إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

إعلام الورى بأعلام الهدى7%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 555 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134872 / تحميل: 11132
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠١٠-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمّة منه ومن ولده موتاً أحمر »(١) .

فكان كما قالعليه‌السلام .

ومن ذلك : قولهعليه‌السلام : «أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لايرضون منكم بهذا ، يعذبوكم بالسياط والحديد ، إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه الله في الاخرة ، وآية ذلك أنّه يأتيكم صاحب اليمن حتى يحلبين أظهركم ، فيأخذ العمّال ، وعمّال العمّال رجل يقال له : يوسف بن عمر»(٢).

فكان كما قالعليه‌السلام .

ومن ذلك : قوله لجويرية بن مسهر : «ليقتلنّك العتلّ الزنيم ، وليقطعنّ يدك ورجلك ، ثمّ ليصلبنّك تحت جذع كافر».

فلمّا ولي زياد في أيّام معاوية قطع يده ورجله ، وصلبه على جذع ابن معكبر(٣) .

ومن ذلك : حديث ميثم التمّاررحمه‌الله ، فقد روى نقلة الاثار : أنّه كان عند امرأة من بني أسد ، فاشتراه أمير المؤمنينعليه‌السلام منها ، فأعتقه وقال له : « ما اسمك؟ » فقال : سالم ، قال : « فأخبرني رسول الله أنّ اسمك الذى سمّاك به أبوك في العجم ميثم » قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمّير المؤمنين ، قال : « فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودع سالماً » فرجع إلى ميثم واكتن بأبي سالم.

____________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٠ | ٧٠ ، وفيه : يوماً ، بدل موتاً.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ٣٢٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٦.

(٣) ارشاد المفيد ١ : ٣٢٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٠٢ | ٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٩١.

٣٤١

فقال له أميرالمؤمنين ذات يوم : «إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فتخضّب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث ، أنت عاشر عشرة ، أنت اقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة».

وأراه النخلة التي يصلب على جذعها ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذّيت ، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري. وهو لا يعلم ما يريد.

وحجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة فقالت : من أنت؟ قال : أنا ميثم. قالت : والله لربّما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بك عليّاً في جوف الليل ، فسألها عن الحسينعليه‌السلام فقالت : هو في حائط له ، قال : فأخبريه إني قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله تعالى. فدعت بطيب وطيّبت لحيته وقالت له : أما إنّها تخضب بدم.

فقدم الكوفة فاخذه عبيداللهّ بن زياد لعنه الله وقال له : ما أخبر كصاحبك أنّي فاعل بك؟ قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة ، قال : لنخالفنّه ، قال : كيف تخالفه و فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيلعليه‌السلام عن اللهّ عزّ تعالى ، فكيف تخالف هؤلاء؟! ولقد عرفت الموضع الذي اُصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا.

فلمّا دعا عبيدالله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية

٣٤٢

سبيله فخلاّه ، وأمر بميثم أن يصلب فاُخرج فقال له رجل لقيه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ، فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة : لها خلقت ولي غذَيت ، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك ، فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد لعنه اللهّ : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه.

فكان أوّل خلق الله اُلجم في الإسلام.

وكان مقتل ميثم قبل قدوم الحسين بن عليعليهما‌السلام على العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة ، فكبّر ثمّان بعث في آخر النهار أنفه وفمه دماً(١) .

ومن ذلك : ما رواه مجاهد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي قال : كنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له : ما قال لك صاحبك ـ يعني عليّاًعليه‌السلام ـ إنّا فاعلون بك؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبوني ، فقال زياد : أما والله لاُكذّبنّ حديثه ، خلّوا سبيله.

فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : والله ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه.

فقال رشيد : هيهات ، قد بقي لكم عندي شيء أخبرني أمير المؤمنينعليه‌السلام به ، قال زياد : اقطعوا لسانه.

فقال رشيد : الآن والله جاء تصديق خبر أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

____________

(١) ارشاد المفيد١ : ٣٢٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٩١ ، الاصابة ٣ : ٥٠٤ ، ومختصراً في خصائص الرضي : ٥٤ ، ونحوه في الاختصاص : ٧٥ ، رجال الكشي ١ : ٢٩٣ | ١٣٦.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ٣٢٥ ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٩٤.

٣٤٣

ومن ذلك : اخباره مولاه قنبر وصاحبه كميل بن زياد بأن الحجاج بن يوسف يقتلهما(١) .

فكان كما قال.

ومن ذلك : ما اشتهرت به الرواية أنّهعليه‌السلام خطب فقال فيخطبته : «سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألونني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة» فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقالعليه‌السلام : «لقد حدّثني خليلي رسول اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سألت عنه ، وأنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك ، وعلى كلّ طاقة شعرفي لحيتك شيطاناً يستفزّك ، وأنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولاأنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن اية ذلك ما نبّأته عن سخلك الملعون »(٢) .

وكان ابنه في ذلك الوقت صغيراً يحبو ، فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولّى قتله ، فكان كما قال.

____________

(١) انظر : ارشاد المفيد ١ : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، الاصابة ٣ : ٣١٨.

(٢) كامل الزيارات : ٧٤ ، أمالي الصدوق : ١١٥ | ١ ، خصائص الرضي : ٦٢ ، ارشاد المفيد١ : ٣٣٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٩ ، الاحتجاج : ٢٦١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٨٦ و ١٠ : ١٤.

لقد صح عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قوله « سلوني قبل أن تفقدوني » ونقلت ذلك الكثير من مصادر الفرقين ، بحيث يعسر علينا حصرها هنا. وللاطلاع على ذلك انظر : الغدير ٦ : ١٩٣ ـ ١٩٤ و ٧ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

٣٤٤

ومن ذلك : ما روي عن سويد بن غفلة : أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فأخبره أنّ خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له ، فقال : « إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب ابن جمّاز».

فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إنّي لك شيعة ، وإنّي لك محبّ ، وأنا حبيب بن جفّاز.

فقال : «إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها فتدخل من هذا الباب » وأومأ بيده إلى باب الفيل.

فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى الحسين ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جمّاز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل(١). وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة.

ومن ذلك : ما رواه إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليّاًعليه‌السلام قال للبراء بن عازب : « يا براء ، يُقتل ابني الحسين وأنت حيّ لاتنصره ».

فلمّا قُتل الحسينعليه‌السلام كان البراء يقول : صدق والله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قُتل الحسين بن عليّ وأنا لم أنصره. ويظهر الندم على ذلك والحسرة(٢).

____________

(١) بصائر الدرجات : ٣١٨ | ١١ ، الهداية الكبرى : ١٦١ ، ارشاد المفيد١ : ٣٢٩ ، الاختصاص : ٠ ٢٨ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٤٥ | ٦٣ لابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٠ ، الثاقب في المناقب : ٢٦٧ | ٦ ، مقاتل الطالبيين : ٧١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد٢ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ٣٣١ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٠ ، كشف الغمة ١ : ٢٧٩ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٠ و ١٥.

٣٤٥

وهذا الذي ذكرناه ـ من جملة إخباره بالغائبات وإعلامه بالكائنات قبلكونها ـ غيض من فيض ، ويسير من كثير ، ولو لم تكن إلاّ خطبته القاصة ، وخطبة البصرة المستفيضة الشائعة ، وما فيها من الملاحم والحوادث في العباد والبلاد ، وأسامي ملوك بني اُميّة وبني العباس ، وما حلّ من عظائم بليّاتهم بالناس لكفى بهما اُعجوبة لا يعادلها سواها إلاّ ما ساواها في معناها ، وفيما ذكرناه كفاية ومقنع لذوي الألباب.

فصل :

وأمّا الفن الآخر من المعجزات والايات الخارقة للعادات التي هي غير الإخبار بالغائبات فمما لا يدخل تحت الضبط والانحصار ، ونحن نذكر طرفاً منها على شريطة الاختصار :

فمن ذلك : قصة عين راحوما والراهب بأرض كربلاء والصخرة ، والخبر بذلك مشهور بين الخاصّ والعامّ ، وحديثها :

أنّهعليه‌السلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش ، فأخذوا يميناً وشمالاً يطلبون الماء فلم يجدوه ، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادّة ، وسار قليلاً ، فلاح لهم دير فسار بهم نحوه ، وأمر من نادى ساكنه بالإطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : «هل قرب قائمك ماء؟» فقال : هيهات ، بينكم وبين الماء فرسخان ، وما بالقرب منّي شيء من الماء. فلوىعليه‌السلام عنق بغلته نحو القبلة وأشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : «اكشفوا الأرض في هذا المكان» فكشفوه بالمساحي فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحي ، فقالعليه‌السلام : ، «إنّ هذه الصخرة على الماء ، فاجتهدوا في

٣٤٦

قلعها »(١) فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلوىعليه‌السلام رجله عن سرجه حتّى صار إلى الأرض وحسر ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماءٍ وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : «تزوّدوا وارتووا» ففعلوا ذلك.

ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، وأمر أن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظر من فوق ديره ، فلمّا علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني أنزلوني ، فانزلوه فوقف بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له : أنت نبيّ مرسل؟ قال : «لا» ، قال : فملك مقرّب؟ قال : «لا» ، قال : فمن أنت؟ قال : «أنا وصيّ رسول اللهّ محمّد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين» قال : ابسط يدك اُسلم للّه على يدك. فبسطعليه‌السلام يده وقال له : «اشهد الشهادتين» فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشِهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللهّ وأحقّ الناس بالأمر من بعده ، وقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الدير بُني على طلب قالع هذه الصخرة ومُخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم كثير قبلي ولم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزّ وجل ، إنّا نجد في كتاب من كتبنا مآثرعن علمائنا إنّ في هذا الصقع عيناً عليها صخرة لا يعرف مكانها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وإنّه لا بدّ من وليّ للّه يدعو إلى الحقّ ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها ، وإنّي لمّا رأيتك قد بلغت ذلك تحقّقت ما كنّا ننتظره ، وبلغت الاُمنية منه ، فانا اليوم مسلم على يدك ومؤمن بحقّك ومولاك.

____________

(١) في نسختي «ق» و«ط» : قلبها ، وما أثبتناه من نسخة «م».

٣٤٧

فلمّا سمع بذلك أميرالمؤمنين بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وقال : « الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكوراً ، الحمد لله الذي لم أك عنده منسيّاً ] ثمّ دعا الناس وقال : «اسمعوا ما يقوله أخوكم المسلم»[(١) فسمع الناس مقال له وشكروا الله على ذلك ، وساروا والراهب بين يديه حتى لقي أهل الشام ، فكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولّى الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : «ذاك مولاي »(٢) .

وفي هذا الخبر ضروب من الأيات : أحدها : علم الغيب(٣).

والآخر : القوّة الخارقة للعادة.

والثالث : ثبوت البشارة به في كتب الله الاُولى كما جاء في التنزيل : «ذلِكَ مَثَلُهُم فِي التّوَراة وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ »(٤).

وفي ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمد الحميري :

[١] ولَقَد سرى فِي يُسَيِّر ُلَيلة

بَعد العِشاءِ بِكَربَلا فِي مَوكِبِ

[٢] حَتّى أتى مُتَبَتِّلاً في قائِم

ألقى قَواعِدَهُ بقاعٍ مجدبِ

[٣] يأتِيهِ لَيسَ بِحَيثُ يَلفيَ عامراً

غَيرَ الوُحُوش وَغَيرَ أصلَعَ أشيَبِ

[٤] َفدَنا فَصاحَ بِهِ فَاشرفَ ماثلاً

كَالنَّسرِ فوقَ شظيّةٍ مِن مَرقَبِ

____________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في نسخنا وأثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ٣٣٤ كشف الغمة ١ : ٢٧٩ وباختلاف يسير في خصائص الرضي : ٥٠ ، ووقعة صفين : ١٤٤ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٤ ، مختصراً في فضائل ابن شاذان : ١٠٤ ، والخرائج والجرائح ١ : ٢٢٢ | ٦٧ ، ونحوه في أمالي الصدوق : ١٥٥ | ١٤.

(٣) لقد أفرد علماء الطائفة ومفكروها جملة واسعة من الابحاث والدراسات المبينة لابعاد هذا العلم تراجع في مظانها.

(٤) الفتح ٤٨ : ٢٩.

٣٤٨

[٥]هَل قُربَ قائِمِكَ الذِي بُوِّئتَهُ

ماء يُصابُ فَقالَ ما مِن مَشرَبِ

[٦] إلاّ بِغايَةِ فَرسَخَينِ وَمَن لَنا

بالماء ِبَينَ نَقاً وَقيٍّ سَبسبِ

[٧] فَثَنى الأعنَّةَ نَحوَ وَعثٍ فَاجتَلى

مَلساءَ تَرقُ كَاللُّجينِ المُذهبِ

[٨] قالَ اقلبونا إنَّكُم إن تقلِبوا

تَرووُا وَلا تَروونَ إن لَم تُقلبِ

[٩] فَاعصَوصَبوافِي قَلبِها فَتمنّعت

مِنهُم تَمنُّع صَعبَةٍ لَم تُركَبِ

[١٠] حَتّى إذا أعيَتهُمُ أهوى لَها

كَفّاً مَتى تَردِ المُغالبَ تَغلِبِ

[١١] فكأنّها كرَةٌ بِكَفٍّ حَزوَّر

عَبلٍ الذراعِ دَحا بها في مَلعَبِ

[١٢] قالَ اشربُوا مِن تَحتها مُتسَلسِلاً

عَذباَ يَزيدُ عَلَى الألذًّ الأعذبِ

[١٣]حَتّى إذا شَرِبُوا جَميعاً رَدَّها

وَمَضى فَخِلتَ مَكانَها لَم يُقرَب

[١٤] أعنيِ ابنَ فاطِمَةَ الوَصيّ وَمن يَقُل

فِي فَضلِهِ وَفَعالِهِ لا يَكذِبِ(١)

__________________

(١) خصائص الرضي : ٥١ ، ارشاد المفيد ١ : ٣٣٧ كشف الغمة ١ : ٢٨١.

قال السيد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ في شرح هذه القصيدة ـ وقد وزعناه على تسلسلالأبيات ـ :

[١] السري : سير الليل كله.

[٢] والمتبتّل : الراهب ، والقائم : صومعته ، والقاع : الأرض الحرّة الطين التي لا حزونةفيها ولا انهباط ، والقاعدة : أساس الجدار وكلّ ما يبنى ، والجدب : ضدّ الخصب.

[٣] ومعنى «يأتيه» : أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب ، ومعنى ]ليس بحيث يُلفي[«عامراً» : انه لا مقيم فيه سوى الوحوش ، ويمكن أن يكون ماخوذاً من العمرة التي هي الزيارة ، والأصلع الأشيب : هو الراهب.

[٤] الماثل : المنتصب ، وشبَّه الراهب بالنسر لطول عمره والشظيّة : قطعة من الجبل مفردة ، والمرقب : المكان العالي.

[٦] والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة ، والقيّ : الصحراء الواسعة ، والسبسب : القفر.

[٧] والوعث : الرمل الذي لايسلك فيه ، ومعنى«اجتلى ملساء» نظر إلى صحراء ملساء فتجلًت لعينه ، ومعنى «تبرق» : تلمع ، ووصف اللجين بالمذهّب لأنّه اشدّ لبريقه ولمعانه.

=

٣٤٩

ومن ذلك : ما استفاضت به الأخبار ونظمت فيه الأشعار من رجوع الشمس لهعليه‌السلام مرّتين : في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة ، وبعد وفاته اُخرى ، فالأولى قد روتها أسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر بن عبدالله ، وأبو سعيد الخدريّ في جماعةمن الصحابة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم في منزله وعليٌّعليه‌السلام بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله عزّ وجلّ ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس وصلّىعليه‌السلام صلاة العصر جالساً بالإيماء ، فلمّا أفاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «ادع الله ليردّ عليك الشمس ، فإنّ الله يجيبك لطاعتك الله ورسوله» فسأل الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين في ردّ الشمس ، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر ، فصلّى أمير المؤمنين الصلاة في وقتها ثمّ غربت ، وقالت أسماء بنت عميس : أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب(١) .

__________________

[٩] ومعنى «اعصوصبوا» : اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة.

[١٠] ومعنى «اهوى لها» : مدّ إليها ، والمغالب : الرجل المغالب.

[١١] والحزوّر : الغلام المترعرع ، والعبل : الغليظ الممتلئ.

[١٢] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال أنه البارد أيضاً.

[١٤] وابن فاطمة : هو أمير المؤمنينعليه‌السلام . انتهى كلامه ، رفع الله مقامه. نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار ٤١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٦.

(١) ارشاد المفيد ١ : ٣٤٥ ، مناقب ابن شهرآشوب٢ : ٣١٧ ، كشف الغمة ١ : ٢٨٢ ، ودون ذيله في فضائل ابن شاذان ٦٨ ، وارشاد القلوب : ٢٧٧ ، ونحوه في قرب الاسناد : ١٧٥ | ٦٤٤ والكافي ٤ : ٥٦١ | ٧ ، وعلل الشرائع : ٣٥١ | ٣ ، والذرية الطاهرة للدولابي : ١٢٩ | ١٥٦ ، ومشكل الاثار للطحاويَ ٢ : ٨ ـ ٩ و ٤ | ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، والمعجم الكبير للطبراني ٢٤ : ١٤٤ | ٣٨٢ ومناقب ابن المغازلي : ٩٦ | ١٤٠ ـ ١٤١ ، ومناقب الخوارزمي : ٢١٧

٣٥٠

وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة ، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ، فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد.

وفي ذلك يقول السيد الحميري :

ردت عَلَيهِ الشَّمسُ لمّا فاتَهُ

وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت للمغربِ

حَتّى تبلَّجَ نورها في وَقتِها

لَلعَصرِ ثُمَّ هوت هَوِيَّ الكَوكَبِ

وَعَليهِ قَد حُبِسَت بِبابلَ مَرّةً

اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب

إلاّ لَيُوشَعَ أَو لَهُ مِن بَعدهِ

وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب(١)

ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَانعليه‌السلام يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر ، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنينعليه‌السلام يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ

_________

=

وتذكرة الخواص : ٥٥ ، فتح الباري ٦ : ١٦٨ ، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ ٢ : ٢٨٣ ـ ٣٠٥ ، والغدير ٣ : ١٢٧ ـ ١٤١.

(١)ارشاد المفيد ١ : ٣٤٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣١٨ وأورد الأبيات الشعرية في ص ٣١٧ كشف الغمة ١ : ٢٨٢ ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : ٢٢٧ ، ونحوه في إثبات الوصية ١ : ٣٤٦.

٣٥١

انساب فكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى خطبته فتممها ، فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان ، فقال لهم : «إنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبست عليه قضيّة فصار إليّ يستفتيني عنها ، فافهمته إيّاها ودعا إليَّ بخير وانصرف»(١).

ومن ذلك : حديث الحيتان وكلامهم له في فرات الكوفة ، وذلك أنّ الماء طغى في الفرات حتّى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فركب بغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج الناس معه حتّى أتى شاطىء الفرات فنزلعليه‌السلام وأسبغ الوضوء وصلّى ، والناس يرونه ، ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : «انقص بإذن الله ومشيئته» فغاض الماء حتّى بدت الحيتان من قعره ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها اصناف من السمك وهي الجرّيّ والمارماهي ، فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصمت ما صمت ، فقال : «أنطق الله لي ما طهر من السمك ، وأصمت عنّي ما نجس وحرم»(٢).

وهذا الخبر مستفيض أيضاً كاستفاضة كلام الذئب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وتسبيح الحصى في كفّه وأمثال ذلك.

ومن ذلك : ما جاء في الآثار عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج النبيّ

_________

(١) ارشاد المفيد ١ : ٣٤٨ ، روضة الواعظين : ١١٩ ونحوه في بصائر الدرجات ١١٧ ، واثبات الوصية : ١٢٩ ، وبشارة المصطفى : ١٦٤ ، والفضائل لابن شاذان : ٧٠.

(٢) ارشاد المفيد١ : ٣٤٧ ، روضة الواعظين : ١١٩ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٣٠ ، ومختصراً في خصائص الرضي : ٥٨ ، واثبات الوصية : ١٢٨ ، ونحوه في فضائل ابن شاذان : ١٠٦ ، وكشف الغمة ١ : ٢٧٥.

٣٥٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني المصطلق ونزل بقرب واد وعر ، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيلعليه‌السلام يخبره عن طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ باصحابه ، فدعا أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال : «اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة التي أعطاك الله عزّ وجلّ إيّاها ، وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بها وبعلمها» وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : «كونوا معه وامتثلوا أمره».

فتوجّه أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الوادي ، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي وتعوّذ باللهّ من أعدائه ، وسمّاه باحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هو لما لحقهم ، فصاح أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمّه ، اثبتوا إنشئتم» فظهر للقوم أشخاص مثل الزط(١) تخيّل في أيديهم شعل النار ، قد اطمانّوا وأطافوا بجنبات الوادي.

فتوغّل أمير المؤمنينعليه‌السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً ، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين

_________

(١) الزُط (بالضم ) : جيل من الهند معرب جت بالفتح ، الواحد زطي وهو المستوي الوجه.«القاموس المحيط ٢ : ٣٦٢».

٣٥٣

اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لقيت يا أبا الحسن ، فقد كدنا نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك؟ فقالعليه‌السلام : «لمّا تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ، وكفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرّهم ، وستسبقني بقيّتهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيؤمنوا به».

وانصرف أمير المؤمنينعليه‌السلام بمن معه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له : «قد سبقكيا علي إليّ من أخافه الله بك فاسلم وقبلت إسلامه»(١) .

ومن ذلك : ما أبانه الله تعالى به من القوّة الخارقة للعادة في قلعِ باب خيبر ودحوه به ، وكان من الثقل بحيث لا يحمله أقلّ من أربعين رجلاّ ، ثمّ حمله إيّاه على ظهره فكان جسراً للناس يعبرون عليه إلى ذلك الجانب ، فكان ذلك علماً معجزاً(٢) .

ومن ذلك : إنقضاض الغراب على خفه وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة ، فانساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتّى صار به في الجوّ ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود ووقاه الله عزّ وجلّ من ذلك(٣).

وفي ذلك يقول الرضي الموسوي رضي الله عنه :

أما في باب خيبر معجزات

تصدّق أو مناجاة الحباب

ــــــــــــــــــ

(١) ارشاد المفيد ١ : ٣٣٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ١٨ : ٨٤ | ٣.

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩ و ٣٥٠ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٦ ، تاريخ الاسلام للذهبي (المغازي) : ٤٤١ و ٤١٢.

(٣) مناقب ابن شهر اشوب ٢ : ٣٥٦.

٣٥٤

أرادت كيده والله يأبى

فجاء النصر من قبل الغراب(١)

ومن ذلك : ما رواه عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقرعليهما‌السلام من قولهعليه‌السلام لجويرية بن مسهر وقد عزم علىالخروج : «أما إنّه سيعرض لك في طريقك الأسد» قال : فما الحيلة له؟ قال : «تقرظ منّي السلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان».

فخرج جويرية ، فبينا هو كذلك يسير على دابّته إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقرؤك السلام ، وانّه قد آمنني منك ، قال : فولّى الليث عنه مطرقاً برأسه يهمهم حتّى غاب في الأجمة ، فهمهم خمساً ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته.

فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وسلّم عليه وقال : كان من الأمر كذا وكذا فقال : «ما قلت للّيث وما قال لك؟».

فقال جويرية : قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّ رسوله أعلم.

قال : «إنّه ولّى عنك يهمهم ، فاحصيت له خمس همهمات ثمّ انصرف عنك».

قال جويرية : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا هو.

فقالعليه‌السلام : «فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله منّي السلام» وعقد بيده خمساً(٢) .

ولو ذهبنا نجتهد في إيراد أمثال هذه من الأيات والمعجزات لطال به

_________

(١) ديوان الشريف الرضي ١ : ١١٦.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٠٤.

٣٥٥

الكتاب ، وفيما أثبتناه من ذلك غنى عمّا سواه ، وبالله نستعين ، وإيّاه نستهدي إلى الهدى والحقّ والصواب.

***

٣٥٦

( الباب الرابع )

في ذكر بعض مناقبه

وفضائله وخصائصهعليه‌السلام

التي أبانه الله سبحانه بها عن غيره

سوى ما تقدّم ذكره في جملة من النصوص على إمامته

والإرهاص لإيجاب طاعته

وذكر مختصر من أخباره وحسن اثاره

٣٥٧

إعلم : أنّ فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ومناقبه وخصائصه كثيرة لايتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها ، فقد روت العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ، ولا ينقطع مدده ، ولقد قال الأجلّ المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه : سمعت شيخاً مقدّماً في الرواية من أصحاب الحديث يقال له : أبو حفص عمر بن شاهين(١) ، يقول : إنّي جمعت من فضائل عليّعليه‌السلام خاصّة ألف جزء.

وأمّا ما رواه أصحابنا من ذلك فلا تجتمع أطرافه ، ولا تعدّ آلافه ، وأنا اُورد من جملتها اُناسي العيون ونفوس الفصوص ومتخيِّر المتحيّر سالكاً طريقة منصور الفقيه في قوله :

_________

(١) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين.

ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وأصله مروروذ من كورخراسان.

روي عنه أنه قال : أول ما كتبت الحديث في سنة ثمان وثلاثمائة وكان لي إحدى عشرة سنة ، وصنفت ثلاثمائة مصنّف ، أحدها : «التفسير الكبير» ألف جزء ، و«المسند» ألف وثلاثمائة جزء و«التاريخ» مائة وخمسين جزء و«الزهد» مائة جزء ، وأول ما حدّثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.

سمع أبا بكرمحمد بن محمد الباغندي ، وأبا القاسم البغوي ، وأبا خُبيب العباس بن البرتي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وغيرهم.

وحدَث عنه : أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق رفيقه ، وأبو سعد المالني ، وأبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد العتيقي.

وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر الخطيب ، والأمير أبو نصر ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو القاسم الأزهري.

توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بباب حرب عند قبر أحمد بن حنبل.

انظر : تاريخ بغداد ١١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٨ ، سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٣١.

٣٥٨

قالوا : خُذِ العَنَ مِن كلّ ، فقلتُ لهم

فِي العَينِ فَضلٌ ، وَلكِن ناظرُ العَينِ

حَرفَينِ مِن ألفِ طُومارٍ مُسوّدة

وَربّما لَم تجدْ فِي الألفِ حَرفينِ

وأثبتها محذوفة الأسانيد تعويلاً في ذلك على إشتهارها بين نقلة الآثار ، واعتماداً على أنّ نقلها من كتب محكومة بالصحّة عند نقّاد الأخبار ، وجعلتها أربعة فصول :

٣٥٩

( الفصل الأول )

في ذكر نبذ من خصائصه

التي لم يشركه فيها غيره

وهي فنون كثيرة ، وفوائدها جمّة غزيرة ، وبينونتهعليه‌السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة.

فمنها : سبقه كافّة الخلق إلى الايمان.

فقد صحّ عنهعليه‌السلام أنّه قال : «أنا عبدالله وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »(١).

وعن أبي ذرّ : أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليّ : «أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين».(٢)

_________

(١) انظر : الخصال : ٤٠١ | ١١٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦ ، العمدة لابن بطريق : ٦٤ | ٧٦ ، الطرائف لابن طاووس ٢٠ | ١٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٦٥ | ١٢١٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤ ٤ | ١٢٠ ، السنة لابن أبي عاصم ٢ : ٥٩٨ ، فضائلأحمد : ٧٨ | ١١٧ ، خصائص النسائي ٢٤ : ٧ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢١٢ ، الأوائل لأبي هلال العسكري ١ : ١٩٤ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٣ ، نقض العثمانية للاسكافي : ٢٩٠ ، فرائد السمطين ١ : ٢٤٨ | ١٩٢ ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٠١ و ١٠٢.

(٢) انظر : أمالي الصدوق : ١٧١ | ٥ ، ارشاد المفيد ا : ٣١ و ٣٢ ، امالي الطوسي ١ : ١٤٧ ، اختيار معرفة الرجال ١ : ١١٣ | ٥١ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٦ ، اليقين لابن طاووس : ١٩٥ ، انساب الأشراف للبلاذري٢ : ١١٨ | ٧٤ ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي

=

٣٦٠

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي»(1) .

وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره»(2) .

وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار ، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة(3) .

وقال عليّعليه‌السلام : «فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس(4) .

وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا

أبوحسن ممّا نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس أنّه

أطبّ قريش بالكتاب وبالسنن

_________

=

(ع) - 1 : 87 | 119 ونقله المجلسي في بحار الأنوار38 : 227 | 33.

(1) الفصول المختارة : 215 ، ارشاد المفيد ا : 31 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 79 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 8 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 125 | 819 ، مناقب ابن المغازلي : 14 | 19 ، مناقب الخوارزمي : 19 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 14 | 19 نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 226 | 31

(2) الفصول المختارة : 211 مناقب ابن شهرآشوب : 2 | 16 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 78 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 7 ، مناقب ابن المغازلي : 13 | 17 ، تاريخ ابنعساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع ) ـ 1 : 80 | 113 ، اُسد الغابة 4 : 18 ، ذخائر العقبى : 64.

(3) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 15 ، وباختلاف يسير في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع) ـ1 : 48 | 70 و 71 ، مناقب الخوارزمي : 21 ، ذخائر العقبى : 59.

(4) مناقب ابن شهرآشوب2 : 7 و 16 و 17 ، مسند الإمام علي (ع) للسيوطي : 18 /58 ، وفيهما نحوه.

٣٦١

ففيه الذي فيهم من الخير كلّه

وما فيه مثل الذي فيهم من حسن

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه قد كان في سالف الزمن

وأول من صلّى من الناس كلّهم

سوى خيرة النسوان والله ذو منن(1)

وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب :

ما كنتُ أحسبُ أن الأمر (منصرف )(2)

من هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى بقبلتهم

وأعرف الناس بالأثار والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومن

جبرئيلُ عونٌ له في الغسلِ والكَفنِ(3)

ومنها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة.

فروى عبد الله بن داود ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي مريم ، عن عليّعليه‌السلام قال : «قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت ان أتناول السماء فعلت»(4) .

_________

(1) مستدرك الحاكم 3 : 114 ، وأورد الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 127 البيت الأول ولأخير.

(2) في نسخة«ط» : منتقل.

(3) الفصول المختارة : 216 ، وسليم بن قيس في كتابه : 78 عن العباس ، وارشاد المفيد ا : 32 عن خزيمة بن ثابت الأنصاريَ ، والجمل : 58عن عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، وفي تاريخ اليعقوبي 2 : 124 عن عتبة بن أبي لهب ، ومناقب الخوارزمي : 8 عن العباس بن عبدالمطلب.

(4) تاريخ ابن أبي شيبة : 79 ل ، مسند أحمد ا : 4 8 و 151 ، خصائص النسائي : 134 | 122 ، المقصد العلي لأبي يعلى الموصلي : ق 121 | 2 ، تهذيب الأثار لابن جرير : 405 و 406 ، مستدرك الحاكم 2 : 366 و 3 : 5 ، تاريخ بغداد 13 : 302 ، مناقب ابن المغازلي : 202 | 240 ، مناقب الخوارزمي : 71 ، كفاية الطالب : 257 ، ذخائر العقبى : 85 ، الرياض النضرة 3 : 170 ، فرائد السمطين 1 : 249 ونقله المجلسي في بحار الأنوار

=

٣٦٢

وفي حديث آخر طويل قال عليّ : «فحملني النبيّعليه‌السلام فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت - أو قال : نزوت - » الشكّ من الراوي(1).

ومنها : حديث المؤاخاة.

فقد اشتهرفي الرواية : انهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر ، وبين حمزة بن عبدالمطّلب وزيد بن حارثة ، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي»(2).

فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : «أنا عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب»(3) .

وعن أبي هريرة - في حديث طويل - : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فاخذ بيده وقال : «هذا أخي(4) ـ وفي خبر آخر : أنت أخي(5) ـ في الدنيا والأخرة» فكان رسول الله وعلي أخوين.

_________

=

-38 : 84 / 3.

(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 84 / 3.

(2 ) فضائل احمد : 94 | 141 و 120 | 117 ، تاريخ ابن عساكر- ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 135 | 167 ، كفاية الطالب ، الرياض النضرة 3 : 125 ، فرائد السمطين 1 : 117 | 82.

(3) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12128 ، خصائص النسائي : 85 | 67 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 136 | 168.

(4) سيرة ابن هشام 2 : 150 ، مناقب ابن المغازلي : 38 | 60 ، اسد الغابة 317 ، : الاصابة 2 : 501 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 341 | 16.

(5) صحيح الترمذي 5 : 636 | 3720 ، مستدرك الحاكم 3 : 14 ، الاستيعاب لابن عبدالبر

=

٣٦٣

ومنها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تفل في عينيه يوم خيبر ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ ، فكانعليه‌السلام بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً ، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً.

فروي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أمير المؤمنينعليه‌السلام في ذلك شيئاً؟ قال : لا ، قال : وكان أبي يسمر مع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أميرالمؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا.

فقال : «أوما كنت معنا بخيبر؟» قال : بلى.

قال : «فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر وعقد له لواء ، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه. ثمّ عقد لعمر فرجع منهزماً بالناس.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرّاً بعد ُولا برداً»(1).

_________

=

3 : 35 ، مناقب ابن المغازلي : 57 | 37 و 38 | 59 ، مصابيح البغوي 4 : 173 | 4769 ، مقتل الخوارزمي : 48 ، اُسد الغابة 4 : 29 ، الاصابة 2 : 507 | 5688 ، لسان الميزان 3 : 9.

(1) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12129 ، خصائص النسائي : 39 | 14 و 159 | 151 ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ1 : 217 | 261 و 262 ، دلائل النبوة للبيهقي4 : 213 ، مجمع الزوائد 9 : 122 ، ومختصراً في سنن ابن ماجة 1 : 43 ، ومسند أحمد1 : 99 و 133 ، ومسند البزاز : ق 105 | 1 ، وزوائد الفضائل للقطيعي : 1084 ، ومستدرك الحاكم 3 : 37 ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني

=

٣٦٤

وفي رواية اُخرى : «فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد ، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر»(1).

وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :

وَكانَ عليّ أرمدَ العينِ يَبتغي

دواءً فَلَمّالم يحسن مُداويا

شفاهُ رسولُ اللهِ منهُ بتفلةٍ

فبوركَ مَرقيّاً ويُورك راقيا

وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً

كميّا مُحبّاً للرّسولِ مُواليا

يُحبّ إلهي والإلهُ يُحبّهُ

بهِ يفتحُ الله الحصونَ الأوابيا

فَاصفى بها دونَ البريّةِ كلّها

عليّاً وسمّاه الوزيرَ المؤاخيا(2)

وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة ، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء ، فقلنا له : لا تغترب ارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك.

قال : «أما إنّي قد كنت مقروراً ، فلمّا بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر قلت له : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد ، ولا رمدت عيناي »(3).

ومنها : ما قاله فيه يوم خيبر ، ممّا لم يقله في أحد غيره ، ولا يوازيه إنسان ، ولا يقارنه فيه ، فقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفيّ في كتاب المعرفة : حدّثني الحسن بن الحسين العرفي -وكان صالحاً- قال : حدّثنا

_________

=

2 : 956 | 391 ، وحلية الأولياء 4 : 356 ، ومناقب أبن المغازلي : 74 | 110.

(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار41 : 282 | ذيل ح 5.

(2) ارشاد المفيد 1 : 128 ، العمدة لابن بطريق : 155 | 238 ، مناقب ابن المغازلي : 185كفاية الطالب : 104 ، الفصول المهمة : 37.

(3) فرائد السمطين 1 : 264 | 206 ، مجمع الزوائد9 : 122.

٣٦٥

كادح بن جعفر البجلي ـ وكان من الأبدال(1) ـ عن ابن لهيعة ، عن عبدالرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار ، عن جابر بن عبد الله الأنصار يقال : لمّا قدم عليّعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا أن يقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنّك تؤدّي ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك في الآخرة غداً أقرب الناس منّي ، وأنّك غداً على الحوض خليفتي ، وأنّك أوّل من يرد عليّ الحوض غداً ، وأنك أول من يكسى معي ، وأنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور ، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وأنّ حربك حربي ، وأنّ سلمك سلمي ، وأنّ سرّك سرّي ، وأنّ علانيتك علانيتي ، وأنّ سريرة صدر ككسريرة صدري ، وأنّ ولدك ولدي ، وأنّك منجز عدتي ، وأنّ الحقّ معك ، وأنّ الحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنّه لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبّ لك غداً حتّى يردوا الحوض معك ».

فخرّ عليّعليه‌السلام لله ساجداً ، ثمّ قال : «الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه إليّ ، وفضلاً منه عليّ».

_________

(1) الابدال : المبرّزون في الصلاح ، وسموا أبدالاً لأنّهم كلما مات منهم واحد اُبدل بآخر.«انظر : لسان العرب 11 : 49».

٣٦٦

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك : «لولا أنت يا عليّ لم يعرف المؤمنون بعدي»(1).

وهذا الخبر بما تضمنه من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام لو قسّم على الخلائق كلّهم من أوّل الدهر إلى آخره لاكتفوا به شرفاً ومكرمة وفخراً.

ومنها : أن شرّفه الله تعالى بطاعة النار لهعليه‌السلام .

روى الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول : «أنا قسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك »(2) .

قال : وحدّثني موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لقسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك ».

قال : فذكرته لمحمّد بن أبي ليلى فقال : يعني : أنّ وليّي في الجنّة

_________

(1) أمالي الصدوق : 86 ، كنز الفوائد 2 : 179 ، مناقب ابن المغازلي : 237 | 285 ، كفاية الطالب : 264 ، وقطعه منه في مناقب الخوارزمي : 220 ، مجمع الزوائد 9 : 131.

(2) لم يعد بمستغرب ان تجد. جملة كبيرة من الاحاديث الصحيحة والمشهورة تتعرض للتكذيب والطعن من قبل الامويين أو ممّن تشبع بروحهم المناصبة العداء لاهل البيتعليهم‌السلام . ، فهذا هو ديدنهم ، وتلك هي شمائلهم ، منذ بدء الدعوة الاسلامية المباركة والى يومنا هذا ، والامر لا يحتاج الى سرد وتوضيح ، فهو اجلى من الشمس فيرابعة النهار ، ولنا على صحة قولنا الف شاهد والف دليل.

ولعل من الاحاديث التي نالها بغض الامويين لاهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيماأمير المؤمنينعليه‌السلام حديث (قسيم النار) المشهور الذي حدث به الاعمش وغيره ، وحيث تجد إلى جانب ذلك الحديث كلام ممجوج يحاول الطعن بهذا الحديث دون حجة أو دليل.

نعم ، بل وتجد اشارات واضحة إلى محاولة ذلك البعض المنحرف لثني الاعمش عن رواية هذا الحديث أو تكذيبه ، على ما ذكر ذلك الذهبي في لسان الميزان (3 : 347) حيث ذكر عن عيسى بن يونس انه قال : ما رأيت الاعمش خضع إلآ مرة واحدة ، فأنّه

=

٣٦٧

وعدوّي في النار. قلت : سمعته؟ قال : نعم(1) .

وروى جابر الجعفي قال : أخبرني وصيّ الأوصياء قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : لا تؤذيني في عليّ ، فإنه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار»(2) .

ومنها : ما رواه عباد بن يعقوب ، ويحيى بن عبدالحميد الحماني قالا : حدّثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيدالله ، عن أبيه عبيداللهّ بن أبيرافع ، عن جدّه ابي رافع قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّعليه‌السلام ، وإنّ أصحاب

_________

=

حدثنا بهذا الحديث ـ أنا قسيم النارـ فبلغ ذلك أهل السنة فجاءوا فقالوا : التحديث بهذا يقوي الرافضية والزيدية والشيعة ، فقال [ اي الاعمش ] : سمعته فحدًثت به.

قال : فرأيته خضع ذلك اليوم.

بل وروى القاضي ابن ابي يعلى في طبقات الحنابلة ما هذا لفظه : سمعت محمّد بن منصور يقول : كنّا عند احمد بن حنبل فقال رجل : يا أبا عبدالله ، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى ان علياً قال : «انا قسيم النار».

فقال : وما تنكرون من ذا؟ أليس قد روينا ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : «لايحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟» قلنا : بلى.

قال : فاين المؤمن؟ قلنا : في الجنة.

قال : واين المنافق؟ قلنا : في النار.

قال : فعلي قسيم النار.

(1) أمالي الطوسي 2 : 241 ، مناقب ابن شهراشوب 2 : 157 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 244 | 754 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 260 ، فرائد السمطين 1 : 254 | 325 ، ولم يرد فيها ذيل الرواية.

(2) كتاب سليم بن قيس : 141 | ذيل حديث 30 ، أمالي الطوسي 1 : 296 ، بشارة المصطفى : 148 ، اليقين : 541.

٣٦٨

النبيّ كانوا يعرفون ذلك له فلا يأخذ بيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد غيره.

وقال الحماني في حديثه : كان إذا جلس اتّكأ على عليّ ، وإذا قام وضع يده على عليّعليه‌السلام (1).

ومنها : أنّه صاحب حوض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة.

روى محمّد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كأنّي أنظر إلى تدافع مناكب اُمّتي على الحوض ، فيقول الوارد للصادر : هل شربت؟ فيقول : نعم واللهّ لقد شربت ، ويقول بعضهم : لا واللهّ ما شربت فيا طول عطشاه »(2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلّيعليه‌السلام : «والذي نبّأ محمّداً وأكرمه ، إنّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء ، بيدك عصا من عوسج ، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي»(3) .

وعن طارق عن عليّعليه‌السلام قال : «ربّ العباد والبلاد ، والسبع الشداد ، لأذودنّ يوم القيامة عن الحوض بيديّ هاتين القصيرتين» قال : وبسط يديه(4).

_________

(1) مناقب ابن شهراشوب 2 : 219 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 306 | 8.(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار39 : 216 | 6.

(3) مناقب الخوارزمي : 60 ، ونحوه في مناقب ابن شهر آشوب 2 : 162 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 39 : 216 | 6.

(4) أمالي الطوسي 1 : 175 ، فضائل أحمد : 200 | 279 الرياض النضرة 3 : 186 ، مجمع الزوائد 9 : 135 ، وفيها نحوه.

٣٦٩

وفي رواية اُخرى : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لاقمعنّ بيديّ هاتين عن الحوض أعداءنا ، ولا وردنّ أحبّاءنا»(1) .

ومنها : اختصاصهعليه‌السلام بالمناجاة يوم الطائف.

فروي عن جابر بن عبدالله : أن النبي عليه وآله السلام لما خلا بعلي يوم الطائف وناجاه طويلاً قال أحد الرجلين لصاحبه : لقد طالت مناجاته لابن عمّه ، فبلغ ذلك النبيّ فقال : «ما أنا ناجيته ، بل الله انتجاه »(2).

ومنها : تفرّدهعليه‌السلام بآية النجوى والعمل بها.

فروي عن مجاهد قال : قال عليّعليه‌السلام : «آية من القران لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى ، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلّما أردت أن اُناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تصدّقت بدرهم ثمّ نسخت بقوله :( فَاِن لَم تَجدوا فَاِنّ اللهَ غَفُور رَحيم ) (3) (4).

_________

(1) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 162 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار39 : 216 | 6.

(2) بصائر الدرجات : 81 | 43 ، الأختصاص : 200 ، أمالي الطوسي 1 : 266 و 340 ، العمدة لابن بطريق : 362 | 703 ، مناقب ابن المغازلي : 125 | 164 ، ورواه الترمذي في صحيحه 5 : 639 | 3726 ، الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 327 و 328 ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى : 85 ، والرياض النضرة 3 : 170 ، إلا أن فيها «فقال الناس» بدل «فقال أحد الرجلين» ، وكذا رواه الخطيب في تاريخ بغداد 7 : 402 وفيه : «فقالوا» ، وابن الأثيرفي اُسد الغابة 4 : 27 وفيه «فقال بعض الصحابة».

(3) المجادلة 58 : 13.

(4) تفسير القمي 2 : 357 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 81 | 12174 ، تفسير الطبري 28 : 14 ، أحكام القرآن للجصاص3 : 428 ، مستدرك الحاكم 2 : 481 ، المناقب لابن ألمغازلي : 326 | 373 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 231 | 951 و 237 | 960 و 961 ، الرياض النضرة 3 : 170 ، تفسير ابن كثير 4 : 349.

٣٧٠

وفي رواية اُخرى : «بي خفّف الله عن هذه الاُمّة ، فلم تنزل في أحد قبلي ولا تنزل في أحد بعدي»(1).

وروى السندي ، عن ابن عبّاس قال : كان الناس يناجون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخلاء إذا كانت لأحدهم حاجة ، فشقّ ذلك على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ففرض الله على من ناجاه سرّاً أن يتصدّق بصدقة ، فكفّوا عنه وشقّ ذلك عليهم(2) .

ومنها : أنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق ..

فقد اشتهر عنهعليه‌السلام أنّه قال : «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقض على لسان النبيّ الاُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق »(3).

ومنها : ما قاله فيه يوم الحديبية لمّا كتبعليه‌السلام كتاب الصلح بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل مكّة فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم».

فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمّد ، فافتتحه بما

_________

(1) العمدة لابن بطربق : 185| 283 ، صحيح الترمذي 5 : 406| ذيل حديث 3300 ، خصائص النسائي : 161| ذيل حديث 152 ، مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 322 | ذيل حديث 400 ، تفسير الطبري 28 : 15 ، مناقب ابن المغازلي : 325| ذيل الحديث372 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 232 | ذيل حديث 953 و 234| ذيل حديث 954 و 955 ، كفاية الطالب : 136 ، ميزان الاعتدال 3 : 146.

(2) أحكام القران للجصاص 3 : 428 ، تفسير ابن كثير 4 : 350 ، وفيهما عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

(3) نهج البلاغة 3 : 163 | 45 ، أمالي الطوسي : 209 ، ربيع الأبرار للزمخشري 1 : 488.

٣٧١

نعرفه واكتب باسمك اللهم.

فقال : «اُكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت».

فقالعليه‌السلام : «لولا طاعتك يا رسول اللهّ لما محوت».

فقال النبيّ عليه واله السلام : «اكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللهّ سهيل بن عمرو».

فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة ، فامح هذا الاسم واكتب محمّد بن عبدالله.

فقال له عليّعليه‌السلام : «إنّه واللهّ لرسول اللهّ على رغم أنفك».

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «امحها يا عليّ».

فقال له : «يا رسول الله ، إنّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوّة».

قال : فضع يدي عليها. فمحاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال لعليّ : « ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض(1) »(2).

ومنها : ما رواه ربعي بن خراش عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

«أقبل سهيل بن عمر ورجلان - أوثلاثة - معه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبية فقالوا له : إنّه ياتيك قوم من سفلنا وعبداننا فارددهم علينا ، فغضب حتّى احمارّ وجهه ، وكان إذا غضبعليه‌السلام يحمارّ وجهه ثمّ قال : لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين. فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : «لا». قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، ولكنّه ذلكم خاصف النعل في الحجرة. وأنا أخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_________

(1) المضض : وجع المصيبة. «لسان العرب 7 : 233».

(2) تفسير القمي 2 : 312 ارشاد المفيد1 : 119 ونحوه في : صحيح مسلم 3 : 1409 | 90 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 362 | 10.

٣٧٢

وسلّم في الحجرة».

ثمّ قام وقال عليعليه‌السلام : "اما انه قد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كذّب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار»(1).

_________

(1) ارشاد المفيد 1 : 122 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 44 ، العمدة : 224 | 353 ، الترمذي5 : 634 | 3715 ، مناقب ابن المغازلي : 439 | 24 ، كفاية الطالب : 97 ، ذخائر العقبى : 76 ، وفيها باختلاف يسير ، ونحوه في : مستدرك الحاكم 4 : 298 ، ودون ذيله في : تاريخ بغداد 1 : 133 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 364 | 11.

٣٧٣

(الفصل الثاني)

في ذكر مقاماته في الجهاد مع النبي

صلى الله عليه وآله وسلّم ومواقفه ومشاهده

على سبيل الجملة والاختصار

الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : كانت راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليّعليه‌السلام في المواقف كلّها : يوم بدر ، ويوم اُحد ، ويوم حنين ، ويوم الأحزاب ، ويوم فتح مكّة وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة في المواطن كلّها ويوم فتح مكّة ، وراية المهاجرين مع عليّعليه‌السلام (1) .

ومن مقاماته الجليلة : مواساته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الفراش وبذله مهجته دونه ، قال ابن عبّاس : لمّا انطلق النبيّ إلى الغار أنام عليّاًعليه‌السلام في مكانه وألبسه برده ، فجاءت قريش تريد أن تقتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل يتضوّر(2) فلمّا نظروا إذا هو عليّعليه‌السلام (3) .

وروى علي بن هاشم ، عن محمّد بن عبدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع قال : كان عليّ يجهّز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حين كان في الغار ياتيه بالطعام والشراب ، واستاجر له ثلاث رواحل ، للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأبي بكر ولدليلهم ، وقيل : وخلّفه النبيّ صلّى الله عليه

_________

(1) انظر : كفاية الطالب : 335 ، وذخائر العقبى : 75.

(2) التضوّر : التلوي من وجع الضرب. «القاموس المحيط 2 : 77».

(3) تفسير فرات الكوفي : 10 ، مستدرك الحاكم 3 : 4 ، وفيهما نحوه ، ونقله المجلسي في

=

٣٧٤

وآله وسلّم يخرج إليه أهله فاخرجهم ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصاياه وماكان يؤتمن عليه من مال ، فادّى عليّعليه‌السلام أماناته كلّها.

وقال له النبيّ عليه واله السلام : «إنّ قريشاً لن يفتقدوني ما رأوك» فاضْطَجع على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت قريش ترى رجلاً على فراش النبيّ فيقولون : هو محمّد ، فحبسهم الله عن طلبه ، وخرج عليّ إلى المدينة ماشياً على رجليه فتورمت قدماه ، فلمّا قدم المدينة رآه النبيّ فاعتنقه وبكى رحمة له ممّا رأى بقدميه من الورم ، وأنّهما يقطران دماً ، فدعا له بالعافية ومسح رجليه ، فلم يشكهما بعد ذلك(1) .

ومن مقاماته في غزوة بدر : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ليلة بدر أن يأتيه بالماء حين قال لأصحابه : «من يلتمس لنا الماء» فسكتوا عنه فقال عليّعليه‌السلام : «أنا يا رسول الله ».

فاخذ القربة وأتى القليب فملأها ، فلما أخرجها جاءت ريح فاهرقته ثمّ عاد إلى القليب فملأها فجاءت ريح فاهرقته ، فلمّا كانت الرابعة ملأها فاتى بها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره بخبره ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمّا الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثالثة فإسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ».

رواه محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أبي رافع(2) .

ومنها : أنّهعليه‌السلام بارز الوليد بن عتبة فقتله ، وبارز عتبة حمزة بن

_________

=

بحار الأنوار 19 : 84 | 35.

(1) تاريخ ابن عساكر- ترجمة الإمام علي (ع ) - 1 : 154 ، ودون صدره في : اُسد الغابة 4 : 19 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 84 | 35.

(2) نحوه في : قرب الاسناد : 111 | 387 ، تفسير العياشي 2 : 65 | 70 ، ونقله المجلسي في

=

٣٧٥

عبدالمطّلب فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة بن الحارث فاختلفت بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه عليّعليه‌السلام بضربة بدربها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة ، وكان قتل هؤلاء أوّل وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم ، ونصرة وعزّ للمؤمنين.

وقتل أيضاً بعده العاص بن سعيد بن العاص.

وقتل حنظلة بن أبي سفيان ، وطعيمة بن عدي ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ، ولمّا عرف النبيّعليه‌السلام حضوره يوم بدر قال :

«اللهم اكفني نوفل بن خويلد».

ولم يزل عليه‌السلام يقتل منهم واحداً بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً ، وختم الأمر بمناولته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّاً من الحصى ، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : «شاهت الوجوه» فولّوا على أدبارهم منهزمينوكفى الله المؤمنين شرّهم (1) . ومن مقاماته عليه‌السلام في غزوة اُحد : أنّ الفتح كان له في هذه الغزاة كما كان بيده يوم بدر ، واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر.

قال أبو البختري القرشيّ : كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصيّ ابن كلاب ، ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبدالمطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها علي بن أبي طالب في غزوة ودّان ، وهي أوّل غزوة حمل فيها راية في الإسلام مع النبيّ ، ثمّ لم تزل معه في المشاهد : ببدر وهي البطشة الكبرى ، وفي يوم اُحد وكان اللواء يومئذ في بني عبدالدار فاعطاها رسول الله صلّى الله عليه

ــــــــــــــــــ

=

بحار الأنوار 19 : 293 | 36.

(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 70.

٣٧٦

وآله وسلّم مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده ، فتشوّفته القبائل ، فاخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفعه إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ فجمع له الراية واللواء ، فهما إلى اليوم في بني هاشم.

وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة - وكان يدعى كبش الكتيبة - فتقدّم وتقدّم عليّعليه‌السلام ، وتقاربا فضربه عليّ ضربة على مقدّم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يده ، فاخذه أخ له يقال له : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخٌ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله ، فاخذه عبدٌ لهم يقال له : صواب ، وكان من أشدّ الناس فضربه عليّعليه‌السلام فقطع يمينه ، فاخذ اللواء بيده اليسرى فضرب عليّ يده فقطعها ، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه المقطوعتين عليه فضربه عليّعليه‌السلام على اُمّ رأسه فسقط صريعاً وانهزم القوم.

وأكبّ المسلمون على الغنائم ، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار وأمّر عليهم رجلاً منهم ، وقال لهم : «لا تبرحوا مكانكم وإن قتلنا عن آخرنا» فلمّا رأى أصحاب الشعب الناس يغتنمون قالوا لأميرهم : نريد أن نغتنم كما غنم الناس ، فقال : إنّ رسول الله قد أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا ، فقالوا له : إنّه أمرك بهذا وهو لا يدري أنّ الأمر ، يبلغ إلى ما نرى ، ومالوا إلى الغنائم وتركوه.

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، وجاء من ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريده ، وقُتل من ، أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبعون رجلاً وانهزموا هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون الجبال وفي كلّ وجه ، ولم يبق معه إلاّ أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكلّما حملت طائفة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٧٧

استقبلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام فدفعهم عنه حتّى انقطع سيفه ، فلمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : «إليّ أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله»؟!!

وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً ، منهم : طلحة بن عبيدالله وعاصم بن ثابت ، وصد الباقون الجبل ، وصاح صائح بالمدينة : قُتل رسول الله ، فانخلعت القلوب لذلك ، وتحيّر المنهزمون فاخذوا يميناً وشمالاً.

وروى عكرمة قال : سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول : «لمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحقني من الجزع عليه مالم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول الله ليفرّ وما رأيته في القتلى فاظنّه رُفع من بيننا ، فكسّرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لاُقاتلنّ به عنه حتّى أقتل ، وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد وقع على الأرض مغشيّاً عليه ، فقمت على رأسه فنظر إليّ فقال : ما صنع الناسيا عليّ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولّوا الدبر واسلموك ، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ردّ عني يا عليّ هذه الكتيبة ، فحملتعليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتّى ولّوا الأدبار فقال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما تسمع مديحك في السماء ، أنّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ» فبكيت سروراً وحمدت الله على نعمه ».

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وانصرف المشركون إلى مكّة ، وانصرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام ومعها إِناء فيه ماء فغسلت به وجهه

٣٧٨

ولحقه أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعه ذو الفقار وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال لفاطمةعليها‌السلام : «خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم ، وقال :

أفاطم هاك السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد

وطاعة ربٍّ بالعباد عليم »

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خذيه يا فاطمة ، فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش»(1) .

ومن مقاماته المشهورة في غزوة الأحزاب : قتله عمرو بن عبد ود ، فروى ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبدالله ، إنّا لنتحدّث عن عليّعليه‌السلام ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة : إنّكم تفرطون في عليّعليه‌السلام ، فهل أنت محدّثي بحديث فيه؟

فقال حذيفة : يا ربيعة ، والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفّة الميزان منذ بعث الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم الناس هذا ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الاُخرى لرجّح عمل عليّعليه‌السلام على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يُقعد!

فقال حذيفة : يا لكع(2) وكيف لا يحمل ، وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فاحجم الناس كلّهم ما خلا علياً فإنّه برز إليه فقتله الله على يده ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل

_________

(1) ارشاد المفيد 1 : 79 ، وأورد منه القمي في تفسيره 1 : 112قطعاً متفرقة ، وكذا في : مناقب ابن شهرآشوب 3 : 123 و 125 و 299.

(2) اللكع : اللئيم والعبد الذليل النفس : «الصحاح - لكع - 3 : 1280»

٣٧٩

جميع أصحاب محمد إلى يوم القيامة(1) .

وروى الواقدي قال : حدّثنا عبد اللهّ بن جعفر ، عن (ابن أبي عون )(2) عن الزهري قال : جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبدالله بن المغيرة وضرار بن الخطّاب الفهري في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطيفون به يطلبون مضيقاً منه ليعبروا ، فانتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا يجولون بخيلهم فيما بين الخندق وسلع ، والمسلمون وقوف لا يقدم أحدٌ منهم عليهم ، وجعل عمرو بن عبد ود يدعوإلى البراز ويقول :

ولقد بَحِحت من النداء بجمـ

ـعهم : هل مِن مبارز؟

ـ الأبيات ـ.

في كلّ ذلك يقوم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام من بينهم ليبارزه فيامره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلوس انتظاراً منه ليتحرّك غيره ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود وممّن معه ووراءه ، وكان عمرو فارس قريش وكان يعدّ بالف فارس ، فلما طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام عليّعليه‌السلام قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادن منّي» فدنا منه ، فنزع عمامته عن رأسه وعمّمه بها وأعطاه

_________

(1) ارشاد المفيد ا : 153 ، ارشاد القلوب : 245 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 60.

(2) في نسختي «ط» و«ق» : ابن عون ، وفي نسخة «م» : ابي ، واثبتنا الصواب ، وهو عبدالرحمن ابن ابي عون ، ويعرف بابن ابي عون ، وهو موافق لما في مغازي الواقدي وارشاد المفيد.

ذكره ابن حجر في تهذيبه (6 : 388 | 820) وقال : عبدالواحد بن ابي عون الدوسي ، ويقال الأويسي المدني ، روى عن سعد بن إبراهيم ، والقاسم بن محمد ، وسعيد المقبري ، وابن المنكدر ، والزهري...

توفي سنة (144هـ ).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555