إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555

إعلام الورى بأعلام الهدى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف: ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555
المشاهدات: 128700
تحميل: 10077


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 555 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128700 / تحميل: 10077
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-319-010-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فزوّجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على اثنتي عشرة أوقيّة ونشّ(1) ودفع إليه درعه ، فقال له رسول الله : «هيّىء منزلاً حتّى تحوّل فاطمة إليه».

فقالعليه‌السلام : «يا رسول الله ما ههنا منزل إلاّ منزل حارثة بن النعمان».

وكان لفاطمة يوم بنى بها أمير المؤمنينعليه‌السلام تسع سنين.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والله لقد استحيينا من حارثة ، قد أخذنا عامّة منازله».

فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أنا ومالي لله ولرسوله ، والله ما شيء أحبّ إليّ ممّا تأخذه ، والذي تأخذه أحبّ إليّ ممّا تترك. فجزاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيراً.

فحوّلت فاطمةعليها‌السلام إلى عليّعليه‌السلام في منزل حارثة ، وكان فراشهما إهاب كبش جعلا صوفه تحت جنوبهما(2) .

قال : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي إلى بيت المقدس مدّة مقامه بمكّة وفي هجرته حتّى أتى له سبعة أشهر(3) ، فلمّا أتى له سبعة أشهر عيّرته اليهود وقالوا له : أنت تابع لنا تصلّي إلى قبلتنا ونحن أقدم منك في الصلاة. فاغتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك وأحبّ

__________________

(1) النش : عشرون درهماً ، وهو نصف أوقية. «الصحاح ــ نشش ــ 3 : 1021».

(2) انظر : الطبقات الكبرى 8 : 19 ــ 23 ، ذخائر العقبى : 29 ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 112.

(3) اُختلف في تاريخ تحويل القبلة إلى الكعبة ، فمنهم من روى سبعة اشهر بعد مهاجرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ومنهم من قال : سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة ، ومنهم من قال : تسعة اشهر أو عشرة اشهر ، وقيل : بسنة ونصف. اُنظر : مجمع البيان 1 : 223 ، سيرة ابن هشام 2 : 198 تاريخ اليعقوبي 2 : 42.

١٦١

أن يحوّل قبلته إلى الكعبة ، فخرج في جوف الليل ونظر إلى آفاق السماء ينتظر أمر الله ، وخرج في ذلك اليوم إلى مسجد بني سالم الذي جمّع فيه أوّل جمعة كانت بالمدينة ، وصلّى بهم الظهر هناك بركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، ونزل عليه :( قد نرى تقلُّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها ) الآيات(1) (2) .

ثمّ نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية القتال واُذن له في محاربة قريش ، وهي قوله :( اُذن للّذين يُقاتلُون بأنّهُم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقديرٌ *الّذين اُخرجُوا من ديارهم بغير حقّ إلاّ أن يقُولُوا ربُّنا الله ) الآية(3) (4) .

__________________

(1) البقرة 2 : 144.

(2) انظر : من لا يحضره الفقيه 1 : 178 / 843 ، ومجمع البيان 1 : 223 ، وتفسير الطبري 2 : 13 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 113.

(3) الحج 22 : 39 ــ 40.

(4) انظر : مجمع البيان 4 : 87 ، وتفسير الطبري 17 : 123 ، وأسباب النزول للواحدي : 177

١٦٢

(الباب الرابع)

في ذكر مغازي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

بنفسه وسراياه ونبذ من أخباره إلى أن فارق دنياه(1)

على سبيل الاِجمال والاختصار

قال أهل السير والمفسّرون : إن جميع ما غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ستّ وعشرون غزوة ، وإن جميع سراياه التي بعثها ولم يخرج معها ستّ وثلاثون سريّة. وقاتلعليه‌السلام من غزراته في تسع غزوات ، وهي : بدر ، واُحد ، والخندق ، وبني قريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف(2).

فأوّل سريّة بعثها أنّه بعث حمزة بن عبدالمطّلب في ثلاثين راكباً ، فساروا حتّى بلغوا سيف البحر من أرض جهينة ، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثين ومائة راكب من المشركين ، فحجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهني ،

____________

(1) في نسخة «م» زيادة : وما ظهر في أثناء ذلك من أعلام نبوته ودلائل صدقه ورسالته.

(2) انظر : مغازي الواقدي 1 : 7 ، الطبقات الكبرى 2 : 5 ـ 6 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 186 | 43.

١٦٣

فرجع الفريقان ولم يكن بينهما قتال(1) .

ثمّ غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل غزوة غزاها في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة حتّى بلغ الأبواء ، يريد قريشاً وبني ضمرة ، ثمّ رجع ولم يلق كيداً ، فأقام بالمدينة بقيّة صفر وصدراً من شهر ربيع الأول(2) .

وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث في ستّين راكباً من المهاجرين ليس فيهم أحدٌ من الأنصار ، وكان أوّل لواء عقده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتقى هو والمشركون على ماء يقال له : أحياء(3) ، وكانت بينهم الرماية ، وعلى المشركين أبو سفيان بن حرب(4) .

ثمّ غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر ربيع الآخر يريد قريشاً حتّى بلغ بُواط(5) ، ولم يلق كيداً(6) .

ثمّ غزاصلى‌الله‌عليه‌وآله غزوة العُشَيرة يريد قريشاً حتّى نزل العشيرة من بطن ينبع ، فأقام بها بقيّة جمادى الاُولى وليالي من

__________________

(1) انظر : المغازي للواقدي 1 : 9 ، وسيرة ابن هشام 2 : 245 ، والطبقات الكبرى 2 : 6 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 186 | 43.

(2) انظر : المغازي للواقدي 1 : 11 ، والطبقات الكبرى 2 : 8 ، ودلائل البيهقي 3 : 9 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 187.

(3) احياء : ماء أسفل من ثنية المرة. «معجم البلدان 1 : 118».

(4) انظر : المغازي للواقدي 1 : 10 ، وسيرة ابن هشام 2 : 42 ، والطبقات الكبرى 2 : 7 ، ودلائل البيهقي 3 : 10 و 11 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 187.

(5) بواط : حبل من جبال جهينة ، ناحية رضوى «معجم البلدان 1 : 502».

(6) مغازي (الواقدي 1 : 12 ، سيرة ابن هشام 2 : 248 ، الطبقات الكبرى 2 : 8 وفيها : ربيع الأول ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 11 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 187.

١٦٤

جمادى الآخرة ، ووادع فيها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة(1) .

فروي عن عمّار بن ياسر قال : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فقال لي عليّعليه‌السلام : «هل لك يا أبا اليقظان في هذه الساعة بهذا النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون».

فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثمّ غشينا النوم ، فعمدنا إلى صَورٍ(2) من النخل في دقعاء(3) من الأرض فنمنا فيه ، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقدمه ، فجلسنا وقد تترّبنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله لعليّ : «يا أبا تراب» لما عليه من التراب.

فقال : «ألا اُخبركم بأشقى الناس؟».

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : «اُحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا عليّ على هذا» ووضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على رأسه «حتّى يبلّ منها هذه» ووضع يده على لحيته(4) .

ثمّ رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من العُشَيرة إلى المدينة ، فلم يقم بها عشر ليال حتّى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في طلبه حتّى بلغ وادياً يقال له : سفوان ، من ناحية بدر ، وهي غزوة بدر الاُولى ، وحامل لوائه عليّ بن أبي

__________________

(1) سيرة ابن هشام 2 : 249 ، الطبقات الكبرى 2 : 9 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 11 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 187.

(2) الصور : النخل المجتمع الصغار لا واحد له «الصحاح ـ صور ـ 2 : 716».

(3) الدقعاء : التراب المنثور على وجه الأرض «العين 1 : 145».

(4) سيرة ابن هشام 2 : 249 ، تاريخ الطبري 2 : 408 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 12 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 187.

١٦٥

طالب ، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، وفاته كرز فلم يدركه.

فرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقام جمادى الآخرة ورجب وشعبان ، وكان بعث بين ذلك سعد بن أبي وقّاص في ثمانية رهط ، فرجع ولم يلق كيداً(1) .

ثمّ بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله بن جحش إلى نخلة(2) ، وقال : «كن بها حتّى تأتينا بخبرمن أخبار قريش» ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام ، وكتب له كتاباً وقال : «اُخرج أنت وأصحابك حتّى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر ما فيه وامض لما أمرتك».

فلمّا سار يومين وفتح الكتاب فإذا فيه : «أن امض حتّى ننزل نخلة ، فائتنا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم» فقال لاَصحابه حين قرأ الكتاب : سمعاً وطاعة ، من كان له رغبة في الشهادة فلينطلق معي.

فمضى معه القوم حتّى إذا نزلوا النخلة مرّ بهم عمرو بن الحضرميّ والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبدالله ، معهم تجارة قدموا بها من الطائف ، اُدم وزبيب ، فلمّا رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبدالله وكان قد حلق رأسه ، فقالوا : عمّار ليس عليكم منهم بأس ، وائتمر أصحاب رسول الله ، وهي آخر يوم من رجب ، فقالوا : لئن قتلتموهم إنّكم لتقتلونهم في الشهر الحرام ، ولئن تركتموهم ليدخلنّ هذه الليلة مكّة فليمتنعنّ منكم.

فأجمع القوم على قتلهم ، فرمى واقد بن عبدالله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان ،

__________________

(1) انظر : سيرة ابن هشام 2 : 251 ، والطبقات الكبرى 2 : 9 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 13 16 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 188.

(2) ذكر في سيرة ابن هشام ان نخلة بين مكّة والطائف.

١٦٦

وهرب المغيرة بن عبدالله فأعجزهم.

واستاقوا العير ، فقدموا بها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم : «والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» وأوقف الأسيرين والعير ولم يأخذ منها شيئاً ، واُسقط في أيدي القوم وظنّوا أنّهم قد هلكوا ، وقالت قريش : استحلّ محمّد الشهر الحرام. فأنزل الله سبحانه :( يَسئَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرامِ قِتالٌ فِيه ) الآية(1). فلمّا نزل ذلك أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العير وفداء الأسيرين ، وقال المسلمون : أتطمع لنا أن نكون غزاة؟ فأنزل الله فيهم( إِنَّ الذِين آمنوُا وَالّذين هاجَروا ـ إلى قوله : أُولئِكَ يَرجُونَ رَحمةَ الله ) .الآية(2). وكانت هذه قبل بدر بشهرين(3).

__________________

(1) البقرة 2 : 217.

(2) البقرة 2 : 218.

(3) انظر : سيرة ابن هشام 2 : 252 ، والطبقات الكبرى 2 : 10 ، وتاريخ الطبري 2 : 410 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 18 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 188.

١٦٧

(غزوة بدرالكبرى )

ثمّ كانت غزوة بدر الكبرى ، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمع بأبي سفيان بن حرب في أربعين راكباً من قريش تجّاراً قافلين من الشام ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثمائة راكب ونيّف ، وأكثر أصحابه مشاة ، معهم ثمانون بعيراً وفرس يقال إنّه للمقداد ، يعتقب النفر على البعير الواحد ، وكان بين رسول الله وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعير ، وذلك في شهر رمضان.

فلمّا خرج من المدينة وبلغ أبا سفيان الخبر أخذ بالعير على الساحل ، وارسل إلى أهل مكّة يستصرخ بهم ، فخرج منهم نحو من ألف رجل من سائر بطون قريش ومعهم مائتا فرس يقودونها ، وخرجوا معهم بالقيان يضربن بالدفوف ويتغنّين بهجاء المسلمين ، ورجع الأخنس بن شريق الثقفي ببني زهرة من الطريق وكان حليفاً لهم ، فبقي منهم نحو من تسعمائة وسبعين رجلاً ، وفيهم العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب خرجوا مكرهين ، وكانت أشرافهم المطعمون فيهم : العبّاس بن عبد المطّلب وعتبة بن ربيعة وطعيمة بن عديّوأبو البختري بن هشام واُميّة بن خلف وحكيم بن حزام والنضر بنالحارث بن كلدة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو.

فلما بلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بدر ، وهي بئر منسوبة إلى رجل من غفار يقال له : بدر ، وقد علم رسول الله بفوات العير ومجيء قريش شاور أصحابه في لقائهم أو الرجوع ، فقالوا : الأمر إليك وآلق بنا القوم. فلقيهم على بدر لسبع عشرة من شهر رمضان ، وكان لواء رسول الله يؤمئذ أبيض مع مصعب بن عمير ورايته مع عليّعليه‌السلام ، وأيّدهم الله سبحانه

١٦٨

بخمسة آلاف من الملائكة ، فكثّر الله المسلمين في أعين الكفّار وقلّل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا ، وأخذ رسول الله كفّاً من تراب فرماه إليهم وقال : «شاهت الوجوه» فلم يبق منهم أحدٌ إلاّ اشتغل بفرك عينيه.

وقتل الله من المشركين نحو سبعين رجلاً ، واُسر نحو سبعين(1) رجلاً منهم : العبّاس بن عبدالمطّلب ، وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، فأسلموا ، وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلهما رسول الله بالصفراء ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله للعبّاس : «افد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً ، وحليفك عتبة بن عمرو وأخي بني الحارث بن فهر فإنّك ذو مال».

فقال : إنّي كنت مسلماً وإنّ القوم استكرهوني.

فقالعليه‌السلام : «الله أعلم بإسلامك ، إن يكن حقّاً فإنّ الله يجزيك به ، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا».

قال : فليس لي مالٌ.

قال : «فأين المال الذي وضعته عند اُمّ الفضل بمكّة وليس معكما أحدٌ فقلت لها : إن اُصبت في سفري هذا فهذا المال لبنيّ : الفضل وعبدالله وقثُم؟».

فقال : والله يارسول الله إنّي لأعلم أنّك رسول الله ، إنّ هذا لشيء ما علمه أحدٌ غيري وغير اُمّ الفضل ، فأحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقيّة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ، ذاك شيء أعطانا الله

__________________

(1) في نسخة «ط» : ستين.

١٦٩

منك».

ففدى نفسه بمائة أوقيّة ، وفدى كلّ واحد بأربعين أوقيّة(1) .

وقتل عليّعليه‌السلام ببدر من المشركين : الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان شجاعاً فاتكاً ، والعاص بن سعيد بن العاص بن اُمّية والد سعيد بن العاص ، وطعيمة بن عديّ بن نوفل شجره بالرمح وقال : «والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبداً» ونوفل بن خويلد ، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة بحبل وعذّبهما يوماً إلى الليل ، وهو عمّ الزبير بن العوّام ، ولمّا أجلت الوقعة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «من له علم بنوفل»؟ فقالعليه‌السلام : «أنا قتلته» فكبّر النبيعليه‌السلام ثمّ قال : «الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه»(2) .

وروى جابر ، عن الباقر ، عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام فقال : «لقد تعجّبت يوم بدر من جرأة القوم وقد قتلت الوليد بن عتبة ، إذ أقبل إليّ حنظلة ابن أبي سفيان فلمّا دنا منّي ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلاً»(3) .

وقتل زمعة بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وعمير بن عثمان بن كعب ابن تيم عمّ طلحة بن عبيدالله ، وعثمان ومالكاً أخوي طلحة في جماعة ، وهم في ستّة وثلاثين رجلاً(4) .

وقتل حمزة بن عبدالمطّلب شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ، والأسود بن

__________________

(1) انظر : سيرة ابن هشام 2 : 263 ، والطبقات الكبرى 2 : 11 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 32 ، 142.

(2) انظر : ارشاد المفيد 1 : 70 ، ومغازي الواقدي 1 : 92 ، وسيرة ابن هشام 3 : 366.

(3) ارشاد المفيد 1 : 75.

(4) انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 : 209.

١٧٠

عبد الأسود المخزومي(1) .

وقتل عمرو بن الجموح أبا جهل بن هشام ، ضربه بالسيف على رجله فقطعها ودفّف(2) عليه عبدلله بن مسعود فذبحه بسيفه من قفاه ، وحمل رأسه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال عبدالله : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على مذمّره ـ أي عنقه ـ وقلت : هل أخزاك الله ياعدو الله؟ قال : رويعي الغنم! لقد ارتقيت مرتقاً صعباً. قال : ثمّ اجتززت رأسه فجئت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : هذا رأس عدوّ الله أبي جهل ، فحمد الله تعالى(3) .

وقتل عمّار بن ياسر اُمّية بن خلف(4) .

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تلقى القتلى في قليب بدر ، ثمّ وقف عليهم وناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم واحداً واحداً ، ثمّ قال : «قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً» ثمّ قال : «إنّهم ليسمعون كما تسمعون ولكن منعوا عن الجواب»(5) .

واستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً ، منهم : عبيدة بن

__________________

(1) انظر : مغازي الواقدي 1 : 151 ، وسيرة ابن هشام 2 : 366 ، وفيهما : الأسود بن عبد الأسد المخزومي.

(2) دفّف على الجريح : أجهز عليه ، وفي حديث أبن مسعود : انه دافّ أبا جهل يوم بدر أي أجهز عليه «لسان العرب ـ دفف ـ 9 : 105».

(3) انظر : سيرة ابن هشام 2 : 288 و 289 ، وتاريخ الطبري 2 : 454 ـ 456 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 84 ـ 85.

(4) المغازي للواقدي 1 : 151 وفيه علي بن اُمية بن خلف بدل اُمية بن خلف ، السيرة النبوية لابن هشام 2 : 372.

(5) سيرة ابن هشام 2 : 92 ، تاريخ الطبري 2 : 456 ، دلائل النبوة للبيهقي 3 : 48 وفيها باختلاف يسير.

١٧١

الحارث بن عبدالمطّلب ، وذو الشمالين عمرو بن نضلة حليف بني زهرة ، ومهجع مولى عمر ، وعمير بن أبي وقّاص ، وصفوان بن أبي البيضاء(1) وهؤلاء من المهاجرين ، والباقون من الأنصار(2) .

ولمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة من بدر لم يقم بالمدينة إلاّ سبع ليال حتّى غزا بنفسه يريد بني سليم ، حتّى بلغ ماء من مياههم يقال له : الكدر ، فأقام عليه ثلاث ليال ، ثمّ رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً ، فأقام بها بقيّة شوّال وذا القعدة ، وفادى في إقامته جلّ اُسارى بدر من قريش(3) .

ثمّ كانت غزوة السويق (4) ، وذلك أنّ أبا سفيان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتّى يغزو محمّداً ، فخرج في مائة راكب من قريش ليبرّ يمينه ، حتّى إذا كان على بريد من المدينة أتى بني النضير ليلاً ، فضرب على حييّ بن أخطب بابه ، فأبى أن يفتح له ، فانصرف عنه إلى سلاّم بن مشكم ـ وكان سيّد بني النضير ـ فاستأذن عليه فأذن له وسارّه ، ثمّ خرج في عقب ليلته حتّى أتى أصحابه ، وبعث رجلاً من قريش إلى المدينة ، فأتوا ناحية يقال لها : العريض ، فوجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له فقتلوهما ، ثمّ انصرفوا ونذر

__________________

(1) كذا في نسخنا ، والصواب : صفوان بن بيضار كما اثبتته جميع المصادر.

(2) انظر : المغازي للواقدي 1 : 145 ـ 146 ، الطبقات الكبرى 2 : 17 ـ 18 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 14 : 207.

(3) سيرة ابن هشام 3 : 46 ، تاريخ الطبري 2 : 482.

(4) قال ابن هشام : وإنما سميت غزوة السويق ، فيما حدثني أبو عبيدة : ان أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق ، فهجم المسلمون على سويق كثير.

والسويق : هو ان تحمّص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك ، ثم تطحن ، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن وتُلث ، وإلاّ فبالماء فقط.

١٧٢

بهم الناس.

فخرج رسول الله في طلبهم حتّى بلغ قرقرة الكدر(1) فرجع وقد فاته أبو سفيان ، ورأوا زاداً من أزواد القوم قد طرحوها يتخفّفون منها للنجاء ، فقال المسلمون حين رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم : يارسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقالعليه‌السلام : «نعم»(2) .

ثمّ كانت غزوة ذي أمّر ، بعد مقامه بالمدينة بقيّة ذي الحجّة والمحرّم ، مرجعه من غزوة السويق ، وذلك لمّا بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له : دعثور بن الحارث ابن محارب ، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس ، وهرب منه الأعراب فوق ذُرى الجبال ، ونزلصلى‌الله‌عليه‌وآله ذا أمّر وعسكر به ، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وادي أمرّ بينه وبين أصحابه ، ثمّ نزع ثيابه فنشرها لتجفّ وألقاها على شجرة ثمّ اضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله ، فقالت الأعراب لدعثور ـ وكان سيّدهم وأشجعهم ـ قد أمكنك محمّد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتّى تقتله.

فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً ، ثمّ أقبل مشتملاً على السيف حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال : يا محمّد من يمنعك منّي

__________________

(1) قرقرة الكدر : القرقرة الأرض الملساء ، والكدر جمع أكدر من اللون ، قال الواقدي : بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد. وقال غيره : ماء لبني سليم. «معجم البلدان 4 : 441».

(2) انظر : المغازي للواقدي 1 : 181 ، وسيرة ابن هشام 3 : 47 ، والطبقات الكبرى 2 : 30.

١٧٣

اليوم؟

قال : «الله».

ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله وقام على رأسه وقال : «من يمنعك منّي»؟.

قال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والله لا اُكثر عليك جمعاً أبداً. فأعطاه رسول الله سيفه ثمّ أدبر ، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال : والله لاَنت خير مني.

قال رسول الله : «أنا أحقّ بذلك منك».

فأتى قومه فقيل له : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟

قال : قد كان والله ذلك ، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنّه ملك ، وشهدت أنّ محمداً رسول الله ، والله لا اُكثر عليه. وجعل يدعو قومه إلى الاِسلام ونزلت هذه الآية :( يا اَيُّها الذِين آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ الله عَليكُم اِذ هَمَ قَومٌ اَن يَبسُطُوا اِلَيكُم اَيدِيَهُم فَكَفَّ اَيدِيهم عَنكُم ) الآية(1) (2) .

ثمّ كانت غزوة القردة ، ماء من مياه نجد ، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زيد بن حارثة بعد رجوعه من بدر إلى المدينة بستّة أشهر ، فأصابوا عيراً لقريش على القردة فيها أبو سفيان ومعه فضّة كثيرة ، وذلك لاَنّ قريشاً قد خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة بدر ، فسلكوا طريق العراق واستأجروا رجلاً من بكر بن وائل يقال له : فرات بن حيّان ، يدّلهم على الطريق ، فأصاب زيد بن حارثة تلك العير ، وأعجزته

__________________

(1) المائدة 5 : 11.

(2) المغازي للواقدي 1 : 194 ـ 196 ، الطبقات الكبرى 2 : 34 بزيادة فيهما.

١٧٤

الرجال هرباً(1) .

وفي رواية الواقدي : أنّ ذلك العير مع صفوان بن اُميّة ، وأنّهم قدموا بالعير إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسروا رجلاً أو رجلين ، وكان فرات بن حيّان أسيراً فأسلم فترك من القتل(2) .

ثمّ كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من الهجرة ، وذلك أنّ رسول الله جمعهم وإياه سوق بني قينقاع ، فقال لليهود : «احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من قوارع الله ، فأسلموا فإنّكم قد عرفتهم نعتي وصفتي في كتابكم».

فقالوا : يا محمّد ، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومك فأصبت فيهم ، فإنّا والله لو حاربناك لعلمت أنّا خلافهم.

فكادت تقع بينهم المناجزة ، ونزلت فيهم :( قَد كانَ لَكُم آيَةٌ في فِئَتَينِ آلتَقَتا ـ الى قوله : ـ اُولي الأبصار ) (3) (4) .

وروي : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاصرهم ستّة أيّام حتّى نزلوا على حُكمِه ، فقام عبدالله بن اُبّي فقال : يا رسول الله مواليّ وحلفائي وقد منعوني من الأسود والأحمر ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر تحصدهم في غداة واحدة ، إنّي والله لا آمن وأخشى الدوائر. وكانوا حلفاء الخزرج دون الأوس ، فلم يزل يطلب فيهم حتّى وهبهم له ، فلمّا رأوا ما نزل بهم من الذل خرجوا من المدينة ونزلوا اذرعات(5) ونزلت في عبدالله بن اُبيّ

__________________

(1) المغازي للواقدي 1 : 197 مفصلاً ، سيرة ابن هشام 3 : 53 ، تاريخ الطبري 2 : 492.

(2) المغازي للواقدي 1 : 198.

(3) آل عمران 3 : 13.

(4) المغازي للواقدي 1 : 76 ، سيرة ابن هشام 3 : 50 ، تاريخ الطبري 2 : 479 ، وفيها باختلاف يسير.

(5) اذرعات : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقان وعمان. «معجم البلدان 1 : 130».

١٧٥

وناس من الخزرج( يا اَيُّها الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصارى اَولِياءَ ـ إلى قوله : ـ في اَنفُسِهِم نادِمِينَ ) (1) (2) .

ثمّ كانت غزوة اُحد على رأس سنة من بدر ، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب ، وكان أصحاب رسول الله يومئذ سبعمائة والمشركين ألفين ، وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن استشار أصحابه ، وكان رأيهعليه‌السلام أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ويرمي الضعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلاّ الخروج إليهم.

فلمّا صار على الطريق قالوا : نرجع ، فقال : «ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم».

وكانوا ألف رجل ، فلمّا كانوا في بعض الطريق انخذل عنهم عبدالله ابن اُبيّ بثلث الناس وقال : والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه ، وهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع ، ثمّ عصمهم الله جلّ وعزّ ، وهو قوله :( اِذهَمَّت طَّائِفتانِ مِنكُم اَن تَفشَلا ) الآية.(3)

وأصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متهيّئاً للقتال ، وجعل على راية المهاجرين عليّاًعليه‌السلام ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في راية الأنصار ، ثمّ مرّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الرماة ـ وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبدالله بن جبير ـ فوعظهم وذكّرهم وقال : «اتّقوا الله واصبروا ، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتّى اُرسل إليكم».

__________________

(1) المائدة 5 : 51.

(2) سيرة ابن هشام 3 : 51 ، وتاريخ الطبري 2 : 480 وفيهما نحوه.

(3) آل عمران 3 : 122.

١٧٦

وأقامهم عند رأس الشعب ، وكانت الهزيمة على المشركين ، وحسّهم المسلمون بالسيوف حسّاً(1) .

فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة ، ظهر أصحابكم فماتنتظرون؟ فقال عبدالله : أنسيتم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا أنا فلا أبرح موقفي الذي عهد إليّ فيه رسول الله ما عهد.

فتركوه أمره وعصوه بعد ما رأوا ما يحبّون ، وأقبلوا على الغنائم ، فخرج كمين المشركين وعليهم خالد بن الوليد ، فانتهى إلى عبدالله بن جبير فقتله ، ثمّ أتى الناس من أدبارهم ووضُع في المسلمين السلاح ، فانهزموا ، وصاح إبليس ـ لعنه الله ـ : قُتل محمّد ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوهم في اُخراهم : «أيها الناس اني رسول الله وإنّ الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار؟» فيسمعون الصوت ولا يلوون على شيء.

وذهبت صيحة إبليس حتّى دخلت بيوت المدينة ، فصاحت فاطمةعليها‌السلام ، ولم تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلاّ وضعت يدها على رأسها ، وخرجت فاطمةعليها‌السلام تصرخ(2) .

قال الصادقعليه‌السلام : «انهزم الناس عن رسول الله فغضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبتهه مثل اللؤلؤ من العرق ، فنظر فإذا عليّعليه‌السلام إلى جنبه ، فقال : مالك لم تلحق ببني أبيك؟ فقال عليّ : يا رسول الله أكفر بعد ايمان! إنّ لي بك اُسوة ، فقال : أمّا لا فاكفني هؤلاء.

فحمل عليّعليه‌السلام فضرب أوّل من لقي منهم ، فقال : جبرئيل :

__________________

(1) حساً : أي استأصلوهم قتلاً. «انظر : الصحاح ـ حسس ـ 3 : 917».

(2) انظر : المغازي للواقدي 1 : 229 و 277 ، وتاريخ الطبري 2 : 504 ـ 510 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 93 | 28.

١٧٧

إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد. قال : إنّه منّي وأنا منه. قال : جبرئيل وأنا منكما»(1) .

وثاب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من أصحابه ، واُصيب من المسلمين سبعون رجلاً ، منهم أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطّلب ، وعبدالله بن جحش ، ومصعب بن عمير ، وشماس بن عثمان بن الرشيد ، والباقون من الأنصار(2) .

قال : وأقبل يومئذ اُبيّ بن خلف وهو على فرس له وهو يقول : هذا ابن أبي كبشة؟ بوء بذنبك ، لا نجوتُ إن نجوتَ. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الحارث بن الصمّة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما ، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه ، فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثمّ طعن اُبيّاً في جربان الدرع ، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلكما أجزعك ، إنّما هو خدش ليس بشيء. فقال : ويلك يا ابن حرب ، أتدري من طعنني ، إنّما طعنني محمّد ، وهو قال لي بمكّة : إنّي سأقتلك ، فعلمت أنّه قاتلي ، والله لو أنّ ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم. فلم يزل يخور الملعون حتّى صار إلى النار(3) .

__________________

(1) نحوه في : الكافي 8 : 110 | 90 ، الارشاد 1 : 85 ، مناقب ابن شهر آشوب 3 : 124 ، تاريخ الطبري 2 : 514 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 | ضمن حديث 28.

(2) انظر : المغازي للواقدي1 : 300 ، سيرة ابن هشام 3 : 129 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 ضمن حديث رقم 28.

(3) نحوه في : المغازي للواقدي 1 : 250 ـ 251 ، وسيرة ابن هشام 3 : 89 ، وتاريخ الطبري 2 : 520 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 258 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 90 | ضمن حديث 28.

١٧٨

وفي كتاب أبان بن عثمان : أنّه لمّا انتهت فاطمة وصفيّة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونظرتا إليه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «أمّا عمتّي فاحبسها عنّي ، وأمّا فاطمة فدعها».

فلمّا دنت فاطمةعليها‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأته قد شجّ في وجهه واُدمي فوه إدماءً صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : «اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله» وكان يتناول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء(1) .

قال الصادقعليه‌السلام : «والله لوسقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب»(2) .

قال أبان بن عثمان : حدّثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال : قلت : كسرت رباعيّته كما يقوله هؤلاء؟

قال : «لا والله ، ما قبضه الله إلاّ سليماً ، ولكنّه شجّ في وجهه».

قلت : فالغار في اُحد الذي يزعمون أنّ رسول الله صار إليه؟

قال : «والله ما برح مكانه ، وقيل له : ألا تدعو عليهم؟ قال : اللّهم اهد قومي».

ورمى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابن قُميئة بقذّافة فأصاب كفّه حتّى ندر(3) السيف من يده وقال : خذها منّي وأنا ابن قميئة.

__________________

(1) المغازي للواقدي 1 : 249 قطعة منه ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 95 ضمن حديث 28.

(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28.

(3) ندر الشيء إذا سقط «العين 8 : 21».

١٧٩

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أذلّك الله وأقمأك »(1) .

وضربه عتبة بن أبي وقّاص بالسيف حتّى أدمى فاه ، ورماه عبدالله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه(2) .

وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سويّة ، فأمّا ابن قميئة فأتاه تيس وهو نائم بنجد فوضع قرنه في مراقّه ثم دعسه فجعل ينادي : وا ذلاّه ، حتّى أخرج قرينه من ترقوته.

وكان وحشيّ يقول : قال لي جبير بن مطعم ـ وكنت عبداً له ـ : إنّ علياً قتل عمّي يوم بدر ـ يعني طعيمة ـ فإن قتلت محمّداً فأنت حرّ ، وإن قتلت عمّ محمّد فأنت حرّ ، وإن قتلت ابن عمّ محمّد فأنت حرّ. فخرجت بحربة لي مع قريش إلى اُحد اُريد العتق لا اُريد غيره ولا أطمع في محمّد ، وقلت : لعلّي اُصيب من علي أو حمزة غرّة فأزرقه ، وكنت لا أخطىء في رمي الحراب ، تعلّمته من الحبشة في أرضها ، وكان حمزة يحمل حملاته ثمّ يرجع إلى موقفه(3) .

قال أبو عبداللهعليه‌السلام : «وزرقه وحشيّ ، فوق الثدي ، فسقط وشدّوا عليه فقتلوه ، فأخذ وحشيّ الكبد فشدّ بها إلى هند بنت عتبة ، فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغِصة(4) ، فلفظتها.

__________________

(1) اقمأك : صغرك وأذلك. «انظر : العين 5 : 235».

(2) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 92 ، والمغازي للواقدي 1 : 244 ـ 26 ، وتاريخ الطبري 2 : 515 ، والكامل في التاريخ 2 : 155 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28.

(3) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 192 ـ 193 ، سيرة ابن هشام 3 : 75 ـ 76 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 96 ضمن حديث 28.

(4) الداغصة : عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة ، وقيل : يتحرك على رأس الركبة. «لسان العرب 7 : 36».

١٨٠