نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة10%

نظرة عابرة الى الصحاح الستة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 561

نظرة عابرة الى الصحاح الستة
  • البداية
  • السابق
  • 561 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267664 / تحميل: 8640
الحجم الحجم الحجم
نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

مؤلّفه محمّد بن عيسى بن سورة ، أبو عيسى ، المولود في قرية بوغ من ترمذ على نهر جيحون سنة ٢٠٩ ، وتوفّى فيها سنة ٢٧٩هـ ، وقد سمع من البخاري وغيره.

النسخة الموجوة عندي ما قام بطبعها ونشرها مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض ، وعلّق عليها وصححها محمّد ناصر الدين الاَلباني ، وهي في ثلاثة أجزاء ، وبلغت أحاديثه كلّها إلى ٤٢٣٤ ، لكن المصحِّح لم يذكر أحاديثه الضعاف واختصر على الصحاح منها وهي ٣١٠١ حديثاً. ولاَجله سمّاه صحيح سنن الترمذي.

عاشوراء

( ٨٦١ ) عن الحكم : انتهيت إلى ابن عباس فقلت : اخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم اصبح من يوم التاسع صائماً.

قال : قلت : أهكذا يصومه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : نعم(١) .

( ٨٦٢ ) وعن ابن عباس قال : أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصوم عاشوراء يوم العاشر(٢) .

التمتع

( ٨٦٣ ) عن سالم بن عبدالله : سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ١ : ٢٢٨.

(٢) صحيح جامع الترمذي ١ : ٢٢٩.

٤٢١

عبدالله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبدالله بن عمر : هي حلال.

فقال الشامي : انّ أباك قد نهى عنها.

فقال عبدالله بن عمر : أرايت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبي يُتّبع أم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال الرجل : بل أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال : قد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

معاوية واستلام الاركان

( ٨٦٤ ) عن أبي الطفيل : كنّا مع ابن عباس ، ومعاوية لا يمر بركن إلاّ استلمه ، فقال ابن عباس : انّ النبي لم يكن استلم إلاّ الحجر الاسود والركن اليماني ، فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجوراً(٢) .

بعثة علي

( ٨٦٥ ) عن زيد بن اثيع قال : سألت عليّاً بأي شيء بعثت؟ قال بأربع : ألاّ يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا ، ومن كان بينه وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فعهده إلى مدته ، ومن لا مدة له فأربعة أشهر(٣) .

في القود

( ٨٦٦ ) عن عمر ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يقاد الوالد بالولد ».

ورواه ابن عباس بلفظ : « لا يقتل »(٤) .

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ١ : ٢٤٧.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٢٥٦.

(٣) صحيح جامع الترمذي ١ : ٢٥٩.

(٤) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٥٧.

٤٢٢

الاعتراض على علي

( ٨٦٧ ) عن عكرمة : انّ عليّاً حرق قوماً ارتدوا عن الاسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت انا لقتلتهم بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من بدل دينه فاقتلوه » ولم اكن لاَحرقهم؛ لانّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تعذّبوا بعذاب الله ».

فبلغ ذلك عليّاً فقال : صدق ابن عباس(١) .

أقول : عكرمة ينقل فعل علي وقوله مرسلاً فلا عبرة به ، على انّه ضعيف غير ثقة ، ويضاف إلى ذلك انّ ابن عباس تلميذ علي وتابع له ولا شكّ انّ عليّاً أعلم منه بالشريعة ، فالرواية موضوعة ، والواقع انّه لم يثبت احراق علي المرتدين بل قتلهم بدخان النار ، وقد تقدّم أيضاً ما يتعلّق بذلك ، ولم يصدّقه علي ، وهذه امارة أخرى على كذب ما في الخبر.

الامر بالاحراق ونسخه

( ٨٦٨ ) عن أبي هريرة : « ان وجدتم فلاناً وفلاناً ـ لرجلين من قريش ـ فاحرقوهما بالنار » ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين اردنا الخروج : « انّي كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار وانّ النار لا يعذب بها إلاّ الله ، فان وجدتموهما فاقتلوهما »(٢) .

أقول : حتّى إن قلنا بجواز النسخ قبل العمل لا نصدق أبا هريرة في قوله هذا ، فانّه يدلّ على جهالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو غفلته عن الاَحكام الشرعية وهي باطلة.

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٧٧.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٢ : ١١١.

٤٢٣

نجاسة آنية المجوس وأهل الكتاب

لاحظ ما ورد فيها في : ج٢ : ١٠٧.

الاختصاص وعدمه

( ٨٦٩ ) عن ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبداً مأموراً ما اختصّنا دون الناس بشيء إلاّ بثلاثة : أمرنا أن نسبغ الوضوء ، وأن لا نأكل الصدقة ، وأن لا ننزي حماراً على فرس(١) .

أقول ليس هذه الامور ممّا اختص به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بني هاشم وبني عباس ، ووجهه ظاهر حتّى في الثاني ، فانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخصّهم به وان كان هم مورد الحكم ، والمظنون انّ الرواية موضوعة وضعها من وضعها لغرض آخر غير خفي على المتضلّع.

طريفة

( ٨٧٠ ) عن عائشة : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل طعاماً في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين!!، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما انّه لو سمّى لكفاكم!! »(٢) .

الشرب قائماً

الاَحاديث فيه متضاربة ، يكشف تضاربها عن بطلان بعضها.

الحجامة

( ٨٧١ ) عن ابن مسعود قال : حدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة اُسري به ،

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٢ : ١٣٩.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٢ : ١٦٧.

٤٢٤

انّه لم يمرّ على ملاَ من الملائكة إلاّ أمروا أن مر اُمّتك بالحجامة(١) .

تأثير السلطات على الرواة والاَحاديث

( ٨٧٢ ) عن زياد : كنت مع أبي بكرة تحت منبر أبي عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق ، فقال أبو بلال : انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق.

فقال أبو بكرة : اسكت سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من أهان سلطان الله في الاَرض أهانه الله »(٢) .

فجعلوا الظالمين من سلطان الله!! والمستفاد من روايات أبي بكرة انّه يكذب ويضع للسلطة الاموية وغيرها ، فلاحظ.

مدة الخلافة

( ٨٧٣ ) عن سفينة ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الخلافة في اُمّتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك ». المصدر.

ولاية المرأة

( ٨٧٤ ) عن أبي بكرة قال عصمني الله بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّ هلك كسرى قال : « من استخلفوا؟ ».

قالوا : ابنته؟

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ».

فلمّا قدمت عائشة ( يعني البصرة ) ذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فعصمني الله به.

أقول : نقول لاَبي بكرة فلِمَ لم تعن عليّاً؟! على انّ عائشة قد ولت مقداراً من أمر الاُمّة بجعل أقاويلها أحاديث واجبة القبول!

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٢٠٤.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٢٤٥.

٤٢٥

اهانة النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله

( ٨٧٥ ) عن أبي ذر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لوددت انّي كنت شجرة تعضد »(١) .

أقول : هل يمكن أن يتفوّه به من أرسله الله رحمة للعالمين؟ فاقض ما أنت قاض.

تحول أبي هريرة

( ٨٧٦ ) عن محمّد بن سيرين قال : كنّا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان ، فمخط في احدهما ثم قال : بخ بخ يتمخّط أبو هريرة في الكتان! لقد رأيتني وانّي لاَخرّ فيما بين منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحجرة عائشة من الجوع مغشيّاً عليَّ ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يرى انّ بي الجنون ، وما بي جنون ، وما هو إلاّ الجوع(٢) .

لا تمانع بين الاَسباب

( ٨٧٧ ) عن انس : قال رجل يا رسول الله أعقلها وأتوكّل أو اطلقها وأتوكّل؟ قال : « أعقلها وتوكّل ».

اقول : الاَسباب المادية في طول العلل المعنوية لا في عرضها ، فلا تمانع بينهما كما توهّمه كثير من علماء الاَديان وكثير من الماديين أو كلّهم.

تمثيلة لاَبي هريرة!

( ٨٧٨ ) عنه ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ضرس الكافر يوم القيامة مثل اُحد ، وفخذه مثل البيضاء ، ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة »(٣) .

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٢٦٨.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٢٧٧.

(٣) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٣٢١.

٤٢٦

قيل : يعني به كما بين المدينة والربذة ، والبيضاء جبل.

( ٨٧٩ ) وعنه ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً ، وانّ ضرسه مثل اُحد ، وانّ مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة ». المصدر.

أقول : وليته حدّ تمام أعضائه ، فانّه نعمت التمثيلية! لكنّه لا يحفظ ابداعاته فيتناقض فيها كما تراه في الحديثين ـ أو القولين ـ المذكورين!

الايمان والجنة والنار

( ٨٨٠ ) عن عبادة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله حرّم الله عليه النار ».

( ٨٨١ ) وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال لا إله إلاّ الله دخل الجنة »(١) .

قيل : انّه في صدر الاسلام فنسخ.

وقيل : انّ الموحّد يدخل الجنة قطعاً ولو بعد دخوله النار ، لكنّه لا يجري في الحديث الاَول.

قلت : انّ الايمان بنفسه يقتضي دخول الجنة وحرمان النار ، إلاّ أن يمنع عنه مانع كالمعاصي الموبقة غير المقرونة بالتوبة أو الشفاعة أو العفو.

اختصاص واستثناء

( ٨٨٢ ) عن علي بن أبي طالب انّه قال : يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ، اسمّيه محمّداً أو اكنيه بكنيتك؟ قال : « نعم »(٢) .

( ٨٨٣ ) وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تكنّوا بكنيتي ». المصدر.

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٣٣٣.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٢ : ٣٧٣.

٤٢٧

حول آخر سورة البقرة

( ٨٨٤ ) عن النعمان ، عنه : « انّ الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والارض بألفي عام ، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة »(١) .

أقول : لا يبعد كون الحديث مجعولاً ، فانّ الآيتين المذكورتين لا تناسب القبلية المذكورة فيه ، فلاحظ.

طينة الانسان

( ٨٨٥ ) عن أبي موسى : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الاَرض ، فجاء بنو آدم على قدر الارض ، فجاء منهم الاَحمر والاَبيض والاَسود وبين ذلك ، والسهل والحزن والخبيث والطيب »(٢) .

أبو سفيان

( ٨٨٦ ) عن عبدالله بن عمر : قال رسول الله يوم اُحد : اللّهمّ العن أبا سفيان ، اللّهمّ العن الحارث بن هشام ، اللّهمّ العن صفوان بن اُميّة ».

قال : فنزلت :( ليس لكَ مِنَ الاَمر شيءٌ أو يتوبَ عليهم ) (٣) فتاب عليهم ، فأسلموا فحسن اسلامهم(٤) .

أقول : أي دليل على حسن اسلام أبي سفيان ، فما ذكره ابن عمر غير مقبول. وقد تقدّم في أواخر المقصد الثاني ما يدلّ على أنّ جمعاً من الصحابة كانوا يعتقدون فيه انّه عدو الله ، ويظهر منه رضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باعتقادهم ، فراجع.

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٤.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٠.

(٣) آل عمران ٣ : ١٢٨.

(٤) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٣٣.

٤٢٨

افتراء على علي

( ٨٨٧ ) عن علي : صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منا ، وحضرت الصلاة فقدّموني فقرأت : قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، فانزل الله :( يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سُكارى حتّى تعلموا ما تقولون ) (١) (٢) .

أقول : علي لم يشرب الخمر قبل تحريمه ، ولم يعبد صنماً طيلة حياته ، فكيف يقول في حال سكره ( ان فرض صحته ) نعبد ما تعبدون؟ فانّ السكران يتكلّم بما هو مركوز في ذهنه.

الفرية العظيمة

( ٨٨٨ ) عن عائشة : ثلاث من تكلّم بواحدة فقد أعظم الفرية على الله : من زعم أنّ محمّداً رأى رِبّه فقد أعظم الفرية على الله ، والله يقول :( لا تدركه الاَبصار ) (٣) ... ومن زعم أنّ محمّداً كتم شيئاً ممّا أنزل الله عليهم يقول الله :( يا أيّها الرسول بلغ ما أُنزل اليك من ربّك ) (٤) ، ومن زعم انّه يعلم ما في غد والله يقول :( لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلاّ الله ) (٥) (٦) .

فرية أُخرى

( ٨٨٩ ) عن أُبي بن كعب ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الغلام الذي قتله

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٣٩.

(٣) الانعام ٦ : ١٠٣.

(٤) المائدة ٥ : ٦٧.

(٥) النمل ٢٧|٦٥.

(٦) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٣٩.

٤٢٩

الخضر طبع يوم طبع كافراً »(١) .

أقول : مرّ أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة ، وانّ الكفر من التربية الباطلة.

حليّة الاَزواج لهصلى‌الله‌عليه‌وآله

( ٨٩٠ ) عن عائشة قالت : ما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى اُحلَّ له النساء(٢) .

أقول : بل في أحاديث الشيعة الاِمامية انّه لم يحرم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله سوى محارمه من الاَول ، والاحسن ردّ هذه الاَحاديث إلى من صدر عنه ، فانّ ظاهر القرآن الكريم هو تحريم النساء عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حين من حياته ولم يثبت رفعه بدليل معتبر ، فالاَعتماد على اطلاق القرآن الكريم.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله راى الله تعالى في نومه

( ٨٩١ ) عن ابن عباس : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتاني الليلة ربّي تبارك وتعالى في أحسن صورة ـ قال احسبه قال في المنام ـ فقال : يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملاَ الاَعلى؟ قلت : لا ، قال : فوضع يده بين كتفي حتّى وجدت بردها بين ثديي »(٣) .

ورواه معاذ بن جبل أيضاً بالفاظ مغايرة. وسبحان الله الذي ليس كمثله شيء.

خصومة القيامة

( ٨٩٢ ) عن الزبير قال : لمّا نزلت :( ثم انَكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون ) (٤) قال : يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٧٣.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٩٣.

(٣) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٩٨.

(٤) الزمر ٣٩ ـ ٣١.

٤٣٠

في الدنيا؟

قال : ( نعم ).

فقال انّ الاَمر اذن لشديد(١) .

أقول : فنشاهد خصومة علي وخصمائه هناك انّ صح الحديث.

رجال من فارس

( ٨٩٣ ) عن أبي هريرة : تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية :( وإن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (٢) ، قالوا : ومن يستبدل بنا؟

قال : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على منكب سلمان ثم قال : « هذا وقومه ».

وفي حديث آخر : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخذ سلمان وقال : « هذا واصحابه ، والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس »(٣) .

( ٨٩٤ ) وعنه : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين اُنزلت الجمعة فتلاها فلمّا بلغ :( وآخرين منهم لمّا يحلقوا بهم ) (٤) ، قال له رجل : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على سلمان فقال : « والذي نفسي بيده لو كان الايمان بالثريا لتناوله رجال من فارس »(٥) .

مرّ انّه لو ثبت نزول سورة الجمعة قبل غزوة خيبر بان كذب أبي هريرة ، فانّه التحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الغزوة.

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٩٩.

(٢) محمّد ٤٧ : ٣٨.

(٣) صحيح جامع الترمذي ٣ : ١٠٥.

(٤) الجمعة ٦٣ : ٣.

(٥) صحيح جامع الترمذي ٣ : ١١٨.

٤٣١

حلّيّة الغناء وضرب الدف

( ٨٩٥ ) عن بريدة : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض مغازيه ، فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله ، انّي كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أنّ أضرب بين يديك بالدف وأتغنّى ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان كنت نذرت فاضربي وإلاّ فلا! ».

فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر ، فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الشيطان ليخاف منك يا عمر »(١) .

أقول : من هذا الحديث الصحيح! يعلم انّ المحرمات تحلل بوسيلة النذر ، فنعم الطريق للفساق مبروك لهم ، ثم انّ الشيطان لا يخاف من النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ، وانّما يخاف من عمر وحده!

العشرة المبشرة

( ٨٩٦ ) عن عبد الرحمن بن عوف : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة »(٢) .

قال المحشي : مع العلم بانّ الذين بشّرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة كثيرون.

( ٨٩٧ ) وقريب منه ما نقل عن سعيد بن زيد ، وقد تقدّم عنه ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكان أبي عبيدة! وقد نقله الترمذي أيضاً(٣) .

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٠٦.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢١٨.

(٣) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٢١.

٤٣٢

ويعارضه في الزبير وطلحة ما رواه مسلم ( كتاب الفتن ) عن الاحنف ابن قيس قال : ذهبت لاَنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال : اين تريد؟

قلت : أنصر هذا الرجل.

قال : ارجع ، فانّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار » فقلت : يارسول الله هذا القاتل فيما بال المقتول.

قال : انّه كان حريصاً على قتل صاحبه. أقول ولاحظ ص٥٠٤ من هذا الكتاب أيضاً.

عمّار بن ياسر

( ٨٩٨ ) عن علي : جاء عمّار بن ياسر يستأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ائذنوا له ، مرحباً بالطيِّب المطيَّب »(١) .

( ٨٩٩ ) عن أبي هريرة : « ابشر يا عمار تقتلك الفئة الباغية »(٢) .

( ٩٠٠ ) عن حذيفة : فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي ـ واشار إلى أبي بكر وعمر ـ واهتدوا بهدي عمّار ، وما حدَّثكم ابن مسعود فصدّقوه.

البركة لاَبي هريرة

( ٩٠١ ) عن أبي هريرة : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بتمرات فقلت : يا رسول الله ادعُ الله فيهنَّ بالبركة ، فضمَّهنّ ثم دعا لي بالبركة ، فقال لي : « خذهنَّ فاجعلهنَّ في مِزودَك هذا! كلمّا أردت أن تأخذ منه شيئاً فادخل يدك فيه فخذه ولا تنشره نشراً ، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق! في سبيل الله! وكنّا نأكل منه ونطعم ، وكان لا يُفارق حِقوي! حتّى كان يوم قتل

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٢٨.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٢٩.

٤٣٣

عثمان فانّه انقطع(١) !

أقول : وقال بعضهم عنه :

للناس همّ ولي في الناس همّان

هم الجراب وقتل الشيخ عثمان!

معاوية

( ٩٠٢ ) عن عبدالرحمن بن أبي عميرة ـ وكان من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال لمعاوية : « اللهم اجعله هادياً مهدياً »(٢) .

أقول : عبد الرحمن كان من الصحابة أو لم يكن لا شكّ عند كلّ منصف أنّ معاوية ظلَّ ضالاً مضّلاً ، فيفهم كذب الحديث على رسول الله الصادق الحكيمصلى‌الله‌عليه‌وآله القائل له ولاَصحابه : « الفئة الباغية الداعية إلى النار ».

بحث توضيحي

قد سبق بعض ما يتعلّق بمعاوية الذي حارب عليّاً وغصب الخلافة من الحسن السبط قهراً وحيلة ، وأسس مملكة الامويين بالشام ، وأطعم الاُجراء في جعل الاَحاديث ، واليك نقل بعضها على سبيل الاختصار :

١ ـ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللّهم علّمه الكتاب والحساب ، وقه العذاب ، وادخله الجنة ».

٢ ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليكم بالشام ، فانّها خيرة الله من ارضه يجتبى اليها خيرته من عباده ، انّ الله قد توكل بالشام وأهله ».

٣ ـ وعنه :صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الشام صفوة الله في بلاده يجتبى اليها صفوته من عباده ، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ، ومن دخلها من غيرها فبرحمته ».

٤ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : « الخلافة بالمدينة ، والملك بالشام ».

__________________

(١) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٣٥.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٣٦.

٤٣٤

٥ ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ستفتح عليكم الشام ، فاذا خيرّتم المنازل فعليكم بمدينة يقال لها دمشق ـ وهي حاضرة الامويين ـ فانّها معقل المسلمين في الملاحم ».

٦ ـ عن أبي هريرة مروّج النظام الاموي ، رفعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أربع مدائن من مدائن الجنة : مكة ، والمدينة ، وبيت المقدس ، ودمشق ».

ولكن عن اسحاق بن راهويه شيخ البخاري : انّه لم يصح في فضائل معاوية شيء ، ولعلّه لاَجله ذكر البخاري : باب ذكر معاوية ولم يورد فيه حديثاً في حقّه ، وإنّما نقل عن ابن عباس : انّه صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانّه فقيه ، مع انّك عرفت فقهه فيما مضى!

وعن ابن الجوزي انّه اخرج من طريق ابن عبدالله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي ما تقول في عليّ ومعاوية؟ فاطرق ثم قال : اعلم أنّ عليّاً كان كثير الاَعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيداً منهم لعليّ(١) وقد اشتهر انّه سئل النسائي ـ وهو بدمشق ـ عن فضائل معاوية ، فقال : ألا يرضى رأساً برأس حتّى يفضّل؟! وله قصة معروفة

وعن ابن حجر في فتح الباري وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد(٢) .

أقول : لكن صح من طريق الدينار.

كتاب معاوية وحديثه

عن الواقدي ـ كما عن شرح نهج البلاغة(٣) : انّ معاوية لمّا عاد من العراق

__________________

(١) فتح الباري ٧ : ٨٣.

(٢) فتح الباري ٧ : ٨٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ٣٦١.

٤٣٥

إلى الشام بعد بيعة الحسن سنة ٤١ هـ خطب فقال : أيّها الناس ، انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « انّك ستلي الخلافة من بعدي! فاختر الارض المقدسة فانّ فيها الاَبدال » وقد أخبرتكم ، فالعنوا أبا تراب.

فلمّا كان من الغد كتب كتاباً ثم جمعهم فقرأ عليهم وفيه : هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين صاحب وحي الله الذي بعث محمّداً نبياً وكان أُميّاً لا يقرأ ولا يكتب ، فاصطفى له من أهله وزيراً كاتباً أميناً ، فكان الوحي ينزل على محمّد وأنا اكتبه وهو لا يعلم ما اكتب ، فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه.

فقال الحاضرون : صدقت!!

يقول أبو ريّه في كتاب الاضواء بعد نقل هذا الكلام(١) : لم يكن معاوية في كتّاب الوحي ، ولاخطّ بقلمه لفظة واحدة من القرآن.

فاطمة في صحيح جامع الترمذي

( ٩٠٣ ) عن المسور بن مخرمة قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو على المنبر : « انّ بني هشام فانّها بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها »(٢) .

( ٩٠٤ ) وعن ابن الزبير فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها »(٣) .

( ٩٠٥ ) عن انس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون »(٤) .

__________________

(١) اضواء على السنة المحمديّة : ١٣٠.

(٢) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٤١.

(٣) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٤ وفيه روايتان اخريتان في حقها.

(٤) صحيح جامع الترمذي ٣ : ٢٤٤.

٤٣٦

المقصد الخامس

في أحاديث سنن النسائي

٤٣٧
٤٣٨

ويظهر من ذكر الارقام في بعض نسخها المطبوعة انّ عدد أحاديثها بمكرراتها ٥٧٦٤ حديثاً ، واسم مؤلفه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان ، ولد سنة ٢١٤ أو ٢١٥هـ في بلدة نساء من خراسان ، وكان مقيماً بمصر ، ومات سنة ٣٠٣.

وعن الذهبي : سئل بدمشق عن فضائل معاوية فقال : ألا يرضى رأساً برأس حتّى يفضّل؟! قال : فما زالوا يدفعونه حتّى اخرج من المسجد ، ثم حمل إلى مكّة فتوفى بها. وقيل : وصوابه إلى الرملة.

ونقل انّه قال : دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير ، فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله.

وقيل : وروايات النسائي تختلف اختلافاً كثيراً ، والذي عدّ من الاصول الخمسة هو المجتبى المعروف بسنن النسائي الصغير.

وأعلم انّي لا أتعرض لكلّ ما هو قابل للتعرض بل لبعضها ، ولا أذكر ما تعرّضنا له في ما سبق عليه من الكتب ( البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ) إلاّ نادراً ، والله الموفق.

والنسخة الموجودة عندي منه ما طبعها دار الكتاب العربي بيروت ، مع شرح جلال الدين السيوطي وحاشية الامام السندي. في ثمانية أجزاء.

هل يجب الوضوء ممّا غيرت النار؟

الروايات المذكورة فيه متعارضة متضاربة(١) .

__________________

(١) انظر سنن النسائي ١ : ١٠٥ ـ ١٠٨.

٤٣٩

الخليفة لا يرضي بالتيمم

( ٩٠٦ ) عن أبزي : انّ رجلاً اتى عمر فقال : انّي اجنبت فلم أجد الماء ، قال عمر : لا تصلّ!

فقال عمّار بن ياسر : يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ أنا وانت في سرية فاجنبنا فلم نجد الماء ، فأمّا انت فلم تصلّ ، وأمّا أنا فقال عمر نوليك ما تولي(١) .

أقول : الخليفة رضي الله عنه مع هذا الحديث وتشريع القرآن وعمل المسلمين لا يرضى بالتيمم بل يترك الصلاة عند فقد الماء ويفتي به أيضاً ، والله يعلم كم ترك الصلاة في اسفاره ، وللمخطئ أجر واحد.

وفي حديث آخر : قال له رجل : ربّما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء ، فقال عمر : أمّا أنا فاذا لم أجد الماء لم أكن لاَصلّي حتّى أجد الماء.

التعارض في التيمم

( ٩٠٧ ) وعنه : ثم مسح بهما وجهه وكفيه(٢) .

( ٩٠٨ ) وعن عمّار : فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب.

وفي سند آخر : بعض ذراعيه.

في التيمم أيضاً

( ٩٠٩ ) وعنه انّ رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن التيمم فلم يدر ما يقول ، فقال عمّار : ونفخ في يديه ومسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة(٣) .

__________________

(١) سنن النسائي ١ : ١٦٦.

(٢) سنن النسائي ١ : ١٦٦ وكذا في سائر الكتب.

(٣) سنن النسائي ١ : ١٦٩.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561