وفي رواية: فكتب خالد إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقلت: ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول: صدق، فإذا النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد احمر وجهه، فقال: (من كنت وليه فعلي وليه).
ثم قال: (يا بريدة أتبغض علياً)؟!
فقلت: نعم.
قال: (لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك)(١) .
____________
١- سبل الهدى ج٦ ص٢٣٦ وراجع: نيل الأوطار ج٧ ص١١٠ والعمدة لابن البطريق ص٢٧٥ ونهج السعادة ج٥ ص٢٨٣ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥٩ وصحيح البخاري (ط دار المعرفة) ج٥ ص١١٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج٦ ص٣٤٢ وفتح الباري ج٨ ص٥٣ وعمدة القاري ج١٨ ص٦ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٤٥ وخصائص أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) للنسائي ص١٠٢ ومعرفة السنن والآثار ج٥ ص١٥٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٤ و ١٩٥ وأسد الغابة ج١ ص١٧٦ وتهذيب الكمال ج٢٠ ص٤٦٠ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٨٠ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليهالسلام ) لابن الدمشقي ج١ ص٨٨ وشرح إحقاق الحق ج٦ ص٨٦ وج١٦ ص٤٥٣ ج٢١ ص٥٣٢ وج٢٣ ص٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٧ و ٢٧٨ وج٣٠ ص٢٧٨.
وفي رواية: (والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة، وإن كنت تحبه فازدد له حباً)(١) .
وفي رواية: (لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي)(٢) .
____________
١- راجع: سبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٦ ونيل الأوطار ج٧ ص١١١ والعمدة لابن البطريق ص٢٧٥ وبحار الأنوار ج٣٩ ص٢٧٧ ونهج السعادة ج٥ ص٢٨٥ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥١ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٧ وفتح الباري ج٨ ص٥٣ وعمدة القاري ج١٨ ص٧ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص١٣٦ وخصائص أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) للنسائي ص١٠٣ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٦ والبداية والنهاية ج٥ ص١٢١ وج٧ ص٣٨١ وكشف الغمة ج١ ص٢٩٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٠٢ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليهالسلام ) لابن الدمشقي ج١ ص٨٧ وشرح إحقاق الحق ج٦ ص٨٥ وج١٦ ص٤٥١ ج٢١ ص٦٣٠ وج٢٣ ص٦ و ٢٧٥ و ٢٧٦ وج٣٠ ص٢٧٢.
٢- سبل الهدى ج١١ ص٢٩٧ وج٦ ص٢٣٦ وقال في هامشه: أخرجه أحمد في المسند ج٥ ص٣٥٦، وذكره الهيثمي في المجمع ج٩ ص١٢٨ وراجع: ذخائر العقبى ص٦٨ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٢٠ وج٣٨ ص٣٢٦ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص٥٦٠ وفتح الباري ج٨ ص٥٣ وعمدة القاري ج١٨ ص٧ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٤٦ و ١٤٧ وكنز العمال ج١١ ص٦٠٨ وفيض القدير ج٤ ص٤٧١ وطبقات المحدثين بأصبهان ج٣ ص٣٨٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩٠ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٨٠ وكشف الغمة ج١ ص٢٩٤ وجـواهـر = = المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٨٧ وينابيع المودة ج٢ ص١٥٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٢٨٨ و ٢٩٠ و ٢٩٢ وج١٥ ص١٠٣ و ١٠٦ و ١٠٧ وج٢٠ ص٥٢٧ وج٢٣ ص٥٤٤.
قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب إلي من علي.
وعن بريدة: بعث (صلىاللهعليهوآله ) علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما، فقال: إن اجتمعتما فعليكم علي.
قال: فأخذا يميناً ويساراً، فدخل علي، وأبعد وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي.
قال: فأتى رجل خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس.
فقال: ما هذا؟!
ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك، فدعاني خالد، فقال: يا بريدة قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
فكتب إليه، فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل: لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، فرأيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير.
فنظر إليّ، فقال: يا بريدة، أحِبَّ علياً، فإنما يفعل ما أمر به، فقمت وما من الناس أحد أحب إليّ منه(١) .
____________
١- المعجم الأوسط للطبراني ج٥ ص١١٧ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٨ عنه.
وراجع روايات بريدة على اختلافها في المصادر التالية: شرح الأخبار ج١ ص٩٤ والعمدة لابن البطريق ص١٩٨ والطرائف لابن طاووس ص٦٦ وذخائر العقبى ص٦٨ والصراط المستقيم ج٢ ص٥٩ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١١١ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٢٠ وج٣٨ ص٣٢٦ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٣٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص٣٠٦ و ٣٠٧ والمراجعات للسيد شرف الدين ص٢٢٣ والنص والإجتهاد ص٣٣٩ و ٥٦٠ والغدير ج٣ ص٢٤٤ ومكاتيب الرسول ج١ ص٥٦٤ ونهج السعادة ج٥ ص٢٧٧ و ٢٧٨ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥٦ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢٨ وفتح الباري ج٨ ص٥٣ وعمدة القاري ج١٦ ص٢١٤ وج١٨ ص٧ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٤٦ و ١٤٧ وكنز العمال ج١١ ص٦٠٨ وفيض القدير ج٤ ص٤٧١ وطبقات المحدثين بأصبهان ج٣ ص٣٨٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٨٩ و ١٩٠ ومناقب علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) لابن مردويه ص١١٩ والبداية والنهاية ج٥ ص١٠٤ وج٧ ص٣٤٢ و٣٤٤ و ٣٨٠ وكشف الغمة للشعراني ج٢ ص١١٤ وكشف الغمة للأربلي ج١ ص٢٩٤ ومجمع الفوائد ج٢ ص٦٨ والمنهل العذب المورود ج١ ص١١٤ ومشكل الآثار ج٤ ص١٦٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص٤٨٣ و ٤٨٣ وجـواهـر المطـالب لابن الدمشقـي ج١ = = ص٨٧ والسيرة الحلبية ج٣ ص٣٣٨ وينابيع المودة ج٢ ص١٥٩ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج٣ ص٢٤٣ وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج٥ ص٢٦ ونظرة في كتاب البداية والنهاية للشيخ الأمينيي ص٩٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٢٨٨ و ٢٩٠ و ٢٩١ و ٢٩٢ وج١٥ ص١٠٣ و١٠٦ و ١٠٧ وج١٦ ص١٥٧ وج٢٠ ص٥٢٧ وج٢١ ص٢٣ و ١٤٤ وج٢٢ ص٥٨٢ وج٢٣ ص١٦١ و ٥٤٤ وج٣٠ ص٤١٥ والفضائل لأحمد بن حنبل ج٢ ص٣٥١ والسنن الكبرى للبيهقي ج٦ ص٣٤٢ وخصائص أمير المؤمنين علي ( عليهاالسلام ) للنسائي (ط التقدم بمصر) ص٢٥ وتيسير الوصول ج٢ ص١٣٢ ومناقب علي ( عليهاالسلام ) للعيني الحيدر آبادي ص٤٨ وإزالة الخفاء ج٢ ص٤٤٩ وقرة العين في تفضيل الشيخين ص١٦٩ والتاج الجامع للأصول ج٣ ص٢٩٨.
وعن بريدة: أنه لما استلم علي (عليهالسلام ) الغنائم من خالد بن الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي (عليهالسلام ) ورأسه يقطر، فسألوه؛ فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي.
فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي (صلىاللهعليهوآله )، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك (صلىاللهعليهوآله ) بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟!
قال: نعم.
فقال (صلىاللهعليهوآله ): لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.
وفي نص آخر: فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة(١) .
____________
١- راجع: المعجم الأوسط للطبراني ج٥ ص١١٧ مجمع الزوائد ج٩ ص١٢٨ عنه، وخصائص النسائي ص١٠٢ و ١٠٣ ومشكل الآثار ج٤ ص١٦٠ ومسند أحمد ج٥ ص٣٥٩ و ٣٥٠ و ٣٥١ والسنن الكبرى للبيهقي ج٦ ص٣٤٢ وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج٦ ص٢٩٤ وسنن الترمذي ج٥ ص٦٣٢ و ٦٣٩ وكنز العمال ج١٥ ص١٢٤ و ١٢٥ و١٢٦ ـ ٢٧١ والمناقب للخوارزمي ص٩٢ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١١٠ و ١١١ على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه وسكت عنه، والبداية والنهاية ج٧ ص٣٤٤ و٣٤٥ عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج٣ ص٢١٦ عن بعض من تقدم وعن نزل الأبرار للبدخشي ص٢٢ والرياض النضرة ج٣ ص١٢٩ و ١٣٠ وعن مصابيح السنة للبغوي ج٢ ص٢٥٧. والبحر الزخار ج٦ ص٤٣٥ وجواهر الأخبار والآثـار المستخرجـة من لجـة البحر الزخـار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي. وراجع: الأمالي للطوسي ص٢٥٠ والطرائف لابن طاووس ص٦٧ وبحـار الأنـوار ج٣٨ = = ص١١٦ و ١١٧ وج٣٩ ص٢٨١ و ٢٨٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص١٩١ وبشارة المصطفى ص١٩٤ و ١٩٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣٠ ص٤١٤.
وفي الرواية التي عند المفيد (رضوان الله عليه): (فسار بريدة، حتى انتهى إلى باب النبي (صلىاللهعليهوآله )، فلقيه عمر، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي)(١) .
قال الصالحي الشامي:
تنبيهات:
الأول: قال ابن إسحاق وغيره: كانت غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن مرتين، قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الأولى، وما ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي.
الثاني: قال الحافظ: كان بعث علي بعد رجوعهم من الطائف، وقسمة الغنائم بالجعرانة.
الثالث: قال الحافظ أبو ذر الهروي: إنما أبغض بريدة علياً، لأنه رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غلّ.
____________
١- الإرشاد للمفيد ص٩٣ و (ط دار المفيد) ج١ ص١٦١ وقاموس الرجال ج٢ ص١٧٣ عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص٩٨ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٥٨ وكشف الغمة ج١ ص٢٣٠.
فلما أعلمه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أنه أخذ أقل من حقه أحبه.
قال الحافظ: وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد، فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن بغضه.
الرابع: استشكل وقوع علي رضي الله تعالى عنه على الجارية.
وأجيب: باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ، كما صار إليه غيره من الصحابة.
أو أنها كانت حاضت عقب صيرورتها له، ثم طهرت بعد يوم وليلة، ثم وقع عليها.
أو كانت عذراء.
الخامس: استشكل أيضاً قسمته لنفسه.
وأجيب: بأن القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه، كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك ممن نصبه الإمام، فإنه مقامه(١) .
لعله يغضب لابنته:
وذكرت بعض نصوص حديث بريدة المتقدم: أنه لما ارتد عمرو بن معد يكرب أرسل النبي (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) إلى بني
____________
١- راجع: سبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٣٦ وفتح الباري ج٨ ص٥٣.
زبيد، فغنم وسبى، واصطفى (عليهالسلام ) جارية، وذهب بريدة ليشتكي على علي (عليهالسلام ).
فسار حتى انتهى إلى باب النبي (صلىاللهعليهوآله )، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه. فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي (عليهالسلام )، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.
فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي.
ثم ذكرت الرواية: أن بريدة دخل على النبي (صلىاللهعليهوآله ) وجعل يحدثه بما جرى، فتغير وجه النبي (صلىاللهعليهوآله )، فقال له بريدة: إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم..
فقال له (صلىاللهعليهوآله ): ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً!
إن علي بن أبي طالب يحل له من الفيء ما يحل لي.
إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.
يا بريدة، احذر أن تبغض علياً فيبغضك الله.
قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها الخ..(١) .
____________
١- الإرشاد للمفيد ج١ ص١٦٠ و ١٦١ وراجع: قاموس الرجال ج٢ ص٢٨٨ عنه. وراجع: المستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٨ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٥٨ وكشف الغمة ج١ ص٢٣٠.
ونقول:
ألف: لقد بادر بريدة إلى العودة إلى المدينة ليقع في علي (عليهالسلام ).. وكان يمكنه تأجيل ذلك إلى حين عودة السرية إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
فهل كان هو وخالد يريدان أن يدفعا رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى إتخاذ قرار غيابي بحق علي (عليهالسلام )، دون أن يتمكن علي من الدفاع عن نفسه؟! أم أن حقدهما كان هو الدافع لعجلتهما هذه؟!
أم أنهما خشيا من أن يحن (صلىاللهعليهوآله ) إلى ابن عمه وصهره وهو بقربه، ولكنه حين يكون بعيداً عنه، فإن وطأة الحنين تكون أخف؟!
وإذا أصدر قراراً غيابياً، فإنه حتى لو أراد أن يتراجع عنه، فسيكون تراجعاً ضعيفاً، وترقيعياً، لا يفي بمحو ما أحدثه قراره الأول من ندوب وتشويهات.
ب: إن علياً (عليهالسلام ) قد بين لخالد ولبريدة الحكم الشرعي، فما المبرر للوقيعة فيه بعد ذلك؟! فإن كانوا يرون أن علياً (عليهالسلام ) قد أخطأ فيما قال، فلماذا لم يصرحا له بذلك؟!
ثم ألم يخطر على بالهما أن يجيبهما النبي (صلىاللهعليهوآله ) بمثل جواب علي (عليهالسلام )؟! وهذا هو ما حصل بالفعل، بل زاد (صلىاللهعليهوآله ) على ذلك قوله: إن نصيب علي (عليهالسلام ) في الخمس أكثر من وصيفة..
ج: لماذا يحرص عمر على أن يرى النبي (صلىاللهعليهوآله ) يغضب
لإبنته؟! هل كان يرى أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) يكيل بمكيالين، فيبيح للناس أمراً، فإذا تعلق الأمر به حرمه عليهم؟! انقياداً منه للهوى، وانسياقاً مع الرغبات الشخصية والعياذ بالله!
د: لماذا لم يقل عمر لبريدة: إن علياً (عليهالسلام ) عمل ما أحله الله تعالى له؟! ولو شئنا أن نتوهم أن عمر كان لا يعرف الحكم الشرعي في هذه المسألة لرمانا محبوه بألف تهمة وتهمة..
هـ: إن علياً (عليهالسلام ) كان ستِّيراً وحيياً، ولم يكن من عادته أن يتجاهر بما يشير إلى مقاربته لحليلته خارج دائرة ما تقتضيه الضرورات الدينية.
ولكننا رأيناه هنا يتصرف بطريقة تعطي أنه يتعمد دفعهم إلى تخيل شيء من هذا القبيل حيث خرج عليهم ورأسه يقطر، الأمر الذي أثار فضولهم، ودعاهم إلى سؤاله عن هذا الأمر، فلما سألوه أجابهم بما عمق شعورهم بالمرارة..
و: إن إجابته وإن كانت ليست نصاً في حدوث مقاربة جنسية فعلية، ولكنها توهم ذلك بصورة قوية.. ولعله (عليهالسلام ) استعمل التورية في هذا الأمر، فأتى بكلام ذي وجهين.
نقول ذلك: لوجود رواية تدل على أن الله قد حرم النساء على علي (عليهالسلام ) ما دامت فاطمة حية(١) .
____________
١- تهذيب الأحكام ج٧ ص٤٧٥ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٣٣٠ و (ط المطبعة = = الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة ١٩٥٦م) ج٣ ص١١٠ وبشارة المصطفى ص٣٠٦ والأمالي للطوسي ج١ ص٤٢ ومقتل الحسين للخوارزمي ج١ ص٦٤ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٦ و ١٥٣ وضياء العالمين (مخطوط) ج٢ ق٣ ص٧ وعوالم العلوم ج١١ ص٣٨٧ و ٦٦ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٤٢ وراجع: فتح الباري ج٩ ص٢٨٧ ومجمع النورين ص٢٣ والإمام علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) لأحمد الرحماني الهمداني ص٢٣١ واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص٢٠١ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٤٣١ والحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج٢٣ ص١٠٨.
إلا أن يقال: هذا التحريم مشروط بعدم إذن النبي (صلىاللهعليهوآله )، أو فاطمة (عليهاالسلام ) له بذلك.
أو يدعى: أن المراد: أنه حرم عليه الزواج بالنساء، أما الوطء بملك اليمين فلا..
وإن كنا نرى أن هذا الإحتمال خلاف الظاهر..
علي (عليهالسلام ) خير الناس:
جاء في النص المروي عن المفيد (رحمهالله ) قول النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن علي (عليهالسلام ): إنه خير لبريدة، ولقومه، بل هو خير من يخلِّف بعده لكافة أمته (صلىاللهعليهوآله )..
مما يعني: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أراد أن يدخل علياً (عليهالسلام ) إلى قلب بريدة من باب الرغبة الطبيعية للإنسان بجلب المنافع لنفسه، ودرء
المضار عنها.
ثم أطلق (صلىاللهعليهوآله ) دعوته الشاملة للأمة إلى محبة علي (عليهالسلام )، بالإستناد إلى نفس هذه المعادلة التي قررها.
وبديهي: أن الناس قبل تصفية أرواحهم، والسمو بنظرتهم، وإطلاق عقولهم من أسر الأهواء والشهوات، ينطلقون في مواقفهم من حبهم وبغضهم، وارتباطاتهم العاطفية، ويكون إقدامهم وإحجامهم من منطلقات محسوسة لهم، أو قريبة من الحس، ولا يتفاعلون بعمق مع المُثل والقيم الشريفة، والمفاهيم والمعاني الإيمانية العالية، ذات القيمة الروحية والمعنوية.
من أجل ذلك كان لابد من الرفق بهم، وتيسير الأمور عليهم، بإبراز الجانب الحسي، أو القريب من الحس لتقريبهم من خط الإستقامة على طريق تصفية قلوبهم، وأرواحهم، ليتمكنوا من نيل المعاني السامية، والتفاعل الروحي معها، والإنصهار في بوتقة الإيمان، والإنشداد إلى كل حقائقه ودقائقه، والتفاعل معها بكل وجودهم.
لماذا يبغضون علياً (عليهالسلام )؟!:
لقد صرح بريدة بشدة بغضه لعلي (عليهالسلام )، دون أن يذكر مبرراً، مع أنه قد أسلم في السنوات الأولى للهجرة، ورأى تضحيات علي (عليهالسلام ) وسلوكه، وبعضاً من عبادته، ودلائل إخلاصه، وسمع من رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الكثير مما يدل على فضله ومقامه..
ولم يتراجع عن بغضه هذا إلا بعد هذا الموقف القوي والصريح من رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، الذي أفقد مناوئي علي (عليهالسلام ) كل
شيء، وجعلهم يواجهون خطر السقوط المخزي والمريع، في وقت كان يظن بريدة ومن معه أنهم أمام الفرصة الذهبية الكبرى للإيقاع به (عليهالسلام )..
تتابع المخبرين:
وفي النص الذي رواه الطبري: أن المخبرين تتابعوا على خالد بما صنعه علي (عليهالسلام )، ثم تتابعت الأخبار.. وذلك يدل على كثرة الذين يتعاطفون مع خالد، أو يريدون التزلف إليه بهذه الأخبار..
وذلك ينتج أن الذين سيطلعون على ما جرى لبريدة مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) سيكونون كثيرين أيضاً، ولا سيما إذا انضم إليهم فريق كبير من أهل المدينة..
فإذا رأى الناس تبدل موقف بريدة مع علي (عليهالسلام )، فسيدفعهم ذلك لمعرفة السبب، مما يعني: أن هذا الخبر سوف يستمر في التوسع والإنتشار.
النبي (صلىاللهعليهوآله ) يأخذ الكتاب بشماله:
ومن الأمور التي لا مناص من الوقوف عندها، ومعرفة مبرراتها أنه (صلىاللهعليهوآله ) تناول كتاب خالد من بريدة بشماله.. مع أن المروي عنه (صلىاللهعليهوآله ) أنه (كان يمينه لطعامه وشرابه، وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه إلخ..(١) .
____________
١- مكـارم الأخـلاق ص٢٣ وبحـار الأنـوار ج١٦ ص٢٣٧ وسنن النبي للسيد = = الطباطبائي ص١٢٠ وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهمالسلام ) للنجفي ج١ ص١٤٤ ومستدرك سفينة البحار ج١٤ ص١٥٤ وتفسير الميزان ج٦ ص٣١٣ ومعجم المحاسن والمساوئ لأبي طالب التبريزي ص٤٧١. وراجع: سنن النسائي ج٨ ص١٣٣ ومنتهى المطلب (ط ق) ج١ ص٣٠٦ ومغني المحتاج للشربيني ج١ ص٥٥ وفتح المعين ج١ ص٦٥ والمغني لابن قدامة ج١ ص٩٠ والشرح الكبير ج١ ص١٩ و ١١٠ وج٢ ص٨٧ وتلخيص الحبير ج١ ص٤١٩ ومسند أحمد ج٦ ص٩٤ و ١٣٠ و ١٤٧ و ٢١٠ وصحيح البخاري ج١ ص١١٠ وج٦ ص١٩٧ وج٧ ص٤٩ وصحيح مسلم ج١ ص١٥٦ وسنن أبي داود ج٢ ص٢٧٧ وشرح مسلم للنووي ج٣ ص١٦٠ و ١٦١ ومسند أبي داود الطيالسي ج١ ص٢٠٠ ومجمع الزوائد ج٥ ص١٧١ وج١٠ ص١٣٩ وجامع الأحاديث والمراسيل ج٥ ص٥١٩ ومشكاة المصابيح للهيثمي ج٢ ص١١١ والفتح الكبير ج٢ ص٣٦٤ وعمدة القاري ج٣ ص٣١ وج٤ ص١٧١ وج٢١ ص٣١ ومسند ابن راهويه ج٣ ص٨٢٠ و ٨٢١ ومسند ابي يعلى ج٤ ص٤٧٨ والجامع الصغير ج٢ ص٣٥١ وكنز العمال ج٧ ص١٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٣ ص٣٨٦ و ٤٨١ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص٤١١ وتاريخ مدينة دمشق ج٤ ص٦١ وإمتاع الأسماع ج٢ ص٢٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج٨ ص٩٣ وج٩ ص٣٥٤ والنهاية في غريب الحديث ج٥ ص٣٠٢ ولسان العرب ج١٣ ص٤٥٨ ومجمع البحرين ج٤ ص٥٨٣.
ولم نسمع، ولم نقرأ أنه (صلىاللهعليهوآله ) أخذ أو أعطى بشماله في
أي مورد سوى هذا المورد.. ألا يدلنا هذا التصرف على أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد علم بمحتوى، وبغرض كتاب خالد، وهو مأمور بهذا الموقف منه تعالى، فإنه لا يفعل( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ..
فهو (صلىاللهعليهوآله ) يريد أن يفهمنا أن تلك الرسالة تحمل في طياتها أموراً لا خير ولا يمن فيها، بل هي بمثابة قاذورات، لا بد من التنزه عنها قولاً وفعلاً وممارسة، كما لا بد من إرفاقها بدلالات صريحة وعملية، من شأنها أن تتجذر في عمق الذاكرة من خلال دلالاتها على المعنى السلبي، حتى لا يتمكن أصحاب الأهواء من التعمية على هذا الأمر، والتدليس على الناس.
علي (عليهالسلام ) وليهم:
وقد قال (صلىاللهعليهوآله ) لبريدة في هذه المناسبة: (من كنت وليه فعلي وليه)، وهذا يدلنا على ما يلي:
أولاً: إنه (صلىاللهعليهوآله ) وجد الفرصة سانحة لتجديد الإخبار عن ثبوت الولاية لعلي (عليهالسلام )..
ثانياً: قد دل ما جرى على أن هذه الولاية ثابتة في زمن الرسول (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، حيث قرر (صلىاللهعليهوآله ) ثبوتها بالفعل، ولم يقل: فإن علياً سيكون وليه. أو فقل: هي ولاية فعلية، وليست إنشائية
____________
١- الآيتان ٣ و٤ من سورة النجم.
تصل إلى درجة الفعلية بعد وفاة النبي (صلىاللهعليهوآله )..
ثالثاً: إنه يشير إلى أن تصرف علي (عليهالسلام ) الذي تحدثت عنه تلك الرواية كان تصرفاً ولائياً..
رابعاً: إن ولايته (عليهالسلام ) للناس من سنخ ولاية النبي (صلىاللهعليهوآله ).
خامساً: إن سعة هذه الولاية وامتدادها لا يختلف عن سعة وامتداد ولاية النبي (صلىاللهعليهوآله )..
يفعل ما أمر به:
وقد صرح (صلىاللهعليهوآله ): بأن علياً (عليهالسلام ) لا يفعل ما يفعل انطلاقاً من الهوى والرغبات الشخصية، وإنما هو يفعل ما أمره الله تعالى به، وينفذ أحكامه الشرعية.. بل لعل النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان هو الذي أمره بذلك.. ليدل على أن الله تعالى يريد أن يكشف بعض النوايا، أو يمهد لهذا الإعلان النبوي في حق علي (عليهالسلام ).. وإقامة الحجة به على القريب والبعيد..
غضب لم ير بريدة مثله:
صرح بريدة: بأنه رأى النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد غضب غضباً لم يره غضب مثله، إلا يوم قريظة والنضير..
وكيف لا يغضب (صلىاللهعليهوآله )، وهؤلاء يصرون على الطعن في خير خلق الله من بعده. والمجاهد الذي يقذف نفسه في لهوات الأخطار
في سبيل الله.. وقد أظهر الله فضله وكراماته وآياته الباهرة في عشرات المناسبات والآيات..
كما أن آياته الجهادية الباهرة في بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، وحنين، وذات السلاسل وغير ذلك لا تخفى على أحد.
ورغم ما بذله (صلىاللهعليهوآله ) من جهد في إعلام الناس بحق علي (عليهالسلام )، ونزول الآيات في الثناء عليه، وإظهار فضله، وتأكيد ولايته، فإنهم يصمون آذانهم، ويطبقون أعينهم، ويقفلون قلوبهم وعقولهم عن ذلك كله..
ومن الواضح: أن هذا العناد منهم، مع هذا الكم الهائل من الدلالات، ومع الوعد والوعيد الإلهي لهم يوازي هدم أساس الإسلام، وتقويض أركانه.
وهذا هو سر هذا الغضب الشديد الذي رآه بريدة في وجه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
قضاء علي (عليهالسلام ) في اليمن..