السماء مثل هذا الذهب.
فلما أتي به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال: يا محمد أقلني، وخلني على أن أدفع عنك من ورائي من أعدائك.
فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): فإن لم تف به؟!
قال: يا محمد، إن لم أف لك، فإن كنت رسول الله فسيظفرك بي، من منع ظلال أصحابك أن يقع على الأرض حتى أخذوني؟! ومن ساق الغزلان إلى بابي حتى استخرجتني من قصري، وأوقعتني في أيدي أصحابك؟!
وإن كنت غير نبي، فإن دولتك التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة، والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها.
قال: فصالحه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) على ألف أوقية من ذهب في رجب ومأتي حلة، وألف أوقية في صفر ومائتي حلة، وعلى أنهم يضيفون من مر بهم من العساكر ثلاثة أيام، ويزودونهم إلى المرحلة التي تليها، على أنهم إن نقضوا شيئاً من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله، وذمة محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
ثم كرّ رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) راجعاً إلى المدينة إلى إبطال كيد المنافقين في نصب ذلك العجل الذي هو أبو عامر، الذي سماه النبي (صلىاللهعليهوآله ) الفاسق.
وعاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) غانماً ظافراً، وأبطل الله كيد المنافقين.
وأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بإحراق مسجد الضرار، وأنزل الله عز وجل:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً ) (١) الآيات.
وقال موسى بن جعفر (عليهماالسلام ): فهذا العجل في حياة رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) دمر الله عليه، وأصابه بقولنج، وفالج، وجذام، ولقوة. وبقي أربعين صباحاً في أشد عذاب، ثم صار إلى عذاب الله(٢) .
ونقول:
قد علقنا على هذه الرواية بما يحسن وقوف القارئ عليه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله )، وذلك في الجزء الثلاثين منه، ولكننا نقتصر هنا على ما لم نذكره هناك مما يرتبط بالإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام )، وهو ما يلي:
على الزبير أن يعترف:
تضمنت الرواية: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) طلب من الزبير خاصة أن يعترف بالولاية لأمير المؤمنين (عليهالسلام )..
وعلينا أن نضم ذلك إلى ما أخبره به النبي (صلىاللهعليهوآله )، من أنه
____________
١- الآية ١٠٧ من سورة التوبة.
٢- راجع: تفسير الإمام العسكري ( عليهالسلام ) ص١٦٩ ـ ١٩٩ و (ط مدرسة الإمام المهدي ( عليهالسلام ) سنة ١٤٠٩ هـ) ص٤٨٠ ـ ٤٨٨ وبحار الأنوار ج٢١ ص٢٥٧ ـ ٢٦٣ عنه، وراجع: الصافي (تفسير) ج٢ ص٣٧٦.
سيقاتل علياً (عليهالسلام ) وهو له ظالم(١) ..
____________
١- علي والخوارج للمؤلف ج١ ص٢٥٣ و٢٥٨ وراجع: أنساب الاشراف (بتحقيق المحمودي) ج٢ ص٢٥٨ ومستدرك الحاكم ج٣ ص٣٦٦ وأسد الغابة ج٢ ص١٩٩ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج٤ ص٣٢٣ والوافي بالوفيات ج١٤ ص١٢٣ ورسائل المرتضى للشريف المرتضى ج٤ ص٧٢ وكفاية الأثر ص١١٥ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج٤ ص٨٤ وكشف المحجة لثمرة المهجة للسيد ابن طاووس ص١٨٣.
وراجع: الصراط المستقيم ج٣ ص١٢٠ و ١٧١ والجمل لابن شدقم ص١٠ و ١٣١ وبحار الأنوار ج١٨ ص١٢٣ وج٣٠ ص١٩ وج٣٢ ص١٧٣ وج٣٦ ص٣٢٤ وفتح الباري ج٦ ص١٦١ وج١٣ ص٤٦ والمصنف للصنعاني ج١١ ص٢٤١ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٧١٩ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص٢٣٤ وج ١٣ ص٢٨٧ وكنز العمال ج١١ ص٣٣٠ وفيض القدير ج٤ ص٣٥٨ وكشف الخفاء ج٢ ص٤٢٣ والضعفاء للعقيلي ج٣ ص٦٥ والعلل للدارقطني ج٤ ص٢٤٥ وتاريخ مدينة دمشق ج١٨ ص٤٠٩ و ٤١٠ وتهذيب الكمال للمزي ج١٨ ص٩٣ والإصابة ج٢ ص٤٦٠ وتهذيب التهذيب ج٦ ص٢٩٠ والعثمانية للجاحظ ص٣٣٥ والكامل في التاريخ ج٣ ص٢٤٠ والبداية والنهاية ج٦ ص٢٣٧ و ٢٣٨ وج٧ ص٢٦٨ و ٢٦٩ وكتاب الفتوح لأعثم ج٢ ص٤٧٠ والإستغاثة ج٢ ص٦٨ وبشارة المصطفى للطبري ص٣٨٠ وإعلام الورى ج١ ص٩١ والمناقب للخوارزمي ص١٧٩ ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول = = ( عليهالسلام ) لمحمد بن طلحة الشافعي ص٢١٥ وكشف الغمة ج١ ص٢٤٢ وكشف اليقين ص١٥٤ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٤١٢ و ٤١٥ وسبل الهدى والرشاد ج١٠ ص١٤٩ وخزانة الأدب للبغدادي ج٥ ص٤١٦ وج١٠ ص٤٠٣.
بالإضافة إلى ما أخبر به الناس عامة، من أن علياً (عليهالسلام ) سيقاتل الناكثين (وهم بقيادة الزبير وعائشة وطلحة) والقاسطين (وهم معاوية ومن معه)، والمارقين، (وهم أصحاب النهروان)..
ذاك لعلي (عليهالسلام ):
لقد أرجع النبي (صلىاللهعليهوآله ): الأمر إلى علي (عليهالسلام ) بقوله: (ذاك لعلي) مع علمه بأنه (عليهالسلام ) تام التسليم لما يريده الله منه ورسوله، ـ إن ذلك ولا يقدم بين يدي الله ورسوله ـ وأريد به إظهار زيادة الإهتمام برضى أمير المؤمنين، واعتباره هو المعيار لاتخاذ الموقف، وهو أيضاً لتأكيد الوثوق بصحة ما يختاره (عليهالسلام )، وأنه إنما يختار ما يحقق أقصى درجات الرضى الإلهي..
السمع والطاعة لله ولرسوله:
وقول علي (عليهالسلام ): (السمع والطاعة لله ولرسوله إلخ..) يظهر مدى دقة علي (عليهالسلام ) في فهم الأمور.. وتراتبية هذا الفهم والوعي، فإنه أعلن أن الطاعة لله، ثم هي لرسوله (صلىاللهعليهوآله ).
فدل ذلك على أنه (عليهالسلام ) لم يكن ليختار أمراً خارجاً عن هذه الدائرة. بل لا بد أن يرجع الأمر إلى الله أولاً، ثم إليه (صلىاللهعليهوآله ) ثانياً..
وهو يرى أنه (صلىاللهعليهوآله ) قد تهيأ للخروج، وجد في العزم عليه، فاعتبر ذلك ترجيحاً واختياراً منه (صلىاللهعليهوآله ) لذلك.. ثم اعتبر هذا الترجيح، أو الإختيار، أو ظهور هذا الميل بمثابة أمر إلهي نبوي، لعلمه بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لا يفعل إلا ما يحقق رضا الله تبارك، ولا يصدر ولا يورد الأمور من عند نفسه..
وحيث إنه (عليهالسلام ) لا يختار إلا ما يحقق أقصى درجات الرضا، فقد تحقق عنده الإلتزام بهذا الأمر من ناحيتين:
أولاهما: أنه أصبح بمثابة اختيار من الله ورسوله.. وهو بمثابة الأمر بالنسبة إليه..
الثانية: إنه يتوافق مع ما سعى إليه، وهو تحقيق أقصى درجات الرضا الإلهي..
لك أجر خروجك معي:
وأما حبه لأن يكون مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ولا يتخلف عنه في حال من الأحوال.. فلا شك في أن الكون معه (صلىاللهعليهوآله ) شرف وفضل، وفيه مثوبات وفواضل يرغب فيها كل مؤمن، فكيف بعلي (عليهالسلام )، ولكن قد يعرض ما يحتم التخلي عن هذا الأمر لمصلحة حفظ الإسلام التي هي الأهم والأولى بالمراعات، حين يتآمر عليه أهل
الباطل، ويكيد له أهل الزيغ، فيتخلى الإنسان عما يحب لينجز أمراً صار هو الأحب إلى الله تعالى، لعروض أمر طارئ..
ويؤيد هذا المعنى: قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) له (عليهالسلام ):
(..يا أبا الحسن، إن لك أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة)، فدل ذلك على أن حب علي للخروج مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لم يكن عشوائياً، ولا لمصلحة شخصية، بل لحبه نيل الثواب من الله..
يضاف إلى ذلك: ما روي في أن من أحب عمل قوم كان شريكاً لهم فيه، وهذا واضح.
علي (عليهالسلام ) أمة وحدة:
ثم إن الله تعالى قد زاد في إظهار مزايا علي (عليهالسلام )، وفضله وشرفه بأن جعله أمة وحده، كما جعل إبراهيم (عليهالسلام ) أمة.. لأنه (عليهالسلام ) هو المتفرد من بين البشر بأنه الرجل الإلهي الخالص، الذي هو نفس رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في كل خصال الخير، وفي كل المعاني والمزايا التي منحها الله لرسوله، باستثناء ميزة النبوة الخاتمة..
والذي يبدو لنا: هو أن علياً (عليهالسلام ) أمة وحده، من حيث أنه هو المعيار دون كل أحد لقبول الأعمال، وهو الذي يعطي الجواز لدخول الجنة، ولو أن أحداً صام نهاره، وقام ليله، وحج دهره ولم يأت بولاية علي (عليهالسلام )، فليس له في الجنة نصيب.
وبعبارة أخرى.. إن الإيمان بالنبوة لا يكفي إذا لم ينضم إليه الإيمان بالولاية أيضاً، وهذا الأمر ثابت حتى في حياة النبي (صلىاللهعليهوآله ).. وبعد وفاته.. وهذا هو أحد معاني قوله (صلىاللهعليهوآله ): إن علياً أمة وحده حتى في زمن النبي (صلىاللهعليهوآله )، فإنه لم يقل له: أنت أمة وحدك بعد وفاتي، فظهر أن هذا الأمر مما يمتاز به علي (عليهالسلام ) على جميع البشر على الإطلاق.
ونستطيع أن نستفيد من ذلك: أن إقامته بالمدينة حين سار النبي (صلىاللهعليهوآله ) إلى تبوك لا تعني أنه (عليهالسلام ) ليس له ولاية على غير المدينة، بل ولايته واستخلافه يشمل جميع الناس في المدينة وخارجها، وفي جميع البلاد التي كانت خاضعة لسلطان الإسلام.. ولا سيما بملاحظة قوله (صلىاللهعليهوآله ) له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى حسبما أوضحناه فيما سبق.
تأثير الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله ):
وقد تضمنت الرواية أيضاً: بيان أن اقتران بعض الأعمال بإيمان ذي مواصفات بعينها، يجعلها تؤثر في الواقع الخارجي، ومن هذه الأعمال الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله ) وآله الطيبين، فإنها:
أولاً: تستر فاعلها عن عيون أعدائه.
ثانياً: لا تبقي له ظلاً.
ثالثاً: تغمره بالنور، وتستره عن عيون الناس.
ولكنها ذكرت: أن مجرد التفوه بالصلاة لا يجدي، بل لا بد أن يصاحب ذلك الإعتقاد بأن علياً (عليهالسلام ) هو أفضل آل النبي..
فعالم الروح متصل بعالم المادة، والتفوه بالألفاظ يترك آثاراً لها نوع ارتباط بسنخ مضمون تلك الألفاظ.. كما أن الإعتقاد مؤثر في الواقع العملي الخارجي..
ولكن هذه الآثار لا يمكن التكهن بها للبشر، ولا طريق لهم لاكتشاف الصلة بينها، بالعلم البشري، بل هي مما يختص الله بعلمه، فلا بد من أخذ العلم بها من الله تعالى، فإذا أخبر الله عنها أمكن تلمسها بالممارسة..
الظل.. والنور:
١ ـ قد بين هذا النص أن الظل أيضاً يمكن التحكم به، وجعله ورفعه وليس كالزوجية للأربعة، أي أنه ليس من اللوازم التي لا تنفك عن النور، وما يعترضه من أجسام..
٢ ـ بيَّن أيضاً: أن النور الذي يفترض أن يكون كاشفاً للأجسام، ومن أسباب رؤيتها، يمكن أن يكون بتلألئه ساتراً وحاجباً لما وراءه، ومن أسباب العمى عنه، ومانعاً للبصر من الوصول والإمتداد..
الفهرس
الصحيح من سيرة الإمام عليّ ( عليهالسلام ) ١
الفصل الخامس:٥
الفصل السادس:٣٢
الفصل السابع:٦٩
الباب التاسع:٩١
الفصل الأول:٩٣
الفصل الثاني:١١٣
الفصل الثالث:١٥٣
الفصل الرابع:١٧٥
الفصل الخامس:١٩٧
الفصل السادس:٢١٩
الباب العاشر:٢٤٥
الفصل الأول:٢٤٧
الفصل الثاني:٢٩٥
الفصل الثالث:٣٠٩
الفهرس ٣٢٩