجوده عندنا بطرقنا.

وعلى الجملة فالقوم معترفون بعدم النّص على أبي بكر ، لكنهم يستدلّون لعدم النصّ من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقاً بعمل الأصحاب بناء على حسن الظّن بهم.

قال( ٢٥٩) :

( ثمّ استدلّ أهل الحق بطريقين :

أحدهما : ـ إنّه لو كان نص جلّي ظاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق لتواتر واشتهر فيما بين الصّحابة فإن قيل : علموا ذلك وكتموه لأغراضٍ لهم في ذلك كحبّ الرياسة والحقد على علي لقتله آباءهم وعشائرهم وحسدهم إيّاه. وترك علي المحاجّة به تقيةً وخوفاً قلنا : من كان له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعاً براءة أصحاب رسول الله وجلالة أقدارهم عن مخالفة أمره في مثل هذا الخطب الجليل ، ومتابعة الهوى وترك الدّليل

الثاني : ـ روايات وأمارات تفيد باجتماعها القطع بعدم النص ، وهي كثيرة


١٧٨


جدّاً ، كقول العبّاس لعلي : أمدد يدك أبايعك ).

أقول :

النصّ الجلي الظّاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير موجود ، وقد رواه الرواة الثقات والعلماء الاثبات من القوم أنفسهم كما ستعلم ، حتى أنّ ظاهر السّعد نفسه الإقرار بالدلالة وعدم تمامية ما قيل في الجواب في بعض الموارد لو لا حسن الظن بالصّحابة ، فيقول في موضع مثلاً :( ثم لا عبرة بالآحاد في مقابلة الاجماع ، وترك عظماء الصّحابة الاحتجاج بهما آية عدم الدلالة ، والحمل على العناد غاية الغواية ) ٢٧٢.

ويقول في آخر :( لو كانت في الآية دلالة على إمامة علي لما خفيت على الصّحابه عامّة وعلى عليّ خاصة ، ولما تركوا الانقياد لها والاحتجاج بها ) ٢٧٢

ويقول في ثالث :( لو صحّت لما خفيت على الصحابة والتابعين ) ٢٧٦.

لكن في الكتاب والسنّة الصحيحة وأخبار الصّحابة الموثوق بها وكلمات العلماء الكبار ما يدعو ـ في الأقل ـ إلى عدم حسن الظنّ بالصحابة ونحن نكتفي هنا بآيات من كلام الله وببعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله ، وبكلمات بعض الأصحاب ، وبعبارة السّعد التفتازاني نفسه

قال الله تعالى :

( ومنهم الذين يؤذون النّبي ... ) (١) .

( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ... ) (٢) .

( منكم من يريد الدنيا ... ) (٣) .

( واذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً ...) (٤) .

__________________

(١) سورة التوبة : ٦١.

(٢) سورة الاحزاب : ٥٣.

(٣) سورة آل عمران : ١٣٦.

(٤) سورة الجمعة : ١١.


١٧٩


( ومنهم من يلمزك في الصدقات ... ) (١) .

( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ... ) (٢) .

( وما محمد إلاّ رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإنْ مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... ) (٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« أنا فرطكم على الحوض وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول : يا رب أصحابي : فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٤) .

وقال :

« إنّي فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول إنهم مني. فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي »(٥) .

وقال :

« يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلّون عن الحوض ، فأقول : يا رب ، أصحابي. فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى »(٦) .

وقال :

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٨.

(٢) سورة التوبة : ١٠٢.

(٣) سورة آل عمران : ١٣٨.

(٤) صحيح البخاري باب الحوض ٤/٩٦.

(٥) صحيح البخاري ـ باب الحوض ٤/٩٦.

(٦) صحيح البخاري ـ باب الحوض ٤/٩٧.


١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342