الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء ٨

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 352
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 352
أرض مربعة حمراء من أدم |
ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ |
|
تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً |
من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ |
|
هذا يغير على هذا وذاك على |
هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ |
|
فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ |
في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1) |
وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .
ب - ولعه بالموسيقى:
وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .
وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.
ج - شربه للخمر:
وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.
التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:
وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:
____________________
(1) المستطرف 2 / 306.
(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).
(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).
1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:
على العبد حق وهو لا شك فاعله |
وإن عظم المولى وجلّت فواضله |
|
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله |
وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله |
|
ولو كان يهدي للجليل بقدره |
لقصّر عنه البحر يوماً وساحله |
|
ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه |
وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1) |
2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).
3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .
هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.
تظاهره بالتشيّع:
وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:
من علمه التشيع:
إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).
____________________
(1) صبح الأعشى 2 / 420.
(2) التحف والهدايا (ص 109).
(3) نفس المصدر.
فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.
فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:
(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).
قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).
فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ
على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).
قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:
____________________
(1) المسخد: مصفر الوجه.
(2) الشن البالي: القربة البالية.
(3) كلم: أي جرح.
- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟
- اليد تقصر عن ذلك.
- ما حال الضيعة؟
تعطي في وقت وتمنع في آخر!.
- هل عليك دين؟
- نعم.
- كم هو؟
- عشرة آلاف دينار.
- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.
فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلىاللهعليهوآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليهالسلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .
فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.
وأخذ الإمامعليهالسلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:
(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).
فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليهالسلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).
وانصرف الإمامعليهالسلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره
____________________
(1) المحتد: الأصل.
(2) العاني: الغفير.
بالخلافة، وقال له:
(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).
ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:
(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).
فقال هارون:
(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).
وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).
فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلىاللهعليهوآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).
ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).
فزجره هارون، وقال له:
(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).
وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليهالسلام ، وقضت سياسته في
محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).
فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).
فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليهالسلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).
فشكره الإمامعليهالسلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).
وقبل مخارق يد الإمامعليهالسلام ، وانصرف عنه(2) .
وحكت هذه الرواية ما يلي:
1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليهالسلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.
2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليهالسلام هو حجّة الله على
____________________
(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.
(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.
العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.
3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.
4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلىاللهعليهوآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:
من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا |
بردّ مأمون هاشم فدكا |
واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.
وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليهالسلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:
لا تقبل التوبة من تائب |
إلاّ بحب ابن أبي طالب |
|
أخو رسول الله حلف المهدي |
والأخ فوق الخل والصاحب |
|
إن جمعا في الفضل يوماً فقد |
فاق أخوه رغبة الراغب |
|
فقدم الهادي في فضله |
تسلم من اللائم والعائب |
ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:
____________________
(1) تذكرة الخواص (ص 366).
ومن غاو يغص عليّ غيظاً |
إذا أدنيت أولاد الوصي |
|
فقلت: أليس قد أوتيت علماً |
وبان لك الرشيد من الغوي |
|
وعرفت احتجاجي بالمثاني |
وبالمعقول والأثر القوي |
|
بأيّة خلّة وبأيّ معنى |
تفضّل ملحدين على علي |
|
علي أعظم الثقلين حقّاً |
وأفضلهم سوى حق النبي(1) |
ومن شعره قاله في أهل البيتعليهمالسلام هذه الأبيات:
إن مال ذو النصب إلى جانب |
ملت مع الشيعي في جانبِ |
|
أكون في آل بني الهدى |
خير بني من بني غالبِ |
|
حبهم فرض نؤدّي به |
كمثل حج لازم واجب(2) |
وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهمالسلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.
وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليهالسلام :
ألام على حب الوصي أبي الحسن |
وذلك عندي من عجائب ذي الزمن |
|
خليفة خير الناس والأول الذي |
أعان رسول الله في السر والعلن |
|
ولولاه ما عدت لهاشم إمرة |
وكانت على الأيام تقضي وتمتهن |
|
فولى بني العباس ما اختص غيرهم |
ومن منه أولى بالتكرّم والمنن |
|
فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى |
وفاض عبيد الله جوداً على اليمن |
|
وقسم أعمال الخلافة بينهم |
فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3) |
وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في
____________________
(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.
(2) تذكرة الخواص (ص 367).
(3) تذكرة الخواص (ص 366).
هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلىاللهعليهوآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.
ونسب إلى المأمون هذان البيتان:
إذا المرجّى سرّك أن تراه |
يموت لحينه من قبل موته |
|
فجدّد عنده ذكرى عليٍّ |
وصلِّ على النبي وآل بيته |
فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:
إذا الشيعي جمجم في مقال |
فسرّك أن يبوح بذات نفسه |
|
فصلّ على النبي وصاحبيه |
وزيريه وجاريه برمسه(1) |
ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:
(رحم الله عليّا |
إنّه كان تقيّا) |
وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:
(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).
فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).
قال المأمون: كان عليها:
(رحم الله عليّا |
انه كان تقيّا) |
فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .
____________________
(1) مروج الذهب 3 / 329.
(2) تذكرة الخواص (ص 367).
واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآله )(1) .
وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.
ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلىاللهعليهوآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.
ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:
ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).
____________________
(1) مروج الذهب 3 / 361.
(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.
ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.
إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليهالسلام خير البشر بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).
وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.
وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).
وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)
الدليل الأوّل:
وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآله قائلاً:
(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).
جواب المأمون:
وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها
حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.
وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.
وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).
وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.
الدليل الثاني:
وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).
قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).
جواب المأمون:
وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلىاللهعليهوآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً
____________________
(1) أي إماتة الشريعة.
عليهالسلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).
إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.
الدليل الثالث:
وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليهالسلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).
وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليهالسلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.
الدليل الرابع:
وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليهالسلام : قدّمك رسول اللهصلىاللهعليهوآله فمَن ذا يؤخرك؟).
ردّ المأمون للحديث:
ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليهالسلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليهاالسلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.
ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).
الدليل الخامس:
وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك
من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).
ردّ المأمون:
ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).
إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.
الدليل السادس:
وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).
جواب المأمون:
وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام بقوله:
(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).
الدليل السابع:
وقال عالم آخر: إنّ النبيصلىاللهعليهوآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).
جواب المأمون:
قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها
النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).
ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.
الدليل الثامن:
وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).
قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).
إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.
الدليل التاسع:
وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلىاللهعليهوآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).
جواب المأمون:
وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.
وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة
____________________
(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.
(2) سورة النساء: آية 163.
(3) سورة الأحزاب آية 7.
فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).
الدليل العاشر:
وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).
جواب المأمون:
قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلىاللهعليهوآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).
الدليل الحادي عشر:
وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.
مناقشة المأمون:
قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).
الدليل الثاني عشر:
وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).
جواب المأمون:
وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.
والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:
____________________
(1) سورة الأنفال: آية 33.
(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).
وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).
وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).
فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).
فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليهالسلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليهالسلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).
وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:
(ما لكم سكتّم؟...).
فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلىاللهعليهوآله ...).
فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).
____________________
(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.
وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).
وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).
وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.
وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.
وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).
والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).
فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).
وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:
____________________
(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.
(2) سورة ص: آية 3 - 4.
هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليهالسلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).
وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).
فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).
وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).
(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .
ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).
وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .
قال له المأمون:
____________________
(1) سورة النساء: آية 95.
(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).
(في علي...).
وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليهالسلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.
(لا...).
(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...
هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .
(لا...).
(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).
(لا أدري).
(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلىاللهعليهوآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلىاللهعليهوآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان
واحد مات.
يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).
(بلى...).
(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك
____________________
(1) سورة الدهر: آية 9.
(2) سورة إبراهيم: آية 17.
حين نزلت آية التطهير، وهم الذين كانوا معه تحت الكساء: علي وفاطمة، والحسنان (عليهمالسلام ).
وأضافت نصوص أخرى: بقية الأئمة الاثني عشر (صلوات الله وسلامه عليهم).
٨ ـ ثم انتقل (صلىاللهعليهوآله ) لبيان: أن من كان من شيعتهم في الدنيا سوف ينتفع بهذا التشيع في الآخرة، حيث سيأخذ بحجزته، ليدخل الجنة معهم.
٩ ـ قد ذكر (صلىاللهعليهوآله ) ما دل على أن التشيع لهم، معناه الإلتزام بخطهم واتباعهم، والكون معهم، لأنهم لا يدخلون من يكون معهم في باب ضلالة، ولا يخرجونه من باب هدى.
١٠ ـ قلنا فيما سبق: إن هذه الروايات قد رواها غير الشيعة، ودونوها في كتبهم، فإن أراد بعض الناس أن يرفضها، فعليه أن يقدم مبرراً معقولاً، يوضح سبب رواية علمائهم ورواتهم لها، وعلل إيرادهم لها في مصادرهم..
درع وسيف وبغلة الرسول (صلىاللهعليهوآله ):
عن إبراهيم بن إسحاق الأزدي ، عن أبيه قال: أتيت الأعمش سليمان بن مهران أسأله عن وصية رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقال: ائت محمد بن عبد الله فاسأله.
قال: فأتيته، فحدثني عن زيد بن علي (عليهالسلام ).
قال: لما حضرت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الوفاة، ورأسه في
حجر علي (عليهالسلام )، والبيت غاص بمن فيه من المهاجرين والأنصار، والعباس قاعد قدامه، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): يا عباس، أتقبل وصيتي، وتقضي ديني، وتنجز موعدي؟!
فقال: إني امرؤ كبير السن، كثير العيال، لا مال لي.
فأعادها عليه ثلاثاً كل ذلك يردها عليه.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): سأعطيها رجلاً يأخذها بحقها، لا يقول مثل ما تقول ثم قال: يا علي أتقبل وصيتي، وتقضي ديني، وتنجز موعدي؟!
قال: فخنقته العبرة، ولم يستطع أن يجيبه، ولقد رأى رأس رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يذهب ويجيء في حجره.
ثم أعاد عليه.
فقال له علي (عليهالسلام ): نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
فقال: يا بلال، ائت بدرع رسول الله.
فأتى بها.
ثم قال: يا بلال، ائت براية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
فأتى بها.
ثم قال: يا بلال، ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها.
فأتى بها.
ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا بشهادة من في البيت من المهاجرين
والأنصار، كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي.
قال: فقام علي (عليهالسلام ) حتى استودع جميع ذلك في منزله، ثم رجع(١) .
ونقول:
١ ـ لعل إسحاق الأزدي قد لاحظ: أن الشريعة السمحاء تحث على الوصية، وأن الله تعالى ورسوله قد أمرا بالوصية قبل حلول المنية، فلا يعقل أن يكون (صلىاللهعليهوآله ) أول من خالفه، فسأل عنها ليعرف مضمونها، وما آل حالها في مجال الإلتزام والتطبيق..
كما أنه كان يرى أن الناس على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يقرون لعلي (عليهالسلام ) بالوصاية وإن كان بعضهم يحاول التكتم على مضمونها بإظهار عدم العلم بها وبه، أو يضطرب ويتناقض في بيان ذلك المضمون، فأحب أن يسمع ما يقوله الأعمش في ذلك..
٢ ـ لقد رأينا الأعمش قد أحال السائل على غيره فلماذا أحاله؟! ولماذا اختار محمد بن عبد الله بالذات، ليكون هو المجيب؟!
ونجيب بما يلي:
ألف: بالنسبة لسبب الإحالة فالذي يبدو لنا هو أن الأعمش كان يحاذر من الجهر بالحقيقة، لأنها سوف تكلفه غالياً عند السلطان، وعند الأخطبوط الأموي، ومن يدور في فلكه وسائر المناوئين لعلي أميرالمؤمنين
____________
١- علل الشرائع ج١ ص١٦٨ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٤٥٩.
(عليهالسلام ) من الخوارج وغيرهم.
ب: إنه آثر أن يعطي إحالته على الغير قدراً من الصدق والواقعية، حين اختار من يعرف أنه سيجهر بالحقيقة ولو بدرجة محدودة، ويكون قد دلنا بذلك على أنه هو أيضاً ـ أعني الأعمش ـ يقول بنفس ما يقول محمد بن عبد الله..
٣ ـ صرحت الرواية: بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) حين مات كان رأسه في حجر علي (عليهالسلام ) وهذا يكذب ما ينقل عن عائشة من أنه (صلىاللهعليهوآله ) مات ورأسه بين حاقنتها وذاقنتها.
٤ ـ تقول الرواية: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد أوصى والبيت غاص بمن فيه من المهاجرين والأنصار.. فدل على أن المنع من كتابة الكتاب لم يفدهم في صد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) عن الوصية لعلي، وإتمام الحجة على الناس في هذا الشأن.. وإن كانت وصيته غير مكتوبة. فإن ذلك لا يقلل من قيمته، إذ لا يشترط في الوصية أن تكون مكتوبة.
٥ ـ إن المطلوب هو: الوصية بأمور محدودة جداً مثل قضاء الدين، وإنجاز العدات.. وليس المطلوب الوصية بالخلافة والإمامة، لأن الأمر لله تعالى في يضعه حيث يشاء، كما صرح به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أكثر من مرة وقد عينه الله ورسوله لهم، وصدر منه النص عليه في مناسبات عديدة، ثم نصبه لهم يوم غدير خم وبايعوه.
٦ ـ وقد عرض النبي (صلىاللهعليهوآله ) في وصيته هذه أموراً يسيرة، وهي قبول وصيته، وقضاء دينه، وإنجاز عداته.. وبدأ بعرض هذه الأمور
على عمه العباس.
ولكن العباس رفض قبول ذلك، متذرعاً بكبر السن، وكثرة العيال، وبأنه لا مال له ويلاحظ على ذلك الأمور التالية:
ألف: إن العباس هو أقرب الناس نسباً إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ويفترض أن يعتبره مصدر كرامته وعزته حتى بمنطق العصبية، فضلاً عن كرامة الله تعالى له بمقام النبوة، فيندفع إلى تلبية أي طلب له، وتوفير كل الحاجات، والمساعدة في أي شأن يحتاج فيه إلى المساعدة.
ب: إن العباس كان مبجلاً عند أقرانه لأسباب عديدة، وسيزيده اعتماد النبي (صلىاللهعليهوآله ) عليه، وإيكال تنفيذ الأمور إليه رفعة شأن، وعلو مقام..
ج: إن العباس ـ فيما نعلم ـ كان من أصحاب الأموال، الذين نحروا الإبل ليطعموا المشركين في مسيرهم إلى بدر لحرب النبي (صلىاللهعليهوآله )، وكانوا ينحرون يوماً تسعاً ويوماً عشراً من الإبل، فأين ذهبت أمواله، وعلى أي شيء أنفقها؟!
وكيف يكون عند عثمان من الأموال ما جهز به جيش العسرة إلى تبوك حسب زعمهم الذي أثبتنا كذبه، ويصبح العباس بين ليلة وضحاها لا مال له يقضي به دين رسول الله الذي قد لا يكون سوى دراهم يسيرة جداً لعلها لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة؟! إذ لا شك في أن العباس لم ينفق أمواله في سبيل الله.. ولا في الصدقات، ولا في غير ذلك من الطاعات والمبرات!!
فهل من المعقول أن يفضل العباس بضعة دراهم على الفوز بمقام (الوصي)لأكرم رسول، وأفضل الخلائق؟!
د: ما شأن كبر السن بهذه الأمور اليسيرة التي طلبها منه رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، والتي لا تحتاج لأي حركة أو جهد؟
مع أن مع العباس أبناءه القادرين على معاونته، والمستعدين لطاعة أوامره.
٥ ـ ألم يفهم العباس من تكرار الرسول طلبه ثلاث مرات أنه (صلىاللهعليهوآله ) كان حريصاً على أن يقبل العباس منه هذه المهمة؟!
و: على أنه لا شيء يدل على أنه (صلىاللهعليهوآله ) كان يريد من العباس أن ينفق أمواله في قضاء دين الرسول، بل لعله يريد منه أن يتولى إنجاز عداته، وقضاء دينه مما تركه هو نفسه (صلىاللهعليهوآله ).
غير أن العباس قد فهم ذلك وقد ترك النبي (صلىاللهعليهوآله ) ليفهم ما يشاء، وليسمع الناس، وليروا إصرار النبي (صلىاللهعليهوآله )، ورفض العباس فإن ذلك مطلوب له أيضاً، لأنه يريد أن يفهم الناس معنى بعينه، كما سيتضح..
٧ ـ وقد ظهر ذلك المعنى الذي أراده (صلىاللهعليهوآله ) في تعامل وفي كلمات النبي (صلىاللهعليهوآله ) مع علي (عليهالسلام ) فقد أشهد الحاضرين في ذلك البيت على إقباض علي (عليهالسلام ) درعه، ورايته، وبغلته بسرجها وبلجامها، ففهم أن الغرض من هذا الإشهاد هو المنع من منازعة أحد له في ذلك..
٨ ـ إنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يطلب أن يقبل وصيته في هذه الأمور الثلاثة بعد صرفه النظر عن العباس إلا من علي (عليهالسلام ).. مخاطباً إياه باسمه، كما خاطب العباس باسمه، ليدل على أن هذا التحديد والتعيين مقصود له (صلىاللهعليهوآله )..
ولعل من ثمراته أن يبطل دعاوى العباسيين المتوقعة بن لهم حقاً بشيء من الأمر، استناداً إلى الأقربية النسبية إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
وإذا بطل الإستناد إلى الأقربية النسبية، فستبطل كل دعاوى الحق بالإستناد إلى الإشتراك إلى القرشية بطريق أولى، حيث استدل أبو بكر وعمر على الأنصار في السقيفة: بأنهم أولياء النبي (صلىاللهعليهوآله ) وعشيرته، فهم أحق بسلطانه.
٩ ـ ولا بد من التأمل ملياً في سر اختيار رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) هذه الأمور الثلاثة دون سواها، واختصاص علي (عليهالسلام ) بها، وهي: الدرع، والراية ، والبغلة ، ثم اشتراطه (صلىاللهعليهوآله ) على بلال أن يأتي بالبغلة بسرجها ولجامها.
فهل يريد (صلىاللهعليهوآله ) أن يقول لنا: إن الدرع رمز للحرب، التي يحتاج إليها خليفته (صلىاللهعليهوآله ) للدفاع عن الإسلام وأهله، فإذا انضم إلى الراية التي رمز القيادة، وعنوان السلطان، فإن الصورة تصبح أكثر وضوحاً، وأقوى تعبيراً..
أما البغلة فهي التي عرف اختيار رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لها للتنقل في المواقع المختلفة، وفي أكثر الحالات، في السلم، وفي الحرب أيضاً،
مصرحاً بأنه اختارها لأنها تتواضع عن خيلاء الخيل، وترتفع عن الحمار، وشيمة الأنبياء التواضع، والتوسط في أمورهم كلها..
وهذا كله يشير إلى أنه لعلي (عليهالسلام ) مواقعه، وصفاته وسماته، وأخلاقه، وحالاته.
١٠ ـ وفي نفس هذا السياق نلاحظ: أنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يقل: يا بلال إئت بدرعي، ورايتي، وبغلتي، بل أضاف الكلام في المواضع الثلاثة إلى كلمة (رسول الله)، فقال: درع رسول الله، وراية رسول الله، وبغلة رسول الله، مع أنه لو أورد الكلام على النحو الأول لكان أيسر وأخصر..
ولكنه (صلىاللهعليهوآله ) أراد أن يؤكد هذا المفهوم في ذهن القارئ، ويرسخه ملفَّعاً بخصوص هذا اللثام، ليظهر به الخصوصية التي يريد للناس أن يتلقفوها بوضوح تام.
١١ ـ ثم يزيد الأمر وضوحاً، بتصريحه (صلىاللهعليهوآله ) بأنه يريد أن يُشْهِد الحاضرين من المهاجرين والأنصار على إقباضه هذه الأمور الثلاثة لعلي (عليهالسلام ): فدل ذلك على أنه ليس بصدد إعطائه أمراً عادياً، فإن الناس حين يريدون إعطاء درع أو راية لأحد، لا يرون أنهم بحاجة إلى الإشهاد، فضلاً عن إشهاد من حضر من المهاجرين والأنصار.
١٢ ـ ثم إنه (صلىاللهعليهوآله ) بالغ بالتصريح والتوضيح حين أعرب عن هدفه من هذا الإشهاد، فقال: (كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي)، إذ لماذا يتخوف رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) من منازعة أحد علياً (عليهالسلام ) في خصوص هذه الأمور؟!
وما المبرر لأن يتوقع (صلىاللهعليهوآله ) منهم ذلك، وألم ينازع الناس علياً في بعض ما هو أغلى ثمناً، وأعظم أهمية وشأناً بنظر الناس من درع وراية وبغلة؟!
أليس لأن لهذه الأمور الثلاثة معنى هاماً يدعوهم إلى النزاع عليها، واستلابها من علي (عليهالسلام )؟! ويريد النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يضيِّق ويضيِّع عليهم الفرص للحصول عليها؟!
وهل لهذا كله تفسير معقول غير ما قلناه في معناه ومغزاه؟!
وصايا النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ):
عن علي (عليهالسلام ) قال: (أوصاني النبي (صلىاللهعليهوآله ) إذا أنا مت، فغسلني بست قرب من بئر غرس، فإذا فرغت من غسلي، فادرجني في أكفاني، ثم ضع فاك على فمي.
قال: ففعلت. فأنبأنى بما هو كائن إلى يوم القيمة).
وروي نحو ذلك عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(١) .
وعن عمرو بن أبي شعبة قال: (لما حضر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الموت دخل عليه علي (عليهالسلام ) فأدخل رأسه معه ثم قال: يا
____________
١- بصائر الدرجات ص٣٠٤ وبحار الأنوار ج٤٠ ص٢١٣ و ٢١٤ و ٢١٥ وج٢٢ ص٥١٧ و ٥١٤ عنه، ومستدرك الوسائل ج٢ ص١٨٩ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص١٩٠ ومستدركات علم رجال الحديث ج١ ص٦٤٩.
علي، إذا أنا مت فاغسلني، وكفني، ثم أقعدني، وسائلني، واكتب)(١) .
وكان فيما أوصى النبي (صلىاللهعليهوآله ) به علياً (عليهالسلام ) قوله:
(ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك، وأمسح بها وجهك).
ثم وجهني إلى القبلة.
وتول أمري.
وصل علي أول الناس.
ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي.
فأخذ علي (عليهالسلام ) رأسه، فوضعه في حجره..
إلى أن تقول الرواية:
ثم قُبِضَ (صلىاللهعليهوآله )، ويد أمير المؤمنين تحت حنكه، ففاضت نفسه (صلىاللهعليهوآله ) فيها، فرفعها إلى وجهه، فمسحه بها.
ثم وجَّهَهُ، وغمضه، ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره(٢) .
____________
١- بصائر الدرجات ص٣٠٣ وبحار الأنوار ج٤٠ ص٢١٣ و ٢١٤ وج٢٢ ص٥١٨ عن بصائر الدرجات، وعن الخرائج والجرائح، والكافي. وراجع: مكاتيب الرسول ج١ ص٤١٥ ومستدركات علم رجال الحديث ج٦ ص٧٥.
٢- الإرشاد للمفيد ص٩٤ ـ ٩٨ و (ط دار المفيـد) ج١ ص١٨٧ وبحار الأنـوار = = ج٢٢ ص٤٧٠ و ٥٢١ عنه، وعن إعلام الورى ص٨٢ ـ ٨٤ و (ط أخرى) ١٤٣ ـ ١٤٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٦٧ وعن مناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٠٣ ومصباح الفقيه (ط.ق) ج١ ق٢ ص٣٤٦ وجواهر الكلام ج٤ ص١١ وراجع: قصص الأنبياء للراوندي ص٣٥٧ والدر النظيم ص١٩٤ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب للسيد فخار بن معد ص٣٠٤.
وكان مما أوصى به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أن يدفن في بيته الذي قبض فيه.
ويكفن بثلاثة أثواب. أحدهما: يمان.
ولا يدخل قبره غير علي (عليهالسلام )(١) .
وفي نص آخر عن ابن عباس: لما مرض رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، من يغسلك منا، إذا كان ذلك منك؟!
قال: ذاك علي بن أبي طالب، لأنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك.
فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، فمن يصلي عليك منا إذا كان
____________
١- بحار الأنوار ج٢٢ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ وج٨٧ ص٣٧٩ عن الطرائف ص٤٢ و ٤٣ و٤٥ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٢٣١ و ٢٣٤ و٣٥٠ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٨٣ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٧٧٩ ومستدرك الوسائل ج٢ ص٢٠٦.
ذلك منك؟!
قال: مه رحمك الله!
ثم قال لعلي: يا ابن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني.
إلى أن قال: واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري، [ثم أخرجوا عني ساعة، فإن الله تعالى أول من يصلي علي] فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه، ثم جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل [ثم ملك الموت]. في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، ثم الحافون بالعرش، ثم سكان أهل سماء فسماء، [ثم ادخلوا علي زمرة زمرة، فصلوا علي، وسلموا تسليماً].
ثم جلُّ أهل بيتي ونسائي، الأقربون فالأقربون. يومون إيماءً، ويسلمون تسليماً، لا يؤذوني بصوت نادبة، ولا مرنَّة.
[قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك؟!
قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، مع ملائكة لا ترونهم.
قوموا نادوا عني إلى من وراءكم.
فقلت للحارث بن مرة: من حدثك هذا الحديث؟!
قال: عبد الله بن مسعود].
وذكر الثعلبي ما يقرب من هذه القضية، لكنه ذكر اسم أبي بكر بدل عمار، وعلي.
ثم إن ما وضعناه بين قوسين إنما هو من رواية الثعلبي(١) .
وفي نص آخر: أوصى أن يخرجوا عنه، حتى تصلي عليه الملائكة(٢) .
ويذكر نص آخر: أن مما أوصى به النبي (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) قوله:
(يا علي، كن أنت وابنتي فاطمة، والحسن والحسين، وكبروا خمساً وسبعين تكبيرة، وكبر خمساً وانصرف. وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة.
قال علي (عليهالسلام ): بأبي وأمي، من يؤذن غداً؟!
قال: جبرئيل (عليهالسلام ) يؤذنك.
قال: ثم من جاء من أهل بيتي يصلون علي فوجاً فوجاً، ثم نساؤهم، ثم الناس بعد ذلك(٣) .
____________
١- الأمالي للصدوق ص٧٣٢ و ٧٣٣ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٥٠٧ و ٥٣١ عنه، وكشف الغمة ص٦ ـ ٨ و (ط دار الأضواء ـ بيروت) ج١ ص١٧ عن الثعلبي، وروضة الواعظين ص٧٢ وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٢٣١.
٢- سبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٣٢٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٥٢٧ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٨٥.
٣- بحار الأنوار ج٢٢ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ وج٧٨ ص٤٢ و ٤٣ و٤٥ عن الطرائف، وجامع أحاديث الشيعة ج٣ ص٣٥٠ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج٣ ص٨٣ و (ط دار الإسلامية) ج٢ ص٧٧٩.
الوصية حين الإحتضار:
وحين أغمي على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في مرض موته جاء الحسن والحسين (عليهماالسلام ) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وأراد علي (عليهالسلام ) أن ينحيهما عنه.
فأفاق رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ثم قال: يا علي، دعهما، أشمهما ويشماني، وأتزود منهما ويتزودان مني.
ثم جذب علياً (عليهالسلام ) تحت ثوبه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه.
فلما حضره الموت قال له: ضع رأسي يا علي في حجرك، فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي، فتناولها بيدك، وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري، وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله عز وجل.
وأخذ علي (عليهالسلام ) برأسه فوضعه في حجره، وأغمي عليه، فبكت فاطمة، فأومأ إليها بالدنو منه، فأسر إليها شيئاً تهلل وجهها، القصة.
ثم قضى، ومد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه، ومد عليه أزاره، واستقبل بالنظر في أمره(١) .
____________
١- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج١ ص٢٩٣ و ٢٩٤ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٢٠٣ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٥٢١ و ٥٢٢ والأمالي للصدوق ص٧٣٦.
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة عدة وقفات هي التالية:
هل أغمي على النبي (صلىاللهعليهوآله ):
لا مجال لتأييد حديث إغماء الرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله )، الذي معناه: الغيبوبة، وفقد الشعور بما حوله. أما إن أريد به معنى لا يتضمن الغيبوبة، ولا ينافي معرفته وشهوده لكل ما هو مكلف بالشهادة عليه فلا مانع منه.. كأن يكون المراد بالإغماء: عدم قدرته على التكلم مع الناس أو نحو ذلك، مما لا ينافي كمال إدراكه لكل ما كان يدركه قبل عروض هذه الحالة له..
أما بالنسبة لسائر ما تضمنته الرواية، فربما يكون قد مضى بعض ما يفيد في بيان ما يرمي إليه، وقد يمر معنا بعضه الآخر، إن اقتضى الأمر ذلك..
النبي (صلىاللهعليهوآله ) بعد موته:
تقدم قوله (صلىاللهعليهوآله ): اغسلني، وكفني، ثم أقعدني، وسائلني، واكتب.. وهو يدل على أمرين:
أولهما: إنه (صلىاللهعليهوآله ) حي حتى بعد موته، وأن حياته هذه هي غير حياة الشهداء..
الثاني: أن كلامه حجة بعد مماته، كما هو حجة في حال حياته..
ويشهد لحياته بعد الموت ما يلي:
١ ـ ورد في زيارتنا للمعصومين (عليهالسلام ) ـ والنبي أعظم منهم
شأناً ـ: (أشهد أنك ترى مقامي، وتسمع كلامي، وترد سلامي)(١) .
٢ ـ بل قالوا: إن الأخبار قد تواترت بحياة النبي (صلىاللهعليهوآله ) في قبره، وكذلك سائر الأنبياء (عليهمالسلام )(٢) .
٣ ـ وقالوا أيضاً: إن صلاتنا معروضة على النبي (صلىاللهعليهوآله )، وإن سلامنا يبلغه، وهم أحياء عند ربهم كالشهداء(٣) .
ويؤكد ذلك النص القرآني على: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) شاهد على أمته، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٤) . وقال تعالى عن شهادة النبي (صلىاللهعليهوآله ) على جميع الأنبياء:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً ) (٥) . فهو
____________
١- راجع: عدة الداعي ص٥٦ وجامع أحاديث الشيعة ج١٢ ص٣٦٤ و ٥١٦ و ٥٢٣ ومستدرك الوسائل ج١٠ ص٣٤٥ وبحار الأنوار ج٩٧ ص٢٩٥.
٢- سبل الهدى والرشاد ج١٠ ص٤٦٦ و ٤٨٦ وج١٢ ص٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٦٠ عن إنباه الأزكياء بحياة الأنبياء، وعن التذكـرة للقرطبي، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٢ ص٨٢ و ٨٤ و ٤٣٢ وج٣٥ ص٣٨٥.
٣- سبل الهدى والرشاد ج١٢ ص٣٥٥ عن الأنوار في أعمال الأبرار للأردبيلي الشافعي، وعن التذكرة للقرطبي. وراجع: فتاوى عبد القاهر بن طاهر البغدادي، وتنوير الحلك للسيوطي ص٥.
٤- الآية ٤٥ من سورة الأحزاب.
٥- الآية ٤١ من سورة النساء.
شهيد على الأنبياء السابقين، مع أنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يكن قد ولد بعد.. بل كان ولا يزال نوراً محدقاً بالعرش.. فذلك يدل على أن شهادته على الأمة لا تقتصر على خصوص من عاشوا معه في حال حياته..
علي (عليهالسلام ) الوصي والإمام:
وقد دل أمره (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) بأن يضع فمه على فمه، وسماعه منه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة على:
أن لعلي (عليهالسلام ) خصوصية ليست لأحد سواه، وهي ترتبط بعلم الإمامة، واختيار الله تعالى له، ليختصه بهذا العلم، ليكون دليلاً وشاهداً على اختصاصه بالإمامة نفسها.
لأن الإمامة تثبت بطرق ثلاثة:
الطريق الأول: الإختيار الإلهي لشخص معين، والدلالة عليه بالنص الصريح.
الطريق الثاني: ثبوت أن لديه العلم الخاص الذي يؤثر الله به من يشاء من عباده، وقد دلت الرواية المتقدمة على أن لدى علي (عليهالسلام ) علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
الطريق الثالث: إعطاؤه مقاماً لا يكون إلا لنبي أو لإمام، مثل مقام الشاهدية على الأمة، أو إقداره على تصرفات لا يقدر عليها إلا من كان له مقام النبوة والإمامة، أو إيكال أمور إليه لا يصح إيكالها إلى غير المعصوم، الذي هو نبي أو وصي نبي، مثل أن يتولى غسله، والصلاة عليه.
علي (عليهالسلام ) يقضي الدين، وينجز العداة:
وفي الروايات الكثيرة أن علياً (عليهالسلام ) هو الذي يقضي دين رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وينجز عداته، ويبرئ ذمته(١) .
____________
١- كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج١ ص١٣٦ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٨٠ و٣٨١ وج٢٨ ص٥٥ وج٣٦ ص١٠٩ و ٣١١ و ٣٥٥ وج٣٨ ص١ و ٧٣ و ١٠٣ و ١١١ و ٣٣٤ وج٣٩ ص٣٣ و ٢١٦ وج٧٢ ص٤٤٥ وج٩٩ ص١٠٦ والخصال ج٢ ص٨٤ والأمالي للصدوق ص٤٥٠ وعيون أخبار الرضا (عليهالسلام " ج١ ص٩ وكفاية الأثر ص٧٦ و ١٣٥ و ٢١٧ ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام " للكوفي ج١ ص٤٣٢ وشرح الأخبار ج١ ص١١٣ و ١١٧ و ٢١١ ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص١٤٠ والأمالي للطوسي ص٦٠٠ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٩٦ وج٢ ص٢٤٧ وج٣ ص١٦ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٩٢ والعمدة لابن البطريق ص١٨١ والمزار لابن المشهدي ص٥٧٧ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج١ ص٥٠٧ والطرائف ص١٣٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٥٣ عن المناقب لابن المغازلي الشافعي ص٢٦١ ح٣٠٩ وبشارة المصطفى للطبري ص١٠١ و ٢٥٨ وكشف الغمة ج١ ص٣٤١ ونهج الإيمان ص١٩٦ و ٤٤٠ وفضائل أمير المؤمنين (عليهالسلام " لابن عقدة الكوفي ص٢٠٤ وتفسير نور الثقلين ج٣ ص٦٢٤ وتفسير القمي ج٢ ص١٠٩ ومسند الإمام الرضا (عليهالسلام " للعطاردي ج١ ص١٢٣ و ١٢٧ وجامع أحاديث الشيعة ج٢٣ ص٢٥٢.
جيش أسامة والكتاب الذي لم يكتب..