المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي30%

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 182

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73476 / تحميل: 7387
الحجم الحجم الحجم
المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

١١ - وفي اُصول الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى، عن ابن بكير، عن زرارة قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنَّ للقائم غيبة قبل ان يقوم، انه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل»(١) والسند من أصح الاسانيد بلا خلاف.

١٢ - وفي عقد الدرر للمقدسي الشافعي: عن الاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام قال: «لصاحب هذا الامر - يعني الاِمام المهدي عليه السلام - غيبتان، احداهما تطول، حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: قُتل، وبعضهم: ذهب...»(٢) .

وقد مرّ نظير هذا - بسند صحيح - في الحديث رقم ٦ و ٧، فراجع.

١٣ - وفي كمال الدين: «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن الربيع المدائني(٣) قال: حدثنا محمد بن اسحاق، عن أُسَيْد بن ثعلبة عن أُم هانئ قالت: لقيتُ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فسألته عن هذه الآية:( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿١٥﴾ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) ؟ فقال: إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٤٠/١٨ باب ٨٠ وأخرجه الصدوق بسند صحيح على الاصح من وثاقة محمد بن علي ماجيلويه. كمال الدين ٢: ٤١٨/١٠ باب ٤٤.

(٢) عقد الدرر: ١٧٨ باب/٥.

(٣) أورده في الكافي ١: ٣٤١/٣٣ باب ٨٠، (... عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني) والظاهر صحته، لعدم رواية سعد والحميري عن أحمد بن الحسين ابن عمر بن يزيد، بل روى سعد في مواضع كثيرة عن أحمد بن الحسن والمراد به ابن علي بن فضال الفطحي الثقة، واما عن عمر بن يزيد فسواء كان هو الصيقل أو بياع السابري، فان وفاته قبل الغيبة بعشرات السنين.

١٠١

يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإنْ أدركتِ ذلك قرّتْ عينُكِ»(١) .

ويلاحظ في سند الحديث أنّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالاتفاق ومن قبله كذلك، وهو قد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته، وأمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر، هو تقدم وفاتهم لِما في الخبر من إعلام معجز تحقق بعد وفاتهم، وورد بنقل الثقات عنهم، فالخبر شاهد على صدقهم.

٤١ - وفي كمال الدين: بسند صحيح، قال: «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعتُ أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: وَلِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لانكم « لاترون شخصه »، ولايحلّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم »(٢) .

وهذا السند حجة لوثاقة رجاله، والعلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الاجلاء كما يعلم من رجال النجاشي في ترجمة العمركي البوفكي(٣) .

ونكتفي بهذا القدر من الاحاديث مع التنبيه على ثلاثة أُمور وهي:-

الاَول: إنَّ الحديث الاَخير لايدل على عدم رؤية الاِمام المهدي مطلقاً؛ لاَنّ قوله عليه السلام: (لاترون شخصه) إذا عُطِفَ على النهي عن التسمية

____________

(١) كمال الدين ١: ٣٢٤/١ باب ٣٢، وأخرجه في نفس الباب عن أُم هانئ عن الاِمام الباقر عليه السلام ١: ٣٣٠/١٥ باب ٣٢ باختلاف يسير.

(٢) كمال الدين ٢: ٣٨١/٥ باب ٣٧، والكافي ١: ٣٢٨/٣ باب ٧٥.

(٣) رجال النجاشي: ٣٠٣/٨٢٨.

١٠٢

المعلل بوقوع الطلب أي الخوف على حياة الاِمام المهدي عليه السلام في أحاديث أُخرى صحيحة(١) ، يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعنى: إنّكم لاترون إمامكم المهدي كلما أردتم، إذ ليس قدرتكم على رؤيته كقدرتكم على رؤيتي في حياتي كلما أردتم؛ لاَنّه سيكون في غيبة عنكم، وإياكم أن تذكروه باسمه لكي لايعرفه اعداء الله فيدركوا أثره.

والحاصل: إنَّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة، والنهي عن التسمية لاَجل الخوف عليه، مع اختصاص النفي والنهي بزمان الغيبة، وتوجهه للمخاطبين بالكلام كلهم أو بعضهم دون غيرهم، وإلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في حياته وبإذن منه، كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه عليهما السلام كما سيتضح في هذا الفصل.

الثاني: إنّ ماذكرناه من النصوص لايمثل في الواقع إلاّ جزءاً يسيراً من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن، ولم يخضع انتقاؤها لاعتبارات علمية، بمعنى: إنّا لم نبحث عن الاَسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك، وانما كوسيلة لاِثبات المدعى، وإلاّ فنحن لسنا بحاجة إلى الاَسانيد اصلاً، لسببين:

أحدهما: توفر الدليل القاطع على استمرار وجود الاِمام المهدي إلى آخر الزمان، وقد مرّ بيان ذلك مفصلاً، ومع هذا فأي حاجة تبقى للاَسانيد؟

الآخر: توفر الدليل على أنّ الاَحاديث المروّية في المهدي عليه السلام قد اُخِذت مباشرة من الكتب المؤلفة قبل ولادته عليه السلام بعشرات السنين، وقد شهد الصدوق بذلك، وعليه فالضعف الموجود في سند بعضها على الاصطلاح لايقدح بصحتها لكون الاِخبار فيها اعجازاً تحقق بعد حين،

____________

(١) سنشير إلى تلك الاحاديث في أدلة ولادة الاِمام المهدي عليه السلام.

١٠٣

وهو آية صدقها.

الثالث: إن أحاديث المهدي المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أهل البيت عليهم السلام كلها تعبر عن حقيقة واحدة اتفق عشرات الصادقين على الاِخبار عنها، ولا فرق في اثبات تلك الحقيقة بين ما كان سنده صحيحاً أو ضعيفاً، بحيث لو أخبر الثقة بموت زيد، ثم أخبر غيره بموته أيضاً، لا نقول له: كذبت. ولو جاء ثالث، ورابع، وخامسٌ... وعاشرٌ لا نقول لهم: كذبتم وإنْ لم نعرف درجة صدقهم، بل سيكون كل خبر من هذه الاَخبار قرينة احتمالية تضاف إلى خبر الصادق حتى يصبح على درجة من اليقين كلما تراكمت القرآئن بحيث يتضاءل احتمال نقيضها حتى يصل إلى درجة الصفر.

إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال وقوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الاَخبار على محور واحد، يستحيل معه أن لايكون ذلك المحور صادقاً ومنطبقاً مع الواقع.

ومن هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي وسلب دلالتها على شخصه العظيم، كما يزعمه بعض المتطفلين على علم الحديث الشريف، متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية، وبخاصة بعد ثبوت انطباقها عليه عليه السلام، ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل، وعن ضحالة التفكير في كيفية المساس بعقيدة ولو بالكذب والافتراء بعدم وجود الصحيح الثابت، مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلى حرفة صحفية تنطلق من اجواء الغرب، وتستظل بفيئه، وتحركها أصابعه، وتموّلها عملاؤه، غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في مهب الريح، وتاركة ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من المسار الصحيح لمعرفة من هو الاِمام المهدي باسمه ونسبه الكريم.

١٠٤

ولادة الاِمام المهدي عليه السلام

لسنا بحاجة إلى ما يبين ولادة الاِمام المهدي ويثبتها تاريخياً بعد أن عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على أنّه من أهل البيت، وأنّ ظهوره يكون في آخر الزمان، وعرفنا أيضاً النتيجة التي انتهى إليها البحث في طوائف نسب الاِمام المهدي، وهي أنّه لامجال للشك في كون المهدي الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وانه حسيني الاَب حسني الاُم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام.

وهذا يعني إنّ البحث عن ولادة الاِمام المهدي وبيان ثبوتها شرعاً بحث غير طبيعي لولا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته عليه السلام، كادعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود خلفٍ لاَخيه العسكري عليه السلام، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الاِمام العسكري بعد وفاته لاَخيه جعفر الكذاب أخذاً بادعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الاِمامية الاثني عشرية انفسهم ولم يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبر، إذ كيف يروي الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه لو لم يثبت لهم زيف هذا الاَمر وبطلانه؟!

إنه من قبيل رواياتهم انكار معاوية منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فانكار معاوية ثابتٌ، ومنزلة علي عليه السلام ثابتة؛ وثبات كلاهما عند الشيعة لايخالجه شكٌّ؛ لاَنه على نحو اليقين، فكذلك انكار جعفر الكذاب ثابت

١٠٥

عندهم، وتصرف السلطة على وفق ادعائه ثابت أيضاً، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي بالاقرار والعيان، وما بعدهما من برهان.

ولكن من يقتات على موائد الغرب مع انحرافه، لايبعد منه استغلال تلك الملابسات، واثارتها بثوب جديد موشى بالوان (التصحيح).

ولاَجل هذا نقول: إنَّ ولادة أي انسان في هذا الوجود تثبت باقرار أبيه، وشهادة القابلة، وان لم يره أحد قط غيرهما، فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الانساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه المقربون اليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وانصاره في كل عصر وجيل بالملايين.

ولعمري، هل يريد من استغل تلك الملابسات، وأنكر ولادة الاِمام المهدي عليه السلام أكثر من هذا لاثبات ولادته، أم تراه يقول في بلسان الحال للمهدي، كما قال المشركون بلسان المقال لجدّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاَرْضِ يَنبُوعاً، أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الاَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً، أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً، أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) (١) .

اللّهم إنّا لا نرجو هداية من عرف الحق وتمسك بالباطل؛ لاَن من لايقدر على الانتفاع بضياء الشمس، فهو على الانتفاع بنور القمر أعجز، وانما نطمح إلى ايصال الحق إلى جاهله، وتقوية الايمان به عند من

____________

(١) الاِسراء: ١٧/٩٠ - ٩٤.

١٠٦

ضعف في قلبه، فنقول:

إخبار الاِمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السلام:

ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: « قلتُ لاَبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن اسألك؟ فقال: سلْ، قلتُ: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم، فقلتُ: فإنْ حدث بك حدث فأين اسأل عنه؟ قال: بالمدينة »(١) .

والخبر الصحيح عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال: «خرج إليَّ من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده»(٢) .

والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الاَديب الفاضل ابن بندار، وأما عن محمد بن علي بن بلال فانه من الوثاقة والجلالة أشهر من نارٍ على علم بحيث كان يراجعه من مثل ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، كما هو معلوم عند أهل الرجال.

شهادة القابلة بولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام الجواد وأُخت الاِمام الهادي وعمة الاِمام العسكري عليهم السلام. وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الاِمام المهدي عليه السلام في ساعة الولادة(٣) ، وصرحت بمشاهدة الاِمام الحجة بعد

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٢٨/٢ باب ٧٦.

(٢) أُصول الكافي ١: ٣٢٨/١ باب ٧٦.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٢٤/١ و٢ باب ٤٢. وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٣٤/٢٠٤.

١٠٧

مولده(١) ، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الاِمام العسكري عليه السلام فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى،(٢) ومارية، ونسيم خادمة الاِمام العسكري عليه السلام(٣) .

ولايخفى ان ولادات المسلمين لايطلع عليها غير النساء القوابل، ومن ينكر هذا فعليه ان يثبت لنا مشاهدة غيرهن لاُمّه في مولده!

هذا وقد أجرى الاِمام العسكري عليه السلام السُنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي عليه السلام فعقَّ عنه بعقيقة(٤) كما يفعل الملتزمون بالسُنّة حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً.

من شهد برؤية المهدي من أصحاب الاَئمة عليهم السلام وغيرهم:

شهد برؤية الاِمام المهدي في حياة أبيه العسكري عليهما السلام وبإذن منه عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي عليهما السلام، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الاِمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري عليهما السلام وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من سنة (٢٦٠ هـ) إلى سنة (٣٢٩ هـ)، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر على ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم: الكليني (ت/٣٢٩ هـ) الذي أدرك الغيبة الصغرى بتمامها تقريبا، والصدوق (ت/٣٨١ هـ) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً، والشيخ المفيد (ت/٤١٣هـ)، والشيخ الطوسي (ت/٤٦٠ هـ) ولابأس بذكر اليسير جداً من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه عليه السلام ثم

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٣٠/٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٣٣/١٤ باب ٤٢.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣١/٧ باب ٤٢.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٣٠/٥ باب ٤٢، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي ٢٤٤/٢١١.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٣١/٦ باب ٤٢ و ٢: ٤٣٢/١٠ باب ٤٢.

١٠٨

الاكتفاء ببيان أسماء المشاهدين للاِمام المهدي عليه السلام مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ الاَربعة لاَجل الاختصار. فمن تلك الروايات:

ما رواه الكليني في اُصول الكافي بسند صحيح: عن محمد بن عبدالله ومحمد بن يحيى جميعاً؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري، قال: «اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن اسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو إني أُريد أن اسألك عن شيء وما أنا بشاكٍ فيما أُريد أن اسألك عنه - إلى أن قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الاَئمة عليهم السلام -: فَخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك. فقلتُ له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلتُ له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، فقلتُ: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أنْ تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم، ولكن عنه عليه السلام، فإن الاَمرَ عند السلطان: أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه من لاحقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، واذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك»(١) .

ومنها: ما رواه في الكافي بسند صحيح: عن علي بن محمد وهو ابن بندار الثقة، عن مهران القلانسي الثقة قال: قلتُ للعمري: «قد مضى أبو محمد؟ فقال لي: قد مضى ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه، واشار بيده»(٢) .

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٢٩ - ٣٣٠/١ باب ٧٧، ورواه الصدوق بسند صحيح عن أبيه ومحمد بن الحسن؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري، كمال الدين ٢: ٤٤١/١٤ باب ٤٣.

(٢) أُصول الكافي ١: ٣٢٩/٤ ب ٧٦ و ١: ٣٣١/٤ باب ٧٧.

١٠٩

ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاّء المشايخ قال: «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال: قلتُ لمحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه: اني اسألك سؤال ابراهيم ربه جلّ جلاله حين قال:( رَبِّ أَرِني كَيفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئنَّ قَلْبي ) (١) فأخبرني عن صاحب هذا الاَمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبه مثل ذي واشار بيده إلى عنقه»(٢) .

ومنها: ما رواه الصدوق في كمال الدين قال: «وحدثنا أبو جعفر محمد ابن علي الاَسود رضي الله عنه قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن اسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عزّ وجل أن يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته، فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي بن الحسين وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد - ثم قال الصدوق بعد ذلك - قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: كان أبو جعفر محمد بن علي الاَسود رضي الله عنه، كثيراً ما يقول لي - إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، وأرغب في كتب العلم وحفظه - ليس بعجب أنْ تكون لكَ هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الاِمام عليه السلام »(٣) .

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال: «وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله، عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الصفواني قال: أوصى الشيخ

____________

(١) البقرة: ٢/٢٦٠.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣٥/٣ باب ٤٣.

(٣) كمال الدين ٢: ٥٠٢/٣١ باب ٤٥.

١١٠

أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم [ السفير الثالث ] فلما حضرته الوفاة، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنّه لم يُؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن»(١) .

ولايخفى إن مقام السّمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الاِمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج اليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء الاَربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من وصايا وارشادات وأوامر وكلمات الاِمام المهدي عليه السلام(٢) .

وهناك روايات أُخرى كثيرة صريحة برؤية السفراء الاَربعة كلٌّ في زمان وكالته للامام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة وها نحن نشير الى اسماء من رآه عليه السلام وهم:

ابراهيم بن ادريس أبو أحمد(٣) ، وابراهيم بن عبدة النيسابوري(٤) ، وابراهيم بن محمد التبريزي(٥) ، وابراهيم بن مهزيار ابو اسحاق الاهوازي(٦) ، وأحمد بن اسحاق بن سعد الاشعري(٧) ورآه مرة أُخرى مع سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري (من مشايخ والد الصدوق

____________

(١) كتاب الغيبة/للطوسي: ٣٩٤/٣٦٣.

(٢) وقد جمعت هذه الاُمور في ثلاث مجلدات مطبوعة بعنوان «المختار من كلمات الاِمام المهدي عليه السلام» تأليف الشيخ محمد الغروي.

(٣) الكافي ١: ٣٣١/٨ باب ٧٧، والارشاد/الشيخ المفيد ٢: ٢٥٣، وكتاب الغيبة/الشيخ الطوسي: ٢٦٨/٢٣٢ و ٣٥٧/٣١٩.

(٤) الكافي ١: ٣٣١/٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة للطوسي: ٢٦٨/٢٣١.

(٥) الغيبة للطوسي: ٢٥٩/٢٢٦.

(٦) كمال الدين ٢: ٤٤٥/١٩ باب ٤٣.

(٧) كمال الدين ٢: ٣٨٤/١ باب ٣٨.

١١١

والكليني)(١) ، وأحمد بن الحسين بن عبدالملك أبو جعفر الاَزْدي وقيل الاَوْدي(٢) ، وأحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً(٣) ، وأحمد بن محمد بن المُطَهَّر أبو علي من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام(٤) ، وأحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون، وكان معه جماعة منهم: علي بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه إلى تمام أربعين رجلاً(٥) ، واسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل(٦) ، وأبو عبد الله بن صالح(٧) ، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي(٨) ، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي(٩) ، وجعفر الكذاب عم الاِمام المهدي عليه السلام رأى الاِمام المهدي عليه السلام مرتين(١٠) ، والسيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام(١١) ، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري رضي الله عنه(١٢) ، ورشيق صاحب المادراي(١٣) ،

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٥٦/٢١ باب ٤٣.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٤٤/١٨ باب ٤٣، والغيبة: ٢٥٣/٢٢٣.

(٣) الغيبة: ٢٥٨/٢٢٦.

(٤) الكافي ١: ٣٣١/٥ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٩/٢٣٣.

(٥) الغيبة: ٣٥٧/٣١٩.

(٦) الغيبة: ٢٧٢/٢٣٧.

(٧) الكافي ١: ٣٣١/٧ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢.

(٨) كمال الدين ٢: ٤٤٣/١٧ باب ٤٣.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٣٢/٩ باب ٤٣، و ٢: ٤٣٤/١ باب ٤٣.

(١٠) الكافي ١: ٣٣١/٩ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤٢/١٥ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٣، والغيبة: ٢٤٨/٢١٧.

(١١) الكافي ١: ٣٣١/٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٢٤/١ باب ٤٢ و ٢: ٤٢٦/٢ باب ٤٢، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٢٣٤/٢٠٤ و: ٢٣٧/٢٠٥ و: ٢٣٩/٢٠٧.

(١٢) الغيبة: ٢٧١/٢٣٦.

(١٣) الغيبة: ٢٤٨/٢١٨.

١١٢

وأبو القاسم الروحي رضي الله عنه(١) ، وعبد الله السوري(٢) ، وعمرو الاَهوازي(٣) ، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار الاَهوازي(٤) ، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن ابراهيم اليماني(٥) ، وغانم أبو سعيد الهندي(٦) ، وكامل بن ابراهيم المدني(٧) ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه(٨) ، ومحمد بن أحمد الاَنصاري أبو نعيم الزيدي، وكان معه في مشاهدة الاِمام المهدي عليه السلام: أبو علي المحمودي، وعلاّن الكليني، وأبو الهيثم الدِّيناري، وأبو جعفر الاَحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم السيد محمد بن القاسم العلوي العقيقي(٩) ، والسيد الموسوي محمد بن اسماعيل بن الاِمام موسى بن جعفر عليهما السلام وكان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١٠) ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم(١١) ، ومحمد بن الحسن بن عبيد الله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة(١٢) ، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى

____________

(١) كمال الدين ٢: ٥٠٢/٦١ باب ٤٥، والغيبة: ٣٢٠/٢٦٦ و ٣٢٢/٢٦٩.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٤١/١٣ باب ٤٣.

(٣) الكافي ١: ٣٢٨/٣ باب ٧٦ و ١: ٣٣٢/١٢ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٣، والغيبة: ٢٣٤/٢٠٣.

(٤) الغيبة: ٢٦٣/٢٢٨.

(٥) كمال الدين ٢: ٤٩١/١٤ باب ٤٥.

(٦) الكافي ١: ٥١٥/٣ باب ١٢٥، وكمال الدين ٢: ٤٣٧ بعد الحديث ٦ باب ٤٣.

(٧) الغيبة: ٢٤٧/٢١٦.

(٨) الكافي ١: ٣٢٩/١ باب ٧٦ و ١٠: ٣٢٩/٤ باب ٧٦ و١: ٣٣١/٤ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٣٥٥/٣١٦.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٧٠/٢٤ باب ٧٣، والغيبة: ٢٥٩/٢٢٧.

(١٠) الكافي ١: ٣٣٠/٢ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥١، والغيبة: ٢٦٨/٢٣٠.

(١١) كمال الدين ٢: ٤٧٧ بعد الحديث ٦ باب ٤٣.

(١٢) الغيبة: ٢٦٩/٢٣٤ و: ٢٧٠/٢٣٥.

١١٣

الاِمام الرضا عليه السلام(١) ، ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه(٢) وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الاِمام العسكري عليه السلام، وكان من جملتهم: معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح(٣) ، ويعقوب بن منقوش(٤) ، ويعقوب بن يوسف الضّراب الغساني(٥) ، ويوسف بن أحمد الجعفري(٦) .

شهادة وكلاءالمهدي ومن وقف على معجزاته عليه السلام برؤيته:

لقد ذكر الصدوق من وقف على معجزات الاِمام المهدي ورآه من الوكلاء وغيرهم مع تسمية بلدانهم وقد أشرنا إلى بعضهم، وقد بلغوا من الكثرة حدّاً يمتنع معه اتفاقهم على الكذب لاسيما وهم من بلدان شتى، واليك بعضهم:

فمن بغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار.

ومن الكوفة: العاصمي.

ومن أهل الاهواز: محمد بن ابراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن اسحاق.

ومن أهل همدان: محمد بن صالح.

ومن أهل الري: البسامي، والاسدي (محمد بن أبي عبدالله الكوفي).

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢/١٥ باب ٤٣ حدّثَ عن رؤية جعفر الكذاب للامام المهدي عليه السلام، وظاهره أنه رآه أيضاً، ولكن صريح الكافي أنه لم يره عليه السلام ولكنه رأى من رآه وهو جعفر الكذاب. الكافي ١: ٣٣١/٩ باب ٧٧.

(٢) كمال الدين ٢: ٤٣٣/١٣ باب ٤٢ و ٢: ٤٣٥/٣ باب ٤٣ و ٢: ٤٤٠/٩ باب ٤٣ و٢: ٤٤٠/١٠ باب ٤٣ و ٢: ٤٤١/١٤ باب ٤٣.

(٣) كمال الدين ٢: ٤٣٥/٢ باب ٤٣.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٣٧/٥ باب ٤٣.

(٥) الغيبة: ٢٧٣/٢٣٨.

(٦) الغيبة: ٢٥٧/٢٢٥.

١١٤

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.

ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء.

من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبدالله الكندي، وأبو عبدالله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبدالله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن عليه السلام، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، واسحاق الكاتب من بني نوبخت وغيرهم.

ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران.

ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أُخَيَّة، وأبو الحسن.

ومن أصفهان: ابن باشاذالة.

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.

ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفّاء.

ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد.

ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن بن الفضل بن يزيد، والجعفري، وابن الاعجمي، وعلي بن محمد الشمشاطي.

ومن مصر: أبو رجاء وغيره.

ومن نصيبين: أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي.

كما ذكر أيضاً من رآه عليه السلام من أهل شهرزور، والصيمرة، وفارس

١١٥

وقابس، ومرو(١) .

شهادة الخدم والجواري والاِماء برؤية المهدي عليه السلام:

كما شاهد الاِمام المهدي عليه السلام من كان يخدم أباه العسكري عليه السلام في داره مع بعض الجواري والاِماء، كطريف الخادم أبي نصر(٢) ، وخادمة ابراهيم بن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيدها الاِمام المهدي عليه السلام(٣) ، وأبي الاَديان الخادم(٤) ، وأبي غانم الخادم الذي قال: «ولد لاَبي محمد عليه السلام ولد فسماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد اليه الاعناق بالانتظار، فاذا امتلاَت الارض جوراً وظلماً خرج فملاَها قسطاً وعدلاً»(٥) .

وشهد بذلك أيضاً: عقيد الخادم(٦) ، والعجوز الخادمة(٧) ، وجارية أبي علي الخيزراني التي اهداها إلى الاِمام العسكري عليه السلام(٨) ، ومن الجواري اللّواتي شهدن برؤية الاِمام المهدي عليه السلام: نسيم(٩) ، ومارية(١٠) .

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢ - ٤٤٣/١٦ باب ٤٣.

(٢) الكافي ١: ٣٣٢/١٣ باب ٧٧، وكمال الدين ٢: ٤٤١/١٢ باب ٤٣، والارشاد ٢: ٣٥٤، والغيبة: ٢٤٦/٢١٥ وفيه: (ظريف) بدلاً عن (طريف).

(٣) الكافي ١: ٣٣١/٦ باب ٧٧، والارشاد ٢: ٣٥٢، والغيبة: ٢٦٨/٢٣١.

(٤) كمال الدين ٢: ٤٧٥ بعد الحديث ٢٥ باب ٤٣.

(٥) كمال الدين ٢: ٤٣١/٨ باب ٤٢.

(٦) كمال الدين ٢: ٤٧٤ بعد الحديث ٢٥ باب ٤٣، والغيبة: ٢٧٢/٢٣٧.

(٧) الغيبة ٢: ٢٧٣ - ٢٧٦/٢٣٨.

(٨) كمال الدين ٢: ٤٣١/٧ باب ٤٢.

(٩) كمال الدين ٢: ٤٤١/١١ باب ٤٣.

(١٠) كمال الدين ٢: ٤٣٠/٥ باب ٤٢، وفي هذا المورد شاهدته عليه السلام نسيم مع مارية.

١١٦

كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولى أبي الحسن عليه السلام(١) ، وكل هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري عليه السلام.

تصرف السلطة دليل على ولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

ولد الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ هـ، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العباس وهم: المعتز (ت/٢٥٥ هـ)، والمهتدي (ت/٢٥٦ هـ)، والمعتمد (ت/٢٧٩ هـ).

وقد كان المعتمد شديد التعصب والحقد على آل البيت عليهم السلام ومن تصفح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة ( ٢٥٧ هـ ) و ( ٢٥٨ هـ ) و ( ٢٥٩ هـ ) و ( ٢٦٠ هـ )، وهي السنوات الاُولى من حكمه، عَلِم مدى حقده على أئمة أهل البيت عليهم السلام.

ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيءٌ من مُلْكِهِ حتى إنّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوءٍ إذ ضجر منه الاتراك فرموه في رصاص مذاب باتفاق المؤرخين.

ومن مواقفه الخسيسة أَمْرُهُ شَرَطَته بعد وفاة الاِمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الاِمام المهدي عليه السلام والامر بحبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري عليه السلام في نفوس شيعته، حتى جرى بسبب ذلك - كما يقول الشيخ المفيد - على مُخَلَّفي أبي محمد عليه السلام كل عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذِل(٢) .

____________

(١) كمال الدين ٢: ٤٤٢/١٦ باب ٤٣.

(٢) الارشاد ٢: ٣٣٦.

١١٧

كل هذا والاِمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولايهم المعتمد العباسي العمر بعد أنْ عرف أن هذا الصبي هو الاِمام الذي سيهدّ عرش الطاغوت نظراً لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام سيملاَ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فكان موقفه من مهدي الاُمّة كموقف فرعون من نبي الله موسى عليه السلام الذي ألقته أُمّهُ - خوفاً عليه - في اليمِّ صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.

ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنّما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي؛ ولهذا كان الاِمام الحسن العسكري عليه السلام حريصاً على أن لاينتشر خبر ولادة المهدي إلاّ بين الخلّص من شيعته ومواليه عليه السلام، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته عليه السلام، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلاّ فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الاَحاديث المتواترة دوره العظيم بكل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.

ولو لم يكن الامر على ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري عليه السلام مات ولم يخلف ولداً؟

أَمَا كان بوسع السلطة أنْ تعطي جعفراً الكذاب ميراث أخيه عليه السلام من غير ذلك التصرف الاَحمق الذي يدل على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!

قد يقال: بأنّ حرص السلطة على إعطاء كل ذي حق حقه هو الذي

١١٨

دفعها إلى التحري عن وجود الخلف لكي لايستقل جعفر الكذاب بالميراث وحده بمجرد شهادته!

فنقول: ومع هذا، فانه ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أنْ تتحرى عن هذا الاَمر بمثل هذا التصرف المريب، بل كان على السلطة ان تحيل دعوى جعفر الكذاب إلى أحد القضاة؛ لاسيما وان القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كل يوم مرات، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود كأُمّ الاِمام العسكري عليه السلام، ونسائه وجواريه والمقربين اليه من بني هاشم، ثم يستمع إلى اقوالهم ويثبت شهاداتهم، ثم يصدر الحكم على ضوء ما بيديه من شهادات، أمّا أنّ تنفرد السلطة بنفسها ويصل الاَمر إلى أعلى رجل فيها، وبهذه السرعة، ولمّا يدفن الاِمام الحسن عليه السلام، وخروج القضية عن دائرة القضاء مع أنّها من اختصاصاته، ومن ثم مداهمة الشَرَطة لمن في بيت الاِمام العسكري عليه السلام بعد وفاته مباشرة، كل ذلك يدل على تيقن السلطة من ولادة الاِمام المهدي وإنْ لم تره، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت كما أشرنا إليه؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لابعنوان إعطاء ميراث العسكري عليه السلام لمن يستحقه من بعده، وإنّما للقبض عليه والفتك به بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلاً في حياة أبيه العسكري عليه السلام.

ولهذا كان الخوف على حياته الشريفة من اسرار غيبته عليه السلام كما مر عليك في إخبار آبائه الكرام عليهم السلام عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.

اعترافات علماء الاَنساب بولادة الاِمام المهدي عليه السلام:

لا شك في أنّ الرجوع إلى أصحاب كلّ فن ضرورة، والأولى

١١٩

بصدد ما نحن فيه، هم علماء الانساب، واليك بعضهم:

١ - النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري، كان حياً سنة ( ٣٤١ هـ )، وهو من أشهر علماء الانساب المعاصرين لغيبة الاِمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة ٣٢٩ هـ.

قال في سر السلسلة العلوية: «وولد علي بن محمد التقي عليه السلام: الحسن ابن علي العسكري عليه السلام من أُم ولد نوبيّة تدعى: ريحانة، وولد سنة احدى وثلاثين ومائتين وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة.. وولد علي بن محمد التقي عليه السلام جعفراً وهو الذي تسميه الاِمامية جعفر الكذاب، وإنّما تسميه الاِمامية بذلك؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن عليه السلام دون ابنه القائم الحجة عليه السلام. لاطعن في نسبه»(١) .

٢ - السيد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري قال ما نصه: «ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس عليها السلام معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والاَخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه »..(٢) .

٣ - الفخر الرازي الشافعي ( ت/٦٠٦ هـ)، قال في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية تحت عنوان: أولاد الامام العسكري عليه السلام ما هذا نصه: « أما الحسن العسكري الامام عليه السلام فله ابنان وبنتان: اما الابنان، فأحدهما: صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، والثاني موسى

____________

(١) سر السلسلة العلوية/لاَبي نصر البخاري: ٣٩.

(٢) المجدي في انساب الطالبيين: ١٣٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يُشاهَد من نحو طوع من الذكور للإناث في مراعاة ما تميل إليه نفسها ويستلذّه طبعها، فإنّ ذلك راجع إلى مراعاة جانب العشق والشهوة واستزادة اللّذة، وأمّا نحو الاستيلاء والاستعلاء المذكور، فإنّه عائد إلى قوّة الفحولة وإجراء ما تأمر به الطبيعة.

وهذا المعنى - أعني لزوم الشدّة والبأس لقَبيل الذكور واللين والانفعال لقَبيل الإناث - ممّا يوجب الاعتقاد به قليلاً أو كثيراً عند جميع الأُمم، حتى سرى إلى مختلف اللغات، فسُمِّي كل ما هو شديد صعب الانقياد بالذكر، وكل ليِّن سهل الانفعال بالأُنثى، يقال: حديد ذكر وسيف ذكر ونبت ذكر ومكان ذكر، وهكذا.

وهذا الأمر جارٍ في نوع الإنسان، دائر بين المجتمعات المختلفة والأمم المتنوّعة في الجملة، وإن كان ربّما لم يخلُُ من الاختلاف زيادة ونقيصة.

وقد اعتبره الإسلام في تشريعه قال تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ... ) (1) .

فشرّع وجوب إجابتها له إذا دعاها إلى المواقعة إن أمكنت لها.

- 3 -

تعدُّد الزوجات

وأمر الوحدة والتعدُّد فيما نُشاهده من أقسام الحيوان غير واضح، ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحّد الإناث وتختصُّ بالذكور، لما أنّ الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الأفراخ وتربيتها، وربّما تغيَّر الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة، أعني بالتأهُّل والتربية

____________________

(1) سورة النساء، الآية: 34.

١٤١

كما يُشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها.

وأمّا الإنسان، فاتّخاذ الزوجات المتعدّدة كانت سنّة جارية في غالب الأُمم القديمة، كمصر والهند، والصين والفرس، بل الروم واليونان، فإنّهم كانوا ربَّما يُضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يُصاحبونها، بل وكان ذلك عند بعض الأُمم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه، كاليهود والعرب، فكان الرجل منهم ربّما تزوّج العشرة والعشرين وأزيد، وقد ذكروا أنّ سليمان الملك تزوّج مئات من النساء.

وأغلب ما كان يقع تعدُّد الزوجات إنّما هو في القبائل ومَن يحذو حذوهم، من سكّان القُرى والجبال، فإنّ لربّ البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء، فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد؛ ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم، وليكون ذلك وسيلة يتوسّلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم، على ما في كثرة الازدواج من تكثُّر الأقرباء بالمُصاهرة.

وما ذكره بعض العلماء، أنّ العامل في تعدُّد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنّما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم، كأعمال الحمل والنقل، والرعي والزراعة، والسقاية والصيد، والطبخ والنسج وغير ذلك، فهو وإن كان حقّاً في الجملة، إلاّ أنّ التأمّل في صفاتهم الروحية يُعطي أنّ هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمّية عندهم، وما ذكرناه هو الذي يتعلّق به قصد الإنسان البدوي أولاً وبالذات، كما أن شيوع الادّعاء والتبنّي أيضاً بينهم سابقاً كان من فروع هذا الغرض.

على أنّه كان في هذه الأُمم عامل أساسي آخر لتداول تعدُّد الزوجات بينهم، وهو زيادة عدد النساء على الرجال بما لا يُتسامح فيه، فإنّ هذه الأُمم

١٤٢

السائرة بسيرة القبائل، كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات، وقتل الفتك والغيلة، فكان القتل يُفني الرجال، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة، لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلاّ بتعدّد الزوجات. هذا.

والإسلام شرّع الازدواج بواحدة، وأنفذ التكثير إلى أربع، بشرط التمكُّن من القسط بينهن، مع إصلاح جميع المحاذير المتوجّهة إلى التعدُّد، على ما سنُشير إليها، قال تعالى: ( ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... ) (1) .

وقد استشكلوا على حكم تعدُّد الزوجات:

أولاً: إنّه يضع آثاراً سيئة في المجتمع؛ فإنّه يقرع قلوب النساء في عواطفهن، ويُخيِّب آمالهن ويُسكِّن فورة الحبِّ في قلوبهن؛ فينعكس حسُّ الحبِّ إلى حسِّ الانتقام؛ فيُهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد، ويُقابلن الرجل بمثل ما أساؤوا إليهنّ؛ فيشيع الزنا والسفاح، والخيانة في المال والعرض، فلا يلبث المجتمع دون أن ينحطَّ في أقرب وقت.

وثانياً: إنّ التعدّد في الزوجات يُخالف ما هو المشهود المُتراءى من عمل الطبيعة؛ فإنَّ الإحصاء في الأُمم والأجيال يُفيد أنّ قبيلَي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً، فالذي هيّأته الطبيعة هو واحدة لواحد، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة.

وثالثاً: إنّ في تشريع تعدُّد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة، وتقوية لهذه القدرة في المجتمع.

ورابعاً: إنّ في ذلك حطّاً لوزن النساء في المجتمع، بمعادلة الأربع منهنّ بواحد من الرجال، وهو تقويم جائر، حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سُوِّيَ فيه بين امرأتين ورجل، كما في الإرث والشهادة وغيرهما، ولازمه

____________________

(1) سورة البقرة، الآية: 228.

١٤٣

تجويز التزوج باثنتين منهنّ لا أزيد، ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أيِّ حال من غير وجه.

وهذه الإشكالات ممّا اعترض بها النصارى على الإسلام، أو مَن يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع.

والجواب عن الأول - ما تقدّم غير مرّة في المباحث المتقدِّمة -: أنّ الإسلام وضع بُنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقُّلية دون الحياة الإحساسية، فالمتَّبع عنده هو الصلاح العقلي في السُنن الاجتماعية، دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف.

وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة، وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية؛ فإنَّ من المُسلَّم في الأبحاث النفسية، أنّ الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة، تختلف - كمَّاً وكيفاً - باختلاف التربية والعادة، كما أنّ كثيراً من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مذمومة عند الغربيين، وبالعكس، وكل أُمّة تختلف مع غيرها في بعض الأمور.

والتربية الدينية في الإسلام تُقيم المرأة الإسلامية مقاماً لا تتألّم بأمثال ذلك عواطفها.

نعم، المرأة الغربية، حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولُقِّنت بذلك جيلاً بعد جيل؛ استحكم في روحها عاطفة نفسانية تُضادُّ التعدُّد؛ ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع، الذي شاعت بين الرجال والنساء في الأُمم المتمدِّنة اليوم.

أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل مَن هووها وهوتهم من نسائهم، من محارم وغيرها، ومن بكر أو ثيِّب، ومن ذات بعل أو غيرها، حتى إنّ الإنسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا، سواء

١٤٤

في ذلك الرجال والنساء، ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعاً قلَّ ما يسلم منه فرد، حتى بلغ الأمر مبلغاً رفعوا قُبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العُظمى أن يُبيح لهم اللواط (سنّة قانونية)، وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية؟!

وأمّا النساء - وخاصة الأبكار وغير ذوات البعل من الفتيات - فالأمر فيهنّ أغرب وأفظع.

فليت شعري! كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرّجن ولا تنكسر قلوبهنّ ولا تتألّم عواطفهن حين يُشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن؟! وكيف لا تتألّم عواطف الرجال وإحساساته حين يبني بفتاة ثمّ يجدها ثيِّباً فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثمّ لا يلبث حتى يتباهى بين الأقران أنّ سيّدته ممّن جذبت الرجال إلى نفسها وتنافس عليها العشرات والمئات؟!!.

إنّ هذه السيّئات تكرّرت بينهم، ونزعة الحرّية تمكّنت من أنفسهم، حتى صارت عادة عريقة مألوفة، لا تمتنع منها العواطف والإحساسات، ولا تستنكرها النفوس! فليس إلاّ أنّ السنن الجارية تميل العواطف الإحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها.

وأمّا ما ذكروه، من استلزام ذلك إهمالهنّ في تدبير البيت، وتثاقلهن في تربية الأولاد، وشيوع الزنا والخيانة، فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك، فإنّ هذا الحكم جرى في صدر الإسلام، وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدّعي حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته، بل كان الأمر بالعكس.

على أنّ هذه النساء اللاتي يُتزوّج بهنّ على الزوجة الأُولى، في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك - أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة - إنّما يتزوّج بهنّ عن رضاء ورغبة منهنّ، وهنّ من نساء هذه المجتمعات، ولم يسترققهنّ الرجال من مجتمعات أُخرى، ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا، وإنّما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية،

١٤٥

فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدُّد الزوجات، ولا قلوبهنَّ تتألّم منها، بل لو كان شيء من ذلك، فهو من لوازم وعوارض الزوجية الأُولى، أعني أنّ المرأة إذا توحّدت للرجل لا تحبُّ أن ترد عليها وعلى بيتها أُخرى؛ لخوفها أن تُميل عنها بعلها أو تترأَّس عليها غيرها أو يختلف الأولاد ونحو ذلك، فعدم الرضى والتألُّم فيما كان، إنّما منشأه حالة عرضية (التوحُّد بالبعل) لا غريزة طبيعية.

والجواب عن الثاني: إنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مُختلٌّ من وجوه.

منها: أنّ أمر الازدواج لا يتّكي على هذا الذي ذكروه فحسب، بل هناك عوامل وشرائط أُخرى لهذا الأمر، فأولاً الرشد الفكري والتهيُّؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال، فالنساء وخاصة في المناطق الحارّة إذا جُزن التسع صلحن للنكاح، والرجال لا يتهيَّؤون لذلك غالباً قبل الستِّ عشرة من السنين (وهو الذي اعتبره الإسلام للنكاح).

ومن الدليل على ذلك؛ السنّة الجارية في فتيات الأُمم المتمدّنة، فمن الشاذِّ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سنِّ البلوغ القانوني، فليس إلاّ أنّ الطبيعة هيّأتها للنكاح قبل تهيُّئتها الرجال لذلك.

ولازم هذه الخاصة؛ أن لو اعتبرنا مواليد ستّ عشرة سنة من قوم (والفرض تساوي عدد الذكورة والإناث فيهم)، كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهي سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة، وهم مواليد السنة الأُولى المفروضة، والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين، وهي مواليد السنة الأُولى إلى السابعة، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة، وهي سن بلوغ الأشدِّ من الرجال؛ حصل في السنة الخامسة

١٤٦

والعشرين على الصلوح في الرجال مواليد عشرة سنين، ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة، وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى، حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة.

وثانياً: أنّ الإحصاء - كما ذكروه - يُبيِّن أنّ النساء أطول عمراً من الرجال، ولازمه أن تهيِّئ سنة الوفاة والموت عدداً من النساء ليس بحذائهن رجال.

وممّا يؤيّد ذلك ما نشره بعض الجرائد في هذه الأيّام (جريدة الاطِّلاعات المنتشرة في طهران المؤرّخة بالثلاثاء 11 دي ماه سنة 1335 هـ ش) حكاية عن دائرة الإحصاء في فرنسا ما حاصله: قد تحصّل بحسب الإحصاء أنّه يولَد في فرنسا حذاء كل (100) مولودة من البنات (105) من البنين، ومع ذلك، فإنّ الإناث يربو عدّتهن على عدّة الذكور بما يُعادل (1765000) نسمة، ونفوس المملكة (40 مليوناً)؛ والسبب فيه أنّ البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الأمراض، ويهلك بها (5%) الزائد منهم إلى سنة (19) من الولادة.

ثمّ يأخذ عدَّة الذكور في النقص ما بين 25 - 30 من السنين، حتى إذا بلغوا سنيِّ 60 - 65 لم يبقَ تِجاه (1500000) من الإناث إلاّ (750000) من الذكور.

وثالثاً: أنّ خاصّة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء، فالأغلب على النساء أن يئسن من الحمل في سنّ الخمسين، ويمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك، وربّما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي - وهي مائة سنة - فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد وهو ثمانون سنة تقريباً ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريباً، وإذا ضُمَّ هذا الوجه إلى الوجه السابق؛ أنتج أنّ الطبيعة والخلقة أباح للرجال التعدِّي من الزوجة

١٤٧

الواحدة إلى غيرها، فلا معنى لتهيئة قوّة التوليد والمنع عن الاستيلاد من محلٍّ شأنه ذلك؛ فإنّ ذلك ممّا تأباه سنّة العلل والأسباب الجارية.

ورابعاً: أنّ الحوادث المُبيدة لأفراد المجتمع - من الحروب والمقاتل وغيرهما - تحلُّ بالرجال وتفنيهم أكثر منها بالنساء بما لا يُقاس، كما تقدم أنّه كان أقوى العوامل لشيوع تعدّد الزوجات في القبائل، فهذه الأرامل والنساء العزّل لا محيص لهنّ عن قبول التعدُّد أو الزنا، أو خيبة القوّة المودعة في طبائعهنّ وبطلانها.

وممّا يتأيّد به هذه الحقيقة، ما وقع في ألمانيا الغربية قبل عدّة شهور، من كتابة هذه الأوراق: أظهرت جمعية النساء العزّل تحرُّجها من فقدان البعولة، وسألت الحكومة أن يسمح لهنّ بسنّ تشريع تعدُّد الزوجات الإسلامية، حتى يتزوّج مَن شاء من الرجال بأزيد من واحدة، ويرتفع بذلك غائلة الحرمان، غير أنّ الحكومة لم تُجبهنّ في ذلك، وامتنعت الكنيسة من قبوله، ورضيت بفشو الزنا وشيوعه وفساد النسل به.

ومنها: أنّ الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال والنساء في العدد - مع الغضِّ عمَّا تقدَّم - إنّما يستقيم فيما لو فُرض أن يتزوَّج كل رجل في المجتمع بأكثر من الواحدة إلى أربع من النساء، لكنّ الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك، ولا يسع ذلك بالطبع إلاّ لبعضهم دون جميعهم، والإسلام لم يشرِّع تعدُّد الزوجات بنحو الفرض والوجوب على الرجال، بل إنّما أباح ذلك لمَن استطاع أن يُقيم القسط منهم، ومن أوضح الدليل على عدم استلزام هذا التشريع حرجاً ولا فساداً أنّ سير هذه السنّة بين المسلمين - وكذا بين سائر الأُمم الذين يرون ذلك - لم يستلزم حرجاً من قحط النساء وإعوازهن على الرجال، بل بالعكس من ذلك أعدَّ تحريم التعدُّد في البلاد التي فيها ذلك ألوفاً من النساء حُرمن الأزواج والاجتماع المنزلي (الأُسرة)

١٤٨

واكتفين بالزنا.

ومنها: أنَّ الاستدلال المذكور - مع الإغماض عن ما سبق - إنّما يستقيم لو لم يُصلح هذا الحكم ولم يُعدَّل بتقييده بقيود ترتفع بها المحاذير المتوهِّمة، فقد شرط الإسلام على مَن يُريد من الرجال التعدُّد، أن يُقيم العدل في معاشرتهنّ بالمعروف، وفي القسم، والفراش، وفرض عليهم نفقتهنَّ، ثمّ نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلاً ومَن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك، إلاّ لبعض أُولي الطول والسعة من الناس لا لجميعهم.

على أنَّ هناك طُرقاً دينية شرعيّة، يمكن أن تستريح إليها المرأة، فتُلزم الزوج على الاقتصار عليها والإغماض عن التكثير.

والجواب عن الثالث: أنَّه مبنيٌّ على عدم التدبُّر في نحو التربية الإسلامية، ومقاصد هذه الشريعة؛ فإنّ التربية الدينية للنساء في المجتمع الإسلامي، الذي يرتضيه الدين بالستر والعفاف، والحياء وعدم الخرق، تُنمِّي المرأة وشهوة النكاح فيها أقل منها في الرجال (على الرغم ممَّا شاع أنّ شهوة النكاح فيها أزيد وأكثر واستدلَّ عليه بتولِّعها المُفرط بالزينة والجمال طبعاً) وهذا أمر لا يكاد يَشكُّ فيه رجال المسلمين ممَّن تزوج بالنساء الناشئات على التربية الدينية، فشهوة النكاح في المتوسِّط من الرجال تُعادل ما في أكثر من امرأة واحدة، بل والمرأتين والثلاث.

ومن جهة أُخرى، من عناية هذا الدين، أن يرتفع الحرمان في الواجب من مقتضيات الطبع ومشتهيات النفس، فاعتبر أن لا تُختزن الشهوة في الرجل ولا يُحرم منها، فيدعوه ذلك إلى التعدِّي إلى الفجور والفحشاء، والمرأة الواحدة ربّما اعتذرت فيما يقرب من ثُلث أوقات المعاشرة والمصاحبة، كأيام العادة

١٤٩

وبعض أيّام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك، والإسراع في رفع هذه الحاجة الغريزية هو لازم - ما تكرَّر منّا في المباحث السابقة من هذا الكتاب - أنّ الإسلام يبني المجتمع على أساس الحياة التعقُّلية دون الحياة الإحساسية، فبقاء الإنسان على حالة الإحساس، الداعية إلى الاسترسال في الأهواء والخواطر السوء، كحال التعزُّب ونحوه، من أعظم المخاطر في نظر الإسلام.

ومن جهة أُخرى، من أهمِّ المقاصد عند الشارع الإسلام تكثُّر نسل المسلمين، وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.

فهذه الجهات وأمثالها، هي التي اهتمَّ بها الإسلام في تشريع تعدُّد الزوجات، دون ترويج أمر الشهوة وترغيب الناس إلى الانكباب عليها، ولو أنصف هؤلاء المستشكلون، كان هذه السنن الاجتماعية، المعروفة بين هؤلاء البانين للاجتماع على أساس التمتُّع المادي، أولى بالرمي بترويج الفحشاء والترغيب إلى الشره من الإسلام، الباني للاجتماع على أساس السعادة الدينية.

على أنّ في تجويز تعدُّد الزوجات تسكيناً لثورة الحرص، التي هي من لوازم الحرمان، فكل محروم حريص، ولا همّ للممنوع المحبوس إلاّ أن يهتك حجاب المنع والحبس، فالمسلم وإن كان ذا زوجة واحدة، فإنّه على سكن وطيّب نفس من أنّه ليس بممنوع عن التوسُّع في قضاء شهوته لو تحرّجت نفسه يوماً إليه، وهذا نوع تسكين لطيش النفس، وإحصان لها عن الميل إلى الفحشاء وهتك الأعراض المحرَّمة.

وقد أنصف بعض الباحثين من الغربيين؛ حيث قال: لم يعمل في إشاعة الزنا والفحشاء بين الملل المسيحية عامل، أقوى من تحريم الكنيسة تعدُّد

١٥٠

الزوجات.

والجواب عن الرابع: أنّه ممنوع؛ فقد بيّنا في بعض المباحث السابقة - عند الكلام في حقوق المرأة في الإسلام - أنّه لم يحترم النساء ولم يُراعِ حقوقهنّ كل المراعاة أيُّ سنَّة من السنن الدينية أو الدنيوية، من قديمها وحديثها بمثل ما احترمهن الإسلام، وسنزيد في ذلك وضوحاً.

وأمّا تجويز تعدُّد الزوجات للرجل، فليس بمبني على ما ذكر، من إبطال الوزن الاجتماعي، وإماتة حقوقهنَّ، والاستخفاف بموقفهنّ في الحياة، وإنّما هو مبنيٌّ على جهات من المصالح تقدَّم بيان بعضها.

وقد اعترف بحُسن هذا التشريع الإسلامي، وما في منعه من الفاسد الاجتماعية والمحاذير الحيوية، جمع من باحثي الغرب، من الرجال والنساء، مَن أراده فليُراجع إلى مظانِّه.

وأقوى ما تشبَّث به مخالفو سنّة التعدُّد من علماء الغرب، وزوقوه في أعين الناظرين، ما هو مشهود في بيوت المسلمين، تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة:

ضرّتان أو ضرائر؛ فإنّ هذه البيوت لا تحتوي على حياة صالحة ولا عيشة هنيئة، لا تلبث الضرَّتان من أول يوم حلّتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد، حتى إنَّهم سموا الحسد بداء الضرائر، وعندئذ تنقلب جميع العواطف والإحساسات الرقيقة التي جُبلت عليها النساء من الحبِّ ولين الجانب، والرقّة والرأفة، والشفقة والنصح، وحفظ الغيب والوفاء، والمودة والرحمة والإخلاص بالنسبة إلى الزوج وأولاده من غير الزوجة، وبيته وجميع ما يتعلّق به إلى أضدادها، فينقلب البيت - الذي هو سكن للإنسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومي وتألُّم الروح والجسم من مشاقِّ الأعمال

١٥١

والجُهد في المكسب - معركة قتال يُستباح فيها النفس والعرض والمال والجاه، لا يؤمن فيه من شيء لشيء، ويتكدّر فيه صفو العيش، وترتحل لذّة الحياة، ويحلُّ محلُّها الضرب والشتم، والسبُّ واللعن، والسعاية والنميمة، والرقابة والمكر والمكيدة، واختلاف الأولاد وتشاجرهم، وربَّما انجرَّ الأمر إلى همِّ الزوجة بإهلاك الزوج وقتل بعض الأولاد بعضاً أو آبائهم، وتتبدّل القرابة بينهم إلى الأوتار التي تسحب في الأعقاب سفك الدماء وهلاك النسل وفساد البيت، أضف إلى ذلك، ما يسري من ذلك إلى المجتمع، من الشقاء وفساد الأخلاق، والقسوة والظلم، والبغي والفحشاء، وانسلاب الأمن والوثوق، وخاصة إذا أُضيف إلى ذلك جواز الطلاق؛ فإباحة تعدُّد الزوجات والطلاق يُنشئان في المجتمع رجالاً ذوّاقين مُترفين، لا همَّ لهم إلاّ اتِّباع الشهوات والحرص والتولُّع على أخذ هذه وترك تلك، ورفع واحدة ووضع أُخرى، وليس فيه إلاَّ تضييع نصف المجتمع وإشقاؤه، وهو قبيل النساء، وبذلك يفسد النصف الآخر.

هذا محصَّل ما ذكروه، وهو حقٌّ، غير أنّه إنّما يرد على المسلمين لا على الإسلام وتعاليمه، ومتى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام، حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم؟! وقد فقدوا منذُ قرون الحكومة الصالحة، التي تُربِّي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة، بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار، التي أسدلها الدين ونقض قوانينه وإبطال حدوده، هي طبقة الحكَّام والولاة على المسلمين، والناس على دين ملوكهم، ولو اشتغلنا بقصِّ بعض السير الجارية في بيوت الملوك، والفضائح التي كان يأتي بها ملوك الإسلام وولاته، منذ أن تبدّلت الحكومة الدينية بالمُلك والسلطنة المستبدّة لجاء بحياله تأليفاً مستقلاً.

وبالجملة؛ لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين؛ في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمّن سعادة

١٥٢

عيشتهم، ونحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها، بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط.

والذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء والأولاد، وإن كان على كل نفس ما اكتسبت من إثم؛ وذلك أنّ سيرة هؤلاء الرجال وتفدِّيتهم سعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، وصفاء جوِّ مجتمعهم في سبيل شرههم وجهالتهم هو الأصل لجميع هذه المفاسد، والمنبت لكل هذه الشقوة المُبيدة.

أمّا الإسلام، فلم يُشرِّع تعدُّد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل، وإنّما نظر في طبيعة الأفراد، وما ربّما يعرضهم من العوارض الحادثة، واعتبر الصلاح القاطع في ذلك (كما مرّ تفصيله)، ثمّ استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها، فأباح عند ذلك التعدُّد؛ حفظاً لمصلحة المجتمع الإنساني، وقيّده بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة، وهو وثوق الرجل بأنّه سيقسط بينهنّ ويعدل، فمَن وثق من نفسه بذلك ووُفِّق له فهو الذي أباح له الدين تعدُّد الزوجات، وأمّا هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم، ولا كرامة عندهم إلاَّ ترضية بطونهم وفروجهم، ولا مفهوم للمرأة عندهم إلاّ أنّها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذّته، فلا شأن للإسلام فيهم، ولا يجوز لهم إلاّ الازدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك والحال هذه.

على أنّ في أصل الإشكال خلطاً بين جهتين مفرقتين في الإسلام، وهما جهتا التشريع والولاية.

توضيح ذلك: أنَّ المدار في القضاء بالصلاح والفساد، في القوانين الموضوعة والسنن الجارية عند الباحثين اليوم، هو الآثار والنتائج المرضيّة أو غير المرضية، الحاصلة من جريانها في الجوامع وقبول الجوامع لها بفعليّتها

١٥٣

الموجودة وعدم قبولها، وما أظنُّ أنّهم على غفلة، من أنَّ المجتمع ربّما اشتمل على بعض سنن وعادات عوارض لا تُلائم الحكم بالمبحوث عنه، وأنّه يجب تجهيز المجتمع بما لا يُنافي الحكم أو السنَّة المذكورة، حتى يرى إلى ما يصير أمره، وماذا يبقى من الأثر خيراً أو شرّاً أو نفعاً أو ضراً! إلاّ أنّهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يُريده ويستدعيه المجتمع، بحاضر إرادته وظاهر فكرته كيفما كان، فما وافق إرادتهم ومستدعياتهم فهو القانون الصالح، وما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح.

ولذلك؛ لمّا رأوا المسلمين تائهين في أودية الغيّ، فاسدين في معاشهم ومعادهم، نسبوا ما يشاهدونه منه من الكذب والخيانة، والخنى وهضم الحقوق، وفشوّ البغي وفساد البيوت، واختلال الاجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم؛ زعماً منهم أنّ السنّة الإسلامية - في جريانها بين الناس وتأثيرها أثرها - كسائر السنن الاجتماعية، التي تُحمل على الناس عن إحساسات متراكمة بينهم؛ ويستنتجون من ذلك أنّ الإسلام هو المولد لهذه المفاسد الاجتماعية، ومنه ينشأ هذا البغي والفساد (وفيهم أبغى البغي وأخنى الخنى، وكل الصيد في جوف الفراء) ولو كان ديناً واقعياً، وكانت القوانين الموضوعة فيه جيّدة متضمّنة لصلاح الناس وسعادتهم لأثّرت فيهم الآثار المُسعدة الجميلة، ولم ينقلب وبالاً عليهم.

ولكنّهم خلطوا بين طبيعة الحُكم الصالحة المُصلِحة، وبين طبيعة الناس الفاسدة المفسدة، والإسلام مجموع معارف أصلية وأخلاقية، وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء، إذا أفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد الجميع وانحرافها في التأثير، كالأدوية والمعاجين المركّبة، التي تحتاج في تأثيرها الصحّي إلى سلامة أجزائها وإلى محلٍّ مُعدٍّ مهيّأ لورودها وعملها، ولو أفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الإنسان المستعمل لها شرائط

١٥٤

الاستعمال بطل عنها وصف التأثير، وربّما أثّرت ما يُضادُّ أثرها المترقَّب منها.

هب أنّ السنّة الإسلامية لم تقوَ على إصلاح الناس ومحق الذمائم والرذائل العامة؛ لضعف مبانيها التقنينية، فما بال السنّة الديمقراطية لا تنجع في بلادنا الشرقية أثرها في البلاد الأوروبية؟! وما بالنا كلّما أمعنّا في السير والكدح بالغنا في الرجوع على أعقابنا القهقري؟! ولا يشكّ شاكٌّ أنّ الذمائم والرذائل اليوم أشدّ تصلُّباً وتعرُّقاً فينا، ونحن مدنيون متنوِّرون منها قبل نصف قرن، ونحن همجيُّون، وليس لنا حظٌّ في العدل الاجتماعي وحياة الحقوق البشرية، والمعارف العامة العالية وكل سعادة اجتماعية، إلاّ أسماء نُسمِّيها وألفاظاً نسمعها.

فهل يمكن لمعتذر عن ذلك، إلاّ بأنّ هذه السنن المرضية إنّما لم تؤثِّر أثرها؛ لأنّكم لا تعملون بها، ولاتهتمُّون بإجرائها؟! فما بال هذا العذر يجري فيها وينجع ولا يجري في الإسلام ولا ينجع؟!

وهب أنّ الإسلام لوهن أساسها (والعياذ بالله) عجز عن التمكُّن في قلوب الناس، والنفوذ الكامل في أعماق المجتمع، فلم تدم حكومته ولم يقدر على حفظ حياته في المجتمع الإسلامي، فلم يلبث دون أن عاد مهجوراً، فما بال السنّة الديمقراطية وكانت سنّة مرضية عالمية ارتحلت بعد الحرب العالمية الكبرى الأُولى عن روسيا، وانمحت آثارها وخلقتها السنّة الشيوعية؟! وما بالها انقلبت إلى السنّة الشيوعية بعد الحرب العالمية الكبرى الثانية في ممالك الصين ولتوني واستوني وليتواني ورومانيا والمجر ويوغسلافيا وغيرها، وهي تهدِّد سائر الممالك، وقد نفذت فيها نفوذاً؟!

وما بال السنّة الشيوعية بعد ما عمرت ما يقرب من أربعين سنة،

١٥٥

وانبسطت وحكمت فيما يقرب من نصف المجتمع الإنساني، ولم يزل دعاتها وأولياؤها يتباهون في فضيلتها أنّها المشرَّعة الصافية الوحيدة التي لا يشوبها تحكُّم الاستبداد ولا استثمار الديمقراطية، وأنّ البلاد التي تعرّقت فيها هي الجنّة الوعودة، ثمّ لم يلبث هؤلاء الدعاة والأولياء أنفسهم دون أن انتهضوا قبل سنتين على تقبيح حكومة قائدهم الوحيد (ستالين) الذي كان يتولَّى إمامتها وقيادتها منذ ثلاثين سنة، وأوضحوا أنّ حكومته كانت حكومة تحكُّم واستبداد واستعباد في صورة الشيوعية، ولا محالة كان له التأثير العظيم في وضع القوانين الدائرة وإجرائها وسائر ما يتعلّق بذلك، فلم ينتش شيء من ذلك إلاَّ عن إرادة مستبدّة مستعبدة وحكومة فردية تُحيي ألوفاً وتُميت ألوفاً وتُسعد أقواماً وتُشقي آخرين؟! والله يعلم مَن الذي يأتي بعد هؤلاء ويقضي عليهم بمثل ما قضوا به على مَن كان قبلهم.

والسنن والآداب والرسوم الدائرة في المجتمعات (أعمّ من الصحيحة والفاسدة)، ثمّ المرتحلة عنها لعوامل متفرِّقة، أقواها خيانة أولياؤها وضعف إرادة الأفراد المستنِّين بها كثيرة، يعثر عليها مَن راجع كُتب التواريخ.

فليت شعري! ما الفرق بين الإسلام من حيث إنّها سنّة اجتماعية وبين هذه السنن المتقلّبة المتبدّلة؛ حيث يُقبل العذر فيها ولا يُقبل في الإسلام؟! نعم كلمة الحق اليوم واقعة بين قدرة هائلة غربية وجهالة تقليد شرقية، فلا سماء تُظلُّها ولا أرض تُقلُّها.

وعلى أيّ حال، يجب أن يتنبّه ممّا فصّلناه، أنّ تأثير سنّة من السنن أثرها في الناس وعدمه، وكذا بقاؤها بين الناس وارتحالها لا يرتبط - كل الارتباط - بصحّتها وفسادها، حتى يُستدلّ عليه بذلك، بل لسائر العلل والأسباب تأثير في ذلك، فما من سنّة من السنن الدائرة بين الناس في جميع الأطوار والعهود إلاّ وهي تنتج يوماً وتُعقم آخر، وتُقيم بين الناس بُرهة من الزمان وترتحل عنهم في أُخرى لعوامل مختلفة تعمل فيها، وتلك الأيام

١٥٦

نُداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء.

وبالجملة؛ القوانين الإسلامية والأحكام التي فيها، تُخالف بحسب المبنى والمشرب سائر القوانين الاجتماعية الدائرة بين الناس، فإنّ القوانين الاجتماعية التي لهم تختلف باختلاف الأعصار وتتبدّل بتبدُّل المصالح، لكنّ القوانين الإسلامية لا تحتمل الاختلاف والتبدُّل من واجب أو حرام، أو مستحب أو مكروه أو مباح، غير أنّ الأفعال التي للفرد من المجتمع أن يفعلها أو يتركها، وكل تصرُّف له أن يتصرَّف به أو يدعه، فلوليِّ الأمر أن يأمر الناس بها أو يناهم عنها، ويتصرّف في ذلك كأنّ المجتمع فرد والوالي نفسه المتفكّرة المريدة.

فلو كان للإسلام والٍ أمكنه أن يمنع الناس عن هذه المظالم التي يرتكبونها باسم تعدُّد الزوجات وغير ذلك، من غير أن يتغيّر الحكم الإلهي بإباحته، وإنّما هو عزيمة إجرائية عامة لمصلحة، نظير عزم الفرد الواحد على ترك تعدُّد الزوجات، لمصلحة يراها لا لتغيير في الحكم، بل لأنّه حكم إباحي له أن يعزم على تركه.

١٥٧

تعدُّد أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم):

وممّا اعترضوا عليه تعدّد زوجات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قالوا: إنّ تعدّد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره والانقياد لداعي الشهوة، وهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يقنع بما شرّعه لأُمّته من الأربع حتى تعدّى إلى التسع من النسوة.

والمسألة ترتبط بآيات متفرّقة كثيرة في القرآن، والبحث من كل جهة من جهاتها يجب أن يُستوفى عند الكلام على الآية المربوطة بها؛ ولذلك أخّرنا تفصيل القول إلى محالّه المناسبة له، وإنّما نُشير ههنا إلى ذلك إشارة إجمالية.

فنقول: من الواجب أن يُلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى أنّ قصّة تعدّد زوجات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليست على هذه السذاجة (أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالغ في حبِّ النساء حتى أنهى عدّة أزواجه إلى تسع نسوة) بل كان اختياره لمَن اختارها منهنّ على نهج خاص في مدى حياته، فهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان تزوّج - أول ما تزوّج - بخديجة رضي الله عنها، وعاش معها مقتصراً عليها نيِّفاً وعشرين سنة (وهي ثُلثا عمره الشريف بعد الازدواج) منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل

١٥٨

الهجرة من مكّة، ثمّ هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين، وتزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر، ومنهنّ الثيّب، ومنهنّ الشابّة، ومنهنّ العجوز، والمكتهلة، وكان على ذلك ما يقرب من عشرة سنين، ثمّ حُرِّم عليه النساء بعد ذلك إلاّ من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أنّ هذا الفعال على هذه الخصوصيات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء والولوع بهنّ، والوله بالقرب منهنّ، فأوّل هذه السيرة وآخرها يُناقضان ذلك.

على أنّا لا نشكُّ - بحسب ما نُشاهده من العادة الجارية - أنّ المتولّع بالنساء، المغرم بحبهنّ والخلاء بهنّ والصبوة إليهنّ، مجذوب إلى الزينة، عشيق للجمال، مفتون بالغنج والدلال، حنين إلى الشباب ونضارة السنِّ وطراوة الخلقة، وهذه الخواص أيضاً لا تنطبق على سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإنّه بنى بالثيّب بعد البكر، وبالعجوز بعد الفتاة الشابّة، فقد بنى بأمّ سلمة وهي مسنّة، وبنى بزينب بنت جحش وسنّها يومئذٍ يربو على الخمسين بعدها تزوّج بمثل عائشة وأُمّ حبيبة، وهكذا.

وقد خيّر نساءه بين التمتيع والسراح الجميل، وهو الطلاق إن كنّ يُردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمُّل إن كنّ يُردن الله ورسوله والدار الآخرة، على ما يشهد به قوله تعالى في القصة:

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

وهذا المعنى أيضاً - كما ترى - لا ينطبق على حال رجل مُغرم بجمال النساء، صابٍ إلى وصالهنّ.

____________________

(1) سورة الأحزاب، الآيتان: 28 - 29.

١٥٩

فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمِّق - إذا أنصف - إلاّ أن يوجّه كثرة ازدواجه (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيما بين أول أمره وآخر أمره بعوامل أُخَر، غير عامل الشره والشبق والتلهِّي.

فقد تزوّج (صلّى الله عليه وآله وسلم) ببعض هؤلاء الأزواج اكتساباً للقوّة وازدياداً للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقّياً من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش؛ وليكون سنّة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجرائه؛ عملاً لكسر السنن المنحطّة والبدع الباطلة الجارية بين الناس، كما في تزوجه بزينب بنت جحش، وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثمّ طلّقها زيد، وقد كان زيد هذا يُدعى ابن رسول الله على نحو التبنّي، وكانت زوجة المدعوّ ابناً عندهم كزوجة الابن الصُلبي، لا يتزوّج بها الأب، فتزوّج بها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونزل فيها الآيات.

وكان (صلّى الله عليه وآله وسلم) تزوّج لأول مرّة بعد وفاة خديجة بسودة بنت زمعة، وقد توفِّي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية، وكانت سودة هذه مؤمنة مهاجرة، ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفّار لفتنوها، كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل، والإكراه على الكفر.

وتزوّج بزينب بنت خزيمة، بعد قتل زوجها عبد الله بن جحش في أُحد، وكانت من السيدات الفُضليات في الجاهلية، تُدعى أمَّ المساكين؛ لكثرة برِّها للفقراء والمساكين وعطوفتها بهم، فصان بازدواجها ماء وجهها.

وتزوّج بأمّ سلمة واسمها هند، وكانت من قبل زوجة عبد الله أبي سلمة ابن عمّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأخيه من الرضاعة، أول مَن هاجر إلى الحبشة، وكانت زاهدة فاضلة، ذات دين ورأي، فلمّا توفِّي عنها زوجها كانت مسنّة ذات أيتام

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182