مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)

مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)75%

مذاهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 79

مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 79 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34023 / تحميل: 6035
الحجم الحجم الحجم
مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)

مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

مذهب أهل البيت عليهم السلام

تأليف سماحة العلامة السيد علي تقي الحيدري

١

٢

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق العباد، وكلفهم بما فيه الهدى والرشاد. والصلاة والسلام على نبيّنا نبيّ الرحمة، وهادي الأمة. وعلى آله الذين ثبّتوا قواعد الدين، وعلى أصحابه المنتجبين.

«وبعد»: فان الله سبحانه ما خلق الخلق إلا لطاعته وعبادته فقال:( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) (١) فلذلك أرسل لهم رسلاً مبشّرين ومنذرين، وشرع لهم الشرائع، لينالوا بذلك إن أطاعوه سعادة الدارين، وأقام لهم حجّة في أنفسهم وهي عقولهم فللّه الحجة البالغة، والمحجة الواضحة، فبالعقل الذي خلقه فيهم، وبالرسل التي أرسلها اليهم، يحتجّ عليهم يوم العرض عليه. فواجب كل مكلّف أن يستنير بنور عقله حتى يصل الى ساحة الحق الذي به سعادته، وبه يحيى حياة طيبة رغيدة، ويعيش عيشة راضية حميدة.

وان الله سبحانه ذمّ اقواماً على تركهم العمل بعقولهم تقليداّ لآبائهم فقال:( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) (٢) . فالواجب عليك أن لا تقلّد آباءك في دينهم ولا في

____________________

(١) سورة الذاريات.

(٢) سورة الزخرف.

٣

مذهبهم، حتى تسرّح نظرك في بقيّة الأديان والمذاهب وتميّز سمينها من غثها، وصحيحها من سقيمها فتختار ما هو الحق الذي هو أحق ان يتّبع فتتبعه سواءً وافق طريقة آباءك أو خالفها.

وان الله قد نصب للحق دلائل وعلامات، وشواهد وبينات. لا تخفى على من ألقى السمع وهو شهيد، وخلع عن نفسه جلابيب العناد والتقليد. وأما من لم يشأ أن يستضيء بنور عقله، ويتعرف الرشد من الغي، فهو عدو نفسه، يريد أن يوردها موارد الهلكة، ووديان العطب ويغرر بها في متائه الضلال.

بغداد:

المؤلف

٤

وديعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته

مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن أدى رسالة ربه، وبلّغ عنه ما أمره بتبليغه، ولم يأل جهداً في النصح لأمته، وارشادهم، وانتشالهم من هوة الجاهلية وغياهبها واباكيلها وأباطيلها. ثم ودّعهم وداعه الأخير تاركاً فيهم وديعته الغالية وهو دينه الذي ارتضاه لهم رب العالمين، وشريعته التي صدع بها، واوصاهم بتعاهدها وحفظها من الضياع والاندثار لأنها القانون الالهي الذي سنّه لعباده، ونشره في بلاده لن يرتضى منه بدلا، ولن يقبل عنه متحولا( ان الدين عند الله الاسلام ) (١) ( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في اللآخرة من الخاسرين ) (٢) ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) (٣) .

فواجب الأمة أجمع صيانة هذا الدين من الانطماس والاندراس، والعمل به كما أنزل وشرع بغير تبديل أو تغيير، أو تحريف أو تحوير. ولكن هل دلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته على طريقة الأخذ بهذا الدين، ومنهج الاتباع لهذه السنّة وعمّن تؤخذ، ومن المفزع عند الاختلاف، ومن الملجأ في الملمات والمهمات؟ هذا ما سنبحث عنه في البحوث الآتية موجزاً ليتناسب مع وضع الرسالة.

____________________

(١) سورة آل عمران.

(٢) سورة آل عمران.

(٣) سورة آل عمران.

٥

وضع المذاهب

أخذ المسلمون بعد نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم بسنته وشريعته، واختلفوا في الخلافة والإمامة اختلافاً لا ينقضي إلى يوم القيامة. ولما كانت الخلافة - كما فهمها المسلمون من الكتاب والسنة النبوية - تعم السلطة الزمنية والدينية فكانوا - فيما لم يعرفوه من الأحكام من ظاهر الكتاب المجيد والسنة المقدسة - يرجعون فيه إلى نفس الخليفة فهو المفزع في ذلك عندهم. فان لم يكن عنده من ذلك علم استفهم من الفقهاء وأفتى به.. ولكن لما تسافل أمر الخلافة حتى ربما صارت إلى أجهل الناس بالدين والأحكام بالقوة والغلبة صار المسلمون يرجعون في أخذ الأحكام إلى الفقهاء رأساً من دون مراجعة الخليفة. ولكن للخليفة الهيمنة التامة على العلماء بسلطته وقبضه على أزمة الأمور. فمن لم يكن منهم سائراً على وتيرته، وموافقاً له في منهجه لا يسمح له أن يعلن فتواه بين ملأ المسلمين فكان في زوايا الخمول. نعم إلا أن يأخذ بفقهه البعض خفية تحت ستار التقية والمداراة. فاتسع أمر العلم والعلماء ولا سيما الذين تزلفوا إلى السلطة القائمة واتسعت فتاواهم، وأتسع أمر الاجتهاد، وصار ثوب الاجتهاد يخلع على كل من له أدنى علم أو من ليس له من العلم نصيب حتى تسوهل في اطلاق الاجتهاد على بعض من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو أشهراً لأجل الستر على موبقاته ومنكراته باسم الاجتهاد. فقيل: «هو مجتهد وهو

٦

معذور بل مأجور» ولو خالف الكتاب ومن أنزل عليه. بل ولو كان رادّاً في اجتهاده المزعوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ‌‌

ثم لما اتسعت دائرة الفتاوى، وتشعبت الآراء، وكثرت دعاوى الاجتهاد شعر أهل الحل والعقد بالخطر العظيم من ضياع الأحكام بكثرة الآراء المختلفة التي خلقتها الميول والسبل الملتوية في استنباط الأحكام وأوصد باب الاجتهاد على المسلمين المساكين، وحصر الاجتهاد في فقهاء معدودين. كأن بقية المسلمين قد مسخوا - على حد تعبير العلامة الجليل السيد محمد بن عقيل في بعض مؤلفاته - فلم يبلغ أحد منهم بزعمهم درجة الاجتهاد وملكة الاستنباط ولو بلغ مبلغ الشيخ الرازي أو الشيخ المفيد في العلم والفقه وأضرابهما من فطاحل العلماء وأكابر الفقهاء فهذا الإيصاد لباب الاجتهاد بعد أن اعتبر مفتوحاً على مصراعيه تحكم لا مبرر له مع أن سدّ بابه وفتحه ليس بيد أحد لأنه ملكة تحصل بالجد والجهد في استنباط الأحكام.

وهذا التحكم في سد بابه وإن كان فيه شل للحركة العلمية وخلق مشاكل كثيرة دينية ولكن لعل لهم فيه غاية وهي توقيف اتساع الآراء الاجتهادية التي بلغت مبلغاً ربما لا يمت بعضها إلى جوهر الدين وأحكامه بصلة قوية فتشكلت لأجل ذلك المذاهب الإسلامية، فحكم على أهل كل قطر بالرجوع إلى فقيه خاص لا يعدوه إلى غيره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

٧

هذا وقد اقتضت سياسة السلطات القائمة - في ذلك العهد - أن لا يجعلوا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق الفتيا في شرعهم ودين جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حق الأخذ عنهم، بل لا يؤخذ إلا بفتوى غيرهم وإن كان بعيداً.

هكذا كان نصيب ذوي القربى أهل بيت الوحي من دينهم بحيث حرم المسلمون من أخذ شرعهم الذي نزل في بيتهم عنهم. فلم يكن فقه فقيههم بفقه رسمي مشروع. ولكن لم يفت طائفة من المسلمين الاغتناء بثروة فقههم عليهم السلام، والانتفاع بذخيرة كنز علمهم، فأخذوا عنهم خاصة دون غيرهم، ولكن تحت ستار التقية من السلطات الزمنية، فعرف المنتمون لهم عليهم السلام بالإمامية الاثني عشرية واشتهروا بالشيعة لتسمية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتباع علي عليه السلام وأولاده الطاهرين عليهم السلام بذلك كما سيأتي في أحاديث مدحه صلى الله عليه وآله وسلم للشيعة.

واجب المكلفين

أشرنا في المقدمة إلى أن واجب كل مكلف التتبع والفحص عن الدين الذي ارتضاه لنا رب العالمين وعن المذهب الذي رسمه لنا الصادق الأمين، أي المنهج الذي فرض علينا سلوكه في أخذ أحكام الشريعة. ومعلوم أنه لم يكن في القرن الأول من بزوغ شمس الإسلام على ربوع هذه الأرض اسم مذهب، وإنما هو اصطلاح

٨

نشأ في القرن الثاني ظاهراً أو بعده على بعض الانقال. فلا بد لمن اعتنق الدين الإسلامي واعتقد بصحته أن يغربل الكتاب والتاريخ والحديث وأدلة العقل ليقف على برهان رصين يدلّه على براءة ذمته باتباع منهج ومذهب معين من المذاهب الإسلامية فيتبعه بعد البحث والتنقيب ليكون على بينة من أمره، وهدى من دينه، باتباع ذلك المذهب والطريق في أخذ الأحكام. فمن قصّر في ذلك كان على غير هدى، وذهب سعيه سدى.

تنوير في طريق التنقيب

بعد ما علمت بالاختلاف الشديد بين المسلمين في طوائفهم ونحلهم وطرقهم وفرقهم ومذاهبهم وآرائهم وكلٌ يدعي أحقية مذهبه أصولاً أو فروعاً، وكل حزب بما لديهم فرحون، فلا بد للباحث عن الدليل والبرهان على أحقية بعض المذاهب بالاتباع، أن يخلع عنه جلايب التقليد والعاطفة، وأن يتخلى عن كل عصبية، وأن يتحلى بحلي العدل والنصفة حتى يصل إلى ميادين الحق والحقيقة.

وأهم ما يلزم المتتبع الحريص على الوقوف على الحقيقة أن لا يأخذ بآراء طائفة دون أخرى، ولا بأخبار فرقة دون فرقة، ولا يعتمد على رجال مذهب دون مذهب، ولا كتب صنف دون صنف لأنه ربما كان في بعض هذه دون البعض الآخر خطأ أو تأثر بالعاطفة المذهبية. وهذه هي أم المشاكل، ومنها نشأ كل اختلاف،

٩

بل منها نشأ كل ما اصاب المسلمين من محن وإحن، وتمزيق شمل، وتشتيت جمع - يا للاسف - فالحل الوحيد لها، والطريقة الوسطى في تذليل صعوبتها عند اختيار مذهب من المذاهب: هو الأخذ بما اتفق عليه المسلمون أجمع. يعني ما ذُكر في كتب الفريقين المهمة المشهورة المعتمد عليها بينهم من الأحاديث الدالة على أحقية مذهب من المذاهب.

فالأحاديث التي روتها رواة ثقاة من الفريقين يعوّل عليها ويؤخذ بها، وتكون هي المرجع عند الاختلاف وعليها الاعتماد في باب الاستدلال الأوّلى. والاحتجاج على أولوية مذهب من المذاهب. نعم بعد إقامة البرهان القاطع على صحة مذهب أو قول طائفة يصح التعويل في إقامة الحجج في أعمال المكلف نفسه على رواة تلك الطائفة الثقاة.

فعليك أيها المسلم المتتبع «أولاً» أن تحترم مذاهب المسلمين أجمع فإنها مأخوذة من فقهاء ذوي علم وفضل «وثانياً» أن تحرص كل الحرص على أن تقف على آية صريحة أو روايات صحيحة متفق عليها غير معارضة بأرجح منها، مذكورة في كتب طوائف المسلمين عن نبيّهم الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم فيها تصريح أو تلويح بكيفية أخذ الأحكام، وممن وعمن يؤخذ الشرع الشريف. بشرط أن لا يكون فيها ما يصادم العقل أو الكتاب المجيد فتتمسك بها وتتبع مؤداها ومعناها، وتكون بيدك حجة قائمة، ومحجة لا حبة، إذا

١٠

سألك ربك يوم العرض عليه ممن أخذت دينك، وعلى من اعتمدت في أحكام حلاله وحرامه. هذا هو القول الفصل، والحكم العدل، في طريقة التنقيب عن الحقيقة المطلوبة، والغاية المرغوبة، للناس أجمعين وبدونها فالحكم زلل، والرأي خطل.

نماذج من حجج الشيعة

لمذهب أهل البيت عليهم السلام

جرد لي أيها الأخ المسلم نفسك عن غير الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم سويعة، وأعرني نظرك خالصاً من كل عاطفة، وأنظر إلى الحجج الآتية بالشروط الآنفة.

أخذت الشيعة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحكام دينها من الكتاب والسنة. أما الكتاب، فالمجتهد منهم يأخذ بنصوص آيات الأحكام منه، أو بما له ظاهر كالنص. وأما ما يحتاج إلى التفسير فيتوقف فيه حتى يرد فيه تفسير من المعصوم عليه السلام.

وأما السنة: فيأخذ بصحاح أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل بيته عليهم السلام وأفعالهم وتقريرهم على ما هو مرسوم في الأصول. وغير المجتهد منهم، إما أن يحتاط في أحكامه، أو يقلد مجتهداً عدلاً على شروط مذكورة في كتبهم. أهمها أن يكون ذلك المجتهد ممن يأخذ فقهه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مع الكتاب المجيد والاستضاءة بنور العقل. ولهم في تدعيم مذهبهم حجج متينة، وبراهين

١١

رصينة، منبثة في كثير من مؤلفاتهم المنشورة في كل عصر. وقد ذكرنا بعض أدلتهم في مقدمة كتابنا «أصول الأستنباط» في أصول الفقه المطبوع ببغداد. وأدلتهم في ذلك كثيرة لا تحصر. وها أنا ذا أعرض لك نبذة منها وهي: طوائف من الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة المعتمد عليهم في كتبهم المشهورة واتفق الشيعة معهم على روايتها بنصها أو بمعناها.

الطائفة الأولى: الأحاديث الناصة على أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع أهل بيته عليهم السلام وأخذ أحكام الشريعة عنهم.

الطائفة الثانية: الأحاديث الدالة على أن علياً عليه السلام خير أهل الأرض.

الطائفة الثالثة: الأحاديث الناطقة بأسماء الأئمة الاثني عشر وانهم أوصياءه وأئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين.

الطائفة الرابعة: الأحاديث الدالة على شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأعلميتهم في أحكام شريعته.

الطائفة الخامسة: الأحاديث الناصة على مدح شيعتهم المتبعين لهم. واليك نص الأحاديث:

الطائفة الأول

في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع أهل بيته

١ - الحديث الذي تناقله المسلمون عامة، ورووه في تصانيفهم،

١٢

واعتمدوا عليه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). بخ بخ ما أفضلها من مكرمة يقرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أهل بيته بكتاب ربه، ويحث أمته على التمسك بهما معاً. وان المتمسك بهما لا يضل عن دينه بعده في كل عصر أبداً إلى يوم القيامة. وان أهل بيته لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم حتى يردا معاً عليه الحوض. وهل يجد المسلم في نفسه حاجة بعد قول نبيه صلى الله عليه وآله وسلم هذا الصريح الفصيح إلى دليل آخر على الاقتداء بأهل بيته، وأخذ الأحكام منهم. وهل يحتاج مذهبهم إلى حث من صاحب الشريعة اعظم وأأكد من هذا الحث. وقد اتفق المسلمون من الفريقين على رواية هذا الحديث بمعاني متحدة وألفاظ متقاربة. وهو منقول عن أكثر من ثلاثين صحابياً. أنظره في سنن الترمذي، وكتاب الشفاء للقاضي عياض، وشرح نسيم الرياض، واسعاف الراغبين، ومسند أحمد بن حنبل، والصواعق المحرقة، وينابيع المودة، وكتاب الطبراني، وصحيح مسلم، وتفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) (١) ، ومناقب ابن المغازلي الشافعي في سبعة طرق، وصحيح أبي داود، ومسند ابن أبي أوفى، وفضائل الصحابة للسمعاني، ومناقب موفق

____________________

(١) سور آل عمران

١٣

ابن أحمد الحنفي، وكتاب سير الصحابة، وشرح ابن أبي الحديد في عدة طرق، وذخائر العقبى لمحب الدين الشافعي، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي الحنفي وغيرها. وبعض هذه روته بطرق متعددة.

٢ - «حديث السفينة» المتواتر بين طوائف المسلمين وهو قوله: (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى) وهو صريح في أن الآخذ عنهم، والمتمسك بهم ناجي في دينه، وقد ذكر هذا الحديث جلّ أصحاب السنن. طالعه في صحيح مسلم، وصواعق ابن حجر، وذخائر العقبى، ومستدرك الحاكم، ومسند أحمد بن حنبل، وفرائد السمطين، والجامع الصغير وتذكرة الخواص، واسعاف الراغبين، وينابيع المودة للشيخ إبراهيم الحنفي، وغيرها. وفي الأخير في باب (٥٩) قال: وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: (إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك). وفي رواية مسلم: (ومن تخلّف عنها غرق) انتهى… وبودّي أن اروي لك أحد الطرق التي رواها ابن المغازلي الشافعي في فضائله بسنده المعنعن عن هارون الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها هلك) أقرأوا واعجب من صنيع هؤلاء بأهل البيت مع ما يروون من فضلهم. وقال الشبلنجي في نور الأبصار: روى جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن

١٤

النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وفي رواية غرق وفي أخرى زج في النار. وقد تواتر هذا الحديث عند الشيعة أيضاً حتى صار من القطعيات.

٣ - ما في فرائد السمطين للحافظ الكبير الشيخ أبراهيم الشافعي في الجزء الأول الباب الخامس بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا علماً وفهماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي). وإن شئت أيضاً فراجعه في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم، ومنتخب كنز العمال، وينابيع المودّة في باب «٥٩».

٤ - ما في مناقب الخوارزمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعمار: (تقتلك الفئة الباغية وأنت مع الحق والحق معك، يا عمار إذا رأيت علياً سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فأسلك مع علي ودع الناس فانه لن يدخلك في أذى، ولن يخرجك من الهدى).

٥ - ما رواه في فرائد السمطين في باب «٣٦» بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (علي مع الحق والقرآن والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا

١٥

حتى يردا عليّ الحوض) ورواه بطرق ومضامين قريبة من هذا ورواه في غاية المرام عن كتاب «فضائل الصحابة» مسنداً عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعن الصواعق رواه عن الطبراني في الأوسط بلفظ: «علي مع القرآن الخ…». ومضمونه مذكور في كتب الفريقين بأكثر من حد التواتر.

٦ - ما في مناقب اخطب خوارزم الحنفي بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فإنه الفاروق بين الحق والباطل). ورواه في الينابيع عن الإصابة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فانه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، وهو يعسوب المؤمنين). وتلقيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالصديق. والفاروق مستفيض في كتب الفريقين.

٧ - ما في الينابيع في باب «٢٩» عن فضائل ابن المغازلي الشافعي بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ضرب يده في يد علي وقال: (تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين). وتسمية علي بحبل الله المتين كثير في كتب الحديث والفضائل.

٨ - ما في فرائد السمطين، ومناقب الخوارزمي، ومطالب السؤل لابن طلحة الشافعي بسندهم عن أنس بن مالك قال: قال النبي: (يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد

١٦

المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين فجاء علي عليه السلام وقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي). انتهى باختصار. ورواه في الفرائد من طريق آخر.

٩ - ما عن شرح ابن أبي الحديد المعتزلي عن زيد بن أرقم قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أدلّكم على ما أن تسالمتم عليه لم تهلكوا أن وليكم وإمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه، جبريل أخبرني بذلك). والأخبار النبوية التي ذكرت فيها إمامة علي وأولاده الطاهرين عليهم السلام قد طفحت بها كتب الفريقين، وأني لم أتعرض لها لخصوصها وإنما تعرضت لذكر جملة من الأخبار الدالة على لزوم الأخذ عنهم عليهم السلام واتباعهم، ووجوب الاقتداء بهم، والتمسك بحبلهم، لأن موضوع رسالتي هو ذلك لا إثبات أدلة إمامتهم، ولكن ذكرت بعض أخبار الإمامة لدلالتها على وجوب التمسك بهم وأخذ الفقه عنهم.

١٠ - ما في ينابيع المودة باب (٤٥) عن موفق بن أحمد بسنده إلى ابن أبي ليلى قال: أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الراية يوم خيبر إلى علي ففتح الله عليه. وفي يوم غدير خم أعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة وقال له: (أنت مني وأنا منك وأنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) وقال له (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وقال له: (أنا سلم لمن سالمك،

١٧

وحرب لمن حاربك، وأنت العروة الوثقى، وأنت تبين ما اشتبه عليهم من بعدي، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، وأنت الذي أنزل الله فيك:( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) (١) ، وأنت الآخذ بسنتي، والذاب عن ملتي الخ…) وهو حديث يحتوي على مناقب جمة.

١١ - ما في خصائص النسائي بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (علي مني وأنا منه فلا يؤدي عني إلا أنا وعلي) ورواه في الينابيع في باب (٥٩) عن الصواعق لابن حجر قال: الحديث السادس أخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن حبشي بن جنادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي).

١٢ - ما في الينابيع في باب (٥٩) عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي في حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (انه ليس أحد أحق منك بمقامي لقدمك في الاسلام، وقربك مني، وصهرك لي، وعندك سيدة نساء العالمين وقبل ذلك ما كان من حماية أبيك أبي طالب لي، وبلائه عندي حين نزول القرآن الخ…). رواه أبو إسحاق الثعلبي في تفسير القرآن.

١٣ - ما فيه أيضاً في الباب نفسه عن الصواعق المحرقة قال: أخرج ابن سعد حديثين الأول: (أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة،

____________________

(١) سورة التوبة.

١٨

وأغصانها في الدنيا، فمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليتمسك بها). والثاني: (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وان أئمتكم وفدكم الى الله عز وجل فانظروا من توفدون). واخرج هذين الحديثين المحب الطبري الشافعي في ذخائر العقبى.

١٤ - ما عن حلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال بتفاوت يسير (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين) والإمام لابد أن تأخذ عنه الأحكام. وهذا المضمون منتشر في كتب الفريقين انتشار الكواكب في السماء.

١٥ - ما عن كتاب الفردوس عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنا وعلي حجة الله على عباده). وبمضمونه أحاديث كثيرة ومن عرف حجة الله وأخذ أحكامه منه فقد فاز فوزاً عظيماً.

١٦ - ما عن مناقب ابن مردوية عن سلمان قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عمّن نأخذ بعدك؟ وبمن نثق؟ قال: فسكت عني حتى سألت ذلك عشراً ثم قال: (يا سلمان إن وصيي وخليفتي واخي ووزيري وخير من اخلفه بعدي علي بن أبي طالب يؤدي عني، وينجز موعدي). وعن مناقب الخوارزمي، وذخائر المحب الطبري، والوسيلة بمضمونه. وكأنّ النبي أراد تأخير الجواب إلى وقت حضور جماعة يبلغون ذلك لأمته. أو لتقام عليهم الحجة البالغة.

١٧ - ما في مناقب الخطيب عن ابن عباس، وعن كفاية

١٩

الطالب، وفرائد السمطين وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي) وقال: (يا أم سلمة أسمعي وأشهدي هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الذي أؤتى منه، أخي في الدنيا، وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى).

١٨ - ما عن مناقب الحافظ ابن مردوية، وحلية الأولياء، وكفاية الطالب، ومقتل الخوارزمي، وفي مناقبه باختلاف يسير واللفظ للأول عن أنس من حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: (أنت تبلغ رسالتي من بعدي وتؤدي عني، وتسمع الناس صوتي، وتعلم الناس من كتاب الله ما لا يعلمون).

١٩ - ما عن شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي عن أبي جعفر الإسكافي في حديث الدار قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عند نزول( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (١) : (هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي).

٢٠ - ما في ذخائر العقبى، ومناقب الخوارزمي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لكل نبي وصي ووارث، وان علياً وصيي ووارثي). والأحاديث الناصة على أنه وصيّه صلى الله عليه وآله وسلم لا تكاد تحصى في كتب الفريقين. فطالعها تر الحقيقة ناصعة لذي عينين.

* * *

____________________

(١) سورة الشعراء.

٢٠

  

المطلب الثالث :

في أنّ بغض عليعليه‌السلام نفاق

أخرج مسلم في صحيحه عن عليعليه‌السلام قال : « والذي فَلَقَ  الحَبَّةَ وبرأ النَسَمة ، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ [ وهل يكون التأكيد  بأكثر من هذا ؟ ] أنْ لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ».

تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند : النسائي ،  والترمذي ، وابن ماجة ، وفي مسند أحمد ، وفي المستدرك ، وفي  كنز العمال عن عدة من كبار الأئمّة(1) .

وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أُم سلمة : كان رسول  الله يقول [ هذه الصيغة تدل علىٰ الاستمرار ] كان رسول الله يقول : 

__________________

(1) مسند أحمد 1 / 84 ، 128 ، صحيح مسلم كتاب الايمان ، كنز العمال 13 / 120  رقم 36385.

٢١

« لا يحب عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن »(1) .

نستفيد من هذه الأحاديث في هذا المطلب : إنّ حبّ علي  وحبّ المنافقين لا يجتمعان ، لو أنّ أحداً يعتقد حتّى بإمامة علي  وولايته بعد رسول الله ، إلاّ أنّه لا يبغض المنافقين ، هذا الشخص هو  أيضاً منافق ، وهو مطرود من الطرفين ، أي من المؤمنين ومن  المنافقين ، لأنّالمنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد ، ولأنّ  المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.

ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الأحوال ، وبأيّ شكلٍ من الأشكال.

         

__________________

(1) مسند أحمد 6 / 292.

٢٢

  

المطلب الرابع :

في إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام

بأنّ الأُمّة ستغدر به

قال عليعليه‌السلام : « إنّه ممّا عهد إليّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الأُمّة ستغدر بي  بعده ».

قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي في تلخيصه :  صحيح(1) ، وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم  النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.

ومن رواة هذا الحديث أيضاً : ابن أبي شيبة ، والبزّار ،  والدارقطني والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم.

 

__________________

(1) المستدرك علىٰ الصحيحين 3 / 140 ، 142.

٢٣
٢٤

  

المطلب الخامس :

ضغائن في صدور أقوام

أخرج أبو يعلىٰ والبزّارـبسند صحّحه : الحاكم ، والذهبي ،  وابن حبّان ، وغيرهمـعن عليعليه‌السلام قال : « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم آخذ  بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا علىٰ حديقة ،  فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إنّ لك في الجنّة  أحسن منها ، ثمّ مررنا بأُخرىٰ فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من  حديقة ! قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتّى مررنا بسبع حدائق ،  كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا  خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ما  يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي ،  قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من  دينك ».

٢٥

هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلىٰ والبزّار(1) ، ونفس  السند موجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم ) والذهبي(2) ،  فيكون سنده صحيحاً يقيناً ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر  وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممّن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو  من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند  أبي يعلىٰ وعند البزّار وعند الحاكم ، والحاكم يصحّحه والذهبي  يوافقه ، إلاّ أنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لأنّه إلىٰ  حدّ « إنّ لك في الجنّة أحسن منها » لا أكثر.

وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ « الأقوام » المراد منهم  في هذا الحديث « هم قريش » ، وفي المطلب السادس أيضاً بعض  الأحاديث تدلّ علىٰ ذلك ، فلاحظوا.

      

__________________

(1) مجمع الزوائد 9 / 118.

(2) المستدرك علىٰ الصحيحين 3 / 139.

٢٦

  

المطلب السادس :

في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : « يهلك أُمّتي هذا الحي من  قريش » ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « لو أنّ الناس اعتزلوهم ».

وعن أبي هريرة أيضاً قال : سمعت الصادق المصدوق يقول :  « هلاك أُمّتي علىٰ يدي غلمة من قريش » ، فقالوا : مروان غلمة ؟  قال أبو هريرة : إن شئت أنْ أُسمّيه ، بني فلان ، بني فلان.

والحديثان في الصحيحين(1) .

   

__________________

(1) وأخرجه أحمد 2 / 324 ، 288 ، 299 ، 520.

٢٧
٢٨

  

المطلب السابع :

لم يروَ من الضغائن والغدر إلاّ القليل

وهذا المطلب مهم جدّاً ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي  بدتـالتي سبق وأنْ أخبر عنها رسول اللهـلم يروَ منها في الكتب  إلاّ القليل ، والسبب واضح ، لأنّهم منعوا من تدوين الحديث ،  وعندما دُوّن ، فقد دوّن علىٰ يد بني أُميّة وفي عهدهم ، وهذا حال  السنّة ، أي السنّة عند أهل السنّة.

ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الأمور التي أشار إليها رسول  اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ،  ومن نقله إلىٰ الآخرين ، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من  تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لأحد ، أذكر لكم  موارد من هذا القبيل :

قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني

٢٩

في كتاب الكامل : ولعبد الرزاق بن همّام [ هذا شيخ البخاري ]  أصناف حديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم  وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلاّ أنّهم نسبوه إلىٰ التشيّع ، وقد  روىٰ أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات ،  فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في  مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا ، وأمّا في باب الصدق  فأرجو أنّه لا بأس به ، إلاّ أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل  البيت ومثالب آخرين مناكير(1) .

وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراشـالحافظ الكبيرـ يقول ابن عدي : سمعت عبدان يقول : وحمل ابن خراش إلى بندار  جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم.

فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟

قال ابن عدي : فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب(2) .

فالرجل ليس بكاذب ، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي  أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي ، لرأيتم الذهبي ينقل هذا  المطلب ، ويتهجّم علىٰ ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين

__________________

(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545.

(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519.

٣٠

كفروا(1) .

ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجلـابن خراشـمن الشيعة ،  وذلك ، لأنّهذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في  الجرح والتعديل ، ويعتمدون علىٰ آرائه في ردّ الراوي أو قبوله ،  أذكر لكم مورداً واحداً ، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق ،  وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول : قال ابن  خراش : كانـعبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً(2) .

فابن خراش ليس بشيعي ، لأنّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه  بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.

فلا يتوهّم أنّ هذا الرجلـابن خراشـمن الشيعة ، بل هو من  أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم ، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب  الشيخين.

مورد آخر في كتاب العلل لأحمد بن حنبل ، قال أحمد : كان  أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم ، وله كتاب في  الصحيح اسمه : صحيح أبي عوانة ] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب 

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، ميزان الإعتدال 2 / 600.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 223.

٣١

رسول الله ، وفيه بلايا ، فجاء سلاّم بن أبي مطيع(1) فقال : يا أبا  عوانة ، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه ، فأخذه سلاّم فأحرقه(2) .

ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن  مهدي(3) قال : فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله(4) .

فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب ، والشخص الآخر  جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا.

مورد آخر : ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الأشقر : أنّ  أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب [ فهو  حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب ] فقيل له : إنّه يحدّث  في أبي بكر وعمر ، وإنّه صنّف باباً في معايبهما ، فقال : ليس هذا  بأهلٍ أنْ يحدَّث عنه(5) !

أوّلاً : أين ذاك الباب الذي اشتمل علىٰ هذه القضايا ؟ ولماذا لم  يصل إلينا؟

وثانياً : إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل يحدّث

__________________

(1) الإمام الثقة القدوة ، من رجال الصحيحين. سير أعلام النبلاء 7 / 428.

(2) كتاب العلل والرجال 1 / 60.

(3) الإمام الناقد المجوّد سيد الحفاظ. سير أعلام النبلاء 9 / 192.

(4) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة.

(5) تهذيب التهذيب 2 / 291.

٣٢

في الشيخين ، وبأنّه صنّف مثل هذه الأحاديث في كتاب ، سقط من  عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروىٰ عنه !

مورد آخر : في ميزان الإعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن  زهير الكوفي : قال أبو حاتم : روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما  كتبنا عنه(1) .

روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه ، فراحت تلك  الروايات.

وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.

ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث  والرواة الذين هم من رجال الصحاح ، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر  وعمر ، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن  السُدّي(2) ، وبترجمة تليد بن سليمان(3) ، وبترجمة جعفر بن  سليمان الضبعي(4) ، وغير هؤلاء.

ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء ، ممّا

__________________

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27.

(2) تهذيب التهذيب 1 / 274.

(3) تهذيب الكمال 4 / 322.

(4) تهذيب التهذيب 2 / 82 ـ 83.

٣٣

أدّىٰ وسبّب في أنْ يجوّزوا لانفسهم أن يشتموا ويسبّوا ؟ وأين تلك  القضايا وماهي ؟

وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من  شتم عثمان وشتم معاوية ، فكثير جدّاً ، وأعتقد أنّه لا يحصىٰ لكثرته.

ولقد فشىٰ وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني  من القرن الثالث ، يقول زائدة بن قدامةـووفاته في النصف الثاني  من القرن الثالث ـ : متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟!(1) .

وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة ، جاء أحدهمـوهو  الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـفألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن  لعنه ، فلمّا سئل عن ذلك ، قال بلفظ العبارة : إنّما قصدت كفّ  الألسنة عن لعن الخلفاء(2) .

حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال  في شرح المقاصد ما نصّه : فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم  يجوّز اللعن علىٰ يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو علىٰ ذلك

__________________

(1) تهذيب التهذيب 3 / 264.

(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161.

٣٤

ويزيد ؟ قلنا : تحامياً عن أن يرتقىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ(1) .

حتّى جاء كتّاب عصرنا ، فألّفوا في مناقب يزيد ، وألّفوا في  مناقب الحجّاج ، وألّفوا في مناقب هند !!

وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل ، والذي  يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم ، كلّه كذب ، وإنّ هؤلاء  يستحقّون اللعن ، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين  والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الأُمور ، ولكي لا يبقىٰ هناك  مجال لأن يرتقىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ.

ومن هنا نفهم : إنّ محاربتهم لقضايا الحسينعليه‌السلام ومحاربتم  لمآتم الحسينعليه‌السلام ولقضايا عاشوراء ، كلّ ذلك ، لئلاّ يلعن يزيد ،  ولئلاّ ينتهىٰ إلىٰ الأعلىٰ فالأعلىٰ.

      

__________________

(1) شرح المقاصد 5 / 311.

٣٥
٣٦

 

المطلب الثامن :

أحقاد قريش وبني أُميّة علىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأهل بيتهعليهم‌السلام

وهنا ننقل بعض الشواهد علىٰ أحقاد قريش وبني أُميّة  بالخصوص ، وضغائنهم علىٰ النبي وأهل البيت ، حتّى أنّهم كانت  تصدر منهم أشياء في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولمّا لم يتمكّنوا من الإنتقام  من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « اللهمّ إنّي أستعديك على قريش ،  فإنّهم أضمروا لرسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضروباً من الشر والغدر ، فعجزوا  عنها ، وحُلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ ، اللهمّ  احفظ حسناً وحسيناً ، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً ،  فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت علىٰ كلّ شيء شهيد »(1) .

فيقول أمير المؤمنين : إنّ قريشاً أضمروا لرسول الله ضروباً من

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 20 / 298.

٣٧

الشر والغدر وعجزوا عنها ، والله سبحانه وتعالىٰ حال بينه وبين تلك  الشرور أن تصيبه ، إلى أنْ توفّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت الوجبة بأمير  المؤمنين والدائرة عليه ، كما أنّه في هذا الكلام يشير بأنّ قريشاً  ستقتل الحسن والحسين أيضاً انتقاماً من النبي.

وقالعليه‌السلام في خطبة له : « وقال قائل : إنّك يا ابن أبي طالب على  هذا الأمر لحريص ، فقلت : بل أنتمـواللهـأحرص وأبعد ، وأنا  أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه ،  وتضربون وجهي دونه ، فلما قرّعته بالحجة في الملأ الحاضرين  هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.

اللهم إني استعديك علىٰ قريش ومن أعانهم ، فانهم قطعوا  رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا علىٰ منازعتي أمراً هو  لي ، ثم قالوا : ألا إنَّ في الحق أنْ تأخذه وفي الحق أن تتركه »(1) .

وفي كتاب لهعليه‌السلام إلى عقيل : « فدع عنك قريشاً وتركاضهم في  الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنّهم قد  أجمعوا علىٰ حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت  قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن 

__________________

(1) نهج البلاغة ، الخطبة : 172.

٣٨

أُمّي »(1) .

وروىٰ ابن عدي في الكامل في حديثٍ : فقال أبو سفيان : مثل  محمّد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن ، فانطلق بعض الناس إلىالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروا النبي ، فجاءصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـيعرف في وجهه الغضبـ  حتّى قام فقال : « ما بال أقوال تبلغني عن أقوام » إلىآخر الحديث.

هذا في الكامل لابن عدي(2) بهذا النص ، والقائل أبو سفيان.

وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضاً في بعض المصادر  الاُخرىٰ ، إلا أنّهم رفعوا كلمة : « فقال أبو سفيان » ، ووضعوا كلمة :  « فقال رجل ».

لاحظوا مجمع الزوائد(3) .

وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال :  أتىٰ ناس من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنّا نسمع من قومك ، حتّى  يقول القائل منهم إنّما مثل محمّد مثل نخلة نبتت في الكبا(4) .

والكبا الأرض غير النظيفة.

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 16 / 151.

(2) الكامل في الضعفاء 3 / 28.

(3) مجمع الزوائد 8 / 215.

(4) مجمع الزوائد 8 / 215.

٣٩

لكن هذا الحديث أيضاً في بعض المصادر محرّف.

ثمّ إنّ السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلاّ أقربية  أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فينتقمون منه انتقاماً من النبيّ ،  مضافاً إلى مواقف أمير المؤمنينعليه‌السلام في الحروب وقتله أبطال  قريش ، وهذا ما صرّح به عثمان لأمير المؤمنين في كلام له معه  عليه الصلاة والسلام ، أذكر لكم النص الكامل.

ذكر الآبي في كتاب نثر الدررـوهو كتاب مطبوع موجودـ وعنه أيضاً ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس  قال : وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت  قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم  شنوف الذهب(1) .

هذه هي الأحقاد والضغائن ، ولم يتمكّنوا من الإنتقام من  رسول الله ، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهكذا توالت القضايا ، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ،  وانتقموا ، وانتقموا ، إلىٰ يوم الحسينعليه‌السلام وبعد يوم الحسينعليه‌السلام  وإلىٰ اليوم .

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 9 / 22.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79