إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء ١

إعلام الورى بأعلام الهدى0%

إعلام الورى بأعلام الهدى مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555

إعلام الورى بأعلام الهدى

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (أمين الإسلام)
تصنيف: ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: 555
المشاهدات: 128749
تحميل: 10080


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 555 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128749 / تحميل: 10080
الحجم الحجم الحجم
إعلام الورى بأعلام الهدى

إعلام الورى بأعلام الهدى الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-319-010-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(الفصل الثاني)

في ذكر الدلائل على إمامته

وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه

تدلّ على إمامتهعليه‌السلام جميع الطرق الاعتبارية والإخباريّة التيذكرناها في إمامة الحسنعليه‌السلام بعينها ، فإن جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام من بعده مثلاً بمثل ، وقد صرّح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامته أيضاً بقوله : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(1) .

وأيضاً فإنّ وصيّة الحسنعليه‌السلام إليه تدلّ على إمامته كما دنت وصيّة أميرالمؤمنينعليه‌السلام إلى الحسنعليه‌السلام على إمامته ، بحسب ما دلّت وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام على إمامته من بعده.

وممّا جاء من الأخبار في وصيّة الحسنعليه‌السلام إليه ما رواه محمد ابن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن محمد ابن سليمان الديلميّ ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام يقول : «لمّا احتضر الحسنعليه‌السلام قال للحسين : يا أخي إنّي اُوصيك بوصيّة (فاحفظها)(2) إذا أنا متّ فهيئني ووجّهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به

_________

(1) تقدّم في صفحة : 407 هامش (3).

(2) أثبتناها من المصدر.

٤٢١

عهداً ، ثمّ اصرفني إلى اُمّي فاطمةعليها‌السلام ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع »(1) إلى آخر الخبر.

وروى محمد بن يعقوب بإسناده ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : «لمّا حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد؟ فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي(2) .

قال : فاتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير؟ قلت : أجب أبا محمد.

فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو ، فلمّا قام بين يديه سلّم فقال له الحسنعليه‌السلام : إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود زبوراً ، وقد علمت بما استأثر [به] محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا محمد بن علي ، إنّي أخاف عليك الحسد ، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال :( كفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ فاتَبيَّنَ لَهُم الحقّ ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.

يا محمد بن عليّ ، ألا اُخبرك بما سمعت من أبيكعليه‌السلام فيك؟

قال : بلى.

قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا

_________

(1) الكافي 1 : 30 | 24 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |1.

(2) هو أخوه محمّد بن الحنفية.

٤٢٢

والآخرة فليبر محمداً ولدي.

يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهرأبيك لأخبرتك.

يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها الله له في وراثة أبيه واُمّه ، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين.

فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمامي وسيّدي ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ، وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ، حتّى لا يجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله ، الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يُخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما اختار محمداً اختار محمد عليّاً إماماً واختارك عليٌّ بعده واخترتَ الحسينعليه‌السلام بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات »(1) .

وفي حديث حبابة الوالبيّة الذي رويناه هناك(2) ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته.

فكانت إمامتهعليه‌السلام ثابتة بعد أخيه الحسنعليه‌السلام وإن لم

_________

(1) الكافي 1 : 239| 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 |2.

(2) تقدم في صفحة : 458.

٤٢٣

يدع إلى نفسه ؛ للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وجرى فيذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله السلام مع الكفّ والصموت ، ومجرى أخيهعليه‌السلام في زمان الهدنة والسكوت ، فلمّا انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية ، واجتمع له في الظاهر الأنصار ، أظهر أمره بعض الإظهار ، وتشمّر للقتال ، وقدّم إلى العراق ابن عمّهعليه‌السلام مسلماً للاستنصار.

فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة ، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيداً كما استشهد أبوه وأخوهعليهم‌السلام .

***

٤٢٤

(الفصل الثالث )

في ذكر بعض خصائصه ومناقبه

وفضائله صلوات الله عليه

كانعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صدره إلى رجليه وكان الحسنعليه‌السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم(1) .

وروى سعيد بن راشد ، عن يعلى بن مرّة قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط »(2) .

وروى عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال : «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إيهاً(3) حسن خذ حسيناً ،

_________

(1) تقدم في صفحة : 413

(2) كامل الزيارات : 52 و 53 ، ارشاد المفيد 2 : 127 ، المصنّف لابن أبي شيبة 12 : 102 | 12244 ، سنن ابن ماجة 1 : 51 ، الأدب المفرد للبخاري 1 : 364 | 455 ، والتاريخ الكبير 8 : 414 | 3536 ، مسند أحمد 4 : 172 ، صحيح الترمذي 5 : 658 | 3775 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 20 | 2586 و 2587 و 2589 ، مستدرك الحاكم 3 : 177 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 79 | 112 ، اُسد الغابة 2 : 19 ، جامع الأصول 9 : 29 ، ذخائر العقبى : 33 1 ، سير أعلام النبلاء 3 : 190 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 3 4 : 270 | 35.

(3) إيهِ : اسم سُميَ به الفعل ، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل : إيهِ (بكسر الهاء). قال ابن السكيت : فإن وصلت نؤنت فقلت : إيهٍ حدثنا. »الصحاح ـ أيه ـ 6 : 2226».

٤٢٥

فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جبرئيل يقول للحسين : ايهاً حسين خذ حسناً»(1) .

وروى الأوزاعي ، عن عبدالله بن شدّاد ، عن اُمّ الفضل ، أنّها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.

قال : «وما رأيت؟».

فقالت : إنّه شديد.

قال : «وما هو؟».

قالت : رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك ».

فولدت الحسينعليه‌السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله.

قالت : فدخلت به يوماً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللهّصلى‌الله‌عليه‌وآله تهرقان بالدموع ، فقلت : بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك؟

قال : «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة

_________

(1) قرب الاسناد : 101 | 339 ، أمالي الصدوق : 361 ، ارشاد المفيد 2 : 128 ، أمالي الطوسي 2 : 172 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 393 ، مقتل الخوارزمي : 105 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 116 ـ 117 |154 ـ 156 ، أسد الغابة 2 : 19 ، ذخائر العقبى : 134 ، الاصابة : 1 : 332 ، وفي بعضها باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار43 : 276 | 45.

٤٢٦

من تربته حمراء»(1) .

وفي مسند الرضاعليه‌السلام : عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.

قالت أسماء : فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك؟

قال : من ابني هذا.

قلت : إنّه ولد الساعة!

قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي ، ثمّ قال : يا أسماء ، لا تخبري فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.

فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي.

فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون.

فقال : وما اسم ابن هارون؟

قال : شبير.

_________

(1) ارشاد المفيد 2 : 129 ، دلائل الامامة : 72 ، مستدرك الحاكم 3 : 176 ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 468 ، مقتل الخوارزمي 1 : 158 ، البداية والنهاية 6 : 230.

٤٢٧

قال : لساني عربيّ.

قال : سمّه الحسين.

فسمّاه الحسين ، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً ، وطلى رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهليّة ، وأعطى القابلة فخذ كبش »(1) .

وروى الضحّاك ، عن ابن المخارق ، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالس والحسينعليه‌السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت : يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك؟

قال : «جاءني جبرئيلعليه‌السلام فعزّاني بابني الحسين ، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله ، لا أنالهم الله شفاعتي »(2) .

وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟

فقال : «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال : «خذيه واحتفظي به ».

فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها ، فلمّا خرج الحسينعليه‌السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه ،

_________

(1) عيون أخبار الرضا (ع ) 2 : 25 | ضمن حديث 5.

(2) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 7.

٤٢٨

فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم ـ وهو اليوم الذي قُتل فيه ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط ، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه ، فحقّق مارأيت(1) .

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «قال لي جبرئيلعليه‌السلام : إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً ، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً»(2) .

وروى سفيان بن عيينة ، عن عليّ بن زيد ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال : «خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا ، وقال يوماً : من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل »(3) .

وروى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول : لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسينعليه‌السلام (4) .

_________

(1) ارشاد المفيد 2 : 130 ، كشف الغمة 2 : 8 ، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2 : 245.

(2) تاريخ بغداد ا : 2 4 1 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ 241 | 286 ، الفردوس لابن شيرويه 3 : 187 | 4515.

(3) ارشاد المفيد 2 : 32 1 ، مجمع البيان 3 : 502 ، كشف الغمة 2 : 9.

(4) ارشاد المفيد 2 : 132 ، كشف الغمة 2 : 9 ، طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين

(ع) ـ ج 8 انظر : مجلة تراثنا العدد 10 : ص 200 ح 326 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام

علي (ع) ـ : 245 | 298 ، وباختلاف يسير في : المعجم الكبير للطبراني 3 : 122 | 2840 ، ونحوه في : سير أعلام النبلاء 3 : 312 ، وتاريخ الاسلام للذهبي : ص 15حوادث سنة 61.

٤٢٩

وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال : أخبرنا القطّان : حدّثنا عبدالله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا سليمان ابن حرب ، حدّثنا حمّاد بن زيد ، عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ؟

فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط(1) .

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيّام الحسينعليه‌السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة(2) .

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلاً في عسكر الحسينعليه‌السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها ، قال : فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً(3) .

وعن ابن عبّاس قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه؟

_________

(1) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 127 |2856 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 314 ، وتاريخ الاسلام : ص 16 حوادث سنة 61 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 197.

(2) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3 : 120 | 2836 ، وابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 242 | 289 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 196.

(3) دلائل النبوة للبيهقي 6 : 472 ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 : 313 ، وتاريخ الاسلام : ص 15 حوادث سنة 61.

٤٣٠

قال : «هذا دم الحسينعليه‌السلام وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ».

فاُحصي بذلك الوقت فوجد [قد] قتل ذلك اليوم(1) .

وعن نضرة الأزديّة : لمّا قتل الحسين بن عليعليهما‌السلام مطرت السماء دماً ، فأصبحت وكلّ شيء لنا ملء دم(2) !!

وروى محمد بن مسلم ، عن السيدين الباقر والصادقعليهما‌السلام قال : سمعتهما يقولان : «إنّ الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام من قتله : أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولاتُعدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره ».

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه؟

قال : «إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان معه في درجته ومنزلته » ثمّ تلا أبو عبداللهعليه‌السلام :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتبَعَتهُم ذُرِيّتهُم بإيفانٍ أَلحَقتا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم ) (3) (4) .

وَالأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.

_________

(1) مسند أحمد 1 : 242 و 283 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 116 | 2822 ، مستدرك الحاكم 4 : 397 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ بغداد 1 : 142 ، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع) - : 261 | 325 ، اُسد الغابة 2 : 23 ، سير أعلام النبلاء 3 : 315 ، تاريخ الاسلام للذهبي : ص 17 حوادث سنة 61 ، البداية والنهاية 6 : 231 ، تهذيب التهذيب 2 : 355 ، مجمع الزوائد 9 : 194.

(2) طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ ج 8 انظر : مجلة تراثنا العدد 10 : ص 199ح 321 ، دلائل النبوة للبيهقي 6 : 471 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ244 |295 ، سير أعلام النبلاء 3 : 312.

(3) الطور 52 : 21.

(4) أمالي الطوسي ا : 324.

٤٣١

وممّا روي في السبطينعليهما‌السلام : ما رواه عتبة بن غزوان قال : كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره ، فانصرف فوضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة ، فقالقوم : أتحبّهما يا رسول الله؟

فقال : «ما لي لا اُحبّ ريحانتيّ من الدنيا»(1) .

وروى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : «الحسن والحسين ابنيّ من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه »(2) .

وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ الحسن والحسين شنفا(3) العرش ، وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ اسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال لها الله تعالى : «ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، قال : فماست كما تميس(4) العروس فرحاً»(5) .

وروى عبدالله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : كان رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم يخطبنا فجاء الحسن والحسينعليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________

(1) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 383.

(2) مستدرك الحاكم 3 : 166 ، وباختلاف يسير في : إرشاد المفيد 2 : 28 ، وتاريخ ا بن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : 97 - 98 | 131 و 132 ، كفاية الطالب : 422.

(3) الشنف : القرط الأعلى. « الصحاح ـ شنف ـ 4 : 1383 ».

(4) الميس : ضرب من الميسان ، أي ضرب من المشي في تبختر وتهاد ، كما تميس الجارية العروس «العين 7 : 323».

(5) ارشاد المفيد 2 : 127 ، مناقب ابن شهرآشوب : 395 ، وقطعة منه في : تاريخ بغداد 2 : 238 ، ومجمع الزوائد 9 : 184 ، وكنز العمال 12 : 121.

٤٣٢

من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثمّ قال : «صدق الله تعالى :( اِنّما اَموالُكُم وَاَولأدُكُم فِتنَةٌ ) (1) نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما»(2)

وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته ، وفضل تربته ، وكيفيّة أخذها ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بجلال رتبته ، وعلوّ منزلته عند الله فكثيرة ، وما ذكرناه كاف في هذا الباب.

_________

(1) الأنفال 8 : 28 ، التغابن 64 : 15.

(2) مسند أحمد 5 : 4 35 ، صحيح الترمذي 5 : 658 | 3774 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : 107 | 144 و 145.

٤٣٣

(الفصل الرابع)

في ذكر جملة مختصرة من أخبار خروجه

ومقتله عليه السلام

ذكر الثقات من أصحاب السير : أنّه لمّا مات الحسن بن عليّعليهما‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية ، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية ، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسينعليه‌السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسينعليه‌السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».

وصارعليه‌السلام إلى الوليد ، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد ، فقال الحسينعليه‌السلام : «إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً».

فقال الوليد : أجل.

فقال الحسينعليه‌السلام : «فنصبح ونرى في ذلك ».

فقال الوليد : إنصرف على اسم الله تعالى.

فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب عند ذلك الحسينعليه‌السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني

٤٣٤

أو هو؟ كذبت والله وأثمت » فخرج.

فقال مروان للوليد : عصيتني.

فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً ، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة.

فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت.

وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة ، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه.

فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسينعليه‌السلام ليبايع فقالعليه‌السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرجعليه‌السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه.

وخرج الحسينعليه‌السلام وهو يقول :( فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ ) (1) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول :( وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل ) (2) .

وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا

_________

(1 و 2) القصص 28 : 21 ـ 22.

٤٣٥

يبايعونه مادام الحسينعليه‌السلام بالبلد.

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل(1) .

فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة.

«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين.

أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ)(2) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».

ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة

_________

(1) ارشاد المفيد 2 : 32 ، روضة الواعظين : 171 ، ورواه مقطعاً الطبري في تاريخه 5 : 339 و 343 و 351 باختلاف ، ونحوه في : مقتل أبي مخنف : 27 ، ومقتل ابن طاووس : 14 وتذكرة الخواص : 213 و 220.

(2) في الارشاد : هانئاً وسعيداً.

٤٣٦

ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي.

فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة ، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد(1) .

وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ. وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك.

فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم.

فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد إليه ، وكتب إليه : أن سر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أوتنفيه والسلام.

فلمّا وصل العهد والكتاب إلى عبيدالله أمر بالجهاز من وقته والمسير إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك بن الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد

_________

(1) وقعة الطف لأبي مخنف : 220 ، ارشاد المفيد 2 : 39 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 90 ، مقتل ابن طاووس : 16 ، روضة الواعظين : 173 ، تاريخ الطبري 5 : 353 ، تذكرة الخواص : 220.

٤٣٧

بلغهم إِقبال الحسينعليه‌السلام ، فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا أنّه الحسينعليه‌السلام ، فكان لا يمرّ على ملأ من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا : مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخّروا ، هذا الأمير عبيدالله بن زياد ، وسار حتّى وافى قصر الأمارة فأغلق النعمان بن بشير عليه حتّى علم أنّه عبيدالله ففتح له الباب(1) .

فلمّا أصلح نادى في الناس الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخطب وقال :

أمّا بعد : فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبقِ امرؤٌ على نفسه (الصدق ينبىء عنك لا الوعيد)(2) .

ثمّ نزل وأخذ الناس أخذاً شديداً.

ولمّا سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً.

ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضاً ، ومرض فاُخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : اُدخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكّن جالساً فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي

_________

(1) ارشاد المفيد 2 : 42 ، روضة الواعظين : 173 ، ونحوه في مقتل الحسين للخوارزمي : 198 ، وتهذيب التهذيب 2 : 302.

(2) قال الجوهري في الصحاح (6 : 2500) : في المثل «الصدق ينبىء عنك لا الوعيد» : أيأن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد.

٤٣٨

عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد ، ولو منّ الله عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة.

فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ، واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكاً وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الإيمان قيد الفتك ».

فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادراً فاجراً كافراً. ثمّ مات شريك من تلك العلّةرحمه‌الله .

ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم(1) ثمّ اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، فإذا اطمأنّوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورححتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل.

ففعل ذلك ، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبدالله إنّي امرؤٌ من أهل الشام ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرّني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية ، فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيراً ، فخذ منّي البيعة.

فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، ثمّ قال : اختلف إليّ ايّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثمّ أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى علم ما احتاج إليه ابن زياد ، وكان

_________

(1) في المصادر : ثلاثة آلاف درهم.

٤٣٩

يخبره به وقتاً وقتاً.

وخاف هانئ بن عروة على نفسه من عبيدالله بن زياد ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد : مالي لا أرى هانئاً؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم : ما يمنع هانئاً من إتياننا؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنّه يشتكي ، قال : قد بلغني أنّه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا.

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ـ وهو على باب داره جالس ـ فقالوا : مايمنعك من لقاء الأمير؟ فقال لهم : الشكوى تمنعني من لقائه ، فقالوا له : قد بلغه أنّك تجلس على باب دارك عشيّة وقد استبطاك ، فدعا بثيابه فلبسها ، ودعا ببغلته فركبها ، فلمّا دخل على ابن زياد قال : أتتك بحائن رجلاه(1) والتفت نحوه وقال :

اُريدُ حِباءَهُ(2) ويُريدُ قتلي

يرَكَ مِن خَليلكَ مِن مُراد(3)

فقال هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : ما هذه الاُمور التي تربصّ فيدورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الرجال والسلاحِ قال : ما فعلت ذلك ، قال : بلى.

ثمّ دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك اللعين ـ فجاء حتّى وقف بين يديه ، فلمّا راه هانئ علم أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم فقال : اسمع منّي

_________

(1) مثل يضرب لمن يسعى إلى مكروه حتى يقع فيه. «جمهرة الأمثال للعسكري 1 : 119| 114 » ، والحائن : الهالك. «لسان العرب ـ حين ـ 13 : 136».

(2) في نسخة «ق » : حياته.

(3) البيت لعمرو بن معدي كرب أنظر : كتاب سيبويه 1 : 276 ، الأغاني 10 : 27 ، العقدالفريد 1 : 121 ، جمهرة اللغة 6 : 361.

٤٤٠