المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي20%

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 182

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 182 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73443 / تحميل: 7384
الحجم الحجم الحجم
المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

تفسيره: « واعلم أنّ ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجّة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنّه تعالى بشّر بذلك، ولايجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة »(١) .

ولا يخفى أنّ تلك الغلبة على الاَديان الاُخرى قد تحققت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخير دليل على ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يدٍ وهم صاغرون، ولا يخفى أيضاً أنّ تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الاِسلام ديناً قوياً مهاب الجانب وذا شوكة.

ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك، والذين دفعوا لنا الجزية بالاَمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا، والعدو أحاط بنا، وغُزِينا في عقر ديارنا، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدمٍ وساق.

وإذا كنا نعتقد حقاً بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه وغده؛ فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الاَديان منطبقاً على واقع الاِسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقاً بأنظمة المسلمين وسياساتهم؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الاِسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والاَحكام؟!

هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالى:( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال: « هو الاَديان الستة: الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا. فالاَديان كلّها تدخل في دين الاِسلام، والاِسلام يدخل في شيء منها، فإنّ الله قضى بما حكم وأنزل أن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون»(٢) .

____________

(١) التفسير الكبير/الرازي ١٦: ٤٠.

(٢) الدر المنثور/السيوطي ٤: ١٧٦.

٢١

وفي تفسير ابن جزّي: « وإظهاره: جعله أعلى الاَديان واقواها، حتى يعم المشارق والمغارب »(١) . وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصَّ عليه جملة من المفسرين(٢) .

وفي الدر المنثور: « وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى:( ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه ) قال: لايكون ذاك حتى لايبقى يهودي ولانصراني صاحب ملّة إلاّ الاسلام(٣) .

« وعن المقداد بن الاَسود قال:« سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لايبقى على ظهر الاَرض بيت مدر ولاوبر إلاّ أدخله كلمة الاسلام، إما بعزٍّ عزيز، وإما بذلٍ ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به، وإما يُذلّهم فيدينون له »(٤) .

ومن هنا ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أن الآية مبشّرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه - بتأييد من الله تعالى - سيُظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَديان حتى لايبقى على وجه الاَرض مشرك. وهو قول السدّي المفسّر(٥) .

قال القرطبي: « وقال السدّي: ذاك عند خروج المهدي، لايبقى أحد إلاّ دخل في الاِسلام »(٦) .

٢ - ومنها: قوله تعالى:( وَلو تَرى إذ فَزِعُوا فلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِن مكانٍ

____________

(١) تفسير ابن جزي: ٢٥٢.

(٢) تفسير الطبري ١٤: ٢١٥/١٦٦٤٥، والتفسير الكبير ١٦: ٤٠، وتفسير القرطبي ٨: ١٢١، والدر المنثور ٤: ١٧٦.

(٣) الدر المنثور ٤: ١٧٦.

(٤) مجمع البيان ٥: ٣٥.

(٥) مجمع البيان ٥: ٣٥.

(٦) تفسير القرطبي ٨: ١٢١، والتفسير الكبير ١٦: ٤٠ ومجمع البيان ٥: ٣٥.

٢٢

قريب ) (١) .

فقد أخرج الطبري في تفسيره، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يُخسف به، وسيأتي مايدلّ على أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف(٢) .

وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلاً عن حذيفة بن اليمان، وبه صرّح أبو حيان في تفسيره، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر، والسيوطي في الحاوي للفتاوى، وأورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عباس(٣) ، وقال الطبرسي في مجمع البيان: « وأورده الثعلبي في تفسيره، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام مثله »(٤) .

٣ - ومنها: قوله تعالى:( وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم ) (٥) .

فقد صرح البغوي في تفسيره، وكذلك الزمخشري، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والخازن، وتاج الدين الحنفي، وأبو حيان، وابن كثير، وأبو السعود، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان(٦) .

____________

(١) سبأ: ٣٤/٥١.

(٢) أُنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص: ٣٥.

(٣) تفسير الطبري ٢٢: ٧٢، وعقد الدرر: ٧٤ ب ٤ من الفصل الثاني، والحاوي للفتاوى ٢: ٨١، والكشاف ٣: ٤٦٧ - ٤٦٨.

(٤) مجمع البيان ٤: ٣٩٨.

(٥) الزخرف: ٤٣/٦١.

(٦) معالم التنزيل/البغوي ٤: ٤٤٤/٦١، والكشاف ٤: ٢٦، والتفسير الكبير ٢٧: ٢٢٢،

=

٢٣

وقد أوّلها مجاهد في تفسيره، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير، بنزول عيسى عليه السلام أيضاً(١) .

وقد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق، عن ابن عباس أنها بخصوص ماذكرناه(٢) .

وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان: «وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عز وجل:( وإنّه لَعْلِمٌ للساعة ) هو المهدي عليه السلام، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها»(٣) .

ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي، والشبلنجي الشافعي، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي، والشيخ الصبّان(٤) .

ولاخلاف بين هؤلاء وأولئك لاَنّ نزول عيسى سيكون مقارناً لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الاُخرى، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث. ويؤيدّه إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس، وأبي هريرة، وقتادة، ومالك بن دينار، والضحاك

____________

=

وتفسير القرطبي ١٦: ١٠٥، وتفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن ٤: ١٠٨ - ١٠٩، وتفسير الخازن ٤: ١٠٩، والدٌّر اللقيط ٨: ٢٤، والبحر المحيط ٨: ٢٥، وتفسير ابن كثير ٤: ١٤٢، وتفسير أبي السعود ٨: ٥٢، وموارد الضمآن: ح ١٧٥٨.

(١) تفسير مجاهد ٢: ٥٨٣.

(٢) الدر المنثور ٦: ٢٠.

(٣) البيان في أخبار صاحب الزمان: ٥٢٨.

(٤) الصواعق المحرقة: ١٦٢، ونور الاَبصار: ١٨٦، ومشارق الاَنوار - كما في الاِمام المهدي عند أهل السنّة ٢: ٥٨ - واسعاف الراغبين: ١٥٣، وينابيع المودة ٢: ١٢٦ باب ٥٩.

٢٤

ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الاِمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم، وأنه يصلّي خلف المهدي عليهما السلام.

٤ - ومنها: قوله تعالى:( فَلا اُقْسِمُ بالخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّسِ ) . فقد ورد في الاَثر عن الاِمام الباقر عليه السلام أنه قال: «إمام يخنُس سنةَ ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرّتْ عينك»(١) .

ولايخفى أن هذا من الاِخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تلقّاه من الوحي عن الله جلّ شأنه.

ونكتفي بهذا القدر، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي وظهوره في آخر الزمان(٣) .

نظرة في أحاديث المهدي

إنّ نظرة واحدة في أحاديث المهدي الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دون أدنى تردّد، ولما لم يكن بوسع البحث تسجيل كل ماورد من أحاديث في المهدي بكتب المسلمين لكثرتها الهائلة؛ لذا سنقتصر على ذكر مايدل على قطعية صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى النحو الآتي:

____________

(١) أُصول الكافي ١: ٣٤١/٢٢، كمال الدين ٢: ٣٢٤ ب ٣٢ ح١، كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي: ١٠١، كتاب الغيبة/النعماني: ١٤٩ ب ١٠ ح١، الهداية الكبرى/الحضيني: ٨٨، ينابيع المودة ٣: ٨٥ باب/٧١.

(٢) ينابيع المودة ٣: ٧٦ - ٨٥ باب/٧١.

٢٥

أولاً: من أخرج أحاديث المهدي:

لا يبعد القول بأنّه مامن محدّث من محدّثي الاِسلام إلاّ وقد أخرج بعض الاَحاديث المبشّرة بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان، وقد أفردوا كتباً كثيرة في الاِمام المهدي خاصة(١) .

وأما عن العلماء والمحدّثين الذين أخرجوا أحاديث المهدي أو أوردوها عمن تقدم عليهم على سبيل الاحتجاج بها - حسبما وقفنا عليه في كتبهم - فهم:

ابن سعد صاحب الطبقات الكبرى (ت/٢٣٠ هـ)، وابن أبي شيبة (ت/٢٣٥ هـ)، وأحمد بن حنبل (ت/٢٤١ هـ)، والبخاري (ت/٢٥٦هـ) ذكر المهدي بالوصف دون الاسم، ومثله فعل مسلم (ت/٢٦١ هـ) في صحيحه كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث، وأبو بكر الاسكافي (ت/٦٢٠هـ)، وابن ماجة (ت/٢٧٣ هـ)، وأبو داود (ت/٢٧٥هـ)، وابن قتيبة الدينوري (ت/٢٧٦ هـ)، والترمذي (ت/٢٧٩هـ)، والبزار (ت/٢٩٢ هـ)، وأبو يعلى الموصلي (ت/٣٠٧هـ)، والطبري (ت/٣١٠ هـ)، والعقيلي (ت/٣٢٢هـ)، ونعيم بن حماد(ت/٣٢٨ هـ)، وشيخ الحنابلة في وقته البربهاري (ت/٣٢٩هـ) في كتابه (شرح السنّة)، وابن حبان البستي(ت/٣٥٤هـ)، والمقدسي (ت/٣٥٥ هـ)،

____________

(١) أوصلها الاستاذ علي محمدعلي دخيل في كتابه: الاِمام المهدي عليه السلام: ٢٥٩ - ٢٦٥ إلى ثلاثين كتاباً من كتب أهل السنة في الاِمام المهدي خاصة، بينما أوصلها العلاّمة ذبيح الله المحلاتي إلى أربعين كتاباً وقد أدرجها باسمائها واسماء مؤلفيها في كتاب: مهدي أهل البيت ص ١٨ - ٢١. وفي نفس الكتاب المذكور ذكر قائمة أُخرى للكتب المؤلفة من قبل الشيعة في الاِمام المهدي عليه السلام فأوصلها إلى مئة وعشرة كتب، وهناك كتب كثيرة في المهدي لم تدرج في هذين الكتابين.

٢٦

والطبراني(ت/٣٦٠ هـ)، وأبو الحسن الآبري(ت/٣٦٣ هـ)، والدارقطني (ت/٣٨٥هـ)، والخطابي (ت/٣٨٨ هـ)، والحاكم النيسابوري (ت/٤٠٥هـ)، وأبو نعيم الاصبهاني (ت/٤٣٠ هـ)، وأبو عمرو الداني (ت/٤٤٤ هـ)، والبيهقي (ت/٤٥٨ هـ)، والخطيب البغدادي (ت/٤٦٣هـ)، وابن عبد البر المالكي (ت/٤٦٣ هـ)، والديلمي (ت/٥٠٩هـ)، والبغوي (ت/٥١٠ أو ٥١٦ هـ)، والقاضي عياض (ت/٥٤٤ هـ)، والخوارزمي الحنفي (ت/٥٦٨ هـ)، وابن عساكر (ت/٥٧١هـ)، وابن الجوزي (ت/٥٩٧ هـ)، وابن الأثير الجزري (ت/٦٠٦ هـ)، وابن العربي (ت/٦٣٨ هـ)، ومحمد بن طلحة الشافعي (ت/٦٥٢ هـ)، والعلاّمة سبط ابن الجوزي (ت/٦٥٤ هـ)، وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي (ت/٦٥٥هـ)، والمنذري (ت/٦٥٦ هـ)، والكنجي الشافعي (ت/٦٥٨ هـ)، والقرطبي المالكي (ت/٦٧١ هـ)، وابن خلكان (ت/٦٨١هـ)، ومحب الدين الطبري(ت/٦٩٤ هـ)، والعلاّمة ابن منظور (ت/٧١١ هـ) (في مادة هدِيَ من لسان العرب)، وابن تيمية (ت/٧٢٨هـ)، والجويني الشافعي (ت/٧٣٠ هـ)، وعلاء الدين بن بلبان (ت/٧٣٩ هـ)، وولي الدين التبريزي (ت/بعد سنة ٧٤١هـ)، والمزي (ت/٧٣٩ هـ)، والذهبي (ت/٧٤٨ هـ)، وابن الوردي (ت/٧٤٩ هـ)، والزرندي الحنفي (ت/٧٥٠هـ)، وابن قيم الجوزية (ت/٧٥١ هـ)، وابن كثير (ت/٧٧٤ هـ)، وسعد الدين التفتازاني (ت/٧٩٣هـ)، ونور الدين الهيثمي (ت/٨٠٧ هـ)، وابن خلدون المغربي (ت/٨٠٨ هـ) الذي صحح أربعة أحاديث من أحاديث المهدي على الرغم من موقفه المعروف والذي سيأتيك بيانه في الفصل الثالث، والشيخ محمد الجزري الدمشقي الشافعي(ت/٨٣٣ هـ)، وأبو بكر البوصيري (ت/٨٤٠هـ)،

٢٧

وابن حجر العسقلاني (ت/٨٥٢ هـ)، والسخاوي (ت/٩٠٢هـ)، والسيوطي(ت/٩١١هـ)، والشعراني (ت/٩٧٣ هـ)، وابن حجر الهيتمي(ت/٩٧٤ هـ)، والمتقي الهندي (ت/٩٧٥ هـ) إلى غير ذلك من المتأخرين كالشيخ مرعي الحنبلي(ت/١٠٣٣هـ)، ومحمد رسول البرزنجي (ت/١١٠٣هـ)، والزرقاني (ت/١١٢٢ هـ)، ومحمد بن قاسم الفقيه المالكي (ت/١١٨٢هـ)، وأبي العلاء العراقي المغربي (ت/١١٨٣هـ)، والسفاريني الحنبلي (ت/١١٨٨ هـ)، والزبيدي الحنفي (ت/١٢٠٥ هـ) في كتاب (تاج العروس) مادة: هَدِي، والشيخ الصبّان(ت/١٢٠٦ هـ)، ومحمد أمين السويدي(ت/١٢٤٦ هـ)، والشوكاني (ت/١٢٥٠هـ)، ومؤمن الشبلنجي(ت/١٢٩١ هـ)، وأحمد زيني دحلان الفقيه والمحدث الشافعي (ت/١٣٠٤هـ)، والسيد محمد صديق القنوجي البخاري(ت/١٣٠٧ هـ)، وشهاب الدين الحلواني الشافعي (ت/١٣٠٨هـ)، وأبي البركات الآلوسي الحنفي (ت/١٣١٧ هـ)، وأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي(ت/١٣٢٩ هـ)، والكتاني المالكي (ت/١٣٤٥هـ)، والمباركفوري (ت/١٣٥٣ هـ)، والشيخ منصور علي ناصف (ت/ بعد سنة ١٣٧١ هـ)، والشيخ محمد الخضر حسين المصري (ت/١٣٧٧هـ)، وأبي الفيض الغماري الشافعي(ت/١٣٨٠ هـ)، وفقيه القصيم بنجد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (ت/١٣٨٥ هـ)، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (ت/١٣٨٨هـ)، وأبي الاعلى المودودي، وناصر الدين الالباني إلى ماشاء الله من المعاصرين، واذا مااضفنا اليهم أعلام المفسرين من أهل السنة أيضاً كما تقدمت الاشارة إلى بعضهم فلك ان تقدر حجم الاتفاق على رواية احاديث المهدي، والاحتجاج بها.

واما عن أعلام الشيعة ومحدثيهم ومفسريهم الذين أوردوا أحاديث

٢٨

المهدي عليه السلام فقد يسمج التعرض لبيان اسمائهم؛ لكون الايمان المطلق بظهور المهدي عليه السلام عندهم من أصول عقائدهم.

ثانياً: من روى أحاديث المهدي من الصحابة:

إنّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الذين كانت أحاديثهم موقوفة عليهم ولها حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - إذ لايعقل اجتهادهم في مثل هذا - كثيرون جداً، ولو ثبت النقل عن عُشرهم لثبت التواتر بلا شك ولاشبهة، - كما في مصادر أهل السنة وحدهم - وهم:

فاطمة الزهراء عليها السلام (ت/١١ هـ)، ومعاذ بن جبل (ت/١٨ هـ)، وقتادة بن النعمان(ت/٢٣ هـ)، وعمر بن الخطاب (ت/٢٣ هـ)، وأبو ذر الغفاري(ت/٣٢ هـ)، وعبد الرحمن بن عوف (ت/٣٢ هـ)، وعبدالله بن مسعود(ت/٣٢ هـ)، والعباس بن عبد المطلب (ت/٣٢ هـ)، وعثمان بن عفان(ت/٣٥ هـ)، وسلمان الفارسي (ت/٣٥ أو ٣٦هـ)، وطلحة بن عبدالله (ت/٣٦هـ)، وحذيفة بن اليمان ( ت/ ٣٦ هـ)، وعمار بن ياسر ( استشهد سنة/٣٧ هـ)، والاِمام علي عليه السلام ( استشهد سنة /٤٠ هـ)، والاِمام الحسن السبط عليه السلام (ت/٥٠ هـ)، وتميم الداري (ت/٥٠ هـ)، وعبد الرحمن بن سمرة (ت/٥٠ هـ)، ومجمع بن جارية(ت/٥٠ هـ)، وعمران بن حصين (ت/٥٢ هـ)، وأبو أيوب الانصاري (ت/٥٢ هـ)، وثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ت/٥٤ هـ)، وعائشة (ت/٨٥ هـ)، وأبو هريرة (ت/٥٩ هـ)، والاِمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام (استشهد سنة ٦١ هـ)، وأم سلمة (ت/٦٢ هـ)، وعلقمة بن قيس بن عبدالله ( ت/ ٦٢ هـ)، وعبدالله بن عمر بن الخطاب (ت/٦٥ هـ)، وعبدالله بن عمرو ابن العاص (ت/٦٥ هـ)، وعبدالله بن عباس (ت/٦٨ هـ)، وزيد بن أرقم (ت/٦٨ هـ)، وعوف بن مالك (ت/٧٣ هـ)، وأبو سعيد الخدري (ت/٧٤هـ)، وجابر بن سمرة (ت/٤٧هـ)، وجابر بن عبدالله الانصاري (ت/٧٨هـ)، وعبدالله بن جعفر الطيار(ت/٨٠ هـ)، وأبو أمامة الباهلي(ت/٨١هـ)، وبشر بن المنذر بن

٢٩

الجارود (ت/٨٣ هـ) وقد اختلفوا فيه فقيل الراوي هو جده الجارود بن عمرو (ت/٢٠ هـ)، وعبدالله بن الحارث ابن جزء الزبيدي(ت/٨٦ هـ)، وسهل بن سعد الساعدي (ت/٩١ هـ)، وانس بن مالك (ت/٩٣ هـ)، وأبو الطفيل (ت/١٠٠ هـ وقيل غير ذلك). وغيرهم ممن لم اقف على تاريخ وفياتهم كأُم حبيبة، وأبي الجحّاف، وأبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي ليلى، وأبي وائل، وحذيفة بن اسيد، والحرث بن الربيع، وأبي قتادة الأنصاري، وزر بن عبدالله، وزرارة بن عبدالله، وعبدالله بن أبي أوفى، والعلاء، وعلقمة بن قيس ( ت/ ٦٢ هـ)، وعلي الهلالي، وقرة بن أياس.

ثالثاً: طرق أحاديث المهدي في كتب السنة إجمالاً:

لقد أجاد وأفاد الاستاذ الازهري السيد أحمد بن محمد بن الصديق، أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي (ت/١٣٨٠ هـ) في كتابه الرائع: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) حيث أثبت فيه تواتر أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام بما لم يسبقه أحد إليه من قبل، وذلك تفنيداً لتضعيفات ابن خلدون التي تذرع بها بعض معاصريه كأحمد أمين المصري ومحمد فريد وجدي وغيرهما. ولابأس هنا بإطلالة قصيرة على ماذكره من طرق أحاديث المهدي في كتب أهل السنّة التي فصّلت في هذا الكتاب تفصيلاً يعبّر عن مقدرة فائقة في تتبع طرق وأسانيد أحاديث الاِمام المهدي ابتداءً من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين وصولاً إلى من أخرج هذه الاَحاديث من المحدثين.

قال أبو الفيض: « ولا يخفى أن العادة قاضية باستحالة تواطؤ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفساً فأزيد في جميع الطبقات، وذلك فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال، فقد وجدنا خبر المهدي وارداً من حديث أبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب،

٣٠

وأُم سلمة، وثوبان، وعبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله الانصاري، وقرة بن أياس المزني، وابن عباس، وأُم حبيبة، وأبي اُمامة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وعمار بن ياسر، والعباس بن عبد المطلب، والحسين بن علي، وتميم الداري، وعبد الرحمن بن عوف، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وطلحة، وعلي الهلالي، وعمران بن حصين، وعمرو بن مرة الجهني ومعاذ بن جبل، ومن مرسل شهر بن حوشب، وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع.

ولو تتبعنا ذلك لذكرنا منه عدداً وافراً، ولكن في المرفوع منه الكفاية »(١) .

أقول: إنما ذكرت هذا لكي يعلم بأن مافات السيد أبا الفيض الغماري من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الاِمام المهدي هو أكثر مما ذكره، فقد ذكر ستة وعشرين صحابياً مع شهر بن حوشب، ولم يذكر ثمانية وعشرين صحابياً وهم:

أبو أيوب الانصاري، وأبو الجحّاف، وأبو ذر الغفاري، وأبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو وائل، وجابر بن سمرة، والجارود بن المنذر العبدي، وحذيفة بن اسيد، وحذيفة بن اليمان، والحرث بن الربيع، والاِمام السبط الحسن عليه السلام، وزر بن عبدالله، وزرارة بن عبدالله، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وسعد بن مالك أبو سعيد الخدري، وسلمان

____________

(١) ابراز الوهم المكنون: ٤٣٧.

هذا، ولاَبي الفيض أخ يعدّ من فضلاء علماء المغرب يكنى بأبي الفضل الغماري وهو صاحب كتاب (الاِمام المهدي) وقد زاد فيه ماذكره أخوه في ابراز الوهم ثلاثة من أسماء الصحابة وخمسة من التابعين الذين رووا أحاديث المهدي، ثمّ أثبت ألفاظ روايات من ذكرهم واحداً بعد آخر حتى شغل بذلك مايزيد على نصف صفحات الكتاب.

٣١

الفارسي، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الرحمن بن سمرة، وعبدالله ابن أبي أوفى، وعبدالله بن جعفر الطيار، وعثمان بن عفان، والعلاء بن شبر المزني، وعلقمة بن قيس بن عبدالله، وعمر بن الخطاب، وعوف بن مالك، ومجمع بن جارية، ومعاذ بن جبل وهو من أوائل الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عليه السلام فقد مات معاذ سنة ١٨ هـ(١) .

وعلى أية حال، فقد تتبع أبو الفيض الغماري الشافعي أحاديث المهدي المروية عن أكثر من ثلاثين صحابياً، مبيناً من رواها عنهم ومن أخرجها من المحدثين بكل دقة وتفصيل.

وسوف نقتصر على ما قاله عن حديث أبي سعيد الخدري وحده، وهو أول صحابي ذكره أبو الفيض، وقس عليه أحاديث الصحابة الآخرين.

قال:

« أما حديث أبي سعيد الخدري: فورد عنه من طريق:

أبي نظرة.

وأبي الصدّيق الناجي.

والحسن بن يزيد السعدي.

أما طريق أبي نظرة:

فأخرجه أبو داود والحاكم كلاهما من رواية عمران القطان، عنه. وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد، ومن رواية داود بن أبي هند كلاهما، عنه. لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي.

____________

(١) في معجم أحاديث الاِمام المهدي (خمس مجلدات) احصاء دقيق لجميع روايات الصحابة في المهدي مع بيان مصادرها عند أهل السنة والشيعة الاِمامية.

٣٢

وأما طريق أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد:

فأخرجه عبد الرزاق والحاكم من رواية معاوية بن قرّه، عنه. وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من رواية زيد العمي، عنه. وأخرجه أحمد والحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الاعرابي، عنه. وأخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد، عنه. وأخرجه أحمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان، وأبي هارون العبدي كلاهما، عنه. وأخرجه أحمد أيضاً من رواية مطر بن طهمان وحده، عنه. وأخرجه أيضاً من رواية العلاء بن بشير المزني، عنه، وأخرجه أيضاً من رواية مطرف، عنه.

وأما طريق الحسن بن يزيد:

فأخرجه الطبراني في الاَوسط من رواية أبي واصل عبد بن حميد، عن أبي الصديق الناجي، عنه »(١) .

أقول: لو رجعت إلى تاريخ ابن خلدون لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطرق إذ لم يذكر من طرق حديث أبي سعيد إلاّ القليل، فضلاً عما تركه من أحاديث الصحابة الآخرين.

ولايخفى أنّ القدر المشترك في جميع هذه الطرق إلى حديث أبي سعيد الخدري فقط دون سواه هو ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان، ولاشك أن النظر إلى جميع الطرق التي وردت بها أحاديث المهدي عن جميع الصحابة يقطع بتواتر مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل حتى لو افترضنا وجود طريق واحد فقط لكل صحابي ذُكر فهو يكفي للاِذعان بالتواتر، وقد مرّ أنّ عددهم يزيد على الخمسين صحابياً.

____________

(١) ابراز الوهم المكنون: ٤٣٨.

٣٣

رابعاً: صحة أحاديث المهدي:

سنذكر في هذه الفقرة بعض من صرح بصحة أحاديث المهدي عليه السلام من أعلام أهل السنة حسبما وقفنا عليه في مؤلفاتهم، على انه ليس هدفنا الاستقصاء بل اعطاء النموذج المقتدى وكما يلي:

١ - الاِمام الترمذي (ت/٢٧٩ هـ)، قال عن ثلاثة أحاديث في الاِمام المهدي: « هذا حديث حسن صحيح »(١) .

وقال عن حديث رابع: « هذا حديث حسن »(٢) .

٢ - الحافظ أبو جعفر العقيلي (ت/٣٢٢ هـ)، أورد حديثاً ضعيفاً في الاِمام المهدي ثم قال: « وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ »(٣) .

٣ - الحاكم النيسابوري (ت/٤٠٥ هـ)، قال عن أربعة أحاديث: « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه »(٤) .

وعن ثلاثة أحاديث: « هذا حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه »(٥) .

وعن ثمانية أحاديث: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٦) .

٤ - الاِمام البيهقي (ت/٤٥٨ هـ)، قال: « والاحاديث على خروج

____________

(١) سنن الترمذي ٤: ٥٠٥/٢٢٣٠ و ٢٢٣١، ٤: ٥٠٦/٢٢٣٣.

(٢) سنن الترمذي ٤: ٥٠٦/٢٢٣٢.

(٣) الضعفاء الكبير/العقيلي ٣: ٢٥٣/١٢٥٧ في ترجمة علي بن نفيل الحراني.

(٤) مستدرك الحاكم ٤: ٤٢٩ و٤٦٥ و٥٥٣ و٥٥٨.

(٥) مستدرك الحاكم ٤: ٤٥٠ و٥٥٧ و٥٥٨.

(٦) مستدرك الحاكم ٤: ٤٢٩ و٤٤٢ و٤٥٧ و٤٦٤ و٥٠٢ و٥٢٠ و٥٥٤ و٥٥٧.

٣٤

المهدي أصح إسناداً »(١) .

٥ - الاِمام البغوي (ت/٥١٠ هـ أو ٥١٦ هـ)، أخرج حديثاً في المهدي في فصل الصحاح(٢) وخمسة أحاديث فيه أيضاً في فصل الحسان من كتابه مصابيح السنة(٣) .

٦ - ابن الاَثير (ت/٦٠٦ هـ)، قال في النهاية في مادة (هدا): « ومنه الحديث: سنة الخلفاء الراشدين المهديين، المهدي: الذي هداه الله إلى الحق وقد استعمل في الاسماء حتى صار كالاسماء الغالبة، وبه سمي المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انه يجيء في آخر الزمان »(٤) ، وهذا القول لايصدر إلاّ عمن يرى صحة أحاديث المهدي بل تواترها على الاَصح.

٧ - القرطبي المالكي (ت/٦٧١ هـ)، وهو من القائلين بالتواتر.

وما يهمنا هنا انه قال عن حديث ابن ماجة في المهدي: « اسناده صحيح»(٥) مصرحاً بأنّ حديث: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» هو أصح من حديث محمد بن خالد الجندي(٦) الذي سنناقشه فيما بعد.

٨ - ابن تيمية (ت/٧٢٨ هـ)، قال في منهاج السنة: « إن الاحاديث التي يحتج بها - يعني: العلاّمة الحلي - على خروج المهدي، أحاديث صحيحة »(٧) .

٩ - الحافظ الذهبي (ت/٧٤٨ هـ)، سكت عن جميع ماصححه الحاكم

____________

(١) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد/البيهقي: ١٢٧.

(٢) مصابيح السنة/البغوي: ٤٨٨/٤١٩٩.

(٣) مصابيح السنة: ٤٩٢ - ٤٩٣/٤٢١٠ - ٤٢١٣ و ٤٢١٥.

(٤) النهاية في غريب الحديث والاثر/ابن الاثير ٥: ٢٥٤.

(٥) التذكرة/القرطبي: ٧٠٤ باب ماجاء في المهدي.

(٦) التذكرة: ٧٠١.

(٧) منهاج السنة/ابن تيمية ٤: ٢١١.

٣٥

في مستدركه من أحاديث المهدي مصرحاً بصحة حديثين(١) ، وردّه على بعض ماصححه الحاكم من أحاديث في الفضائل ونحوها دليل على ان سكوته ازاء ماصححه الحاكم معبر عن موافقته على ذلك التصحيح.

١٠ - الكنجي الشافعي (ت/٦٥٨ هـ)، قال عن حديث أخرجه الترمذي وصححه في المهدي: «هذا حديث صحيح»، وعن آخر مثله(٢) .

وقال عن حديث: (المهدي منّي أجلى الجبهة): «هذا الحديث ثابت حسن صحيح»(٣) .

وقال عن حديث: ( المهدي حق وهو من ولد فاطمة ): « هذا حديث حسن صحيح»(٤) .

١١ - الحافظ ابن القيّم (ت/٧٥١ هـ)، اعترف بحسن بعض أحاديث المهدي وصحة بعضها الآخر بعد أن أورد جملة منها(٥) ، وابن القيم من القائلين بالتواتر كما سيأتي.

١٢ - ابن كثير (ت/٧٧٤ هـ)، قال عن سند حديث في المهدي: « وهذا اسناد قوي صحيح»(٦) ، ثم نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال: « وهذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم»(٧) .

١٣ - التفتازاني (ت/٧٩٣ هـ)، قال عن خروج المهدي في آخر الزمان:

____________

(١) تلخيص المستدرك/الذهبي ٤: ٥٥٣ و٥٥٨، مطبوع بهامش مستدرك الحاكم.

(٢) البيان في أخبار صاحب الزمان/الكنجي الشافعي ٤٨١ وانظر حديثي الترمذي في سننه ٤: ٥٠٥/٣٢٣٠ و٣٢٣١.

(٣) البيان في أخبار صاحب الزمان: ٥٠٠.

(٤) البيان في أخبار صاحب الزمان: ٤٨٦.

(٥) المنار المنيف/ابن القيم: ١٣٠ - ١٣٥/٣٢٦ و٣٢٧ و٣٢٩ و٣٣١.

(٦) النهاية في الفتن والملاحم/ابن كثير ١: ٥٥.

(٧) المصدر السابق: ٥٦.

٣٦

« وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح»(١) .

١٤ - نور الدين الهيثمي (ت/٨٠٧ هـ)، أورد جملة من الاَحاديث في المهدي واعترف بصحتها ووثاقة رواتها.

فقال عن أحدها: « قلت: رواه الترمذي وغيره باختصار كثير، ورواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير. ورجالهما ثقات»(٢) .

وقال عن آخر: « رواه الطبراني في الاوسط، ورجاله رجال الصحيح»(٣) .

وقال عن ثالث: « ورجاله ثقات»(٤) .

وقال عن رابع: « رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»(٥) .

وقال عن خامس: « رواه الطبراني في الاَوسط، ورجاله ثقات»(٦) .

١٥ - السيوطي (ت/٩١١ هـ)، رمز لبعض الاحاديث الواردة في المهدي بعلامة (صح)(٧) أي: صحيح، ولبعضها الآخر بعلامة (ح)(٨) أي: حسن.

١٦ - الشوكاني (ت/١٢٥٠ هـ)، نقل عنه القنوجي في الاذاعة قوله بصحة أحاديث الاِمام المهدي بل وتواترها أيضاً، وقد مرّ انه ألّف رسالة في تواتر أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام.

١٧ - ناصر الدين الالباني: قال في مقال له بعنوان (حول المهدي)

____________

(١) شرح المقاصد/التفتازاني ٥: ٣١٢.

(٢) مجمع الزوائد/الهيثمي ٧: ٣١٣ - ٣١٤.

(٣) مجمع الزوائد ٧: ١١٥.

(٤) مجمع الزوائد ٧: ١١٦.

(٥) مجمع الزوائد ٧: ١١٧.

(٦) مجمع الزوائد ٧: ١١٧.

(٧) الجامع الصغير/السيوطي ٢: ٦٧٢/٩٢٤١ و٩٢٤٤ و٩٢٤٥.

(٨) الجامع الصغير ٢: ٦٧٢/٩٢٤٣ و ٢: ٤٣٨/٧٤٨٩.

٣٧

مانصه: « أما مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة»، على أن الاَلباني من المصرحين بالتواتر أيضاً(١) .

ونكتفي بهذا القدر للاختصار على ان بعض الباحثين قد أوصل اعترافات العلماء والمحققين بصحة أحاديث المهدي إلى أكثر من ستين اعترافاً(٢) .

خامساً: تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي:

صرّح علماء الدراية وجملة من ذوي الاختصاص بعلوم الحديث دراسة وتدريساً بتواتر أحاديث المهدي الواردة في كتب أهل السنة من الصحاح والمسانيد وغيرها، وبالنظر لكثرتهم سوف نقتصر على ذكر بعضهم، وهم:

١ - البربهاري شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره (ت/٣٢٩ هـ): نقل عنه الشيخ حمود التويجري في كتابه: الاحتجاج بالاَثر على من أنكر المهدي المنتظر ص ٢٨ انه قال في كتابه (شرح السنة): « الاِيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام: ينزل.. ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم» ولايخفى ان (الايمان) يعني: الاعتقاد، والاعتقاد لايبنى على خبر الآحاد.

٢ - محمد بن الحسين الآبري الشافعي (ت/٣٦٣ هـ). قال في كتابه مناقب الشافعي: « قد تواترت الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته صلى

____________

(١) حول المهدي/الالباني: ٦٤٤ مقال نشر في مجلة التمدن الاسلامي - دمشق، السنة/٢٢ ذي القعدة ١٣٧١ هـ.

(٢) دفاع عن الكافي/ثامر العميدي ١: ٣٤٣ - ٤٠٥.

٣٨

الله عليه وسلم وانه يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلاً، وانه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال».

وقد نقل هذا عنه القرطبي المالكي في التذكرة: ٧٠١ والمزي في تهذيب الكمال ٢٥: ١٤٦/٥١٨١ في ترجمة محمد بن خالد الجندي، وابن القيم في المنار المنيف: ١٤٢/٣٢٧ وغيرهم.

٣ - القرطبي المالكي (ت/٧١٦ هـ)، نقل قول الآبري المتقدم وأيّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي واحتج بقول الاِمام الحافظ الحاكم النيسابوري: « والاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتة»(١) .

وقال في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) في تفسير الآية ٣٣ من سورة التوبة: « الاخبار الصحاح قد تواترت على ان المهدي من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم »(٢) .

٤ - الحافظ المتقن جمال الدين المزي (ت/٧٤٢ هـ)، احتج بقول الآبري المتقدم في تواتر أحاديث الاِمام المهدي ولم يتعرض له بشيء، بل أطلقه إطلاق المسلّمات(٣) .

٥ - ابن القيم (ت/٧٥١ هـ)، أيّد قول الآبري أيضاً وذلك بتقسيم أحاديث الاِمام المهدي إلى أربعة أقسام: الصحاح، والحسان، والغرائب، والموضوعة(٤) ، ولايخفى بأن مجموع الصحاح والحسان مما يبلغ التواتر لكثرته واستفاضته.

٦ - ابن حجر العسقلاني (ت/٨٥٢ هـ)، نقل القول بالتواتر عن

____________

(١) التذكرة: ٧٠١.

(٢) تفسير القرطبي ٨: ١٢١ - ١٢٢.

(٣) تهذيب الكمال ٢٥: ١٤٦/٥١٨١.

(٤) المنار المنيف: ١٣٥.

٣٩

غيره(١) ، وأيّده بقوله: «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاُمّة - مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة - دلالة للصحيح من الاَقوال: إن الاَرض لاتخلو من قائم لله بحجة»(٢) .

٧ - شمس الدين السخاوي (ت/٩٠٢ هـ)، صرح غير واحد من العلماء بأنَّ السخاوي من المصرّحين بتواتر أحاديث المهدي، منهم: العلاّمة الشيخ محمد العربي الفاسي في كتابه المقاصد، والمحقق أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في مبهج القاصد، على مانقله عنهما أبو الفيض الغماري(٣) .

ومنهم أبو عبدالله محمد بن جعفر الكتاني (ت/١٣٤٥ هـ) في نظم المتناثر من الحديث المتواتر: ٢٢٦/٢٨٩.

٨ - السيوطي (ت/٩١١ هـ)، صرح بتواتر أحاديث المهدي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة، وفي أختصاره المسمى بالازهار المتناثرة، وغيرها من كتبه على حد تعبير السيد الغماري الشافعي(٤) .

٩ - ابن حجر الهيتمي (ت/٩٧٤ هـ)، دافع عن عقيدة المسلمين بظهور الاِمام المهدي كثيراً مصرحاً بتواترها(٥) .

١٠ - المتقي الهندي (ت/٩٧٥ هـ)، مؤلف كنز العمال، دافع المتقي الهندي عن عقيدة الاِمام المهدي عليه السلام دفاعاً مدعوماً بالحجة والبرهان وذلك في كتابه: البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.

ولعل أهم ما في هذا الكتاب هو الفتاوى الاربع المذكورة فيه

____________

(١) تهذيب التهذيب ٩: ١٢٥/٢٠١.

(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦: ٣٨٥.

(٣) المهدي المنتظر لاَبي الفيض: ٩.

(٤) ابراز الوهم المكنون لابي الفيض: ٤٣٦.

(٥) الصواعق المحرقة: ١٦٢ - ١٦٧ الفصل/١ باب/١١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الضيعة على مخلفي، فأقرأ و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها( ١) ، و اما من قبل يميني فيأتيني من جهة الثناء، فأقرأ و العاقبة للمتقين( ٢ ) ، و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ و حيل بينهم و بين ما يشتهون( ٣) .

«ليقتحم» الاقتحام ارتكاب الشديد، قال تعالى: فلا اقتحم العقبة( ٤ ) و قال الشاعر:

أقول و الناقة بي تقحم

و أنا منها مكلئز معصم

ويحك ما اسم امها يا علكم( ٥)

قالوا: الناقة النادة تسكن اذا سمّيت امها، و الجمل الناد اذا سمي أبوه.

«غفلته و يستلب» افتعال من السلب أي: يختلس «غرته» و لعمر اللّه كان خال مؤمني اخواننا كان كما وصفهعليه‌السلام شيطانا ثانيا يأتي المرء من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته، فقال خطيبهم في (أول تاريخ بغداده): معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبيّ، فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.

و كيف كان فقال الجزري في (كامله) مع نصبه: لم يذكر الطبري في استلحاق معاوية لزياد حقيقة الحال، انما ذكر حكاية جرت بعد استلحاقه، و أنا أذكر سبب ذلك و كيفيته فان من الامور المشهورة الكبيرة في الاسلام و كان استلحاقه أول ما ردت به أحكام الشريعة علانية، فان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) هود: ٦.

(٢) الاعراف: ١٢٨ و القصص: ٨٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٨، و الآية ٥٤ من سورة سبأ.

(٤) البلد: ١١.

(٥) أورده أساس البلاغة: ٣٥٦، مادة (قحم) و لسان العرب ١٢: ٤٦٤، مادة (قحم).

٦١

قضى بالولد للفراش، و للعاهر الحجر و كان ابتداء حاله ان سمية ام زياد كانت لدهقان زند رود بكسكر، فمرض الدهقان، فدعا الحرث بن كلدة الطبيب الثقفي، فعالجه فبرأ، فوهبه سمية فولدت عند الحرث أبا بكرة و اسمه نفيع فلم يقر به ثم ولدت نافعا، فلم يقر به أيضا، فلما نزل أبو بكرة الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حصر الطائف قال الحرث لنافع: أنت ولدي، و كان الحرث زوّج سمية من غلام له اسمه عبيد و هو رومي، فولدت له زيادا و كان أبو سفيان بن حرب سار في الجاهلية الى الطائف فنزل على خمّار يقال له أبو مريم السلولي.

الى أن قال: فلما رأى معاوية أن يستميل زيادا باستلحاقه، و أحضر الناس و حضر من يشهد لزياد و كان فيمن حضر أبو مريم فقال له معاوية:

بم تشهد؟ قال: أنا أشهد ان أبا سفيان حضر عندي و طلب مني بغيّا، فقلت له:

ليس عندي إلاّ سمية. فقال: ايتني بها على قذرها و وضرها، فأتيته بها، فخلا معها، ثم خرجت من عنده و ان اسكتيها ليقطران منيا، فقال له زياد: مهلا أبا مريم، انما بعثت شاهدا، و لم تبعث شاتما، فاستلحقه معاوية( ١) .

و في (العقد): أول دعيّ كان في الاسلام و اشتهر زياد بن عبيد دعيّ معاوية، و كانت سمية ولدت زيادا و أبا بكرة و نافعا، فكان زياد ينسب في قريش، و أبو بكرة في العرب، و نافع في الموالي، فقال فيهم يزيد بن مفرغ:

ان زيادا و نافعا و ابا

بكرة عندي من أعجب العجب

ان رجالا ثلاثة خلقوا

من رحم انثى مخالفي النسب

ذا قرشي فيما يقول و ذا

مولى و هذا ابن عمّه عربي

و في (الاستيعاب): كان أبو بكرة يقول: انا من اخوانكم في الدين و ان

____________________

(١) كامل ابن الأثير ٣: ٤٤٣، سنة ٤٤.

٦٢

أبي الناس إلاّ ان تسبوني فأنا نفيع بن مسروح( ١) .

و في (تاريخ الطبري): آل أبي بكرة ردهم المهدي في سنة (١٦٠) من نسبهم في ثقيف الى نفيع بن مسروح( ٢ ) . قلت: يفهم منه انهم انتسبوا الى الحرث بن كلدة الثقفي حتى ردهم.

«و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة» أي: فجأة «من حديث النفس» أي: الحكاية عن شخصه.

و في (نسب قريش مصعب الزبيري): المنذر بن الزبير هو الّذي شهد على قول عليعليه‌السلام في زياد، قال: سمعت أبا سفيان بن حرب مقدم زياد من تستر من عند أبي موسى حين قدم على عمر و أمره أن يتكلم يخبر الناس بفتح تستر، فقام زياد فتكلم فأبلغ، فعجب الناس من بيانه و قالوا: ان ابن أبي عبيد لخطيب. قال عليعليه‌السلام : فسمع ذلك أبو سفيان فأقبل عليّ و قال: ليس بابن عبيد و أنا و اللّه أبوه ما أقره في رحم امه غيري. قلت: فما يمنعك عنه؟ قال: خوف هذا يعني عمر فكان آل زياد يشكرون ذلك للمنذر، و كان المنذر منقطعا الى معاوية، و أوصى معاوية أن يحضر غسله و أمر له بمال، فكتب يزيد الى عبيد اللّه، فدفعه إليه، و أقطعه الدار التي تنسب الى الزبير بكلاء البصرة، و أقطعه منزلا بالبصرة، ثم بدا ليزيد فكتب الى عبيد اللّه يأمره بحبس ذلك المال عن المنذر و ان لا يدع المنذر يخرج من البصرة، و ذلك حين خالفه عبد اللّه بن الزبير، فخاف ان يلحق بأخيه فيكون ذلك المال عونا له، فأرسل إليه ابن زياد فأخبره الخبر و قال: قد أجلتك ثلاثا و خذ من وراء أجلي ما شئت، فانطلق المنذر قبل مكة و سار سيرا شديدا قال الراجز:

____________________

(١) الاستيعاب ٤: ٢٣.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣، سنة ١٦٠.

٦٣

تركن بالرمل قياما حسرا

لو يتكلمن اشتكين المنذرا

فكان مع أخيه حتى قتل في حصار الحصين بن نمير حصار ابن الزبير الأول. «و نزغة من نزغات الشيطان» في (الأساس): نزغه اذا طعنه و نخسه، و من المجاز «نزغه الشيطان» كأنه ينخسه ليحثه على المعاصي( ١) .

«لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها ارث» قال الشاعر:

زياد لست أدري من أبوه

و لكن الحمار أبو زياد

العرب تكنّي الحمار بأبي زياد، و قال آخر:

حمار في الكتابة يدّعيها

كدعوى آل حرب في زياد

و في (تاريخ الطبري): ذكر علي بن سليمان ان أباه حدثه قال: حضرت المهدي و هو ينظر في المظالم، اذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب، فقال له: من أنت؟ قال: ابن عمك. قال: أي: ابن عمي أنت؟

فانتسب الى زياد، فقال له المهدي: يا ابن سمية الزانية متى كنت ابن عمي، و غضب و امر به، فوجى‏ء في عنقه و اخرج الى أن قال: فأمر المهدي بالكتاب الى هارون والي البصرة من قبله أن يخرج آل زياد من قريش و ديوانهم و العرب.

الى أن قال: ثم ان آل زياد بعد ذلك رشوا الديوان حتى ردهم الى ما كانوا عليه. الى أن قال بعد ذكر نسخة كتاب المهدي في كون استلحاق معاوية لزياد على خلاف كتاب اللّه و سنة رسوله: فلما وصل الكتاب الى محمد بن سليمان وقّع بانفاذه، ثم كلّم فيهم، فكف عنهم، و قد كان كتب الى عبد الملك بن أيوب النميري بمثل ما كتب به الى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس،

____________________

(١) أساس البلاغة: ٤٥٣، مادة (نزغ).

٦٤

و كراهته ان يخرج أحد من قومه الى غيرهم( ١) .

و في العقد: لما طالت خصومة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و نصر بن الحجاج عند معاوية في عبد اللّه بن حجاج مولى خالد أمر معاوية حاجبه أن يؤخر مجلسه حتى يحتفل، فجلس معاوية و قد تلفع بمطرف خز أخضر و أمر بحجر فأدني منه و ألقى عليه طرف المطرف، ثم اذن لهما و قد احتفل المجلس فقال نصر: أخي و ابن أبي عهد إلى إنّه منه، و قال عبد الرحمن: مولاي و ابن عبد أبي و أمته ولد على فراشه. فقال معاوية: خذ هذا الحجر و كشف عنه فادفعه الى نصر، و قال: هذا مالك في حكم النبيّ. فقال نصر: أ فلا أجريت هذا الحكم في زياد. قال: ذاك حكم معاوية و هذا حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و قال ابن أبي الحديد: قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة: ابتزازه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، و قتله حجرا و يا ويله من حجر و أصحاب حجر، و استلحاقه زيادا مراغمة لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش و للعاهر الحجر( ٢) .

و قال: روى الشرقي بن القطامي ان سعيد بن أبي سرح مولى حبيب بن عبد شمس كان من شيعة عليعليه‌السلام ، فلما قدم زياد الكوفة طلبه و أخافه، فأتى الحسنعليه‌السلام مستجيرا به، فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته، فحبسهم، و أخذ ماله، و نقض داره، فكتب الحسن الى زياد: عمدت الى رجل من المسلمين له مالهم و عليه ما عليهم، فهدمت داره، و أخذت ماله، و حبست أهله و عياله، فاذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، و اردد عليه عياله، و ماله و شفعني فيه فقد أجرته.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٣٦٣ ٣٦٦ سنة ١٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٣.

٦٥

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان الى الحسن بن فاطمة: أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، و أنت طالب حاجة، و أنا سلطان و أنت سوقة، و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته، كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي، و رضى منك بذلك، و أيم اللّه لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك، و ان نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك، و ان أحب لحم علي ان آكله للحم الّذي أنت منه، فسلمه بجريرته الى من هو أولى به منك، فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، و ان قتلته لم أقتله إلاّ لحبه أباك الفاسق.

فلما ورد الكتاب على الحسنعليه‌السلام تبسم و كتب بذلك الى معاوية و جعل كتاب زياد عطفه و كتب جواب زياد كلمتين لا ثالثة لهما «من الحسن بن فاطمة الى زياد بن سمية، اما بعد فان رسول اللّه قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر».

فلما قرأ معاوية كتاب زياد الى الحسنعليه‌السلام ضاقت به الشام، و كتب الى زياد ان الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه اليك في ابن سرح، فأكثرت العجب منك، و علمت ان لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية، فأما الّذي من أبي سفيان فحلم و حزم، و أما الّذي من سمية فما يكون من رأي مثلها، من ذلك كتابك الى الحسن تشتم أباه و تعرض له بالفسق، و لعمري انك الأولى بالفسق من أبيه، فأما ان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، فان ذلك لا يضعك لو عقلت، و أما تسلطه عليك بالأمر، فحق لمثل الحسن أن يتسلّط، و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك، فحظ دفعته عن نفسك الى من هو أولى به منك، و أما كتابك الى الحسن باسمه و اسم امه و لا تنسبه الى أبيه، فان الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان و الى أي ام وكلته

٦٦

لا ام لك، أما علمت انها فاطمة بنت رسول اللّه، فذلك أفخر له لو كنت تعقل، و كتب شعرا من جملته:

أما حسن فابن الّذي كان قبله

اذا سار الموت حيث يسير

و هل يلد الرئبال إلاّ نظيره

و ذا حسن شبه له و نظير

و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا

بأمر لقالوا يذبل و ثبير

فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد، و ابن له داره، و أردد عليه ماله و لا تعرض له( ١) .

و قال: كتبت عائشة الى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه، ان كتبت زياد ابن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و ان كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت، فكتبت من ام المؤمنين الى ابنها زياد، فلما قرأه ضحك، و قال: لقد لقيت من هذا العنوان نصبا( ٢) .

قلت: و في (فتوح البلاذري) في انهار البصرة و من نسبت إليه قال ابو اليقظان: نسب نهر مرة الى مرة بن ابي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر و كان سريا سأل عائشة ان تكتب له الى زياد و تبدأ به في عنوان كتابها، فكتبت له و عنونته «الى زياد بن أبي سفيان من عائشة ام المؤمنين»، فلما رأى زياد أنها قد كاتبته و نسبته الى ابي سفيان سر بذلك و أكرم مرة و ألطفه و قال للناس: هذا كتاب ام المؤمنين إلى في مرة و عرض الكتاب عليهم ليقرأوا عنوانه، ثم اقطعه مائة جريب على نهر الابلة و أمر فحفر لها نهرا فنسب إليه( ٣) .

«و المتعلق بها كالواغل» قال الجوهري: الواغل في الشراب مثل الوارش

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٩٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٢٠٤.

(٣) فتوح البلدان: ٣٥٤.

٦٧

في الطعام، قال امرؤالقيس:

و اليوم فاشرب غير مستحقب

اثما من اللّه و لا واغل

و قال ابن دريد: الواغل الداخل في القوم و هم يشربون و لم يدع إليه، كما ان الوارش و الراشن الداخل الى القوم و هم يأكلون و لم يدع إليه.

«المدفّع» قال الجوهري: المدفع بالتشديد الفقير و الذليل، لأن كلا يدفعه عن نفسه. و قال ابن دريد: الضيف المدفع الذي يتدافعه الحي فيحيله هذا على هذا، و رجل مدفّع اذا دفع عن نسبه.

في (الأغاني): كان الحجاج ينفي آل زياد من آل ابي سفيان و يقول:

آل أبي سفيان سته حمش

و آل زياد رسح خدل

و معنى «سته» ضخم الالية و مقابلها «الرسح»، و «الحمش» دقة الساق و مقابله «الخدل» و المراد أن السفيانيين ذوو أستاه عظيمة، و أسوق دقيقة، و الزياديين بالعكس.

و في (أنساب البلاذري) قال عقيبة الأسدي:

نجار فهر مبين في توسّمهم

لكن نجار زياد غير معروف

لستم قريشا و لكن أنتم نبط

صهب اللحى و النواصي ضهية الليف

فكان ابن زياد يذكر هذا البيت و يقول كذب ابن الفاعلة( ١) .

«و النوط» قال الجوهري: كل ما علق من شي‏ء فهو نوط، و في المثل «عاط بغير أنواط» أي: يتناول و ليس هناك شي‏ء معلق، و هذا نحو قولهم: «كالحادي و ليس له بعير» و «تجشأ لقمان من غير شبع»

____________________

(١) انساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٨

«المذبذب» أي: المتحرك.

لما كتبوا الشهود على حجر كان فيهم «ابن بزيعة»، و هو شداد بن المنذر الذهلي، قال زياد: ألقوا هذا من الشهود، اما لهذا أب ينسب إليه، فقال:

ويلي على ابن الزانية، أو ليست أمه أعرف من أبيه، و اللّه ما ينسب إلاّ الى امة سمية.

و أتي زياد بعروة بن ادية و هو أول من سل سيفه من الخوارج و كان نجا من النهروان فسأله عن معاوية، فسبه سبّا قبيحا، ثم سأله عن نفسه، فقال: أو لك لزنية، و آخرك لدعوة، و أنت بعد عاص لربك، فأمر زياد به فضربت عنقه. و لكن في (أنساب البلاذري): أمر فقطعوا يديه و رجليه ثم امر بصلبه( ١) .

و فيه: كان عروة هرب فطلبه أشد طلب و جعل فيه جعلا، فوجد في سرب في دار، فقرأ عبيد اللّه قصته أنا وجدنا عروة يشرب في دار، فضحك و قال: كذبتم ليته كان يشرب. فقال له بعض من حضر: انما وجد بسرب( ٢) .

في (البلاغات): أتى زياد بامرأة من الخوارج، فلما همّ بقتلها تسترت بثوبها، فقال لها زياد: أ تسترين و قد هتك اللّه سترك، و أهلكك و أهلك قومك.

قالت: أي و اللّه أ تستر و لكن اللّه أبدى عورة امك على لسانك إذ أقررت بأن أبا سفيان زنى بها.

و أتى عبيد اللّه بن زياد بامرأة من الخوارج، فقطع رجلا لها، ثم قطع رجلها الاخرى و جذبها، فوضعت يدها على فرجها، فقال: لتسترينه. فقالت:

لكن سمية امك لم تكن تستره.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٨٢ و ٨٩.

(٢) أنساب الأشراف ٤: ق ٨٧٢.

٦٩

و في (شعراء ابن قتيبة): لما هجا ابن مفرغ عباد بن زياد أخذه عبيد اللّه بن زياد، و سقاه الزبد في النبيذ، و حمله على بعير، و قرن به خنزيره، و أمشاه بطنه مشيا شديدا، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصي‏ء، فكلما صاءت قال ابن مفرغ:

ضجّت سمية لما مسّها القرن

لا تجزعي انّ شرّ الشيمة الجزع

فطيف به في أزقة البصرة و جعل الناس يقولون له: اين چيست؟ أي: ما هذا؟

و هو يقول:

اين است نبيد است

سميه رو سفيد است

فلما ألح عليه ما يخرج قيل لعبيد اللّه انه يموت، فأمر به فانزل و اغتسل، فلما خرج من الماء قال:

يغسل الماء ما فعلت و قولي

راسخ منك في العظام البوالي

و في (العقد): قال زياد ما هجيت ببيت أشد عليّ من قول الشاعر:

فكّر ففي ذاك ان فكّرت معتبر

هل نلت مكرمة إلاّ بتأمير

عاشت سمية ما عاشت و ما علمت

ان ابنها من قريش في الجماهير

و في (الاستيعاب) في زياد: دخل بنو امية على معاوية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم أيام استلحق زيادا، فقال له عبد الرحمن: يا معاوية لو لم تجد إلاّ الزنج لاستكثرت بهم علينا يعني على بني أبي العاص قلّة و ذلّة. فقال معاوية لأخيه مروان: أخرج عنّا هذا الخليع، أ لم يبلغني شعره فيّ و في زياد:

ألا أبلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما تأتي اليدان

أ تغضب ان يقال أبوك عفّ

و ترضى أن يقال أبوك زان

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان

٧٠

و قال لمروان: لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضى عنه، فأتاه و أنشده:

اليك أبا المغيرة تبت مما

جرى بالشام من جور اللسان

زياد من أبي سفيان غصن

تهادى ناضرا بين الجنان

أراك أخا و عمّا و ابن عمّ

فما أدري بعيني من تراني

و أنت زياد في آل حرب

أحبّ إلي من وسطى بناني

فكتب له رضى، فأخذه و ذهب به الى معاوية، فلما قرأه قال: قبح اللّه زيادا أ لم يتنبه له إذ قال:

و أنت زياد في آل حرب( ١ ) و الى قول عبد الرحمن ينظر من قال في ابن أبي دؤاد كما في (تاريخ بغداد):

الى كم تجعل الاعراب طرا

ذوي الارحام منك بكلّ واد

تضم على لصوصهم جناحا

لتثبت دعوة لك في أياد

فأقسم ان رحمك في أياد

كرحم بني امية من زياد

أي: في كونه كرحم الفيل من ولد الاتان.

و في (تاريخ الطبري) بعد ذكر أمر عبيد اللّه بن زياد بقتل مسلم قال مسلم لعبيد اللّه: أما و اللّه يا ابن زياد لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني( ٢) .

و فيه في دخول أهل بيت الحسينعليه‌السلام مجلس يزيد قال ابو مخنف:

ثم دعا يزيد بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: قبح اللّه ابن مرجانة لو كانت بينه و بينكم رحم أو قرابة ما فعل

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٥٧٠ و ٥٧٣ و ٥٧٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٨٣ سنة ٦٠.

٧١

هذا بكم و لا بعث بكم هكذا( ١) .

و في (الوفيات): خرج المأمون يوما من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بصري اني تزوجت بامرأة من آل زياد و ان أبا الرازي فرّق بيننا و قال:

هي امرأة من قريش. فكتب إليه: بلغني ما كان من الزيادية و خلعك اياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت اليك العرب في أنسابها، و متى وكلتك قريش يا ابن اللخناء بأن تلصق بها من ليس منها، فخل بين الرجل و امرأته، فلئن كان زياد من قريش انه لابن سمية بغي عاهرة لا يفتخر بقرابتها، و لا يتطاول بولادتها، و لئن كان ابن عبيد لقد باء بأمر عظيم إذ ادعي الى غير أبيه بحظ تعجله، و ملك قهره.

(فلما قرأ زياد الكتاب) هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و لكن في (ابن أبي الحديد و الخطية) (كتابه)( ٢) .

قول المصنّف: (قوله عليه السلام الواغل) هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن ميثم و الخطية): «قوله كالواغل المدفّع الواغل» و في (ابن أبي الحديد) «الواغل»( ٣) .

(هو الذي يهجم على الشرب) بالفتح جمع شارب، كصحب جمع صاحب (ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا).

و في (تاريخ الطبري) أقبل مالك و عقيل و هما اللذان صارا نديمي جذيمة يريد انه من الشام، فلما كانا ببعض الطريق نزلا منزلا و معهما قينة لهما يقال لها أم عمرو، فقدمت اليهما طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل فتى

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٣ سنة ٦١.

(٢) كذا في شرح ابن ميثم ٥: ٩٦، و لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧ مثل المصرية.

(٣) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٨.

٧٢

عريان شاحب قد تلبد شعره، و طالت أظفاره، و ساءت حاله و هو عمرو بن عدي ابن اخت جذيمة الذي استطارته الجن، فضرب له جذيمة في الآفاق لا يقدر عليه فجاء حتى جلس ناحية منهما، فمد يده يريد الطعام، فناولته القينة كراعا، فأكلها، ثم مد يده اليها، فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها و أوكت زقها، فقال عمرو بن عدي:

صددت الكأس عنّا ام عمرو

و كان الكأس مجراها اليمينا

و ما شر الثلاثة ام عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

فسأله مالك و عقيل من أنت؟ فعرّف نفسه، فقالا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس منه الخ( ١) .

(و النوط المذبذب هو ما يناط) أي: يعلق (برحل الراكب من قعب). قال الجوهري: القعب قدح من خشب مقعر الخ. و في المثل: «أتاك ريان بقعب من لبن»( ٢) .

(أو قدح) قال الجوهري: واحد الأقداح التي للشرب (أو ما أشبه ذلك) من الأمتعة.

(فهو أبدا يتقلقل اذا حث طهره و استعجل سيره) و المراد حال العدو و شبهه، قال حسان:

و أنت دعيّ نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

و يقال للدعي العربي من القوارير و ابن الزئبق و الملصق، قال بشار في عمرو الباهلي:

____________________

(١) تاريخ الطبري ١: ٤٤٢.

(٢) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١: ٤٢ و الزمخشري في المستقصى ١: ٣٧.

٧٣

أرفق بعمرو اذا حركت نسبته

فانه عربي من قوارير

و قال آخر:

و تنقل من والد الى والد

فكان امك أو أباك الزئبق

و قال أبو فراس:

أيها المدعي سليما سفاها

لست منها و لا قلامة ظفر

انما أنت ملصق مثل واو

ألصقت في الهجاء ظلما بعمرو

٨ - الكتاب (٤٣) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانيّ و هو عامله على أردشير خرّة:

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ أَغْضَبْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ‏ءَ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اِعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً أَلاَ وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْ‏ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ أقول: رواه اليعقوبي مع جوابه، ففي (تاريخه): كتب عليعليه‌السلام الى مصقلة و بلغه أنه يفرق و يهب أموال اردشير خره و كان عليها أما بعد، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدقه، انك تقسم في‏ء المسلمين في قومك، و من اعتراك من السألة و الأحزاب و أهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لافتشن عن ذلك تفتيشا شافيا، فإن وجدته حقا لتجدن

٧٤

بنفسك عليّ هوانا، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.

فكتب مصقلة إليهعليه‌السلام : أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين، فليسأل ان كان حقّا فليعجل عزلي بعد نكالي، و كل مملوك لي حر، و علي أيام ربيعة و مضر ان كنت رزأت من عملي دينارا و لا درهما و لا غيرهما منذ وليته الى أن ورد علي كتاب أمير المؤمنين، و لتعلمن أن العزل أهون علي من التهمة. فلما قرأ كتابه قال: ما أظن أبا الفضل إلاّ صادقا( ١) .

و نقل عن (تاريخ ابن واضح) روايته و رواه (أنساب اشراف البلاذري) في عنوان القول في ما كتبهعليه‌السلام الى ولاته( ٢) .

و مر في فصل اخبارهعليه‌السلام بالغيب قوله في مصقلة لما كان اشترى سبي بني ناجية من عامله و أعتقهم و لم يؤد الثمن و هرب الى معاوية قبّح اللّه مصقلة، فعل فعل السادة، و فر فرار العبيد الخ( ٣) .

قول المصنّف: (الى مصقلة) قال البلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان، فأخذوا عليه المضائق، فهلك مع جيشه، فضرب به المثل فقالوا:

حتى يرجع مصقلة من طبرستان( ٤) .

(و هو عامله في أردشير خرّه) قال الحموي: أردشير خرّه اسم مركب معناه بهاء اردشير، و هي من أجل كور فارس، و منها مدينة شيراز( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠١.

(٢) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٢: ١٦٠، و اما تاريخ ابن واضح فهو نفس كتاب تاريخ اليعقوبي.

(٣) مر في العنوان ١٠ في فصل أخباره (ع) بالملاحم و هو الفصل التاسع.

(٤) فتوح البلدان: ٣٣٠.

(٥) معجم البلدان ١: ١٤٦.

٧٥

و في (أنساب البلاذري): و كان على أردشير خرّه من قبل ابن عباس( ١) .

قولهعليه‌السلام «بلغني عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت الهك و أغضبت امامك» ان اللّه لا يحبّ الخائنين( ٢ ) و ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين( ٣ ) ان اللّه لا يحب كلّ خوّان كفور( ٤ ) ان اللّه لا يحب من كان خوّانا أثيما( ٥ ) و لا تكن للخائنين خصيما( ٦ ) ، و البلاذري بدل «فقد اسخطت الهك و أغضبت امامك».

«فقد أتيت شيئا ادا»( ٧) .

«انك» ليس في نسخة ابن ميثم( ٨ ) «تقسم في‏ء المسلمين» قال الجوهري:

الفي‏ء: الخراج و الغنيمة «الذي حازته» قال الجوهري: من ضم الى نفسه شيئا فقد حازه «رماحهم و خيولهم» أي: حازوه بهما «و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك» هكذا في (المصرية)، و لكن في ثم «اعتماك»، و نسبه ابن أبي الحديد الى رواية( ٩ ) ، و المعنى واحد. قال الجوهري: و اعتميت الشي‏ء اخترته، و هو قلب الاعتيام.

«من أعراب قومك» و في (أنساب البلاذري) بدله «من أعراب بكر بن وائل»( ١ ) ٠.

____________________

(١) انساب الاشراف ٢: ١٦٠.

(٢) الانفال: ٥٨.

(٣) يوسف: ٥٢.

(٤) الحج: ٣٨.

(٥) النساء: ١٠٧.

(٦) النساء: ١٠٥.

(٧) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٨) توجد في نسختنا من شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

(٩) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥: ٩٤ مثل المصريّة.

(١٠) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

٧٦

و في (المروج): استبد سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان بالأموال و قال بعض الايام و كتب به الى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش، فقال له الاشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك( ١) .

«فو الذي فلق الحبة» و في بعض الأدعية «يا فالق الحب و النوى»( ٢) .

«و برأ» أي: خلق «النسمة» أي: الإنسان، و زاد البلاذري: و أحاط بكلّ شي‏ء علما( ٣) .

«لئن كان ذلك حقا لتجدن بك» هكذا في (المصرية و ابن ميثم)، و نقله ابن أبي الحديد: «لك» و نسب «بك» الى رواية( ٤) .

«علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا» و في (عيون ابن قتيبة): كان زياد اذا ولّى رجلا قال له: خذ عهدك و سر الى عملك، و اعلم انك مصروف الى رأس سنتك، و انك تصير الى أربع خلال فاختر لنفسك: انا ان وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك و سلمتك من معرتنا أمانتك، و ان وجدناك خائنا قويا استهنا بقوتك و أحسنا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك و أثقلنا غرمك، و ان جمعت علينا الحرمين جمعنا عليك المضرين، و ان وجدناك أمينا قويا رددناك في عملك و رفعنا لك ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا عقبك.

«فلا تستهن» أي: لا تستخف «بحق ربك» فلا حق فوق حقه «و لا تصلح دنياك بمحق» أي: محو «دينك» فتكون كمن محا نفيسا بخسيس «فتكون من الأخسرين أعمالا» أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت

____________________

(١) مروج الذهب ٢: ٣٣٧.

(٢) رواه ابن الأثير في النهاية ٣: ٤٧١، مادة (فلق).

(٣) انساب الأشراف ٢: ١٦٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٧٥، و شرح ابن ميثم ٥: ٩٤.

٧٧

تجارتهم و ما كانوا مهتدين( ١) .

و في رواية اليعقوبي و البلاذري زيادة الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٢ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعا( ٣) .

«ألا و ان حق من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفي‏ء سواء» فيه اشارة الى كون عمل عمر في تفضيل الأشراف على خلاف الشريعة (يردون عندي عليه و يصدرون عليه) و لا يمكن تبديله و تغييره.

٩ - الكتاب (٤٠) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ أقول: جعله عقد ابن عبد ربه كتابهعليه‌السلام الى ابن عباس فيما اشتهر عنه من الخيانة لما كان في البصرة، و جعل ما ننقله بعد في العنوان الآتي كتابهعليه‌السلام إليه بعد رحلته من البصرة الى مكة. فقال: روى أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد ان ابن عباس مر على أبي

____________________

(١) البقرة: ١٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٢، و انساب الأشراف ٢: ١٦١.

(٣) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤.

٧٨

الأسود فقال له: لو كنت من البهائم كنت جملا و لو كنت راعيا ما بلغت. فكتب أبو الأسود الى عليعليه‌السلام : ان اللّه جعلك واليا و مؤتمنا و راعيا مسئولا، و قد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للامة توفر لهم فيأهم و تكفّ نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم و لا ترتشي بشي‏ء في أحكامهم، و ابن عمك قد أكل ما تحت يديه من غير علمك فلم يسعني كتمانك ذلك.

قال: فكتبعليه‌السلام إليه: أما بعد فمثلك نصح الإمام و الامة و والى على الحق و فارق الجور، و قد كتبت لصاحبك بما كتبت إلي فيه و لم أعلمه بكتابك الي، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك جدير و هو حق واجب للّه عليك.

و كتبعليه‌السلام الى ابن عباس: اما بعد، فقد بلغني عنك أمران كنت فعلته فقد أسخطت اللّه و أخزيت امانتك و عصيت امامك و خنت المسلمين، بلغني انك خربت الأرض و أكلت ما تحت يدك، فارفع الي حسابك و اعلم ان حساب اللّه أعظم من حساب الناس.

و في (أنساب البلاذري): قالوا و استعمل عليعليه‌السلام عبد اللّه بن عباس على البصرة، و استعمل أبا الأسود على بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود الخ مثله( ١) .

قول المصنّف: (و من كتاب لهعليه‌السلام الى بعض عمّاله) قد عرفت من (مستنده) أن المراد به ابن عباس كالعنوان الآتي، الا ان الكلام في صحته، و لعله لذا أجمله المصنف مع انك عرفت في أوّل الكتاب ان ابن ميثم لم ينقله رأسا.

قولهعليه‌السلام «أما بعد فقد بلغني» بكتابة أبي الأسود، و لم يذكرهعليه‌السلام لئلا

____________________

(١) انساب الأشراف ٢: ١٦٩.

٧٩

يوجب تشديد العداوة بينهما.

«عنك أمر ان كنت فعلته فقد أسخطت ربك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك» في (عيون ابن قتيبة): دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة و هو أمير البصرة، فقال له: اني قرأت في بعض الكتب عن اللّه تعالى: أيا راعي السوء دفعت اليك غنما سمانا سحاحا، فأكلت اللحم، و شربت اللبن، و ائتدمت بالسمن، و لبست الصوف، و تركتها عظاما تتقعقع.

و فيه أيضا: في كتاب ابرويز الى ابنه: اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فاذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترى‏ء عليك في الكبير.

و فيه أيضا: قال أبرويز لصاحب بيت ماله: اني لا احتملك على خيانة درهم، و لا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك انما تحقن بذلك دمك، و تعمّر به أمانتك، فانك ان خنت قليلا خنت كثيرا، و احترس من الخصلتين:

النقصان فيما تأخذ، و الزيادة فيما تعطي.

«بلغني أنك جردت الأرض» أي: أكلتها كالجراد تأكل نبت الأرض من جردت الجراد الأرض، و به سمي الجراد.

«فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك» لا يخفى لطف الكلام.

و في (العيون): ذكر اعرابي رجلا خائنا فقال: ان الناس يأكلون أماناتهم لقما، و ان فلانا يحسوها حسوا.

و ولّى حارثة بن بدر، فسرق، فكتب إليه أنس الدؤلي:

أحار بن بدر قد وليت ولاية

فكن جرذا فيها تخون و تسرق

و قدم بعض عمّال السلاطين من عمل، فدعا قوما فأطعمهم و جعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال تعالى: سمّاعون

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182