• البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21950 / تحميل: 7572
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ولماذا تعرض لهم عمرو..

ولو أنهم هابوه وضعفوا أمامه، فما كان سيصنع بهم؟!

هل سيأسرهم؟!

أم يقتلهم؟!

أو يسلبهم ويخلي سبيلهم؟!

وإن كانوا يقصدون دعوة كل من يصادفونه، فلماذا لم يدعوا عمروا ومن معه..

سبي بني زبيد لماذا؟!(١) :

١ ـ إن عدم سماع المسلمين آذاناً من بني زبيد، لا يبرر لهم الإغارة عليهم، أو ترويعهم، فضلاً عن سبيهم، فلعل المؤذن استغرق في نومه.. أو لعلهم لا يزالون على شركهم، لكنهم لا يعاندون الحق لو عرض عليهم.. علماً بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يزل يصدر أوامره لسراياه، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم..

____________

١- الكافي ج٥ ص٣٦ وبحار الأنوار ج١٩ ص١٦٧ وج٩٧ ص٣٤ وج١٠١ ص٣٦٤ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٥٠٢ والنوادر للراوندي ص١٣٩ ومشكاة الأنوار لعلي الطبرسي ص١٩٣ وتذكرة الفقهاء (ط.ج) ج٩ ص٤٤ و ٤٥ و (ط.ق) ج١ ص٤٠٩ ومنتهى المطلب (ط.ق) ج٢ ص٩٠٤ ورياض المسائل للطباطبائي ج٧ ص٤٩٣.

١٨١

وقد صدر هذا الأمر لخصوص علي (عليه‌السلام ) في نفس مسيره إلى اليمن، فقد أمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن لا يقاتل أحداً حتى يدعوه..

وقد أوجب الله على نبيه أن يدعو الناس إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.

٢ ـ أين كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي حين سبا خالد بن سعيد قومه؟! فإن كان حاضراً فلماذا لم يدفع عن قومه؟! وإن كان غائباً، فماذا كان موقفه مما جرى؟!

النص الأوضح والأصرح:

ولعل النص الأوضح والأصرح هنا هو التالي:

قالوا: لما عاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من تبوك إلى المدينة قدم إليه عمرو بن معدي كرب، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أسلم يا عمرو يؤمنك الله من الفزع الأكبر.

قال: يا محمد، وما الفزع الأكبر؟! فإني لا أفزع.

فقال: يا عمرو، إنه ليس كما تظن وتحسب، إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة، فلا يبقى ميت إلا نشر، ولا حي إلا مات، إلا ما شاء الله، ثم يصاح بهم صيحة أخرى، فينشر من مات، ويصفون جميعاً، وتنشق السماء، وتهد الأرض، وتخر الجبال هداً، وترمي النار بمثل الجبال شرراً، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه، وذكر ذنبه، وشغل بنفسه إلا من شاء الله، فأين أنت يا عمرو من هذا؟!

١٨٢

قال: ألا إني أسمع أمراً عظيماً؛ فآمن بالله ورسوله، و آمن معه من قومه ناس، ورجعوا إلى قومهم.

ثم إن عمرو بن معدي كرب نظر إلى أبي بن عثعث الخثعمي، فأخذ برقبته، ثم جاء به إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال: أَعْدِني على هذا الفاجر الذي قتل والدي.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أهدر الإسلام ما كان في الجاهلية، فانصرف عمرو مرتداً، فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب، ومضى إلى قومه.

فاستدعى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وأمره على المهاجرين، وأنفذه إلى بني زبيد، وأرسل خالد بن الوليد في الأعراب وأمَّره أن يعمد لجعفي(١) . فإذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

فسار أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، واستعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص، واستعمل خالد على مقدمته أبا موسى الأشعري.

فأما جعفي فإنها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين: فذهبت فرقة إلى اليمن، وانضمت الفرقة الأخرى إلى بني زبيد.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فكتب إلى خالد بن الوليد: أن قف حيث أدركك رسولي، فلم يقف.

____________

١- جعفي بن سعد العشيرة، بطن من سعد العشيرة، من مذحج، من القحطانية.

١٨٣

فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص: تعرض له حتى تحبسه.

فاعترض له خالد حتى حبسه، وأدركه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فعنفه على خلافه.

ثم سار حتى لقي بني زبيد بواد يقال له: كثير (أو كسير)، فلما رآه بنو زبيد قالوا لعمرو: كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فأخذ منك الإتاوة؟!

قال: سيعلم إن لقيني.

قال: وخرج عمرو فقال: من يبارز؟!

فنهض إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وقام إليه خالد بن سعيد وقال له: دعني يا أبا الحسن ـ بأبي أنت وأمي ـ أبارزه.

فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): إن كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف مكانك، فوقف.

ثم برز إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فصاح به صيحة، فانهزم عمرو، وقتل (عليه‌السلام ) أخاه وابن أخيه، وأخذت امرأته ركانة بنت سلامة، وسبي منهم نسوان.

وانصرف أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وخلف على بني زبيد خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم، و يؤمن من عاد إليه من هرابهم مسلماً.

فرجع عمرو بن معدي كرب، واستأذن على خالد بن سعيد، فأذن له، فعاد إلى الإسلام، فكلمه في امرأته وولده، فوهبهم له.

١٨٤

وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزوراً قد نحرت، فجمع قوائمها ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً، وكان يسمى سيفه الصمصامة.

فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو امرأته وولده وهب له عمرو الصمصامة.

وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال له: تقدم الجيش إليه، فأعلمه بما فعل علي من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه.

فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه، فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي (عليه‌السلام ) وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.

فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي (عليه‌السلام ).

فدخل بريدة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة، فجعل يقرأه ووجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يتغير،

١٨٥

فقال بريدة: يا رسول الله، إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيئهم.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً؟!

إن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) يحل له من الفيء ما يحل لي، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي، يا بريدة، احذر أن تبغض علياً، فيبغضك الله.

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي، فسخت فيها، وقلت: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسول الله. يا رسول الله، استغفر لي فلن أبغض علياً أبداً، ولا أقول فيه إلا خيراً.

فاستغفر له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وشرحه: أن عمرو بن معدي كرب خاطب علياً (عليه‌السلام ) حين واجهه:

الآن حين تقلصت منك الكلى إذ حر نارك في الوقيعة يسطعُ

والخيل لاحقة الأياطل شزب قب البطون ثنيها والأقرع

يحملن فرساناً كراماً في الوغا لا ينكلون إذا الرجال تكعكع

إني امرؤ أحمي حماي بعزة وإذا تكون شديدة لا أجزع

وأنا المظفر في المواطن كلها وأنا شهاب في الحوادث يلمع

من يلقني يلق المنية والردى وحياض موت ليس عنه مذيع

فاحذر مصاولتي وجانب موقفي إني لدى الهيجا أضر وأنفع

____________

١- بحار الأنوار ج٢١ ص٣٥٦ ـ ٣٥٨ عن إعلام الورى (ط١) ص٨٧ و (ط٢) ص١٣٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٥٢ و ٢٥٣ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٥٩ ـ ١٦١ وكشف اليقين ص١٥١ و ١٥٢ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٨ و ٩٩ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٩ و ٢٣٠.

١٨٦

فأجابه (عليه‌السلام ):

يا عمرو قد حمي الوطيس وأضرمت نار عليك وهاج أمر مفظع

وتساقت الأبطال كأس منية فيها ذراريح وسم منقع

فإليك عني لا ينالك مخلبي فتكون كالأمس الذي لا يرجع

إني امرؤ أحمي حماي بعزة والله يخفض من يشاء ويرفع

إني إلى قصد الهدى وسبيله وإلى شرايع دينه أتسرع

ورضيت بالقرآن وحياً منزلاً وبربنا ربا يضر وينفع

فينا رسول الله أيد بالهدى فلواؤه حتى القيامة يلمع(١)

ونقول:

إن المقارنة بين هذه الرواية، والروايات التي ذكرناها فيما سبق تظهر مدى انسجام هذه، وانسيابها ومدى ما نال تلك من تزوير وتحوير، هروباً من الإقرار ببعض الحقائق، وسعياً في طمس ما لا يروق لهم ظهوره، ولا تذوق أعينهم طعم النوم حين يسطع نوره.

ومهما يكن من أمر، فإننا نحب لفت النظر إلى ما يلي:

عمرو يرتد بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

صرحت هذه الرواية: بأن عمرو بن معد يكرب ارتد عن الإسلام في عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بحجة أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم

____________

١- بحار الأنوار ج٢١ ص٣٥٩ عن الديوان المنسوب لأمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ص٧٩ و ٨٠.

١٨٧

يقتص له من قاتل أبيه، لأن الإسلام يجب ما قبله.. ولم يلتفت عمرو إلى أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لو قبل طلبه فالمفروض أن يطبق هذا الحكم على الجميع، ومنهم عمرو نفسه، فيقتله بمن قتلهم قبل إسلامه.

ويبدو: أن عمرواً قد ارتد مرة أخرى بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كما دلت عليه الروايات، فراجع(١) .

خالد أمير على الأعراب:

وصرحت الرواية المتقدمة: بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر علياً على المهاجرين، وخالد بن الوليد على الأعراب.. وفي هذا الإجراء إشارة لطيفة فيما يرتبط بكل من علي (عليه‌السلام ) وخالد، ولا سيما بملاحظة ما يزعمه خالد لنفسه، ويزعمه له بعض محبيه، وقد أكد خالد ذلك عملياً في ممارساته السابقة

____________

١- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج٤٦ ص٣٧٢ و ٣٧٣ و ٣٧٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٦ ص٥٢٦ وتاريخ الأمم والملوك (بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم) ج٣ ص١٣٤ و (ط دار صادر) ج٢ ص٣٩١ و ٥٣٨ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج٢ ص٣٧٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٢ ص١١٢ ومستدركات علم رجال الحديث ج٦ ص٦٤ و الإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج٥ ص٢٨١ والأعلام للزركلي ج٥ ص٨٦ والبداية والنهاية ج٥ ص٨٤ وج٦ ص٣٦٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج٤ ص١٠٠٥ وعيون الأثر ج٢ ص٢٩١ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص١٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٣٨٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٢٥٩ و ٢٦٠.

١٨٨

مع بني جذيمة، ثم في اللاحقة ولا سيما بالنسبة لقتله مالك بن نويرة، وزناه بزوجته في نفس الليلة.

لماذا ولى خالداً؟!:

وقد علمنا أن خالداً قد فعل ببني جذيمة ما فعل، فلماذا لم يعاقبه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولماذا عاد فولاه في هذه الغزوة أيضاً؟!

ونجيب:

أولاً: إن فعل خالد كان محفوفاً بالشبهة في مرحلة الظاهر، لأنه ادعى أن الذين قتلوا كانوا على الكفر. وإنما تدرأ الحدود بالشبهات..

ثانياً: قد كان ثمة حاجة لإشراك قريش في حسم الأمور في المنطقة، لأن ذلك يطمئن الكثيرين إلى أن أحداً لن يحاسبهم على قبولهم الإسلام. ولن يجعل ذلك ذريعة للتنكيل بهم، أو الإنتقام منهم، أو اتهامهم بالتسبيب للهزيمة، وما إلى ذلك..

ولا سيما في مناطق اليمن التي تكون مكة أقرب إليها من المدينة.. ويرى أهلها منقطعون عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، الذي قد يحتاجون لحمايته من المكيين، لو حدث ما يقتضي ذلك.

لماذا المهاجرون؟!:

ولعل الهدف من اختيار المهاجرين لمواجهة عمرو بن معدي كرب المرتد عن الإسلام، هو إفهامه أن عليه أن لا يتوهم بأن أحداً في الجزيرة العربية قادر على مساعدته.. أو أن من الممكن أن يتعاطف معه.. فإن الذين

١٨٩

كانوا أكثر الناس حرصاً على هدم الإسلام قد أصبحوا هم الذين يفترض فيهم أن يدافعوا عنه..

وقد جاءه المكيون أنفسهم لمحاربته وإرجاعه إلى جادة الصواب، ولا بد أن يدرك أن قتال هؤلاء لن يكون في صالحه، فإن أي سوء يلحق بأي منهم يزيد في محنته، ويعقد الأمور ضده، لأنه سيغضب أهل مكة، كما سيغضب أهل المدينة، وكل من صح إسلامه منهم، ومن لم يكن كذلك أيضاً..

إخضاع عمرو بن معد يكرب:

تقدم: أن عمرو بن معد يكرب لم يقتصر على الإرتداد، بل بدأ بارتكاب الجرائم، وبالإغارة على الناس الآمنين، فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب، ومضى إلى قومه..

وهذا يشير إلى وقاحة وجرأة على الدماء، واستهانة بكرامات الناس، وسقوط حجاب الأمن المفروض على دماء الناس، وأعراضهم وأموالهم..

فكان لا بد من وضع حد له بصرامة وحزم واقتلاع مصدر الأذى.. ولكن من دون قتله، وذلك رفقاً منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بقومه، وتسهيلاً عليهم لقبول الإسلام عن قناعة ورضا.. بعيداً عن أي إكراه وقهر.

فبادر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى إرسال علي (عليه‌السلام ) للقيام بهذه المهمة، وهكذا كان.

قالوا: (..ومع مبارزته جذبه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) والمنديل في

١٩٠

عنقه، حتى أسلم)(١) .

ولأجل خشيته منه (عليه‌السلام ) كان كثيراً ما سأل عن غاراته فيقول: قد محا سيف علي الصنائع.

والصنيع(٢) : هو السيف الصقيل المجرب(٣) .

تمرد خالد:

وتقدم: أن خالداً تمرد على الأمر الذي صدر إليه من علي (عليه‌السلام )، فأرسل إليه خالد بن سعيد، فحبسه حتى أدركه علي (عليه‌السلام ) فعنفه على ما كان منه.

وهذا معناه:

١ ـ أن خالداً قد أثبت عملياً أنه غير منضبط..

٢ ـ أن علياً (عليه‌السلام ) عامله بالحكمة والحزم..

٣ ـ إنه أرسل إليه خالد بن سعيد، الذي كان خالد بن الوليد لا يستطيع مناوأته، لقرشيته ولموقعه.. إلا إن كان يريد أن يتمادى في غيه، إلى حيث لا رجعة، وكان خالد يعلم عواقب ذلك، وأنه ليس في صالحه، ولا

____________

١- بحار الأنوار ج٤١ ص٩٦ عن مناقب آل أبي طالب ج١ ص٦٠٦ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٣٣٤ وسفينة البحار ج٦ ص٤٨٢.

٢- راجع الهامش السابق.

٣- أقرب الموارد ج١ ص٦٦٥.

١٩١

سيما مع علي (عليه‌السلام )..

٤ ـ إن هذا يدل على أن ما جعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ) كان أكثر من مجرد جعل الإمارة له حين يلتقي بخالد.. بل كان خالد ملزماً بطاعة علي (عليه‌السلام ) في جميع الأحوال، أي سواء التقيا أو افترقا.

والدليل على ذلك: أن علياً (عليه‌السلام ) لو كان قد تعدى صلاحياته مع خالد، فإن خالداً كان يشتكيه لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

كما أنه سوف لا يستجيب لطلب خالد بن سعيد، وسيعلن مظلوميته، وسيبادر إلى الإحتجاج على هذا الإجراء..

ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك، ولم يعترض، ولم يعتذر بأنه كان يجهل أنه مكلف بطاعة علي (عليه‌السلام )، كما هو ظاهر..

هزيمة ذليلة، وسبي نساء:

إن قوم عمرو بن معد يكرب، حاولوا إثارة حفيظته بقولهم له: لعل هذا الوافد يجبره على دفع الإتاوة، مع وصفهم لذلك الوافد بكلمة (الغلام)، المشعرة بتقدم عمرو عليه بالسن، وبالتجربة، وغير ذلك..

ثم وصفوا هذا الغلام بـ (القرشي) ليشعر ذلك بغربته، وبالإختلاف معه في العدنانية والقحطانية، وفي طبيعة الحياة، فإن هذا الوافد حضري، يفترض أن تكون حياته أقرب إلى الراحة والسعة والرفاه، أما عمرو وقومه، فإنهم يعيشون حياة البداوة والخشونة، ويدَّعون لأنفسهم الإمتياز بالقدرة

١٩٢

على تحمل المكاره، ومواجهة الصعاب، والإعتزاز بالشجاعة وبالفروسية، وما إلى ذلك..

ولكن كل ذلك لم ينفع في تحريك عمرو، بل هو قد زاد من شعور بمرارة الهزيمة التي حلت به، ومما زاد في خزي عمرو أن هزيمته قد جاءت بعد أن استعرض قوته أمام الملأ، قائلاً: من يبارز؟!

وكان يرى أن الناس يهابونه، وأنه يكفي أن يذكر لهم اسمه حتى تتبدل أحوالهم، ويدب الرعب في قلوبهم، ويتخذوا سبيل الإنسحاب من ساحة المواجهة، بكل حيلة ووسيلة، وإذ به يرى أن هؤلاء يتنافسون على مبارزته، وعلى سفك دمه.

وكان الأخطر والأمرّ، والأشر والأضر هو: أن هزيمة عمرو أمام نفس هذا الغلام القرشي لم تكن نتيجة قتال، بل كانت من مجرد صيحة أطلقها، دون أن يلوح له بسيف، أو يشرع في وجهه رمحاً!

فما هذه الفضيحة النكراء، والداهية الدهياء؟!

ثم كان الأخزى من ذلك، والأمضّ ألماً، والأعظم ذلاً أن يقتل هذا الغلام القرشيّ على حد تعبيرهم أخا عمرو وابن أخيه، ويسبي ريحانة بنت سلامة زوجة عمرو، بالإضافة إلى نساء أخريات.

ثم انصرف أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) مطمئناً إلى عدم جرأة عمرو وغيره على القيام بأية مبادرة تجاه خالد بن سعيد، الذي أبقاه (عليه‌السلام ) في بني زبيد أنفسهم، ليقبض صدقاتهم، ويؤمِّن من عاد إليه من هُرّابهم مسلماً.

١٩٣

استجداء عمرو.. وأريحية خالد!:

وتواجهنا هنا مفارقة، وهي: أن عمرو بن معد يكرب جاء إلى خالد بن سعيد بن العاص الذي خلّفه علي (عليه‌السلام ) في بني زبيد، فأظهر عودته إلى الإسلام، ثم كلّمه في امرأته وولده، فوهبهم له.

ولكن هذا المستكبر المغرور بنفسه بالأمس، والذي جرَّ على نفسه هذه الهزيمة الفضيحة اليوم، وكان سبباً في قتل أخيه، وابن أخيه، ثم في سبي زوجته وولده.. لا لشيء إلا لأن الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يجب له طلباً ظالماً رفعه إليه..

إن هذا الرجل بالذات يتراجع عن موقفه، ويستعطف ذلك الذي خلَّفه ابن عم الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في قومه ليجبي صدقاتهم، ويؤمِّن من عاد إليه من هرّابهم مسلماً..

وقد كان هذا الرجل في غنى عن هذا الإستعطاف هنا، وعن الإستكبار هناك..

والأغرب من ذلك: أن نجده حتى حين يرى نفسه بحاجة إلى الإستعطاف والخضوع، ويمارسه، لا يتخلى عن العنجهية والغرور، وحب الظهور، وإثبات الذات، وإظهار القوة بغباوة وحمق. فإنه لما وقف على باب خالد وجد جزوراً قد نحرت، فجمع قوائمها، ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً..

ثم وهب سيفه الذي كان يسميه بالصمصامة لخالد بن سعيد، إمعاناً منه في ادِّعاء الشدة، والقوة لنفسه..

١٩٤

وذلك كله ـ إن صح ـ يجعلنا نقول:

لقد صدق من وصفه: بأنه (مائق بني زبيد)(١) .

فإن المائق هو: الأحمق في غباء، أو الهالك حمقاً وغباوة(٢) .

____________

١- راجع: بحار الأنوار ج٤١ ص٩٦ عن ابن إسحاق، ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٣٣٣.

٢- أقرب الموارد ج٢ ص١٢٥٢.

١٩٥

١٩٦

الفصل الخامس:

حديث بريدة..

١٩٧

١٩٨

بغضهم علياً (عليه‌السلام ):

وعن البراء قال: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى اليمن جيشين، وأمَّر علياً على أحدهما. وعلى الآخر خالد بن الوليد. وقال: (إذا كان قتال فعلي رضي الله تعالى عنه الأمير).

قال: فافتتح علي حصناً، فغنمت أواقي ذوات عدد، وأخذ علي منه جارية.

قال: فكتب معي خالد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (يشي به) كما في جامع الترمذي.

قال: فلما قدمت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقرأ الكتاب رأيته يتغير لونه، فقال: (ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله تعالى ورسوله)؟!

فقلت: أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله، إنما أنا رسول.

فسكت(١) .

____________

١- سبل الهدى ج٦ ص٢٣٥، وقال في هامشه: أخرجه الترمذي ج٤ ص١٨٠ ونهج السعادة ج٥ ص٢٨٥ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٦ وبحار الأنوار ج٣٩ ص١١ ومناقب أهل البيت للشيرواني ص١٤٢ وينابيع المودة ج١ ص١٦٩.

١٩٩

وعن بريدة بن الحصيب قال: (أصبنا سبياً، فكتب خالد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ابعث إلينا من يخمسه). وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي.

فبعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً إلى خالد ليقبض منه الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيء، فقبض منه، فخمس وقسم، واصطفى علي سبية، فأصبح وقد اغتسل ليلاً.

وكنت أبغض علياً بغضاً لم أبغضه أحداً، وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا لبغضه علياً.

فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟!

وفي رواية: فقلت: يا أبا الحسن، ما هذا؟!

قال: ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل محمد، ثم في آل علي، فوقعت بها.

فلما قدمنا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذكرت له ذلك(١) .

____________

١- سبل الهدى ج٦ ص٢٣٥ و ٢٣٦ عن أحمد، والبخاري، والنسائي، والإسماعيلي، وفي هامشه قال: أخرجه البخاري في كتاب النكاح (٥٢١٠). وراجع: فتح الباري ج٨ ص٥٢ ونيل الأوطار ج٧ ص١١٠ والعمدة لابن البطريق ص٢٧٥ ونهج السعادة ج٥ ص٢٨٤ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥١ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٧ وخصائص أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للنسائي ص١٠٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٦ و البداية والنهاية ج٥ ص١٢٠ وج٧ ص٣٨٠ والسيرة النبوية= = لابن كثير ج٤ ص٢٠٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج١١ ص٢٦٠ وشرح إحقاق الحق ج٢١ ص٦٣٠ وج٢٣ ص٥ و ٢٧٤ و ٢٧٦ وج٣٠ ص٢٧٢.

٢٠٠

وفي رواية: فكتب خالد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقلت: ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول: صدق، فإذا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد احمر وجهه، فقال: (من كنت وليه فعلي وليه).

ثم قال: (يا بريدة أتبغض علياً)؟!

فقلت: نعم.

قال: (لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك)(1) .

____________

1- سبل الهدى ج6 ص236 وراجع: نيل الأوطار ج7 ص110 والعمدة لابن البطريق ص275 ونهج السعادة ج5 ص283 ومسند أحمد ج5 ص359 وصحيح البخاري (ط دار المعرفة) ج5 ص110 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص6 وتحفة الأحوذي ج10 ص145 وخصائص أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للنسائي ص102 ومعرفة السنن والآثار ج5 ص156 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص194 و 195 وأسد الغابة ج1 ص176 وتهذيب الكمال ج20 ص460 والبداية والنهاية ج7 ص380 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليه‌السلام ) لابن الدمشقي ج1 ص88 وشرح إحقاق الحق ج6 ص86 وج16 ص453 ج21 ص532 وج23 ص275 و 276 و 277 و 278 وج30 ص278.

٢٠١

وفي رواية: (والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة، وإن كنت تحبه فازدد له حباً)(1) .

وفي رواية: (لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي)(2) .

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 ونيل الأوطار ج7 ص111 والعمدة لابن البطريق ص275 وبحار الأنوار ج39 ص277 ونهج السعادة ج5 ص285 ومسند أحمد ج5 ص351 ومجمع الزوائد ج9 ص127 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص7 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص136 وخصائص أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للنسائي ص103 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص196 والبداية والنهاية ج5 ص121 وج7 ص381 وكشف الغمة ج1 ص293 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص202 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليه‌السلام ) لابن الدمشقي ج1 ص87 وشرح إحقاق الحق ج6 ص85 وج16 ص451 ج21 ص630 وج23 ص6 و 275 و 276 وج30 ص272.

2- سبل الهدى ج11 ص297 وج6 ص236 وقال في هامشه: أخرجه أحمد في المسند ج5 ص356، وذكره الهيثمي في المجمع ج9 ص128 وراجع: ذخائر العقبى ص68 وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38 ص326 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص560 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص7 وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص190 والبداية والنهاية ج7 ص380 وكشف الغمة ج1 ص294 وجـواهـر = = المطالب لابن الدمشقي ج1 ص87 وينابيع المودة ج2 ص159 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 292 وج15 ص103 و 106 و 107 وج20 ص527 وج23 ص544.

٢٠٢

قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب إلي من علي.

وعن بريدة: بعث (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما، فقال: إن اجتمعتما فعليكم علي.

قال: فأخذا يميناً ويساراً، فدخل علي، وأبعد وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي.

قال: فأتى رجل خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس.

فقال: ما هذا؟!

ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك، فدعاني خالد، فقال: يا بريدة قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فكتب إليه، فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل: لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، فرأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير.

٢٠٣

فنظر إليّ، فقال: يا بريدة، أحِبَّ علياً، فإنما يفعل ما أمر به، فقمت وما من الناس أحد أحب إليّ منه(1) .

____________

1- المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 ومجمع الزوائد ج9 ص128 عنه.

وراجع روايات بريدة على اختلافها في المصادر التالية: شرح الأخبار ج1 ص94 والعمدة لابن البطريق ص198 والطرائف لابن طاووس ص66 وذخائر العقبى ص68 والصراط المستقيم ج2 ص59 وكتاب الأربعين للشيرازي ص111 وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38 ص326 وكتاب الأربعين للماحوزي ص32 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص306 و 307 والمراجعات للسيد شرف الدين ص223 والنص والإجتهاد ص339 و 560 والغدير ج3 ص244 ومكاتيب الرسول ج1 ص564 ونهج السعادة ج5 ص277 و 278 ومسند أحمد ج5 ص356 ومجمع الزوائد ج9 ص128 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج16 ص214 وج18 ص7 وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص189 و 190 ومناقب علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) لابن مردويه ص119 والبداية والنهاية ج5 ص104 وج7 ص342 و344 و 380 وكشف الغمة للشعراني ج2 ص114 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص294 ومجمع الفوائد ج2 ص68 والمنهل العذب المورود ج1 ص114 ومشكل الآثار ج4 ص160 ونهج الإيمان لابن جبر ص483 و 483 وجـواهـر المطـالب لابن الدمشقـي ج1 = = ص87 والسيرة الحلبية ج3 ص338 وينابيع المودة ج2 ص159 والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج3 ص243 وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج5 ص26 ونظرة في كتاب البداية والنهاية للشيخ الأمينيي ص93 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 291 و 292 وج15 ص103 و106 و 107 وج16 ص157 وج20 ص527 وج21 ص23 و 144 وج22 ص582 وج23 ص161 و 544 وج30 ص415 والفضائل لأحمد بن حنبل ج2 ص351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وخصائص أمير المؤمنين علي ( عليها‌السلام ) للنسائي (ط التقدم بمصر) ص25 وتيسير الوصول ج2 ص132 ومناقب علي ( عليها‌السلام ) للعيني الحيدر آبادي ص48 وإزالة الخفاء ج2 ص449 وقرة العين في تفضيل الشيخين ص169 والتاج الجامع للأصول ج3 ص298.

٢٠٤

وعن بريدة: أنه لما استلم علي (عليه‌السلام ) الغنائم من خالد بن الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي (عليه‌السلام ) ورأسه يقطر، فسألوه؛ فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي.

فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟!

قال: نعم.

٢٠٥

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.

وفي نص آخر: فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة(1) .

____________

1- راجع: المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 مجمع الزوائد ج9 ص128 عنه، وخصائص النسائي ص102 و 103 ومشكل الآثار ج4 ص160 ومسند أحمد ج5 ص359 و 350 و 351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج6 ص294 وسنن الترمذي ج5 ص632 و 639 وكنز العمال ج15 ص124 و 125 و126 ـ 271 والمناقب للخوارزمي ص92 والمستدرك للحاكم ج3 ص110 و 111 على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه وسكت عنه، والبداية والنهاية ج7 ص344 و345 عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج3 ص216 عن بعض من تقدم وعن نزل الأبرار للبدخشي ص22 والرياض النضرة ج3 ص129 و 130 وعن مصابيح السنة للبغوي ج2 ص257. والبحر الزخار ج6 ص435 وجواهر الأخبار والآثـار المستخرجـة من لجـة البحر الزخـار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي. وراجع: الأمالي للطوسي ص250 والطرائف لابن طاووس ص67 وبحـار الأنـوار ج38 = = ص116 و 117 وج39 ص281 و 282 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص191 وبشارة المصطفى ص194 و 195 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج30 ص414.

٢٠٦

وفي الرواية التي عند المفيد (رضوان الله عليه): (فسار بريدة، حتى انتهى إلى باب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلقيه عمر، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي)(1) .

قال الصالحي الشامي:

تنبيهات:

الأول: قال ابن إسحاق وغيره: كانت غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن مرتين، قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الأولى، وما ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي.

الثاني: قال الحافظ: كان بعث علي بعد رجوعهم من الطائف، وقسمة الغنائم بالجعرانة.

الثالث: قال الحافظ أبو ذر الهروي: إنما أبغض بريدة علياً، لأنه رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غلّ.

____________

1- الإرشاد للمفيد ص93 و (ط دار المفيد) ج1 ص161 وقاموس الرجال ج2 ص173 عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.

٢٠٧

فلما أعلمه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه أخذ أقل من حقه أحبه.

قال الحافظ: وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد، فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن بغضه.

الرابع: استشكل وقوع علي رضي الله تعالى عنه على الجارية.

وأجيب: باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ، كما صار إليه غيره من الصحابة.

أو أنها كانت حاضت عقب صيرورتها له، ثم طهرت بعد يوم وليلة، ثم وقع عليها.

أو كانت عذراء.

الخامس: استشكل أيضاً قسمته لنفسه.

وأجيب: بأن القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه، كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك ممن نصبه الإمام، فإنه مقامه(1) .

لعله يغضب لابنته:

وذكرت بعض نصوص حديث بريدة المتقدم: أنه لما ارتد عمرو بن معد يكرب أرسل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) إلى بني

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 وفتح الباري ج8 ص53.

٢٠٨

زبيد، فغنم وسبى، واصطفى (عليه‌السلام ) جارية، وذهب بريدة ليشتكي على علي (عليه‌السلام ).

فسار حتى انتهى إلى باب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه. فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي (عليه‌السلام )، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.

فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي.

ثم ذكرت الرواية: أن بريدة دخل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجعل يحدثه بما جرى، فتغير وجه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال له بريدة: إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم..

فقال له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً!

إن علي بن أبي طالب يحل له من الفيء ما يحل لي.

إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.

يا بريدة، احذر أن تبغض علياً فيبغضك الله.

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها الخ..(1) .

____________

1- الإرشاد للمفيد ج1 ص160 و 161 وراجع: قاموس الرجال ج2 ص288 عنه. وراجع: المستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.

٢٠٩

ونقول:

ألف: لقد بادر بريدة إلى العودة إلى المدينة ليقع في علي (عليه‌السلام ).. وكان يمكنه تأجيل ذلك إلى حين عودة السرية إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

فهل كان هو وخالد يريدان أن يدفعا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى إتخاذ قرار غيابي بحق علي (عليه‌السلام )، دون أن يتمكن علي من الدفاع عن نفسه؟! أم أن حقدهما كان هو الدافع لعجلتهما هذه؟!

أم أنهما خشيا من أن يحن (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى ابن عمه وصهره وهو بقربه، ولكنه حين يكون بعيداً عنه، فإن وطأة الحنين تكون أخف؟!

وإذا أصدر قراراً غيابياً، فإنه حتى لو أراد أن يتراجع عنه، فسيكون تراجعاً ضعيفاً، وترقيعياً، لا يفي بمحو ما أحدثه قراره الأول من ندوب وتشويهات.

ب: إن علياً (عليه‌السلام ) قد بين لخالد ولبريدة الحكم الشرعي، فما المبرر للوقيعة فيه بعد ذلك؟! فإن كانوا يرون أن علياً (عليه‌السلام ) قد أخطأ فيما قال، فلماذا لم يصرحا له بذلك؟!

ثم ألم يخطر على بالهما أن يجيبهما النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمثل جواب علي (عليه‌السلام )؟! وهذا هو ما حصل بالفعل، بل زاد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على ذلك قوله: إن نصيب علي (عليه‌السلام ) في الخمس أكثر من وصيفة..

ج: لماذا يحرص عمر على أن يرى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يغضب

٢١٠

لإبنته؟! هل كان يرى أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يكيل بمكيالين، فيبيح للناس أمراً، فإذا تعلق الأمر به حرمه عليهم؟! انقياداً منه للهوى، وانسياقاً مع الرغبات الشخصية والعياذ بالله!

د: لماذا لم يقل عمر لبريدة: إن علياً (عليه‌السلام ) عمل ما أحله الله تعالى له؟! ولو شئنا أن نتوهم أن عمر كان لا يعرف الحكم الشرعي في هذه المسألة لرمانا محبوه بألف تهمة وتهمة..

هـ: إن علياً (عليه‌السلام ) كان ستِّيراً وحيياً، ولم يكن من عادته أن يتجاهر بما يشير إلى مقاربته لحليلته خارج دائرة ما تقتضيه الضرورات الدينية.

ولكننا رأيناه هنا يتصرف بطريقة تعطي أنه يتعمد دفعهم إلى تخيل شيء من هذا القبيل حيث خرج عليهم ورأسه يقطر، الأمر الذي أثار فضولهم، ودعاهم إلى سؤاله عن هذا الأمر، فلما سألوه أجابهم بما عمق شعورهم بالمرارة..

و: إن إجابته وإن كانت ليست نصاً في حدوث مقاربة جنسية فعلية، ولكنها توهم ذلك بصورة قوية.. ولعله (عليه‌السلام ) استعمل التورية في هذا الأمر، فأتى بكلام ذي وجهين.

نقول ذلك: لوجود رواية تدل على أن الله قد حرم النساء على علي (عليه‌السلام ) ما دامت فاطمة حية(1) .

____________

1- تهذيب الأحكام ج7 ص475 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص330 و (ط المطبعة = = الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1956م) ج3 ص110 وبشارة المصطفى ص306 والأمالي للطوسي ج1 ص42 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص64 وبحار الأنوار ج43 ص16 و 153 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص7 وعوالم العلوم ج11 ص387 و 66 ومستدرك الوسائل ج2 ص42 وراجع: فتح الباري ج9 ص287 ومجمع النورين ص23 والإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) لأحمد الرحماني الهمداني ص231 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص201 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص431 والحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج23 ص108.

٢١١

إلا أن يقال: هذا التحريم مشروط بعدم إذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أو فاطمة (عليها‌السلام ) له بذلك.

أو يدعى: أن المراد: أنه حرم عليه الزواج بالنساء، أما الوطء بملك اليمين فلا..

وإن كنا نرى أن هذا الإحتمال خلاف الظاهر..

علي (عليه‌السلام ) خير الناس:

جاء في النص المروي عن المفيد (رحمه‌الله ) قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن علي (عليه‌السلام ): إنه خير لبريدة، ولقومه، بل هو خير من يخلِّف بعده لكافة أمته (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

مما يعني: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أراد أن يدخل علياً (عليه‌السلام ) إلى قلب بريدة من باب الرغبة الطبيعية للإنسان بجلب المنافع لنفسه، ودرء

٢١٢

المضار عنها.

ثم أطلق (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دعوته الشاملة للأمة إلى محبة علي (عليه‌السلام )، بالإستناد إلى نفس هذه المعادلة التي قررها.

وبديهي: أن الناس قبل تصفية أرواحهم، والسمو بنظرتهم، وإطلاق عقولهم من أسر الأهواء والشهوات، ينطلقون في مواقفهم من حبهم وبغضهم، وارتباطاتهم العاطفية، ويكون إقدامهم وإحجامهم من منطلقات محسوسة لهم، أو قريبة من الحس، ولا يتفاعلون بعمق مع المُثل والقيم الشريفة، والمفاهيم والمعاني الإيمانية العالية، ذات القيمة الروحية والمعنوية.

من أجل ذلك كان لابد من الرفق بهم، وتيسير الأمور عليهم، بإبراز الجانب الحسي، أو القريب من الحس لتقريبهم من خط الإستقامة على طريق تصفية قلوبهم، وأرواحهم، ليتمكنوا من نيل المعاني السامية، والتفاعل الروحي معها، والإنصهار في بوتقة الإيمان، والإنشداد إلى كل حقائقه ودقائقه، والتفاعل معها بكل وجودهم.

لماذا يبغضون علياً (عليه‌السلام )؟!:

لقد صرح بريدة بشدة بغضه لعلي (عليه‌السلام )، دون أن يذكر مبرراً، مع أنه قد أسلم في السنوات الأولى للهجرة، ورأى تضحيات علي (عليه‌السلام ) وسلوكه، وبعضاً من عبادته، ودلائل إخلاصه، وسمع من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الكثير مما يدل على فضله ومقامه..

ولم يتراجع عن بغضه هذا إلا بعد هذا الموقف القوي والصريح من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، الذي أفقد مناوئي علي (عليه‌السلام ) كل

٢١٣

شيء، وجعلهم يواجهون خطر السقوط المخزي والمريع، في وقت كان يظن بريدة ومن معه أنهم أمام الفرصة الذهبية الكبرى للإيقاع به (عليه‌السلام )..

تتابع المخبرين:

وفي النص الذي رواه الطبري: أن المخبرين تتابعوا على خالد بما صنعه علي (عليه‌السلام )، ثم تتابعت الأخبار.. وذلك يدل على كثرة الذين يتعاطفون مع خالد، أو يريدون التزلف إليه بهذه الأخبار..

وذلك ينتج أن الذين سيطلعون على ما جرى لبريدة مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سيكونون كثيرين أيضاً، ولا سيما إذا انضم إليهم فريق كبير من أهل المدينة..

فإذا رأى الناس تبدل موقف بريدة مع علي (عليه‌السلام )، فسيدفعهم ذلك لمعرفة السبب، مما يعني: أن هذا الخبر سوف يستمر في التوسع والإنتشار.

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يأخذ الكتاب بشماله:

ومن الأمور التي لا مناص من الوقوف عندها، ومعرفة مبرراتها أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تناول كتاب خالد من بريدة بشماله.. مع أن المروي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه (كان يمينه لطعامه وشرابه، وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه إلخ..(1) .

____________

1- مكـارم الأخـلاق ص23 وبحـار الأنـوار ج16 ص237 وسنن النبي للسيد = = الطباطبائي ص120 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) للنجفي ج1 ص144 ومستدرك سفينة البحار ج14 ص154 وتفسير الميزان ج6 ص313 ومعجم المحاسن والمساوئ لأبي طالب التبريزي ص471. وراجع: سنن النسائي ج8 ص133 ومنتهى المطلب (ط ق) ج1 ص306 ومغني المحتاج للشربيني ج1 ص55 وفتح المعين ج1 ص65 والمغني لابن قدامة ج1 ص90 والشرح الكبير ج1 ص19 و 110 وج2 ص87 وتلخيص الحبير ج1 ص419 ومسند أحمد ج6 ص94 و 130 و 147 و 210 وصحيح البخاري ج1 ص110 وج6 ص197 وج7 ص49 وصحيح مسلم ج1 ص156 وسنن أبي داود ج2 ص277 وشرح مسلم للنووي ج3 ص160 و 161 ومسند أبي داود الطيالسي ج1 ص200 ومجمع الزوائد ج5 ص171 وج10 ص139 وجامع الأحاديث والمراسيل ج5 ص519 ومشكاة المصابيح للهيثمي ج2 ص111 والفتح الكبير ج2 ص364 وعمدة القاري ج3 ص31 وج4 ص171 وج21 ص31 ومسند ابن راهويه ج3 ص820 و 821 ومسند ابي يعلى ج4 ص478 والجامع الصغير ج2 ص351 وكنز العمال ج7 ص124 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص386 و 481 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص411 وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص61 وإمتاع الأسماع ج2 ص258 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص93 وج9 ص354 والنهاية في غريب الحديث ج5 ص302 ولسان العرب ج13 ص458 ومجمع البحرين ج4 ص583.

٢١٤

ولم نسمع، ولم نقرأ أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخذ أو أعطى بشماله في

٢١٥

أي مورد سوى هذا المورد.. ألا يدلنا هذا التصرف على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد علم بمحتوى، وبغرض كتاب خالد، وهو مأمور بهذا الموقف منه تعالى، فإنه لا يفعل( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ..

فهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد أن يفهمنا أن تلك الرسالة تحمل في طياتها أموراً لا خير ولا يمن فيها، بل هي بمثابة قاذورات، لا بد من التنزه عنها قولاً وفعلاً وممارسة، كما لا بد من إرفاقها بدلالات صريحة وعملية، من شأنها أن تتجذر في عمق الذاكرة من خلال دلالاتها على المعنى السلبي، حتى لا يتمكن أصحاب الأهواء من التعمية على هذا الأمر، والتدليس على الناس.

علي (عليه‌السلام ) وليهم:

وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لبريدة في هذه المناسبة: (من كنت وليه فعلي وليه)، وهذا يدلنا على ما يلي:

أولاً: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجد الفرصة سانحة لتجديد الإخبار عن ثبوت الولاية لعلي (عليه‌السلام )..

ثانياً: قد دل ما جرى على أن هذه الولاية ثابتة في زمن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً، حيث قرر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثبوتها بالفعل، ولم يقل: فإن علياً سيكون وليه. أو فقل: هي ولاية فعلية، وليست إنشائية

____________

1- الآيتان 3 و4 من سورة النجم.

٢١٦

تصل إلى درجة الفعلية بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ثالثاً: إنه يشير إلى أن تصرف علي (عليه‌السلام ) الذي تحدثت عنه تلك الرواية كان تصرفاً ولائياً..

رابعاً: إن ولايته (عليه‌السلام ) للناس من سنخ ولاية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

خامساً: إن سعة هذه الولاية وامتدادها لا يختلف عن سعة وامتداد ولاية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

يفعل ما أمر به:

وقد صرح (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): بأن علياً (عليه‌السلام ) لا يفعل ما يفعل انطلاقاً من الهوى والرغبات الشخصية، وإنما هو يفعل ما أمره الله تعالى به، وينفذ أحكامه الشرعية.. بل لعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان هو الذي أمره بذلك.. ليدل على أن الله تعالى يريد أن يكشف بعض النوايا، أو يمهد لهذا الإعلان النبوي في حق علي (عليه‌السلام ).. وإقامة الحجة به على القريب والبعيد..

غضب لم ير بريدة مثله:

صرح بريدة: بأنه رأى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد غضب غضباً لم يره غضب مثله، إلا يوم قريظة والنضير..

وكيف لا يغضب (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهؤلاء يصرون على الطعن في خير خلق الله من بعده. والمجاهد الذي يقذف نفسه في لهوات الأخطار

٢١٧

في سبيل الله.. وقد أظهر الله فضله وكراماته وآياته الباهرة في عشرات المناسبات والآيات..

كما أن آياته الجهادية الباهرة في بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، وحنين، وذات السلاسل وغير ذلك لا تخفى على أحد.

ورغم ما بذله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من جهد في إعلام الناس بحق علي (عليه‌السلام )، ونزول الآيات في الثناء عليه، وإظهار فضله، وتأكيد ولايته، فإنهم يصمون آذانهم، ويطبقون أعينهم، ويقفلون قلوبهم وعقولهم عن ذلك كله..

ومن الواضح: أن هذا العناد منهم، مع هذا الكم الهائل من الدلالات، ومع الوعد والوعيد الإلهي لهم يوازي هدم أساس الإسلام، وتقويض أركانه.

وهذا هو سر هذا الغضب الشديد الذي رآه بريدة في وجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

٢١٨

الفصل السادس:

قضاء علي (عليه‌السلام ) في اليمن..

٢١٩

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329