القرآن في الاسلام

القرآن في الاسلام25%

القرآن في الاسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 228

القرآن في الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74030 / تحميل: 6144
الحجم الحجم الحجم
القرآن في الاسلام

القرآن في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( مسعود بن عمر ) : الأزدي الفهمي سيد الأزد وبسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد ، وهو الذي منع من قتل عبيد الله بن زياد يومئذ ، ويكنّى بأبي قيس ، وله شرف ، وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفق. ويمضى في كتب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي ، وهذا تميمي يكنّى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس ، ولعله مكتوب إليه أيضا. والذي يستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسينعليه‌السلام أنّ الذي جمع الناس هذا ، لا مسعود. ولكن الطبري وغيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

( قيس بن الهيثم ) : بفتح هاء هيثم وسكون الياء المثنّاة تحت وبالثاء المثلّثة ، بن أسماء بن الصلت السلمي ، سيّد أهل العالية ، وله شرف وذكر في حرب البصرة.

( عبد الله بن عبيد الله ) : بن معمر بوزن مقعد التيمي تيم قريش ، وهذا كان في البصرة وله شرف.

( شريك بن الأعور ) : بفتح شين شريك بن الحرث الهمداني ، من المعروفين بالتشيع ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام والمقاتلين بين يديه في حروبه ، ولي الأعمال بعده لآل أميّة ، فأمّا أبوه الحرث الأعور فمن خوّاص أمير المؤمنينعليه‌السلام كما هو معلوم.

( مسلم بن عمرو ) : الباهلي ، هذا أبو قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وفارس الحرون الذي جل خيل العرب من نسله إلى مدّة مائتي سنة ، وكان مسلم رسول يزيد لعبيد الله في ولاية المصرين وعزل النعمان فاستصحبه ، ويمضى في بعض الكتب أنّه مسلم بن عقبة ، وهو غلط فإنّ ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد ، وإنّما تولّى حرب المدينة المعروف بحرب الحرّة ليزيد.

حصين ـ بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء آخر الحروف والنون ـ بن تميم ابن أسامة بن زهير بن دريد التميمي صاحب شرطة عبيد الله. ويمضى في الكتب

٤١

حصين بن نمير السكوني وهو غلط فاحش فإنّ ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة ومكّة ، وله في محاربة عين الوردة رئاسة في أهل الشام وسمعة.

( ضفّة الطف ) : بفتح الضاد وتشديد الفاء جانبه ، والطف شاطي النهر ، ويطلق على جانب نهر الفرات الجنوبي من البصرة إلى هيت(1) ، ويخص بالموضع الذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

( القادسية ) : موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة بينه وبينها خمسة عشر فرسخا.

( مخط القلادة ) : يعني موضع خط القلادة وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم ، هذا إذا قلنا إنّ مخطّ اسم مكان ، وإن قلنا إنّه اسم مصدر بمعنى خطّ ، فيعني به إنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما إنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.

( وما أولهني ) : يعني ما أشدّ شوقي ، والوله شدّة الشوق.

( وخير لي ) : يعني خار الله لي مصرعا أي اختار ، ويمضي على بعض الألسنة ، وفي بعض الكتب خير بالتشديد وهو غلط فاحش.

( عسلان الفلوات ) : بضم العين وسكون السين جمع عاسل وهو المهتز والمضطرب ، يقال للرمح وللذئب وأمثالهما ، والمراد هنا المعنى الثاني.

( النواويس ) : جمع ناوس في الأصل ، وهو القبر للنصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.

( جوفا ) : بضم الجيم وسكون الواو جمع جوفاء وهي الواسعة ويجري على بعض

__________________

(1) قال الحموي : هي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار. راجع معجم البلدان : 5 / 421.

٤٢

الألسن تحريك الواو أو تشديدها وهو غلط.

( أجربة سغبا ) : أجربة جمع جراب كأغلمة وغلام ، والمراد به البطن مجازا ، وسغبا بضمّتين جمع سغبى من السغب وهو الجوع.

( ورأيت ) : في نسخة ( أحوية ) : فكأنّه جمع لحوية البطن وهي أمعاؤها ، والمعروف حوايا فإن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيرا من أجربة.

لا يقال : إنّ العسلان لا تتسلّط على أوصال صفوة الله لطفا من الله وإيثارا له ، لأنّا نقول : إنّ الكلام جرى على القواعد العربيّة والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم : عندي جفنة يقعد فيها الخمسة يعني لو كانت ممّا يفعل به ذلك لقعد فيها خمسة رجال ، فيكون معنى الكلام لو جاز ذلك على أوصالي لفعل بها ، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.

( لن تشذ ) : لن تنفرد وتتفرّق. ( لحمته ) : بضم اللام وهي القرابة.

( حظيرة القدس ) : اسم الجنّة أو اسم موضع شريف منها.

( التنعيم ) : موضع على أربعة فراسخ من مكّة في الحل.

( وادي العقيق ) : موضع عند المدينة وفيه أرض لابن الزبير ولغيره.

( مغذا ) : مسرعا من أغذ بالسير إذا أسرع.

( ذات عرق ) : بكسر العين موضع يتصل بعرق ، وهو جبل حاجز بين تهامة ونجد.

( الحاجر من بطن الرمة ) : الحاجر بالحاء المهملة والجيم والراء المهملة : موضع ، وأصله ما أمسك شفة الوادي.

( والرمّة ) : بضم الراء المهملة والتشديد ، وقد يخفّف : واد متسع في طريق مكّة تنزل بطنه بنو كلاب فبنو عبس فبنو أسد.

( الثعلبيّة ) : بالثاء المثلثة والعين المهملة والباء المفردة والياء المثنّاة تحت موضع في طريق مكّة ، يقال : هو ثلثا الطريق من الكوفة.

٤٣

( زرود ) : موضع عند الثعلبيّة بينها وبين الخزيميّة.

( زبالة ) : بضم الزاء المعجمة موضع عند الثعلبيّة أيضا بينها وبين الشقوق.

( العقبة ) : بالحركات موضع عند واقصة.

( شراف ) : بفتح الشين المعجمة موضع عند واقصة أيضا بينها وبين الفرعاء.

( ذو حسم ) : بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة والميم بعد : جبل هنالك كان النعمان يصطاد فيه ، وفيه يقول الشاعر : أليلتنا بذي حسم أنيري. ويمضى في الكتب حسب وخشت وجشم وكلّ غلط من النسّاخ.

( استمرت حذاء ) : استمرت دامت ، و ( حذاء ) : بالحاء المهملة والذال المشدّدة المعجمة الناقة الماضية بسرعة ونشاط ، والناقة المقطوعة الذنب والرحم التي لم يعلق بها أحد وينقطع عنها كل أحد ، وفسّرت الفقرة في التاج(1) بالمعاني الثلاثة ، فعلى الأوّل يكون المعنى أنّ الدنيا أدبر معروفها واستمرت على ذلك ومضت بسرعة ، وعلى الثاني استمرت على ذلك ولم يبق لها شيء يمسكه اللاحق ولا ذنب لها فيقبض ، وعلى الثالث استمرّت على ذلك لم يصلها واصل.

( عمر بن سعد ) : ابن أبي وقّاص وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ، يكنّى بأبي حفص. وأمّه أمة ، وأمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن أميّة بن عبد شمس ، وهو ابن عم هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص صاحب عليعليه‌السلام .

( عمرو بن الحجاج ) : بن سلمة الزبيدي سيد زبيد ، وله شرف فيهم وذكر في المغازي.

( شمر بن ذي الجوشن ) : بفتح الشين وكسر الميم ويجري على الألسن ويمضى في الشعر الحديث كسر الشين وسكون الميم وهو خلاف المضبوط ، وذو الجوشن

__________________

(1) راجع تاج العروس : 10 / 85.

٤٤

أبوه ، واسمه شراحيل بن الأعور قرط بن عمرو بن معاوية بن كلاب الكلابي الضبابي ، وهو قاتل الحسينعليه‌السلام وكان أبرص خارجيّا.

( أنت أخو أخيك ) : يعني أنّ محمّد بن الأشعث الذي غدر بمسلم بن عقيل في الأمان ، أخوك فأنت مثله في الغدر.

( أفر فرار العبيد ) : أي لا أتاكم ذليلا معطيا باليد ولا أهرب عنكم هرب العبد ، بل أنازلكم حتّى يقضي الله ما هو قاض ، ويجري في بعض الألسن أقرّ إقرار العبيد وهو خطأ.

( أصرخناكم موجفين ) : أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير ، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة ، والاسم منه الوجيف.

( حششتم ) : أي أوقدتم وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

( إلبا ) : بكسرة الهمزة وفتحها : الاجتماع على الظلم والعدوان ، يقال : هم إلب واحد أي مجتمعون على الظلم والعدوان.

( مشيم ) : بفتح الميم أي مغمد من شام السيف بمعنى أغمده. ( الجأش ) : القلب والفكر.

( يستحصف ) : أي يستحكم ، يقال : رأي حصيف أي محكم. ( الدبا ) : بفتح الدال وتخفيف الباء المفردة الجراد.

( الفراش ) : بفتح الفاء الذي يتساقط على الضوء ليلا.

( عبيد الأمة ) : بتخفيف الميم بمعنى الجارية كناية عن الذل مأخوذة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذلّ قوم تملكهم أمة » ، ويجري على الألسن التشديد وهو وإن كان له ضرب من التأويل لم يتعلق ببلاغة.

( شذاذ ) : بضم الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة أيضا جمع شاذّ ، وهم المتفرقون من الجمع ويعبّر عنهم بالفارطة والغوغاء.

٤٥

( شجا للناظر ) : الشجا الحزن ، والشجى ما يعترض بالحق(1) من عظم وغيره للإنسان وغيره.

قال الشاعر :

ربّ من انضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

ويراني كالشجى في حلقه

عسرا مخرجه ما ينتزع

وكلّ بالقصر ، والمعنى يحتمل كلا.

( وما إن طبنا إلخ ) : الطب بكسر الطاء : العلّة والسبب. والجبن بضم الجيم وسكون الباء : ضدّ الشجاعة بفتح الشين ، والدولة بفتح الدال : الغلبة في الحرب ، وبضمّها التداول في المملكة ، قال الله تعالى( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) (2) ، والمراد به المعنى الثاني على الظاهر. والأبيات لفروة بن مسيك ، بفتح فاء فروة وضم ميم مسيك المرادي. ومعنى البيت إن قتلنا لم يكن عارا علينا لأنّ سببه لم يكن عن جبن وعدم إقدام على المكافح ، ولكن سببه منايانا ودولة آخرين ، ومثل هذا لم يكن عارا. وقال آخر يعتذر لعدوّه في ذلك :

فلم يك طبهم جبنا ولكن

رميناهم بثالثة الأثافي

أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر والشعراء.

( مصبّرة ) : أي ممزوجة بالصبر.

( السبج ) : بفتح السين المهملة وفتح الباء المفردة حجارة سوداء يعمل منها الخرز.

( قد نصل ) : يقال نصل الخضاب من اللحية إذا بانت أصولها بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيّام فهي سوداء ، وأصل الشعر أبيض ، ويزعم بعض الناس أنّها اتصل بها

__________________

(1) كذا في الأصل ، والصحيح : بالحلق.

(2) سورة الحشر : الآية 7.

٤٦

الخضاب ، وذلك وهم لعدم فهمه المعنى وتصحيف.

( بتبان ) : بثوب قصير يلبسه الفعلة وأمثالهم.

( يلمع فيه البصر ) : أي لا يثبت فيه البصر لشدّة بياضه.

( بواني صدره ) : البواني الأضلاع المقدمة في الصدر.

( مالك بن النسر ) : بالنون والسين ، ويمضى في بعض الكتب النسير بالتصغير الكندي البدي وهم من كندة.

( سنان ) : بكسر السين بن أنس بن عمرو النخعي كان من أشراف النخع ومن الخوارج.

( خولي بن يزيد الأصبحي ) : خولي بفتح الخاء المعجمة وتسكين الواو واللام قبل ياء في صورة المنسوب ، ويجري على بعض الألسن خولي بكسر الخاء وفتح الواو واللام قبل ألف مقصورة وهو خطأ. والأصبحي نسبة إلى ذي أصبح أحد ملوك حمير الذي تنسب إليه السياط الأصبحيّة.

قد تم ضبط ما يهم من ألفاظ فاتحة الكتاب فلنبدأ بالمقاصد.

٤٧
٤٨

المقصد الأوّل

في آل أبي طالب بن عبد المطلّب ومواليهم

من أنصار الحسينعليه‌السلام

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جدّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما حقّقه ابن إدريسقدس‌سره في السرائر ، ونقله عن علماء التاريخ والنسب(1) . أو بعد جدهعليه‌السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد(2) . وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وأمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أميّة. وأمّها بنت أبي العاص بن أميّة. وكان يشبّه بجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنطق والخلق والخلق.

وروى أبو الفرج أن معاوية قال : من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا : أنت ، قال : لا ، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن عليعليه‌السلام ، جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أميّة ، وزهو ثقيف.

__________________

(1) السرائر : 1 / 655 ، وفيه : « في أمارة عثمان ».

(2) الإرشاد : 2 / 137.

٤٩

وفي عليعليه‌السلام يقول الشاعر :

لم تر عين نظرت مثله

من محتف يمشي ومن ناعل

يغلي نهيئ اللحم حتّى إذا

أنضج لم يغل على الآكل

كان إذا شبّت له ناره

يوقدها بالشرف القائل

كيما يراها بائس مرمل

أو فرد حيّ ليس بالآهل

لا يؤثر الدنيا على دينه

ولا يبيع الحقّ بالباطل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى

أعني ابن بنت الحسب الفاضل(1)

ويكنّى أبا الحسن ، ويلقّب بالأكبر لأنّه الأكبر على أصحّ الروايات ، أو لأنّ للحسينعليه‌السلام أولادا ستّة ثلاثة أسماؤهم علي ، وثلاثة أسماؤهم عبد الله وجعفر ومحمّد ، كما ذكره أهل النسب فهو أكبر من علي الثالث على رواية.

وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين عند قصر بني مقاتل ، أمرنا الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا عن قصر بني مقاتل ، خفق برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين » ، ثمّ كرّرها مرّتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام ـ وكان على فرس له ـ فقال : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، يا أبت جعلت فداك ، ممّ استرجعت وحمدت الله »؟ فقال الحسينعليه‌السلام : « يا بنيّ إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا » ، فقال له : « يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق »؟ قال : « بلى ، والذي إليه مرجع العباد »

__________________

(1) راجع مقاتل الطالبيين : 86.

٥٠

قال : « يا أبت ، إذن لا نبالي نموت محقّين » فقال له : « جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده »(1) .

قال أبو الفرج(2) وغيره : وكان أوّل من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسينعليه‌السلام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فإنّه لمّا نظر إلى وحدة أبيه تقدّم إليه وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ، فاستأذنه للبراز ـ وكان من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ـ فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ثمّ قال : « اللهمّ اشهد أنّه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه ، ثمّ صاح : « يا ابن سعد ، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فلمّا فهم علي الإذن من أبيه شدّ على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالا شديدا ، ثمّ عاد إلى أبيه وهو يقول : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : « وا غوثاه أنّى لي الماء ، قاتل يا بنيّ قليلا واصبر ، فما أسرع الملتقى بجدّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ». فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجدّه. فرماه مرّة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه(3) .

وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفا وبجنبي مرّة بن منقذ ، وعلي بن الحسين يشدّ على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرّة عليّ آثام العرب

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 309 ، بتفاوت في بعض العبارات.

(2) مقاتل الطالبيين : 115.

(3) راجع اللهوف : 166.

٥١

إن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل ، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه. فقال : لأفعلنّ ، ومرّ بنا عليّ وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتووه بسيوفهم فقطّعوه(1) . فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبتي ، هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشدّ الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه وهو مقطّع فقال : « قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول » ، ثمّ استهلت عيناه بالدموع ، وقال : « على الدنيا بعدك العفا »(2) .

وروى أبو مخنف ، وأبو الفرج عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن أخيّاه ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فجاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ، ورجع فقال لفتيانه : « احملوا أخاكم » فحملوه من مصرعه ، ثمّ جاءوا به فوضعه بين يدي فسطاطه(3) . وقتل ولا عقب له.

وفيه أقول :

بأبي أشبه الورى برسول

الله نطقا وخلقة وخليقه

قطعته أعداؤه بسيوف

هي أولى بهم وفيهم خليقه

ليت شعري ما يحمل الرهط منه

جسدا أم عظام خير الخليقة

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 115.

(2) راجع مقاتل الطالبيين : 115 ، واللهوف : 167.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 331 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٢

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الخلق ) : بضم الخاء الطبع وبفتحها التصوير. ( يغلي ) : أي يفير.

( النهيء ) : كأمير اللحم النيء. ( يغلي ) : الثاني ضدير خص.

( الشرف ) : الموضع العالي وهو على زنة جبل.

وقال الشاعر :

آتي النديّ فلا يقرّب مجلسي

وأقود للشرف الرفيع حماري

( القابل ) : المقبل عليك ومنه عام قابل.

( السدى ) : ندى أول الليل والندى ندى آخر الليل ويكنّى بكلّ منها وبهما عن الكرم.

( قطع الله رحمك ) : يعني قطع نسلك من ولدك كما قطعت نسلي من ولدي فإنّه لا عقب له.

( الأوفى ) : وصف الكأس وهي مؤنثة بالأوفى ، وهو مذكر غير صحيح على القواعد العربيّة ، فإن صحّت روايته فمحمول على أنّ المراد بالكأس الإناء والظرف وأمثالهما.

( احتووه ) : أي حازوه إليهم واشتملوا عليه ، يقال : احتويت على الصيد إذا حزته إليك واشتملت عليه.

( قربوس ) : السرج بفتح القاف والراء ولا تسكن الراء إلاّ في الضرورة بمعنى حنوه.

( الخليقة ) : الأولى بمعنى الطبيعة ، والثانية بمعنى الجديرة ، والثالثة بمعنى المخلوقات.

٥٣

عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في المدينة ، وقيل في الطف ، ولم يصح. وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب. وأمّها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب المذكور ، وأمّها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم. وأمّها الرباب بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي ، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لعمرك إنني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وكان امرؤ القيس زوّج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقصّته مشهورة ، فكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

قال المسعودي والأصبهاني والطبري وغيرهم : إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودّعه ، فجاءته به أخته زينب ، فتناوله من يدها ووضعه في حجره ، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه(1) .

قالوا : فأخذ دمه الحسينعليه‌السلام بكفّه ورمى به إلى السماء وقال : « اللهمّ لا يكن أهون عليك من دم فصيل ، اللهمّ إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا ؛ وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين ، فلقد هوّن ما بي أنّه بعينك يا أرحم الراحمين »(2) .

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 332 ، مقاتل الطالبيين : 94. ولم أعثر عليه في مروج الذهب ولا في إثبات الوصيّة.

(2) راجع الكامل : 4 / 75.

٥٤

قالوا : فروي عن الباقرعليه‌السلام « أنّه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض »(1) . ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه ورجع إلى موقفه(2) .

وروى السيّد الطاوسي أنّه أخذ الطفل من يدي أخته زينب فأومى إليه ليقبله ، فأتته نشابة فذبحته فأعطاه إلى أخته وقال : خذيه إليك ، ثمّ فعل ما فعل بدمائه ، وقال ما قال بدعائه(3) .

وروى أبو مخنف أنّ الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن الأسدي(4) . وروى غيره إنّ الذي رماه عقبة بن بشر الغنوي(5) . والأول هو المروي عن أبي جعفر محمّد الباقرعليهما‌السلام .

يا لرضيع أتاه سهم ردى

حيث أبوه كالقوس من شفقه

قد خضبت جسمه الدماء فقل

بدر سماء قد اكتسى شفقه

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الحجر ) : هو بتثليث الحاء المهملة وبعدها الجيم الساكنة حضن الإنسان.

( الكاهن ) : بالنون ، ويجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب باللام ، والمضبوط خلافه.

__________________

(1) اللهوف : 169 ، مثير الأحزان : 70 ، وعنه البحار : 45 / 46.

(2) الاحتجاج : 2 / 101 ، وليس فيه : ورجع إلى موقفه.

(3) اللهوف : 169.

(4) تاريخ الطبري : 3 / 343.

(5) راجع مقاتل الطالبيين : 95. وليس فيه : الغنوي.

٥٥

( الشفقة ) : الأولى الحذر من جهة المحبّة ، والثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر ، والشفق هو : الحمرة الشديدة عند أوّل الليل بين المغرب والعشاء.

العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد سنة ست وعشرين من الهجرة. وأمّه أمّ البنين ، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر المعروف بالوحيد بن كلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأمّها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل ، ابن مالك الأخزم رئيس هوازن ، بن جعفر بن كلاب. وأمّها كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمّها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس هوازن ، ابن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأمّها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف. وأمّها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة. وأمّها بنت حجدر بن ضبيعة الأغرّ بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار. وأمّها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة. وأمّها بنت ذي الرأسين خشين ابن أبي عاصم بن سمح بن فزارة. وأمّها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان.

قال السيد الداودي في العمدة : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عالما بأخبار العرب وأنسابهم ـ : ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا ، فقال له : أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس(1) .

__________________

(1) عمدة الطالب : 324 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٦

وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :

نحن بنو أم البنين الأربعه

ونحن خير عامر بن صعصعة

الضاربون الهام وسط المجمعة

فلا ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الأسنّة أبو براء الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة ، والطفيل فارس قرزل ، وابنه عامر فارس المزنوق ، فتزوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام فولدت له وأنجبت. وأوّل ما ولدت له العبّاسعليه‌السلام يلقّب في زمنه قمر بني هاشم ، ويكنّى أبا الفضل. وبعده عبد الله ، وبعده جعفرا ، وبعده عثمان. وعاش العبّاس مع أبيه أربع عشرة سنة ، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال ، ومع أخيه الحسن أربعا وعشرين سنة ، ومع أخيه الحسينعليه‌السلام أربعا وثلاثين سنة ، وذلك مدّة عمره ، وكانعليه‌السلام أيدا شجاعا فارسا وسيما جسيما يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان في الأرض.

وروي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأبلى بلاء حسنا ، ومضى شهيدا(1) .

وروي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه نظر يوما إلى عبيد الله بن العبّاس بن عليعليه‌السلام فاستعبر ثمّ قال : « ما من يوم أشدّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يوم أحد ، قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر ابن أبي طالب ، ولا يوم كيوم الحسين ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنّهم من هذه الأمّة ، كلّ يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بدمه ، وهو يذكّرهم بالله فلا يتّعظون ، حتّى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا ، ثمّ قال : « رحم الله العبّاس فلقد آثر وأبلى ، وفدى

__________________

(1) الخصال : 86 ، باب الاثنين ، عمدة الطالب : 323.

٥٧

أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه ، فأبدله الله عزّ وجلّ منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب.

وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة »(1) .

وروى أبو مخنف أنّه لما منع الحسينعليه‌السلام وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش ، فدعا أخاه العبّاس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليلا ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتّى خلصوا بالقرب إلى الحسين(2) . فسمّي السقّاء وأبا قربة.

وروى أبو مخنف أنّه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسينعليه‌السلام وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ، أو بعزله وتولية شمر العمل ، قام عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد ـ وكانت عمّته أمّ البنين ـ فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العبّاس وإخوته ، وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ، فأتى به إليهم فلمّا قرءوه قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ، أمان الله خير من أمان ابن سميّة. فرجع ، قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية فنادى : أين بنو أختنا ، أين العبّاس وإخوته ، فلم يجبه أحد ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فقام إليه العبّاس فقال له : ما تريد؟ قال : أنتم

__________________

(1) الخصال : 68 ، باب الاثنين ، ح 101.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 312 ، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

٥٨

آمنون يا بني أختنا. فقال له العبّاس : لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنّا وابن رسول الله لا أمان له؟ وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا(1) .

وروى أبو مخنف أيضا وغيره أنّ عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة. فركب الناس وزحفوا ، وذلك بعد صلاة العصر ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه وقد خفق على ركبتيه ، فسمعت زينب الصيحة فدنت منه وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت! فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه وأخبرها برؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت : يا ويلتاه ، فقال لها : ليس الويل لك يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن. ثمّ قال العبّاس له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ، ثمّ قال : « يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم » ، فأتاهم العبّاس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب فقال لهم : ما لكم وما بدا لكم وما تريدون؟ فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ثمّ قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثمّ أعلمنا بما يقول. فانصرف العبّاس يركض فرسه إلى الحسينعليه‌السلام يخبره ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم حتّى أقبل العبّاس يركض فرسه فانتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء : إنّ أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه. قال : وإنّما أراد بذلك أن يردّهم عن الحسين تلك العشيّة حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ، وقد كان الحسينعليه‌السلام قال له : « يا أخي ان استطعت أن تؤخّرهم هذه العشيّة إلى غدوة ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313.

٥٩

وتدفعهم عنّا لعلّنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار » ، فقال لهم العبّاس ما قال ، فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ، فقال : قد أردت أن لا أكون ذا رأي. ثمّ أقبل على الناس فقال : ما ذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج : سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها. وقال قيس بن الأشعث : لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنّك بالقتال غدوة. فقال : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخّرتهم العشيّة ، ثمّ أمر رجلا أن يدنو من الحسينعليه‌السلام بحيث يسمع الصوت فينادي : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم(1) .

وروى أهل السير عن الضحّاك بن قيس المشرقي ، قال : إنّ الحسينعليه‌السلام جمع تلك الليلة أهل بيته وأصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها : « أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أهل بيت إلخ ». فقام العبّاس فقال : لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا(2) . ثمّ تكلّم أهل بيته وأصحابه بما يشبه هذا الكلام ، وسيذكر بعد.

قالوا : ولمّا أصبح ابن سعد جعل على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، وجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج الزبيدي ، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، والخيل لعزرة بن قيس الأحمسي ، والرجال لشبث بن ربعي ، وأعطى الراية لدريد

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313 ، وأورده الشيخ المفيد في الإرشاد 2 / 90.

(2) راجع الإرشاد : 2 / 91.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٢٩ ـ ثم القارعة

٣٠ ـ ثم لا اقسم بيوم القيامة

٣١ ـ ثم ويل لكل همزة لمزة

٣٢ ـ ثم والمرسلات

٣٣ ـ ثم « ق »

٣٤ ـ ثم لا اقسم بهذا البلد

٣٥ ـ ثم والسماء والطارق

٣٦ ـ ثم اقتربت الساعة

٣٧ ـ ثم ( ص )

٣٨ ـ ثم الاعراف

٣٩ ـ ثم قل اوحى

٤٠ ـ ثم يس

٤١ ـ ثم الفرقان

٤٢ ـ ثم الملائكة

٤٣ ـ ثم كهيعص

٤٤ ـ ثم طه

٤٥ ـ ثم الواقعة

٤٦ ـ ثم طسم الشعراء

٤٧ ـ ثم طس

٤٨ ـ ثم القصص

٤٩ ـ ثم بني اسرائيل

٥٠ ـ ثم يونس

١٦١

٥١ ـ ثم هود

٥٢ ـ ثم يوسف

٥٣ ـ ثم الحجر

٥٤ ـ ثم الانعام

٥٥ ـ ثم الصافات

٥٦ ـ ثم لقمان

٥٧ ـ ثم سبأ

٥٨ ـ ثم الزمر

٥٩ ـ ثم حم المؤمن

٦٠ ـ ثم حم السجدة

٦١ ـ ثم حمعسق

٦٢ ـ ثم حم الزخرف

٦٣ ـ ثم الدخان

٦٤ ـ ثم الجاثية

٦٥ ـ ثم الاحقاف

٦٦ ـ ثم الذاريات

٦٧ ـ ثم الغاشية

٦٨ ـ ثم الكهف

٦٩ ـ ثم النحل

٧٠ ـ ثم انا ارسلنا نوحاً

٧١ ـ ثم ابراهيم

٧٢ ـ ثم الانبياء

١٦٢

٧٣ ـ ثم المؤمنين

٧٤ ـ ثم تنزيل السجدة

٧٥ ـ ثم الطور

٧٦ ـ ثم تبارك ـ الملك

٧٧ ـ ثم الحاقة

٧٨ ـ ثم سأل

٧٩ ـ ثم عم يتساءلون

٨٠ ـ ثم النازعات

٨١ ـ ثم اذا السماء انفطرت

٨٢ ـ ثم اذا السماء انشقت

٨٣ ـ ثم الروم

٨٤ ـ ثم العنكبوت

٨٥ ـ ثم ويل للمطففين

قال ابن عباس : فهذا ما انزل الله بمكة ، ثم انزل بالمدينة :

٨٦ ـ سورة البقرة

٨٧ ـ ثم الانفال

٨٨ ـ ثم آل عمران

٨٩ ـ ثم الاحزاب

٩٠ ـ ثم الممتحنة

٩١ ـ ثم النساء

١٦٣

٩٢ ـ ثم اذا زلزلت

٩٣ ـ ثم الحديد

٩٤ ـ ثم القتال

٩٥ ـ ثم الرعد

٩٦ ـ ثم الرحمن

٩٧ ـ ثم الإنسان

٩٨ ـ ثم الطلاق

٩٩ ـ ثم لم يكن

١٠٠ ـ ثم الحشر

١٠١ ـ ثم اذا جاء نصر الله

١٠٢ ـ ثم النور

١٠٣ ـ ثم الحج

١٠٤ ـ ثم المنافقون

١٠٥ ـ ثم المجادلة

١٠٦ ـ ثم الحجرات

١٠٧ ـ ثم التحريم

١٠٨ ـ ثم الجمعة

١٠٩ ـ ثم التغابن

١١٠ ـ ثم الصف

١١١ ـ ثم الفتح

١١٢ ـ ثم المائدة

١١٣ ـ ثم البراءة

١٦٤

نظرة في الحديث والاحاديث الاخرى :

يحدد الحديث المنقول عن ابن عباس عدد السور القرآنية في (١١٣) سورة كما رأيت ، ولم يذكر سورة الفاتحة من ضمنها.

وفي حديث رواه البيهقي(١) عن عكرمة يحدد عدد السور في (١١١) سورة ولم يذكر فيه سورة الفاتحة والاعراف والشورى ، كما انه روى حديثا اخر عن ابن عباس ذكر فيه (١١٤) سورة ، الا ان الروايتين : اعتبرتا اولا سورة المطففين من السور المدنية بخلاف الحديث السابق الذي ذكر سورة المطففين انها مكية ، اختلف ثانيا ترتيب السور فيها مع ما ذكرناه سابقا.

وروي حديث اخر عن علي بن ابي طلحة(٢) يقول فيه : نزلت بالمدينة سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والانفال والتوبة والحج والنور والاحزاب والذين كفروا والفتح والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والحوريين يريد الصف والتغابن ويا ايها النبي اذا طلقتم النساء ويا ايها النبي لم تحرم والفجر

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ١٠.

(٢) المصدر السابق.

١٦٥

والليل وانا انزلناه في ليلة القدر ولم يكن واذا زلزلت واذا جاء نصر الله ، وسائر ذلك بمكة.

الظاهر ان هذا الحديث يريد التفرقة والتمييز بين السور المكية والمدنية من دون النظر الى ترتيب النزول ، لان سورتي المائدة والتوبة بلا شك تقعان في الترتيب بعد ما هو مذكور بكثير ، وقد عدد سورة الفجر والليل والقدر من السور المدنية بينما الاحاديث السابقة عدتها من السور المكية ، كما انه جعل سورة الرعد والرحمن والإنسان والجمعة والحجرات مكية وهي مدنية في الاحاديث السابقة.

وفي حديث عن قتادة(١) انه قال : نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والاحزاب ومحمد والفتح والحجرات والحديد والرحمن والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق ويا ايها النبي لم تحرم الى رأس العشر. واذا زلزلت واذا جاء نصر الله ، وسائر القرآن نزل بمكة.

هذا الحديث يخالف الاحاديث السابقة وخاصة ـ حديث اخر مروي عن قتادة نفسه ـ في سورة المطففين والإنسان ولم يكن.

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ١١.

١٦٦

والذي يمكن ان يقال في هذه الاحاديث : انه لا يمكن الاعتماد عليها بوجه من الوجوه ، لانه ليس لها قيمة الاحاديث الدينية ولا قيمة النقول التاريخية. اما انها ليس لها قيمة الاحاديث الدينية فلأنها لم يتصل سندها بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يعلم ان ابن عباس مثلا تعلم الترتيب من النبي او من انسان اخر او هو اجتهادي نظري. واما من الوجهة التاريخية فلأن ابن عباس مثلا ادرك مدة قصيرة من حياة الرسول لو لم يكن معه دائما حتى يشاهد كيفية نزول كل السور والآيات ، فلو لم يكن اجتهد في هذا الترتيب فلا بد انه نقله من انسان اخر لم نعلم شخصه ، فهذا نقل تاريخي لم يذكر فيه المصدر فليس له قيمة في سوق التحقيق.

وعلى فرض صحة هذه الاحاديث واستقامتها فهي من قبيل الخبر الواحد ، وقد ثبت في اصول الفقه ان الخبر الواحد غير حجة في ما عدا الفقه.

فاذاً الطريقة الوحيدة لمعرفة المكي والمدني ، هو التدبر في الآيات والنظر في مدى موافقتها لما جرى قبل الهجرة او بعدها هذه الطريقة مفيدة الى حد ما للتمييز بين المكي والمدني فان مضامين سورة الإنسان والعاديات والمطففين تشهد بأنها مدنية بالرغم من انها ذكرت في بعض الاحاديث على انها مكية.

١٦٧

جمع القرآن في مصحف :

الحديث حول جمع القرآن الكريم لا بد ان يكون في مرحلتين هما :

( أ ) القرآن قبل الرحلة :

كان القرآن ينزل آية آية وسورة سورة ، ولما كان يتمتع بالفصاحة الخارقة والبلاغة الفائقة كان ينتشر بسرعة مذهلة ، وكان العرب عشاق الفصاحة والبلاغة ينجذبون اليه فيأتون من بلاد بعيدة لاستماع بعض آياته من شفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعظماء مكة واهل النفوذ من قريش كانوا عباد الاوثان وألدْ الاعداء الدعوة الإسلامية ، وكانت محاولاتهم شديدة في ابعاد الناس عن النبي وعدم اعطاء الفرصة لاستماع القرآن بحجة انه سحر يلقى عليهم.

ومع هذا كله كانوا يأتون خفية في الليالي المظلمة الى قرب بيت النبي ويستمعون الى الآيات التي كان يقرأهاصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وجدّ المسلمون ايضا في حفظ القرآن وضبطه ، لان النبي

١٦٨

امر بتعليم القرآن اياهم(١) ، ولانهم كانوا يعتقدون انه كلام الله تعالى ، وهو السند الاول لعقائدهم الدينية ، ويفرض عليهم في الصلاة قراءة سورة الفاتحة ومقدار اخر من القرآن.

ولما هاجر النبي الى المدينة وانتظمت امور المسلمين امر الرسول جماعة من اصحابه بالاهتمام في شأن القرآن وتعليمه وتعلمه ونشر الاحكام الدينية وما ينزل عليه من الوحي، فكانت تسجل هذه يوما فيوما حتى لا تضيع، واعفي هؤلاء عن الحضور في جبهات الجهاد كما هو صريح القرآن الكريم(٢) .

ونظراً الى ان الصحابة المهاجرين من مكة الى المدينة كان اكثرهم اميين لا يعرفون القراءة والكتابة ، استفاد الرسول من الاسراء اليهود ، فأمر كل واحد من الاسراء ان يعلم عددا من اصحابه ، وبهذه الطريقة وجد في الصحابة جماعة متعلمون يعرفون الكتابة والقراءة.

ومن هؤلاء الجماعة اناس اشتغلوا بقراءة القرآن وحفظه وضبط سوره واياته ، وهم الذين عرفوا فيما بعد بـ « القراء » ومنهم استشهد في واقعة بئر معونة اربعون او سبعون شخصا(٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ٤٤ ، وايات كثيرة اخرى.

(٢) سورة التوبة : ١٢٢.

(٣) الاتقان ١ / ٧٢.

١٦٩

وكان كل ما نزل من القرآن او ينزل تدريجا ، يكتب في الالواح او اكتاف الشاة او جريد النخل ويحفظ.

والذي لا يقبل الشك ولا يمكن انكاره هو ان اكثر السور القرآنية كانت منتشرة دائرة على ألسنة الصحابة قبل رحلة الرسول ، وقد وردت اسماء كثير من السور في احاديث جمة منقولة من طرق الشيعة والسنة تصف كيفية تبليغ النبي الدعوة الإسلامية والصلوات التي كان يصليها وسيرته في قراءة القرآن.

وهكذا نجد في الاحاديث اسماء خاصة قبل رحلة الرسول لطائفة من السور كالطوال والمئين والمثاني والمفصلات.

( ب ) بعد رحلة الرسول :

بعدما ارتحل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الرفيق الاعلى ، جلس عليعليه‌السلام ـ الذي كان بنص من النبي اعلم الناس بالقرآن ـ في بيته(١) حتى جمع القرآن في مصحف على ترتيب النزول ، ولم يمض ستة اشهر من وفاة الرسول الا كان علي قد فرغ من عمل الجمع وحمله للناس على بعير(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ٥٩.

(٢) المصاحف للسجستاني.

١٧٠

وبعد رحلة الرسول الاعظم ( ص ) بسنة واحدة(١) حدثت حرب اليمامة التي قتل فيها سبعون من القراء ، ففكرت الخلافة حينذاك في جمع السور والآيات في مصحف واحد ، خوفا من حدوث حرب اخرى وفناء القراء وذهاب القرآن على اثر موتهم.

امرت الخلافة جماعة من قراء الصحابة تحت قيادة زيد بن ثابت الصحابي بالجمع ، فجمعوا القرآن من الالواح وجريد النخل والاكتاف التي كانت في بيت النبي بخطوط كتاب الوحي والتي كانت عند بقية الصحابة. وعندما كملت عملية الجمع استنسخوا عدة من النسخ ووزعت في الاقطار الإسلامية.

وبعد مدة علم الخليفة الثالث(٢) ان القرآن مهدد بالتحريف والتبديل على اثر المساهلة في امر الاستنساخ والضبط ، فأمر بأخذ مصحف حفصة ـ وهي اول نسخة من نسخ الخليفة الاول ـ وامر خمسة من الصحابة منهم زيد بن ثابت ان يستنسخوا من ذلك المصحف ، كما امر ان تجمع كل النسخ الموجودة في الامصار وترسل الى المدينة ، فكانت تحرق عندما تصل نسخة من تلك النسخ.

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) المصدر السابق ١ / ٦١.

١٧١

كتبوا خمس نسخ من القرآن ، فجعلوا نسخة منها في المدينة وارسلوا نسخة الى مكة ونسخة الى الشام ونسخة الى الكوفة ونسخة الى البصرة. ويقال ان غير هذه النسخ الخمس ارسلت نسخة ايضا الى اليمن ونسخة الى البحرين. وهذه النسخة هي التي تعرف بـ « مصحف الامام » ، وجميع نسخ القرآن مكتوبة على احدى هذه النسخ.

وليس بين هذه النسخ والمصحف الذي كتب بأمر الخليفة الاول من الاختلاف الا في شيء واحد ، وهو ان سورة البراءة من مصحف الخليفة الاول كانت بين المئين وسورة الانفال كانت في المثاني ، وفي مصحف الامام وضعت سورة الانفال والبراءة في مكان واحد بين سورة الاعراف وسورة يونس.

اهتمام المسلمين بالقرآن :

لقد قلنا ان الآيات والسور كانت موزعة عند المسلمين قبل الجمع الاول والثاني ، وكانوا يهتمون بشأنها بالغ الاهتمام. وبالاضافة الى هذا كان جماعة من الصحابة والتابعين من القراء ، وجمع القرآن تم بحضور هؤلاء ، وهم

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ٦٢.

١٧٢

كلهم قد قبلوا المصحف الذي وضع تحت تصرفهم واستنسخوا بلا رد ولا ايراد.

وحتى في الجمع الثاني ( جمع عثمان ) ارادوا حذف الواو من آية( والذين يكنزون الذهب والفضة ) (١) فمنعوهم من هذا وهددهم اُبي بن كعب الصحابي باعمال السيف لو لم يثبتوا الواو فأثبتوها(٢) .

قرأ الخليفة الثاني(٣) في ايام خلافته جملة( والذين اتبعوهم باحسان ) من آية( والسابقون الاولون من الهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان ) (٤) بدون واو العطف فخاصموه حتى الزموه بقراءتها مع الواو.

والامام امير المؤمنينعليه‌السلام بالرغم من انه كان اول من جمع القرآن على ترتيب النزول وردوا جمعه ولم يشركوه في الجمع الاول والثاني ، مع هذا لم يبد اي مخالفة او معارضة ، وقبل المصحف ولم يقل شيئا عن هذا الموضوع حتى في ايام خلافته.

وهكذا ائمة اهل البيتعليهم‌السلام اولاد علي

ــــــــــــــــــ

(١) سورة التوبة : ٣٤.

(٢) الدر المنثور ٣ / ٢٣٢.

(٣) الدر المنثور ٣ / ٣٦٩.

(٤) سورة التوبة : ١٠٠.

١٧٣

وخلفاؤه لم يخالفوا في الموضوع ولم يقولوا شيئا حتى لأخص اصحابهم ، بل كانوا دائما يستشهدون بما في هذا المصحف ويأمرون الشيعة بالقراءة كما يقرأ الناس(١) .

ويمكننا القول بجرأة ان سكوت عليعليه‌السلام الذي كان مصحفه يخالف في الترتيب المصحف المنتشر ، كان لان ترتيب النزول لم يكن ذا اهمية في تفسير القرآن بالقرآن الذي يهتم به اهل البيتعليهم‌السلام ، بل المهم فيه هو ملاحظة مجموع الآيات ومقارنة بعضها ببعض ، لان القرآن الذي هو الكتاب الدائم لكل الازمان والعصور والاقوام والشعوب لا يمكن حصر مقاصده في خصوصية زمنية او مكانية او حوادث النزول واشباهها.

نعم ، بمعرفة هذه الخصوصيات يمكن استفادة بعض الفوائد ، كالعلم بتاريخ ظهور بعض المعارف والاحكام والقصص التي كانت مقارنة لنزول الآيات ، وهكذا معرفة كيفية تقدم الدعوة الإسلامية في ثلاث وعشرين سنة وامثالها ولكن المحافظة على الوحدة الإسلامية التي كانت الهدف الدائم لاهل البيت هي اهم من هذه الفوائد الجزئية.

ــــــــــــــــــ

(١) الوافي ٥ / ٢٧٣.

١٧٤

القرآن مصون من التحريف

تاريخ القرآن واضح بيّن من حين نزوله حتى هذا اليوم ، كانت الآيات والسور دائرة على ألسنة المسلمين يتداولونها بينهم. وكلنا نعلم ان هذا القرآن الذي بأيدينا اليوم هو القرآن الذي نزل تدريجا على الرسول قبل اربعة عشر قرنا.

فاذا لا يحتاج القرآن في ثبوته واعتباره الى التاريخ مع وضوح تاريخه ، لان الكتاب الذي يدعي انه كلام الله تعالى ويستدل على دعواه بآياته ويتحدى الجن والانس على ان يأتوا بمثله ، لا يمكن لاثباته ونفي التغيير والتحريف عنه التثبت بالادلة والشواهد او تأييد شخص او فئة لاثبات مدعاه.

نعم ، اوضح دليل على ان القرآن الذي هو بأيدينا اليوم هو القرآن الذي نزل على النبي الكريم ولم يطرأ عليه اي تحريف او تغيير ، ان الاوصاف التي ذكرها القرآن لنفسه موجودة في اليوم كما كان في السابق.

يقول القرآن : انني نور وهداية وارشد الناس الى الحق والحقيقة.

ويقول : انني ابين ما يحتاج اليه الإنسان ويتفق مع فطرته السليمة.

١٧٥

ويقول : انني كلام الله تعالى ، ولو لم تصدقوا فليجتمع الانس والجن للاتيان بمثله ، او ليأتوا بمثل ما اتى به محمد الامي الذي لم يدرس طيلة حياته ولم يقل لهم مثل ما نطق به محمد ، او انظروا في هل تجدون اختلافا في اسلوبي او معارفي او احكامي.

ان هذه الاوصاف والمميزات باقية في القرآن الكريم.

اما الارشاد الى الحق والحقيقة ، ففي القرآن الذي بأيدينا بيان تام للاسرار الكونية بأدق البراهين العقلية ، وهو الملجأ الوحيد لدستور الحياة السعيدة الهانئة ، ويدعو الإنسان بمنتهى الدقة الى الايمان طالبا خيره وحسن مآله.

واما بيان ما يحتاج اليه الإنسان في حياته ، فان القرآن بنظراته الصائبة جعل التوحيد الاساس الاصلي له ، واستنتج بقية المعارف الاعتقادية منه ولم يغفل في هذا عن اصغر نكتة ، ثم استنتج منه الاخلاق الفاضلة وبينها بطرق واضحة جلية ، ثم بين اعمال الإنسان وافعاله الفردية والاجتماعية وذكر وظائفه حسب ما تدل عليه الفطرة الإنسانية ، محيلا التفاصيل الى السنة النبوية.

ومن مجموع الكتاب والسنة نستحصل على الدين الإسلامي بأبعاده البعيدة ، الدين الذي حسب لكل الجهات الفردية والاجتماعية في كل الازمان والعصور حسابها الدقيق

١٧٦

المتقن واعطى حكمها خاليا عن التضاد والتدافع في اجزائه ومواده.

الإسلام الدين الذي يعجز عن تصور فهرس مسائله اكبر حقوقي في العالم طيلة حياته.

واما اعجاز القرآن في اسلوبه البياني ، فان اسلوب القرآن البياني كان من سنخ اللغة العربية في عصرها الذهبي الذي كانت الامة العربية تتمتع فيه بالفصاحة والبلاغة ، واسلوب القرآن كان شعلة وهاجة تسطع في ذلك العصر. والعرب فقدت الفصاحة والبلاغة في القرن الاول الهجري على اثر الفتوحات الإسلامية وخلط العرب بغيرهم من الاعاجم والبعيدين عن اللغة ، واصبحت لغة التخاطب العربية كبقية اللغات فاقدة ذلك الاشراق البلاغي وتلك اللمعة المضيئة. ولكن اعجاز القرآن ليس في اسلوبه الخطابي اللفظي فقط ، فانه يتحدى الناس في اسلوبه اللفظي والمعنوي.

ومع ذلك فان الذين لهم المام باللغة العربية شعرها ونثرها لا يمكنهم الشك في ان لغة القرآن لغة في منتهى العذوبة والفصاحة ، تتحير فيها الافهام ولا يمكن وصفها بالالسن. ليس القرآن بشعر ولا نثر ، بل اسلوب خاص يجذب جذب الشعر الرفيع وهو سلس سلاسة النثر العالي ، لو وضعت آية من آياته او جملة من جمله في خطبة من خطب البلغاء او

١٧٧

صفحة من كتابة الفصحاء لاشرق كاشراق المصباح في الارض المظلمة.

ومن الجهات المعنوية غير اللفظية احتفظ القرآن على اعجازه ، فان البرامج الإسلامية الواسعة الشاملة للمعارف الاعتقادية والاخلاقية والقوانين العملية الفردية والاجتماعية ، والتي نجد اسسها واصولها في القرآن الكريم خارجة عن نطاق قدرة الإنسان ، وخاصة في انسان عاش كحياة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيئته وامته.

محال نزول كتاب كالقرآن على وتيرة واحدة ومتشابهة الاجزاء في مدة ثلاث وعشرين سنة في ظروف مختلفة واحوال متفاوتة ، في الخوف والاضطراب والامن والسلامة ، في الحرب والسلم ، في الخلوة والوحدة والازدحام والاجتماع ، في السفر والحضر تنزل سورة سورة وآية آية ولا يوجد بينها اختلاف وتناقض وتهافت.

والخلاصة ان الاوصاف التي كانت متوفرة في قرآن محمد كلها موجودة في هذا القرآن بلا تغيير ولا تحريف ولا تبديل ، بالاضافة الى ان الله تعالى اخبر ان القرآن مصون عن كل تغيير فقال :( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) (١) .

ــــــــــــــــــ

(١) سور الحجر : ٩.

١٧٨

وقال :( وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (١) .

بمقتضى هذه الآيات ، فان القرآن مصون عن كل ما يخدش بكرامته والله تعالى هو الحافظ له ، وخاصة انه الهادي الى المعارف الحقة فيجب ان يكون مصونا كذلك ولان الله تعالى وعد بحفظه نجده محفوظا عن كل عيب ونقص بالرغم من مرور اربعة عشر قرنا من نزوله وترصد ملايين الاعداء الالداء للحط من كرامته ، وهو الكتاب السماوي الوحيد الذي دام هذا الزمن الطويل ولم يطرأ عليه التغيير والتبديل.

قراءة القرآن وحفظه وروايته :

سبق القول منا مكررا ان جماعة خاصة في حياة الرسول اشتغلوا بقراءة القرآن وتعليمه وتعلمه ، كانوا يستمعون الى الآيات التي تنزل على النبي تدريجا فيحفظونها ، وفي بعض الاحيان كانوا يقرأونها عنده ليستمع اليهم.

كان بعضهم مصدرا للتعلم ، وكان الذين يأخذون منهم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة السجدة : ٤١ ـ ٤٢.

١٧٩

القراءة يروونها عنهم بصورة مسندة ، وكثيرا ما كانوا يحفظون القراءة المروية عن الاستاذ.

كان مثل هذا الحفظ والرواية هو مقتضى طبع العصر ، لان الخط المعمول في ذلك الزمن هو الخط الكوفي الذي كانت الكلمة تقرأ فيه بعدة وجوه ، فكان لا بد من التلقي من الاستاذ والحفظ والرواية عنه.

ومنه جهة اخرى كانت العامة تعيش في امية لا تقرأ ولا تكتب ، وليس لهم طريق للضبط الا الحفظ والرواية ، وبقيت هذه السنة متبعة في العصور التالية ايضا.

طبقات القراء :

الطبقة الاولى من القراء هم قراء الصحابة الذين اشغلوا بالتعليم والتعلم في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان جماعة منهم قد جمع القرآن كله ، ومنهم امرأة تسمى بأم ورقة بنت عبد الله بن حارث(١) .

( يراد بالجمع المنسوب في الاحاديث الى اربعة من الانصار او خمسة او ستة او اكثر انهم تعلموا وحفظوا القرآن

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ١ / ٧٤.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228