المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية

المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية27%

المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 220

  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29635 / تحميل: 7690
الحجم الحجم الحجم
المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية

المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

اللاتي يؤدين عن آبائهن، واما الصلح بين الطائفتين، فإنا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا، واما افتخارنا بيزيد اكثر من افتخاره بنا، فان كانت الخلافة فاقت النبوة فنحن المغبوطون به وان كانت النبوة فاقت الخلافة فهو المغبوط بنا، واما قولك ان الغمام يستسقي بوجه يزيد فان ذلك لم يكن الا لآل النبي (ص) وقد رأينا ان نزوجها ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد زوجتها منه وجعلت مهرها ضيعتي التي بالمدينة فلها فيها غنى وكفاية.

فقال مروان:

- اغدراً يا بني هاشم؟

قال الحسن عليه السلام:

- أجل. واحدة بواحدة. فقد كان هذا جوابا لما نطقت به.

فيأس مروان وكتب بذلك لمعاوية. فقال معاوية:

خطبنا اليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا الينا لما رددناهم(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج٤٤ ص ١١٩ - ١٢٠

٦١

٢٦ - الرفق بالحيوان

كان الامام الحسن عليه السلام يتناول الطعام وامامه كلب، فطرح للكلب لقمة.

فقال له احدهم:

- يا بن رسول الله ألا ادفع هذا الكلب.

٦٢

قال عليه السلام:

- دعه اني لأستحي من الله ان يكون ذو روح ينظر الى طعامي ولا اطعمه واطرده(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج٤٣، ص ٣٥٢

٦٣

٢٧ - الباكون على الحسين عليه السلام

لما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة عليها السلام بشهادة ولدها الحسين عليه السلام ولما يجري عليه من مصائب ومحن بكت بكاءاً شديدا وقالت:

- يا أبه؟ متى يكون ذلك؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

- في زمان خال مني ومنك ومن علي.

فاشتد بكاؤها وقالت:

- فمن يبكيه يا أبه؟ ومن يلتزم باقامة العزاء؟

فقال صلى الله عليه وآله: يا فاطمة ان نساء امتي يبكون على نساء اهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فاذا كان يوم القيامة تشفعين انت للنساء وأنا اشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.

يافاطمة كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت على مصاب الحسين فانها ضاحكة مستبشرة بنعيم

٦٤

الجنة(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج٤٤، ص ٢٩٢

٦٥

٢٨ - علاج المعصية

ان رجلا دخل على الحسين عليه السلام فقال:

- انا شخص مذنب ولا أملك نفسي عن ارتكاب المعاصي، فعظني يا بن رسول الله.

قال عليه السلام:

- عليك بخمس واذنب بعدها ماشئت:

اولا: لا تأكل من رزق الله واذنب ما شئت.

ثانيا: أن تخرج من ولاية الله وتذنب ماشئت

ثالثا: ان تذنب في موضع لا يراك فيه الله.

رابعا: اذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عنك واذنب ماشئت.

خامسا: اذا أمر بك مالك الى النار فلا تدخل. اذا فعلت ذلك فاذنب ماشئت(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ٧٨،ص ١٢٦

٦٦

٢٩ - عظمة اصحاب الحسين عليه السلام

تكلم اصحاب الحسين عليه السلام الاوفياء ليلة عاشوراء بكلام يشبه بعضه بعضا يعلنون فيهم وفاءهم واخلاصهم لإمامهم. فبلغ احدهم ويدعى محمد بن بشر الحضرمي نبأ اسر ابنه بثغر الري على ايدي الكفار. فقال محمد:

- عند الله أحتسبه، لا أحب ان يؤسر وانا أبقى بعده.

فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال له:‍

- انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك.

فقال الحضرمي: اكلتني السباع حيا ان فارقتك.

فاعطاه الحسين عليه السلام خمسة اثواب يمانية - قيمتها الف دينار - وقال له:

- اعط ابنك الآخر هذه النقود (كهدية) يستعين

٦٧

بها لفداء اخيه من العدو(١) .

٣٠ - عاقبة ابن زياد

بعث ابراهيم بن مالك الاشتر برؤوس ابن زياد وبعض قواده الى المختار، وكان المختار يأكل الطعام فطرحت الرؤوس عنده. فقال:

- لقد اتي برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يدي ابن زياد حين كان يأكل الطعام. وقد أتي برأس ابن زياد الي كذلك فلله الحمد. فاذا بحية بيضاء تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخر ابن زياد وخرجت من أذنه، وتكرر ذلك مرارا. فقام المختار من مكانه واخذ يضرب وجه ابن زياد بنعله ثم اعطاه غلامه وقال له:

- اغسله فقد مس جسدا نجسا!

ثم بعث المختار بالرؤوس الى محمد بن الحنفية

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٤ ص ٣٩٤

٦٨

في الحجاز. فبعث بها ابن الحنفية الى الامام السجاد عليه السلام وكان حينها يأكل الطعام فقال:

- لقد أتي برأس أبي الى ابن زياد فكان يأكل الطعام فدعوت الله أن يريني رأس ابن زياد على مائدة الطعام، ففعل وله الحمد على ذلك(١) .

٣١ - الوعظ الفارغ

مر الامام زين العابدين عليه السلام بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فقال (ع):

- امسك عن الكلام ياحسن لأسألك فهل انت راضي لنفسك عن الحال التي فيها مقيم فما بينك وبين الله للموت اذا نزل بك غدا؟

اجاب: لا! لست راضيا.

قال عليه السلام:

- افتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن هذه

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٥، ص ٣٣٥

٦٩

الحال التي لا ترضاها الى الحال التي ترضاها؟

فاطرق الحسن البصري مليا ثم قال:

- كلما عاهدت نفسي اخلفت ولم يكن ذلك مني سوى لقلقة لسان.

فقال عليه السلام:

- أترجو نبيا يأتي بعد محمد (ص) له معرفة بك؟

قال: لا.

قال عليه السلام:

- افترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد اليها فتعمل فيها؟

قال: لا.

فقال عليه السلام:

- أفرأيت احدا به مسكه عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا. انت لا تحدث نفسك جديا بتغيير حالك - ولا ترجو نبياً بعد محمد ولا دارا غير الدار التي انت فيها - ومع ذلك تعظ الناس؟

فلما انصرف الامام عليه السلام قال الحسن البصري:

- من هذا؟

٧٠

قالوا: علي بن الحسين عليه السلام.

قال: هم أهل بيت العلم.

قيل فما رؤي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس(١) .

٣٢ - عاقبة المستهزئين بحديث النبي (ص)

قال الامام زين العابدين عليه السلام:

- ما ندري كيف نصنع بالناس ان حدثناهم بما سمعنا من رسول الله (ص) سخروا، ولا يسعنا ان

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٦ ص ١١٦

٧١

نسكت عن ذكر هذه الحقائق.

فقال ضمرة بن معبد: حدثنا عما سمعت.

قال عليه السلام: هل تدرون ما يقول عدو الله اذا حمل على سريره الى القبر؟

قال: فقلنا لا.

قال عليه السلام: انه يقول لحملته الا تسمعون أني اشكو اليكم عدو الله خدعني واوردني هذا المورد السيء واشكو اليكم اخوانا واخيتهم فخذلوني واولاد حاميت عنهم فخذلوني، ودارا انفقت عليها ثروتي فصار سكانها غيري فارفقوا بي وارحموني ولا تستعجلوا.

قال ضمرة: لو كان له ان يتحدث هكذا لو ثب على ايدي حامليه!

فقال عليه السلام: اللهم ان كان ضمرة هزأ من حديث رسولك فخذه.

قيل فمكث ضمرة اربعين يوما ثم مات، فحضر دفنه غلام له، ثم أتى زين العابدين عليه السلام فجلس اليه فقال له:

- من أين جئت؟

قال:

٧٢

- من جنازة ضمرة، فوضعت وجهي عليه حين سوى عليه فسمعت صوته كما كنت اعرفه منذ زمان حياته وهو يقول:

ويلك ياضمرة بن معبد‍! اليوم خذلك كل خليل وصار معبرك الى الجحيم فيها مسكنك ومميتك والمقيل.

قال فقال زين العابدين عليه السلام:

- اسأل الله العافية، هذا جزاء من يهزأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٦، ص ١٤٢

٧٣

٣٣ - الارتزاق الحلال صدقة

كان الامام زين العابدين عليه السلام اذا اصبح خرج غادياً في طلب الرزق. فقيل له:

- يا بن رسول الله (ص)‍ اين تذهب؟

قال عليه السلام:

- خرجت من بيتي لأتصدق لعيالي.

قيل له:

- كيف تتصدق على عيالك؟

قال عليه السلام:

- من طلب الحلال (لينفقه على عياله) فهو من الله عز وجل صدقة عليه(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٦، ص ٧٦

٧٤

٣٤ - مناجاة الامام السجاد عند الكعبة

قال طاووس اليماني:

رأيت علي بن الحسين عليه السلام يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد، فلما لم ير احدا وعاد ا لحجاج الى منازلهم رمق السماء بطرفه وقال:

الهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون انامك وابوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد في عرصات القيامة.

ثم بكى وقال:

وعزتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك اذ عصيتك وانا بك شاك، ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولكن سولت لي نفسي واعانني على ذلك سترك المرخى عليّ فالآن من يستنقذني من عذابك وبحبل من اعتصم أن قطعت حبلك عني... ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب.. اما آن لي ان استحي من ربي، ثم بكى وانشأ يقول:

اتحرقني بالنار ياغاية المنى فأين رجائي ثم

٧٥

اين محبتي

اتيت باعمال قباح زرية وما في الورى خلق جنى كجنايتي

ثم بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعص، وتتودد الى خلقك بحسن الصنيع كأن بك حاجة اليهم فخر الى الارض، وقال فدنوت منه فجعلت رأسه في حضني، ثم سالت دموعي على وجهه الشريف، فاستوى جالساً وقال:

من الذي شغلني عن ذكر ربي؟

قلت: يا بن رسول الله (ص) انا طاووس اليماني ماهذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا ان نفعل مثل هذا، فنحن العاصون فأبوك الحسين وامك الزهراء وجدك رسول الله (ص).

فالتفت الي وقال:

- هيهات يا طاووس! دع عنك حديث أبي وأمي وجدي فقد خلق الله الجنة لمن اطاعه واحسن ولو كان عبدا حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً الم تسمع قوله تعالى ] فاذا نفخ في

٧٦

الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون(١) .

والله لا ينفعك غدا الا العمل الصالح(٢) .

٣٥ - زاد الآخرة

قال الزهري:

رأيت علي بن الحسين عليه السلام في ليلة باردة مظلمة وعلى ظهره دقيق، وهو يمشي فقلت:

- يا بن رسول الله، ماهذا؟

قال عليه السلام:

- اريد سفرا اعد له زادا احمله الى موضع حريز (كي لا ارد هناك خال اليدين).

قلت:

____________________

(١) سورة المؤمنون الآية ١٠١

(٢) بحار الانوار ج ٤٦، ص ٨١

٧٧

- يا بن رسول الله! هذا غلامي يحمل عنك.

فلم يقبل.

فقلت:

- أنا أحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله.

فقال عليه السلام:

- لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري و يحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحقّ اللّه لمّا مضيت لحاجتك و تركتني.

فرآه الزهري بعد بضعة ايام فقال له:

- يا بن رسول الله (ص) لست ارى لذلك السفر الذي ذكرته اثرا!

قال عليه السلام:

- بلى يا زهريّ ليس ما ظننت و لكنّه الموت وله كنت أستعدّ إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وفعل الخير(١) .

____________________

(١) بحار الاانوار ج ٤٦ ص ٦٥

٧٨

٧٩

٣٦ - حرمة مزاح الاجنبية

قال ابو بصير:

كنت اقرأ إمرأة القرآن بالكوفة. وذات يوم مازحتها بشيء! وبعد مدة قصدت المدينة فلما دخلت على الامام الباقر عليه السلام عاتبني وقال:

- من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ الله به،! أي شيء قلت للمرأة؟

فغطيت وجهي من شدة الحياء وتبت.

فقال الامام (ع): لا تعد لمثلها(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٦ ص ٢٤٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الثالث: إنّ هذه الرسائل وثائق تاريخية أوضحت كثيراً من الاُمور في حياة الاُمّة الإسلامية، كادت أن تذهب في أعماق التاريخ المظلم تحت غمار الإعلام المزيّف، المبثوث من قِبَل بني اُميّة وأعوانهم، ورفعت الستار عن حقيقة معاوية وبني اُميّة قاطبة الذين حُرّمت عليهم الخلافة الإسلامية بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا لشيء إلاّ لعدم تأهّلهم للقيام بأعبائها، وشهد بذلك اُسلوبهم في العامل مع المؤمنين حينما تربعوا على عرش الملك.

فالقارئ لهذه الرسائل والظروف التي كُتبت فيها وما أحاط بها من كلمات وخطب وحوادث يدرك مَن هو معاوية ويعرف مَن هم بنو اُميّة، ويستطيع أن يحلّل شخصياتهم عن قرب.

الرابع: نعرف من هذه الرسائل وما يحيط بها من ظروف مدى قدرة الإمامعليه‌السلام على معالجة الاُمور، واستيعابه للمشاكل التي تواجهه وسرعة طرح الحل لها، وحزمه في الاُمور، وعدم فتح المجال للدخول في خداع معاوية ومراوغته، وعدم قبوله للمساومات وأنصاف الحلول أبداً.

الخامس: يلاحظ منطق القوة في رسائل الإمامعليه‌السلام جميعها بما فيها الرسالة الأخيرة التي كانت قبولاً بعرض الصلح الذي اضطر الإمامعليه‌السلام إليه اضطراراً، ممّا يدلّ على نفسيّة لا تعرف الخوف، وقلب لم يداخله الجُبن، وفي هذا تكذيب لما حاول إثارته المؤرخون من غير الشيعة - مستشرقين وغيرهم - للتشويش على شخصية الإمام الحسنعليه‌السلام ، والحطّ من مكانها اللائق بها، ورميه بالضعف والموادعة وحب السلامة والدعة، إمّا تصريحاً أو تلويحاً.

فإنّ هذه الرسائل والخطب والكلمات المتفرقة في هذه الأجواء الساخنة، قبل الصلح وبعده تنفي هذا الزعم الباطل وبشدّة.

ومن المناسب جداً أن نستعرض بعض الشواهد من مواقفه الجريئة بعد

١٤١

الصلح، المبرِزة لتلك الشجاعة والبطولة التي تحلّى بها آل أبي طالبعليهم‌السلام .

الموقف الأوّل: عن أبي عمر زادان قال: لمّا وادع الحسن بن عليعليه‌السلام معاوية، صعد معاوية المنبر، وجمع الناس فخطبهم وقال: « انّ الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم يرَ نفسه لها أهلاً ».

فلمّا فرغ من كلامه قام الإمام الحسنعليه‌السلام فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة وآية التطهير وبعض فضائلهم، إلى أن قال:« وإنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً فكذب معاوية، نحن أولى بالناس في كتاب الله عزّ وجل وعلى لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم نزل أهل البيت مظلومين، منذ قبض الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالله بيننا وبين مَن ظلمنا حقّنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع اُمّنا ما جعل لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

الموقف الثاني: روى الشعبي أنّ معاوية قدم المدينة فقام خطيباً فنال من علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقام الحسن بن عليعليه‌السلام فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال له: «إنّه لم يُبعَث نبي إلاّ جعل له وصي من أهل بيته، ولم يكن نبي إلاّ وله عدوّ من المجرمين، وإنّ عليّاً عليه‌السلام كان وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده، وأنا ابن علي، وأنت ابن صخر، وجدّك حرب وجدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واُمّك هند واُمّي فاطمة، وجدّتي خديجة وجدّتك نثيلة، فلعن الله ألأمنا حسباً وأقدمنا كفراً وأخملنا ذكراً وأشدّنا نفاقاً »، فقال عامّة أهل المسجد: آمين، فنزل معاوية فقطع خطبته(٥٢) .

الموقف الثالث: قال معاوية للحسن بن عليعليه‌السلام : أنا خير منك يا حسن، قال: «وكيف ذاك يا ابن هند؟! »، قال: لأنّ الناس أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك.

قال: «هيهات هيهات لشرّ ما علوت، يا ابن آكلة الأكباد، المجتمعون

١٤٢

عليك رجلان: بين مطيع ومُكرَه، فالطائع لك عاص لله، والمُكرَه معذور بكتاب الله، وحاش لله أن أقول: أنا خير منك فلا خير فيك، ولكنّ الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل »(٥٣) .

السادس: إنّ الرسائل بتسلسلها الزمني المذكور وما رافقها من الحوادث والضغوطات تخلق في ذهنية القارئ - شاء أم أبى - العذر للإمامعليه‌السلام في قبوله اُطروحة الصلح، وتوجد في نفسيته القناعة التامّة على أنّه الرأي الأصوب في وقته، ولم يكن الوضع ليحتمل الحرب والقتال مع معاوية أبداً.

السابع: وأخيراً يتّضح للقارئ - وهو يمر في مسلسل الرسائل والظروف المحيطة بها - ظلامة الإمام الحسنعليه‌السلام التاريخية، وقسوة بعض الباحثين حول شخصيته ممّن لم يكن لهم دين ولا فكر مكين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الهوامش

__________________

(١) معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة للعلاّمة الشيخ محمّد بن الفيض الكاشاني المحسن بن المرتضى، ج ١، ص ٢.

(٤) شرح النهج ج ١٦، ص ٣٠.

(٥) نهج البلاغة: من وصيّته لابنه الإمام الحسنعليهما‌السلام الكتاب رقم ٣١.

(٢) الزخرف، آية ٤٤.

(٦) شرح نهج البلاغة: ج ١، ص ٥٤.

(٣) رواها الأربلي في كشف الغمّة، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٦، ص ٢٢ نقلها عن أبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين، ونقلها عنه المجلسي في البحار ج ٤٤، ص ٤٠، والكاشاني في معادن الحكمة.

(٧) شرح نهج البلاغة: ج ١، ص ٢٣.

(٨) البحار: ج ٤٤، ص ٦٣.

(٩) شرح نهج البلاغة: ج ٦، ص ٣.

(١٠) الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج ١، ص ١٨، شرح النهج: ج ٦، ص ١١، راجع مناظرات في الإمامة لعبد الله الحسن ص ٣٩ وما بعدها ففيه ذكر

١٤٣

كثير من احتجاجات أهل البيتعليهم‌السلام

(٣٤) أهل البيت لتوفيق أبو علم: ص ٣١٦.

(١١) شرح نهج البلاغة: ج ٦، ص ٢١.

(٣٥) شرح نهج البلاغة: ج ١، ص ٣٧، والبحار: ج ٤٤، ص ٥٥ باختلاف يسير.

 

(١٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ١، ص ٢٢١.

 

(١٣) النظام السياسي في الإسلام نقلاً عن الطبري: ج ٣، ص ٢٠٩ - ٢١٠.

(٣٦) أهل البيت: ص ٣١٧.

 

(٣٧) نهج البلاغة الكتاب رقم ٤٤.

 

(١٤) شرح نهج البلاغة: ج٢، ص٤٤.

(١٥) نهج البلاغة الكتاب رقم ٩.

(٣٨) رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ٣١، والعلاّمة المجلسي في البحار: ج ٤٤، ص ٤٥، والكاشاني في معادن الحكمة: ج ٢، ص ٧، عن الإرشاد للشيخ المفيد: ص ١٧٠، وجاءت في مقاتل الطالبيين أيضاً.

 

(١٦) عند غير أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم إذ يرونها بالنص.

 

(١٧) شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ١٢.

 

(١٨) البحار: ج ٤٤، ص ١٢.

 

(١٩) الشورى، آية ٤٢.

(٣٩) شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ٣٧.

 

(٢٠) راجع مفردات الراغب مادة بغى.

(٤٠) أهل البيت: ص ٣١٧ - ٣١٨.

(٢١) الكتاب رقم ٣٠.

(٤١) المائدة، آية ٢٣.

(٢٢) الكتاب رقم ٣٢.

(٤٢) شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ٣١.

(٢٣) شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ٣٥.

(٤٣) أهل البيت: ٣٠٩.

(٢٤) أهل البيت لتوفيق أبو علم: ص ٣١٥.

(٤٤) البحار: ج ٤٤، ص ٤٤.

(٢٥) نهج البلاغة الكتاب رقم ٢٨.

(٤٥) المصدر السابق: ص ٤٥.

(٢٦) شرج نهج البلاغة: ج ٢، ص ٢٦٦.

(٤٦) البحار: ج ٤٤، ص ٤٤.

(٢٧) المصدر السابق: ج ٢، ص ٢٦.

(٤٧) البحار: ج ٤٤، ص ٣٤.

(٢٨) الأنفال، آية ٧٥.

(٢٩) آل عمران، آية ٦٨.

(٤٨) استلأم: لبس اللأمة وهي الدرع، وكفّرها: سترها.

 

(٣٠) شرح نهج البلاغة: ج ١، ص ١٦٩.

 

(٣١) نهج البلاغة الكتاب رقم ٢٨.

(٤٩) علل الشرائع: ج ١، ص ٢٥٩.

(٣٢) شرح نهج البلاغة: ج ١، ص ٢٢٢.

(٥٠) البحار: ج ٤٤، ص ٣٣.

(٣٣) شرح نهج البلاغة: ج ١٦، ص ٣٧.

(٥١) علل الشرائع: ج ١، ص ٢٦٠.

(٥١) علل الشرائع: ج١، ص٢٦٠.

(٥٢) البحار ج ٤٤، ص ٦٣.

(٥٣) المصدر السابق ص ٩٠.

١٤٤

القسم الثاني

الجانب الأدبي

الشيخ عبد المجيد فرج الله

الاستاذ ثامر الوندي

الشيخ نزار سنبل

الشيخ قاسم آل قاسم

الاستاذ معروف عبد المجيد

الاستاذ يقين البصري

الاستاذ فرات الأسدي

الشيخ علي الفرج

١٤٥

١٤٦

واقع الشعر الإسلامي بعد الخلافة

الشيخ عبد المجيد فرج الله

الحلقة المفقودة والإنعطافة الخطيرة التي تفصل بين أدب صدر الإسلام والأدب ( الاُموي )، هي الفترة العصيبة التي عاشها الإمام الحسنعليه‌السلام بعد شهادة أبيه الإمام عليعليه‌السلام .

وقد سحقت العجلات الاُمويّة وجهاً ناصعاً للأدب العربي الأصيل توّجته نصوص معركة صفّين الكثيرة جداً، كما سحقت كثيراً من المُثُل والتعاليم والمتبنّيات الإسلامية.

وكان بالنتيجة ان عادت وجهة الأدب إلى الانحدار الجاهلي من جديد، لولا نثار صادق أصيل ظل يواصل المقاومة على الرغم من الانسحاق والاحتضار والتعتيم.

والحقّ أنّ الشعر العربي قد مرّ من قبل ومن بعد بامتحانين عسيرين:

أحدهما: النتيجة العسكرية لحرب صفّين وما تبعها من انقسام واضطراب بين أفراد معسكر الإمام عليعليه‌السلام ، حين تمرّد بعضهم الأكبر على قراراته وأجبره

١٤٧

على الصلح، فتبيّن لهم فيما بعد خطؤهم وانخداعهم.

وقد جرّ هذا إلى الاغتيال الأثيم لأعظم شخصية إسلامية بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد الكوفة.

الثاني: اضطرار الإمام الحسنعليه‌السلام إلى القبول بمصالحة معاوية وتنازله عن الخلافة - بشروط يجب أن لا تُغفَل أبداً - من أجل المحافظة على القلّة القليلة من رجال الإسلام المخلصين.

لقد وصل الوضع المتردّي في التناحر على السلطة حدوداً مجنونة تجعل جلّ الفئات التي تتطاحن مع صاحب الخلافة الشرعي ( الإمام الحسن ) على شفير هاوية سحيقة.

وكان مركز الصراع في قريش، وقريش هي مركز السيادة والحكم، والناس ينجذبون إلى أقطابها المتنافرة.

على أنّ أبغض قطب وأمقته لدى الناس هو قطب بني اُميّة، على الرغم من كثرة الملتفّين حوله والداعين إليه نتيجة الحملات الدعائية والمالية التي أطمعت الناس وجعلتهم ينضمون إلى الحزب الاُموي طلباً للمال والجاه الدنيوي.

أمّا الخليفة الشرعي فكان على أعلى درجات الحنكة والبصيرة، لأنّه رأى في وجوده ضرورة من أجل دوام الإسلام والمحافظة على المسلمين.

وحين وجد في جيشه انتكاساً نفسياً وعددياً أمام الجيش الاُموي ( المرتزق )، آثر الإبقاء على ثلّة المؤمنين الصالحين الذين هم وقود الحرب ورأس الحربة في عسكره غير المتكافئ أمام العسكر الاُموي.

فصالح على شروط تذكرها كتب التاريخ، وكان وقع الصلح ثقيلاً على المخلصين من جند الإمام - وهم قلّة(١) ..

وقد أرّخ الفارس المؤمن قيس بن سعد قائد جيش الإمام الحسنعليه‌السلام هذه

١٤٨

المرارة حين عرف بالخبر وهو يستعدّ للمواجهة، حيث قال:

أتانا بأرض العال من أرض مسكنٍ

بأنّ إمام الحق أضحى مسالما

فما زلتُ مذ نبّئتُه متلدّدا

أراعي نجوماً خاشع القلب ناجما

ولا بد من أن أشعاراً اُخرى قد تحدّثت عن هذا الأمر لكنّها لم تصل إلينا بسبب سياسة التعتيم والإلغاء الاُموية.

وعلى الرغم من الصلح واستتباب الاُمور لمعاوية، إلاّ أنّ الفرق كان شاسعاً بين حكم يقوم على أساس العدل والاستقامة والصلح الإسلامي، وبين حكم فردي قبلي يستمدّ رؤاه وتصوراته من كوّة الجاهلية التي لم تدخل في الإسلام إلاّ خوفاً وطمعاً.

وكان الاُمويون يشعرون بضخامة الهوّة بينهم وبين الخلفاء الشرعيين - أهل البيتعليهم‌السلام - ويعانون من عقدة النقص أمامهم فيحاولون التنفيس عن عناء هذه العقدة بمواقف تجيء نتائجها سلبية في الغالب(٢) .

ومنها أنّ مفاخرة جرت بين القرشيين والإمام الحسنعليه‌السلام حاضر لا ينطق، فقال معاوية للإمام: يا أبا محمّد: ما لك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان ( وواضحة أبعاد كلام معاوية وكأنّه يحاول تعريف الأشياء حسب ما يريد ) فقال الإمام: «ما ذكروا من فضيلة إلاّ ولي محضها ولبابها ».

ثم قال هذا البيت الذي يختصر تاريخاً حافلاً ما يزال محفوراً في الأذهان:

فيمَ المراءُ وقد سبقتَ مُبرّزا

اسبقَ الجوادِ من المدى المُتباعدِ

وبعد مناظرة ثانية يقول الإمامعليه‌السلام :

الحقُّ أبلجُ ما يحيل سبيله

والحقُّ يعرفه ذوو الألبابِ(٣)

وفي مرّة يصرّ مروان على إحراج الإمامعليه‌السلام وإيذائه بالكلام، لكنّهعليه‌السلام

١٤٩

يصدع بالحقّ هادراً في كلام يفيض أدباً ثم يختمه بهذه الأبيات:

ومارست هذا الدهر خمسين حجّةً

وخمسا اُزجِّي قائلاً بعد قائلِ

فلا أنا في الدنيا بلغت جسيمها؟

ولا في الذي أهوى كدحت بطائلِ

وقد شرعت دوني المنايا أكفّها

وأيقنت أنّي رهنَ موتٍ مُعاجلِ

وبالإضافة إلى الجانب الوعظي الذي يعتبر صرخة في الضمير الاُموي المشرف على الهلاك الذي ضمّته هذه الأبيات إلاّ أنّ في البيت الأخير إشارة صريحة إلى توجّس الإمام من الغدر الاُموي، وهو بذلك يرسي واحدة من قواعد الشاعر الملتزم بمبادئه، فهو يقول كلمته حتى ولو كانت سبباً للمتاعب والأخطار، لأنّ الشاعر ضمير الاُمّة الحي وحامل همومها وآمالها.

وقد تربّى شعراء مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام بهذه التربية على مرّ العصور، وليست بعيدة عن ذاكرة المثقّف العربي موقف شعراء كبار مثل الفرزدق والكميت ودعبل الخزاعي والسيد الحميري وكثير أمثالهم.

وبالإضافة إلى الفائدة الجمّة من هذه المواقف في إرساء الشجاعة والجرأة لدى الأديب الإسلامي، فإنّ هناك فوائد اُخرى لا يُستهان بها؛ إذ أزاح بعض تلك المواقف الستار الكثيف من التعتيم والتضييع على كثير من النصوص الشعرية، بل وحتى الحقائق التاريخية المغيّبة.

ففي محاورة طويلة عاصفة بين الإمام الحسنعليه‌السلام وبين معاوية وعمرو بن العاص والوليد بن المغيرة، يكشف الإمامعليه‌السلام كثيراً من الحقائق المطموسة، ثم يأتي على نصوص شعرية منسيّة تزيح القناع عن الوجوه الكالحة، ومنها قصيدة عمرو بن العاص حين أراد الخروج إلى النجاشي في محاولة لاستعادة المهاجرين المسلمين الأوائل الذين فرّوا بدينهم إلى أرض الحبشة وفيها يقول:

تقول ابنتي أين هذا الرحيلُ؟

وما السيرُ منّي بمُستنكَرِ

١٥٠

فقلت ذريتي فأني أمرؤُ

أريدُ النجاشيّ في جعفر

لأكويَهُ عنده كيّةً

اُقيم بها نخوةَ الأصعر(٤)

ومثلها قول الحطيئة الذي استشهد به الإمام في معرض ردّه على الوليد:

شهد الحطيئة حين يلقى ربّه

أنّ الوليد أحقّ بالعذرِ

نادى وقد تمّت صلاتُهمُ

أأزيدكُم - سُكْراً - وما يدري

ليزيدهم اُخرى، ولو قَبِلوا

لأتت صلاتُهمُ على العَشْر(٥)

وقد قال الحطيئة ذلك حين صلّى الوليد بالمسلمين الفجر وهو سكران وتظهر فيها فنية التهكّم ( الحطيئي ) بجلاء.

ويعيد الإمامعليه‌السلام إلى الأذهان قول الشاعر ( وهو حسّان بن ثابت ) حين تفاخر الوليد والإمام عليعليه‌السلام فنزلت الآية:( أفمَن كان مؤمناً كمَن كان كافراً لا يستوون ) (٦) :

أنزل الله والكتابُ عزيزٌ

في عليٍّ وفي الوليدِ قُرانا

فتبّوا الوليدُ إذ ذاك فِسقاً

وعليٌ مُبوّأٌ إيمانا

ليس مَن كان مؤمناً - عَمركَ اللّ‍

‍هُ - كمَن كان فاسقاً خَوّانا(٧)

ويذكر الإمام الحسنعليه‌السلام بقول الشاعر نصر بن حجّاج الذي أوّله:

يا للرجال لِحادث الأزمان

ولِسبّة تُخزي أبا سفيان(٨)

وحين ينتهي قول الإمام يقول معاوية كلاماً ينمّ عن لؤم أولئك الذين أرادوا النيل من الإمام، فما كان إلاّ خزيهم وعارهم، ثم قال شعراً في ذلك:

أمرتُكم أمراً فلم تسمَعوا له

وقلتُ لكم لا تبعَثُنّ إلى الحَسَنْ

فجاء وربِّ الراقصات عشيّةً

بِرُكبانِها يَهوِينَ في سُرّة اليَمَن

أخاف عليكم منه طولَ لسانه

وبُعدَ مداهُ حين إجراره الرّسَن

فلمّا أبيتم كنتُ فيكم كبعضكم

وكان خطابي فيه غَبناً من الغَبَن

١٥١

فحسبُكمُ ما قال ممّا علِمتُم

وحسبي بما ألقاه في القبروالكفن(٩)

ويترسّخ ذلك أكثر في أبيات الفضل بن العبّاس بعد مناظرة بين معاوية وبين أخيه عبد الله بن عباس حيث يقول:(١٠)

ألا أبلغ معاوية بن صخرٍ

فإنّ المرء يعلمُ ما يقولُ

لنا حقّان: حقُّ الخمس جارٍ

وحقُّ الفيء، جاء به الرسول

فكلُّ عطية وصلت إلينا

وإن سحبتْ لطالبها الذيول

أتيح له ابن عبّاس مجيباً

فلم يدر ابن هند ما يقول

فأدركه الحياء فصدّ عنه

وخطبُهُما إذا ذُكِرا جليل

وللفضل بن العبّاس نصوص عديدة تصبّ في هذا التيار(١١) .

وبذلك تأخذ المناظرات الشعرية القائمة على الاحتجاج والأدلّة والبراهين الثابتة على اُسس إسلامية أهمّها الكتاب والسنّة شكلاً جديداً، وإن كان مستمداً من الفترات السابقة، وكلّ ذلك كان يسهم في ترسيم صورة منحى هذا النوع الذي تقوّم على يدي الكميت بن زيد الأسدي(١٢) .

وقد تبع شعراء آخرون هذا السبيل في مواجهة الحقبة الاُمويّة وهم يتوسمون خطوات أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن هؤلاء الشعراء شريك بن الأعور، ويزيد بن مفرغ الحميري، وثابت بن عجلان الأنصاري، والنعمان بن بشير الأنصاري ( بعد أن هجا الأخطل الأنصار )، ومن الشواعر هند بنت يزيد بن محزبة الأنصارية، وسودة بنت عمارة، وبكارة الهلاليّة، واُمّ سنان بنت جشمة المذحجية، ومن المتكلّمات عكاشة بنت الأطرش والزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية...الخ.

وللتدليل على ذلك نأخذ بعض نصوص أولئك الشعراء والشواعر، ليتبيّن للقارئ الكريم مقدار تأثير أهل البيتعليهم‌السلام على اتجاهات شعر ( المعارضة )

١٥٢

الأصيل الذي ضاع أغلبه أو ضيّع لأسباب قديمة وحديثة معروفة:

يقول شريك بن الأعور بعد مواجهة كلامية حامية مع معاوية في مجلسه:

أيشتمني معاوية بن حربٍ

وسيفي صارمٌ ومعي لساني؟

وحولي من ذوي يَمَن ليوثٌ

ضراغمةٌ تهشُّ إلى الطّعان

وإن تك للشقاء لنا أميراً

فإنّا لا نقيم على الهوان(١٣)

ويقول يزيد بن مفرغ الحميري أبياتاً بعد أن ادّعى معاوية أنّ أباه - أبا سفيان - قد واقع اُمّ زياد حينما كانت زوجة لعبيد الله فأولدها زياداً وجاء معاوية بأبي مريم الخمّار ليشهد بذلك في جامع دمشق، كل هذا من أجل استمالة زياد بن أبيه دون مراعاة المشاعر الإسلامية والتقاليد الدينية يقول يزيد بن مفرغ:

ألا أبل معاوية بن حرب

لقد ضاقت بما تأتي اليدانِ

أتغضب أن يُقال: أبوك عفٌّ

وترضى أن يُقال: أبوك زاني

فاشهد أن رحْمَك من زيادٍ

كرحمِ الفيلِ من وَلَدِ الأتان(١٤)

ويقول ثابت بن عجلان الأنصاري في مجلس معاوية بعد كلام طويل:

بنو هاشم أهل النبوّة والهدى

على رغم راض من معد وراغمِ

بهم أنقذ الله الأنام من العمى

وبالنفر البيض الكرام الخضارم

فما أنت يا ابن العاص ويلك فازدجر

ولا ابنُ أبي سفيانَ أمثال هاشم(١٥)

وتستعاد أبيات سودة بنت عمارة الهمدانية ( وهي اخت مالك الأشتر أو ابنته ) في مجلس معاوية بعد محاورة بينهما ترثي الإمام عليّاًعليه‌السلام وقد أثار شعرها غضب معاوية:

صلّى الإله على روح تضمّنهُ

قبرٌ، فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالفَ الحقّ لا يبغي به ثمناً

فصار بالحقّ والإيمان مقرونا(١٦)

وتقول بكارة الهلالية في مجلس معاوية:

١٥٣

قد كنتُ أطمع أن أموت ولا أرى

فوق المنابر من اُميّة خاطبا

فالله أخّر مدّتي فتطاولت

حتى رأيتُ من الزمان عجائبا

في كلّ يوم للزمان خطيبهم

بين الجميع لآلِ أحمد عائبا(١٧)

وتقول اُمّ سنان بن جشمة:

إمّا هلكتَ أبا الحسين فلم تزل

بالحقّ تُعرَف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامةٌ قمريّا

قد كنتَ بعد محمّد خلفاً كما

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خَلَفٌ يؤمَّل بعده

هيهات نمدح بعده إنسيا(١٨)

وتقول هند بنت محزبة الأنصارية في أمر حجر بن عديرحمه‌الله :

تَرفّعْ القمر المنير ترفّع

هل ترى حجراً يسيرُ

يسير إلى معاوية بن حرب

ليقتله كما زعم الخبير

تجبّرتِ الجبابرُ بعد حجر

وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محولا

كأن لم يحيها يومٌ مطير

ألا يا حجرُ حجرَ بني عدي

تلقّتْك السلامةُ والسّرور

أخاف عليك ما أدري عديا

وشيخاً في دمشق له زئير

فإنْ تهلكْ فكلّ عميدِ قومٍ

إلى هُلكٍ من الدنيا يصير(١٩)

وتبقى قصيدة عبد الله بن خليفة الطائي شاهدة على معاناة الشاعر الملتزم في زمن الطغيان الاُموي.

وهي بعدد أبياتها ( ذكر منها الطبري ٥٦ بيتاً )، وبتصويرها الصادق المعبّر عن الأحاسيس بكل ما لدى الشاعر عن عفوية وخوف وترقّب، تُعَد من أحسن الشواهد الأدبية والتاريخية على الوضع الاجتماعي والاضطهاد السياسي والأدبي:

١٥٤

يقول عبد الله بن خليفة في جانب من قصيدته وهو يتحدّث عن منفاه:

فمَن لكم مثلي لدى كلّ غارة

ومَن لكم مثلي إذا البأس أصحرا

ومَن لكم مثلي إذا الحرب قلّصت

وأوضعَ فيها المستميتُ وشمّرا

فها أنا ذا داري بأحبال طيئ

طريداً، ولو شاء الإله لغيّرا

نفاني عدوي ظالماً عن مهاجَري

رضيت بما شاء الإله وقدّرا

وأسلمني قومي لغير جناية

كأن لم يكونوا لي قبيلا ومَعْشرا

ونخلص من كل ذلك إلى أنّ خطّ المعارضة الشعري هو صفوة الشعر الإسلامي في تلك الفترة، وقد سجّل حضوراً متميزاً على الرغم من التعتيم والتهميش الذي مورس بأبشع الوسائل والأساليب من أجل خنق الصوت الحرّ الواعي المنتمي لأصالته.

وهذا الخط هو في واقعه امتداد للأدب الإسلامي الذي انطلق بعد الدعوة المحمّديّة، وكان مقّدراً له مواصلة الشوط ليزهر أكثر فأكثر، لولا الردّة الأدبية والسياسية والاجتماعية الاُموية.

وقد اتخذت هذه الردّة أشكالاً عديدة ورافقتها نتائج مؤثّرة ومن تلك الأشكال والنتائج:

١ - حاول الاُمويون بكل ما يستطيعون استقطاب الشعراء الأقل شأواً والأخمل ذكراً وأغدقوا عليهم الأموال ووسائل الترف والترفيه ليكونوا عوناً إعلامياً لهم من جانب، وليشوشوا على ذلك الصوت الشعري الأصيل من جانب آخر(٢٠) .

٢ - تحييد وإلهاء الشعراء الكبار عن طريقين؛ مباشر: بالترغيب والترهيب والإقصاء والتقريب، وغير مباشر: بتحريض شعراء آخرين على النيل منهم للانجرار إلى أغراض بعيدة عن الروح الإسلامية مثل الهجاء، والردّ على المجون

١٥٥

والقذف بمجون وقذف مضاد، وهكذا تتصاعد حدّة المواجهة يوماً بعد آخر، ويكون بالنتيجة تحييد الشاعر أوّلاً، وتحطيمه معنوياً ثانياً، وإلهاء الناس بالمشاحنات والعداوات والمشاعر القبلية من أجل إبعاد تفكيرهم عن دائرة السلطة الاُمويّة ثالثاً(٢١) .

٣ - الهبوط بالشعر من جديد - بعد فترة الارتقاء النسبي في صدر الإسلام - ليصبح وسيلة لتفتيت الأخوّة الإسلامية والوحدة الفكرية والاجتماعية والدينية بين أفراد المجتمع الإسلامي(٢٢) .

٤ - انحسار الشاعر عن آفاقه الرحبة وتخلّيه عن موقعه الفني المؤهّل للنمو وتراجعه إلى حدود دنيا، بسبب ربطه بالولاء القبلي الضيق، وبالولاء السياسي الداعم لنظام الحكم الاُموي(٢٣) .

٥ - تصاعد وتائر التضييق والتهميش والمصادرة والتي تستهدف الشعر الملتزم، لتصبح الآن ذاتية يحرّكها الشعراء أنفسهم لا النظام الحاكم فقط(٢٤) .

٦ - تشتّت الانطلاقة الاُولى القوية للشعر في صدر الإسلام والتي كانت تتمحور حول شخصية المثل الأعلى ( الرسول - الإمام )، وما نتج عن ذلك من تبعثر التطور والإبداع، خاصّة حين يفتقد الشاعر قدوته الحسنة من أعلى منصب في الهرم الإسلامي ( الخلافة )(٢٥) .

٧ - الابتعاد عن معين القرآن والأقوال النبويّة الشريفة وخطب الإمام عليعليه‌السلام واُسلوبه الأدبي المتميز، مع العلم انّ في هذا الثالوث القيم أرقى درجات الفنية والسمو الأدبي(٢٦) .

٨ - إدخال الغناء في دائرة الاهتمام الشعبي، ممّا فرض على الشاعر تلقائياً مجاراة نفس الغناء واُسلوبه وأفكاره، حتى وإن كانت منحطّة أو ركيكة(٢٧) .

٩ - المساهمة في قيام الغزل الماجن والقصص الغرامي البعيد عن الروح

١٥٦

الإسلامية(٢٨) ، وإن نتج عن ذلك شيء حميد كردّة فعل طبيعية فطرية لدى الشاعر البدوي المنصهر بالإسلام فظهر شعر الحب العذري ومن ثم الشعر الصوفي.

ممّا حدا بأولئك المشبوهين إلى حرف شعر الحب وتوجيهه وجهات فجّة من خلال خلق قصص غرامية أو حتى خلق نصوص ملفّقة تنسب إلى هذا الشاعر أو ذاك لإفساد جوّه النقي، أو تشويه صورته المستقيمة في أنظار الناس(٢٩) ..

وهناك حقيقة مهمة تستحق الدراسة والتأمّل وهي وشائج القربى بين شخصيات شعر الحب ( وبالأخصّ كثير عزّة وجميل بثينة وقيس بن ذريح ) وبين خط الشعر الإسلامي ( المعارض ).

وعلى الرغم من كل ذلك ظل الشعر المرتبط بأهل البيتعليهم‌السلام جمراً تحت الرماد، حتى فاجعة كربلاء فانطلق بكل قوّة واحتجاج ولم يهدأ حتى هذه اللحظة وهو يحمل أصالة الانتماء إلى الإسلام فكراً ورؤى واستشراقاً للمستقبل، مع محافظته على تأثيرات القرآن ونصوصه المقدّسة فجاء صادقاً رقيقاً طافحاً بالحبّ والحزن والثورة في آن معاً.

الهوامش

__________________

(١) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(٣) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(٤) بحار الأنوار: ج ٤٤ ص ١٠٣.

(٢) ابن أعثم الكوفي: ج٤ ص٢٩٢ وقد وردت الكلمة الأخيرة من البيت الأوّل هكذا ( مسلما ) وهو خطأ واضح ولعلّه مطبعي.

(٥) المصدر السابق: ج ٤٤ ص ١٠٣.

(٦) العقد الفريد: ج ٣ ص ٨١.

(٧) أعيان الشيعة: ج ١ ص ٥٧٥.

١٥٧

(٨) المصدر السابق.

(٣٢) من تاريخ الأدب العربي لطه حسين: ج ١ ص ٥٠٠.

(٩) السجدة: ١٨.

(١٠) أعيان الشيعة: ج ١ ص ٥٧٥.

(٣٣) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(١١) المصدر السابق.

(١٢) المصدر السابق.

(١٣) مختصر تاريخ دمشق: ج ٢٠ ص ١٨٢.

(١٤) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(١٥) نفس المصدر.

(١٦) المستطرف: ج ١ ص ٢٥٧.

(١٧) تاريخ الطبري: ج ٣ ص ٢٥٧.

(١٨) أعيان الشيعة: ج ٤ ص ١٤.

(١٩) العقد الفريد: ج ١ ص ٣٣٥.

(٢٠) نفس المصدر: ج ١ ص ٣٣٧.

(٢١) المصدر نفسه: ج ١ ص ٣٤٠.

(٢٢) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(٢٣) تاريخ الطبري: ج ٤ ص ٢١٠.

(٢٤) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي - الجزء الثاني -.

(٢٥) نفس المصدر.

(٢٦) نفس المصدر.

(٢٧) نفس المصدر.

(٢٨) نفس المصدر.

(٢٩) نفس المصدر.

(٣٠) نفس المصدر.

(٣١) نفس المصدر.

١٥٨

ثمرة الاقتران المقدّس

دراسة في مستويات التلقّي

الاستاذ ثامر الوندي

هناك شرطان منهجيان يجب على النصوص أن تحقّقهما قبل أن يُسمح لهما بالاصطفاف بين دفّتي هذا المنشور الذي خُصّص لإحياء مولد السبط المجتبى الإمام الحسنعليه‌السلام .

الشرط الأوّل هو الموضوع والثاني هو السمة المتولّدة عنه، فالموضوع هو ولادة الإمام الحسنعليه‌السلام ثمرة الاقتران السماوي المتحقّق على الأرض بين سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليهما‌السلام ومولى الموحّدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . أمّا السمة المتولّدة عن هذا الموضوع أو الأثر التابع لهذه الولادة الشريفة، فهو الحالة الشعورية الوجدانية التي تنتاب المتفاعلين والمنفعلين مع ذكرى الولادة، وجليّ انّها حالة الفرح والسرور والسعادة، فتنتظم التجربة الشعرية فيما يسمّى ب‍ - شعر المناسبات - موضوعاً وأثراً.

والكلام عن هذا النوع من الشعر يحتاج إلى بحث موسّع، لكنّنا سنؤشّر

١٥٩

بعض الإشارات التي يتقاطع أو يتوازى أو يتلاقى فيها موقفان: أخلاقي، وجمالي، حول رفض أو قبول هذا الشعر.

يمكننا أن نقول على وجه الإطلاق أنّ التجربة الجمالية - أدباً أو فنّاً - لا تصدر إلاّ عن الحياة - محاكاة أو انعكاساً أو تمثيلاً - وحتى التخيّل والتخييل فمادتهما مفردات مسحوبة من تفاصيل حياتيّة يوميّة ارتقت إلى مستوى الخيال عن طريق نسق خاص من العلاقات، وإلاّ فهي من نفس المنبع، فلماذا لا نسمّي اللّقاء بين صاحب التجربة الجمالية وبين مفردات الحياة مناسبة؟ فمثلاً عندما يمرّ رسام على منطقة جبلية فيها من الوديان وانحدارات المياه وتشابك الأغصان ما يشكّل لديه قناعة بالموضوع فيجلب أدواته ويبدأ بالرسم، ألم يكن هذا اللقاء مناسبة؟ ولو كان نفس هذا الرسام بعيداً عن هذا المكان ولم يزره من قبل، وسمع عن هذا الجمال البعيد فقرّر الذهاب إليه لرسمه، ألا يمكننا ان نعدّ هذا اللقاء مناسبة أيضاً؟ وللاختصار أرى أنّ هناك تجارب في الفن التشكيلي تدّعي اللامناسبة ( مثل تجارب الفنان الروسي كاندنسكي والفنان الهولندي موندريان في التجريد اللاموضوعي )، لكن محاولتها لإغفال الموضوع وتعويمه هي لقاء أيضاً مع اللاموضوع فتحقّق مناسبة أيضاً. وبنفس الطريقة التي يقول عنها الكاتب والفيلسوف الانكليزي جورج برناردشو: « ان نرفض الفلسفة يعني أن نتفلسف ».

فالمناسبة هي الانصهار والتلاحم مع حدث أو واقعة أو شيء أو ظاهرة أو أيّ مفردة اُخرى من مفردات الحياة التي تفرض شروطها وبكل صرامة على النتاج الجمالي فنّاً أو أدباً.

٢ - يجب التفريق بين مناسبة لها سمات القصدية والتحديد والتوقيت، وبين مناسبة تحدث بتلقائية وعفوية فتثير تجربة جمالية معيّنة، سيكون هناك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220