نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة10%

نظرة عابرة الى الصحاح الستة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 561

نظرة عابرة الى الصحاح الستة
  • البداية
  • السابق
  • 561 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267316 / تحميل: 8611
الحجم الحجم الحجم
نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الجبار

( ٤٠٦ ) عن أبي هريرة : العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس(١) .

قيل : العجماء البهيمة ، وسميّت بذلك لانّها لا تتكلم. ومعنى جبار أي جنايتها هدر ، ليس فيها ضمان.

وفسّر قوله : المعدن جبار ، بانّه لا زكاة فيما يستخرج منه. وهذا التفسير لا دليل عليه.

والركاز : الكنوز المدفونة قبل الاسلام.

تخريب الكعبة

( ٤٠٧ ) عن أبي هريرة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة(٢) .

أقول : وفي بعض أحاديث الشيعة المعتبرة سنداً عندهم : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « تاركوا الحبشة ما تاركوكم ، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلاّ ذو السويقتين »(٣) .

ونقل في البحار عن نهاية ابن الاثير : وانّما صغر الساقين؛ لانّ الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة.

قضاء الحج عن الحي والميت

( ٤٠٨ ) عن ابن عباس انّ أُمّي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحجّ عنها؟ قال : « نعم حجّ عنها ، أرأيت لو كان على أُمّك دين ، أكنت قاضيته

____________

(١) صحيح البخاري رقم ١٤٢٨ كتاب الزكاة.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٥١ كتاب الحج.

(٣) بحار الانوار ١٨ : ١٤٥.

٢٠١

اقضوا الله فالله أحق بالوفاء »(١) .

أقول : يظهر من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجوب قضاء كل العبادات ، والمورد لا يقيد الاطلاق.

( ٤٠٩ ) عن ابن عباس : انّ فريضة الله على عباده في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع ان يستوي على الراحلة ، فهل يقضى عنه أن احجّ عنه؟ قال : « نعم »(٢) .

أقول : لا يجوز الاستنابة عن الحي في اتيان العبادات الواجبة عليه إلاّ في الحج لهذا الحديث.

تعارض في سفر المرأة مع محرم

( ٤١٠ ) إذن عمر لا زواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر حجّة حجّها ، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف(٣) .

أقول : ويعارضه ما عن ابن عباس وغيره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم »(٤) .

من أحدث بالمدينة

( ٤١١ ) عن انس : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « المدينة حرم من أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين »(٥) .

صوم العاشر من المحرم

( ٤١٢ ) عن عائشة : انّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٧٥٤.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٧٥٥.

(٣) صحيح البخاري رقم ١٧٦١.

(٤) صحيح البخاري رقم ١٧٦٣ ـ ١٧٦٥.

(٥) صحيح البخاري رقم ١٧٦٨.

٢٠٢

ثم أمر رسول الله بصيامه حتى فرض رمضان ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر »(١) .

( ٤١٣ ) عن الربيع ، قالت : أرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة عاشوراء إلى قرى الانصار : « من اصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، ومن اصبح صائماً فليصم »(٢) .

( ٤١٤ ) عن ابن عباس : قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : « ماهذا ».

قالوا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى.

قال : « فانا أحقّ بموسى منكم » فصامه وأمر بصيامه(٣) .

( ٤١٥ ) وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي : « فصوموه انتم »(٤) .

وله نقل آخر ، وفيه : « نحن أحق بصومه » فأمر بصومه(٥) .

( ٤١٦ ) عن ابن عباس : ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر ، يعني شهر رمضان(٦) .

( ٤١٧ ) وعن عائشة : كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي يصومه ، فلّما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلّما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه(٧) .

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٧٩٤.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٧٥٩ كتاب الصوم.

(٣) صحيح البخاري رقم ١٩٠٠ وانظر ٣٧٢٧.

(٤) صحيح البخاري رقم ١٩٠١.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٧٢٦.

(٦) صحيح البخاري رقم ١٩٠٢.

(٧) صحيح البخاري رقم ٣٦١٩ كتاب فضائل الصحابة ، اقول : انظر صحيح مسلم ٨ : ٤ ـ ١٣.

٢٠٣

أقول : المستفاد من رواية عائشة وعبدالله بن عمر وغيرهما انّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثم فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحباً. ولكن المستفاد من خبر عبدالله بن عباس وأبي موسى انّ النبي لم يكن متلفتاً الى صوم عاشوراء وانّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لاَحقيّته من اليهود بموسىعليه‌السلام ، فالاَحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده الى تقليد اليهود ، وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبدالله بن عباس ، واليك نصّه :

( ٤١٨ ) حين صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يارسول الله انّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا اليوم التاسع » قال فلم يأت العام المقبل حتى توفّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

فترى الحديث يقول : انّ النبي لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفي قبل حلول العام المقبل. وفي هذا الحديث اُمور اُخر ، منها : انّ امره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً الى قبل سنة من موته لا انّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وثانياً : انّ تعظيم اليوم المذكور لم يكن مختصاً باليهود ، بل ويعظّمونه النصارى أيضاً.

وثالثاً : انّ النبي لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١٢ كتاب الصيام.

٢٠٤

يقول انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم اليوم التاسع! ، واليك نصّه من كتاب مسلم :

( ٤١٩ ) عن الحكم فقال ( عبدالله بن عباس ) : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائماً.

قلت : هكذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه.

قال : نعم(١) .

أقول : المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم انّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُميّة الفجرة ، ويزيد في وضوح كذبها انّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك! ، لعن الله الكاذبين المفترين على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى سنته.

رحمة للعالمين

( ٤٢٠ ) عن جابر : انّ امرأة من الانصار قالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه ، فانّ لي غلاماً نجاراً.

قال : « ان شئت ».

قال : فعملت له المنبر ، فلّما كان يوم الجمعة قعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر الذي صنع ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها ، حتى كادت ان تنشق ، فنزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أخذها فضّمها اليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ، قال : « بكت على ما كانت تسمع من الذكر(٢) .

معاوية

( ٤٢١ ) وعن الحسن : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١١.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٩٨٩ كتاب البيوع.

٢٠٥

امثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : اني لاَرى كتائب لا تولّى حتى تقتل أقرانها ، فقال له معاوية ـ وكان والله خير الرجلين ـ : أي عمرو ، وان قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لي بامور الناس ، من لي بنسائهم ، من لي بضيعتهم ، فبعث اليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبدالله بن عامر بن كريز فقال : اذهبا الى هذا الرجل ، فاعرضا عليه ، وقولا له ، واطلبا اليه.

فاتياه فدخلا عليه فتكلمّا وقالا له فطلبا اليه ، فقال لهما الحسن بن علي : « انا بنو عبدالمطلب قد اصبنا من هذا المال ، ان هذه الاُمّة قد عاثت في دمائها ».

قالا : فانّه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب اليك ويسألك.

قال : « فمن لي بهذا؟ ».

قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئاً إلاّ قالا : نحن لك به ، فصالحه ، فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر والحسن بن علي الى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أُخرى ويقول : « ان ابني هذا سيد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ».

أقول : يدلّ الحديث على انّ الحسن بن علي انّما أراد قتال معاوية لاَجل المال ، فحيث انّهما ضمناه له صالح معاوية ، والحسن لا يهمه قتل المسلمين ، وانما معاوية يحزنه أمر المسلمين ونسائهم وضيعتهم وكانت المصالحة بهذه السهولة ، وهل الواقع كذلك يا شيخنا البخاري ويا حسن البصري؟ من هو سيد شباب أهل الجنة ، ومن هو رأس الفئة الباغية الداعية الى النار ، ولا يمسخ التأريخ بهذه الموضوعات الاَمويّة.

كذبة

( ٤٢٢ ) عن أبي بكرة ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شهران لا ينقصان شهراً : عيد

٢٠٦

رمضان ، وذو الحجة »(١) . والاحاديث أيضاً تعارضه.

بدعة ونعم البدعة!

( ٤٢٣ ) عن عبد الرحمن : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان الى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون فقال عمر : انّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان امثل ، ثم عزم فجمعهم على اُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة اُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه(٢)

أقول : مرّ انّ عائشة كانت تنكر أصل صلاة التراويح مخبرة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يزيد في رمضان وغيره على أحدى عشرة ركعة(٣)

ثم نقول لعمر رضي الله عنه : لا تكون البدعة حسنة أبداً ، بل هي الى النار.

ليلة القدر

تدلّ الاحاديث على أنّها في العشر الاَواخر أو السبع الاَواخر على اختلاف بينها كما في غيرها ، والحاصل انّ ليلة القدر باقية ويستحب فيها العبادة ، وهي ليلة مباركة وقد ورد في بعض الاَحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّي رأيت ليلة القدر ثم انسيتها » لكن بناء على انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي تنزل عليه الملائكة والروح لا يعقل نسيانه لها ، فانّ الملائكة والروح تنزل فيها من كل أمرِ ، فلا أحد تلقى اليه علم اُمور السنّة إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته.

تأثير الاسلام

( ٤٢٤ ) عن ابن عوف : لما قدمنا المدينة آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيني وبين

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٨١٣ ، وانظر صحيح مسلم ٧ : ١٩٩ كتاب الصيام.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٩٠٦.

(٣) انظر صحيح البخاري رقم ١٩٠٩.

٢٠٧

سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : انّي أكثر الانصار مالاً فاقسم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها ، فإذا حلّت تزوجتها.

فقال عبدالرحمن : لا حاجة لي في ذلك ، هل من سوق فيه تجارة؟(١)

التأمين الحكومي في الاسلام

( ٤٢٥ ) عن أبي هريرة : عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك كلاًّـ أي عيالاً لا نفقة لهم أو ديناً لا وفاء له كما قيل ـ فإلينا »(٢) .

وعنه بلفظ آخر : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم( النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم ) فايّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً ـ عيالاً محتاجين يضيعون ان تركوا ـ فليأتني فأنا مولاه »(٣) .

نزول القرآن على سبعة أحرف

( ٤٢٦ ) عن عمر بن الخطاب : سمعت هشام يقرأ سورة الفرقان على غير ما اقرؤها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هكذا اُنزلت ، انّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر »(٤) .

( ٤٢٧ ) عن ابن عباس : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اقرأني جبرئيل على حرف ، فلم أزل اتزيده حتى انتهى الى سبعة أحرف »(٥) .

( ٤٢٨ ) عن انس : انّ حذيفة فقال حذيفة لعثمان : ادرك هذه الاُمة

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٩٤٣ كتاب البيوع.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٢٦٨.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٢٦٩.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٢٨٧.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٠٤٧ ، وانظر صحيح مسلم ٦ : ١٠١.

٢٠٨

قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فارسل عثمان الى حفصة أن ارسلي الينا بالمصحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فانّما نزل بلسانهم وارسل الى كلّ اُفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن
يحرق(١) .

( ٤٢٩ ) عن عمر : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أقرأك قال : أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت كذبت! فقال رسول الله : « كذلك أُنزلت » ثم قال : « أقرأ يا عمر » فقرأ ـ القراءة التي أقرأنيها ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كذلك انزلت ، ان هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه »(٢) .

( ٤٣٠ ) عن اُبي : كنت في المسجد ، فدخل رجل يصلّي ، فقرأ قراءة انكرتها عليه ، ثم دخل رجل آخر ، فقرأت قراءة سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقرءا فحسن ، فحسّن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « شأنهما فقال : « يا أُبي ارسل اليَّ أن اقرأ القرآن على حرف ، فرددت اليه أن هون على اُمّتي ، فرد اليَّ الثانية اقرأ على حرفين فرد اليَّ الثالثة اقرأه على سبعة احرف »(٣) .

( ٤٣١ ) وعنه : « ثم جاء الثالثة فقال : انّ الله يأمرك ان تقرأ اُمّتك القرآن على ثلاثة أحرف » فقال : اسأل الله معافاته ومغفرته ثم جاءه الرابعة على سبعة أحرف(٤)

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٤٧٠٢ كتاب التفسير.

(٢) صحيح البخاري رقم ٤٧٠٦ كتاب فضائل القرآن ، وانظر صحيح مسلم ٦ : ٩٩.

(٣) صحيح مسلم ٦ : ١٠٢.

(٤) صحيح مسلم ٦ : ١٠٣.

٢٠٩

أقول : الروايتان من صحابي واحد ، وبينهما اختلاف من وجوه ، فلاحظ(١) . ومع الغض عن اختلاف الاحاديث فيما بينها(٢) يتوجّه اليها اسئلة :

فمنها : انّ القرآن بايديكم فاوجدوا له سبعة عبارات تقرؤون بها ، هل يمكن لكم هذا؟ والجواب منفي قطعاً ، فهذا دليل كذب هذه الاَحاديث.

ومنها : انّ ما في بعضها من انّ الاُمّة لا تقدر قراءة القرآن على حرف واحد ، فهذا ايضاً مخالف للواقع ، فانا نرى الاُمّة اليوم يقرؤونه على حرف واحد في تمام ارجاء المعمورة.

وثالثاً : ما معنى جمع عثمان القرآن ، وقوله : انّه نزل على لسان قريش ، وخوف الصحابة من اختلاف الناس على قراءات مختلفة؟ وهل فعل عثمان وجمعه الناس على قراءة واحدة مخالف لاَمر الله وكلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو هو فعل حسن؟

ورابعاً : هل القول بهذه الاَحاديث ، وتبديل الكلمات لا يبطل اعجاز القرآن وفصاحته المعجزة من اساسه؟

وخامساً : هل لا يبطل به تحدي القرآن الناس باتيان سورة منه ، إذ يمكن ان يأتي به على ستة أوجه! اُخر.

وسادساً : هل يمكن لعاقل يدّعي انّ الله انزل مثل القرآن ستة امثال من عباراته؟ أو يدّعي انّ الله فوّض اتيانه الى الناس ، فيتناقض التحدّي

__________________

(١) انظر سنن أبي داود ٢ : ٧٧ كتاب الصلاة.

(٢) من أوجه الاختلاف ما في النسائي : قال : « نعم انّ جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام أتياني ، فقعد جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : القرآن على حرف ، قال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ سبعة أحرف ، فكلّ حرف شاف كاف » سنن النسائي ٢ : ١٥٤.

٢١٠

المشار اليه؟ فالمقطوع به كذب هذه الاحاديث. وربّما قيل ـ فراراً عن هذا الفضيحة ـ انّ المراد بسبع أحرف هي لغات أهل الحجاز ، والهذيل ، وهوازن ، وطي ، وثقيف ، وبني تميم ، أو القراءآت السبع للقرّاء ، لكنّه أيضاً تأويل غلط كما حقّقه مؤلف تفسير البيان في مقدّمته بما لا مزيد عليه.

وهنا أمر اُخر ، وهو انّ الشعوب الاسلامية في آسيا واروبا وافريقيا واميركا ربّما لا يقدرون على اداء بعض الحروف إلاّ بصعوبة ، فبعضهم ينطق حرف القاف كافاً ، وبعضهم كالگاف الفارسية ، وبعضهم ينطق حرف الفاء كحرف پ الفارسية ، وبعضهم يبدّلون الكاف بحرف ج ، وبعضهم يبدّلون حروف الحاء والعين بالهمزة ، والصاد بالسين ، والظاء والضاد بالزاي ، واللام بالراء ، والطاء بالتاء ، فهل يمكن ان نطبّق الحروف السبعة على هذا؟

فمن قرأ : الاُمد لله لب الئالمين مالك يوم الدين نابد نستئين سرات المستغيم أو المستكيم أو المستگيم گير المگزوب عليهم ولا الزالين ، فقد قرأ القرآن المنزّل ، وصحّ صلاته ، وان تمكن من تعلّم العربية الفصحى الرائجة وتركها مع القدرة على ادائرها؟

ونقول : لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً والصحيح عدم صحّة هذا التطبيق ـ كما لايخفى ـ على انّه لا يمكن بيان ثلاثة وجوه على هذا الاحتمال فضلاً عن سبعة ، نعم إذا لم يقدر أحد على القراءة الصحيحة فلا شكّ في صحّة الصلوات بها عند الاضطرار ، لكن سقوط التكليف بها اضطراراً أو ثواب القراءة بها أمر وصدق القرآن حقيقة عليه أمر آخر.

ولقد احسن وتجرّأ جرأة جميلة جلال الدين السيوطي حيث ذكر في

٢١١

شرحه على سنن النسائي حينما اخرج هذه الاحاديث ( انّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ) : والمراد به أكثر من ثلاثين قولاً حكيتها في الاتقان والمختار ، عندي انّه من المتشابه الذي لا يدري تأويله(١) .

أقول : والاَحسن له ان يحكم بوضعه رأساً لوجوه مرّت.

( ٤٣٢ ) عن اُبي بن كعب : لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل ، فقال : « يا جبرئيل انّي بعثت الى اُمّة اُميّين ، منهم : العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط » قال : « يا محمّد انّ القرآن أنزل على سبعة أحرف »(٢) .

جواز الدفاع

( ٤٣٣ ) عن عبدالله بن عمرو قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من قتل دون ماله فهو شهيد »(٣) .

أقول : هكذا ورد من طريق الشيعة أيضاً ، والحديث محتاج الى بحث فقهي ليس هنا موضع ذكره.

قصة خرافية موضوعة ( العنبر بعد العنقاء )

( ٤٣٤ ) عن جابر : بعث رسول الله بعثاً قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة الجراح وهم ثلاثمائة وانا فيهم ثم انتهينا الى البحر ، فإذا حوت مثل الظرب ( الجبل الصغير ) ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من اضلاعه فنصباً ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما(٤) .

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١٥٢.

(٢) جامع الترمذي ٣ : ١٥.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٣٤٨ كتاب المظالم.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٣٥١.

٢١٢

أقول : إذا فرض أكل كلّ شخص في ٢٤ ساعة مرتين يبلغ عدد الآكلين منها ١٠٨٠٠ شخصاً!

وفي صحيح مسلم : فإذا هي دابة تدعى العنبر! قال : قال أبو عبيدة. ميتة ، ثم قال : لا ، بل نحن رسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا فاقمنا عليه شهراً ( ! ) ونحن ثلاثمائة حتّى سمنا فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فاقعدهم في وقب(١) عينه ، وأخذ ضلعاً من اضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا ، فمرّ من تحتها فارسلنا الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منه فأكله!(٢) .

وفي رواية أُخرى : فأكلنا منها نصف شهر وفي أُخرى : ثماني عشرة ليلة!

أقول للاذكياء : ايّاكم وأخذ دينكم من أصحاب العنبر ثاني العنقاء!

سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مأكله

( ٤٣٥ ) عن عائشة : ان كنّا لننظر الى الهلال ثم الهلال ، ثلاثة اهلّة في شهرين ، وما أوقدت في ابيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نار ، فقلت : يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت الاَسودان : التمر والماء! إلاّ انّ قد كان لرسول الله جيران من الانصار كانت لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ألبانهم فيسقينا(٣) .

أقول : المنيحة هي الشاة أو الناقة التي تعطى للغير لينتفع بلبنها ثم يردّها على صاحبها.

__________________

(١) قيل : الوقب : داخل العين ونقرتها.

(٢) صحيح مسلم ١٣ : ٨٧ كتاب الجهاد.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٤٢٨.

٢١٣

تناقض في أكل الحمار الوحشي

( ٤٣٦ ) عن أبي قتادة فابصروا حماراً وحشياً فناولته العضد ـ أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فأكلها حتى نفدها وهو محرم(١) .

( ٤٣٧ ) عن الصعب : انّه اهدى لرسول الله حماراً وحشياً امّا انّا لم نرده عليك إلاّ انّا حرم(٢) .

( ٤٣٨ ) وعن ابن عباس وترك الضب تقذّراً وأكل على مائدة رسول الله ، ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

أقول : وينافيه قوله تعالى( ويحرم عليهم الخبائث ).

انّما الرضاع من المجاعة وكذبة مستهجنة

( ٤٣٩ ) عن عائشة قلت : هذا أخي من الرضاعة قال : « يا عائشة انظرن من اخوانكن ، فانّما الرضاعة من المجاعة »(٤) .

قيل : أي جوع الرضيع الذي يسده اللبن ، ولا يكون ذلك إلاّ في الصغر.

( ٤٤٠ ) وعنها ـ كما في صحيح مسلم(٥) ـ : جاءت سهلة بنت سهيل الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله انّى أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ( وهو حليفه ).

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ارضعيه ».

قالت : وكيف ارضعه وهو رجل كبير.

فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « قد علمت انه رجل كبير ».

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٤٣١.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٤٣٤.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٤٣٦.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٥٠٤ ، صحيح مسلم ١٠ : ٣٤.

(٥) صحيح مسلم ١٠ : ٣١ كتاب الرضاع.

٢١٤

وفي حديث آخر : « ارضعيه تحرمي عليه » فقالت : انّي قد ارضعته ، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة!!!

أقول قال النووي في شرحه : ويحتمل انّه عفى عن مسّه للحاجة ، كما خصّه مع الكبر. ونقل عن القاضي قوله : لعلّها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها.

أقول : هذا الحديث عن عائشة كذبة وقحة وفرية مستهجنة على النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ادري واضعها ـ عليه ما عليه ـ ونفس هذا الحديث في كتاب مسلم اقوى دليل على وجوب الاحتياط مع الاحاديث ، وعدم الاغترار بما اشتهر ـ شهرة كاذبة ـ من صحّة أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما ، ولا بدّ من النظر عند أخذ الاحاديث في الاسناد والقواعد وسائر الاُمور ، وكلّ من له فطرة سليمة يعرف انّ هذا الحديث ـ مع الغض عن سابقه بان الرضاعة من المجاعة ـ لعب بالدين فعله الكاذبون وروّجه البسطاء المحدّثون ، ولعائشة حديث آخر نقله مسلم ، واليك نصّه مختصراً :

( ٤٤١ ) قالت اُمّ سلمة لعائشة : انّه يدخل عليك الغلام الايفع الذي ما احب أن يدخل عليَّ فقالت عائشة أما لك في رسول الله اسوة ، ان امرأة أبي حذيفة فقال رسول الله : « ارضعيه حتى يدخل عليك »(١) .

اقول : لا ادري ما تريد عائشة من هذا الحديث ، إذ لم يكن لها لبن ، ويمكن أن يقال انّه أمرت اختها بارضاعه فتكون خالة له. وحسن ظننا بها انّ الحديث لم يصدر عنها ، بل هو مكذوب عليها.

نسيان النبي عن آيات

( ٤٤٢ ) عن عائشة : سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً يقرأ في المسجد ، فقال :

__________________

(١) صحيح مسلم ١٠ : ٣٢ كتاب الرضاع.

٢١٥

 « رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية اسقطتهنّ من سورة كذا وكذا »(١) .

أقول : هل تقبل أيّها المسلم انّ الرسول نسي آيات من سورة؟! على انّ الله يقول :( سنقرئُكَ فلا تنسى ) (٢) فهل تقبل نسيان النبي وتردّ عقلك والقرآن تصديقاً للبخاري ورواته أم تكذب الحديث تصديقاً للقرآن ومقام النبوة؟

بلوغ الابن

( ٤٤٣ ) عن ابن عمر(٣)

أقول : يظهر من الخبر انّ بلوغ الرجل بكونه ابن خمس عشرة.

القرعة

لاحظ ما ورد فيها في الباب( ٣٠ ) من كتاب الشهادة ، لكن احاديثها كغالب احاديث البخاري ناقصة.

هل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب؟

( ٤٤٤ ) عن البراء ثم قال لعلي : « امح رسول الله » قال : « لا والله لا أمحوك أبداً » فاخذ رسول الله الكتاب فكتب : « هذا ما قاضى عليه محمّد ابن عبدالله ، لا يدخل مكة سلاح إلاّ في القراب »(٤) .

أقول : اختلفت كلمات البخاري في هذه القصة كغيرها ، ولعلّ الاجماع منعقد على انّه لم يكتب سواء قلنا بقدرته عليها من جهة النبوة أم لا ، وقد صرّح البراء بانّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكتب فقال لعلي : « امح(٥) وفي كتاب : فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكتاب وليس يحسن يكتب

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٥١٢ كتاب الشهادات.

(٢) الاَعلى ٦.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٥١٢ كتاب الشهادات.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٥٢٢.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٠١٣ كتاب الجزية.

٢١٦

فكتب...!(١)

واستقصاء اختلافات احاديث البخاري في الفاظه وجملاته يحتاج الى تأليف رسالة.

ما تركناه صدقة

( ٤٤٥ ) عن عائشة ـ في حديث طويل حول مطالبة فاطمة بميراث أبيها ـ : فقال أبو بكر انّ رسول الله قال : « لا نورث ما تركناه صدقة(٢) ... »(٣) .

( ٤٤٦ ) وعن أبي هريرة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يقتسم ورثتي ديناراً ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة »(٤) .

فرحم الله أبا هريرة حيث رحم زوجاته وعاملهصلى‌الله‌عليه‌وآله باستثناء نفقتهن ومؤنة عامله من الصدقة ، ولسوء حظ فاطمة لم يوجد من يضع استثناء نفقتها من الصدقة! ومر ان عمر ارسل ابنه الى عائشة يسألها الاذن في أن يدفن في جنب رسول الله وأبي بكر ، فكأنّ الحديث نسي أو كأن غير عائشة لم يكن من أولياء الميراث.

( ٤٤٧ ) عن عيسى : أخرج الينا انس نعلين جرداوين لهما قبالان ، فحدّثني ثابت البناني بعد عن انس انّهما نعلا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

الاَجرد : البالي. القبال : الزمام الذي بين الاصبع الوسطى والتي تليها أو ما يشدّ به سير النعل كما قيل.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤٠٠٥ كتاب المغازي.

(٢) قال بعض الشيعة : انّ كلمة ما الموصولة مفعولة لقوله : « لا نورث » فمعنى الحديث : ما جعلناه صدقة لا نورثه لكنّه ـ حينئذ ـ غير مختص بهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبالانبياء ، بل يشمل جميع المكلفين ويأتي بحثه.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٩٢٦.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٦٢٤.

(٥) صحيح البخاري رقم٢٩٤٠.

٢١٧

 ( ٤٤٨ ) عن أبي بردة قال : أخرجت إلينا عائشة كساء ملبداً وقالت : في هذا نزع روح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وزاد سليمان عنه : أخرجت الينا عائشة ازاراً غليظاً مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة. ولاحظ الجزء الرابع عشر من كتاب مسلم.

( ٤٤٩ ) وعن علي بن الحسين : انّ المسور قال له : فهل انت معطي سيف رسول الله ، فانّي أخاف أن يغلبك القوم عليه...

( ٤٥٠ ) عن اسماء : انّها اخرجت جبة كسروانية فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت ، فلما قبضت قبضتها ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى ونستشفى بها. ( صحيح مسلم ).

أقول : فأين حديث كون ماله « صدقة ، وعلى فرض الميراث فكيف أخذتها عائشة وحدها حتى ورثتها اختها؟ أقول : المنصف الحر المتعمق يفهم انّ الغرض من حديث « لا نورث » هو حرمان فاطمة فقط من ميراث ابيها ، والواقع انّ حرمانها منه وجعلها وبعلها في عيشة ضيقة كان ممّا يستلزمه استحكام الخلافة في ذلك الزمان. ثم انّه مرّ في مقدّمة هذا الكتاب انّ أبا بكر أحرق خمسمائة حديث جمعها ، للشكّ في صحتها كما تخبر به بنته عائشة ، ولعلّ حديث « لا نورث » من تلك الاَحاديث التي احرقها ، وسيأتي فيما بعد صورة جديدة ومتكاملة من « لا نورث! ».

كلام حول فدك

انّ فاطمة ادّعت انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحلها فدكاً في حياته ، فلم يقبل أبو بكر قولها ، وطلب منها بيّنة ، فشهدت لها اُمّ أيمن وزوجها علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ذكر ذلك جماعة كثيرة من العلماء ، منهم

٢١٨

ابن حجر في صواعقه ( الشبهة السابعة ) ، ومنهم الفخر الرازي في تفسير الكبير ( سورة الحشر ) ، وابن تيمية ، وصاحب السيرة الحلبية ، وابن القيّم ، وغيرهم.

وبما انّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وانّها ممّن اُذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً ـ كما في الصحاح ـ قولها يفيد القطع بصدقه ومطابقته للواقع ، فلا معنى لطلب الشاهد منها ، بل لا يجوز اغضابها ، فانّ من اغضبها اغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نقله البخاري ، وهو محرّم قطعاً ، مع انّ عليّاً شهد لها ، وهو أيضاً ممّن أذهب الله عنه الرجس ، وهو مع الحق والحق معه(١) .

ولا شكّ انّ عليّاً وفاطمة لم يكونا أقلّ شأناً من جابر ، فانّه قال لمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر : من كان له على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دين أو كانت له قبله عدة فلياتنا ، قال جابر : فقلت : وعدني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعطيني هكذا وهكذا ، فبسط يديه ثلاث مرات.

قال جابر : فعدّ في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة. ( صحيح مسلم كتاب الفضائل ).

فترى أبا بكر يصدّق جابراً في دعواه بلا بيّنة ، ولا يصدّق عليّاً وفاطمة ، إلاّ أن يقال انّ استحكام خلافته يتوقّف على حرمان فاطمة وهو أهم من حقّها ، وللبحث تتمة تمرّ بك عن قريب ، فانتظر.

وهنا أمر آخر ، وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الوكالة من باب

__________________

(١) لاحظ الحديث في الملل والنحل للشهرستاني ، وتاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ، وتاريخ ابن عساكر ٣ : ١١٩ ، وكنز العمال ٥ : ٣٠ على ما نقلوا عنها.

٢١٩

المزارعة بالشطر عن ابن عمر : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، فكان يعطي أزواجه مائة وسق ، ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير ، فقسّم عمر خيبر ، فخيّر أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقطع لهنّ من الماء والارض أو يمضي لهنّ ، فمنهنّ من اختار الارض ، ومنهنّ من اختار الوسق ، وكانت عائشة قد اختارت الارض. فكيف قسّم عمر الارض على أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف حرم أولاد فاطمة ، وما هي اسباب هذا الحكم؟ ثم انّه تقدّم في مقدّمة الكتاب أنّ أبا بكر منع الناس عن احاديث رسول الله ، وقال : لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. فلماذا هو حدّث عن رسول الله ولم يرجع الى كتاب الله؟

الجمع الاول

( ٤٥١ ) عن زيد بن ثابت : نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من سورة الاَحزاب كنت اسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ بها ، فلم أجدها إلاّ مع خزيمة بن ثابت الانصاري( من المؤمنينَ رجالٌ صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه ) (١) .

( ٤٥٢ ) وعنه : فقمت فتتبّعت القرآن اجمعه من الرقاع والاكتاف والعسب وصدور الرجال ، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الانصاري لم أجدهما مع أحد غيره :( لقد جاءَكُم رسولٌ مِنْ أَنفُسِكُم عزيزٌ عليه ما عنتُمْ حريصٌ عليكُم ) الى آخرهما(٢) .

قيل : أي لم يجدهما زيد مكتوبتين مع غيره. ثم الرقاع : جمع رقعة ،

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٦٥٢.

(٢) صحيح البخاري رقم ٤٤٠٢ كتاب التفسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم

رُوي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه نظر إلى بعض الأطفال فقال: (ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم!).

فقيل: يا رسول الله، مِن آبائهم المُشركين؟

فقال: (لا، مِن آبائهم المؤمنين لا يُعلِّمونهم شيئاً مِن الفرائض، وإذا علَّموا أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرضٍ يسير مِن الدنيا، فأنا منهم بريءٌ وهُمْ مِنِّي بُرآءُ) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦١

مَن سعى تفاخراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان

كان النبي (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه ذات يوم، فنظر إلى شابٍّ ذي جَلدٍ وقوَّة وقد بكَّر يسعى.

فقالوا: ويحَ هذا! لو كان شبابه وجَلده في سبيل الله!

فقال (صلى الله عليه وآله): (لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان يسعى على نفسه ليكُفَّها عن المسألة ويُغنيها عن الناس فهو في سبيل الله.

وإنْ كان يسعى على أبوين ضعيفين و ذُرِّيَّةٍ ضعافٍ ليُغنيهم ويكُفَّيهم فهو في سبيل الله

وإنْ كان يسعى تفاخُراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٢

تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات

روى علي بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:

قال لي: (ما فعل عمر بن مسلم؟).

قلت: جُعِلت فِداك! أقبل على العبادة وترك التِّجارة.

فقال: (ويحَه، أما عَلم أنَّ تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات؟!) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٣

أنا أصبِر عن اللَّحم

روي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مَرَّ بقصَّابٍ وعنده لحمٌ سَمين.

فقال: يا أمير المؤمنين، هذا اللَّحم سمين اشترِ منه.

فقال (عليه السلام): (ليس الثمنُ حاضراً).

فقال: أنا أصبر يا أمير المؤمنين.

فقال له: (أنا أصبر عن اللَّحم) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٤

اعمل واحمل على رأسك

واستغنِ عن الناس

جاء رجلٌ إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: إنَّه لا يملك يداً سالمةً، ولا مالاً ليُتاجر به، فأبى عليه أنْ يُضيِّع عِزَّته وشرفه بذل السؤال فقال له:

(اعمل واحمل على رأسك واستغنِ عن الناس) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٥

أحسن الناس مَعاشاً

قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي: (يا عليُّ، مَن أحسن الناس معاشاً؟).

قلت: أنت - يا سيدي - أعلم به مِنِّي.

فقال (عليه السلام): (يا عليُّ، مَن حسن معاش غيره في معاشه) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٦

أسوأ حالٍ أنْ يُرى المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً

نبيُّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في حديث له، عن حالة الضلال الخطيرة هذه للمسلمين قال:

(كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفَسق شبَّانكم ولم تأمروا بمعروفٍ ولم تنهوا عن مُنكرٍ؟!).

فقيل له: ويكون ذلك - يا رسول الله ـ؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمُنكر ونهيتم عن المعروف؟!).

فقيل: يا رسول الله، ويكون ذلك؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً؟!) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٧

لا حاجة للعِباد بالمُحرَّم مِن الأشياء

بعث محمد بن سنان رسالة إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، وسأله فيها عن تصوُّر بعض المسلمين أنَّ الحلال والحلال في الإسلام لا يستند على أساس مصلحة وفساد الناس، بلْ عِبادة وطاعة الله تبارك وتعالى، فكتب إليه الإمام (عليه السلام):

(قد ضَلَّ مَن قال ذلك ضَلالاً بعيداً).

وقال (عليه السّلام) ضمن الرسالة عن مُحرَّمات الإسلام:

(ووجدنا المُحرَّم مِن الأشياء لا حاجة للعباد إليه، ووجدناه مُفسداً داعياً إلى الفَناء والهلاك) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٨

الحلال والحرام لمَصلحة العباد

يقول المفضل بن عمر: سألت الإمام الصادق (عليه السلام):

لماذا حرَّم الله تعالى الخَمر، والمِيتة، والدَّم، ولحَم الخِنزير على الناس؟

فقال (عليه السلام):

(إنَّ حرام الله وحلاله لم يكن على أساس الرَّغبة والزُّهد، ولكنَّه خَلق فعَلِم ما تقوم به أبدانهم وما يُصلِحهم؛ فأحلَّه لهم واباحه تفضُّلاً منه عليهم لمصلحتهم، وعَلِم ما يضرُّهم فنهاهم عنه وحرَّمه عليهم) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٩

ترحيب المسلمين بتحريم الخَمر

ذات يوم دعا سعد بن أبي وقَّاص أحد الأنصار، وكان قد تآخى معه فتناولا الطعام والشراب وسكر الاثنان، وهُما في حالةِ السُّكر ذكرا مَفاخر الجاهليَّة، وبالتدريج وصل الأمر بينهما إلى الشِّجار، فتناول الأنصاري عِظام فَكِ بعيرٍ كان على المائدة وضرب به وجه سعد فَشَجَّ له أنفه.

بعد هذه الحادثة نزلت آية منع الخَمر: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (المائدة: 90 - 91).

مع نزول آية التحريم زالت عادة شِرب الخَمر وصناعتها، ورحَّب الناس بهذا الأمر الإلهيِّ ترحيباً حارَّاً، وأراقوا الخمر التي في بيوتهم، وحطَّموا كوؤس الشراب، بحيث إنَّ رائحة الخَمر كانت تُشتُّم في طُرقات المدينة عِدَّة أيَّام.

عندما أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر التحريم، كان هناك شابٌّ أسرع إلى المنزل ليُخبر والديه بالخبر، وعندما وصل إلى المنزل وجد أباه مع عددٍ مِن الضيوف يتساقون الخَمر، وكان الأبّ يُقرِّبُ قدح الخمر مِن فَمهِ، فصاح فيه الابن: لا تشرب يا أبه؛ لأنَّ الله سبحانه قد حَرَّم شِرب الخَمر، فأطاع الأبّ فوراً وجمع مائدة الشراب، وهكذا فعل بقيَّة المسلمين (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٧٠

هدانا الله بأحمدَ المهديِّ النبيِّ

كان عمرو بن الجَموح سيِّداً مِن سادات بني سلمة، وشريفاً مِن أشرافهم، وكان قد اتَّخذ في داره صَنماً مِن خشب يُقال له: (مَناة) كما كانت الأشراف تصنع، تتَّخذ إلهاً تُعظِّمه وتُقدِّسه، فلمَّا أسلم فتيان مِن بني سلمة، معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجَموح، في فتيانٍ منهم مِمَّن أسلم وشَهِد العَقبة، كانوا يُدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه ويطرحونه في بعض حُفر بني سلمة - وفيها عذر الناس - مُنكَّساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلَكم! مَنْ عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

ثمَّ يغدو يتلمَّسه حتَّى إذا وجده غسله وطهَّرهُ وطيَّبه، ثمَّ قال: أما والله، لو أعلم مَن فعل هذا بك لأُخزينَّه، فإذا أمسى عمرو ونام عدوا عليه، ففعلوا به مِثل ذلك، فيغدو فيجده في مِثل ما كان فيه مِن الأذى، فيغسلهُ ويُطهِّره ويُطيِّبهُ، ثمَّ يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مِثل ذلك، فلمَّا أكثروا عليه استخرجه مِن حيث ألقوه يوماً فغسلهُ وطَهَّرهُ وطَيَّبهُ، ثمَّ جاء بسيفه فعلَّقه عليه، ثمَّ قال: إنِّي - والله - ما أعلم مَن يصنع بك ما ترى، فإنْ كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك.

فلمَّا أمسى عمرو ونام، عدوا عليه، فأخذوا السيف مِن عُنقه ثمَّ أخذوا كلباً مَيِّتاً فقرنوه به...، ثمَّ ألقوه في بئر مِن آبار بني سلمة فيها عَذر مِن عَذر الناس، ثمَّ غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتَّى وجده في تلك البئر مُنكَّساً مقروناً بكلبٍ مَيِّتٍ، فلمَّا رآه وأبصر شأنه، وكلَّمه مَن أسلم مِن قومه فأسلم برحمة الله، وحَسُنَ إسلامُهُ، فقال - حين أسلم وعرف مِن الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر مِن أمره، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مِمَّا كان فيه مِن العَمى والضلالة ـ:

٢٧١

والله لـو كـنت إلهاً لم تكنْ

أنت وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَنْ

أفٍّ لـمَلقاك إلـهاً مُـسْتَدَنْ

الآن فتَّشناك عن سوء الغَبَنْ

الـحمد لـله العليِّ ذي المِنن

الـواهب الرزَّاق ديَّان الدِّيَنْ

هـو الـذي أنـقذني مِن أنْ

أكـون في ظُلْمَةِ قَبرٍ مُرتَهَنْ

بأحمدَ المهديِّ النبيِّ المؤتَمن (1)

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٧٢

ما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتصرَّف برِفقٍ لهداية الناس، ويُذكِّرهم بالتعاليم الإصلاحيَّة بكلِّ أدبٍ ولين، وهذا العمل بحدِّ ذاته كان مِن عوامل نفوذ كلامه (صلى الله عليه وآله) في قلوب الناس.

عن هلال بن الحكم قال: لمَّا قَدِمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمت أُموراً مِن أُمور الإسلام، وكان فيما علمت، قيل لي: إذا عطست، فاحمد الله، وإذا عطس العاطس اطلب الرحمة له.

فبينا أنا في الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ عطس رجل، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: ما لكم تنظرون إليَّ بعين شَزَر؟! فسبَّح القوم فلمَّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاته، قال: (مَن المُتكلِّم؟).

قالوا: هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال:

(إنَّما الصلاة للقراءة ولذكر الله عَزَّ وجَلَّ، وإذا كنت في الصلاة فليكُن ذلك حالك). قال: فما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٣

ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فَضلٌ

كان أبو ذر الغفاري مِن الرجال الإلهيِّين، ومِن الأصحاب المُحترمين للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذات يوم زلَّ في الكلام أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) بحَقِّ بلال بن رباح الحبشي، فقال له: يا بن السوداء إشارة إلى أُمِّه.

غضب لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وألقاها في وجه أبي ذر عنيفةً مُخفية: (يا أبا ذر، طُفَّ الصَّاعُ! ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فضل).

أيْ أنْ لا يتصوَّر البِّيض أنَّهم أفضل مِن السود، بلْ إنَّ جميعهم مُتساوون وأفضلهم مَن اتَّصف بالإنسانيَّة والعلم والتقوى، وسار في طريق الفضائل لنيل الكمال اللائق به (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٤

مشورةٌ في وقتها

خالد البرمكي كان مِن أصحاب الرأي والمَشورة، وربطته مع قحطبة عَلاقات اجتماعيَّة. وقد استفاد قحطبة، خلال أيَّام حُكمه، مِن الآراء والأفكار الصائبة لخالد، ومنها:

عندما وصلت الأنباء عن استعداد ابن ضبارة لقتال قحطبة، وأنَّ جيشه عبر الحدود ودخل أراضي قحطبة، تلقَّى الأخير هذه الأنباء بقَلقٍ شديدٍ، فجهَّز خمسين ألف فارس تجهيزاً كاملاً، وتحرَّك حتَّى وصل قُرب الحدود، ولكنَّه لم يجد أثراً لجيش العدوِّ، فاطمأنَّ وأمر جنوده بالاستراحةِ في أرضٍ واسعةٍ مكشوفةٍ، وعزم على البقاء في تلك المنطقة عِدَّة أيَّام.

يقول خالد: ذات ليلة كنت جالساً في خيمتي، فإذا بغزال يُسرع فجأة نحو الخيمة خائفاً مُضطرباً، فقام مَن كان موجوداً في الخيمة للإمساكِ بالغزال، فأمرتهم أنْ يكفُّوا عن الغزال ويُسرعوا لوضع السروج على الخيول ويستعدُّوا للقتال؛ لأنَّ العدوَّ قريب مِنَّا. وأسرعتُ إلى قحطبة وقلت له: أصدر أمرك إلى الجنود ليستعدُّوا؛ فابن ضبارة وجيشه يقتربون مِنَّا. أصدر أوامره، وخرج الجنود مِن الخِيم، وأعدُّوا الخيول واستعدُّوا للقتال، ولم يطل الأمر حتَّى وصل جيش ابن ضبارة، وكان جنودنا مُستعدِّين، وفاجأوا جيش العدوِّ وهجموا عليهم، واحتدم قتال شديد، فقُتِل ابن ضبارة، وكان الانتصار الكبير مِن نصيب جيش قحطبة.

بعد انتهاء القتال سألني قحطبة: مَن أخبرك بقدوم جيش العدوِّ؟!

قلت: لم يُخبرني أحد، ولكنَّني رأيت غزالاً خائفاً في الليل يركضُ داخلاً خيمتي، وكنت أعلم أنَّ الغزال الوحشي يخاف مِن الإنسان، ولكنَّه لا يقترب منه إلاَّ في الأوقات التي يحسُّ فيها بخطر، ثمَّ إنَّ الغزال لا يترك مكانه ولا يبتعد عن

٢٧٥

تلك المنطقة مُسرعاً في ظلام الليل، علمت أنَّ وراءه جيش كبير مُخيف يتحرَّك؛ ولذا التجأ إلينا مِن خوفه.

فتعجَّب قحطبة لذكاء خالد وسُرعة فَهمِهِ؛ فأثنى عليه كثيراً ومنحه الجوائز والعطايا وقرَّبَهُ إليه (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٦

مَن يبخل بفضله يُستغَن عنه ويُذمَّ

كان هناك رجل قويٌّ حُكم منطقةً واسعةً مِن الهند، وكان مولعاً بجمع المال والثروة، مُعتقداً أنَّ الغِنى يعني القوَّة؛ ولذا يُحبُّ أنْ يسعى كثيراً ليزيد مِن ثروته، فيزيد بهذه الطريقة قُدرته وقوَّته.

كان لهذا الحاكم وزير عاقل وذكيٌّ مُخالف لطريقته، فكان يستغلُّ كلَّ فرصة تسنح لينصح الحاكم في أنْ يُعطي مِن ثروته للناس؛ ليكسب قلوبهم ويبعث فيهم السرور، ويجذب إلى نفسه الأنظار، فكان يقول له: ضَحِّ بشيءٍ مِن ثروتك؛ كي لا يتمرَّد عليك الجيش ويسوء حاله، فالمال لا يخلق الرجال ولكنْ بإمكان الرجل أنْ يحصل على الكثير مِن المال.

ورغم أنَّ الوزير عَلِم أنَّ الحاكم قد أغاظه تكرار نصحه، لكنَّه لم يكفَّ عن أداء واجبه واستمرَّ في تقديم نصائحه.

وذات يوم أصرَّ الوزير أكثر مِن الأيَّام السابقة على نصائحه، وبدون أنْ يُجيب الحاكم على الوزير أمر بإحضار قدح مِن العَسل، ثمَّ وضعه أمام الوزير، ولم يمضِ وقت طويل حتَّى اجتمع ذُباب كثير على العَسل، بعد أنْ شاهد الوزير ذلك طلب الإذن بالانصراف، وخرج مِن المجلس وهو يقول في نفسه: لقد عرفت ما يقصده الحاكم، فقد أراد إفهامي أنَّ الذهب كالعسل، فكما يجتمع الذُّباب على العسل، يجتمع الناس بوجود الذهب، ولهذا السبب بادرتُ إلى جمع الثروة.

وصبر الوزير حتَّى المساء، وعندما أرخى الليل سدوله مَلأ قدحاً بالعسل وأخذه إلى بيت الحاكم، وطلب اللقاء به لأمرٍ مُهمِّ، فَسُمِح له، ومَثُلَ أمام الحاكم ووضع قدح العسل أمامه على الأرض، وجلس هو على جانب في صمت وبما أنَّ الوقت كان ليلاً، لم تقترب ذُبابة واحدة مِن العسل، وبعد ساعةٍ تحدَّث الوزير

٢٧٧

وقال: أيُّها الحاكم الكبير، إنَّ الناس يأتون لأخذ الذهب عندما يُعطى لهم، تماماً مِثل الذُّباب عندما يجتمع على العسل في النهار، أمَّا في غير وقتهِ فلا يوجد مَن يهتمُّ بالذهب تماماً، مِثل هذا الليل المُظلم لا توجد ذُبابة واحدة تحطُّ على العسل.

اهتزَّ الحاكم بشِدَّة لكلام الوزير الذكي، وانتبه لنفسه، وما كان منه إلاَّ أنْ أثنى عليه واستحسنه، وشمله بعطفه وعنايته الخاصَّة. بعد ذلك سلك الحاكم أُسلوباً جديداً، إذ بدأ يبذل ثروته في سبيل رفاه الناس وتحسين معيشة جنوده وموظَّفيه، وهكذا اكتسب قلوب الناس ومحبَّتهم له (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٨

التحرُّز عن الزَّلل والخطأ أمام الأعداء

كان هناك رجل يُدعى جميل يعمل كاتباً لسنواتٍ طويلة في بلاطِ الساسانيِّين، وقد أدرك عصر الإمام علي (عليه السلام)، وفي زمن خلافته (عليه السلام) كان جميل قد بلغ أرذل العمر وعندما عاد أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن النهروان، وسأل عن حال جميل أخبروه أنَّه لا زال على قيد الحياة، فأمر بإحضاره، وعند مثوله بين يدي الإمام علي (عليه السلام)، وجده الإمامُ (عليه السلام) يحتفظ بذكائِهِ، ولم يفقد إلاَّ بصره فسأله (عليه السلام): (كيف ينبغي للإنسانِ - يا جميل - أنْ يكون؟).

قال: يجب أنْ يكون قليل الصديق كثير العدوِّ.

ـ (أحسنتَ يا جميل، فقد أجمع الناس على أنَّ كثرة الأصدقاء أولى).

فقال: ليس الأمر على ما ظنُّوا؛ فإنَّ الأصدقاء إذا كُلِّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب وينبغي.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قد امتحنت هذا فوجدته صواباً. فما منفعة كثرة الأعداء؟).

قال: إنَّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان مُتحرِّزاً أنْ ينطق بما يؤاخَذ عليه، أو تبدر منه زَلَّة يؤاخَذ عليها، فيبقى على هذه الحالة سليماً مِن الخطايا والزَّلل. فاستحسن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٩

كفرتْ بأنعُم الله فأذاقها لِبَاس الجُوع والخَوف

كانت الخيزران أُمُّ الهادي والرشيد في دارها المعروفة اليوم بأشناس، وعندها أُمَّهات أولاد الخُلفاء وغيرهنَّ مِن بنات بني هاشم، وهي على بساطٍ أرمنيٍّ وهُنَّ على نمارق أرمنيَّة، وزينب بنت سليمان بن علي أعلاهُنَّ مرتبة، فبينا هُنَّ كذلك إذ دخل خادم لها فقال:

بالباب امرأة ذات حُسنٍ وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، تأبى أنْ تُخبر باسمها وشأنها غيركنَّ، وتروم الدخول عليكنَّ، وقد كان المهدي تقدَّم إلى الخيزران بأنْ تَلزم زينب بنت سليمان بن علي، وقال لها: اقتبسي مِن آدابها، وخُذي مِن أخلاقها؛ فإنَّها عجوز لنا قد أدركت أوائلنا، فقالت الخيزران للخادم: ائذَن لها، فدخلت امرأة ذات بَهاء وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، فتكلَّمت فأوضحت عن بيان، قالوا لها: مَن أنت؟ قالت: أنا مُزنَة امرأة مروان بن محمد، وقد أصارني الدهر إلى ما تَرَيْنَ. ووالله، ما لأطمار الرثَّة التي عليَّ إلاَّ عارية، وإنَّكم لمَّا غلبتمونا على هذا الأمر وصار لكم دوننا، لم نأمَن مِن مُخالطة العامَّة على ما نحن فيه مِن الضرر على بادرة إلينا ذيل موضع الشرف، فقصدناكم لنكون في حِجابكم على أيَّة حالة كانت، حتَّى تأتي دعوة مِن له الدعوة، فاغرورقت عَيْنَا الخيزران ونظرت إليها زينب بنت سليمان بن علي، فقالت لها: لا خفّف الله عنك يا مزنة، أتذكرين وقد دخلت عليك بحرَّان وأنت على هذا البساط بعينه، ونساء قرابتكم على هذه النمارق، فكلَّمتك في جثّة إبراهيم الإمام، فانتهرتيني وأمرت بإخراجي، وقلت: ما للنساء والدخول على الرجال في آرائهم؟! فوالله، لقد كان مروان أرعى للحَقِّ منك؛ لقد دخلت إليه فحلف أنَّه ما قتله، وهو كاذب، وخيَّرني بين أنْ يدفنه أو يدفع إليَّ جُثَّته وعرض عليَّ مالاً فلم أقبله.

فقالت مزنة: والله، ما نظنُّ هذا الحالة أدَّتني إلى ما ترينه إلاّ بالفِعال التي كانت منِّي وكأنَّكِ استحسنتِه، فحرَّضت الخيزران على فعل مثله، إنَّما كان يجب أنْ تُحضيها على فعل الخير

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561