المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي30%

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 182

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73457 / تحميل: 7387
الحجم الحجم الحجم
المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

١١ - وفي اُصول الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى، عن ابن بكير، عن زرارة قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنَّ للقائم غيبة قبل ان يقوم، انه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل»(١) والسند من أصح الاسانيد بلا خلاف.

١٢ - وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي: عن الاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام قال: «لصاحب هذا الامر - يعني الاِمام المهدي عليه السلام - غيبتان، احداهما تطول، حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: قُتل، وبعضهم: ذهب...»(٢) .

وقد مرّ نظير هذا - بسند صحيح - في الحديث رقم ٦ و ٧، فراجع.

١٣ - وفي كمال الدين: «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن الربيع المدائني(٣) قال: حدثنا محمد بن اسحاق، عن أُسَيْد بن ثعلبة عن أُم هانئ قالت: لقيتُ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فسألته عن هذه الآية:( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿١٥﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) ؟ فقال: إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٤٠/١٨ باب ٨٠ وأخرجه الصدوق بسند صحيح على الاصح من وثاقة محمد بن علي ماجيلويه. كمال الدين ٢: ٤١٨/١٠ باب ٤٤.

(٢) عقد الدرر: ١٧٨ باب/٥.

(٣) أورده في الكافي ١: ٣٤١/٣٣ باب ٨٠، (... عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني) والظاهر صحته، لعدم رواية سعد والحميري عن أحمد بن الحسين ابن عمر بن يزيد، بل روى سعد في مواضع كثيرة عن أحمد بن الحسن والمراد به ابن علي بن فضال الفطحي الثقة، واما عن عمر بن يزيد فسواء كان هو الصيقل أو بياع السابري، فان وفاته قبل الغيبة بعشرات السنين.

١٠١

يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإنْ أدركتِ ذلك قرّتْ عينُكِ»(١) .

ويلاحظ في سند الحديث أنّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتفاق ومن قبله كذلك، وهو قد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته، وأمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر، هو تقدم وفاتهم لِما في الخبر من إعلام معجز تحقق بعد وفاتهم، وورد بنقل الثقات عنهم، فالخبر شاهد على صدقهم.

٤١ - وفي كمال الدين: بسند صحيح، قال: «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعتُ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: وَلِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لانكم « لاترون شخصه »، ولايحلّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم »(٢) .

وهذا السند حجة لوثاقة رجاله، والعلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الاجلاء كما يعلم من رجال النجاشي في ترجمة العمركي البوفكي(٣) .

ونكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع التنبيه على ثلاثة أُمور وهي:-

الاَول: إنَّ الحديث الاَخير لايدل على عدم رؤية الاِمام المهدي مطلقاً؛ لاَنّ قوله عليه السلام: (لاترون شخصه) إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية

____________

(١) كمال الدين ١: ٣٢٤/١ باب ٣٢، وأخرجه في نفس الباب عن أُم هانئ عن الاِمام الباقر عليه السلام ١: ٣٣٠/١٥ باب ٣٢ باختلاف يسير.

(٢) كمال الدين ٢: ٣٨١/٥ باب ٣٧، والكافي ١: ٣٢٨/٣ باب ٧٥.

(٣) رجال النجاشي: ٣٠٣/٨٢٨.

١٠٢

المعلل بوقوع الطلب أي الخوف على حياة الاِمام المهدي عليه السلام في أحاديث أُخرى صحيحة(١) ، يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعنى: إنّكم لاترون إمامكم المهدي كلما أردتم، إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلما أردتم؛ لاَنّه سيكون في غيبة عنكم، وإياكم أن تذكروه باسمه لكي لايعرفه اعداء الله فيدركوا أثره.

والحاصل: إنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لاَجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة، وتوجهه للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه عليهما السلام كما سيتضح في هذا الفصل.

الثاني: إنّ ماذكرناه من النصوص لايمثل في الواقع إلاّ جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علمية، بمعنى: إنّا لم نبحث عن الاَسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك، وانما كوسيلة لاِثبات المدعى، وإلاّ فنحن لسنا بحاجة إلى الاَسانيد اصلاً، لسببين:

أحدهما: توفر الدليل القاطع على استمرار وجود الاِمام المهدي إلى آخر الزمان، وقد مرّ بيان ذلك مفصلاً، ومع هذا فأي حاجة تبقى للاَسانيد؟

الآخر: توفر الدليل على أنّ الاَحاديث المروّية في المهدي عليه السلام قد اُخِذت مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته عليه السلام بعشرات السنين، وقد شهد الصدوق بذلك، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على الاصطلاح لايقدح بصحتها لكون الاِخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين،

____________

(١) سنشير إلى تلك الاحاديث في أدلة ولادة الاِمام المهدي عليه السلام.

١٠٣

وهو آية صدقها.

الثالث: إن أحاديث المهدي المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أهل البيت عليهم السلام كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات الصادقين على الاِخبار عنها، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثم أخبر غيره بموته أيضاً، لا نقول له: كذبت. ولو جاء ثالث، ورابع، وخامسٌ... وعاشرٌ لا نقول لهم: كذبتم وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كل خبر من هذه الاَخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر الصادق حتى يصبح على درجة من اليقين كلما تراكمت القرآئن بحيث يتضاءل احتمال نقيضها حتى يصل إلى درجة الصفر.

إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الاَخبار على محور واحد، يستحيل معه أن لايكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.

ومن هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي وسلب دلالتها على شخصه العظيم، كما يزعمه بعض المتطفلين على علم الحديث الشريف، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد ثبوت انطباقها عليه عليه السلام، ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل، وعن ضحالة التفكير في كيفية المساس بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت، مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب، وتستظل بفيئه، وتحركها أصابعه، وتموّلها عملاؤه، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في مهب الريح، وتاركة ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من المسار الصحيح لمعرفة من هو الاِمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.

١٠٤

ولادة الاِمام المهدي عليه السلام

لسنا بحاجة إلى ما يبين ولادة الاِمام المهدي ويثبتها تاريخياً بعد أن عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على أنّه من أهل البيت، وأنّ ظهوره يكون في آخر الزمان، وعرفنا أيضاً النتيجة التي انتهى إليها البحث في طوائف نسب الاِمام المهدي، وهي أنّه لامجال للشك في كون المهدي الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وانه حسيني الاَب حسني الاُم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام.

وهذا يعني إنّ البحث عن ولادة الاِمام المهدي وبيان ثبوتها شرعاً بحث غير طبيعي لولا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته عليه السلام، كادعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود خلفٍ لاَخيه العسكري عليه السلام، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الاِمام العسكري بعد وفاته لاَخيه جعفر الكذاب أخذاً بادعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الاِمامية الاثني عشرية انفسهم ولم يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبر، إذ كيف يروي الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه لو لم يثبت لهم زيف هذا الاَمر وبطلانه؟!

إنه من قبيل رواياتهم انكار معاوية منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فانكار معاوية ثابتٌ، ومنزلة علي عليه السلام ثابتة؛ وثبات كلاهما عند الشيعة لايخالجه شكٌّ؛ لاَنه على نحو اليقين، فكذلك انكار جعفر الكذاب ثابت

١٠٥

عندهم، وتصرف السلطة على وفق ادعائه ثابت أيضاً، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي بالاقرار والعيان، وما بعدهما من برهان.

ولكن من يقتات على موائد الغرب مع انحرافه، لايبعد منه استغلال تلك الملابسات، واثارتها بثوب جديد موشى بالوان (التصحيح).

ولاَجل هذا نقول: إنَّ ولادة أي انسان في هذا الوجود تثبت باقرار أبيه، وشهادة القابلة، وان لم يره أحد قط غيرهما، فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الانساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه المقربون اليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وانصاره في كل عصر وجيل بالملايين.

ولعمري، هل يريد من استغل تلك الملابسات، وأنكر ولادة الاِمام المهدي عليه السلام أكثر من هذا لاثبات ولادته، أم تراه يقول في بلسان الحال للمهدي، كما قال المشركون بلسان المقال لجدّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاَرْضِ يَنبُوعاً، أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الاَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً، أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً، أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) (١) .

اللّهم إنّا لا نرجو هداية من عرف الحق وتمسك بالباطل؛ لاَن من لايقدر على الانتفاع بضياء الشمس، فهو على الانتفاع بنور القمر أعجز، وانما نطمح إلى ايصال الحق إلى جاهله، وتقوية الايمان به عند من

____________

(١) الاِسراء: ١٧/٩٠ - ٩٤.

١٠٦

ضعف في قلبه، فنقول:

إخبار الاِمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السلام:

ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: « قلتُ لاَبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن اسألك؟ فقال: سلْ، قلتُ: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلتُ: فإنْ حدث بك حدث فأين اسأل عنه؟ قال: بالمدينة »(١) .

والخبر الصحيح عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال: «خرج إليَّ من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده»(٢) .

والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الاَديب الفاضل ابن بندار، وأما عن محمد بن علي بن بلال فانه من الوثاقة والجلالة أشهر من نارٍ على علم بحيث كان يراجعه من مثل ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، كما هو معلوم عند أهل الرجال.

شهادة القابلة بولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام الجواد وأُخت الاِمام الهادي وعمة الاِمام العسكري عليهم السلام. وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الاِمام المهدي عليه السلام في ساعة الولادة(٣) ، وصرحت بمشاهدة الاِمام الحجة بعد

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٢٨/٢ باب ٧٦.

(٢) أُصول الكافي ١: ٣٢٨/١ باب ٧٦.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٢٤/١ و٢ باب ٤٢. وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٣٤/٢٠٤.

١٠٧

مولده(١) ، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الاِمام العسكري عليه السلام فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى،(٢) ومارية، ونسيم خادمة الاِمام العسكري عليه السلام(٣) .

ولايخفى ان ولادات المسلمين لايطلع عليها غير النساء القوابل، ومن ينكر هذا فعليه ان يثبت لنا مشاهدة غيرهن لاُمّه في مولده!

هذا وقد أجرى الاِمام العسكري عليه السلام السُنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي عليه السلام فعقَّ عنه بعقيقة(٤) كما يفعل الملتزمون بالسُنّة حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً.

من شهد برؤية المهدي من أصحاب الاَئمة عليهم السلام وغيرهم:

شهد برؤية الاِمام المهدي في حياة أبيه العسكري عليهما السلام وبإذن منه عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي عليهما السلام، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الاِمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري عليهما السلام وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من سنة (٢٦٠ هـ) إلى سنة (٣٢٩ هـ)، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر على ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم: الكليني (ت/٣٢٩ هـ) الذي أدرك الغيبة الصغرى بتمامها تقريبا، والصدوق (ت/٣٨١ هـ) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً، والشيخ المفيد (ت/٤١٣هـ)، والشيخ الطوسي (ت/٤٦٠ هـ) ولابأس بذكر اليسير جداً من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه عليه السلام ثم

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٣٠/٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٣٣/١٤ باب ٤٢.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣١/٧ باب ٤٢.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٣٠/٥ باب ٤٢، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي ٢٤٤/٢١١.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٣١/٦ باب ٤٢ و ٢: ٤٣٢/١٠ باب ٤٢.

١٠٨

الاكتفاء ببيان أسماء المشاهدين للاِمام المهدي عليه السلام مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ الاَربعة لاَجل الاختصار. فمن تلك الروايات:

ما رواه الكليني في اُصول الكافي بسند صحيح: عن محمد بن عبدالله ومحمد بن يحيى جميعاً؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري، قال: «اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن اسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إني أُريد أن اسألك عن شيء وما أنا بشاكٍ فيما أُريد أن اسألك عنه - إلى أن قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الاَئمة عليهم السلام -: فَخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك. فقلتُ له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلتُ له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، فقلتُ: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أنْ تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم، ولكن عنه عليه السلام، فإن الاَمرَ عند السلطان: أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه من لاحقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، واذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك»(١) .

ومنها: ما رواه في الكافي بسند صحيح: عن علي بن محمد وهو ابن بندار الثقة، عن مهران القلانسي الثقة قال: قلتُ للعمري: «قد مضى أبو محمد؟ فقال لي: قد مضى ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه، واشار بيده»(٢) .

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٢٩ - ٣٣٠/١ باب ٧٧، ورواه الصدوق بسند صحيح عن أبيه ومحمد بن الحسن؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري، كمال الدين ٢: ٤٤١/١٤ باب ٤٣.

(٢) أُصول الكافي ١: ٣٢٩/٤ ب ٧٦ و ١: ٣٣١/٤ باب ٧٧.

١٠٩

ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاّء المشايخ قال: «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال: قلتُ لمحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه: اني اسألك سؤال ابراهيم ربه جلّ جلاله حين قال:( رَبِّ أَرِني كَيفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئنَّ قَلْبي ) (١) فأخبرني عن صاحب هذا الاَمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبه مثل ذي واشار بيده إلى عنقه»(٢) .

ومنها: ما رواه الصدوق في كمال الدين قال: «وحدثنا أبو جعفر محمد ابن علي الاَسود رضي الله عنه قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن اسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عزّ وجل أن يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته، فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي بن الحسين وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد - ثم قال الصدوق بعد ذلك - قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: كان أبو جعفر محمد بن علي الاَسود رضي الله عنه، كثيراً ما يقول لي - إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، وأرغب في كتب العلم وحفظه - ليس بعجب أنْ تكون لكَ هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الاِمام عليه السلام »(٣) .

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال: «وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله، عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الصفواني قال: أوصى الشيخ

____________

(١) البقرة: ٢/٢٦٠.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣٥/٣ باب ٤٣.

(٣) كمال الدين ٢: ٥٠٢/٣١ باب ٤٥.

١١٠

أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم [ السفير الثالث ] فلما حضرته الوفاة، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنّه لم يُؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن»(١) .

ولايخفى إن مقام السّمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الاِمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج اليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء الاَربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من وصايا وارشادات وأوامر وكلمات الاِمام المهدي عليه السلام(٢) .

وهناك روايات أُخرى كثيرة صريحة برؤية السفراء الاَربعة كلٌّ في زمان وكالته للامام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة وها نحن نشير الى اسماء من رآه عليه السلام وهم:

ابراهيم بن ادريس أبو أحمد(٣) ، وابراهيم بن عبدة النيسابوري(٤) ، وابراهيم بن محمد التبريزي(٥) ، وابراهيم بن مهزيار ابو اسحاق الاهوازي(٦) ، وأحمد بن اسحاق بن سعد الاشعري(٧) ورآه مرة أُخرى مع سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري (من مشايخ والد الصدوق

____________

(١) كتاب الغيبة/للطوسي: ٣٩٤/٣٦٣.

(٢) وقد جمعت هذه الاُمور في ثلاث مجلدات مطبوعة بعنوان «المختار من كلمات الاِمام المهدي عليه السلام» تأليف الشيخ محمد الغروي.

(٣) الكافي ١: ٣٣١/٨ باب ٧٧، والارشاد/الشيخ المفيد ٢: ٢٥٣، وكتاب الغيبة/الشيخ الطوسي: ٢٦٨/٢٣٢ و ٣٥٧/٣١٩.

(٤) الكافي ١: ٣٣١/٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة للطوسي: ٢٦٨/٢٣١.

(٥) الغيبة للطوسي: ٢٥٩/٢٢٦.

(٦) كمال الدين ٢: ٤٤٥/١٩ باب ٤٣.

(٧) كمال الدين ٢: ٣٨٤/١ باب ٣٨.

١١١

والكليني)(١) ، وأحمد بن الحسين بن عبدالملك أبو جعفر الاَزْدي وقيل الاَوْدي(٢) ، وأحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً(٣) ، وأحمد بن محمد بن المُطَهَّر أبو علي من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام(٤) ، وأحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون، وكان معه جماعة منهم: علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه إلى تمام أربعين رجلاً(٥) ، واسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل(٦) ، وأبو عبد الله بن صالح(٧) ، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي(٨) ، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي(٩) ، وجعفر الكذاب عم الاِمام المهدي عليه السلام رأى الاِمام المهدي عليه السلام مرتين(١٠) ، والسيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام(١١) ، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري رضي الله عنه(١٢) ، ورشيق صاحب المادراي(١٣) ،

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٥٦/٢١ باب ٤٣.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٤٤/١٨ باب ٤٣، والغيبة: ٢٥٣/٢٢٣.

(٣) الغيبة: ٢٥٨/٢٢٦.

(٤) الكافي ١: ٣٣١/٥ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٩/٢٣٣.

(٥) الغيبة: ٣٥٧/٣١٩.

(٦) الغيبة: ٢٧٢/٢٣٧.

(٧) الكافي ١: ٣٣١/٧ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢.

(٨) كمال الدين ٢: ٤٤٣/١٧ باب ٤٣.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٣٢/٩ باب ٤٣، و ٢: ٤٣٤/١ باب ٤٣.

(١٠) الكافي ١: ٣٣١/٩ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤٢/١٥ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٣، والغيبة: ٢٤٨/٢١٧.

(١١) الكافي ١: ٣٣١/٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٢٤/١ باب ٤٢ و ٢: ٤٢٦/٢ باب ٤٢، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٢٣٤/٢٠٤ و: ٢٣٧/٢٠٥ و: ٢٣٩/٢٠٧.

(١٢) الغيبة: ٢٧١/٢٣٦.

(١٣) الغيبة: ٢٤٨/٢١٨.

١١٢

وأبو القاسم الروحي رضي الله عنه(١) ، وعبد الله السوري(٢) ، وعمرو الاَهوازي(٣) ، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار الاَهوازي(٤) ، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن ابراهيم اليماني(٥) ، وغانم أبو سعيد الهندي(٦) ، وكامل بن ابراهيم المدني(٧) ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه(٨) ، ومحمد بن أحمد الاَنصاري أبو نعيم الزيدي، وكان معه في مشاهدة الاِمام المهدي عليه السلام: أبو علي المحمودي، وعلاّن الكليني، وأبو الهيثم الدِّيناري، وأبو جعفر الاَحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم السيد محمد بن القاسم العلوي العقيقي(٩) ، والسيد الموسوي محمد بن اسماعيل بن الاِمام موسى بن جعفر عليهما السلام وكان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١٠) ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم(١١) ، ومحمد بن الحسن بن عبيد الله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة(١٢) ، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى

____________

(١) كمال الدين ٢: ٥٠٢/٦١ باب ٤٥، والغيبة: ٣٢٠/٢٦٦ و ٣٢٢/٢٦٩.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٤١/١٣ باب ٤٣.

(٣) الكافي ١: ٣٢٨/٣ باب ٧٦ و ١: ٣٣٢/١٢ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٣، والغيبة: ٢٣٤/٢٠٣.

(٤) الغيبة: ٢٦٣/٢٢٨.

(٥) كمال الدين ٢: ٤٩١/١٤ باب ٤٥.

(٦) الكافي ١: ٥١٥/٣ باب ١٢٥، وكمال الدين ٢: ٤٣٧ بعد الحديث ٦ باب ٤٣.

(٧) الغيبة: ٢٤٧/٢١٦.

(٨) الكافي ١: ٣٢٩/١ باب ٧٦ و ١٠: ٣٢٩/٤ باب ٧٦ و١: ٣٣١/٤ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٣٥٥/٣١٦.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٧٠/٢٤ باب ٧٣، والغيبة: ٢٥٩/٢٢٧.

(١٠) الكافي ١: ٣٣٠/٢ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٢٦٨/٢٣٠.

(١١) كمال الدين ٢: ٤٧٧ بعد الحديث ٦ باب ٤٣.

(١٢) الغيبة: ٢٦٩/٢٣٤ و: ٢٧٠/٢٣٥.

١١٣

الاِمام الرضا عليه السلام(١) ، ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه(٢) وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الاِمام العسكري عليه السلام، وكان من جملتهم: معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح(٣) ، ويعقوب بن منقوش(٤) ، ويعقوب بن يوسف الضّراب الغساني(٥) ، ويوسف بن أحمد الجعفري(٦) .

شهادة وكلاءالمهدي ومن وقف على معجزاته عليه السلام برؤيته:

لقد ذكر الصدوق من وقف على معجزات الاِمام المهدي ورآه من الوكلاء وغيرهم مع تسمية بلدانهم وقد أشرنا إلى بعضهم، وقد بلغوا من الكثرة حدّاً يمتنع معه اتفاقهم على الكذب لاسيما وهم من بلدان شتى، واليك بعضهم:

فمن بغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار.

ومن الكوفة: العاصمي.

ومن أهل الاهواز: محمد بن ابراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن اسحاق.

ومن أهل همدان: محمد بن صالح.

ومن أهل الري: البسامي، والاسدي (محمد بن أبي عبدالله الكوفي).

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢/١٥ باب ٤٣ حدّثَ عن رؤية جعفر الكذاب للامام المهدي عليه السلام، وظاهره أنه رآه أيضاً، ولكن صريح الكافي أنه لم يره عليه السلام ولكنه رأى من رآه وهو جعفر الكذاب. الكافي ١: ٣٣١/٩ باب ٧٧.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣٣/١٣ باب ٤٢ و ٢: ٤٣٥/٣ باب ٤٣ و ٢: ٤٤٠/٩ باب ٤٣ و٢: ٤٤٠/١٠ باب ٤٣ و ٢: ٤٤١/١٤ باب ٤٣.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٣٥/٢ باب ٤٣.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٣٧/٥ باب ٤٣.

(٥) الغيبة: ٢٧٣/٢٣٨.

(٦) الغيبة: ٢٥٧/٢٢٥.

١١٤

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.

ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء.

من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبدالله الكندي، وأبو عبدالله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبدالله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن عليه السلام، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، واسحاق الكاتب من بني نوبخت وغيرهم.

ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران.

ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أُخَيَّة، وأبو الحسن.

ومن أصفهان: ابن باشاذالة.

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.

ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفّاء.

ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد.

ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن بن الفضل بن يزيد، والجعفري، وابن الاعجمي، وعلي بن محمد الشمشاطي.

ومن مصر: أبو رجاء وغيره.

ومن نصيبين: أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي.

كما ذكر أيضاً من رآه عليه السلام من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس

١١٥

وقابس، ومرو(١) .

شهادة الخدم والجواري والاِماء برؤية المهدي عليه السلام:

كما شاهد الاِمام المهدي عليه السلام من كان يخدم أباه العسكري عليه السلام في داره مع بعض الجواري والاِماء، كطريف الخادم أبي نصر(٢) ، وخادمة ابراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيدها الاِمام المهدي عليه السلام(٣) ، وأبي الاَديان الخادم(٤) ، وأبي غانم الخادم الذي قال: «ولد لاَبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد اليه الاعناق بالانتظار، فاذا امتلاَت الارض جوراً وظلماً خرج فملاَها قسطاً وعدلاً»(٥) .

وشهد بذلك أيضاً: عقيد الخادم(٦) ، والعجوز الخادمة(٧) ، وجارية أبي علي الخيزراني التي اهداها إلى الاِمام العسكري عليه السلام(٨) ، ومن الجواري اللّواتي شهدن برؤية الاِمام المهدي عليه السلام: نسيم(٩) ، ومارية(١٠) .

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢ - ٤٤٣/١٦ باب ٤٣.

(٢) الكافي ١: ٣٣٢/١٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤١/١٢ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٤، والغيبة: ٢٤٦/٢١٥ وفيه: (ظريف) بدلاً عن (طريف).

(٣) الكافي ١: ٣٣١/٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٨/٢٣١.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٧٥ بعد الحديث ٢٥ باب ٤٣.

(٥) كمال الدين ٢: ٤٣١/٨ باب ٤٢.

(٦) كمال الدين ٢: ٤٧٤ بعد الحديث ٢٥ باب ٤٣، والغيبة: ٢٧٢/٢٣٧.

(٧) الغيبة ٢: ٢٧٣ - ٢٧٦/٢٣٨.

(٨) كمال الدين ٢: ٤٣١/٧ باب ٤٢.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٤١/١١ باب ٤٣.

(١٠) كمال الدين ٢: ٤٣٠/٥ باب ٤٢، وفي هذا المورد شاهدته عليه السلام نسيم مع مارية.

١١٦

كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولى أبي الحسن عليه السلام(١) ، وكل هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري عليه السلام.

تصرف السلطة دليل على ولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

ولد الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ هـ، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم: المعتز (ت/٢٥٥ هـ)، والمهتدي (ت/٢٥٦ هـ)، والمعتمد (ت/٢٧٩ هـ).

وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على آل البيت عليهم السلام ومن تصفح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة ( ٢٥٧ هـ ) و ( ٢٥٨ هـ ) و ( ٢٥٩ هـ ) و ( ٢٦٠ هـ )، وهي السنوات الاُولى من حكمه، عَلِم مدى حقده على أئمة أهل البيت عليهم السلام.

ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيءٌ من مُلْكِهِ حتى إنّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوءٍ إذ ضجر منه الاتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين.

ومن مواقفه الخسيسة أَمْرُهُ شَرَطَته بعد وفاة الاِمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الاِمام المهدي عليه السلام والامر بحبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري عليه السلام في نفوس شيعته، حتى جرى بسبب ذلك - كما يقول الشيخ المفيد - على مُخَلَّفي أبي محمد عليه السلام كل عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذِل(٢) .

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢/١٦ باب ٤٣.

(٢) الارشاد ٢: ٣٣٦.

١١٧

كل هذا والاِمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولايهم المعتمد العباسي العمر بعد أنْ عرف أن هذا الصبي هو الاِمام الذي سيهدّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام سيملاَ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فكان موقفه من مهدي الاُمّة كموقف فرعون من نبي الله موسى عليه السلام الذي ألقته أُمّهُ - خوفاً عليه - في اليمِّ صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.

ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي؛ ولهذا كان الاِمام الحسن العسكري عليه السلام حريصاً على أن لاينتشر خبر ولادة المهدي إلاّ بين الخلّص من شيعته ومواليه عليه السلام، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته عليه السلام، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلاّ فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الاَحاديث المتواترة دوره العظيم بكل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.

ولو لم يكن الامر على ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري عليه السلام مات ولم يخلف ولداً؟

أَمَا كان بوسع السلطة أنْ تعطي جعفراً الكذاب ميراث أخيه عليه السلام من غير ذلك التصرف الاَحمق الذي يدل على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!

قد يقال: بأنّ حرص السلطة على إعطاء كل ذي حق حقه هو الذي

١١٨

دفعها إلى التحري عن وجود الخلف لكي لايستقل جعفر الكذاب بالميراث وحده بمجرد شهادته!

فنقول: ومع هذا، فانه ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أنْ تتحرى عن هذا الاَمر بمثل هذا التصرف المريب، بل كان على السلطة ان تحيل دعوى جعفر الكذاب إلى أحد القضاة؛ لاسيما وان القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كل يوم مرات، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود كأُمّ الاِمام العسكري عليه السلام، ونسائه وجواريه والمقربين اليه من بني هاشم، ثم يستمع إلى اقوالهم ويثبت شهاداتهم، ثم يصدر الحكم على ضوء ما بيديه من شهادات، أمّا أنّ تنفرد السلطة بنفسها ويصل الاَمر إلى أعلى رجل فيها، وبهذه السرعة، ولمّا يدفن الاِمام الحسن عليه السلام، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أنّها من اختصاصاته، ومن ثم مداهمة الشَرَطة لمن في بيت الاِمام العسكري عليه السلام بعد وفاته مباشرة، كل ذلك يدل على تيقن السلطة من ولادة الاِمام المهدي وإنْ لم تره، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت كما أشرنا إليه؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لابعنوان إعطاء ميراث العسكري عليه السلام لمن يستحقه من بعده، وإنّما للقبض عليه والفتك به بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلاً في حياة أبيه العسكري عليه السلام.

ولهذا كان الخوف على حياته الشريفة من اسرار غيبته عليه السلام كما مر عليك في إخبار آبائه الكرام عليهم السلام عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.

اعترافات علماء الاَنساب بولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

لا شك في أنّ الرجوع إلى أصحاب كلّ فن ضرورة، والأولى

١١٩

بصدد ما نحن فيه، هم علماء الانساب، واليك بعضهم:

١ - النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري، كان حياً سنة ( ٣٤١ هـ )، وهو من أشهر علماء الانساب المعاصرين لغيبة الاِمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة ٣٢٩ هـ.

قال في سر السلسلة العلوية: «وولد علي بن محمد التقي عليه السلام: الحسن ابن علي العسكري عليه السلام من أُم ولد نوبيّة تدعى: ريحانة، وولد سنة احدى وثلاثين ومائتين وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة.. وولد علي بن محمد التقي عليه السلام جعفراً وهو الذي تسميه الاِمامية جعفر الكذاب، وإنّما تسميه الاِمامية بذلك؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن عليه السلام دون ابنه القائم الحجة عليه السلام. لاطعن في نسبه»(١) .

٢ - السيد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري قال ما نصه: «ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس عليها السلام معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والاَخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه »..(٢) .

٣ - الفخر الرازي الشافعي ( ت/٦٠٦ هـ)، قال في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية تحت عنوان: أولاد الامام العسكري عليه السلام ما هذا نصه: « أما الحسن العسكري الامام عليه السلام فله ابنان وبنتان: اما الابنان، فأحدهما: صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، والثاني موسى

____________

(١) سر السلسلة العلوية/لاَبي نصر البخاري: ٣٩.

(٢) المجدي في انساب الطالبيين: ١٣٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فصل : مما روي في الأرزاق(1)

روي عن سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق ».

وقالعليه‌السلام : « من رضي باليسير من الرزق(2) ، رضي الله منه باليسيرمن العمل ».

وروي ان الله ـ جل اسمه ـ أوحى إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام : « ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ، أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا ».

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ».

وروي عن أحد الأئمةعليه‌السلام ، أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة : « إن من طلبه من غير حلّه فوصل إليه ، حوسب به من حله وبقي عليه وزره » فالواجب أن لايطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : « من حسنت نيته زيد في رزقه ».

واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق ، هوالدليل على جواز الزيادة في الأعمار ، لأن الله تعالى إذا زاد في عمرعبده ، وجب أن يرزقه ما يغتذي به.

ذكروا إن إبراهيم بن هرمة إنقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي ، فكان يجريله رزقاً فقطعه ، فكتب إليه إبن هرمة :

إن الذي شق فمي ضامن

للرزق حتى يتوفاني

حرمتني شيئاً قليلاً فما

ان زاد في مالك حرماني(3)

 فرد عليه رزقه وأحسن إليه ، فأنشد لبعضهم :

التمس الأرزاق عند الذي

مادونه إن سيل من حاجب

من يبغض التارك تسآله

جوداً؟ ومن يرضى عن آل طالب!؟

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 290 ـ 292 ، وفيه تمام الفضل.

2 ـ في الأصل : بالرزق ، وما اثبتناه من المصدر.

3 ـ في الأصل : وما أثبتناه من المصدر.

حرمتني شيئاً قليلاً نلته

مازاد في مالك حرماني

 

١٦١

ومن [ إذا ](1) قال جرى قوله

بغير توقيع إلى كاتب

 ورويَ عن الصادق صلوات الله عليه ، أنه قال : « ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل جلس عن طلب الرزق ، ثم يقول : اللهم ارزقنى ، يقول الله تعالى : ألم أجعل لك طريقاً إلى الطلب! ورجل له امرأة سوء يقول : اللهم خلصني منها ، يقول الله تعالى : أليس قد جعلت أمرها بيدك! ورجل سلم ماله إلى رجل [ و ](2) لم يشهد [ عليه ](3) به ، فجحده إياه ، فهو يدعو(4) عليه ، يقول الله تعالى : قد أمرتك بالاشهاد فلم تفعل ».

لابن وكيع التنيسي :

لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك

وإذا أغفلك الدهر فذكّره بنفسك

لا تعجّل بلزوم البيت رمساً قبل رمسك

إنما يحمد حسن الرزق في حمده حسك

 وروي في بعض الكتب : إن الله عز وجل يقول : « يابن آدم ، حرك يدك أبسطلك في الرزق ، وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك ».

قيل لبعضهم : لو تعرضت لفلان لوصلك ، فقال : ما تلهفت على (أحد بشيء)(5) من أمر الدنيا ، منذ حفظت هذه الأربع الآيات من كتاب الله عز وجل : قوله :( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مسمك لها ) (6) [ وقوله سبحانه : ](7) ( وان يردك بخير فلا رادّ لفضله ) (8) وقوله سبحانه :( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) (9) وقوله جل اسمه :( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (10) .

فروي أن صلة الرجل الذي قيل له : لوتعرضت له ، أتت الى منزله من غيرطلب

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ أثبتناه من المصدر.

3 ـ أثبتناه من المصدر.

4 ـ في ألاصل : فيدعو ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ في المصدر : شيء.

6 ـ فاطر35 : 2.

7 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

8 ـ يونس 107 : 10

9 ـ هود 11 : 6.

10 ـ الذاريات 51 : 22.

١٦٢

وانشد لابن أصبغ :

لو كان في صخرة في البحر راسية

صماء ملمومة ملس نواحيها

رزق لنفس براها الله لانفلقت

عنه فأدّت إليها كل مافيها

أو كان بين طباق السبع مطلبها

لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يلاقي الذي في اللوح خط له

إن هي أتته [ و ](1) ألاسوف يأتيها

 وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « مامن مؤمن إلأ وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه ، وذلك قول الله عز وجل :( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) (2) .

* * *

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ الدخان 44 : 29.

١٦٣

قصيدة في الآداب والأمثال لابن دريد(1)

ما طاب فرع لايطيب أصله

حمى مؤاخاة اللئيم فعله

 وكل من آخا لئيماً مثله

من يشتكي الدهر يطل في الشكوى

والدهر ماليس عليه عدوى

 مستشعر الحرص عظيم البلوى

من أمن الدهر اُتي من مأمنه

لاتستثر ذا لبد من مكمنه

 وكل شيء يُبتغى من معدنه

لكل ناع ذات يوم ناعي

وانما السعي بقدر الساعي

 قد يُهلك المرعيَّ عنف الراعي

من ترك القصد تضق مذاهبه

دل على فعل امرىء مصاحبه

 لا تركب الأمر وأنت عائبه

من لزم التقوى استبان عدله

من ملك الصبر عليه عقله

 نجا من العثر وبان فضله

يجلو اليقين كدر الظنون

والمرء في تقلّب الشؤون

 حتى توفاه يد المنون

يارب حُلوٍ سيعود سمّا

ورب حمد سيحور ذَمّا

 ورب روح سيصير همّا

من لم يصل فارض إذا جفاكا

وأوله حمداً إذا قلاكا

 أو أوله منك الذي أولاكا

مالك إلا ما عليك مثله

لاتحمدّن المرء مالم تبله

 والمرء كالصورة لولا فعله

ياربما أورثت اللجاجة

ماليس بالمرء إليه حاجة

 وضيق أمر يتبع انفراجه

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 11 ، تمام القصيدة

١٦٤

ليس يقي من لم يق الله الحذر

وليس يفتات امرؤ على القدر

 والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر

كم من وعيد يخرق الاذانا

كأنما يعني به سوانا

 أصمّنا الامهال بل أعمانا

ما أفسد الخرق اساهُ الرفق

وخير ما أنبأ عنك الصدق

 كم صعقة دلّ عليها البرق

لكل ما يؤذي وإن قل ألم

ما أطول الليل على من لم ينم

 وسقم عقل المرء من شر السقم

أعداءُ غيب إخوة التلاقي

ياسوءتا لهذه(1) الأخلاق

 كأنما اشتقت من النفاق

أنف الفتى وهو صريم(2) أجدع(3)

من وجهه وهو قبيح أشنع

 هل يستوى المحفوظ(4) والمضيَّع

ما منك من لم يقبل المعاتبة

وشر أخلاق الفتى المواربة

 ينجيك مما تكره المجانبة

متى تصيب الصاحب المهذبا

هيهات ما أعسر هذا مطلبا

 وشرّ ما طالبته ما استصعبا

آفة عقل الأشمط التصابي

رب مَعيب فعله عيّاب

 زم الكلام حذر الجواب

لكل ما مجري جواد كبوه

مالك إلاّ ما قبلت عَدْوَه

 من ذا الذي يسقيك عفواً صفوه

لا يسلك الشر سبيل الخير

والله يقضي ليس زجر الطير

 كم قمرعاد إلى قمير

__________________

1 ـ في الأصل : ياسوء مالهذه ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ يقال : صَرَمْت الشيء صرماً من باب ضرب : قطعته « مجمع البحرين ـ صرم ـ 6 : 101 ».

3 ـ الجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد « مجمع ألبحرين ـ جدع ـ 4 : 310 ».

4 ـ في المصدر : المحظوظ.

١٦٥

لايجتمع جمع لغير بين

لفرقة كل اجتماع اثنين

 يعمى الفتى وهو بصيرالعين

الصمت إن ضاق الكلام أوسع

لكل جنب ذات يوم مصرع

كم جارع لغيره ما يجمع

مالك إلا ما بذلت مال

في طرفة العين يحول الحال

 ودون آمال الفتى الآجال

كم قد بكت عين وليس تضحك

وضاق من بعد اتساع مسلك

 لاتُبرَ مَنْ أمراً عليك يُملك

خير الاُمور ما حمدت غبه

لايرهب المذنب إلاذنبه

 والمرء(1) مقرون بمن أحبه

كل مقام فله مقال

كل زمان فله رجال

 وللعقول تضرب الأمثال

دع كل أمر منه يوماً تعتذر

عف كل ورد غير محمود الصدر

 لاتنفع الحيلة في ماضي القدر

نوم امرىء خير له من يقظه

لم ترضه فيه الكرام الحفظه

 وفي صروف الدهر للمرء عظه

مسألة الناس لباس ذل

من عف لم يسأم ولم يمل

 فارضَ من الاستر بالأقل

جواب سوء المنطق السكوت

قد أفلح المُتَّئدُ(2) الصموت

 ماحم من رزقك لايفوت

في كل شيء عبرة لمن عقل

قد يسعدالمرء إذا المرء اعتدل

 يرجو غداً ودون ما يرجو الأجل(3)

من لك بالمحض وليس محض

يخبث بعض ويطيب بعض

 وربّ أمر قد نهاه النقض

__________________

1 ـ في الأصل : والأمر ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ التؤده : التأني والرزانة ضد التسرع « مجمع البحرين ـ تأتد ـ 18 : 3 ».

3 ـ في ألأصل : ألأمل ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٦

كم زاد في ذنب جهول عذره

دع أمر من يعنى عليك(1) أمره

 يخشى امرؤ شيئاً ولا يضره

يارب إحسان يعود ذنبا

ورب سلم سيعود حربا

 وذو الحجى يجهل إن أحبّا

قد يدرك المعسر في إعساره

ما يبلغ الموسر في إيساره

 وينتهى الهاوي إلى قراره

الشيء في نقص إذا تنهاها

والنفس تنقاد إلى رداها

 مذعنة تجيب سائقاها

الناس في فطرتهم سواء

وإن تساوت بهم الأهواء

 كل بقاء بعده فناء

لم يغل شيء وهو موجود الثمن

مال الفتى ما فضه لا ما احتجن

 إذا حوى جثمانه يرى الحبن(2)

المال يحكى الفيء بانتقاله

وإنما المنفق من أمواله

 ما عمر الخلة من سؤاله(3)

من لاح في عارضه القتير(4)

فقد أتاه بالبلى النذير

 ثم إلى ذي العزة المصير

رأيت غب الصبر مما تحمد

وإنما النفس(5) كما تعود

 وشر ما يطلب مالا يوجد

إن أتباع المرء كل شهوة

ليلبس القلب لباس قسوة

 وكبوة العجب أشد كبوة

من يزرع المعروف ما رضي

لكل شيء غاية ستنقضي

 والشر موقوف لذي التعرض

__________________

1 ـ في الأصل : يغني عليكم ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ الحبن : عظم البطن « النهاية ـ حبن ـ 335 : 1 ».

3 ـ في الاصل : نسأله ، وما أثبتناه من المصدر.

4 ـ القتبر : الشيب « النهاية ـ قتر ـ 4 : 12 ».

5 ـ في الاصل : المنفق ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٧

 

لا يأكل الانسان إلا ما رزق

ما كل أخلاق الرجال تتفق

 هان على النائم ما يلقى الأرق

من يلذع الناس يجد من يلذعه

لسان ذى الجهل وشيكاً يوقعه

 لا يعدم الباطل حقاً يدمغه

كل زمان فله توابع

والحق للباطل ضد دافع

 يغصك المشروب وهو سائغ

رب رجاء مض(1) من مخافة

ورب أمن سيعود آفة

 ذو النجح لايستبعد المسافة

كم من عزيز قد رأيت ذلاً

وكم سرور مقبل تولّى

 وكم وضيع شال فاستقلا

لا خير في صحبة من لا ينصف

والدهر يجفو أمره ويلطف

 والموت يفني كل عين تطرف

رب صباح لامريء لم يمسه

حتف الفتى موكّل بنفسه

 حتى يحل في ضريح رمسه

إني أرى كل جديد بالي

وكل شيء فإلى زوال

 فاستشف من جهلك بالسؤال

إن رحيلاً فأعدّ الزادا

إن معاداً فاحذر المعادا

 لايلهك العمر وإن تمادا

إنك مربوب مدين تُسأل

والدهرعن ذي غفلة لا يغفل

وكل ما قدمته محصّل

حتى يجيء يومك المؤجل

 * * *

__________________

1 ـ في الاصل : فص ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٨

 [ فصل ](1)

روي عن أحد الائمةعليهم‌السلام انه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة : كتم رضاه في طاعته ، حتى لايستصغر أحداً شيئاً من الطاعات ، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته ، حتى لايستصغر أحد سيئة ، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه ، فلا يستخفن أحدكم أخاه ، فإنه لايدري لعله ولي لله »(2) .

وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، ليحافظ الإنسان على ، الصلوات الخمس فيحصل الوسطى ، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان ، فيحصل له ليلة القدر ، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار ، ليحافظ على ، الدعاء في الليل والنهار.

ومن كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن ».

لاخير في العيش إلاّ لرجلين : عالم مطاع ، ومستمع واع.

وكفى بالقناعة غنى ، وبالعبادة شغلاً.

لا تنظروا إلى صغير الذنب ، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.

وقالعليه‌السلام : آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف.

لاحسب إلا بتواضع ، ولاكرم إلا بتقوى ، ولا عمل إلا بنية ، ولا عبادة إلابيقين.

إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر ، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.

أفضل الناس أعقل الناس ، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء ، فمن كانت‏

__________________

1 ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

2 ـ كنزالفوائد : 13 باختلاف يسير.

١٦٩

فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : المعرفة بالله تعالى ، وحسن الطاعة ، وحسن الصبر.

إن لكل شيء آلة وعدة ، وآلة المؤمن وعدته العقل ، ولكل شيء مطية ، ومطية المرء العقل ، ولكل شيء دعامة ، ودعامة الدين العقل ، ولكل شيء غاية ، وغاية العبادة العقل ، ولكل قوم راع ، وراعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه ، وفسطاط المسلمين العقل(1) .

* * *

__________________

1 ـ كنزالفوائد : 13 ، وفيه من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سرته حسنته ...

١٧٠

فصل

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال : « العقل ولادة ، والعلم إفادة ، ومجالسة العلماء زيادة »(1) .

وروي عنهعليه‌السلام أنه قال : « هبط جبريلعليه‌السلام على آدم صلوات الله عليه فقال له : يا آدم ، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث ، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.

فقال له آدمعليه‌السلام : وما الثلاث؟

قال : العقل ، والحياء ، والدين.

فقال آدم صلى الله عليه : فاني قد اخترت العقل.

فقال جبريل للحياء والدين : انصرفا ، فقالا يا جبريل : انا اُمرنا أن نكون مع العقل(2) ».

روي أن طاووس اليماني قال : رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول :

ألا أيها المأمول في كلّ حاجة

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي

ألا يارجائي أنت كاشف كربتي

فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي

زادي قليل ما أراه مبلّغي

أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي

أتيت بأعمال قباح رديّة

فما في الورى خلق جنى كجنايتي

أتحرقني في النار ياغاية المنى

فأين رجائي منك أين مخافتي

 قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسينعليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع وأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال : رحمة الله ، وشفاعة جدك رسول الله ، وأنتابنه ، وأنت طفل صغير(3) .

__________________

1 ـ كنز الفوائد 13.

2 ـ كنز الفوائد 13 ، وفيه زيادة : حيث كان قال : فشأنكما ، وعرج

3 ـ لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث ، وما يأتي من قولهعليه‌السلام : « وأنما كوني طفلاً » مع ماتقدم في بدايته من قول طاووس اليماني : « رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة » ، كما أن المشهور في هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال : رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي فيدعائه ، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على

١٧١

فقال له : « يا طاووس ، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإن الله تعالى يقول :( ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) (1) وأما كوني ابن رسول الله ، فإن الله تعالى يقول :( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) (2) وأما كوني طفلاً ، فإني رأيت الحطب الكبار لايشتعل إلا بالصغار » ثم بكىعليه‌السلام حتى غشي عليه(3) .

خبر اخر في العقل ، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة ، من أن أول شيء خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ، ما خلقت خلقاً أحب الي منك ، بك اُعطي وبك أمنع ، وبك اُثيب وبك اُعاقب ، وعزتي وجلالي ، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.

* * *

__________________

حاله كذا ، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف ، أحدها : أنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثاني شفاعة جدك ، والثالث : رحمة الله ، فقال : يا طاووس أمّا اني ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول : «فلا أنساب بينهم يومئذ » وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول : «ولايشفعون إلا لمن ارتضى » وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين ، ولا علم اني محسن ، اُنظر « كشف الغمة 2 : 108 ، وعنه في البحار 46 : 101 / 89 ».

1 ـ الأنبياء 21 : 28.

2 ـ المؤمنون 23 : 101 ـ 103.

3 ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار 99 : 198 / 15 عن اعلام الدين.

١٧٢

فصل : في ذم الدنيا(1)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».

وقال أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الدنيا دول ، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب ».

وقالعليه‌السلام : « من أمن الزمان خانه ، ومن غالبه أهانه ».

وقال : « الدهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ، فإن كان لك فلاَ تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما عنك سينحسر ».

لبعض الشعراء :

وإن امرءاً دنياه أكبر همّه

لمستمسك منها بحبل غرور

 وقال بعضهم : إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها ، فإن أمانيها كاذبة ومالها خائبة ، وعيشها نكد وصفوها كدر ، وأنت منهاعلى خطر ، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة ، واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.

وقال اخر : صاحب الدنيا في حرب ، يكابد الأهوال لتنقدع(2) ، والجهالة لتنقمع ، والأدواء لتندفع ، والآمال لتنال ، والمكروه ليزال ، وبعض ذلك عن بعض شاغل ، والمشتغل عنه ضائع ، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك ، تركوا مايفنى ليحرزوا ما يبقى.

* * *

__________________

1 ـ تمام الفصل في كنزالفوائد : 16 ، وفيه (ذكر) بدل (ذم).

2 ـ قدعت فرسي : كففته. « مجمع البحرين ـ قدع ـ 4 : 376 ».

١٧٣

فصل : في ذكر الأمل(1)

روي ان الله تعالى قال : يابن آدم ، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن ، وعمرك ينقص وأنت لاتحزن ، تطلب ما يطغيك ، وعندك ما يكفيك.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان يأمل أن يعيش غداً ، فإنه يأمل أن يعيش أبداً ».

وقال بعضهم : الآمال لاتنتهي ، والحي لايكتفي.

وقيل : ما أطاع عبد أمله ، إلاّ قصرعمله.

وقال اخر : لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.

وقال اخر : من جرى في عنان أمله عثر بأجله.

وقال اخر : إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك ، وإذا أدركك أجلك لم تبلغ أملك.

ابن الرومي :

خمسون عاماً كنت أمّلتها

كانت أمامي ثم خلفتها

كنز حياة لي أنفقته

على تصاريف تصرفتها

لو كان عمري مئة هدّني

يذكرني اني تنصفتها

 * * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ، وفيه تمام الفضل.

١٧٤

فصل : في ذكر الموت(1)

روي أنه كان في التوراة مكتوباً : يا ابن آدم ، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب ، وأنت لاتتوب حتى تموت.

وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه : « من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير ».

وقال بعضهم : لو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره ، وأنشد :

نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره

وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب

 وقيل : إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.

وروي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام سمع إنساناً يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال : « قولنا : إنا لله إقراراً له منا بالملك ، وقولنا : إنا إليه راجعون إقراراً على أنفسنا بالهلك ».

وقيل : من عجائب الدنيا أنك تبكي على ، من تدفنه ، وتترك(2) التراب على وجه من تكرمه.

وقال ابو نؤاس :

غرّ جهولاً أمله

يموت من جا أجله

ومن دنا من يومه

لم تغن عنه حيله

وكيف يبقى آخر

قد غاب عنه أوله

لا يصحب الانسان من

دنياه إلا عمله(3)

 أبو ذؤيب :

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

 غيره :

ننافس في الدنيا ونحن نعيبها

فقد حذّرتناها لعمري خطوبها

ومانحسب الساعات تقطع مدة

على انها فينا سريع دبيبها

 __________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ـ 18 ، وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : وتطرح.

3 ـ في الأصل : أمله ، وما أثبتناه من المصدر.

١٧٥

كأني برهطي يحملون جنازتي

إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها

وباكية حرى تنوح وإنني

على غفلة عن صوتها لا اُجيبها

أيا هادم اللذات ما منك مهرب

تحاذر نفسي منك ماسيصيبها

رأيت المنايا قسمت بين أنفس

ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها

 لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي :

وإني على عيث الردى في جوانبي

وماكف من خطوى(1) وبطش بناني

وإن لم يدع إلا فؤاداً مروعا

به غُبر باق من الخفقان

تلوم تحت الحجب ينفث حكمة

إلى اُذن تصغي لنطق لساني

لأعلم أني ميت عاق دفنه

ذماء قليل في غد هو فاني

وان فما للأرض غرثان حائماً

يراصد من أكلي حضور اؤان

به شرهُ عم الورى بفجائع

تركن فلاناً ثاكلاً لفلان

غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع

فماتلتقي يوماً له شفتان

وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا

وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان

إذا غاضنا بالنسل ممن نعوله

تلا أولاً منه بمهلك ثاني

إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً

سوى الله من انس براه وجان(2)

 لغيره :

فكم من صحيح بات للموت آمنا

أتته المنايا رقدة بعدما هجع

فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً

فراراً ولامنه بحيلته انتفع

فأصبح تبكيه النساء مكفّناً

ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع(3)

وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله

وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع

 __________________

1 ـ في الأصل : خطوبي ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ رسائل الصابي والشريف الرضي : 16.

3 ـ في المصدر : رفع.

١٧٦

فصل في ذكرالموت والقتل وما

بينهما والفرق بينهما(1)

إعلم ، أن الموت غير القتل ، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل :( أفان مات أوقتل ) (2) وقوله تعالى :( ولئن متم أوقتلتم ) (3) وقوله سبحانه :( ما ماتوا وما قتلوا ) (4) وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.

ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه ، ولو قال قائل في ميت : إن الله قتله ، لعاب العقلاء عليه ، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.

وقد قال شيخنا المفيدرضي‌الله‌عنه : إن القتل متولد عن الأسباب ، ومحله محل حياة الأجسام ، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام ، قال : وهذا مذهب يختص بي.

والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد ، والموت لايقدر عليه أحد إلاّ الله عز وجل.

ولو كان القتل هو الموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه ، لأن لولا ذبحه لماتت ـ على رأي من يقول : إن القتل هو الموت ـ ومعلوم خلاف ذلك ، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة ، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته ، ولا دليل على أحد الأمرين.

* * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 18 ، وفيه إلى قول : ولو كان القتل هو الموت.

2 ـ آل عمران 3 : 144.

3 ـ آل عمران 3 : 158.

4 ـ آل عمران 3 : 156.

١٧٧

فصل من كلام أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

في الأخوان واداب الأخوة

في الإيمان(1)

« الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة ، وذلك قوله عز وجل :( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين ) (2) .

من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.

امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال ، فلا تطلبن منه المجازاة ، فإنها من شيم الدناة.

ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تبذل له كل الطمأنينة ، واعطه كل المواساة ، ولا تفضي إليه بكل الأسرار ، توفي الحكمة حقها ، والصديق واجبه.

لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.

البشاشة فخ المودة ، والمودة قرابة مستفادة.

لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.

كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.

لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.

لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.

ولا يكن أهلك أشق الناس بك.

إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.

لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.

لا ترغبن فيمن زهد فيك ، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 34 : وفيه تمام الفصل.

2 ـ الزخرف 43 : 67.

١٧٨

إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب ، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة ، وكثرته من سوء الأدب.

إرحم أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك.

إحفظ(1) زلة وليك لوقت وثبة عدوك.

من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه.

من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظ قديم إخوانه.

* * *

__________________

1 ـ في المصدر : احتمل.

١٧٩

فصل مما جاء نظماَ في الإخوان(1)

روي أن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين :

أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً

لتضربه لم يستَغِشَّك في الود

ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن

يردك إبقاءاً عليك من الرد(2)

وقال سالم(3) بن وابصة :

احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه

كأن به من كل فاحشة وقرا

سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى

ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا

إذا ما أتت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة

فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا

لغيره :

إذاجمع الفتى حسبا ودينا

فلا تعدل به أبدا قرينا

ولاتسمح بحظك منه بل كن

بحظك من(4) مودته ضنينا(5)

وقال آخر :

وكنت إذا الصديق أرادغيظي

وأشرقني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وصفحت عنه

مخافة أن أعيش بلاصديق

 لآخر :

ومن لم يغمض عينه عن صديقه

وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب

ومن يتتبع جاهداً كل عثرة

يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب

 وقال إياس بن القائف :

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم

ترمي النوى بالمقترين المراميا

فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً

كفى بالممات فرقة وتنائيا

 __________________

1 ـ كنزالفوائد : 34 وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : الود.

3 ـ في المصدر : مسلم.

4 ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ الضنين : البخيل « الصحاح ـ ضنن ـ 6 : 2156 ».

١٨٠

181

182