الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)9%

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 409

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 207222 / تحميل: 8925
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف. ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار(١) ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أنت النبي محمد

قرم أعز مسـود

إلى آخر ما مر في (ص ٣٣٦) ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها. ثم امر بالفرث والدم فأمر على رؤوس الملأ كلهم ثم قال: يا بن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلى آدم عليه السلام ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً، وأرفعهم منصباً، يا معشر قريش من شاء منكم أن يتحرك فليفعل؛ أنا الذي تعرفوني(٢) .

رواه(٣) السيد ابن معد في الحجة (ص ١٠٦)، وذكر لدة هذه القضية الصفوري في نزهة المجلس (٢ / ١٢٢) وفي طبع (ص ٩١)، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف (ص ٢ / ٣) نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي.

١٣ - ذكر ابن فياض في كتابه شرح الأخبار: أن علياً عليه السلام قال في حديث له: إن أبا طالب هجم على وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن ساجدان فقال: أفعلتماها؟ ثم خذ بيدي فقال: انظر كيف تنصره وجعل يرغبني في ذلك ويخصني عليه. الحديث.

راجع ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف الفتوني.

____________

(١) ثلاثة أفهار: ثلاث قطع منها تملأ الكف. (المؤلف)

(٢) راجع ما أسلفناه: ص ٣٥٩، ويأتي في الجزء الثامن في الآيات ما يؤيد هذه القصة. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٦، نزهة المجالس: ٢ / ٩١، ثمرات الأوراق: ص ٢٨٥.

٨١

١٤ - روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قيل له: من كان آخر الأوصياء قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: «أبي». ضياء العالمين للفتوني.

١٥ - عن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي عليه السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً فقال عليه السلام: «نعم». فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر. فقال عليه السلام: «واعجباً كل العجب أيطعنون على أبي طالب و على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه».

راجع(١) : ما مر (ص ٣٨٠)، وكتاب الحجة (ص ٢٤)، والدرجات الرفيعة، ضياء العالمين فقال: قيل: إنها متواترة عندنا.

١٦ - عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فقال عليه السلام: «كذبوا والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم». إلى آخر ما مر (ص ٣٨٠). رواه(٢) السيد في كتاب الحجة (ص ١٨) من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين.

وروى السيد ابن معد في كتاب الحجة (ص ٢٧) من طريق آخر عن الإمام الباقر عليه السلام إنه قال: مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً. إلى آخره.

١٧ - عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: «إن مثل أبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٣، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٥، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩.

٨٢

طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين».

راجع(١) : الافي لثقة الإسلام الكليني (ص ٢٤٤)، أمالي الصدوق (ص ٣٦٦)، روضة الواعظين (ص ١٢١)، كتاب الحجة (ص ١١٥)، وفي (ص ١٧) ولفظه من طريق الحسين بن أحمد المالكي:

قال عبد الرحمن بن كثير: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ان الناس يزعمون أن أبا طلب في ضحضاح من نار. فقال: «كذبوا، ما بهذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، قلت: وبما نزل؟ قال: «أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف اسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة، ثم قال كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب؟».

وذكره(٢) العلامة المجلسي في البحار (٩ / ٢٤) والسيد في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين، وروى شيخنا أبو الفتوح الرازي هذا الحديث في تفسيره (٤ / ٢١٢).

١٨ - أخرج ثقة الإسلم الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن إسحاق بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً، فقال: «كذبوا، كيف وهو يقول:

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨، أمالي الصدوق: ٤٩٢، روضة الواعظين: ١ / ١٣٩، الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٦٢، ص ٨٣.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٢، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩ تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٤.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨.

٨٣

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبياً كموسى خط في أول الكتب

وذكره غير واحد من ائمة الحديث في تآليفهم رضوان الله عليهم أجميعين.

١٩ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي(١) (٢٤٤)، عن الإمام الطادق قال «كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:

لقـد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيــل الأباطل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمـة للأرامل

وذكره السيد في البرهان(٢) (٣ / ٧٩٥)، وكذلك غير واحد من أعلام الطائفة أخذاً عن الكليني.

٢٠ - روى شيخنا أبو علي الفتال في روضة الواعظين(٣) (ص ١٢١) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما حضر أبا طالب رضي الله عنه الوفاة جمع وجوه قريش فوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، وأنتم خزنة الله في أرضه وأهل حرمه، فيكم السيد المطاع، الطويل الذراع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، إعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيباً إلا حزتموه، ولاشرفاً لا أورثتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب إلى آخر مر في (ص ٣٦٦) من مواقف سيدنا أبي طالب المشكورة المروية من طرق أهل السنة، وذكر هذه الوصية شيخنا العلامة المجلسي في البحار(٤) (٩ / ٢٣).

٢١ - حدث شيخنا أبو جعفر الصدوق في إكمال الدين(٥) (ص ١٠٣)، بالإسناد

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٢) تفسير البرهان: ٣ / ٢٣١.

(٣) روضة لواعظين: ١ / ١٣٩.

(٤) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٠٦.

(٥) إكمال الدين ١ / ١٧٤.

٨٤

عن محمد بن مروان عن الإمام الصادق عليه السلام «إن أبا طالب أظهر الكفر وأسر الإيمان، فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخرج منها فليس لك بها ناصر. فهاجر الى المدينة».

وذكره سيدنا الشريف المرتضى في الفصول المختارة(١) (ص ٨٠) فقال: هذا يبرهن عن إيمانه لتحقيقه بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقوية أمره.

وذيل الحديث رواه السيد الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٢) (ص ٣٠) وقال في (ص ١٠٣): لما قبض أبو طالب اتفق المسلمون على أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ربك يقرئك السلام ويقول لك: ان قومك قد عولوا على أن يبيتوك وقد مات ناصرك فاخرج عنهم. وأمره بالمهاجرة. فتأمل إضافة الله تعالى أبا طالب رحمه الله إلى النبي علية السلام وشهادته له أنه ناصره، فإن في ذلك لأبي طالب أوفى فخر وأعظم منزلة، وقريش رضيت من أبي طالب بكونه مخالطاً لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحيده وتصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يمكنهم قتله والمنابذة له لأن قومه من بني هاشم وإخوانهم من بني المطلب بن عبد مناف وأحلافهم ومواليهم وأتباعهم، كافرهم ومؤمنهم كانوا معه، ولو كان نابذ قومه لكانوا عليه كافة، ولذلك قال أبو لهب لما سمع قريشاً يتحدثون في شأنه ويفيضون في أمره: دعوا عنكم هذا الشيخ فإنه مغرم بابن أخيه، والله لا يقتل محمد حتى يقتل أبو طالب، ولا يقتل أبو طالب حتى تقتل بنو هاشم كافة، ولا تقتل بنو هاشم حتى تقتل بنو عبد مناف، ولا تقتل بنو عبد مناف حتى تقتل أهل البطحاء؛ فأمسكوا عنه وإلا ملنا معه. فخاف القوم أن يفعل فكفوا. فلما بلغت أبا طالب مقالته طمع في نصرته فقال يستعطفه ويرققه:

عجبت لحلم يا بن شيبة حادثٍ

وأحلام أقوامٍ لديك ضعاف

____________

(١) القصول المختارة: ص ٢٢٩.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: ص ٨٤ن ص ٣٤١.

٨٥

إلى آخر أبيات ذكرها أبن أبي الحديد في شرحه(١) ( ٣ / ٣٠٧) مع زيادة خمسة أبيات لم يذكرها السيد في الحجة. وذكرها ابن الشجري في حماسته (ص ١٦).

فقال السيد: فلما أبطأ عنه ما أراد منه قال يستعطفه أيضاً:

وإن امراً من قومه ابو معتب

لفي منعة من أن يسام المظالما

أقول لـه وأين منه نصيحتي

أبا معتب(٢) ثبت سوادك قائما

إلى بيات خمسة. وقد ذكرها ابن هشام في سيرته(٣) (١ / ٣٩٤) مع زيادة أربعة بيات، غير ان البيت الأول فيه:

وإن امــراً أبو عتيبة عمه

لفي روضة ما إن يسام المظالما

وذكرها(٤) ابن أبي الحديد في الشرح (٣ / ٣٠٧)؛ وابن كثير في تاريخه (٣ / ٩٣).

٢٢ - عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟» قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه فقال: « كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».

كنز الفوائد لشيخنا الكراجكي (ص ٨٠)، كتاب الحجة (ص ١٧)، ضياء العالمين.

٢٣ - روى الشريف الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٥) (ص ٢٢) من طريق

____________

(١) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٥٧ كتاب ٩ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٢.

(٢) يعني أبا لهب. (الؤلف)

(٣) السيرة النبوية: ٢ / ١٠.

(٤) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٥٧ كتاب ٩، البداية والنهاية: ٣ / ١١٦.

(٥) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٠٤.

٨٦

شيخنا أبي جعفر الصدوق عن دواد الرقي قال: دخلت على ابي عبد الله عليه السلام ولي على رجل دين وقد خفت تواه(١) فشكوت ذلك إليه فقال عليه السلام: إذا مررت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصل عنه ركعتين، وطف عن أبي طالب طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين، وعن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين. ثم ادع الله عز وجل أن يرد عليك مالك. قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول: يا داود جئني هناك فاقبض حقك.

وذكره العلامة المجلسي في البحار(٢) (٩ / ٢٤).

٢٤ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا(٤) ناقة فملؤوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: «يا عم، كيف ترى حسبي فيكم؟» فقال له: وما ذاك يابن أخي؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه. فأتى قريشاً وهم حول الكعبة. فلما رأوه عرفوا الشر في وجهة ثم قال لحمزة: أمر السلا على أسبلتهم(٥) ففعل ذلك حى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي فقال: يا بن أخي هذا حسبك فينا.

وذكره جمع من الأعلام وأئمة الحديث في تآليفهم.

____________

(١) التوى: الخسارة والضياع.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٢٢.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٤) السلا: الجلدة التي يكون فيها الولد.

(٥) وفي بعض النسخ: سبالهم جمع السبلة: مقدمة اللحية وما على الشارب من الشعر. (المؤلف)

٨٧

٢٥ - أخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه السلام وأن يدون وقال: تعلموه وعلموه أولادكم فإنه على دين الله وفيه علم كثير».

كتاب الحجة (ص ٢٥)، بحار الأنوار (٩ / ٢٤)، ضياء العالمين للفتوني(١) .

٢٦ - روى شيخنا الصدوق في أماليه(٢) (ص ٣٠٤)، بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «أول جماعة كانت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه، إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول الله تقدمهما، وانصرف ابو طالب مسروراً وهو يقول:

إن علياً وجعفراً ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

إلى آخر أبيات مرت صحيفة (٣٥٦) وتأتي في (ص٣٩٧)، والحديث رواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره(٣) (٤ / ٢١١).

٢٧ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٤) (ص ٢٤٢)، بإسناده عن درست بن أبي منصور؛ أنه سأل أبا الحسن الأول - الإمام الكاظم - عليه السلام: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: «لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه»، فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟ فقال: «لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية»، قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: «أقر بالنبي وبما جاء ودفع إليه الوصايا ومات من يومه».

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٣٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٥.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٤١٠.

(٣) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٢.

(٤) أصول الكافي: ١ / ٤٤٥.

٨٨

قال الأميني: هذه مرتبة فوق مرتبة الايمان، فإنها مشفوعة بما سبق عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تثبت لأبي طالب مرتبة الوصاية والحجية في وقته فضلاً عن بسيط الايمان، وقد بلغ ذلك من الثبوت إلى حد ظن السئل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محجوجاً به قبل بعثته، فنفى الإمام عليه السلام ذلك، وأثبت ما ثبت له من الوصاية وأنه كان خاضعاً للابراهيمية الحنيفية، ثم رضخ للمحمدية البيضاء، فسلم الوصايا للصادع بها، وقد سبق إيمانه بالولاية العلوية الناهض بها ولده البار صلوات الله وسلامة عليه.

٢٨ - أخرج شيخنا أبو الفتح الكراجكي(١) (ص ٨٠)؛ بإسناده عن بن بن محمد، قال: كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسي الرضا عليهما السلام: جعلت فداك. إلى آخر ما مر في (ص ٣٨١)(٢) .

وذكره(٣) السيد في كتاب الحجة (ص ١٦)، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار (ص ٣٣)، وشيخنا الفتوني في ضياء العالمين.

٢٩ - روى شيخنا المفسر الكبير بو الفتوح في تفسيره(٤) (٤ / ٢١١)؛ عن الإمام الرضا سلام الله عليه، وقال: روى عن آبائه بعدة طرق: أن نقش خاتم أبي طالب عليه السلام كان: رضيت بالله رباً، وبابن أخي محمد نبياً، وبابني علي له وصياً.

ورواه(٥) : السيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والإشكوري في محبوب القلوب.

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨٢.

(٢) مر ذكره هناك باسم أبان بن محمود كما في شرح ابن أبي الحديد، وفي كنز الفوائد: أبان بن محمد.

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٧٦، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٠.

(٤) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧١.

(٥) الدرجات الرفيعة: ص ٦٠، محبوب القلوب: ٢ / ٣١٩.

٨٩

٣٠ - أخرج الشيخ ابو جعفر الصدوق بإسناد له: أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني المدفون بالري كان مريضاً فكتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام عرفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فكتب إليه الرضا عليه السلام:

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار».

كتاب الحجة(١) (ص ١٦)، ضياء العلمين لأبي الحسن الشريف.

٣١ - أخرج شيخنا الفقيه أبو جعفر الصدوق، بالإسناد عن الإمام الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل: «إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إني قد أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سراً، وشيعة تنصرك علانية فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب. ثم قال: وإن أبا طالب كؤمن آل فرعون يكتم إيمانه».

كتب الحجة(٢) (ص ١١٥): ضياء العالمين لأبي الحسن الشريف.

٣٢ - أخرج شيخنا الصدوق في أماليه(٣) (ص ٣٦٥) من طريق الأعمش عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابن أخي الله أرسلك؟ قال: «نعم». قال: فأرني آية. قال ادع لي تلك الشجرة. فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أنصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق، يا علي صل جناح ابن عمك.

____________

(١) الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٢.

(٢) المصدر السابق: ص ٣٦٢.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

٩٠

ورواه أبو عي الفتال في روضة الواعظين(١) (ص ١٢١)، ورواه السيد ابن معد في الحجة(٢) (ص ٢٥) ولفظه: قال أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحضر من قريش ليريهم فضله: يا بن أخي الله أرسلك؟ قال: نعم. قال: إن للأنبياء معجزاً وخرق عادة فأرنا آية قال: «ادع تلك الشجرة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: أقبلي بإذن الله». فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أمرها بالانصراف فانصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق. ثم قال لابنه علي عليه السلام: يا بني الزم ابن عمك.

وذكره غير واحد من أعلام الطائفة.

٣٣ - أخرج أبو جعفر الصدوق قدس الله سره في الأمالي(٣) (ص ٣٦٦) بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه سأله رجل فقال له: يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟ قال: وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل:

وقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيل الأ باطل

إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين.

ورواه السيد ابن معد في الحجة(٤) (ص ٩٤، ١١٥)، وذكره غير واحد من أئمة الحديث.

٣٤ - أخرج شيخنا أبو علي الفتال النيسابوري في روضة الواعظين(٥)

____________

(١) روضة الواعظين: ١ / ١٣٩.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٨.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

(٤) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣١٩ - ٣٢٢.

(٥) روضة الواعظين: ١ / ١٤٠.

٩١

(ص ١٢٣) عن ابن عباس قال: مر أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد الحرام يصلي صلاة الظهر وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك، فتقدم جعفر وتأخر علي واصطفا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قضى الصلاة، وفي ذلك يقول أبو طالب:

إن علياً وجعفـــراً ثقتي

عند ملم الزمــان و النوب(١)

أجعلهمـا عرضة العداء إذا

أترك ميتاً وأنتمي إلى حسبي

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهــم وأبي

واللــه لا أخذل النبي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب(٢)

وأخرج سيدنا ابن معد في كتاب بالحجة(٣) (ص ٥٩)، بإسناده عن عمران بن الحصين الخزاعي قال: كان والله إسلام جعفر بأمر أبيه، ولذلك: مر أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله وهو يصلي وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح اين عملك فجاء جعفر فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى صلاته قال له النبي صلىالله عليه وآله وسلم: «يا جعفر وصلت جناح ابن عمك، إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة». فأنشأ أبو طالب رضوان الله عليه يقول:

إن عليا ً وجعفـــراً ثقتي

عند ملــم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي مـن بينهم وأبي

إن أبا معتب قــد أسلمنا

ليس أبـو معتب بذي حدب(٤)

والله لا أخذل النبــي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب

____________

(١) وفي نسخة: عند احتدام الهموم والكرب. (المؤلف)

(٢) راجع فيما أسلفناه: ص ٣٩٤. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٤٩.

(٤) أبو معتب كنية أبي لهب كما مر. ذي حدب: ذي تعطف. (المؤلف)

٩٢

حتى ترون الرؤوس طائحة

منـا ومنكــم هناك بالقضب

نحــن وهذا النبي أسرته

نضرب عنـه الأعداء كالشهب

إن نلتمــوه بكل جمعكم

فنحن فــي الناس ألأم العرب

ورواه شيخنا أبو الفتح الكرجكي(١) بطريق آخر عن أبي ضوء بن صلصال قال: كنت أنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي، فإني يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أبي الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين؟ يعني النبي وعلياً عليهما السلام فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما فلست آمن قريشاً أن تكون اغتالتهما، قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه إلى قلته، فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان، فقال أبو طالب لجعفر ابنه وكان معنا: صل جناح ابن عمك. فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم نبعث يقول الابيات.

٣٥ - عن عكرمة عن أبن عباس قال: أخبرني أبي أن أبا طالب رضي الله عنه شهد عند الموت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ضياء العالمين.

٣٦ - في تفسير وكيع(٢) من طريق أبي ذر الغفاري؛ أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب رضي الله عنه حتى أسلم بلسان الحبشة، قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتفقه الحبشة؟ قال: يا عم إن الله علمني جميع الكلام. قال: يا محمد اسدن لمصاقا قاطا لاها يعني أشهد مخلصاً لا إله إلا الله، فبكى رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وقال: إن الله أقر

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨١.

(٢) هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، توفي سنة ١٩٧هـ كان حافظاً للحديث، له عدة تصانيف، منها تفسير القرآن، والمعرفة، والتاريخ.

٩٣

عيني بأبي طالب. ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف.

أحب سيد الأبطح الشهادة بلغة الحبشة في موقفه هذا بعد ما أكثرها بلغة الضاد وبغيرها، كما فصل القول فيها شيخنا الحجة أبو الحسن الشريف الفتوني المتوفى (١١٣٨) في كتابه القيم الضخم ضياء العالمين، وهو أثمن كتاب ألف في الإمامة.

٣٧ - روى شيخنا أبو الحسن قطب الدين الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح(١) عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: لما توفي عبد المطلب أخذ أبو طالب النبي صلى الله عليه وأله وسلم عنده لوصية أبيه به، وكنت أخدمه، وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب، وكنت كل يوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وكذلك جاريتي، فاتفق يوماً أن نسيت أن التقط له شيئاً ونسيت جارتي أيضاً، وكان محمد نائماً ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمت ووضعت الكم على وجهي حياءً من محمد صلى الله علية وآله وسلم إذاانتبه، فانتبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودخل البستان فلم ير رطبةً على وجه الأرض فأشار إلى نخلة وقال: أيتها الشجرة أنا جائع. فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها ما أراد ثم ارتفعت إلى موضعها، فتعجبت من ذلك وكان أبو طالب رضي الله عنه غائبا فلما أتى وقرع الباب عدوت إليه حافية وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت فقال هو: إنما يكون نبياً وأنت تلدين له وزيراً بعد يأس. فولدت علياً عليه السلام كما قال.

٣٨ - روى شيخنا الفقيه الأكبر ابن بابويه الصدوق في أمامليه(٢) (ص ١٥٨)، بالإسناد عن أبي طالب سلام الله عليه قال: قال عبد المطلب: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز وجمتي تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير، فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن

____________

(١) الخرائج والجرائح: ١ / ١٣٨.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٢١٦.

٩٤

سيد العرب متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟ فقلت لها: بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت عل ظهري قد نال رأسها السماء وضربت بأعضانها الشرق والغرب، ورأيت نوراً يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفاً، ورأيت العرب والنجم ساجدة لها، وهي كل يوم تزداد عظماً ونوراً، ورأيت رهطاً من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا أخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثيابا فيأخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثياباً فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول غصناً من أغصانها فصاح بي الشاب وقال: مهلاً ليس لك منها نصيب، فقلت: لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وسيعود إليها، فانتبهت مذعوراً فزعاً متغير اللون، فرأيت لون الكاهنة قد تغير ثم قالت: لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب وينبأ في الناس. فتسرى عني غمي، فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت، وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أب القاسم الأمين.

٣٩ - قال السيد الحجة في كتابه الحجة(١) (ص ٦٨): ذكر الشريف النسابة العلوي العمري المعروف بالموضح، بإسناده: أن أبا طالب لما مات لم تكن نزلت الصلاة على الموتى، فما صلى النبي عليه ولا على خديجة، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجعفر وحمزة جلوس، فقاموا وشيعوا جنازته واستغفروا له فقال قوم: نحن نستغفر لمو تانا وأقاربنا المشركين أيضاً ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً لأنه كان يكتم إيمانه، فنفى الله عن أبي طالب الشرك ونزه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة المذكورين عليهم السلام عن الخطأ في قوله:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ ) (٢) ، فمن قال بكفر أبي طالب فقد حكم على النبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٦٨.

(٢) التوبة: ١١٣.

٩٥

بالخطأ والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله. إلى آخره.

وأخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بالإسناد عن محمد بن حميد قال: حدثني أبي قال: سئل أبو الجهم بن حذيفة: أصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي طالب؟ فقال: وأين الصلاة يومئذ؟ إنما فرضت الصلاة بعد موته، ولقد حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر علياً بالقيام بمره وحضر جنازته، وشهد له العباس وأبو بكر بالإيمان وأشهد على صدقهما لأنه كان يكتم إيمانه ولو عاش إلى ظهور الإسلام لأظهر إيمانه.

٤٠ - عن مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: لا نرى محمداً يزداد إلا كبراً وإن هو إلا ساحر أو مجنون، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضي الله عنه ليجمعن كلها عن قتله فبلغ ذلك ابا طالب فجمع بني هاشم واحلافهم من قريش فوصاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ابن أخي كل ما يقول أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا، وإن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وأن شأنه أعظم شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته، وراموا عدوه من وراء حوضته، فإنه الشرف الباقي لكم طول الدهر، ثم أنشأ يقول:

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

علياً أبني وعم الخيـــر عباسا

وحمـزة الأسد المخشي صولته

وجعفراً أن يذودا دونـــه الناسا

وهاشماً كلهــا أوصي بنصرته

أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا(١)

كونوا فداءً لكـم أمي وما ولدت

من دون أحمد عند الروع أتـراسا

بكل أبيض مصقـول ٍ عوارضه

تخاله في سواد الليل مقباســـا(٢)

قال الأميني هذه جملة مما أوقفنا السير عليه من أحاديث رواة الحق والحقيقة وصفحنا عما يربو على الأربعين روماً للاختصار، فأنت ذا أضفت إليها ما أسلفناه مما

____________

(١) أمراس: جمع مرس، وهو الحبل.

(٢) ضياء العالمين لشيخنا الفتوني. (المؤلف)

٩٦

يروى عن آل أبي طالب وذويه، وأشفعتها بما مر من أحاديث مواقف سيد الأباطح، وجمعتها مع ما جاء من الشهادات الصريحة في شعره تربو الأدلة على إيمانه الخالص وإسلامه القويم على مائة دليل، فهل من مساغ لذي مسكة أن يصفح عن هذه كلها؟ وكل واحد منها يحق أن يستند له في إسلام أي أحد، نعم، إن في أبي طالب سراً لا يثبت إيمانه بألف دليل، وإيمان غيره يثبت بقيل مجهول ودعوى مجردة! إقرأ واحكم.

وقد فصل القول في هذه الأدلة جمع من أعلام الطائفة؛ كشيخنا العلامة الحجة المجلسي في بحار لأنوار(١) (٩ / ١٤ - ٣٣)، وشيخنا العلم القدوة أبي الحسن الشريف الفتوني في الجزء الثاني من كتابه القيم الضخم ضياء العالمين - والكتاب موجود عندنا - وهو أحسن ما كتب في الموضوع، كما أن ما ألفه السيد البرزنجي ولخصه السيد أحمد زيني دحلان أحسن ما ألف في الموضوع بقلم أعلام أهل السنة، وأفرد ذلك بالتأليف آخرون منهم:

١ - سعد بن عبد الله أبو القاسم الأشعري القمي: المتوفى (٢٩٩، ٣٠١)، له كتاب فضل أبي طالب وعبد المطلب وعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. رجال النجاشي(٢) (ص ١٢٦).

٢ - أبو علي الكوفي أحمد بن محمد بن عمار: المتوفى (٣٤٦)، له كتاب إيمان أبي طالب كما في فهرست الشيخ (ص ٢٩)، ورجال النجاشي(٣) (ص ٧٠).

٣ - أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله الديباجي، سمع منه التلعكبري سنة (٣٧٠) له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره النجاشي في فهرسته(٤) (ص ١٣٣).

____________

(١) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٤ - ١٣١.

(٢) رجال النجاشي: ص ١٧٧ رقم ٤٦٧.

(٣) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٦.

(٤) المصدر السابق: ص ١٨٦ رقم ٤٩٣.

٩٧

٤ - أبو نعيم علي بن حمزة البصري التميمي اللغوي: المتوفى (٣٧٥)، له كتاب إيمان أبي طالب، توجد نسخته عند شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني(١) في سامراء المشرفة، نقل عنه بعض فصوله الحافظ ابن حجر في الإصابة(٢) في ترجمة أبي طالب واتهم مؤلفه بالرفض.

٥ - أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري جد المفسر الكبير الشيخ أبي الفتوح الخزاعي لأمه، له كتاب منى الطالب في إيمان أبي طالب. رواه الشيخ منتجب الدين كما في فهرسته(٣) (ص ١٠) عن سبطه الشيخ أبي الفتوح عن ابيه عنه.

٦ - أبو الحسن علي بن بلال بن أبي معاوية المهلبي الأزدي، له كتاب البيان عن خيرة الرحمن في إيمان ابي طالب وآباء النبي صلى الله عليه وآاله وسلم، ذكره له الشيخ في فهرسته (ص ٩٦) والنجاشي(٤) (ص ١٨٨).

٧ - أحمد بن القاسم، له كتاب إيمان أبي طالب، رآه النجاشي كما في فهرسته(٥) (ص ٦٩) بخط الحسين بن عبيد لله الغضائري.

٨ - أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الكندي الجرجاني صديق النجاشي: المتوفى (٤٥٠)، ذكر له النجاشي في فهرسته(٦) (ص ٦٣) كتاب إيمان أبي طالب.

____________

(١) توفي قدس الله سره وأبقى له آثاراً ومآثر تذكر مع الأبد وتشكر. (المؤلف)

(٢) الإصابة: ٤ / ١١٥ - ١١٩ رقم ٦٨٥.

(٣) فهرس منتجب الدين: ص ١٥٧.

(٤) رجال النجاشي: ص ٢٦٥ رقم ٦٩٠.

(٥) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٤.

(٦) المصدر السابق: ص ٨٧ رقم ٢١٠ وقيه: الجرجراني.

٩٨

٩ - شيخنا الأكبر أبو عبد اللله المفيد محمد بن النعمان: المتوفى (٤١٣) له كتاب إيمان أبي طالب، كما في فهرست النجاشي(١) (ص ٢٨٤).

١٠ - أبو علي شمس الدين السيد فخار بن معد الموسوي: المتوفى (٦٣٠)، له كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، قرظه العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم بقوله:

بشراك فخار بما أولا

ك الخالق في يوم المحشر

نـزهت بحجتك الغرا

شيخ البطحاء أبا حيــدر

عما نسبوه إليه من الـ

ـكفر المردود دعاة الشر

أنـى وبه قام الإسلام

م فنال بعلياه المفخـــر

قسماً بولاء أبي حسنٍ

لولاه الدين لما أزهــر

فعليه من الله الرضوا

ن وللعـــدا نارٌ تسعر

١١ - سيدنا الحجة أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسيني: المتوفى (٦٧٣)، له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره في كتابه بناء المقالة العلوية لنقض الرسالة العثمانية، وهو كتاب في الإمامة ألفه في الرد على رسالة أبي عثمان الجاحظ.

١٢ - السيد الحسين الطباطبائي اليزدي الحائري الشهير بالواعظ: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، فارسي مطبوع.

١٣ - المفتي الشريف السيد محمد عباس التستري الهندي: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، أحد شعراء الغدير، تأتي ترجمته في القرن الرابع عشر إ ن شاء الله تعالى.

١٤ - شمس العلماء ميرزا محمد حسين الكركاني، له كتاب مقصد الطالب في

____________

(١) رجال النجاشي: ص ٣٩٩ رقم ١٠٦٧.

٩٩

إيمان آباء النبي وعمه أبي طالب، فارسي طبع في بمبي سنة (١٣١١).

١٥ - الشيخ محمد علي بن ميرزا جعفر علي الفصيح الهندي نزيل مكة المعظمة، له كتاب القول الواجب في إيمان أبي طالب.

١٦ - شيخنا الحجة الحاج ميرزا محسن ابن العلامة الحجة ميرزا محمد التبريزي(١) .

١٧ - السيد محمد علي آل شرف الدين العاملي(٢) ، له كتاب شيخ الأبطح و أبو طالب، طبع في بغداد سنة (١٣٤٩) في (٩٦) صفحة وقد جمع فيه فأوعى، ولم يبق في القوس منزعاً.

١٨ - الشيخ ميرزا نجم الدين ابن شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني، له كتاب الشهاب الثاقب لرجم مكفر أبي طالب.

١٩ - الشيخ جعفر بن الحاج محمد النقدي المرحوم، له كتاب مواهب الواهب في فضائل أبي طالب، طبع في النجف الأشرف سنة (١٣٤١ في (١٥٤) صفحة، فيه فوائد جمة وطرائف ونوادر.

وقد نظم ذلك كثيرون من أعاظم الشيعة في قريضهم، ومما يسعنا إثباته هاهنا قول السيد أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسني الزيدي من قصيدة:

حماه أبونا أبـــــو طالب

وأسلم والناس لــم تسلــــم

وقــــد كــان يكتم إيمانه

وأما الولاء فلــــم يكتــــم

____________

(١) له كتاب إيمان أبي طالب وأحوله وأشعاره. راجع الذريعة الى تصانيف الشيعة: ٢ / ٥١٣ رقم ٢٠١٥.

(٢) انتقل إلى دار البقاء سنة ١٣٧٢ وأبقى لهفةً وجوىً في قلوب أمة كبيرة كانت تعرفه بفضائله وفواضله. (المؤلف)

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وأنظر الأمة لنفسه، وأنصحهم لله في دينه وعباده، من خلائقه في أرضه، من عمل بطاعة الله وكتابه، وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مدة أيامه، وبعدها، وأجهد رأيه فيمن يوليه عهده، ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علماً لهم. ومفزعا في جمع ألفتهم. ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم. وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيد عنهم، فإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الإسلام وكماله، وعزه، وصلاح أهله، وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة، وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة، والسعي والفرقة، والتربص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها. فأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه، وعباده، ومختاراً لولاية عهده. ورعاية الأمة من بعده: أفضل من يقدر عليه: في دينه وورعه، وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجياً بالاستخارة في ذلك. ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته، في آناء ليله ونهاره. معملاً في طلبه والتماسه في أهل بيته: من ولد عبد الله بن العباس، وعلي بن أبي طالب فكره، ونظره. مقتصراً ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغاً في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.. حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، واستبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة، فكان خيرته بعد استخارته الله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعاً:

علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد ابن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب

لما رأى من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس..

٣٨١

وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل: يافعاً، وناشئاً، وحدثاً، ومكتهلاً، فعقد له بالعقد والخلافة من بعده(١) .

واثقاً بخيرة الله في ذلك. إذ علم الله أنه فعله إيثاراً له، وللدين، ونظراً للإسلام والمسلمين، وطلباً للسلامة، وثبات الحجة، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ودعا أمير المؤمنين ولده، وأهل بيته، وخاصته، وقواده، وخدمه فبايعوا مسارعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم. ممن هو أشبك منه رحماً، وأقرب قرابة.

وسماه (الرضا)(٢) إذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة، من قواده وجنده، وعامة المسلمين، لأمير المؤمنين، وللرضا من بعده علي ابن موسى على اسمه وبركته، وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها صدوركم. عالمين بما أراد أمير المؤمنين، بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين بها: من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم، وقوة دينكم، ورغم عدوكم، واستقامة أموركم.

وسارعوا إلى طاعة الله، وطاعة أمير المؤمنين، فإنه الأمن إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه إن شاء الله.

وكتب بيده يوم الاثنين، لسبع خلون من شهر رمضان، سنة إحدى ومائتين.

قال القلقشندي: (ثم إنه تقدم إلى علي بن موسى، وقال له: اكتب خطك بقبول هذا العهد، وأشهد الله، والحاضرين عليك بما تعده في حق الله، ورعاية المسلمين، فكتب علي الرضا تحته إلخ).

____________

(١) في بعض نسخ كشف الغمة في الهامش: أنهعليه‌السلام كتب بقلمه الشريف تحت قوله: ((والخلافة من بعده)) قوله: ((بل جعلت فداك)).

(٢) في بعض نسخ كشف الغمة في الهامش: أنهعليه‌السلام كتب بقلمه الشريف تحت كلمة: ((الرضا)) قوله: ((رضي الله عنك وأرضاك، وأحسن في الدارين جزاك)) وفي أخرى: أنه كتب تحت ذكر اسمهعليه‌السلام بقلمه الشريف: ((وصلتك رحم، وجزيت خيراً))، وكتب بقلمه الشريف تحت الثناء عليه: ((أثنى الله عليك فأجمل، وأجزل لديك الثواب فأكمل)).

٣٨٢

صورة ما كان على ظهر العهد، بخط الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفعال لما يشاء، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. وصلاته على نبيه محمد، خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين.

أقول ـ وأنا علي بن موسى الرضا بن جعفر ـ: إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاماً قطعت، وأمن أنفساً فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذ افتقرت، مبتغياً رضا رب العالمين، لا يريد جزاء من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين..

وإنه جعل إلي عهده، والإمرة الكبرى ـ إن بقيت ـ بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وفصم عروة أحب الله إيثاقها، فقد أباح الله حريمه، وأحل محرمه، إذ كان بذلك زارياً على الإمام، منتهكاً حرمة الإسلام. بذلك جرى السالف، فصبر منه على الفلتات، ولم يعترض على العزمات، خوفاً من شتات الدين، واضطراب حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية، ورصد فرصة تنتهز، وبايقة تبتدر..

وقد جعلت الله على نفسي، إن استرعاني أمر المسلمين، وقلدني خلافته: العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته، وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن لا أسفك دماً حراماً، ولا أبيح فرجاً. ولا مالاً، إلا ما سفكته حدود الله، وأباحته فرائضه. وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وجعلت بذلك على نفسي عهده مؤكداً، يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يقول: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولاً).

وإن أحدثت، أو غيرت، أو بدلت، كنت للغير مستحقاً، وللنكال متعرضاً. وأعوذ بالله من سخطه. وإليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته، في عافية لي وللمسلمين.

والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم. إن الحكم إلا لله، يقضي بالحق(١) ، وهو خير الفاصلين..

____________

(١) الظاهر أن الصواب هو (يقص الحق) كما في معالم الإنافة.

٣٨٣

لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك، وكفى بالله شهيداً..

وكتبت بخطي، بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، والفضل ابن سهل، وسهل بن الفضل، ويحيى بن أكثم، وعبد الله بن طاهر، وثمامة بن أشرس، وبشر بن المعتمر، وحماد بن النعمان، في شهر رمضان، سنة إحدى ومائتين.

الشهود على الجانب الأيمن:

شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب، ظهره، وبطنه. وهو يسأل الله: أن يعرف أمير المؤمنين، وكافة المسلمين ببركة هذا العهد، والميثاق. وكتب بخطه في تاريخ المبين فيه..

عبد الله بن طاهر بن الحسين، أثبت شهادته فيه بتاريخه.

شهد حماد بن النعمان بمضمونه: ظهره وبطنه، وكتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.

الشهود على الجانب الأيسر:

رسم أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة. التي هي صحيفة الميثاق. نرجو أن نجوز بها الصراط، ظهرها وبطنها، بحرم سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بين الروضة والمنبر، على رؤوس الأشهاد، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم، وساير الأولياء والأجناد، بعد استيفاء شروط البيعة عليهم، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع

المسلمين، ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين:( مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) .

وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه(١) .

انتهى..

____________

(١) وفي هامش نسخة مصححة قال: مصححها: (قال العبد الفقير إلى الله تعالى، الفضل بن يحيى عفى الله عنه: قابلت المكتوب الذي كتبه الإمام علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه)، وعلى آبائه الطاهرين بأصله الذي كتبه الإمام المذكورعليه‌السلام بيده الشريفة، حرفاً فحرفاً. وألحقت ما فات منه، وذكرت أنه من خطه. وذلك يوم الثلاثاء، مستهل المحرم، من سنة تسع وتسعين وست مأة الهلالية بواسط، والحمد لله، وله المنة) انتهى أقول: والذي ألحقه هو ما قدمناه في هوامش الصفحات المتقدمة..

٣٨٤

رسالة المأمون إلى العباسيين

مصادر الكتاب:

هذا الكتاب مذكور في طرائف ابن طاووس، الترجمة الفارسية من ص ١٣١، إلى ص ١٣٥، نقلاً عن كتاب نديم الفريد، لابن مسكويه، صاحب كتاب حوادث الإسلام.. وفي البحار للعلامة المجلسي ج ٤٩ من ص ٢٠٨ إلى ص ٢١٤، وفي قاموس الرجال ج ١٠ ص ٣٥٦، إلى ٣٦٠، وفي ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٤٨٤، ٤٨٥ مختصراً، ونقل في الغدير ج ١ ص ٢١٢ قسما منه عن عبقات الأنوار للهندي ج ١ ص ١٤٧، وأشار إليه غير واحد من المؤلفين.

نص الكتاب:

كتب العباسيون كتاباً إلى المأمون، وطلبوا منه الإجابة عليه، فأجابهم بما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

(والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد. على رغم أنف الراغمين..

أما بعد:

عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم. ومخض زبدتكم. وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم. في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلما جاءكم به الصادق محمدعليه‌السلام ، حتى كأنكم من الأمم السالفة، التي هلكت بالخسفة، والغرق، والريح، والصيحة، والصواعق، والرجم..

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟. والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لولا أن يقول قائل: إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلة أخطاركم. وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائباً..

أما بعد:

فإن الله تعالى بعث محمداً على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها، وأموالها، لا يرون أحداً يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميناً من أوسطهم بيتاً، وأقلهم مالاً، فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها. ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سبع

٣٨٥

سنين، لم يشرك بالله شيئاً طرفة عين، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله إما مسلم مهين، أو كافر معاند، إلا حمزة فإنه لم يمتنع من الإسلام، ولا يمتنع الإسلام منه، فمضى لسبيله على بينة من ربه.

وأما أبو طالب: فإنه كفله ورباه، ولم يزل مدافعاً عنه، ومانعاً منه، فلما قبض الله أبا طالب، فهم القوم، وأجمعوا عليه ليقتلوه، فهاجر إلى القوم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم. يحبون من هاجر إليهم. ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

فلم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالبعليه‌السلام : فإنه آزره ووقاه بنفسه، ونام في مضجعه. ثم لم يزل بعد مستمسكاً بأطراف الثغور، وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش، منيع القلب، يؤمر على الجميع، ولا يؤمر عليه أحد. أشد الناس وطأة على المشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث (غدير خم) وصاحب قوله:((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)) وصاحب يوم الطائف، وكان أحب الخلق إلى الله تعالى، وإلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وصاحب الباب، فتح له، وسد أبواب المسجد. وهو صاحب الراية يوم خبير. وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة. وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين المسلمين.

وهو منيع جزيل. وهو صاحب آية:( وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى‏ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) . وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وهو ختن خديجة عليه‌السلام . وهو ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رباه وكفله. وهو ابن أبي طالب في نصرته وجهاده. وهو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم المباهلة.

٣٨٦

وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر ينفذان أمراً حتى يسألانه عنه، فما رأى إنفاذه أنفذاه، وما لم يراه رداه. وهو دخل من بني هاشم في الشورى، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه(١) عنهعليه‌السلام ، كما دفع العباس رضوان الله عليه، ووجدوا إلى ذلك سبيلاً لدفعوه.

فأما تقديمكم العباس عليه، فإن الله تعالى يقول:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ ) .

والله، لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل، والآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل من رجالكم. أو غيره، لكان مستأهلاً متأهلاً للخلافة، مقدماً على أصحاب رسول الله بتلك الخلة.

ثم لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس، تعظيماً لحقه، ووصلة لرحمه، وثقة به، فكان من أمره الذي يغفر الله له..

ثم.. نحن وهم يد واحدة ـ كما زعمتم ـ حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا، فأخفناهم. وضيقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم.. ويحكم، إن بني أمية إنما قتلوا من سل منهم سيفاً، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملاً، فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت، ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء، هيهات، إنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره..

وأما ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم، إذ هونتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الأموال والرجال، نبعث إليه، فيؤتى به، فكذبتم، ودبرتم، ونسيتم قول الله تعالى:( ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ... ) .

____________

(١) في الترجمة الفارسية هكذا: (على دفع عليعليه‌السلام عنها إلخ).

٣٨٧

وأما ما ذكرتم: من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه. وإن البيعة له لموافقة رضا الرب عز وجل. ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم.

ولعمري، لو كانت بيعتي بيعة محاباة، لكان العباس ابني، وسائر ولدي أحب إلى قلبي، وأجلى في عيني، ولكن أردت أمراً، وأراد الله أمراً، فلم يسبق أمري أمر الله وأما ما ذكرتم: مما مسكم من الجفاء في ولايتي: فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه، علي (خ د) وممايلتكم إياه، فلما قتلته وتفرقتم عباديد، فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد، وطوراً أتباعاً لأعرابي، وطوراً أتباعاً لابن شكلة، ثم لكل من سل سيفاً علي، ولولا أن شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً، فكلكم حلال الدم، محل بنفسه.

وأما ما سألتم: من البيعة للعباس ابني.. أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! ويلكم، إن العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده، ولم تحكمه التجارب. تدبره النساء، وتكفله الإماء، ثم.. لم يتفقه في الدين، ولم يعرف حلال من حرام، إلا معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلاً، قد أحكمته التجارب، وتفقه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها.. ما كان له عندي في الخلافة، إلا ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال، فإن لساني لم يزل مخزوناً عن أمور وأنباء، كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علماً بأن الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوماً.

فإذ أبيتم إلا كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، وعما وجده في كتاب الدولة، وغيرها: أن السابع من ولد العباس، ولا تقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعها، فإذا أودع فودعاها، وإذا فقدتم شخصي، فاطلبوا لأنفسكم معقلاً، وهيهات، ما لكم إلا السيف، يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصداً، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلا بحقها.

وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، واختيار مني له، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيئ بيسير ما يصيبهم منه.

٣٨٨

وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم ولعقبكم، وأنبائكم من بعدكم.. وأنتم ساهون، لاهون، تائهون، في غمرة تعمهون، لا تعلمون ما يراد بكم، وما أظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة. همة أحدكم أن يمسي مركوباً، ويصبح مخموراً تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنثون. مؤنثون لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة، ولا استدامة نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، وأكببتم على اللذات، فسوف تلقون غياً. وأيم الله، لربما أفكر في أمركم. فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب، حتى نزل بهم لخلة من الخلال، إلا أصيب تلك الخلة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة، لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها. وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح: أنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض، قد اتخذتموهم شعاراً، ودثاراً، استخفافاً بالمعاد، وقلة يقين بالحساب، وأيكم له رأي يتبع، أو روية تنفع، فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود. وأما ما ذكرتم: من العثرة كانت في أبي الحسنعليه‌السلام نور الله وجهه، فلعمري، إنها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر. ولا أظن عملا هو عندي أفضل من ذلك، إلا أن أعود بمثلها إلى مثله، وأين لي بذلك، وأنى لكم بتلك السعادة. وأما قولكم: إني سفهت آراء آبائكم، وأحلام أسلافكم، فكذلك قال مشركوا قريش:( إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‏ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَى‏ آثَارِهِم مُقْتَدُونَ ) . ويلكم، إن الدين لا يؤخذ إلا من الأنبياء، فافقهوا، وما أراكم تعقلون.

وأما تعييركم إياي: بسياسة المجوس إياكم، فما أذهبكم الانفة(١) من ذلك، ولو ساستكم القردة والخنازير، وما أردتم إلا أمير المؤمنين.

ولعمري، لقد كانوا مجوساً فأسلموا، كآبائنا، وأمهاتنا في القديم، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد، فهم يتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويتقربون من الخير، ويتباعدون من الشر، ويذبون عن حرم المسلمين، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير.. منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.

____________

(١) الظاهر أن الصواب: (فما أذهبكم عن الأنفة).

٣٨٩

وليس منكم إلا لاعب بنفسه، مأفون في عقله وتدبيره: إما مغن، أو ضارب دف، أو زامر. والله، لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا، فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها، لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعاراً ودثاراً، وصناعة وأخلاقاً..

ليس منكم إلا من إذا مسه الشر جزع، وإذا مسه الخير منع، ولا تأنفون، ولا ترجعون إلا خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوباً، ويصبح بإثمه معجبا، كأنه قد اكتسب حمدا، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس إليه من زين له معصية، أو أعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة، وتربده المطمورة، فشتت الأحوال.. فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح. وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم.. وإلا فدونكم تعلوا بالحديد..

ولا قوة إلا بالله، وعليه توكلي، وهو حسبي).

رسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون

النص الأول للرسالة:

قال أبو الفرج الأصفهاني، صاحب كتاب (الأغاني)، في كتابه: مقاتل الطالبيين ص ٦٣٠، ٦٣١، في معرض حديثه عن عبد الله بن موسى، بن عبد الله بن الحسن، بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الذي كان قد توارى في أيام المأمون:

(.. وأخبرني جعفر بن محمد الوراق الكوفي، قال: حدثني عبد الله بن علي بن عبيد الله العلوي الحسيني، عن أبيه، قال: كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى، وهو متوار منه، يعطيه الأمان، ويضمن له: أن يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسى، ويقول:

(.. ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعدما عملته بالرضا..).

وبعث الكتاب إليه. فكتب إليه عبد الله بن موسى:

(.. وصل كتابك، وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال علي حيلة المغتال، القاصد لسفك دمي.

وعجبت من بذلك العهد، وولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟!.

٣٩٠

أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته؟!. فو الله، لأن أقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إلي من أن ألي أمراً بين المسلمين، أو أشرب شربة من غير حلها، مع عطش شديد قاتل..

أم في العنب المسموم، الذي قتلت به الرضا؟!.

أم ظننت أن الاستتار قد أملني، وضاق به صدري؟!. فو الله، إني لذلك، ولقد مللت الحياة، وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك، حتى تبلغ من قبلي مرادك. لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر علي المخاطرة بدمي. وليتك قدرت علي، من غير أن أبذل نفسي لك. فتقتلني، ولقيت الله عز وجل بدمي، ولقيته قتيلاً مظلوماً، فاسترحت من هذه الدنيا.

واعلم: أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عني، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شيء من ذلك. فرجعت إلى القرآن. الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه، من الشهادة في طلب مرضاته.

ثم تتبعته ثانية، أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جل وعلا يقول:( قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) فطلبت أي الكفار أضر على الإسلام. وأقرب من موضعي، فلم أجد أضر على الإسلام منك، لأن الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم. وأنت ختلت المسلمين بالإسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت مال الله من غير حله، فأنفقته في غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحاً، وأنفقت مال الله على الملهين، وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالإسلام. وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك، خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك، بذلا يرضيه مني، وأن يمهلك ويؤخرك، ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الأيام قبل ذلك. فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي، والسلام).

٣٩١

وثمة نص آخر:

وكان أبو الفرج قد ذكر قبل ذلك أي في ص ٦٢٨، ٦٢٩ من نفس الكتاب نصاً آخر هو إما رسالة أخرى. أو نص آخر لهذه الرسالة نفسها.. والظاهر أنه رسالة أخرى.. وكيف كان فقد قال أبو الفرج:

(وكان عبد الله توارى في أيام المأمون، فكتب بعد وفاة الرضا يدعوه إلى الظهور، ليجعله مكانه، ويبايع له، واعتد عليه بعفوه عمن عفا من أهله، وما أشبه هذا من القول:

فأجابه عبد الله برسالة طويلة يقول فيها:

فبأي شيء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن ـ صلوات الله عليه ـ بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته.

والله، ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت، ولا كراهة له، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي، ولولا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة.

ويقول فيها:

هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا، الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا، ولكنني كنت امرءاً حبب إلي الجهاد، كما حبب إلى كل امرئ بغيته، فشحذت سيفي، وركبت سناني على رمحي، واستفرهت فرسي، لم أدر أي العدو أشد ضرراً على الإسلام، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء، فقرأته، فإذا فيه:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) .

فما أدري من يلينا منهم، فأعدت النظر، فوجدته يقول:( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) فعلمت أن علي أن أبدأ بما قرب مني..

وتدبرت، فإذا أنت أضر على الإسلام والمسلمين من كل عدو لهم، لأن الكفار خرجوا منه، وخالفوه، فحذرهم الناس، وقاتلوهم، وأنت دخلت فيه ظاهراً، فأمسك الناس. وطفقت تنقض عراه عروة عروة، فأنت أشد أعداء الإسلام ضرراً عليه..

ثم قال أبو الفرج: وهي رسالة طويلة أتينا بها في الكتاب الكبير..

٣٩٢

رسالة سفيان إلى هارون

مصادر الرسالة:

ذكر هذه الرسالة الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ١٨٨، ١٨٩، نقلاً عن ابن بليان، والإمام الغزالي، ودحلان في الفتوحات الإسلامية ط مصطفى محمد ج ٢ ص ٤٤٩ حتى ٤٥٣.

وأشار إليها ابن خلدون في مقدمته، ص ١٧ مستدلا بها على تدين الرشيد والتزامه.. وذكر جرجي زيدان شطراً منها في كتابه: تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الأول، جزء ٢ ص ٣٨٥، ٣٨٦، والمجلد الثاني جزء ٤ ص ٤٨٠، ونحن نذكرها هنا عن الدميري مع بعض تعديلات عن دحلان.

مناقشة لا بد منها:

ولكن الرسالة تذكر أن الذي كاتبه الرشيد، والمجيب له هو سفيان الثوري.. وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً، فإن سفيان قد توفي في خلافة المهدي متخفيا، في سنة ١٦١ ه‍، وهارون لم يتول الخلافة إلا في سنة ١٧٠ ه‍.

ولعل الصواب: هو أن مرسلها هو: إمام مكة سفيان بن عيينة، المتوفى سنة ١٩٨ ه‍. عن إحدى وتسعين سنة.

ولعل الراوي قد اشتبه عليه الأمر، عفوا، أو عمداً! لحاجة في نفسه قضاها. وأياً ما كانت الحقيقة، فإن هذه الرسالة تعتبر وثيقة تاريخية هامة، لأنها تصور لنا حقيقة الوضع في تلك الفترة من الزمن..

وتعطينا شأنها شأن رسالة الخوارزمي، ورسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون صورة واضحة عما كان يمارسه خلفاء ذلك الوقت من مآثم، وما يرتكبونه من موبقات..

نص الرسالة:

وملخص حكاية هذه الرسالة هي: أن الرشيد أرسل إلى سفيان الثوري! ـ وقد قلنا: إن الظاهر: أنه ابن عيينة ـ كتاباً يتودد إليه فيه، ويطلب منه أن يقدم عليه.

فلما وصل الكتاب إلى سفيان، رماه من يده، وقال لإخوانه: ليقرأه بعضكم، فإني أستغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم.

٣٩٣

فلما قرأوه، أمرهم أن يكتبوا إلى الظالم في الجواب ما يلي:

(من العبد الميت سفيان، إلى العبد المغرور بالآمال هارون، الذي سلب حلاوة الإيمان، ولذة قراءة القرآن.

أما بعد:

فإني كتبت إليك أعلمك: أني قد صرمت حبلك، وقطعت ودك، وقليت موضعك، وأنك جعلتني شاهداً عليك، بإقرارك على نفسك في كتابك: بما هجمت على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه، وأنفذته بغير حكمه، ولم ترض بما فعلته وأنت ناء عني، حتى كتبت إلي تشهدني على نفسك، فأما أنا فإني قد شهدت عليك، أنا وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك، وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل..

يا هارون، هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم. هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله، وابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن، وأهل العلم؟!

أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل؟!.

أم رضي بذلك خلق من رعيتك؟!.

فشد يا هارون مئزرك، وأعد للمسألة جوابا، وللبلاء جلباباً، واعلم أنك ستقف بين يدي الله الحكم العدل، فاتق الله في نفسك، إذا سلبت حلاوة العلم والزهد، ولذة قراءة القرآن. ومجالسة الأخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً، وللظالمين إماماً.

يا هارون، قعدت على السرير، ولبست حرير، وأسبلت ستوراً دون بابك. وتشبهت بالحجبة برب العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس ولا ينصفون. ويشربون الخمر، ويحدون الشارب، ويزنون، ويحدون الزاني، ويسرقون، ويقطعون السارق. ويقتلون، ويقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الأحكام عليك، وعليهم، قبل أن يحكموا بها على الناس؟! فكيف بك يا هارون غداً، إذا نادى المنادي من قبل الله:

احشروا الظلمة. وأعوانهم أين الظلمة، وأعوان الظلمة، فتقدمت بين يدي الله، ويداك مغلولتان إلى عنقك، لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك، والظالمون حولك، وأنت لهم إمام، أو سائق إلى النار.

٣٩٤

وكأني بك يا هارون.. وقد أخذت بضيق الخناق، ووردت المساق، وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك، وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك، بلاء على بلاء، وظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيتك. واحفظ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمته. واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك. إلا وهو صائر إلى غيرك، وكذلك الدنيا تفعل بأهلها، واحداً بعد واحد، فمنهم من تزود زاداً نفعه، ومنهم من خسر دنياه وآخرته، وإني أحسبك يا هارون ممن خسر دنياه وآخرته.

وإياك، ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا، فإني لا أجيبك.. والسلام).

ثم بعث بالكتاب منشوراً، من غير طي، ولا ختم..

قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني

نقاط رئيسية:

كنت قد وعدت القارئ الكريم في فصل: سياسة العباسيين ضد العلويين، بأن أورد في أواخر هذا الكتاب قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني المعروفة ب‍: (الشافية).

وقد حان الآن موعد الوفاء بذلك الوعد. وقبل ذلك، لا بأس بالإشارة إلى:

أن أبا فراس قد ولد في سنة ٣٢٠ ه‍. وتوفي في سنة ٣٥٧ ه‍. عليه الرحمة والرضوان..

وفي زمانه: كان بنو العباس الخلفاء، وآل بويه السلاطين، وآل حمدان الأمراء.

٣٩٥

ولاء. وشجاعة:

وأما عن سبب نظم هذه القصيدة، فهو أن أبا فراس وقف على قصيدة ابن سكرة، التي يتحامل فيها على العلويين، والتي أولها:

بـني عـلي دعـوا مـقالتكم

لا ينقص الدر وضع من وضعه

فحمي أبو فراس، ونظم هذه القصيدة، التي سارت بها الركبان، ودخل بغداد، وأمر أن يشهر في المعسكر خمسمأة سيف، وقيل: أكثر من ذلك.. ثم أنشد هذه القصيدة، وخرج من الناحية الأخرى(١) وقد شرح هذه القصيدة عدد من الأدباء والعلماء منهم ابن خالويه، ومنهم محمد بن أمير الحاج حسيني.

والقصيدة هي:

الـدين مـخترم والـحق مهتضم

وفـيء آل رسـول الله مـقتسم

والـناس عندك لا ناس فيحفظهم

سـوم الـرعاة ولا شـاء ولا نعم

إنـي أبـيت قـليل النوم أرقني

قـلب تـصارع فـيه الهم والهمم

وعـزمة لا يـنام الدهر صاحبها

إلا عـلى ظـفر فـي طـيه كرم

يـصان مـهري لأمر لا أبوح به

والدرع والرمح والصمصامة الخذم

وكـل مـائرة الضبعين مسرحها

رمـث الجزيرة والحذراف والعنم

وفـتية قـلبهم قـلب إذا ركـبوا

يـوماً ورأيـهم رأي إذا عـزموا

يـا لـلرجال أمـا لـله مـنتصر

مـن الـطغاة، أمـا لـلدين منتقم

بـنو عـلي رعـايا فـي ديارهم

والأمـر تـملكه النسوان والخدم

____________

(١) راجع: شرح الشافية، لمحمد بن أمير حاج حسيني ص ٦، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ١٥٧، ورجال المامقاني ج ٣ ص ٣٠ من باب الكنى، ورجال أبي علي ص ٣٤٩، والغدير ج ٣ ص ٤٠٣، والكنى والألقاب ج ١ ص ١٣٧، والفتوني في كشكوله، وغير ذلك.

٣٩٦

مـحلأون فـأصفى وردهم وشل

عـند الـورود وأوفى شربهم لمم

فـالأرض إلا عـلى ملاكها سعة

والـمال إلا عـلى أربـابه ديـم

فـما الـسعيد بها إلا الذي ظلموا

ومـا الـشقي بها إلا الذي ظلموا

لـلمتقين مـن الـدنيا عـواقبها

وإن تـعجل فـيها الـظالم الإثـم

لا يـطغين بـني الـعباس ملكهم

بـنو عـلي مواليهم، وإن رغموا

أتـفخرون عـليهم لا أبـا لـكم

حـتى كـأن رسـول الله جـدكم

ومـا تـوازن يـوماً بينكم شرف

ولا تـساوت لـكم في موطن قدم

ولا لـكم مـثلهم في المجد متصل

ولا لـجـدكم مـسـعاة جـدهـم

ولا لـعرقكم مـن عـرقهم شـبه

ولا نـثـيلتكم مـن أمـهم أمـم

قـال الـنبي بها (يوم الغدير) لهم

والله يـشهد، والأمـلاك، والأمـم

حتى إذا أصبحت في غير صاحبها

بـاتت تـنازعها الذؤبان والرخم

وصـيروا أمـرهم شورى كأنهم

لا يـعـلمون ولاة الـحق أيـهم

تالله مـا جـهل الأقـوام موضعها

لـكنهم سـتروا وجه الذي علموا

ثـم ادعـاها بـنو العباس ملكهم

ومـا لـهم قـدم فـيها، ولا قـدم

لا يـذكرون إذا مـا معشر ذكروا

ولا يـحكم فـي أمـر لـهم حكم

ولا رآهـم أبـو بـكر وصاحبه

أهـلاً لـما طلبوا منها وما زعموا

فـهل هـم يـدعوها غير واجبة

أم هـل أئـمتهم في أخذها ظلموا

٣٩٧

أمــا عـلي فـقد أدنـى قـرابتكم

عـند الـولاية إن لـم تـكفر النعم

أيـنـكر الـحبر عـبد الله نـعمته

أبـوكـم، أم عـبـيد الله، أم قـثم

بـئس الجزاء جزيتم في بني حسن

أبـاهـم الـعـلم الـهادي، وأمـهم

لا بـيـعة ردعـتكم عـن دمـائهم

ولا يـمـين، ولا قـربى ولا ذمـم

هـلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب

لـلصافحين بـبدر عـن أسـيركم

هـلا كـففتم عـن الديباج سوطكم

وعـن بـنات رسـول الله شـتمكم

مـا نـزهت لـرسول الله مـهجته

عـن الـسياط فـهلا نـزه الـحرم

مـا نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تـلـك الـجـرائر إلا دون نـيلكم

كـم غـدرة لـكم في الدين واضحة

وكــم دم لـرسـول الله عـندكم

أأنـتـم آلـه ـرون وفـي

أظـفاركم مـن بـنيه الطاهرين دم

هـيهات لا قـربت قربى ولا رحم

يـوماً إذا أقـصت الأخلاق والشيم

كـانت مـودة سـلمان لـهم رحماً

ولـم تـكن بـين نـوح وابنه رحم

يـا جـاهداً فـي مـساويهم يكتمها

غـدر الـرشيد بـيحيى كيف ينكتم

ذاق الزبيري عبء الحنث وانكشفت

عـن ابـن فـاطمة الأقوال والتهم

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا

مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم(١)

بـاؤا بـقتل الـرضا من بعد بيعته

وأبـصروا بعض يوم رشدهم وعموا

يـا عصبة شقيت من بعد ما سعدت

ومـعشر هـلكوا مـن بعد ما سلموا

لـبئسما لـقيت مـنهم وإن بـليت

بـجانب الـطف تلك الأعظم الرمم

____________

(١) كان هذا البيت مقدما على الذي قبله في بعض مصادر هذه القصيدة. لكن الصواب تأخيره، ليتحد السياق، وينسجم المعنى..

٣٩٨

لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا

ولا الـهبيري نجى الحلف والقسم

ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا

فـيه الـوفاء، ولا عن غيهم حلموا

أبـلغ لـديك بـني الـعباس مألكة

لا تـدعوا مـلكها مـلاكها العجم

أي الـمفاخر أمـست في منابركم

وغـيركم آمـر فـيها، ومـحتكم

أنـى يـفيدكم فـي مـفخر عـلم

وفـي الـخلاف عليكم يخفق العلم

يـا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم

لـمعشر بـيعهم يـوم الـهياج دم

خـلوا الـفخار لعلامين إن سئلوا

يـوم الـسؤال، وعمالين إن علموا

لا يـغضبون لغير الله إن غصبوا

ولا يـضيعون حكم الله إن حكموا

تـنشى الـتلاوة في أبياتهم سحراً

وفـي بـيوتكم الأوتـار والـنغم

إذا تـلـوا آيــة غـني إمـامكم

قـف بـالديار الـتي لم يعفها قدم

مـنكم عُـلّية أم مـنهم، وكان لكم

شـيخ الـمغنين إبـراهيم، أم لهم

مـا فـي بـيوتهم للخمر معتصر

ولا بـيـوتهم لـلـشر مـعتصم

ولا تـبيت لـهم خـنثى تـنادمهم

ولا يـرى لـهم قـرد لـه حـشم

الـركن والـبيت والأستار منزلهم

وزمـزم والـصفا والحجر والحرم

ولـيس مـن  ي الذكر نعرفه

إلا وهـم دون شـك ذلـك الـقسم

وبذلك ينتهي هذا الكتاب، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

٣٩٩

الفهرست

الإهداء ٢

مقدمة الطبعة الثانية: ٣

الجديد في الكتاب: ٤

تقديم: ٥

تمهيد. ٦

صلة الماضي بالحاضر والمستقبل: ٦

لماذا كان تدوين التاريخ: ٧

ونحن. هل نملك تاريخاً!! ٧

تقسيم الكتاب.. باختصار.. ١٠

القسم الأول. ١٠

ممهدات.. ١٠

قيام الدولة العباسية ١١

العلويون في الماضي البعيد.. ١١

العرش الأموي في مهب الريح. ١١

دولة بني العباس في صحيفة ابن الحنفية: ١٧

مدى سرية الدعوة: ٢١

لا بد من ربط الثورة بأهل البيت.. ٢٣

المراحل التي مرت بها عملية الربط: ٢٤

مصدر الخطر على العباسيين. ٥٠

العلويون هم مصدر الخطر: ٥٠

عقدة الحقارة لدى العباسيين: ٥٨

سياسة العباسيين ضد العلويين. ٥٩

مما سبق: ٥٩

تطوير نظرية الإرث: ٦٠

تشجيع الخلفاء لهذا الاتجاه: ٦٤

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409