وروى هذه الأخبار المفيد في الإختصاص(٣) : وفيه: « وإن ابتلي فاعضده ».
[١٠١٤٨] ٤ - وعنهعليهالسلام ، قال: « المؤمن أخو المؤمن، يحقّ عليه نصيحته، ومواساته، ومنع عدوّه منه ».
[١٠١٤٩] ٥ - وعنهعليهالسلام قال: « قال النبيصلىاللهعليهوآله : المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يخذله، ولا يعيبه، ولا يحرمه، ولا يغتابه ».
[١٠١٥٠] ٦ - وعنهعليهالسلام ، قال: « ان من حقّ المسلم إن عطس أن يسمّته، وإن أو لم أتاه، وإن مرض عاده، وإن مات شهد جنازته ».
[١٠١٥١] ٧ - وعن أبي جعفرعليهالسلام : « ان نفراً من المسلمين خرجوا في سفر لهم فأضلّوا الطريق، فأصابهم عطش شديد فتيمموا ولزموا أصول الشجر، فجاءهم شيخ عليه ثياب بيض، فقال: قوموا لا بأس عليكم، هذا الماء، قال: فقاموا وشربوا فأرووا، فقالوا [ له ](١) : من أنت يرحمك(٢) الله؟ قال: أنا من الجنّ الذين بايعوا رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أني سمعته يقول: المؤمن أخو
__________________
(٣) الاختصاص ص ٢٨ ح ١ و ٣ فقط الجزء الأول منه.
٤ - المؤمن ص ٤٢ ح ٩٦.
٥ - المؤمن ص ٤٣ ح ٩٨.
٦ - المؤمن ص ٤٣ ح ٩٩.
٧ - المؤمن ص ٤٣ ح ١٠٠.
(١) أثبتناه من المصدر.
(٢) في المصدر: رحمك.
المؤمن عينه ودليله، فلم تكونوا تضيعوا بحضرتي ».
[١٠١٥٢] ٨ - وعن سماعة قال: سألتهعليهالسلام عن قوم عندهم فضول، وبإخوانهم حاجة شديدة، تسعهم الزكاة، أيسعهم ان يشبعوا ويجوع إخوانهم، فإن الزمان شديد؟ فقال: « المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحرمه ».
[١٠١٥٣] ٩ - وعن أبي عبد اللهعليهالسلام ، قال: « ان المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يعيبه، ولا يغتابه، ولا يحرمه، ولا يخونه. وقال: للمسلم على أخيه من الحق، أن يسلّم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويشيّعه إذا مات ».
[١٠١٥٤] ١٠ - وعنهعليهالسلام ، قال: « لا والله لا يكون [ المؤمن ](١) مؤمناً أبداً حتى يكون لأخيه المؤمن مثل الجسد، إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه ».
[١٠١٥٥] ١١ - وعن المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللهعليهالسلام : ما حقّ المؤمن على المؤمن؟ قال: « إنّي عليك شفيق، إنّي أخاف أن تعلم ولا تعمل، وتضيّع ولا تحفظ، قال فقلت: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، قال: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة، ليس منه حقّ إلّا وهو واجب على أخيه، إن ضيّع منها
__________________
٨ - المؤمن ص ٤٣ ح ١٠١.
٩ - المؤمن ص ٤٥ ح ١٠٥.
١٠ - المؤمن ص ٣٩ ح ٩٠.
(١) أثبتناه من إحدى نسخ المصدر.
١١ - المؤمن ص ٤٠ ح ٩٣.
حقّاً خرج من ولاية الله تعالى، وترك طاعته، ولم يكن له فيها نصيب، أيسر حقّ منها: أن تحب له ما تحب لنفسك، وان تكره له ما تكره لنفسك.
والثاني: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويديك ورجليك.
والثالث: أن تتبع رضاه، وتجتنب سخطه، وتطيع أمره.
والرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته.
والخامس: أن لا تشبع ويجوع، وتروى ويظمأ، وتكسى ويعرى.
والسادس: أن يكون لك خادم وليس له خادم، ولك امرأة تقوم عليك وليس له امرأة تقوم عليه، ان تبعث خادمك يغسل ثيابه ويصنع طعامه ويهئ(١) فراشه.
والسابع: ان تبرّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإن كانت له حاجة تبادر مبادرة إلى قضائها، ولا تكلّفه أن يسألكها، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك ».
وعن المعلى: مثله، وقال في حديثه: « فإذا فعلت ذلك، وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولاية الله تعالى ».
ورواه المفيد في الإختصاص: عن عبد الأعلى، عن المعلّى: مثله وفيه: « وتلبس ويعرى » وفيه: « ويمهد فراشه »(٢) .
__________________
(١) في المخطوط: يتهيّؤ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) الاختصاص ص ٢٨.
[١٠١٥٦] ١٢ - وعن عيسى بن أبي منصور، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليهالسلام ، أنا، وعبد الله بن أبي يعفور، وعبد الله بن طلحة، فقالعليهالسلام ابتداء: « يا ابن أبي يعفور، قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي الله عزّوجلّ، وعن يمين الله »، قال ابن أبي يعفور: وما هي جعلت فداك؟ قال: « يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحبّ لأعزّ أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله، ويناصحه الولاية »، فبكى ابن أبي يعفور وقال: وكيف يناصحه الولاية؟ قال: « يا ابن أبي يعفور، إذا كان منه [ بتلك المنزلة بثّه همّه ففرح ](١) لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرّج عنه فرّج عنه، وإلّا دعا الله له.
قال: ثم قال أبو عبد اللهعليهالسلام : ثلاث لكم، وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا، وأن تطأوا أعقابنا، وتنظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله، وعن يمين الله - إلى أن قال - أما بلغك حديث أن رسول اللهصلىاللهعليهوآله كان يقول: إنّ المؤمنين عن يمين الله، وبين يدي الله، وجوههم أبيض من الثلج، وأضوأ من الشمس الضاحية، فيسأل السائل: من(٢) هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الذين تحابّوا في جلال الله ».
[١٠١٥٧] ١٣ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن الصادقعليهالسلام
__________________
١٢ - المؤمن ص ٤١ ح ٩٤، ورواه الكليني في الكافي ج ٢ ص ١٣٨ ح ٩، وعنه في البحار ٧٤ ص ٢٥١ ح ٤٧.
(١) كان في المخطوط: « بثلث يهم وفرح »، وما أثبتناه من الكافي والبحار.
(٢) كان في المخطوط « عن »، وما أثبتناه من المصدر.
١٣ - تفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ١٥٦.
قال: « إن للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقاً وإن كان على نفسه، أو على والديه فلا يميل لهم عن(١) الحقّ ».
[١٠١٥٨] ١٤ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله بن محمّد، أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهمالسلام ، قال: « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ينصحه إذا غاب عنه، ويميط عنه ما يكره إذا شهد، ويوسع له في المجلس ».
[١٠١٥٩] ١٥ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : إذا آخى أحدكم أخاً في الله، فلا يحاده(١) ولا يداره، ولا يماره » يعني لا يخالفه.
[١٠١٦٠] ١٦ - البحار، عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين أبي علي بن طاهر الصوري(١) : بإسناده، قال: سئل الرضاعليهالسلام : ما حقّ المؤمن على المؤمن؟ فقال: « إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره، والمواساة له في ماله، والنصرة له على من ظلمه، وإن كان فيئ للمسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه،
__________________
(١) كان في المخطوط « على » وما أثبتناه من الصدر.
١٤ - الجعفريات ص ١٩٧.
١٥ - الجعفريات ص ١٩٨.
(١) حادّه من المحادّة وهي المخالفة (لسان العرب ص ٣ ح ١٤٠).
١٦ - البحار ٧٤ ص ٢٣٢ عن كتاب قضاء الحقوق للصوري ح ٤٤.
(١) كان في المخطوط: السوري، وما أثبتناه من البحار.
وإذا مات فالزيارة إلى قبره، ولا يظلمه، ولا يغشه، ولا يخونه، ولا يخذله، ولا يغتابه، ولا يكذبه، ولا يقول له: أفّ، فإذا قال له: أفّ، فليس بينهما ولاية، وإذا قال له: أنت عدوي، فقد كفّر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء - إلى أن قال - وأن أبا جعفر الباقرعليهالسلام ، أقبل إلى الكعبة وقال: الحمد لله الذي كرّمك وشرّفك وعظمك، وجعلك مثابة للناس وأمناً، والله لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك، ولقد دخل عليه رجل من أهل الجبل فسلّم عليه، فقال له عند الوداع: أوصني، فقال له:
أوصيك بتقوى الله، وبرّ أخيك المؤمن، فأحبب له ما تحبّ لنفسك، وإن سألك فاعطه، وإن كفّ عنك فأعرض عليه(٢) ، لا تمله فإنه لا يملك، وكن له عضداً، فإن وجد عليك فلا تفارقه حتى تسلّ سخيمته، فإن غاب فاحفظه في غيبته، وإن شهد فاكنفه(٣) واعضده وزره وأكرمه، والطف به، فإنه منك وأنت منه، ونظرك لأخيك المؤمن وإدخال السرور عليه، أفضل من الصيام وأعظم أجراً ».
[١٠١٦١] ١٧ - فقه الرضاعليهالسلام : « اعلم - يرحمك الله - إن حق الإخوان واجب فرض لازم، أن تفدونهم بأنفسكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وأيديكم، وأرجلكم، وجميع جوارحكم، وهم حصونكم التي(١) تلجؤون إليها في الشدائد في الدنيا والآخرة، لا تماظوهم(٢) ،
__________________
(٢) كذا في البحار، وفي المخطوط: عنه.
(٣) كفنه: حفظه وأعانه (لسان العرب ج ٩ ح ٣٠٨).
١٧ - فقه الرضاعليهالسلام ص ٤٥.
(١) كذا في المصدر، وفي المخطوط: الذين.
(٢) في المصدر: تباطوهم (تماطوهم خ ل)، وتماظّوهم: تخاصموهم وتنازعوهم (لسان العرب ص ٧ ح ٤٦٣).
ولا تخالفوهم ولا تغتابوهم، ولا تدعوا نصرتهم ولا معاونتهم، وابذلوا النفوس والأموال دونهم، والإقبال على الله عزّوجلّ بالدعاء لهم، ومواساتهم في كلّ ما يجوز فيه المساواة والمواساة، ونصرتهم ظالمين ومظلومين بالدفع(٣) عنهم - إلى أن قال - فبالله نستعين على حقوق الإخوان، والأخ الذي يجب له هذه الحقوق، الذي لا فرق بينك وبينه في جملة الدين وتفصيله، ثم مما يجب له بالحقوق على حسب قرب [ ما ](٤) بين الإخوان وبعده بحسب ذلك. أروي عن العالمعليهالسلام ، أنه وقف بحيال الكعبة ثم قال: ما أعظم حقّك [ يا كعبة ](٥) والله أنّ حق المؤمن لأعظم من حقّك ».
[١٠١٦٢] ١٨ - تفسير الإمامعليهالسلام : « وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه، فوفاهم حقوقهم جهده، وأعطاهم ممكنه، ورضي منهم بعفوهم، وترك الاستقصاء عليهم فيما يكون من زللهم [ و ](١) غفرها لهم، إلّا قال الله عزّوجلّ يوم القيامة: يا عبدي قضيت حقوق إخوانك ولم تستقص عليهم(٢) فيما لك عليهم، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكّرم، فأنا أقضيك اليوم على حقّ وعدتك(٣) به، وأزيدك من فضلي(٤) الواسع، ولا استقصي عليك في
__________________
(٣) كذا في المصدر، وفي المخطوط: بالرفع.
(٤) أثبتناه من المصدر.
(٥) أثبتناه من المصدر.
١٨ - تفسير الإمام العسكريعليهالسلام ص ١٧.
(١) أثبتناه من المصدر.
(٢) عليهم: ليست في المصدر.
(٣) كذا في المصدر، وفي المخطوط: وعذرتك.
(٤) في المصدر: الفضل.
تقصيرك في بعض حقوقي، قال فيلحقه بمحمّد وآل محمّد (صلوات الله عليهم)(٥) ويجعله من خيار شيعتهم ».
[١٠١٦٣] ١٩ - وفيه: قالعليهالسلام : « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : مثل مؤمن لا تقيّة له، كمثل جسد لا رأس له، ومثل مؤمن لا يرى(١) حقوق إخوانه المؤمنين كمثل من حواسّه كلّها صحيحة وهو لا يتأمّل بعقله، ولا يبصر بعينه، ولا يسمع بأذنه، ولا يعبّر بلسانه عن حاجة، ولا يدفع المكاره عن نفسه (بالإدلاء بحججه)(٢) ولا يبطش بشئ بيديه، ولا ينهض إلى شئ برجليه، فذلك قطعة لحم قد فاتته المنافع، فصار غرضا لكلّ المكاره، فكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه » إلى آخر ما ذكره في الأصل في باب ٢٨ من كتاب الأمر بالمعروف.
[١٠١٦٤] ٢٠ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن الحارث الهمداني، عن علي بن أبي طالبعليهالسلام ، قال: « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : للمسلم على المسلم ست: يسلّم عليه إذا لقيه، ويسمّته(١) إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويجيبه إذا دعاه، ويشهده إذا توفي، ويحب له ما يحبّ لنفسه، وينصح له إذا غاب ».
[١٠١٦٥] ٢١ - عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: عن إبراهيم بن
__________________
(٥) وفيه زيادة: وأصحابه.
١٩ - تفسير الإمام العسكريعليهالسلام ص ١٢٩.
(١) في المصدر: يرعى.
(٢) جاء في هامش الطبعة الحجرية: بأداء الحجة خ ل، وفي المصدر: بأداء حججه.
٢٠ - الاختصاص ص ٢٣٣.
(١) في المصدر: ويشمته.
٢١ - بشارة المصطفى ص ٢٦.
الحسين البصري، عن محمّد بن الحسن بن عتبة، عن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان، عن علي بن أحمد بن كثير، عن أحمد بن المفضّل، عن راشد بن علي، عن عبد الله بن جهض(١) المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد، عن كميل، قال: قال أمير المؤمنينعليهالسلام : « يا كميل، المؤمن مرآة المؤمن، لأنّه يتأمّله، ويسدّ فاقته، ويجمل(٢) حالته.
يا كميل، المؤمنون أخوة، ولا شئ آثر عند كلّ أخ من أخيه.
يا كميل، إن لم تحب أخاك فلست أخاه ».
[١٠١٦٦] ٢٢ - أبو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق: عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « المؤمنون كأسنان المشط، يتساوون في الحقوق بينهم ».
[١٠١٦٧] ٢٣ - وقالصلىاللهعليهوآله : « المؤمنان كاليدين يغسل إحداهما بالأخرى، فإذا رزقك الله ودّ أخيك فاستمسك بمودّته ».
[١٠١٦٨] ٢٤ - وقالصلىاللهعليهوآله : « عليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتقاطع والتحاسد والتدابر، وكونوا عباد الله إخواناً، فإن المؤمن أخو المؤمن، لا يخونه، ولا يخذله، ويحقره، ولا يقبل عليه قول مخالف له ».
[١٠١٦٩] ٢٥ - الطبرسي في المشكاة: عن أبي عبد اللهعليهالسلام ، أنه
__________________
(١) في المصدر: حفص. وهو الصواب راجع (تهذيب التهذيب ٥: ١٨٨ ولسان الميزان ٤: ٣٠٠).
(٢) كذا في المصدر، وفي المخطوط: يحمل.
٢٢ - ٢٤ - الأخلاق: مخطوط.
٢٥ - مشكاة الأنوار ص ١٨٦.
قال: « من عظّم دين الله عظّم حقّ إخوانه، ومن استخف بدينه استخف بإخوانه ».
قال(١) : وجاء رجل إلى سلمان الفارسي فدعاه فقال: إن فلاناً صنع لك طعاماً، فقال: إقرأه مني السلام، وقل [ له ](٢) : أنا ومن معي؟ فرجع الرسول فقال: أنت ومن معك، قال: فقمنا وكنّا ثلاثة عشر رجلاً، فأتينا الباب فاستأذن سلمان(٣) ، فخرج ربّ البيت، فأخذ بيد سلمان فأدخله البيت، فأمر رفقتنا عن يمينه وشماله، فأجلسه وحل زر قميصه وكان أيام حر ففرّج عنه(٤) فضحك سلمان ففرحنا بضحكه، فقلنا: يا أبا عبد الله ما الذي أضحك؟ قال: سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، يقول: « ما من رجل مسلم أكرم أخاه المسلم بتكرمة، يريد به وجه الله، إلّا نظر الله إليه، وما نظر الله إلى عبد إلّا(٥) فلا يعذّبه أبداً ».
[١٠١٧٠] ٢٦ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهماالسلام ، أنه قال لعبد الله بن جندب: « يا ابن جندب، الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد، وما عذّب الله أمّة إلّا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم » الخبر.
__________________
(١) المصدر السابق ص ١٨٨.
(٢) أثبتناه من المصدر.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) وفيه: منه.
(٥) إلّا: ليست في المصدر.
٢٦ - تحف العقول ص ٢٢٣.
١٠٦ -( باب ما يتأكد استحبابه من حقّ العالم)
[١٠١٧١] ١ - أحمد بن محمّد البرقي في المحاسن: عن أبيه، عن سليمان الجعفري، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليهالسلام ، قال: « كان عليعليهالسلام يقول: إنّ من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال، ولا تجرّ بثوبه، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلّم عليهم جميعاً، وخصّه بالتحيّة دونهم، واجلس بين يديه، ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينيك، ولا تشر بيدك، ولا تكثر من قول: قال فلان وقال فلان، خلافاً لقوله، ولا تضجر بطول صحبته، فإنّما مثل العالم مثل النخلة تنتظر بها متى يسقط عليك منها شئ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شئ إلى يوم القيامة ».
[١٠١٧٢] ٢ - وعن أبيه، عن سعدان بن عبد الرحيم بن مسلم، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللهعليهالسلام : من قام من مجلسه تعظيماً لرجل، قال: « مكروه، إلّا لرجل في الدين ».
[١٠١٧٣] ٣ - وعن بعض أصحابنا، رفعه قال: قال أمير المؤمنينعليهالسلام : « إذا جلست إلى العالم، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حسن الاستماع كما تعلّم حسن القول، ولا تقطع على [ أحد ](١) حديثه ».
[١٠١٧٤] ٤ - الشيخ المفيد في الإرشاد قال: تروى الحارث الأعور، قال:
__________________
الباب ١٠٦
١ ، ٢ - المحاسن ص ٢٣٣.
٣ - المحاسن ص ٢٣٣.
(١) أثبتناه من المصدر.
٤ - الإرشاد ص ١٢٣.
سمعت أمير المؤمنينعليهالسلام يقول: « من حقّ العالم أن لا يكثر عليه السؤال، ولا يعنت في الجواب، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يؤخذ بثوبه إذا نهض، ولا يشار إليه بيد في حاجة، ولا يفشى له سرّ، ولا يغتاب عنده أحد، ويعظم كما حفظ أمر الله، و [ لا ](١) يجلس المتعلّم [ إلّا ](٢) أمامه، ولا يعرض من طول صحبته، وإذا جاءه طالب علم وغيره فوجده في جماعة عمّهم بالسلام، وخصّه بالتحيّة، وليحفظ شاهداً وغائباً، وليعرف له حقّه، فإن العالم أعظم أجراً من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله، فإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلّا خلف منه، وطالب العلم تستغفر له كلّ الملائكة، ويدعو له من في السماء والأرض ».
[١٠١٧٥] ٥ - عوالي اللآلي: عن النبيصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « من علّم شخصاً مسألة فقد ملك رقبته »، فقيل له: يا رسول الله، أيبيعه؟ فقال: « لا ولكن يأمره وينهاه ».
[١٠١٧٦] ٦ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليهالسلام : « لا تجعلن ذرب(١) لسانك على من أنطقك، وبلاغة قولك على من سدّدك ».
[١٠١٧٧] ٧ - تفسير الإمامعليهالسلام : قال الراوي: أنه اتصل بهعليهالسلام ، أن رجلاً من فقهاء شيعته، كلّم بعض النصاب فأفحمه بحجّته، حتى أبان عن فضيحته، فدخل على علي بن محمّدعليهماالسلام ، وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب وهو قاعد
__________________
(١) أثبتناه من المصدر.
(٢) أثبتناه من المصدر.
٥ - عوالي اللآلي ج ٤ ص ٧١ ح ٤٣.
٦ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٥١ ح ٤١١.
(١) لسان ذرب: فاحش (مجمع البحرين ج ٢ ص ٥٩).
٧ - تفسير الإمام العسكريعليهالسلام ص ١٤٠.
خارج الدست، وبحضرته خلق [ كثير ](١) من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف، فأمّا العلويّة فأجلّوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم يا ابن رسول الله، هكذا تؤثر عامياً على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟
فقالعليهالسلام : « إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى [ فيهم ](٢) :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّـهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ) (٣) أترضون بكتاب الله حكماً »؟ قالوا: بلى، قال: « أليس الله يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا - إلى قوله -وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (٤) فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلّا أن يرفع على من ليس بمؤمن » الخبر.
[١٠١٧٨] ٨ - كتاب التعريف لأبي عبد الله بن أحمد الصفواني: مرسلاً: إن أول من يغسل يده من الغمر(١) ، أشرف من يحضر عندك وأعلمهم.
[١٠١٧٩] ٩ - فقه الرضاعليهالسلام : « ولا تخاصم العلماء، ولا تلاعبهم، ولا تحاربهم، ولا تواضعهم ».
__________________
(١) أثبتناه من المصدر.
(٢) أثبتناه من المصدر.
(٣) آل عمران ٣: ٢٣.
(٤) المجادلة ٥٨: ١١.
٨ - التعريف ص ١.
(١) الغَمَر، بالتحريك: الدسم والزهومة (النهاية ج ٣ ص ٣٨٥).
٩ - فقه الرضاعليهالسلام ص ٤٨.
١٠٧ -( باب استحباب التراحم والتعاطف، والتزاور والألفة)
[١٠١٨٠] ١ - الحسين بن سعيد في كتاب إبتلاء المؤمن: عن سماعة، عنهعليهالسلام - في حديث - أنّه قال: « ويحقّ على المسلمين الاجتهاد(١) والتواصل على التعطف، والمواساة لأهل الحاجة، والتعطف منكم يكونون على أمر الله، رحماء بينهم متراحمين، مهمّين لمّا غاب عنهم(٢) من أمرهم، على ما مضى عليه الأنصار، على عهد رسول اللهصلىاللهعليهوآله ».
[١٠١٨١] ٢ - أبو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق: عن أبي عبد الله الصادقعليهالسلام ، أنّه قال: « تواصلوا وتباذلوا وتبارّوا وتراحموا، وكونوا إخواناً بررة كما أمركم الله تعالى ».
[١٠١٨٢] ٣ - العلامة الحلي في الرسالة السعدية: عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « والذي نفسي بيده لا يضع الله الرحمة إلّا على رحيم »، قالوا: يا رسول الله، كلّنا رحيم، قال: « ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصّة، ولكن الذي يرحم المسلمين، وقالصلىاللهعليهوآله : قال تعالى: إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا ».
__________________
الباب ١٠٧
١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠١.
(١) في المصدر زيادة: له.
(٢) في المصدر: عنكم، وفي هامش المخطوط: في نسخة « عنكم ».
٢ - الأخلاق: مخطوط، أخرجه في البحار ج ٧٤ ص ٣٩٩ ح ٣٩ عن كتاب الزهد: ص ٢٢ ح ٤٨.
٣ - الرسالة السعدية:
[١٠١٨٣] ٤ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهمالسلام ، قال: « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله ».
[١٠١٨٤] ٥ - الآمدي في الغرر: عن عليعليهالسلام أنه قال: « إذا عجز عن الضعفاء نيلك، فلتسعهم رحمتك ».
[١٠١٨٥] ٦ - الصدوق في الأمالي: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن [ محمّد بن ](١) الحسين بن أبي الخطاب، عن المغيرة بن محمّد، عن بكر بن خنيس، عن أبي عبد الله الشامي، عن نوف البكالي، عن أمير المؤمنينعليهالسلام - في حديث - أنه قال له: « يا نوف، ارحم ترحم ».
[١٠١٨٦] ٧ - عوالي اللآلي: عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « لا يرحم الله من لا يرحم الناس ».
[١٠١٨٧] ٨ - وعنهصلىاللهعليهوآله ، قال: « الراحمون يرحمهم
__________________
٤ - الجعفريات ص ١٦٧ بسند آخر: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد بن الأشعث، حدثنا مؤمل بن وهاب بن عبد العزيز بن سعير، حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله.
٥ - غرر الحكم ودرر الكلم ص ٣٢٠ ح ١٤٧.
٦ - أمالي الصدوق ص ١٧٤.
(١) أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال، لأنّ أحمد بن إدريس لا يروي عن الحسين بن أبي الخطاب بل عنه إبنه محمّد، أنظر معجم رجال الحديث ج ١٥ ص ٢٩٦.
٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٦١ ح ٤١.
٨ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٦١ ح ٤٢.
الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ».
١٠٨ -( باب استحباب قبول العذر)
[١٠١٨٨] ١ - الطبرسي في المشكاة: عن النبيصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه، جعل الله عليه إصر صاحب مكس ».
[١٠١٨٩] ٢ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليهالسلام ، أنه قال: إقبل أعذار الناس، تستمتع بإخائهم.
[١٠١٩٠] ٣ - علي بن عيسى في كشف الغمة، روي أن موسى بن جعفرعليهماالسلام ، أحضر ولده يوماً فقال لهم: « يا بني، إنّي موصيكم بوصيّة، فمن حفظها لم يضع معها: إن أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروهاً، ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر، وقال لم أقل شيئاً، فاقبلوا(١) عذره ».
[١٠١٩١] ٤ - الصدوق في كتاب الإخوان: عن الحسن بن علي - رفع الحديث إلى أبي بصير - قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام : « إن بلغك عن أخيك شئ، وشهد أربعون أنّهم سمعوه منه، فقال: لم أقل، فاقبل منه ».
__________________
الباب ١٠٨
١ - مشكاة الأنوار ص ٢٢٩.
٢ - غرر الحكم ودرر الكلم ج ١ ص ١٢٣ ح ١٩٥.
٣ - كشف الغمة ج ٢ ص ٢١٨.
(١) في المخطوط: فاقبل، وما أثبتناه من المصدر.
٤ - مصادقة الإخوان ص ٨٢ ح ٩.
[١٠١٩٢] ٥ - وعنهعليهالسلام ، أنه قال للحسن بن راشد: « إذا سألت مؤمناً حاجة، فهيّئ له المعاذير قبل أن يعتذر، فإن اعتذر فاقبل عذره، وإن ظننت أنّ الأمور على خلاف ما قال ».
[١٠١٩٣] ٦ - أبو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق: عن الصادقعليهالسلام ، أنه قال: « التمسوا لإخوانكم العذر في زلّاتهم وهفوات تقصيراتهم، فإن لم تجدوا العذر لهم في ذلك، فاعتقدوا أن ذلك منكم لقصوركم عن معرفة وجوه العذر ».
[١٠١٩٤] ٧ - ثقة الإسلام في الكافي وغيره: عن عليعليهالسلام - في خبر همّام في صفات المؤمنين - قال: « ويقبل العذر ».
[١٠١٩٥] ٨ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، قال: « ألا أُخبركم بشراركم؟ » قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: « الذين لا يقيلون العثرة، ولا يقبلون المعذرة، ولا يغفرون الزلّة ».
١٠٩ -( باب استحباب التسليم والمصافحة، عند الملاقاة ولو على الجنابة، والاستغفار عند التفرّق)
[١٠١٩٦] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدثني موسى، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين،
__________________
٥ - مصادقة الإخوان ص ٦٢ ح ١.
٦ - الأخلاق: مخطوط.
٧ - الكافي ج ٢ ص ١٨٠.
٨ - الغايات ص ٩٠.
الباب ١٠٩
١ - الجعفريات ص ١٥٣.
عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهمالسلام ، قال: « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : تصافحوا، فإن المصافحة تزيد في المودّة ».
[١٠١٩٧] ٢ - الطبرسي في المشكاة: نقلاً من المحاسن، عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أنه قال: « إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإنّ الله عزّوجلّ أكرم بذلك الملائكة، فاصنعوا صنيع الملائكة ».
[١٠١٩٨] ٣ - وعن الصادقعليهالسلام ، أنه قال: « إنّ في تصافحكم مثل أجور المهاجرين ».
[١٠١٩٩] ٤ - وعنهعليهالسلام : « إذا صافح الرجل صاحبه، فالذي يلزم التصافح أعظم أجراً من الذي يدع أولاً(١) ، وأن الذنوب لتتحات فيما بينهما حتى لا يبقى ذنب ».
[١٠٢٠٠] ٥ - وعن رزيق، عن أبي عبد اللهعليهالسلام ، قال: « مصافحة المؤمن بألف حسنة ».
[١٠٢٠١] ٦ - وعنهعليهالسلام ، قال: « إن لكم نوراً تعرفون به، حتى إن أحدكم إذا صافح أخاه يرى(١) بشاشة عند تسليمه عليه ».
__________________
٢ مشكاة الأنوار ص ١٩٨، ٢٠٠.
٣ - مشكاة الأنوار ص ٢٠٠.
٤ - مشكاة الأنوار ص ٢٠٠.
(١) في المصدر: ألا.
٥ - مشكاة الأنوار ص ٢٠٣.
٦ - مشكاة الأنوار ص ٢٠٢.
(١) كذا في المصدر، وفي المخطوط: يراه.
[١٠٢٠٢] ٧ - وعنهعليهالسلام قال: « بينا إبراهيم خليل الرحمن في جبل بيت المقدس، يطلب المرعى لغنمه إذ سمع صوتاً، فإذا هو برجل قائم يصلّي طوله اثنا عشر شبراً، فقال [ إبراهيم ](١) له: يا عبد الله لمن تصلي؟ قال: لإله السماء، فقال إبراهيمعليهالسلام : هل بقي من قومك أحد غيرك؟ قال: لا، قال: فمن أين تأكل؟ قال أجني من الشجر في الصيف، وآكله في الشتاء، قال: فأين منزلك؟ قال: فأومأ بيده إلى جبل، فقال له إبراهيمعليهالسلام : هل لك أن تذهب بي معك: فأبيت عندك الليلة؟ فقال: إن قدامي ماء يخاض، قال: كيف تصنع؟ قال: أمشي عليه، قال: فاذهب بي معك، فلعل الله يرزقني ما رزقك.
قال: فأخذ العابد بيده فمضيا جميعاً حتى انتهيا [ إلى الماء فمشى ومشى عليه إبراهيم معه حتى انتهيا ](٢) إلى منزله، فقال إبراهيمعليهالسلام : أي الأيام أعظم؟ فقال له العابد: يوم يدان الناس بعضهم من بعض، قال: فهل لك أن ترفع يدك وأرفع يدي، فندعو الله عزّوجلّ أن يؤمننا شرّ ذلك اليوم؟ فقال له: وما تصنع بدعوتي؟ فوالله إن لي لدعوة منذ ثلاث سنين ما أجبت فيها بشئ، فقال له إبراهيمعليهالسلام : أولا أخبرك لأيّ شئ احتبست دعوتك؟ قال: بلى، قال [ له ](٣) : إنّ الله عزّوجلّ إذا أحبّ عبداً أحتبس دعوته ليناجيه، ويسأله، ويطلب إليه، وإذا أبغض عبداً عجل له دعوته، أو ألقى في قلبه اليأس منها، ثم قال له: وما كانت(٤) دعوتك؟
__________________
٧ - مشكاة الأنوار ص ٢٠٢.
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(٤) كذا في المصدر، وفي المخطوط: كان.
قال: مرّ بي غنم ومعها غلام له ذؤابة، فقلت: يا غلام لمن هذا الغنم؟ قال: لإبراهيم خليل الرحمن، فقلت: اللّهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه.
فقال [ له ](٥) إبراهيمعليهالسلام : فقد استحباب لك، أنا إبراهيم خليل الرحمن فعانقه، فلمّا بعث الله محمّداًصلىاللهعليهوآله ، جاءت المصافحة ».
[١٠٢٠٣] ٨ - الشيخ جعفر بن أحمد القمي في كتاب المسلسلات: حدثنا الحسين بن جعفر، قال: قال محمّد بن عيسى بن عبد الكريم الطرطوسي بدمشق، قال: قال عمر بن سعيد بن يسار المنيجي(١) ، قال: قال أحمد بن دهقان، قال: قال خلف بن تميم، قال: دخلنا على أبي هرمز نعوده، فقال: دخلنا على أنس بن مالك نعوده، فقال: صافحت بكفّي هذه كفّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفّهصلىاللهعليهوآله .
قال أبو هرمز: قلنا لأنس بن مالك: صافحنا بالكف التي صافحت بها كفّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فصافحنا وقال: السلام عليكم.
قال خلف بن تميم: قلت لأبي هرمز: صافحنا بالكفّ التي صافحت بها أنس بن مالك، فصافحنا وقال: السلام عليكم)(٢) .
__________________
(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
٨ - المسلسلات ص ١٠٣.
(١) في المخطوط: « المنجي »، وما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال « كتاب الأنساب للسمعاني ص ٥٤٣ ».
(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.
(أن الروايات متفقة على أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) اختار للمباهلة علياً وفاطمة وولديهما. ويحملون كلمة (نساءنا) على فاطمة، وكلمة (أنفسنا) على علي فقط).
ومصادر هذه الروايات الشيعة، ومقصدهم منها معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا، حتى راجت على كثير من أهل السنة.
ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية، فإن كلمة (نساءنا) لا يقولها العربي ويريد بها بنته، لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم.
وأبعد من ذلك أن يراد بأنفسنا علي عليه الرضوان.
ثم إن وفد نجران الذين قالوا: إن الآية نزلت فيهم، لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم.
وكل ما يفهم من الآية أمر النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يدعو المحاجين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب إلى الإجتماع رجالاً ونساءً، وأطفالاً، ويبتهلون إلى الله بأن يلعن هو الكاذب فيما يقول عن عيسى.
وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه، وثقته بما يقول. كما يدل امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب، سواء كانوا نصارى نجران أو غيرهم، على امترائهم في حجاجهم، ومماراتهم فيما يقولون، وزلزالهم فيما يعتقدون، وكونهم على غير بينة ولا يقين. وأنى لمن يؤمن بالله أن يرضى بأن يجتمع مثل هذا الجمع من الناس المحقين والمبطلين في صعيد واحد، متوجهين إلى الله تعالى في طلب لعنه، وإبعاده من رحمته؟! وأي جراءة على
الله، واستهزاء بقدرته وعظمته أقوى من هذا؟!
قال: أما كون النبي (صلىاللهعليهوآله ) والمؤمنين كانوا على يقين مما يعتقدون في عيسى (عليهالسلام ) فحسبنا في بيانه قوله تعالى:( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) (١) فالعلم في هذه المسائل الإعتقادية لا يراد به إلا اليقين.
وفي قوله:( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ.. ) (٢) وجهان:
أحدهما: أن كل فريق يدعو الآخر، فأنتم تدعون أبناءنا، ونحن ندعو أبناءكم، وهكذا الباقي.
وثانيهما: أن كل فريق يدعو أهله، فنحن المسلمين ندعو أبناءنا ونساءنا وأنفسنا، وأنتم كذلك.
ولا إشكال في وجه من وجهي التوزيع في دعوة الأنفس، وإنما الإشكال فيه على قول الشيعة ومن شايعهم من القول بالتخصيص(٣) .
ونقول:
إننا نذكر هنا ما أوردناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله )(٤) . وهو كما يلي:
أولاً: ما زعمه من أن مصادر هذا الحديث هم الشيعة غير صحيح، فقد
____________
١- الآية ٦١ من سورة آل عمران.
٢- الآية ٦١ من سورة آل عمران.
٣- تفسير المنار ج٣ ص٣٢٢ و ٣٢٣ وتفسير الميزان ج٣ ص٢٣٦.
٤- الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلىاللهعليهوآله ) ج٢٩ ص١٢ ـ ١٧.
روي هذا الحديث في صحاح أهل السنة ومجاميعهم الحديثية والتفسيرية وبطرقهم. ومن غير المعقول أن يكون الشيعة قد دسوا هذه الروايات في تلك المجاميع.. إذ إن ذلك يؤدي إلى سقوطها، ومنها صحيح مسلم والترمذي، وتفسير الطبري، والدر المنثور، وسائر صحاح ومصادر أهل السنة..
ثانياً: لو صح ما زعمه، لأفسح المجال للقول: بأن الدس في كتب أهل السنة ميسور لكل أحد، من قبل الشيعة وغيرهم، والنتيجة هي: أن تصبح روايات أهل السنة كلها مسرحاً لتلاعب جميع الفئات، ولا مجال للوثوق بها، وتسقط بذلك عن الإعتبار..
ثالثاً: إن كان المقصود بالشيعة خصوص الصحابة والتابعين الذين رووا هذا الحديث، فالأمر يصبح أشد خطورة، إذ هو يؤدي إلى نسبة جماعة من أئمة أهل السنة، ورواة حديثهم، وفقهائهم، إلى التشيع والشيعة، مع أنه لا يرتاب أحد في تسننهم، بل فيهم من هو من الأركان في التسنن..
رابعاً: بالنسبة لقوله عن الشيعة: (ويحملون كلمة نساءنا على فاطمة، وكلمة أنفسنا على علي فقط) نقول:
إن التعبير بالنساء والأبناء جار وفق ما يقتضيه طبعه العام، وإن كان مصداقه ينحصر في فرد واحد، تماماً كما هو الحال في قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) . إذ لا مصداق للمفهوم العام سوى علي بن أبي طالب (عليهالسلام )
____________
١- الآية ٥٥ من سورة المائدة.
حين تصدق بالخاتم وهو راكع، وهي قضية يعرفها كل أحد.
وكذلك الحال في قوله:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، التي لا يقصد بها سوى الأئمة الإثني عشر..
ومن المعلوم: أن الله لا يأمر بإطاعة أمثال فرعون ويزيد ونمرود.
ومنه: آية التطهير التي قصد بها خصوص الخمسة أصحاب الكساء.
وكذلك الحال في قوله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ، مع أن المقصود بها خصوص أصحاب الكساء والتسعة من ذرية الإمام الحسين (عليهالسلام ). كما دلت عليه الروايات.
ولا يقصد بها من كان من الضالين، أو الجبارين، كالذين قتلوا واضطهدوا أبناء عمهم من أبناء علي (عليهالسلام )، والذين أحرقوا قبر الأمام الحسين (عليهالسلام )، وإن كانوا من قرابته (صلىاللهعليهوآله ).
ومنه: قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ) (٣) ، ونحن نعلم أن إثبات بنات للنبي (صلىاللهعليهوآله) غير الزهراء (عليهاالسلام) صعب المنال، فراجع كتابنا (بنات النبي أم ربائبه)، وكتاب: (القول الصائب في إثبات الربائب)، وكتاب: (البنات ربائب)، وكتاب (ربائب النبي شبهات وردود)..
____________
١- الآية ٥٩ من سورة النساء.
٢- الآية ٢٣ من سورة الشورى.
٣- الآية ٥٩ من سورة الأحزاب.
خامساً: بالنسبة لقوله: (إن العربي لا يطلق كلمة نساءنا على بنت الرجل، لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم) نقول:
ألف: إن الذين أوردوا هذه الروايات التي طبقت الآية على علي وفاطمة (عليهماالسلام )، كانوا من العرب الأقحاح، الذين عاشوا في عصر النبوة وبعده، وقد سجلها أئمة اللغة، وعلماء البلاغة في كتبهم ومجاميعهم، ولم يسجلوا أي تحفظ على هذه الروايات..
ب: لو صح إشكال هذا الرجل، فهو وارد على قوله هو أيضاً، فإنه يزعم: أن وفد نجران لم يكن معه نساءٌ ولا أولادٌ، فما معنى أن تقول الآية:( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ؟!. فكيف يمكنه تطبيق الآية ) ؟!.
ج: إن المقصود هو أن يُبْلِغَهم أنه يباهلهم في قضية بشرية عيسى بجميع الأصناف البشرية التي لها خصوصية الإشتراك في العلم والأهلية، وفي الدعوى، وفي إثباتها. وهم هنا من النساء والأطفال والرجال، حتى لو لم يكن الجامعون للشرائط المشار إليها منهم سوى فرد واحد من كل صنف.
فهو كقول القائل: شرفونا وسنخدمكم: نساءً، ورجالاً، وأطفالاً. أي أن جميع الأصناف سوف تشارك في خدمتهم، حتى لو شارك واحد أو اثنان من كل صنف.
سادساً: زعم هذا القائل: أن ظاهر الآية هو أن المطلوب هو دعوة المحاجين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب جميع نسائهم ورجالهم
وأبنائهم، ويجمع النبي جميع أبناء ونساء ورجال المؤمنين، ثم يبتهلون.
ونقول:
إن هذا لا يمكن أن يكون هو المراد من الآية، لأنه من طلب المحال. ويحق للنصارى أن يرفضوا هذا الطلب، لأنه يثبت أن ثمة تعنتاً، وطلباً لما لا يكون. وهو يستبطن الإعتراف بصحة ما عليه النصارى.. إذ لو لم يكونوا على حق لما لجأ إلى التعنت وطلب المحال.
سابعاً: قد يقال: إن كان المقصود هو: نساء وأبناء الوفد، ونساء وأبناء النبي، فيرد إشكال: إنه لم يكن مع الوفد نساء وأبناء..
ويجاب عنه:
بأن الناس كثيراً ما كانوا يسافرون ومعهم نساؤهم وأبناؤهم. وكان النبي (صلىاللهعليهوآله ) يصطحب معه في حروبه إحدى زوجاته، وكان المشركون يأتون بنسائهم في حروبهم، كما كان الحال في بدر، وأحد، رغم الأخطار المحدقة.
أما الوفود فلا يحتمل فيها مواجهة أخطار، أو تعرض لأذى، وأسر وسبي إلا في حدود ضئيلة، فالداعي إلى استصحاب النساء والأطفال، لا يواجهه أي مانع أو رادع..
ثامناً: زعم هذا القائل: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) والمؤمنين كانوا على يقين مما يعتقدون في عيسى (عليهالسلام ). ونقول:
لا شك في أن الآية تدل على يقين النبي (صلىاللهعليهوآله ) بذلك، وقد دل فعل النبي (صلىاللهعليهوآله ) في المباهلة على أن الذين أخرجهم
معه كانوا أيضاً على يقين من ذلك.
ودل على ذلك أيضاً قوله تعالى:( فَنَجْعَلْ لَعْنتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) . حيث إنهم جميعاً كانوا شركاء في الدعوى، وعلى يقين من صحتها. ووعي تام لتفاصيلها، ومعرفة بدقائقها وحقائقها.
وأما بالنسبة لسائر المؤمنين فلا شيء يثبت أنهم كانوا على يقين من ذلك، فلعل بعضهم كان خالي الذهن عن كثير من التفاصيل. وربما لو عرضت عليه لتحير فيها.
بل لقد صرح القرآن بأن الشكوك كانت تراود أكثرهم، فقال:( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) (٢) .
تاسعاً: ونضيف إلى ما تقدم:
ألف: إنه لا معنى لقوله: إن الآية قد تعني أن يفوض إلى النصارى دعوة الأبناء والنساء من المؤمنين، ويدعو المؤمنون أبناء ونساء النصارى في المباهلة، إذ كيف يسلط النبي (صلىاللهعليهوآله ) النصارى على أبناء ونساء المؤمنين، ثم يطلب من النصارى أن يسلطوه على دعوة نسائهم وأبنائهم.. في حين أن المباهلة لا تحتاج إلى ذلك، بل يمكن أن يأتي كل فريق بمن أحب، لكي يباهل بهم الجماعة التي تأتي من قبل الفريق الآخر؟!
ب: لو صح ما ذكره، فقد كان المطلوب هو المشاركة في دعوة الفريقين
____________
١- الآية ٦١ من سورة آل عمران.
٢- الآية ١٠٦ من سورة يوسف.
لمن ذكرتهم الآية من الفريقين معاً، أي أن يدعو المسلمون أبناءهم وأنفسهم ونساءهم، وأبناء وأنفس ونساء النصارى أيضاً.
ج: لو صح ذلك، لتخير كل فريق ما قد لا يتوقعه الفريق الآخر، إذ قد يتخير من الزوجات زينب بنت جحش مثلاً، وليس عائشة، ولا يتخير فاطمة.
وقد يتخير من الأبناء الحسن فقط دون الحسين، وقد يتخير من الأنفس نفس رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
عاشراً: بالنسبة لدعوة النبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه نقول:
إن الشيعة لا يقولون بأن الآية تفرض ذلك، بل هم يقولون: إن المراد بقوله:( وَأَنْفُسَنَا ) (١) هو الرجال من أهل بيت الرسول (صلىاللهعليهوآله )، الذين يكون حضورهم بمثابة حضور نفس النبي (صلىاللهعليهوآله )، وهم إنما يحضرون بدعوة بعضهم بعضاً(٢) .
المباهلة بأعز الناس:
زعم بعضهم: أن آية المباهلة قد دلت على لزوم إحضار كل فريق أعز شيء عنده، وأحب الخلق إليه في المباهلة، والأعز والأحب هو الأبناء، والنساء، والأنفس (الأهل والخاصة).
____________
١- الآية ٦١ من سورة آل عمران.
٢- راجع: تفسير الميزان ج٣ ص٢٤٢ و ٢٤٣.
ثم تقدم بعض آخر خطوة أخرى فزعم: أن إشراك أهل البيت في المباهلة أسلوب اتبعه النبي (صلىاللهعليهوآله ) للتأثير النفسي على الطرف الآخر، ليوحي لهم بثقته بما يدَّعيه.
ونقول:
١ ـ إن قوله هذا الأخير يؤدي إلى إبعاد قضية المباهلة عن مستوى الجدية، لتصبح مجرد مناورة، تهدف إلى التأثر النفسي على الطرف الآخر..
٢ ـ إن هذه المباهلة لم تكن إقتراحاً نبوياً، بل هي تدبير إلهي، يكون دور النبي (صلىاللهعليهوآله ) فيه هو الإبلاغ والإجراء للأمر الصادر من الله تعالى.
٣ ـ إن الإختيار الإلهي لهؤلاء الصفوة، يدل على أن لهم قيمة كبرى عند الله تعالى، فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلىاللهعليهوآله ) لابنته أو لصهره، أو لابن بنته.
٤ ـ إن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى (عليهالسلام ).. والآية تدل على أن نفس المشاركين في المباهلة هم الذين يدعون بشرية عيسى، ويتحملون مسؤولية الكذب والصدق في دعواهم هذه، ولأجل ذلك قال:( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) ..
وهذا معناه: أن الحسنين (عليهماالسلام ) قد بلغا في الفهم، والعلم والفضل، ووضوح الرؤية والإختيار حداً يجعلون أنفسهم أمام الله ضمانة
____________
١- الآية ٦١ من سورة آل عمران.
على صدقهم في هذا الأمر..
فعليٌّ، وفاطمة، والحسنان(عليهمالسلام) شركاء في الدعوى، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها. وهذا من أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه(١) .
وتقدم قول الزمخشري: (وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء).
وقال الطبرسي وغيره: (قال ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ: هذا يدل على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.
وقال أصحابنا: إن صغر السن ونقصانها عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل، وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية)(٢) .
على أن من الثابت عندنا: أنه يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن، لم يمنع ذلك من كونهم أكمل البشر عقلاً.. إبانة لهم عمن سواهم، ودلالة على مكانهم من الله تعالى، واختصاصهم.
ويؤيده من الأخبار قول النبي (صلىاللهعليهوآله ): (ابناي هذان
____________
١- راجع: تفيسر الميزان ج٣ ص٢٢٤ ودلائل الصدق ج٢ ص٨٤ والإمام علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) للهمداني ص٢٧٠.
٢- ومن الواضح: أنه قد لوحظ في ذلك عامة الناس وغالبهم.
إمامان، قاما، أو قعدا)(١) .
ونكتفي هنا بهذا المقدار، وبقية الكلام حول حديث المباهلة أوردناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله ) أواخر الجزء الثامن والعشرين، وأوائل الجزء التاسع والعشرين، وإنما ذكرنا هنا خصوص ما يرتبط بأمير المؤمنين (عليهالسلام ).
____________
١- مجمع البيان ج٢ ص٤٥٢ و ٤٥٣ و ٣١١ وغنية النزوع للحلبي ص٢٩٩ والسرائر لابن إدريس ج٣ ص١٥٧ وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص٤٠٤ والإرشاد للمفيد ج٢ ص٣٠ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص٣٠٣ والمسائل الجارودية للمفيد ص٣٥ والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص٤٨ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١٤١ و ٣٦٨ وبحار الأنوار ج١٦ ص٣٠٧ وجوامع الجامع للطبرسي ج٣ ص٧٠ وإعلام الورى ج١ ص٤٠٧. وكلام ابن أبي علان موجود في التبيان أيضاً ج٢ ص٤٨٥، وفي بحار الأنوار للمجلسي بحث حول إيمان علي ( عليهالسلام )، وهو لم يبلغ الحلم.
علي (عليهالسلام ) في اليمن..
خالد وعلي في اليمن:
عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام.
قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا.
ثم إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) بعث علي بن أبي طالب مكان خالد، وأمره أن يقفل خالداً، وقال:
(مر أصحاب خالد: من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل).
قال البراء: فكنت فيمن عقب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فأسلمت همدان جميعاً.
فكتب علي إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بإسلامهم.
فلما قرأ رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه وقال: (السلام على همدان)، مرتين.
زاد في نص آخر أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال أيضاً: نِعم الحي همدان،
ما أسرعها إلى النصر! وأصبرها على الجهد ! فيهم أبدال، وفيهم أوتاد(١) .
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٥ و ٤٢٧ عن البيهقي في السنن بإسناد صحيح، والدلائل، والمعرفة، وعن البخاري مختصراً، وقال في الهامش: أخرجه البيهقي في السنن ج٢ ص٣٦٦ و ٣٦٩ وفي الدلائل ج٥ ص٣٦٩ والبخاري ج٧ ص٦٦٣ (٤٣٤٩). وراجع: المواهب اللدنية للزرقاني ج٥ ص١٧٦ و ١٧٧ وج٤ ص٣٤.
وأشار في مكاتيب الرسول ج٣ ص٣٨٧ إلى المصادر التالية أيضاً: السيرة الحلبية ج٣ ص٢٥٩ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج٣ ص٣١ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج٢ ص٣٠٠ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج٣ ص١٣١ و ١٣٢ وأنساب الأشراف للبلاذري ج١ ص٣٨٤ وعن فتح الباري ج٨ ص٥٣ وينابيع المودة ص٢١٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج٢ ص٨٣٣ و (في ط أخرى) ج٢ ق٢ ص٥٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٦٠ و ٣٦٣ عن إعلام الورى، وغيره، وج٣٨ ص٧١ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٢٩ والإرشاد للمفيد (رحمهالله) ص٢٨ والبداية والنهاية ج٥ ص١٠٥ وزاد المعاد ج٣ ص٣٦ ومجموعة الوثائق السياسية ص١٣٢/٨٠ عن إمتاع الأسماع للمقريزي ج١ ص٥٠٤ و ٥٠٩ و ٥١٠، وحياة الصحابة ج١ ص٩٥ والعدد القوية ص٢٥١ والتنبيه والإشراف ص٢٣٨ وذخائر العقبى ص١٠٩ وتاريخ الخميس ج٢ ص١٤٥ وملحقات إحقاق الحق ج١٨ ص٦٤ وج٢١ ص٦٢٠ عن: الجامع بين الصحيحين ص٧٣١ ونثر الدر المكنون ص٤٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٠١ من طرق كثيرة، والتدوين للقزويني ج٢ ص٤٢٩.
وعند البخاري عن البراء أنه قال عن سفره ذاك: (فغنمت أواق ذوات عدد)(١) .
علي (عليهالسلام ) في اليمن:
قال محمد بن عمر، وابن سعد، واللفظ للأول: بعث رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) علياً إلى اليمن في شهر رمضان، وأمره أن يعسكر بقناة، فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه. فعقد له رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لواءً، وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه. وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار، وجعل له ذراعاً بين يديه، وشبراً من ورائه، وقال له: (امض ولا تلتفت).
فقال علي (عليهالسلام ): يا رسول الله، ما أصنع؟!
قال: (إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، وادعهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن قالوا: نعم، فمرهم بالصلاة، فإن أجابوا، فمرهم بالزكاة، فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك. والله، لَأَن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت).
فخرج علي (عليهالسلام ) في ثلاثمائة فارس، فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبايا، نساءً وأطفالاً، ونعماً وشاءً، وغير ذلك.
____________
١- صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٥ ص١١٠ وراجع: عمدة القاري ج١٨ ص٦ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٥.
فجعل علي (عليهالسلام ) على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعاً. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا، ورموا أصحابه بالنبل والحجارة.
فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال صف أصحابه، ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السلمي، فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي، فقتله الأسود، وأخذ سلبه.
ثم حمل عليهم علي (عليهالسلام ) وأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، وكفَّ علي (عليهالسلام ) عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام، فأسرعوا وأجابوا.
وتقدم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا. وهذه صدقاتنا، فخذ منها حق الله تعالى.
وجمع علي (عليهالسلام ) ما أصاب من تلك الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء، فكتب في سهم منها لله، ثم أقرع عليها، فخرج أول السهمان سهم الخمس، وقسم علي (عليهالسلام ) على أصحابه بقية المغنم. ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً.
وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس، ثم يخبرون رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بذلك فلا يردُّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي (عليهالسلام )، فأبى، وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يرى فيه رأيه(١) .
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٨ والسيرة الحلبيـة ج٣ ص٢٠٦ والطبقـات = = الكبرى لابن سعد ج٢ ق١ ص١٢٢ وشرح المواهب اللدنية ج٥ ص١٧٧ عن ابن سعد، وراجع: إمتاع الأسماع ج٢ ص٩٦ و ٩٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢١ ص٦٢٧.
وأقام فيهم يقرئهم القرآن، ويعلمهم الشرائع، وكتب إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر.
فأتى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي (عليهالسلام ) بذلك، فانصرف علي (عليهالسلام ) راجعاً.
فلما كان بالفتق تعجل إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يخبره الخبر، وخلَّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بمكة قد قدمها للحج.
وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن، أحمال معكومة، ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. فسأل أصحاب علي (عليهالسلام ) أبا رافع أن يكسوهم ثياباً يحرمون فيها، فكساهم منها ثوبين ثوبين.
فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج علي (عليهالسلام ) ليتلقَّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟!
فقال: (كلموني، ففرِقْت من شكايتهم، وظننت أن هذا ليسهل عليك، وقد كان مَنْ قبلك يفعل هذا بهم).
فقال: (قد رأيت امتناعي من ذلك، ثم أعطيتهم؟! وقد أمرتك أن
تحتفظ بما خلَّفت، فتعطيهم)؟!.
فنزع علي (عليهالسلام ) الحلل منهم.
فلما قدموا على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) شكوه، فدعا علياً (عليهالسلام )، فقال: (ما لأصحابك يشكونك)؟!
قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى يقدم عليك، فترى فيه رأيك.
فسكت رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(١) .
ونقول:
إن هذا النص قد تضمن أموراً عديدة يحسن الوقوف عندها، وهي التالية:
امضِ ولا تلتفت:
تقدم: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) حين أرسل علياً (عليهالسلام ) إلى اليمن قال له: إذهب ولا تلتفت.. وهذه هي نفس الكلمة التي قالها (صلىاللهعليهوآله ) له في خيبر حين أرسله لقتل مرحب فقتله، وقلع باب الحصن، ولا ندري إن قد قال له هذه الكلمة في غير هذين الموردين.
ولعل سبب ذلك هو:
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٩ وراجع: إمتاع الأسماع ج٢ ص٩٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢١ ص٦٢٨.