• البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19090 / تحميل: 6446
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 9

مؤلف:
العربية

ب: إن اللحد ليس أمراً غريباً يحتاج إلى متخصص، بحيث لا يحسنه غيره، بل هو أمر معروف وميسور لكل أحد.

ج: قولهم: إن أبا عبيدة هو الذي لحد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يصح، لأن أبا عبيدة كان في السقيفة، بل كان من أركانها، وقد دفن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قبل انقضاء أمر السقيفة..

ولعل المقصود: إثارة الغبار حول ما فعلوه. وما ارتكبوه بحق النبي وعلي صلوات الله عليهما.

د: إن تعجيل الدفن راجح ومستحب، ولم يكن علي (عليه‌السلام ) بالذي يتهاون بهذا الراجح.

لم ينزل في حفرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غير علي (عليه‌السلام ):

ولم ينزل في حفرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سوى علي (عليه‌السلام ).

وورد في حديث المناشدة يوم الشورى: أن علياً (عليه‌السلام ) قال لهم: (فأنشدكم الله، هل فيكم أحد نزل في حفرة رسول الله غيري)؟!

قالوا: اللهم لا(1) .

____________

1- الأمالي للشيخ الطوسي ص7 و 8 و (ط دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع ـ قم) ص555 وبحار الأنوار ج22 ص544 وج31 ص368 عنه، وكتاب الولاية لابن عقدة ص165.

٨١

وما روي من أن بعض الأنصار قد نزل القبر.. يصبح موضع ريب وشك. إلا إن كان المقصود أنه نزل إلى ما فوق اللحد، ولم ينزل في الحفرة نفسها، فلم تلامس قدماه الموضع الذي وضع فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

عن أبي البختري عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه‌السلام ): إن قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رفع من الأرض قدر شبر، وأربع أصابع. ورش عليه الماء.. قال علي (عليه‌السلام ): والسنة أن يرش على القبر الماء(1) .

وروى الكليني بسنده عن عقبة بن بشير، عن أبي جعفر (عليه‌السلام ) قال: قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ): يا علي، ادفني في هذا المكان، وارفع قبري من الأرض أربع أصابع، ورش عليه من الماء(2) .

وروي عن أبي جعفر (عليه‌السلام ): أن قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رفع شبراً من الأرض(3) .

____________

1- قرب الإسناد (ط حجرية) ص72 و (ط مؤسسة آل البيت) ص155 وبحار الأنوار ج22 ص506 وج79 ص37 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص194 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص858 وسنن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للطباطبائي ص253 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص441 والأنوار البهية ص49.

2- بحار الأنوار ج22 ص539 عن الكافي (الفروع) ج1 ص450.

3- بحار الأنوار ج22 ص541 وج79 ص14 وتهذيـب الأحكـام ج1 ص132 = = و(ط دار إحياء التراث العربي) ج1 ص469 وكشف اللثام (ط.ج) ج2 ص395 و (ط.ق) ج1 ص137 والتحفة السنية (مخطوط) ص356 والحدائق الناضرة ج4 ص125 ورياض المسائل ج2 ص233 وغنائم الأيام ج3 ص535 ومستند الشيعة ج3 ص275 وجواهر الكلام ج4 ص314 ومصباح الفقيه (ط.ق) ج1 ق2 ص423 وعلل الشرائع ج1 ص307 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص194 و (ط دار الإسلامية) ج 2 ص857 و وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص441.

٨٢

وذكروا أيضاً: أن علياً (عليه‌السلام ) قد رفع القبر(1) .

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام ): جعل علي (عليه‌السلام ) على قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لبناً(2) .

____________

1- مناقب آل أبي طالب ج1 ص152 وبحار الأنوار ج22 ص521 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص397 والدر النظيم ص196.

2- بحار الأنوار ج22 ص539 عن الكافي (الفروع) ج1 ص54 و 55 و (ط دار الكتب الإسلامية ـ طهران) ج3 ص197 والحبل المتين (ط.ق) للبهائي العاملي ص70 ورياض المسائل للطباطبائي ج2 ص229 وغنائم الأيام ج3 ص532 ومستند الشيعة ج3 ص272 وجواهر الكلام ج4 ص308 ومصباح الفقيه (ط.ق) ج1 ق2 ص423 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص189 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص854 والأنوار البهية ص49 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص404.

٨٣

وذكرت بعض الروايات: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي أمرهم بنصب اللبن عليه(1) .

وعن علي بن الحسين (عليه‌السلام ): نصبت عليه في اللحد تسع لبنات(2) .

هل نزل المغيرة في قبر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

روى عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: اعتمرت مع علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) في زمان عمر ـ أو عثمان ـ فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع وقد سكب له غسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق، فقالوا: يا أبا الحسن، جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا به.

فقال: أظن المغيرة يحدثكم أنه أحدث الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص335 و 336 عن مسدد، وعن مسلم وابن سعد، والمطالب العالية ج4 ص258، والحاكم والبيهقي وابن ماجة.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص335 وفي هامشه عن: ابن سعد ج2 ص227 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص252. وراجع: روضة الطالبين للنووي ج7 ص409 وإمتاع الأسماع ج14 ص586 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج1 ص48 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص535.

٨٤

قالوا: أجل، عن ذا جئنا نسألك.

قال: كذب. أحدث الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قثم بن العباس، كان آخرنا خروجاً من قبره(1) .

ونقول:

لعله (عليه‌السلام ) قصد أن قثماً أحدث الناس فيما عداه (عليه‌السلام )، فإنه هو الذي تولى دفنه، وكان آخر الناس به عهداً كما سيأتي.

وتقدم: أن أحداً لم ينزل حفرة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غير علي (عليه‌السلام ) كما في حديث المناشدة.

علي (عليه‌السلام ) يكذب المغيرة:

وأما بالنسبة لتكذيب علي (عليه‌السلام ) للمغيرة فنقول:

1 ـ يبدو أن ما كان يدعيه المغيرة بن شعبة من أنه أحدث الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد ترك أثراً من نوع ما بين أهل العراق.. ولعل أثره السلبي قد نشأ من رؤيتهم سلوك المغيرة، الذي لم يكن منسجماً

____________

1- قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ص229 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص41 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص453. وراجع: مسند أحمد ج1 ص101 والكامل لابن عدي ج1 ص47 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص290 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1078 والدر النظيم ص196 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص537 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص338 ودلائل النبوة للبيهقي ج7 ص257 وأسد الغابة ج4 ص197.

٨٥

مع أحكام الشريعة، فقد كان يرتكب الموبقات والعظائم، أمام سمع الناس وبصرهم، ولم ينس الناس بعد قصة زناه، حتى كاد أن يقام الحد عليه، لو لم يتداركه عمر بتهديد الشهود، وصد زياد عن الشهادة.. إن هذه القصة قد شاعت في مختلف البلاد، وذاعت بين العباد..

فما معنى أن يكون له شرف النزول في قبر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهل يمكن أن يوفَّق لأن يكون أحدث الناس عهداً به (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويفتخر بذلك على الناس، ويجعله ذريعة لاستجلاب التعظيم، والتفخيم، والتكريم منهم..

فقد أوقعهم هذا الأمر في حيرة، وكان علي (عليه‌السلام ) عارفاً بهذا الأمر، فأراد أن يحل الإشكال، ويدفع هذا الوهم البغيض عنهم.

2 ـ بالنسبة لتكذيب علي (عليه‌السلام ) المغيرة فيما يدعيه من أنه آخر الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثم القول بأن قثم بن العباس هو الذي كان آخر الناس عهداً بالرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، نقول:

إن آخر الناس عهداً برسول الله هو علي (عليه‌السلام ). ويدل على هذا وذاك ما يلي:

ألف: قال ابن كثير: وقول من قال: إن المغيرة بن شعبة كان آخرهم عهداً ليس بصحيح، لأنه لم يحضر دفنه، فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص339 وأسد الغابة ج1 ص34.

٨٦

وقول الصالحي الشامي: إنما استند فيه إلى دعاوى المغيرة نفسه. وهو غير مأمون في ذلك.

ويكفي أن نذكر: أن علياً أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد وصف المغيرة بقوله: (فإنه والله دائماً يلبس الحق بالباطل، ويموه فيه، ولم يتعلق من الدين إلا بما يوافق الدنيا)(1) .

ب: قال الحاكم: أصح الأقاويل: أن آخر الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قثم بن العباس(2) .

وإن كنا قد قلنا: إن ذلك غير صحيح. وسيأتي النص الدال على أن (عليه‌السلام ) هو آخرهم عهداً به (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ج: ويدل على عدم حضور المغيرة وكثير غيره دفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ما يلي:

1 ـ قولهم: ولي وضع رسول الله في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه:

____________

1- راجع: الأمالي للمفيد ص218 وبحار الأنوار ج32 ص125 وقاموس الرجال ج10 ص194.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص339. وراجع: ذخائر العقبى ص238 والآحاد والمثاني ج1 ص295 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1304 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص140 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص304 وأسد الغابة ج4 ص197 وتهذيب التهذيب ج8 ص324 وإمتاع الأسماع ج14 ص589 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص495.

٨٧

العباس، وعلي، والفضل، وصالح مولاه، وخلى أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بينه وبين أهله، فولوا إجنانه(1) .

2 ـ وفي نص آخر: (ودخل القبر علي، والفضل، وقثم ابنا العباس، وشقران مولاه، ويقال: أسامة بن زيد، وهم تولوا غسله وتكفينه، وأمره)(2) .

3 ـ قال ابن سعد: (فلم يدفن حتى كانت العتمة، ولم يله إلا أقاربه)(3) .

4 ـ وفي حديث المناشدة قول علي (عليه‌السلام ): (نشدتكم بالله، أفيكم (أمنكم) أحد كان آخر عهده برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حتى وضعه في قبره غيري؟!

قالوا: اللهم لا)(4) .

____________

1- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ق2 ص70 و (ط دار صادر) ج2 ص301 عن البدء والتاريخ، وسبل الهدى والرشاد ج12 ص337 و 339 وراجع: الغدير ج7 ص75 وراجع: كنز العمال ج7 ص249 و (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص270. وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج3 ص205 وج8 ص567.

2- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص339 وعن العقد الفريد ج3 ص61.

3- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص339 عن الطبراني، وكنز العمال ج7 ص249 و (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص270. وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج3 ص205 وج8 ص567.

4- راجع: الطرائف لابن طاووس ص413 وكتاب الأربعين للشيرازي ص221 ونهج السعـادة ج1 ص133 و 140 ونهـج الإيـمان ص530 وتاريخ مدينـة = = دمشق ج42 ص433 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج5 ص726 وكتاب الأربعين للماحوزي ص434 وكتاب الولاية لابن عقدة ص178 وغاية المرام ج5 ص79 وج6 ص6 وسفينة النجاة للتنكابني ص363 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص30 وج8 ص701 وج15 ص684 وج31 ص324.

٨٨

5 ـ وهذا ما قرره عتبة بن أبي لهب في مدحه علياً (عليه‌السلام ) حيث يقول:

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن(1)

وكون آخر الناس عهداً برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو علي (عليه‌السلام ) موجود في العديد من النصوص والمصادر(2) .

____________

1- راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص124 والغدير ج3 ص232 وج7 ص93 عنه، وعن رسائل الجاحظ ص22 وأسد الغابة ج4 ص40 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص164 والإستيعاب لابن عبد البر ج3 ص1133 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص21 وج13 ص232 والصراط المستقيم ج1 ص237 وكتاب الأربعين للشيرازي ص187 وبحار الأنوار ج12 ص337 وج28 ص352 ومناقب أهل البيت (عليه‌السلام ) للشيرواني ص47 والتفسير الكبير للرازي ج2 ص212 وج18 ص212 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص122 والعثمانية للجاحظ ص293 والوافي بالوفيات ج21 ص183.

2- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج42 ص395 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص494 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص130 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) = = ج13 ص146 ومسند أبي يعلى ج12 ص364 ومسند ابن راهويه ج4 ص129 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص261 وج5 ص154 وكتاب الوفاة للنسائي ص52 ومسند أحمد ج6 ص300 والمستدرك للحاكم ج3 ص138 ومجمع الزوائد ج9 ص112 وفتح الباري ج8 ص107 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص250 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص456 وج2 ص87 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص397 وج12 ص255 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص255 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص175 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص203 وج2 ص64 والعمدة لابن البطريق ص287 والطرائف لابن طاووس ص153 وذخائر العقبى ص72 والمراجعات للسيد شرف الدين ص330 وراجع: الأمالي للطوسي ص555 وبحار الأنوار ج22 ص473 و 544 وج31 ص368 وج38 ص301 و 311 وكتاب الولاية لابن عقدة ص165.

٨٩
٩٠

الفصل الخامس:

أحداث تتصل بموت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. الصفحة 92

٩١

علي وحزن الزهراء (عليهما‌السلام ) على أبيها:

وعن علي (عليه‌السلام ) قال: غسلت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في قميصه، فكانت فاطمة (عليها‌السلام ) تقول: أرني القميص. فإذا شمته غشي عليها. فلما رأيت ذلك غيبته(1) .

ونقول:

إن الزهراء (عليها‌السلام ) لم تكن جزوعة، ولا مغرقة ولا متجاوزة الحد في التعلق بأبيها من الناحية العاطفية، وإنما كانت تعرف في رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من المعاني، ومن أسرار النبوة ما يجعل الجزع عليه قليلاً في حقه مهما بلغ. وتعرف أن الجزع عليه ليس بحرام، بل هو طاعة وعبادة. وقد قال علي (عليه‌السلام ): إن الجزع لقبيح إلا عليك.

ولذلك لم نر علياً (عليه‌السلام ) ينهاها، أو يطلب منها أن تخفف من

____________

1- أهل البيت لتوفيق أبي علم ص166 وفاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ج1 ص113 عنه، وبحار الأنوار ج43 ص157 ومناقب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وما نزل من القرآن في علي لابن مردويه الأصفهاني ص196 وبيت الأحزان ص167 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص436 وج19 ص154.

٩٢

حزنها، وذلك لأنه يرى: أن ذلك هو حقها الطبيعي، الذي لو لم يبلغ هذا الحد، لدل على نقص في معرفتها، أو في عصمتها، ومن ثم في مقامها.

وهذا يفسر لنا اختياره لطريقة التعامل مع هذا الأمر، لا من حيث أنه يرى ذلك في غير محله، أو أنه زائد عن حده، بل من منطلق الرفق بها، والسعي لتخفيف عبء المسؤولية الأخلاقية، والإيمانية الملقاة على عاتقها، التي تقضي بلزوم وفائها لأشرف وأفضل والد وحبيب، وأحب الخلق لله تبارك وتعالى.

الجزع على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

روى المفيد بسنده إلى ابن عباس قال: لما توفي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تولى غسله علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) والعباس معه، والفضل بن العباس.

فلما فرغ (عليه‌السلام ) من غسله كشف الإزار عن وجهه، ثم قال: بأبي وأمي، طبت حياً، وطبت ميتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك، من النبوة، والأنبياء، خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء.

ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلَّا لك، ولكنه ما لا يملك رده، لا يستطاع دفعه.

ثم أكب عليه، فقبل وجهه، والإزار عليه(1) .

____________

1- نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص228 والأمـالي للمفيد ص60 و (نشـر دار = = المفيد) ص103 وبحار الأنوار ج22 ص327 و 527 و 542 والأنوار البهية ص45 والتمهيد لابن عبد البر ج2 ص162 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص24 و تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني ص488.

٩٣

والشؤون: هي منابع الدمع في الرأس.

وتقبيل الإزار على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يدحض ما يزعمه بعض الناس من حرمة تقبيل قبور الأنبياء، وعدم جواز التبرك بآثارهم..

الجزع قبيح إلا عليك:

قد يقال: إن علياً (عليه‌السلام ) ذكر أن امتناعه عن إنفاذ ماء الشؤون على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأن ذلك يعد جزعاً، والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أمر بالصبر، ونهى عن الجزع.

مع أن ثمة نصاً آخر مروياً عنه (عليه‌السلام ) يخالف هذا المعنى، ويدل على أنه لا مانع من الجزع عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حيث يقول: (إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك)(1) .

وقـد جزع الإمـام الصـادق (عليه‌السلام ) على ابنـه إسماعيـل جـزعـاً

____________

1- نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص71 وبحار الأنوار ج79 ص134 ودستور معالم الحكم ص198 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص150 وغرر الحكم ص103 ونهاية الأرب ج5 ص193 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص498 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص195.

٩٤

شديداً(1) .

وجزع آدم على ابنه هابيل(2) . فما هذا التناقض؟!

ونجيب:

أولاً: إنه لا منافاة بين ذلك كله، فإن الجزع قد يكون محرماً، حتى لو كان جزعاً على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والوصي، وذلك إذا كان يجزع على الميت، لمجرد كونه أباً أو قريباً إن كان لا يؤمن بأنه نبي أو ولي، أو لتخيل فوات أمر دنيوي بموته، فالجزع هو على الأمر الدنيوي، وكذلك الحال بالنسبة للجزع الذي يكون بلا فائدة أو عائدة، لا على الإنسان في مزاياه وأخلاقه، ولا على الدين..

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج 47 ص242 و 249 و250 وج79 ص84 و 86 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص474 و 526 وإعـلام الـورى ج1 ص546 وكشف الغمة ج2 ص395 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص60 والحدائق الناضرة ج4 ص166 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص179 وكمال الدين ص73 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص241 و 277 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص892 و 919 والإرشاد للمفيد ج2 ص209

2- بحار الأنوار ج11 ص224 و 230 و 240 و264 وج23 ص59 و 63 و 64 وعلل الشرائع ج1 ص19 وتفسير العياشي ج1 ص306 وتفسير القمي ج1 ص166 والتفسير الصافي ج1 ص416 وج2 ص29 وتفسير نور الثقلين ج1 ص432 و 616 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 وقصص الأنبياء للراوندي ص58.

٩٥

كما أنه إذا كان المصاب بغير النبي والوصي فالجزع حرام، ويحل إذا كان المصاب بهما (صلوات الله عليهما وآلهما). شرط أن يكون له فائدة على الإنسان في إيمانه وتقواه، أو على نصرة الدين، وحفظ المسلمين، كجزع يعقوب على يوسف (عليهما‌السلام )، فقد كان جزعاً محبوباً لله ومطلوباً، لأنه يعطي الإنطباع عن قيمة الإنسانية في الإنسان، المتمثلة بما تجلى في يوسف (عليه‌السلام ) من خصال الخير، وحميد الصفات، وفريد المزايا لدى أنبياء الله وأصفيائه، وهو يؤكد عظم الخسارة بفقد هذا النوع من الناس. وشدة قبح العدوان عليهم.

بالإضافة إلى فوائد أخرى تعود على الجازع نفسه، تكاملاً، وثباتاً، وصلابة في الدين، وجهاداً وصبراً في سبيل الله تعالى، إلى الكثير من الفوائد الأخرى..

فهذا الجزع المفيد جداً محبوب ومطلوب لله تعالى، حتى لو أدى إلى العمى، أو الخوف من أن يكون حرضاً(1) أو أن يكون من الهالكين..

والجزع حسن أيضاً حين يحرج أهل الباطل، ويبين قسوتهم على الأبرياء وأهل الحق، ويحرك المشاعر الإنسانية عندهم.

وأما الجزع على الناس العاديين الذي لا دافع له إلا شدة التعلق العاطفي، ولا فائدة منه ولا عائدة، فهو مبغوض لله، ومحرم على عباد الله تبارك وتعالى. لأنه إنما يعبر عن أنانية طاغية، وحب عارم للدنيا، وتعلق مقيت بها، لأنه إنما يجزع على شيء فقده، ولذة فاتته.

____________

1- حَرِضَ حَرَضاً من باب تعب: أشرف على الهلاك. راجع مجمع البحرين ج1 ص489.

٩٦

والجزع قبيح أيضاً، عندما يوحي بضعف المحق، ويكون إقراراً بالهزيمة، ويطمع العدو ويغريه بالإمعان في ممارسة العدوان والبغي. وعندما يجعل العدو يشعر بنشوة النصر.

وربما يبلغ حدّ إظهار الإعتراض على قضاء الله تعالى وقدره.

وهذا يفسر لنا الروايات الصحيحة التي أكدت على استحباب الجزع على الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، ويبين لنا المراد من قول علي (عليه‌السلام ) وهو يرثي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (إن الجزع قبيح إلا عليك الخ..).

ثانياً: قد يشار هنا إلى جواب آخر أيضاً، وهو: أن الجزع، وإن كان جائزاً عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وله درجة من الثواب، ولكن التجلد والصبر هو الأفضل، والأكثر ثواباً لأن فيه المزيد من المشقة والجهد، وهو أيضاً يوجب ثبات الناس على دينهم، وعدم السقوط أمام التحدي الكبير الذي ينتظرهم، بل قد يتخذ منه بعض المغرضين ذريعة للتخلف عن جيش أسامة، فأصبح بذلك مرجوحاً، وربما يكون محرماً، وإن كان لولا ذلك لكان هو الأفضل والأرجح.

أبو بكر لا يحزن لموت الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وقد دلتنا بعض الروايات: على أن أبا بكر لم يكن حزيناً لموت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقد روي: أن أبا بكر قال لعلي (عليه‌السلام ): ما لي أراك متحازناً.

فقال له علي (عليه‌السلام ): إنه قد عناني ما لم يعنك.

٩٧

فاضطر أبو بكر إلى إنكار ذلك والتظاهر بالحزن، فراجع(1) .

وهذا يفسر دعاوى محبي أبي بكر بأنه كان أشجع الصحابة، لأن غيره لم يتحمل صدمة موت الرسول. أما هو فبقي متماسكاً!! فإن تماسكه كان لأجل عدم اهتمامه بموته (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

تعزية الخضر برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

عن أنس قال: لما قبض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى [رقابهم] فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضاً من كل فائت، وخلفاً من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء، فانظروا، فإن المصاب من لم يجبره.

فانصرف، وقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟!

قال أبو بكر وعلي: نعم، هو أخو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الخضر (عليه‌السلام )(2) .

____________

1- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص312 وكنز العمال ج7 ص159 و (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص230 وحياة الصحابة ج2 ص82 وعن نهاية الإرب ج18 ص396 ـ 397.

2- سبل الهـدى والرشـاد ج12 ص340 عن ابن أبي الدنيا، والحاكـم، والبيهقي، = = ومسكن الفؤاد للشهيد الثاني ص109 وبحـار الأنـوار ج79 ص97 وتفسير الآلوسي ج15 ص322 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص424 والبداية والنهاية ج1 ص387 وج5 ص298 وإمتاع الأسماع ج14 ص564 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص551 وقصص الأنبياء لابن كثير ج2 ص228.

٩٨

٩٩

ونقول:

أولاً: قال الصالحي الشامي عن هذا الحديث: قد ذكر في كتاب الموضوعات(1) .

وقال البيهقي: هذا منكر بمرة(2) .

وقال الذهبي: عباد بن عبد الصمد، منكر الحديث(3) .

ثانياً: روى محمد بن عمر برجال ثقات، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم عن علي (عليه‌السلام ): أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما قبض وكانت التعزية به، جاء آت، يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال:

السلام عليكم، أهل البيت ورحمة الله بركاته( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص340.

2- دلائل النبوة للبيهقي ج7 ص269 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص424 و البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص298 وإمتاع الأسماع ج14 ص564.

3- ميزان الإعتدال ج2 ص369 وراجع: التاريخ الكبير البخاري ج6 ص41 وضعفاء العقيلي ج3 ص137 والجرح والتعديل للرازي ج6 ص82 وبيان خطأ البخاري للرازي ص75 وكتاب المجروحين لابن حبان ج2 ص170 والكامل لابن عدي ج2 ص210 وج4 ص342.

١٠٠