القرآن في الاسلام

القرآن في الاسلام16%

القرآن في الاسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 228

القرآن في الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 228 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74028 / تحميل: 6143
الحجم الحجم الحجم
القرآن في الاسلام

القرآن في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مثل بقية ما في الكون ، له هدف خاص يضمن سعادته وقد توفرت فيه الوسائل للوصول اليه.

وعليه فخلقة الإنسان ـ بل خلقة الكون الذي ليس الإنسان الا جزءاً منه ـ تسوقه الى السعادة الحقيقية ، وهي توحي اليه اهم واحسن واثبت القوانين التي تضمن سعادته.

يقول الله تعالى :( ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) (١) .

ويقول :( الذي خلق فسوى *والذي قدر فهدى ) (٢) .

ويقول :( ونفس وما سواها *فألهمها فجورها وتقواها *قد افلح من زكاها *وقد خاب من دساها ) (٣) .

ويقول :( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) (٤) .

ويقول :( ان الدين عند الله الإسلام ) (٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة طه : ٥٠.

(٢) سورة الاعلى : ٢ ـ ٣.

(٣) سورة الشمس : ٧ ـ ١٠.

(٤) سورة الروم : ٣٠.

(٥) سورة آل عمران : ١٩.

٢١

ويقول :( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) (١) .

ومحصل هذه الآيات وآيات اخرى بهذا المضمون لم نذكرها ـ اختصاراً ـ ان الله تعالى يسوق كل واحد من مخلوقاته ـ بما فيهم الإنسان ـ الى الهدف والسعادة الاسمى التي خلقهم لاجلها ، والطريقة الصحيحة للانسان هي التي تدعوه اليه خلقته الخاصة. فيجب ان يتقيد في اعماله بقوانين فردية واجتماعية نابعة من فطرته السليمة ، ولا يتبع مكتوف اليد هواه وعواطفه وما تمليه عليه ميوله وشهواته. ومقتضى الدين الفطري ( الطبيعي ) ان لا يهمل الإنسان الاجهزة المودعة في وجوده ، بل يستعمل كل واحد منها في حدوده وفيما وضع له لتتعادل القوى الكامنة في ذاته ولا تغلب قوة على قوة.

وبالتالي يجب ان يحكم على الإنسان العقل السليم البعيد عن الشوائب ، لا مطاليب النفس النابعة من العواطف المخالفة للعقل ، كما يجب ان يكون الحاكم على المجتمع هو الحق وما هو الصالح له حقيقة ، لا انسان قوي مستبد يتبع هواه وشهواته ، ولا الاكثرية التي تخالف الحق والمصالح العامة.

ونستخلص من البحث الذي مضى نتيجة اخرى ،

ــــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : ٨٥.

٢٢

هي : ان تشريع الاحكام ووضع القوانين راجع الى الله تعالى وحده ، وليس يحق لاحد ان يشرع القوانين ويضع المقررات ويتحكم في الشؤون ، لاننا عرفنا من البحث السابق ان الآداب والقوانين التي تفيد الإنسان في حياته العملية هي المستوحاة من خلقته الطبيعية ، ونعني بها القوانين والآداب التي تدعو اليها العلل والعوامل الداخلية والخارجية الكامنة في خلقته. وهذا يعني ان الله تعالى يريدها ، ومعنى « يريدها » انه عز شأنه اودع في الإنسان العلل والعوامل التي تقتضي تلك القوانين والآداب.

نعم ، الارادة تنقسم الى قسمين : منها ما يجبر على ايجاد الشيء كالحوادث الطبيعية التي تقع كل يوم ، وهي المسماة بـ « الارادة التكوينية » ، ومنها ما يقتضي ايجاد الشيء من طريق الاختيار لا الجبر كالاكل والشرب وامثالهما ، وهي التي تعارفوا على تسميتها بـ « الارادة التشريعية ».

يقول تعالى :( ان الحكم الا لله ) (١) .

القرآن وضع مناهج الحياة للانسان

وبعد وضوح هذه المقدمات يجب ان يعلم : ان القرآن الكريم مع رعايته للمقدمات الثلاث المذكورة ـ وهي ان للانسان هدفاً يجب ان يصل اليه في مسيرة حياته بجهوده

ــــــــــــــــــ

(١) سورة يوسف : ٤٠ ، ٦٧.

٢٣

واعماله ، ولا يمكن الوصول الى هدفه المنشود الا باتباع قوانين وآداب خاصة ، ولا بد من تعلم تلك القوانين والآداب من كتاب الفطرة والخليقة الذي نعني به التعليم الالهي ـ مع رعاية القرآن الكريم هذه المقدمات الثلاث وضع مناهج الحياة للانسان كما يلي :

جعل اساس المنهج على معرفة الله تعالى ، كما جعل الاعتقاد بوحدانيته أول الأصول الدينية ومن طريق معرفة الله دله على الميعاد والاعتقاد بيوم القيامة ، اليوم الذي يجازي فيه المحسن باحسانه والمسيء باساءته ، وجعل المعاد اصلاً ثانياً ثم من طريق الاعتقاد بالمعاد دله على معرفة النبي ، لان الجزاء على الاعمال لا يمكن الا بعد معرفة الطاعة والمعصية وما هو حسن وما هو سيء ، ولا تتأتى هذه المعرفة الا من طريق الوحي والنبوة ـ كما سنفصله فيما بعد ـ وجعل هذا اصلا ثالثاً.

واعتبر القرآن الكريم هذه الاصول الثلاثة ـ الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والمعاد ـ اصول الدين الإسلامي.

وبعد هذا بين اصول الاخلاق المرضية والصفات الحسنة التي تناسب الاصول الثلاثة والتي لا بد ان يتحلى بها كل انسان مؤمن ، ثم شرع له القوانين العملية التي تضمن سعادته الحقيقية وتنمي فيه الاخلاق الفاضلة والعوامل التي توصله الى العقائد الحقة والاصول الاولية.

٢٤

وهذا لاننا لا يمكن ان نصدق ان انسانا يتصف بعفة النفس ثم ينهمك في المسائل الجنسية المحرمة ويسرق ويخون الامانة ويختلس في معاملاته ، كما اننا لا يمكن ان نعترف بسخاء شخص يفرط في حب المال وجمعه وادخاره ويمنع حقوق الاخرين او يبخسهم فيها ، وكذلك لا نعتبر رجلا مؤمناً بالله تعالى واليوم الاخر وهو لا يعبد الله ولا يذكره في ايامه ولياليه. فالاخلاق الفاضلة لا تبقى حية في الإنسان الا اذا قورنت بأعمال تناسبها.

ومثل هذه النسبة التي ذكرناها بين الاعمال والاخلاق توجد ايضا بين الاخلاق والعقائد ، فان اي انسان مغمور بالكبر والغرور وحب الذات لا يمكن ان يعتقد بالله تعالى ويخضع لعظمته ، ومن لم يعلم طول حياته معنى الانصاف والمروءة والعطف على الضعفاء لا يدخل في قلبه الايمان بيوم القيامة والحساب والجزاء.

يقول تعالى بصدد ربط العقائد الحقة بالاخلاق المرضية :( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) (١) .

ويقول تعالى في ربط الاعتقاد بالعمل :( ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوأى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ) (٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة فاطر : ١٠.

(٢) سورة الروم : ١٠.

٢٥

ونتيجة القول : ان القرآن الكريم يحتوي على منابع اصول الإسلام الثلاثة التي هي :

١ ـ اصول العقائد. وهي تنقسم الى اصول الدين الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد ، وعقائد متفرعة عنها كاللوح والقلم والقضاء والقدر والملائكة والعرض والكرسي وخلق السماوات والارضين واشباهها.

٢ ـ الاخلاق المرضية.

٣ ـ الاحكام الشرعية والقوانين العملية التي بين القرآن اسسها واوكل بيان تفاصيلها الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل النبي بيان اهل بيتهعليهم‌السلام بمنزلة بيانه ، كما يعرف ذلك من حديث الثقلين المتواتر نقله عن السنة والشيعة(١) .

القرآن سند النبوة :

يصرح القرآن الكريم في عدة مواضع انه كلام الله المجيد ، اي انه موحى من الله تعالى بعين هذه الالفاظ التي نقرأها ، وقد تلقاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه

ــــــــــــــــــ

(١) راجع كتاب « عبقات الانوار » مجلد حديث الثقلين ، فقد ذكر فيه مئات اسانيد وطرق للعامة والخاصة الى الحديث المذكور.

٢٦

الالفاظ بواسطة الوحي الذي كان يتلقاه من الله عز شأنه.

ولا ثبات انه كلام الله تعالى وليس من صنع الإنسان تحدى القرآن في آيات منه كافة الناس في ان يأتوا ولو بآية من مثله ، وهذا يدل على انه معجز لا يمكن ان يأتي بمثله اي واحد من الناس.

قال تعالى :( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون *فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ) (١) .

وقال :( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (٢) .

وقال :( ام يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) (٣) .

وقال :( ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ) (٤) .

وقال :( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) (٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الطور : ٣٣ ، ٣٤.

(٢) سورة الاسراء : ٨٨.

(٣) سورة هود : ١٣.

(٤) سورة يونس : ٣٨.

(٥) سورة البقرة : ٢٣.

٢٧

وتحدياً لهم بخلو القرآن من الاختلاف قال :( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) (١) .

القرآن الكريم الذي يثبت بهذه التحديات انه كلام الله تعالى ، يصرح في كثير من آياته بأن محمداً رسول مرسل ونبي من الله ، بهذا يكون القرآن سنداً للنبوة يدعمها في دعواها.

ومن هنا امر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عض الآيات بأن يستند لاثبات نبوته بشهادة الله عز شأنه له بذلك ، ويعني بها تصريح القرآن بنبوته ، فيقول :( قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ) (٢) .

وفي موضع آخر يزيد على شهادة الله شهادة الملائكة له بذلك ، فيقول :( لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٨٢.

(٢) سورة الرعد : ٤٣.

(٣) سورة النساء : ١٦٦.

٢٨

الفصل الثاني

كيف يُعلّم القرآن الكريم

* القرآن كتاب عالمي دائم

* القرآن مستقل في دلالته

* ظاهر القرآن وباطنه

* محكم القرآن ومتشابهه

* التأويل والتنزيل في القرآن

* القرآن والناسخ والمنسوخ

* الجري والانطباق في القرآن

* التفسير وظهوره وتطوره

* نموذج من التفسير بالقرآن

٢٩
٣٠

القرآن كتاب عالمي :

لا يختص القرآن الكريم في موضوعاته بأمة من الامم كالامة العربية مثلاً ، كما لا يختص بطائفة من الطوائف كالمسلمين ، بل يوجه خطابه الى غير المسلمين كما يتكلم مع المسلمين. ودليلنا على هذا ، الخطابات(١) الكثيرة الموجهة في القرآن الى الكفار والمشركين واهل الكتاب واليهود وبني اسرائيل والنصارى احتج مع كل طائفة من هذه الطوائف ودعاهم الى معارفه الحقة والتدبر في آياته الكريمة.

القرآن احتج مع كل هذه الطوائف ودعاهم الى الدين من دون ان يخصص الخطاب بالعرب وحدهم ، فقال لعباد الاصنام :( فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين ) (٢) .

وقال لاهل الكتاب :( قل يا أهل الكتاب تعالوا الى

ــــــــــــــــــ

(١) وردت هذه الخطابات والاحتجاجات في آيات كثيرة جداً لا نرانا بحاجة الى سردها هنا.

(٢) سورة التوبة : ١١.

٣١

كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله ) (١) .

فاننا نرى ان الله تعالى لم يوجه الخطاب في هذه الآيات الكريمة وما اشبهها بقوله « فان تاب مشركو العرب » او « يا اهل الكتاب من العرب » وامثال ذلك مما يختص بفئة معينة.

نعم في بدء الإسلام ـ حيث لم تنتشر بعد الدعوة الإسلامية ولم تخرج من اطار الجزيرة العربية ـ كانت الخطابات موجهة الى العرب ، اما من السنة السادسة للهجرة حيث انتشرت الدعوة وتجاوزت الجزيرة العربية فلم يبق مجال لتوجيه الخطاب الى أمة خاصة.

بالاضافة الى الآيات السابقة ، فهناك آيات اخرى تدل على عموم الدعوة ، كقوله تعالى :( واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ) (٢) .

وقوله :( وما هو الا ذكر للعالمين ) (٣) .

وقوله :( ان هو الا ذكر للعالمين ) (٤) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : ٦٤.

(٢) سورة الانعام : ١٩.

(٣) سورة القلم : ٥٢.

(٤) سورة ص : ٨٧.

٣٢

وقوله :( انها لاحدى الكبر *نذيراً للبشر ) (١) .

ومن الوجهة التاريخية نرى ان كثيراً من عبدة الاصنام واليهود والنصارى لبى دعوة الإسلام كما اسلم ايضا جماعة من قوميات غير عربية كسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي واضرابهم.

القرآن كتاب كامل :

القرآن الكريم يحتوي على الغاية الاسمى التي تهدفها الإنسانية ، وهو يدل على تلك الغاية بأتم الدلائل واحسن الشواهد ، وذلك لان الوصول اليها لا يمكن الا بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالاصول الاخلاقية والقوانين العملية ، وهذا ما يتولى شرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول :( يهدي الى الحق والى طريق مستقيم ) (٢) .

ويقول في موضع اخر بعد ذكر التوراة والانجيل :( وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة المدثر : ٣٥ ، ٣٦.

(٢) سورة الاحقاف : ٣٠.

(٣) سورة المائدة : ٤٨.

٣٣

وبياناً لاشتماله على حقيقة شرائع الانبياء يقول :( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ) (١) .

وفي احتوائه على سائر الاشياء يقول :( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ) (٢) .

ومختصر ما في الآيات السابقة : ان القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة ، وفيه كل ما يحتاج اليه الناس في سيرهم التكاملي نحو السعادة المطلوبة ، كانت من الاسس العقائدية او الاصول العملية.

القرآن كتاب دائم :

الفصل السابق يثبت ان القرآن الكريم كتاب دائم ابدي مع مر العصور والازمان ، وذلك لان اي كلام لو كان صحيحا تاماً بصورة مطلقة لا يمكن تحديده بوقت من الاوقات او زمان من الازمنة. والقرآن ينص على تمامية كلامه وكماله ، فيقول :( انه لقول فصل وما هو بالهزل ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الشورى : ١٣.

(٢) سورة النحل : ٨٩.

(٣) سورة الطارق : ١٣ ـ ١٤.

٣٤

وهكذا تكون المعارف الحقة ، حقيقة خالصة وواقع محض ، والاصول الاخلاقية والقوانين العملية التي بينها القرآن العظيم هي نتيجة تلك الحقائق الثابتة ، ولا يتطرق اليها البطلان ولا تزول بمضي الاعوام والقرون ، يقول تعالى :( وبالحق انزلناه وبالحق نزل ) (١) .

ويقول :( فماذا بعدَ الحقّ إلا الضّلال ) (٢) .

ويقول :( وانه لكتاب عزيز ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (٣) .

ولا يخفى ان ابحاثا كثيرة كتبت حول احكام القرآن وانها ثابتة دائمة لا تختص بوقت من الاوقات ، الا انها خارجة عن موضوع بحثنا الذي نحاول فيه معرفة مكانة القرآن عند المسلمين كما يدل عليها القرآن نفسه.

القرآن مستقل في دلالته :

القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلم به الناس ، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وما يرومه من بيان المفاهيم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاسراء : ١٠٥.

(٢) سورة يونس : ٣٢.

(٣) سورة فصلت : ٤١ ـ ٤٢.

٣٥

والمعطيات ، وليس فيه خفاء على المستمعين لآياته.

ولم نجد دليلاً على انه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من الفاظه وجملة.

اما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن اي انسان عارف باللغة العربية بامكانه ان يدرك معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي.

وبالاضافة الى هذا نجد في كثير من الآيات خطابات الى طوائف خاصة كبني اسرائيل او المؤمنين او الكفار ، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس(١) ويحاجهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو كانوا في شك انه من عند الله تعالى. وبديهي انه لا يصح التكلم مع الناس بما لا مفهوم واضح عندهم ، كما لا يصح التحدي بما لا يفهم معناه.

وزيادة على هذا يقول تعالى :( افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) (٢) .

ويقول :( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) أمثال « يا ايها الذين كفروا » و « يا اهل الكتاب » و « يا بني اسرائيل » و « يا ايها الناس ».

(٢) سورة محمد : ٢٤.

(٣) سورة النساء : ٨٢.

٣٦

تدل الآيتان على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم ، والتدبر فيه يرفع ما يترائى بالنظرة الاولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح ان الآيات لو لم تكن لها دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للأمر بالتدبير والتأمل فيها ، كما لم يبق مجال لحل الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل.

* * *

واما ما ذكرنا من انه لا دليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن ، فلأننا لم نجد هكذا دليل لذلك الا ما ادعاه بعض من اننا ـ في فهم مرادات القرآن ـ يجب ان نرجع الى ما اثر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله او ما روي عن اهل بيته المعصومينعليهم‌السلام .

ولكن هذا ادعاء فارغ لايمكن قبوله لان حجية قول الرسول والائمةعليهم‌السلام يجب ان تفهم من القرآن الكريم ، فكيف يتصور توقف حجية ظواهره على اقوالهمعليهم‌السلام . بل نزيد على هذا ونقول : ان اثبات اصل النبوة يجب ان نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقا.

وهذا الذي ذكرناه لا ينافي كون واجب الرسول والائمةعليهم‌السلام بيان جزيئات القوانين وتفاصيل احكام الشريعة

٣٧

التي لم نجدها في ظواهر القرآن ، وان يكونوا مرشدين الى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية :

( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) (١) .

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (٢) .

( وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ) (٣) .

( هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (٤) .

ان الذي يفهم من هذه الآيات هو ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الالهي للقرآن المجيد. ويفهم ايضا مما جاء في حديث الثقلين ان الائمةعليهم‌السلام هم خلفاء الرسول في ذلك.

وهذا لا ينافي ان يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق سليم في فهمه.

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ٤٤.

(٢) سورة الحشر : ٧.

(٣) سورة النساء : ٦٤.

(٤) سورة الجمعة : ٢.

٣٨

للقرآن ظاهر وباطن :

يقول الله تعالى في كلامه المجيد :( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) (١) .

ظاهر هذه الآية الكريمة يدل على انها تنهى عن عبادة الاصنام كما جاء في قوله تعالى( فاجتنبوا الرجس من الاوثان ) (٢) ، ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر ان العلة في المنع من عبادة الاصنام هي كونها خضوعا لغير الله تعالى. وهذا لا يختص بعبادة الاصنام ، بل عبر عز شأنه عن اطاعة الشيطان ايضا بالعبادة حيث قال :( الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان ) (٣) .

ومن جهة اخرى يتبين انه لا فرق في الطاعة الممقوتة بين ان تكون للغير او للانسان نفسه ، فان إطاعة شهوات النفس ايضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله :( أفرأيت من اتخذ الهه هواه ) (٤) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٣٦.

(٢) سورة الحج : ٣٠.

(٣) سورة يس : ٦٠.

(٤) سورة الجاثية : ٢٣.

٣٩

وبتحليل ادق نرى انه لا بد من عدم التوجه الى غير الله جل وعلا ، لان التوجه الى غيره معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له ، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها ، يقول تعالى :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والانس ) الى قوله( اولئك هم الغافلون ) (١) .

عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله( ولا تشركوا به شيئاً ) انه تعالى ينهي عن عبادة الاصنام ، وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة غير الله من دون اذنه ، ولو توسعنا اكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الإنسان نفسه باتباع شهواتها ، اما لو ذهبنا الى توسع اكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه الى غير اياً ما كان ذلك الغير.

ان هذا التدرج ـ ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى اوسع من الاول وهكذا ـ جار في جميع الآيات الكريمة بلا استثناء.

وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتب الحديث والتفسير من قوله : « ان للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً الى سبعة ابطن »(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاعراف : ١٧٩.

(٢) الصافي المقدمة الثامنة ، وسفينة البحار « بطن ».

٤٠

وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن او ظهر وبطن ، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة ، الا انهما واقعان في الطول لا في العرض ، فان ارادة الظاهر لا تنفي ارادة الباطن وارادة الباطن لا تزاحم ارادة الظاهر.

لماذا تكلم القرآن بأسلوب الظاهر ، والباطن :

١ ـ الإنسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحباب(١) الذي يعلو الماء ، اذ ركز اوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية ، وكل ما يقوم به من المساعي والجهود اعطيت ازمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.

اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة ، وافكاره انما تتبع معلوماته الحسية. فان الاكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والاياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الإنسان من الاعمال والافعال وضعت اسسها على المادة ولا يفكر الا فيها.

وما نرى منه في بعض الاحيان من الاثار المعنوية ـ كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وامثالها ـ انما يدركها بعض الافهام لانها تجسم مصاديق مادية ، فان الإنسان يقيس

ــــــــــــــــــ

(١) الحباب بفتح الحاء : الفقاقيع التي تعلو الماء.

٤١

حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما او علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما اشبه هذه الاشياء.

ومع هذا تختلف الافهام في ادراك المعنويات التي هي اوسع نطاقاً من الماديات ، فان بعض الافهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات ، وبعضها تدرك ادراكا قليلا ، وهكذا تتدرج الى ان تصل بعض الافهام بسهولة الى درك اوسع المعنويات غير المادية.

وعلى كل حال فكلما تتقدم الافهام نحو ادراك المعنويات تقل تعلقها بالمظاهر المادية المغرية ، وكلما قل تعلقها بالمادة زادت في ادراكها ، ومعنى هذا ان كل انسان بطبيعته الإنسانية فيه الاستعداد الذاتي لهذا الادراك ، ولو لم يشبه بالشوائب العرضية لامكن تربيته وتقدمه.

٢ ـ نستنتج مما سبق انه لا يمكن حمل ما يدركه الإنسان الذي هو في المرتبة العليا من الفهم والعقل على الذي هو في المرتبة السفلى ، ولو حاولنا هذا الحمل لكانت نتجيته عكسية ، وخاصة في المعنويات التي هي اهم من المحسوسات المادية ، فانها لو القيت كما هي على العامة لأعطت نتيجته تناقض النتيجة الصحيحة المتوخاة.

ولا بأس ان نمثل ها هنا بالمذهب الوثني. فلو تأمل

٤٢

الباحث في قسم « اوبانيشاد » من كتاب « ويدا » الكتاب البوذي المقدس ، لو تأمل الباحث فيه وقارن بين اقواله مقارنة صحيحة ليرى انه يهدف الى التوحيد الخالص. ولكنه مع الاسف يستعرض هدف بلا ستار وعلى مستوى افكار العامة ، فكانت النتيجة ان اتجه ضعفاء العقول من الهنود الى عبادة اوثان شتى.

اذن لا يمكن رفع الستار بصورة مكشوفة عن الاسرار الغيبية وما يتعلق بما وراء الطبيعة والمادة للماديين ومن لم يذعن بالحقائق.

٣ ـ بالرغم مما نجده في الاديان من حرمان العامة من كثير من المزايا الدينية ، كحرمان المرأة في البرهمية واليهودية والمسيحية وحرمان غير رجال الدين من ثقافة الكتاب المقدس في الوثنية والمسيحية بالرغم من كل ذلك فان ابواب الدين الإسلامي لم تغلق في وجه احد ، فان المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكاً لفئة خاصة ، فلا فرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والابيض والاسود ، كلهم مساوون في نظر الإسلام وليس لاحد ميزة على احد.

قال تعالى :( اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض ) (١) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : ١٩٥.

٤٣

وقال عز من قائل :( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) (١) .

* * *

بعد تقديم هذه المقدمات الثلاث نقول : ان القرآن الكريم ينظر في تعاليمه القيمة الى الإنسانية بما انها انسانية ، ونعني انه يوسع تعاليمه على الإنسان باعتباره قابلاً للتربية والسير في مدارج الكمال.

ونظراً الى ان الافهام والعقول تختلف في ادراك المعنويات ولا يؤمن الخطر عند القاء المعارف العالية كما اسلفنا يستعرض القرآن الكريم تعاليمه بأبسط المستويات التي تناسب العامة ويتكلم في حدود فهمهم ومداركهم الساذجة.

ان هذه الطريقة الحكيمة نتيجتها ان تبث المعارف العالية بلغة ساذجة يفهمها عامة الناس ، وتؤدي ظواهر الالفاظ في هذه الطريقة عملية الالقاء بشكل محسوس او ما يقرب منه وتبقى الحقائق المعنوية وراء ستار الظواهر فتتجلى حسب الافهام ويدرك منها كل شخص بقدر عقله ومداركه.

يقول تعالى :( انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون *

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الحجرات : ١٣.

٤٤

وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) (١) .

ويقول ممثلاً للحق والباطل ومقدار الافهام :( انزل من السماء ماءاً فسالت اودية بقدرها ) (٢) .

ويقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث مشهور : « انا معاشر الانبياء نكلم الناس على قدر عقولهم »(٣) .

ونتيجة اخرى لهذه الطريقة ان ظواهر الآيات تكون كأمثال بالنسبة الى البواطن ، يعني بالنسبة الى المعارف الالهية التي هي اعلى مستوى من افهام العامة ، فتكون تلك الظواهر كأمثال تقرب المعارف الممكورة الى الافهام ، يقول جل جلاله :( ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى اكثر الناس الا كفورا ) (٤) .

ويقول :( وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ) (٥) .

وفي القرآن الكريم كثير من الامثال ، الا ان الآيات المذكورة وما في معناها مطلقة لا تختص بأمثال قرآنية خاصة.

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الزخرف : ٣ / ٤.

(٢) سورة الرعد : ١٧.

(٣) بحار الانوار ١ / ٣٧.

(٤) سورة الاسراء : ٨٩.

(٥) سورة العنكبوت : ٤٣.

٤٥

فعليه لا بد من القول بأن الآيات كلها امثال بالنسبة الى المعارف العالية التي هي المقصد الاسمى للقرآن.

في القرآن المحكم والمتشابه :

يقول الله تعالى :( كتاب احكمت آياته ) (١) .

ويقول :( الله نزل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ) (٢) .

ويقول :( هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) (٣) .

نرى في الآية الاولى تنص على ان القرآن كله محكم ، وتريد انه ثابت لا يدخل عليه اي خلل او بطلان. والآية الثانية تنص على ان القرآن كله متشابه ، وتريد ان آياته على وتيرة واحدة في الجمال والاسلوب وحلاوة اللهجة والاعجاز.

ــــــــــــــــــ

(١) سورة هود : ١.

(٢) سورة الزمر : ٢٣.

(٣) سورة آل عمران : ٧.

٤٦

أما الآية الثالثة فتقسم القرآن الى قسمين محكم ومتشابه ، وملخص ما نفهم منها هو :

أولاً : المحكم ما كان ثابتاً في دلالته بحيث لا يشتبه مراده بمراده آخر ، والمتشابه ما كان غير ذلك.

وثانياً : على كل مؤمن راسخ الايمان ان يؤمن بالآيات المحكمة ويعمل بها ، وكذلك يؤمن بالآيات المتشابهة ولكن لا يعمل بها. والذين يتبعون الآيات المتشابهة ويعملون بما يوحيه عليهم التأويل فانهم منحرفون عن الحقائق ويبتغون الفتنة واغواء الناس.

معنى المحكم والمتشابه عند المفسرين والعلماء :

اختلف علماء الإسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة ربما تبلغ الاقوال في ذلك الى عشرين قولاً.

والذي جرى عليه علمهم من العصر الإسلامي الاول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد هو :

١ ـ المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.

٢ ـ المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها

٤٧

الحقيقي الذي يعبر عنه بـ ( التأويل ) لا يعلمه الا الله تعالى ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

هذا قول مشهور عند اخواننا علماء السنة وهو المشهور ايضاً عند الشيعة ، الا انهم يعتقدون بأن النبي والائمةعليهم‌السلام يعلمون تأويل الآيات المتشابهة ، وعامة المؤمنين حيث لا طريق لهم الى معرفة تأويلها فيرجعون علمها الى الله والرسول والائمة عليهم الصلاة والسلام.

وهذا القول بالرغم من ان عليه عمل اكثر المفسرين لا يوافق الآية الكريمة( هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) الخ ، كما انه لا يطابق ما تدل عليه سائر الآيات لانه :

أولاً : اننا لا نعرف في القرآن آيات لا نجد طريقاً الى معرفة مداليلها ومعانيها المقصودة. هذا بالاضافة الى ان القرآن وصف نفسه بأوصاف كالنور والهادي والبيان ، وهذه الاوصاف لا تتفق مع عدم معرفة المداليل والمعاني.

ومن جهة اخرى تقول الآية( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) (١) ، فكيف يصح ان يكون التدبر في القرآن رافعاً لكل اختلاف مع ان

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٨٢.

٤٨

فيه آيات متشابهة لا يمكن التوصل الى معرفة معناها كما عليه قول المشهور الذي نقلناه.

ويمكن ان يقال : ان المقصود من الآيات المتشابهة هي الحروف المقطعة التي في اوائل بعض السور كـ « الم ، الر ، حم » واشباهها ، حيث لا يمكن معرفة معانيها الحقيقية.

ولكن لا بد من الالتفات الى ان في الآية الكريمة وضعت الآيات المتشابهة مقابلا للايات المحكمة. ولازم هذه التسمية ان يكون المتشابه له مدلول من قبيل المدلول اللفظي الا ان هذا المدلول اللفظي الظاهر يشتبه بالمدلول الحقيقي ، والحروف المقطعة في اوائل السور ليس لها هكذا مدلول.

وبالاضافة الى هذا يدل ظاهر الآية على ان جماعة من اهل الزيغ ومبتغي الفتنة يسعون في الاضلال بواسطة الآيات المتشابهة ، ولم يسمع ان شخصا في المسلمين اضل الناس بالحروف المقطعة المذكورة ، بل الذين يضلون الناس انما يضلونهم بتأويل كلها لا بهذه الحروف خاصة.

وقال بعض : ان الآية تشير الى قصة ملخصها : ان اليهود حاولوا معرفة المدة التي يعيش فيها الإسلام بواسطة الحروف المقطعة في اوائل السور ، ولكن قرأ الرسول صلى الله

٤٩

عليه وآله وسلم الفواتح واحدة بعد واحدة وابطل بهذا ما زعموه(١) .

وهذا الكلام غير صحيح ايضا ، لان القصة لو صحت تدل على ان اليهود كان لهم محاولة اجابهم النبي عليها في نفس المجلس ، وهي ليست من الاهمية بحيث تستدعي ذكر الآية « المتشابه » والزجر عن اتباعه. هذا مع العلم ان قول اليهود لم يكن فيه فتنة ، لان الدين لو كان حقاً لا يضره تحديد الزمن ـ ونعني به قبوله للنسخ ـ كما نراه في الاديان الحقة التي كانت قبل الإسلام.

ثانياً : لازم هذا القول ان تكون كلمة « التأويل » في الآية بمعنى المدلول خلاف الظاهر ، ويختص هذا المعنى بالآية المتشابهة. وكلا الموضوعين ليسا بصحيح ، فاننا سنذكر في البحث الذي وضعناه لمعرفة التأويل والتنزيل بأن « التأويل » في عرف القرآن ليس من قبيل المعنى والمدلول اللغوي ، كما نذكر بأن جميع الآيات المحكمة والمتشابهة لها تأويل ولا يختص ذلك بالآيات المتشابهة.

ثالثاً : وصفت الآية الكريمة جملة « آيات محكمات » بـ « هن ام الكتاب » ، ومعنى هذا ان الآية المحكمة تشتمل

ــــــــــــــــــ

(١) انظر : تفسير العياشي ١ / ٢٦ ، تفسير القمي اول سورة البقرة ، نور الثقلين ١ / ٢٢.

٥٠

على امهات ما في الكتاب من الموضوعات وبقية الآيات متفرعة عنها. ولازم هذا ان الآيات المتشابهة ترجع الى الآيات المحكمة في مداليلها والمراد منها ، ونعني بذلك ارجاع المتشابهات الى المحكمات لمعرفة معناها الحقيقي.

وعليه ليس في القرآن آية لا نتمكن من معرفة معناها ، بل الآية اما محكمة بلا واسطة كالمحكمات نفسها ، او محكمة مع الواسطة كالمتشابهات. واما الحروف المقطعة في فواتح السور فليس لها مدلول لفظي لغوي ، فهي ليست من المحكم والمتشابه.

ويمكن معرفة ما قلناه من عموم قوله تعالى( افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها ) وقوله( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ).

أسلوب أئمة أهل البيت في المحكم والمتشابه :

ما نفهمه من ملخص ما أثر عن ائمة اهل البيتعليهم‌السلام هو نفي وجود آية متشابهة لا يمكن معرفة مدلولها الحقيقي ، بل الآيات التي لم تستقل في مداليلها الحقيقة يمكن معرفة تلك المداليل بواسطة ايات اخرى ، وهذا معنى ارجاع المتشابه الى المحكم. فان ظاهر قوله تعالى :( الرحمن على

٥١

العرش استوى ) (١) وقوله( وجاء ربك ) (٢) يدل على الجسمية وان الله تعالى مادة ، ولكن لو ارجعناهما الى قوله( ليس كمثله شيء ) (٣) علمنا ان الاستواء والمجيء ليس بمعنى الاستقرار في مكان او الانتقال من مكان الى مكان اخر.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصف القرآن الكريم : ( وان القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ، ولكن نزل يصدق بعضه بعضاً ، فما عرفتم فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به )(٤) .

وقال عليعليه‌السلام : « يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض »(٥) .

وقال الامام الصادقعليه‌السلام : « المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله »(٦) . ونقل عن الامام الرضاعليه‌السلام انه قال : « من رد متشابه القرآن الى محكمه

ــــــــــــــــــ

(١) سورة طه : ٥.

(٢) سورة الفجر : ٢٢.

(٣) سورة الشورى : ١١.

(٤) الدر المنثور ٢ / ٨.

(٥) نهج البلاغة ، الخطبة ١٣١.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٦٢.

٥٢

هدي الى صراط مستقيم » ثم قال : « ان في اخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها فتضلوا »(١) .

ان هذه الاحاديث وخاصة الاخير منها صريحة في ان الآيات المتشابهة هي الآيات التي لا تستقل في مدلولها بل لا بد من ردها الى الآيات المحكمة ، ومعنى هذا ـ كما اسلفنا ـ انه ليس في القرآن آية لا يمكن معرفة معناها بطريق من الطرق.

في القرآن التأويل والتزيل :

« تأويل القرآن » وردت في ثلاث آيات هي :

١ ـ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله ) (٢) .

٢ ـ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون *هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) عيون الاخبار ١ / ٢٩٠.

(٢) سورة آل عمران : ٧.

(٣) سورة الاعراف : ٥٢ ـ ٥٣.

٥٣

٣ ـ( وما كان هذا القرآن ان يفترى ) الى قوله تعالى( بل كذبوا بما لم يحبطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) (١) .

التأويل مأخوذ من الاول بمعنى الرجوع ، ويراد من التأويل الشيء الذي ترجع الآية اليه. والتنزيل يقابل التأويل ، وهو المعنى الواضح للاية الذي لا يحتاج الى ارجاعه الى شيء آخر.

معنى التأويل عند المفسرين والعلماء :

اختلف المفسرون في معنى التأويل اختلافاً شديداً ، وبعد الفحص في اقوالهم يمكن ارجاعها الى اكثر من عشرة ، الا ان المشهور فيه قولان :

١ ـ قول القدماء ، ومحصل كلامهم ان التفسير والتأويل بمعنى واحد وهما مترادفان. وعليه فلكل الآيات القرآنية تأويل ، وبمقتضى قوله تعالى( وما يعلم تأويله الا الله ) يختص العلم بالآيات المتشابهة بالله عز شأنه.

ومن هنا ذهب جماعة من القدماء الى ان الآيات المتشابهة هي الحروف المقطعة التي في اوائل السور ، لانه لا تعرف آية

ــــــــــــــــــ

(١) سورة يونس ٣٩.

٥٤

تخفى معناها على الناس الا هذه الحروف. ولكننا في فصول سابقة بحثنا عن هذا بشيء من التفصيل وذكرنا وجه عدم صحته.

وعلى اي حال لما نفى القرآن الكريم علم تأويل بعض الآيات عن غير الله تعالى ، وليس لنا آية لا يعرف تأويلها ـ اي يخفى معناها على الكل كما ذكروا ـ ولم تكن الحروف المقطعة التي في اوائل السور هي الآيات المتشابهة لهذه الوجوه ترك المتأخرون هذا القول الذي ذهب اليه القدماء.

٢ ـ قول المتأخرين ، وهو ان « التأويل » المعنى خلاف الظاهر الذي يقصد من الكلام. وعليه فليس لكل الآيات تأويل ، وانما يختص ذلك بالآيات المتشابهة التي لا يحيط بعلمها الا الله ، كالآيات الظاهرة في الجسمية والمجيء والاستواء والرضا والسخط والاسف وغيرها من الاوصاف المنسوبة اليه جل جلاله ، وكذلك الآيات الظاهرة في نسبة الذنب الى الرسل والانبياء المعصومينعليهم‌السلام .

بلغ هذا القول من الاشتهار بحيث اصبحت لفظة « التأويل » كالحقيقة الثانية في المعنى خلاف الظاهر ، فان تأويل الآيات القرآنية في المباحث الكلامية والخصام العقائدي يعني هذا المعنى بالذات ، كما ان حمل الآية على خلاف ظاهر

٥٥

معناها بدليل يسمونه « التأويل » موضوع دائر على الالسن مع انه لا يخلو من تناقض(١) .

هذا القول مع شهرته العظيمة ليس بصحيح ، ولا ينطبق على الآيات القرآنية ، لانه :

أولاً ـ الايتان المنقولتان في الفصل السابق( هل ينظرون الا تأويله ) و( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) ظاهرتان ان للآيات كلها تأويلاً ولا يختص ذلك بالآيات المتشابهة كما يبدو من هذا القول.

وثانياً ـ لازم هذا القول وجود آيات في القرآن يشتبه الناس في فهم مدلولها الحقيقي ولا يعلمه الا الله تعالى. ومثل هذا الكلام الذي لا يدل على مدلوله لا يعد كلاماً بليغا فكيف بتحديه للبلغاء في بلاغته.

وثالثاً ـ بناء على هذا القول لا تتم حجية القرآن الكريم ، لانه حسب احتجاج الآية الكريمة( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ، احدى الدلائل على ان القرآن ليس من كلام البشر عدم

ــــــــــــــــــ

(١) لان تأويل الآية مع الاعتراف بأن التأويل لا يحيط بعلمه الا الله تعالى عمل مناقض ، ولكن هؤلاء ذكروا ذلك بعنوان انه احتمال في الآية.

٥٦

وجود اختلاف معنوي ومدلولي بين الآيات ـ مع بعد ازمان نزولها وتباين ظروف النزول واسبابه ـ وما يظهر من الاختلاف بين بعض الآيات في بادىء النظر يرتفع بالتفكير والتدبر في الآيات.

ولو فرضنا ان كمية كبيرة من الآيات المسماة بـ « المتشابهات » تختلف مع كمية اخرى تسمى بـ « المحكمات » ونرفع الاختلاف بينها بأن نذهب الى ان ظاهرها غير مراد وما يراد منها معان لا يعلمها الا الله تعالى هكذا رفع الاختلاف لا يدل على ان القرآن ليس من كلام البشر.

وهكذا لو رفعنا الاختلاف بصرف ظاهر كل آية يخالف مضمونها او يناقض الآيات المحكمة ، فأولناها ـ حسب اصطلاح المتأخرين ـ بأن حملناها على معنى خلاف الظاهر.

ورابعاً ـ لا دليل اطلاقاً على ان المراد من « التأويل » في آية المحكم والمتشابه هو المعنى خلاف الظاهر ، كما لم يقصد مثل هذا المعنى في الآيات التي ذكرت فيها لفظة التأويل ، فمثلاً : في قصة يوسفعليه‌السلام عبر في ثلاثة مواضع(١)

ــــــــــــــــــ

(١) ذكر رؤيا يوسفعليه‌السلام في الآية الرابعة من سورة يوسف « اذ قال يوسف لابيه يا ابت اني رأيت احد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ».

وذكر تأويل رؤياه في الآية ١٠٠ على لسان يوسف حينما رأى

٥٧

عن تعبير الرؤيا بكلمة « التأويل » ، وظاهر ان تعبير الرؤيا ليس معنى خلاف الظاهر للرؤيا بل هو حقيقة خارجية ترى في النوم بشكل مخصوص ، كأن رأى يوسف تعظيم ابيه وامه واخوته بشكل سجدة الشمس والقمر والنجوم له ، ورأى ملك مصر سنوات القحط في صورة سبع بقرات عجاف يأكلن سبعاً سماناً ، ورأى صاحبا يوسف في السجن الصلب

ــــــــــــــــــ

أبيه وامه بعد سنين من الفراق « ورفع ابويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها رب حقا ».

ورؤيا ملك مصر مذكور في الآية ٤٣( وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات ) .

وتأويله مذكور في الآية ٤٧ ـ ٤٩ على لسان يوسف( قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلاّ قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلاً مما تحصنون * ثم تأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) .

ورؤيا صاحبي يوسف في السجن مذكور في الآية ٣٦( ودخل معه السجن فتيان قال احدهما اني اراني اعصر خمراً وقال الاخر اني اراني احمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه ) .

وتأويله مذكور في الآية ٤١ على لسان يوسف( يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمراً واما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذي فيه تستفتيان ) .

٥٨

وخدمة الملك في صورة عصر الخمر وحمل الخبز على الرأس تأكل الطير منه.

وفي قصة موسى والخضر ، بعد ان يخرق الخضر السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار ، يحتج عليه موسى في كل مرة فيذكر له السر الكامن وراء اعماله ويسميه « التأويل ». ومعلوم ان حقيقة الاعمال التي جرت على يد الخضر والنظر الحقيقي في انجازها التي هي كالروح لها قد سميت تأويلاً ، وليست هي المعنى خلاف الظاهر لها.

ويقول تعالى بشأن الوزن والكيل :( وأوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تأويلاً ) (١) .

وواضح انه يريد من التأويل في الكيل والوزن وضعاً اقتصاديا خاصا يوجد في السوق بواسطة البيع والشراء والنقل والانتقال. والتأويل بهذا المعنى ليس معنى خلاف الظاهر من الكيل والوزن ، بل هو حقيقة خارجية ، وروح اوجدت في الكيل والوزن تقوى وتضعف بواسطة استقامة المعاملة وعدم استقامتها.

ويقول تعالى في موضع آخر :( فان تنازعتم في شيء

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاسراء : ٣٥.

٥٩

فردوه الى الله والرسول ذلك خير واحسن تأويلاً ) (١) . من الواضح ان المراد من التأويل في هذه الآية هو ثبات الوحدة واقامة علاقات روحية في المجتمع ، وهذه حقيقة خارجية وليست معنىً خلاف الظاهر لرد النزاع.

وهكذا المواضع الاخرى من القرآن الكريم الواردة فيها لفظة « التأويل » ، وهي بمجموعها ستة عشر موضعاً. ففي كل هذه المواضع لا يمكن اخذ التأويل بمعنى « المدلول خلاف الظاهر » ، بل هو معنى اخر يلائم ايضا مع التأويل الوارد في آية المحكم والمتشابه كما سنذكره في الفصل الاتي. ولهذا لا موجب لتفسير « التأويل » في الآية المذكورة بمعنى المدلول خلاف الظاهر ».

المعنى الحقيقي للتأويل في عرف القرآن :

ملخص ما نستفيده من الآيات الوارد فيها لفظ « التأويل » ـ وقد سبق ذكر بعضها ـ انه ليس من قبيل المعنى الذي هو مدلول اللفظ. فان من الواضح ان ما نقل في سورة يوسف من رؤياه وتأويله لا يدل اللفظ الذي يشرح الرؤيا على تأويله دلالة لفظية ، ولو كانت تلك الدلالة من قبيل خلاف الظاهر. وهكذا في قصة موسى والخضر عليهما

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٥٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228