نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة10%

نظرة عابرة الى الصحاح الستة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 561

نظرة عابرة الى الصحاح الستة
  • البداية
  • السابق
  • 561 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 268339 / تحميل: 8678
الحجم الحجم الحجم
نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

 ( ٢٥١ ) وعن ابن عباس : صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر(١) .

( ٢٥٢ ) وعنه صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر... سالت ابن عباس كما سألتني فقال : اراد أن لا يحرج أحداً من اُمّته(٢) .

( ٢٥٣ ) وعنه : جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك فقلت لابن عباس : ما حمله على ذلك؟ قال : اراد أن لا يحرج أُمّته(٣) .

( ٢٥٤ ) وعن معاذ بن جبل : جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك فقال : اراد أن لا يحرج اُمّته.

أقول : والروايات في ذلك كثيرة(٤) .

( ٢٥٥ ) وعن العقيلي قال رجل لابن عباس : الصلاة فسكت ، ثم قال : الصلاة فسكت ، ثم قال : الصلاة فسكت ، ثم قال : لا أُمّ لك أتعلمنا بالصلاة وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي شرح النووي(٥) : وذهب جماعة من الاَئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة ، وهو قول ابن سيرين واشهب من اصحاب مالك ، وحكاه الخطابي عن القفال ، والشاشي الكبير من اصحاب الشافعي عن ابن اسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث ، واختاره ابن المنذر.

أقول : الجمع على قسمين : صوري وحقيقي ، والاول : تأخير الاَولى

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ : ٢١٥.

(٢) صحيح مسلم ٥ : ٢١٥.

(٣) صحيح مسلم ٥ : ٢١٦.

(٤) انظر صحيح مسلم ٥ : ٢١٥ ـ ٢١٨.

(٥) صحيح مسلم ٥ : ٢١٩.

١٦١

إلى آخر وقتها وتقديم الثانية في أول وقتها.

والثاني : على قسمين : جمع تقديم ، وهو أداء الثانية في وقت الاَُولى ، وجمع تأخير ، وهو أداء الثانية في وقت الاولى ، وكلاهما جائز في السفر والحضر ، للاحاديث ، وعملاً باطلاق القرآن الكريم. وبعض هذه الاحاديث نص في الجمع الحقيقي.

أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( ٢٥٦ ) عن عبد المطلب بن ربيعة ـ في حديث طويل ـ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، انّما هي أوساخ الناس(١) .

قال النووي في شرحه على مسلم في باب تحريم الزكاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى آله : وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم.

( ٢٥٧ ) عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر الحروري : وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم؟ وانّا زعمنا انّا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا(٢) .

وفي سند آخر : سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله من هم؟ وانّا كنّا نرى انّ قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هم نحن ، فأبى ذلك علينا قومنا.

( ٢٥٨ ) عن عائشة : خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود ، فجاء الحسن بن علي فادخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء علي فادخله ، ثم قال :( انّما يُريد الله ليذهِبَ عنكُم الرجسَ ) (٣) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٧٩ كتاب الزكاة.

(٢) صحيح مسلم ١٢ : ١٩٣ كتاب الجهاد.

(٣) صحيح مسلم ١٥ : ١٩٤.

١٦٢

أقول : المرط : الكساء ، والمرحل المنقوش عليه : رحال الابل.

وقيل في تفسير الرجس : الشك ، العذاب والاثم.

وعن الازهري : الرجس اسم لكلّ مستقذر من عمل.

( ٢٥٩ ) عن سهل بن سعد الساعدي وسأله الناس بأي شيء دوى جرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان علي يجىء بترسه فيه ماء وفاطمة تغسل عن وجهه الدم ، فاخذ حصير فاحرق فحشى به جرحه(١) .

( ٢٦٠ ) عن الاحنف بن قيس : ذهبت لاَنصر هذا الرجل ، فلقيني أبو بكرة فقال : اين تريد؟

قلت : أنصر هذا الرجل.

قال : ارجع فانّي سمعت رسول الله يقول : « إذا التقى المسلمان بسيفهما ، فالقاتل والمقتول في النار » فقلت يا رسول الله : هذا القاتل فما بال المقتول؟

قال : « انّه كان حريصاً على قتل صاحبه »(٢) .

أقول : المراد بالرجل كما صرّحوا به هو علي ، وفي صحيح مسلم : اُريد نصر ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولا شكّ ان مقاتليه من الفئة الباغية الداعية إلى النار كما ورد في حق اصحاب صفين ، والمورد من مصاديق قوله تعالى :( فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله ) ولكن هذا الرجل ـ أي عليّاً ـ لاحظّ له عند الناس.

والظاهر انّ أوّل من عبّر عنه بالرجل هي السيدة عائشة على ما مرّ واظن انّه استعمل فيه في جملة من الموارد في البخاري وغيره.

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٤٠ كتاب الوضوء.

(٢) صحيح البخاري رقم ٣١ كتاب الايمان ، انظر صحيح مسلم ١٨ : ٢٠.

١٦٣

 ( ٢٦١ ) وعن سهل بن سعد : جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيت فاطمة ، فلم يجد علياً في البيت ، فقال : « اين ابن عمك؟ ».

قالت : كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج هو في المسجد راقد.

فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مضطجع قد سقط ردائه عن شقه واصابه تراب ، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسحه عنه ويقول : « قم أبا تراب ، قم أبا تراب »(١)

أقول : لعلّهم افتعلوه مصداقاً لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق فاطمة : « من اغضبها فقد اغضبني! ».

( ٢٦٢ ) عن علي : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طرقه وفاطمة بنت النبيعليه‌السلام ليلة فقال : « ألا تصليان؟ » فقلت : يا رسول الله انفسنا بيد الله فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع اليَّ شيئاً ثم سمعته وهو مولٍّ ، يضرب فخذه وهو يقول :( وكان الانسان أكثر شيء جدلا ) (٢) .

أقول : واليك أول الآية :( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وكان الانسان ) فالمراد من الجدل هو ما يقابل قبول امثال الآيات القرآنية ، افرض انّ القصة حق لكنّ هل يصحّ أن ينقلها علي وبنوه وهي شنيعة عليهم؟ فهذه الجعليات اساءت ظن الشيعة بالبخاري وبكتابه. وأنا اظن ـ وظن الاَلمعي يقين ـ انّ المراد بكلمة فلان في رواية عبدالله بن عمرو بن العاص عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل » هو علي فبدله البخاري أو غيره بكلمة : فلان.

( ٢٦٣ ) عن ابن عباس : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعوّذ الحسن والحسين : « اعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة ، ومن كلّ عين لامة » ثم يقول :

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٤٣٠ كتاب المساجد.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٠٧٥ كتاب التهجد ، صحيح مسلم ٦ : ٦٥.

١٦٤

 « كان أبوكم يعوّذ بهما اسماعيل واسحاق »(١) .

( ٢٦٤ ) عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه انّه أخبره : لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله ابن اُميّة بن المغيرة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاَبي طالب : « يا عم قل لا اله إلاّ الله ، كلمة اشهد لك بها عند الله ».

فقال أبو جهل وعبدالله بن أُميّة : يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبدالمطلب.

فلم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتّى قال أبوطالب اخر ما كلمهم هو علي ملّة عبد المطلب وأبى أن يقول : لا اله إلاّ الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك » فانزل الله تعالى فيه :( ما كان للنبي ) الآية(٢) .

أقول : هلاّ يسأل البخاري أحد انّ المسيب هل شهد وفاة أبي طالب وسمع ، ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمشركان أو انّه رأى في نومه! مع أنّ الآية في سورة البراءة ، وهي مدنية ، فقد خاب من افترى ، وعبد المطلب كان موحداً ، فلا يأبى هو ومن على ملّته من كلمة التوحيد.

وفي حديث آخر في آخره : ونزلت :( انّك لا تهدي من أحببت ) (٣) .

( ٢٦٥ ) عن عباس بن عبد المطلب قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما اغنيت عن عمك ، فانّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال : « هو في ضحضاح من نار ، ولو لا أنا لكان في الدرك الاَسفل من النار »(٤) .

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ٢٣٥ كتاب السنة ، سنن ابن ماجه رقم ٣٥٢٥ كتاب الطب.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٢٩٤.

(٣) صحيح البخاري رقم ٣٦٧١.

(٤) صحيح البخاري رقم ٣٦٧٠ كتاب فضائل الصحابة.

١٦٥

 ( ٢٦٦ ) وعن أبي سعيد الخدري انه سمع النبي وذكر عنده عمه فقال : « لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه »(١) .

أقول : وهل يشفع النبي ـ وكذا الانبياء والملائكة ـ للكفار ، ولمن لا يرتضى منه؟!

( ٢٦٧ ) عن أبي هريرة فأخذ أحدهما ـ أي الحسنان ـ تمرة فجعله في فيه ، فنظر اليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخرجها من فيه فقال : « أما علمت انّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ياكلون الصدقة »(٢) .

وفي خبر آخر : « أما شعرت انّا لا ناكل الصدقة »(٣) .

وفي خبر آخر عنه : انّ الحسن بن علي اخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالفارسية : « كخ كخ أما تعرف انّا لا ناكل الصدقة »(٤) .

( ٢٦٨ ) عن شهاب ، عن علي بن حسين : انّ حسين بن علي رضي الله عنهما أخبره انّ علياًعليه‌السلام قال : « كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ، وكان النبي أعطاني شارفاً من الخمس ، فلمّا اردت ان ابتني بفاطمةعليها‌السلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واعدت رجلاً صوّاغاً من بني قينقاع ان يرتحل معي فنأتي باذخر اردت ان ابيعه من الصواغين واستعين به في وليمة عرسي »(٥) .

أقول : الشارف : الناقة المسنّة ، الصوّاغ : الذي يصوغ الحلي ،

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٣٦٧٢.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٤١٤ كتاب الزكاة.

(٣) صحيح البخاري رقم ١٤٢٠.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٩٤٣ كتاب الخمس ، وانظر أول الجزء ١٨ من صحيح مسلم.

(٥) صحيح البخاري رقم ١٩٨٣.

١٦٦

وقينقاع : قبيلة يهودية ، والاذخر : الذي طلب عباس من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تحللها من قوله : ( ولا يعضد شجرها ) قال : لصياغتنا ولسقف بيوتنا(١) .

( ٢٦٩ ) عن أبي هريرة : فجلسصلى‌الله‌عليه‌وآله بفناء بيت فاطمة فقال : « أثمَّ لكع أثمَّ لكع » فجاء يشتد حتّى عانقه وقبّله وقال : « اللهم أحبّه وأحبّ من أحبّه »(٢) .

واللكع : الصغير ، والمراد به الحسن بن علي.

( ٢٧٠ ) عن زيد بن وهب عن علي : اهدى الى النبي حلّة سيراء فلبستها ، فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي(٣) اخرجه بعد حديث اعطاء رسول الله حلّة لعمر ، فكساها عمر أخاً له بمكّة مشركاً!

( ٢٧١ ) عن ابن عمر : اتى النبي بيت فاطمة فلم يدخل عليها ، وجاء علي فذكرت له ذلك ، فذكره للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « اني رأيت على بابها ستراً موشياً » فقال : ما لي وللدنيا ، فأتاها علي فذكر ذلك لها ، فقالت : ليأمرني فيه بما شاء قال : « ترسل به إلى فلان ، أهل بيت بهم حاجة(٤) .

والموشي : المنقوش والمخطط : بألوان شتى. السيراء : ذات خطوط يخالطها شيء من الحرير.

( ٢٧٢ ) عن سعد : لمّا نزلت هذه الآية :( تعالوا ندعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم ) الآية ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : « اللهم هؤلاء أهلي »(٥) .

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٩٨٤.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٠١٦ ، انظر صحيح مسلم ١٥ : ١٩٣.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٤٧١ كتاب الهبة.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٤٧١.

(٥) جامع الترمذي ٣ : ٣٢ ( صحيح الاسناد ).

١٦٧

 ( ٢٧٣ ) عن أبي هريرة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة »(١) .

( ٢٧٤ ) وعن البراء ، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجعفر بن أبي طالب : « أشبهت خَلقي وخُلقي ».

( ٢٧٥ ) عن أبي سعيد : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ».

( ٢٧٦ ) عن ابن عمر في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا »(٢) .

( ٢٧٧ ) عن اُسامة فقال : « هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللّهمَّ إنّي أُحبُّهما فأَحبَّهما ، وأَحبَّ من يُحبُّهما » المصدر.

( ٢٧٨ ) عن يعلي بن مرة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الاسباط »(٣) .

( ٢٧٩ ) عن انس : لم يكن أحد منهم أشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحسن بن علي. المصدر.

( ٢٨٠ ) عن انس : كنت عند ابن زياد فجيء ، برأس الحسين ، فجعل يقول بقضيب له في انفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حُسناً.

قال : قلت : أما انّه كان من أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( ٢٨١ ) عن عمارة : لما جيء برأس عبيد الله بن زياد واصحابه نضّدت في المسجد في الرّحبة ، فانتهيت اليهم وهم يقولون : قد جاءت قد جاءت ،

__________________

(١) جامع الترمذي ٢٢٣.

(٢) المصدر ص٢٢٤.

(٣) المصدر ٢٢٥.

١٦٨

فإذا حيّة قد جاءت تخلل الرؤوس حتّى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنية ، ثم خرجت فذهبت حتى تغيّب ، ثم قالوا : قد جاءت قد جاءت ، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. المصدر.

( ٢٨٢ ) عن البراء في صلح الحديبية : وقال لعلي : « انت مني وأنا منك »(١) .

( ٢٨٣ ) عن سهل بن سعد : قال النبي يوم خيبر : « لاُعطيَّن الراية غداً رجلاً يفتح على يديه ، يُحبُّ الله ورسوله : ويُحبُّه الله ورسوله » فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي فغدوا كلّهم يرجون ، فقال : « أين علي؟ » فقيل : يشتكي عينه ، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فاعطاه ، فقال : أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال : « انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم ، والله لاِنْ يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم »(٢) .

( ٢٨٤ ) عن أبي عبد الرحمن ـ وكان عثمانياً ـ فقال لابن عطية ـ وكان علوياً ـ : انّي لاََعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول : بعثني فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما يدريك لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرّأه »(٣) .

أقول : غرض البخاري من نقل هذه المقالة انّ علياً انّما سفك دماء الناس المحاربين له في البصرة وصفين والنهروان لانّه شهد بدراً وقد سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الله سبحانه رخصّ للبدريين ماشاؤا فانّه مغفور لهم ».

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٥٥٢.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٨٤٧ كتاب الجهاد ، انظر صحيح مسلم ١٢ : ١٨٥.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٩١٥ كتاب الجهاد.

١٦٩

أقول : أولاً : انّ هذا الترخيص ( اعملوا ما شئتم ) مخالف للعقل والقرآن واساس التشريع الديني ، بل يتناقض مع جميع القوانين الدولية والاعراف العقلائية كما لا يخفى ، فالجملة مجعولة كسائر الجعليات. يقول القرآن لسيد البشر وخاتم المرسلين وقائد البدريين والمجاهدين :( اذاً لاَذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) ،( انّي اخاف انْ عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ،( عبس وتولى ان جاءه الاعمى ) ثم هل يمكن لمسلم يقرأ من القرآن( من قتل مؤمناً متعمداً ) وقرأ( من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ) وغير ذلك ثم يتجرأ لسفك الدماء لاجل الحديث المذكور؟!!!

وثانياً انّ كلمة ( لعلّ ) في الحديث المذكور يبطل اجتهاد العثماني والبخاري.

وثالثاً : انّ هذا الاستظهار مخالف للتاريخ والسلوك الفقهي الاسلامي ، فانّ البادين بالحرب هم مخالفوا علي دونه وهم البغاة ، ولا شكّ انّ قتال البغاة جائز أو واجب ، فأي حرج على علي في ذلك ، وقد تقدّم انّ قاتل عمار فئة باغية داعية إلى النار وعمار يدعوهم إلى الجنة. فاستناد علي في حروبه هو قوله تعالى :( فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله ) دون جملة : ( لعلّ الله أطلع ) على انّ النبي اخبره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

( ٢٨٥ ) عن علي بن حسين : انّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك اليَّ من حاجة تأمرني بها؟

فقلت له : لا.

١٧٠

فقال له : فهل انت معطي سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّي اخاف ان يغلبك القوم عليه ، وايم الله لئن اعطيتنيه لا يخلص اليَّ أبداً حتّى تبلغ نفسي. انّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمةعليها‌السلام ، فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم ، فقال : « انّ فاطمة مني وأنا اتخوّف أن تفتن في دينها ) ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته ايّاه قال : « حدثني فصدقني ، ووعدني فوفّى لي ، واني لست أحرّم حلالاً ولا احلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله ابداً »(١) .

المستفاد من الرواية أُمور :

١ ـ انّ سيف رسول الله وصل من علي بن أبي طالب إلى علي بن حسين ، وفي روايات الشيعة انّ جميع سلاح رسول الله وكتبه وما وصل اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله من آثار الانبياء عند أئمة أهل البيت ، ولم يسلّمها علي إلى بيت المال أو إلى الخليفة ، لانّه ينكر حديث : « لا نورث ما تركناه صدقة ».

٢ ـ انّ أهل البيت كانوا في معرض الظلم من النظام الاموي بعد مقتل الحسين.

٣ ـ انّ النبي انّما منع علياً من التزوج مخافة ان تفتن فاطمة بسبب الغيرة في دينها ، لكنّ العقل لا يقبل كون هذا الكلام من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّ النبي ـ وهو رحمة للعالمين ـ كيف لم يتخوّف على بنات سائر المؤمنين وجوّز تعدّد الزوجات؟ على انّ هذا التخوّف غالبي فيبطل به تشريع تعدّد الزوجات وان هو إلاّ كالرد على الله في احكامه ، ومع الغض عن كلّ هذا نحن نعلم بانّ النبي يعلم بأنّ بنته كاملة عاقلة اذهب الله عنها الرجس ، وهي

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٩٤٣ كتاب الخمس ، وانظر أول الجزء ١٨ من صحيح مسلم.

١٧١

سيدة نساء الجنة ، ولا تفتن في دينها من ألف ضرة ، على انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بين بنت أبي بكر وعمر وبنت عدو الله اليهودي ـ حفصة وعائشة وصفية ـ ولا يبعد انّ قصة خطبة بنت أبي جهل قصة مجعولة من اجراء بني اُميّة ولا أصل لها ، أترى انّ النبي يمدح أبا العاص بن الربيع الاموي بالصدق والوفاء تعريضاً بمن هو منه بمنزلة هارون من موسى؟

تسبيح فاطمة

( ٢٨٦ ) عن علي : « انّ فاطمةعليها‌السلام اشتكت ما تلقى من الرحى ممّا تطحن ، فبلغها أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتي بسبي ، فأتته تسأله خادماً فلم توافقه فذكرت لعائشة ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك عائشة له ، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال : على مكانكما ، حتّى وجدت برد قدميه على صدري ، فقال : « ألا أدلكما على خير مما سألتماه ، إذا اخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وسبحا ثلاثاً وثلاثين ، فان ذلك خير لكما ممّا سألتماه »(١) .

أقول : الشيعة يواظبون على هذه الاذكار دبر كلّ صلاة ، وهي معروفة عند عامتهم.

بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد

( ٢٨٧ ) عن جبير بن مطعم قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد »(٢) .

( ٢٨٨ ) عن عقبة : صلّى أبو بكر فراى الحسن يلعب مع الصبيان

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٩٤٥ كتاب الخمس.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٩٧١ كتاب الخمس.

١٧٢

فحمله على عاتقه وقال : بأبي شبيه بالنبي لا شبيه لعلي.

وعلي يضحك(١) .

( ٢٨٩ ) عن عائشة : أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مرحباً بابنتي » ثم اجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرَّ اليها حديثاً فبكت ، فقلت لها : تبكين ، ثم أسرَّ اليها حديثاً فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً اقرب من حزن ، فسألتها عمّا قال ، فقالت : ما كنت لاَفشي سرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسألتها فقالت : أسرَّ اليَّ انّ جبرئيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرة ، وانّه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلاّ حضر أجلي ، وانّك أول أهل بيتي لحاقاً بي ، فبكيت ، فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين ، فضحكت لذلك »(٢) .

( ٢٩٠ ) عن سعد : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى »(٣) .

( ٢٩١ ) عن المسورة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « فاطمة بضعة مني ، فمن اغضبها اغضبني »(٤) .

( ٢٩٢ ) وعنه : « وانّ فاطمة بضعة مني ، وانّي اكره ان يسوءها »(٥) .

( ٢٩٣ ) عن انس : اُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن عليعليه‌السلام فجُعِل في طست ، فَجَعل ينكت ، وقال في حسنه شيئاً ( ! ) ، فقال انس :

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٣٣٤٩ كتاب المناقب.

(٢) صحيح البخاري رقم ٣٤٢٦ كتاب المناقب ، انظر صحيح مسلم ١٨ : ٥ و٦.

(٣) صحيح البخاري رقم ٣٥٠٣ كتاب فضائل الصحابة ، ورواه مسلم في صحيحه وفيه : إلاّ انّه لا نبي بعدي.

(٤) صحيح البخاري رقم ٣٥١٠ كتاب فضائل الصحابة.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٥٢٣.

١٧٣

كان اُشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان مخضوباً بالوسمة(١) .

( ٢٩٤ ) وعن ابن عمر : أهل العراق يسألون عن الذباب ، وقد قتلوا ابن ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال النبي : « هما ريحانتاي من الدنيا »(٢) .

( ٢٩٥ ) عن البراء : رأيت النبي والحسن بن علي على عاتقه ، يقول : « اللهم انّي احبّه فاحبّه ».

( ٢٩٦ ) عن علي :« أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة»(٣) .

أقول : فويل لمخالفيه يوم القيامة.

( ٢٩٧ ) عن قيس بن عباد : سمعت أبا ذر يقسم قسماً انّ هذه الآية :( هذان خصمان اختصموا في ربّهم ) نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة(٤) .

( ٢٩٨ ) عن زيد بن ارقم : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكّة والمدينة فحمد الله وانثى عليه ووعظ وذكر ثم قال : « أما بعد ، ألا أيّها الناس فانّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاجيب ، وأنا تاركُ فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذو بكتاب الله واستمسكوا به » فحث على كتاب الله ورغبّ فيه ثم قال : « وأهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ».

فقال له حصين : ومن اهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه من أهل بيته.

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٣٥٣٨ كتاب فضائل الصحابة.

(٢) صحيح البخاري رقم ٣٥٤٣.

(٣) صحيح البخاري رقم ٣٧٤٧ كتاب المغازي.

(٤) صحيح البخاري رقم ٣٧٥١ ، وانظر آخر صحيح مسلم.

١٧٤

قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

قال : ومن هم؟

قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

قال : كل هؤلاء حرم الصدقة؟

قال : نعم(١) .

( ٢٩٩ ) عن المسور بن مخرمة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها »(٢) .

وفي رواية أُخرى : « فانّما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ، ويوذيني ما آذاها ».

وفي شرح النووي : قال العلماء في هذا الحديث تحريم أيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ حال وعلى كلّ وجه ، وان تولد ذلك الايذاء ممّا كان اصله مباحاً وهو حي.

( ٣٠٠ ) عن بريد : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاقبل الحسن والحسين عليهما قميصان احمران يعثران ويقومان ، فنزل فأخذهما فصعد بهما ( المنبر ) ، ثم قال : « صدق الله( انّما أموالكم وأولادكم فتنة ) رايت هذين فلم اصبر » فأخذ في الخطبة(٣) .

( ٣٠١ ) فقال لنا : « انّ هذه الصدقة انّما هي أوساخ الناس ، وانّها لا تحل لمحمد ولا لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

( ٣٠٢ ) عن بريدة : انّ رسول الله عقّ عن الحسن والحسين(٤) .

__________________

(١) صحيح مسلم ١٥ : ١٧٩ و١٨٠.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٨٩.

(٤) سنن النسائي ٧ : ١٦٤.

١٧٥

 ( ٣٠٣ ) وعن ابن عباس : عقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين(١) .

( ٣٠٤ ) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلن اسبه ، لان تكون لي واحدة منهنّ أحب اليَّ من حمر النعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له ـ خلّفه في بعض مغازيه ـ « أما ترضى ان تكون مني بمنزله هارون من موسى ، إلاّ انّه لا نبوة بعدي » ، وسمعته يوم خيبر : « لاَعطين الراية رجلاً يُحبّ الله ورسوله ، ويُحبّه الله ورسوله » ، ولما نزلت هذه الآية :( فقل تعالوا ندعُ ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : « اللهم هؤلاء أهلي »(٢) .

أقول : وفي رواية أبي هريرة : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم خيبر : « يفتح الله على يديه ».

قال عمر بن الخطاب : ما احببت الامارة إلاّ يومئذ ، فتساورت لها رجاء أن اُدعى.

( ٣٠٥ ) عن انس : بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال : « لا ينبغي لاَحد أن يبلّغ هذا إلاّ رجل من اهلي » فدعا علياً فاعطاه ايّاها(٣) .

( ٣٠٦ ) عن ابن عباس : بعث النبي أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات ، ثم اتبعه علياً فإذا علي ، فدفع اليه كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامر علياً أن ينادي بهؤلاء الكلمات.

__________________

(١) سنن النسائي ٧ : ١٦٦.

(٢) صحيح مسلم ١٥ : ١٧٦ ولاحظ ص٣ : ٢١٤ جامع الترمذي.

(٣) جامع الترمذي ٣ : ٥٥.

١٧٦

فانطلقا فحجّا ، فقام علي أيام التشريق فنادى : « ذمة الله ورسوله بريئة من كلّ مشرك ، فسيحوا في الارض أربعة أشهر ، ولا يحجنّ بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلاّ مؤمن » وكان علي ينادي ، فإذا عيي قام أبو بكر فنادي بها(١) .

( ٣٠٧ ) عن علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انّه لعهد النبي الاَُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليَّ : أن لا يحبني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(٢) .

( ٣٠٨ ) عن علي : تقدّم عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه واخوه ، فنادى : من يبارز ، فانتدب له شباب من الانصار فقال : من انتم ، فاخبروه ، فقال : لا حاجة لنا فيكم ، انّما اردنا بني عمّنا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قم يا حمزة ، قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحرث » فاقبل حمزة إلى عتبة ، واقبلت إلى شيبة ، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان ، فاثخن كلّ واحد صاحبه ، ثم ملنا على الوليد فقتلناه ، واحتملنا عبيدة(٣) .

( ٣٠٩ ) عائشة بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة ادخلتها بها على أبي العاص ، فلما رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رقّ لها رقّة شديدة وقال : « ان رأيتم أن تطلقوا لها اسرها ، وتردوا عليها الذي لها » فقالوا نعم وبعث رسول الله زيد بن حارثة ورجلاً من الانصار ، فقال : « كونا ببطن ياجج حتّى تمرّ بكما زينب ، فتصحبا بها حتّى تأتيا بها »(٤) .

( ٣١٠ ) عن ابن أعبُد : قال لي علي رضي الله عنه : ألا احدثك عني وعن فاطمة

__________________

(١) المصدر ص٥٥.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٦٤.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٥٣ كتاب الجهاد.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٦٢.

١٧٧

بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت من احب أهله اليه؟

قلت : بلى.

قال : انّها جرّت بالرحى حتّى أثّر في يدها ، واستقت بالقربة حتّى أثّر في نحرها ، وكنست البيت حتّى اغبرت ثيابها. فاتي النبي خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً فإذا اخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين ، واحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبري أربع وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم.

قالت : رضيت عن الله عزّ وجلّ وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

( ٣١١ ) عن سفينة : فقالت فاطمة : لو دعونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكل معنا ، فدعوه ، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فقلت : يا رسول الله ما ردّك؟ فقال : « انّه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً »(٢) .

ادبهصلى‌الله‌عليه‌وآله

( ٣١٢ ) عن عمرو : ما رئي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان(٣) .

انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مضى مسموماً

( ٣١٣ ) عن ابن مسعود : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعجبه الذراع ، قال : وسمّ في الذراع ، وكان يدري انّ اليهود هم سمّوه(٤) .

( ٣١٤ ) عن حنش ، عن عليعليه‌السلام قال : بعثني رسول الله إلى اليمن قاضياً ، فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٥٠ كتاب الخراج.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٣٤٣ كتاب الاَطعمة.

(٣) المصدر ٣ : ٣٤٧.

(٤) المصدر ٣ : ٣٤٩.

١٧٨

بالقضاء ، فقال : « انّ الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك » فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد(١) .

( ٣١٥ ) عن علي قال : كان لي من رسول الله مدخلان ، مدخل بالليل ، ومدخل بالنهار ، فكنت إذا اتيته وهو يصلّي يتنحنح لي(٢) .

( ٣١٦ ) وعن ابن عباس : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً(٣) .

( ٣١٧ ) عن انس : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطّت رجليها لم يبلغ رأسها(٤) .

( ٣١٨ ) عن ابن عمر : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتى فاطمة رضي الله عنها فوجد على بابها ستراً فلم يدخل ، قال : وقلمّا كان يدخل إلاّ بدأ بها فجاء علي رضي الله عنه فرآها مهتمة فقال : مالك؟

قالت : جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليَّ فلم يدخل ، فأتاه علي فقال يا رسول الله انّ فاطمة اشتد عليها انّك جئتها فلم تدخل عليها.

قال : « وما أنا والدنيا ، وما أنا والرقم ».

فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : قل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يأمرني بها؟

قال : قل لها : « فلترسل إلى بني فلان »(٥) .

__________________

(١) المصدر ٣ : ٣٠٠.

(٢) سنن ابن ماجه رقم ٣٧٠٨ كتاب الادب.

(٣) المصدر ص١٠٦.

(٤) سنن أبي داود ٤ : ٦١.

(٥) سنن أبي داود ٤ : ٧٠.

١٧٩

النهي عن البكاء بعد الثلاثة

( ٣١٩ ) عن عبدالله بن جعفر : انّ النبي أمهل آل جعفر ثلاثاً ان يأتيهم ، ثم أتاهم فقال : « لا تبكوا على أخي بعد اليوم »(١) .

أقول : يفهم منه أن ما نقله مسلم عن عائشة بخلاف ذلك ضعيف.

حبّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة

( ٣٢٠ ) عن ثوبان : كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بانسان من أهله فاطمة ، واول من يدخل عليها اذا قدم فاطمة ، فقدم من غزاة وقد علقت مسحاً أو ستراً على بابها وحلّت الحسن والحسين قلبين من فضة ، فقدم فلم يدخل ، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأى ، فهتكت الستر ، وفككت القلبين عن الصبيين ، وقطعته بينهما ، فانطلقا الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهما يبكيان ، فأخذه منهما وقال : « يا ثوبان اذهب بهذا الى آل فلان ـ أهل بيت بالمدينة ـ انّ هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا »(٢) .

( ٣٢١ ) عن أبي رافع : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذّن في اُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة(٣) .

( ٣٢٢ ) عن عائشة : ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً ( حديثاً وكلاماً ) برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من فاطمة كرّم الله وجهها. كانت إذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها وقبّلها واجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت اليه فاخذت بيده فقبّلته واجلسته في مجلسها(٤) ، أقول وهذه مرتبة

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ٨١.

(٢) سنن أبي داود ٤ : ٨٥ كتاب الترجل.

(٣) سنن أبي داود ٤ : ٣٣٠ كتاب الادب.

(٤) سنن أبي داود ٤ : ٣٥٧ كتاب الادب.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561