النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام37%

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 153

  • البداية
  • السابق
  • 153 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36594 / تحميل: 5794
الحجم الحجم الحجم
النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

عرض لنفقات الدولة

وفيما يلي نحاول أن نستعرض وجوه النفقات في الفقه الإسلامي، بالشكل الذي يعرضه القرآن الكريم.

وقد نظم الفقه الإسلامي وجوه النفقة التي يجب على السلطة القيام بها بشكل يفي بكل الحاجات الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والعمرانية، وما يتجدد من حاجة في البلاد.

ولكي نستعرض هذه النفقات بشكلها التشريعي نحاول أن ندرس هذا الجانب من البحث في ضوء آيتين من القرآن الكريم، هما آيتا الزكاة والخمس.

آية الزكاة

قال الله - تعالى -:( إنَّماَ الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمسَاكِينَ، وَالْعامِلينَ عَليْها، وَالْمُؤلَّفةِ قُلُوبُهُم، وَفيِ الرِّقابِ، وَالْغارِمِينَ، وَفيِ سَبِيلِ اللهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ... ) (١) .

ويلمح الباحث من سياق الآية الكريمة نحوين من المصارف يختص الأول منهما بتملك هذه النفقات. ويختص الثاني بصرفها عليه.

____________________

(١) سورة التوبة: ٦٠.

٦١

ويشعر بذلك موضع «اللام» و«في» في الآية الكريمة.

فقد أضافت الآية الكريمة الصدقات إلى الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ب «اللام» مما يشعر بأنهم أشخاص حقيقيون يملكون هذه الصدقات.

وأضافت «الصدقات» إلى «الرقاب» و«الغارمين» و«سبيل الله» و«ابن السبيل» بكلمة «في» أو بالعطف عليها مما يشعر بأنها مرافق عامة وجهات اجتماعية تختص بهذه المصارف وليست أشخاصاً تملك ذلك.

فالنفقات المالية للدولة الإسلامية على نحوين:

١ - نفقات عامة تبذل على أشخاص حقيقيين يملكونها (التمليك).

٢ - نفقات عامة تصرف على جهات ومرافق اجتماعية تختص بها من دون أن تملكها (الصرف والاختصاص).

وعلى ضوء من هذا النهج نحاول أن نستعرض آية الزكاة بالبحث الفقهي.. ونتناول هذه المصارف واحداً بعد آخر.

(أ) النفقات الشخصية

وهي النفقات التي تبذل لأشخاص من الفئات التالية:

١ - الفقراء،٢ - المساكين،

٣ - العاملون عليها،٤ - المؤلفة قلوبهم.

٦٢

١، ٢ - الفقراء والمساكين:

والظاهر أن المسكين أشد فقراً من الفقير، بحيث يضطر للسؤال.

والفقير هو المحتاج المتعفف، الذي لا يملك قوت سنته، ولم يبلغ به الحال حد الاستجداء(١) .

والفقراء والمساكين - في حدود هذا المعنى - يملكون سهماً من سهام الزكاة، يصرفونه على شؤونهم الخاصة والعامة مما يحتاجون إليه.

أقسام الفقر:

والفقر على ثلاثة أقسام:

فقد ينشأ الفقر عن عجز الشخص عن الاكتساب، لآفة في جسمه أو لعاهة تلازمه.

وقد يكون الشخص قادراً على الاكتساب، ولا يحمل أي مرض يقعده عن العمل. ولكن اشتغاله بالخدمات العامة يمنعه عن الاكتساب، فلا يملك قوت سنته.

وقد يكون الشخص سليماً قوياً فارغاً من أي نشاط عملي أو فكري، مهملاً، عاطلاً.

____________________

(١) راجع تفسير التبيان: ٥ / ٢٨٣. وتفسير الطبري: ١٠ / ١٥٩.

٦٣

ولكن من هذه الأقسام الثلاثة حكم خاص في التشريع الإسلامي:

(أ) المرض والشيخوخة:

فإن كان الفقر ناشئاً عن عجزه عن العمل لعاهة جسمية أو مرض عصبي أو شيخوخة، فلا شك في شمول الآية له.

وقد خصصت الشريعة الإسلامية لهم سهماً من الزكاة، ليحفظ لهذه الطبقة من المسلمين كرامتها، ويكف وجوههم وأيديهم عن ذل الاستعطاء.

كما قررت الشريعة أن تصرف الدولة من بيت المال راتباً على الفقراء العاجزين عن العمل بمرض أو شيخوخة.

فقد ورَد عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام . قال: مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل. فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما هذا؟ قالوا يا أمير المؤمنين نصراني. فقال أمير المؤمنين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه. انفقوا عليه من بيت المال(١) .

وهذا الحق الذي يفرضه الإسلام للفقراء والمعوزين من المرض والشيوخ يشبهه - إلى حد ما - (حق التقاعد) في الأنظمة الحديثة.

____________________

(١) رسائل الشيعة كتاب الجهاد: ١٠ من أبواب جهاد العد وما يناسبه.

(ب) القائمون بالخدمات العامة:

٦٤

وقد يكون الفقر ناشئاً عن الإشتغال بالخدمات الاجتماعية العامة، كالتعليم، والتبشير، والدعوة، والطباعة، وحفظ الأمن الداخلي وحفظ الثغور، والجهاد، والإدارة.. وما شابه ذلك.

وهؤلاء - في الغالب - أُناس يصلحون للإكتساب والعمل، وليس بهم شيء من الكسل أو الإهمال.. ولكن اشتغالهم بالخدمات الاجتماعية لا يفسح لهم مجالاً للعمل والاكتساب؛ فيدخلون في عداد الفقراء الذين لا يملكون قوت سنتهم.

ولابد أن نشير إلى أن الآية الكريمة لا تقصد بالفقراء السائلين باليد أو المقعدين والعاجزين والمرضى فحسب.. وإنما تشمل كل من يقصر ماله على تمويله سنة كاملة (واحدة). سواءاً كان الفقر ناشئاً عن عجز أو عاهة في الجسم أو كان ناتجاً عن اشتغال الإنسان بالخدمات الإجتماعية الواجبة بحيث تستوعب وقته، ولا تسمح له بالوقت الكافي لينصرف إلى بعض أسباب الرزق.

والإنسان في هذه الحالة يحق له أيضاً أن يسترزق من بيت المال بصورة محترمة تليق بمكانته، ويأخذ من بيت المال ما يكفيه ويغنيه، ليس على سبيل الاجرة والجزاء، وإنما على سبيل الحاجة والاستحقاق.

وقد يدل وضعه على بعض اليسر والسعة والرفاهية، كما لو

٦٥

كان يملك مركباً مناسباً له وخادماً وبيتاً للسكنى. ومع ذلك فلا يمنع ذلك من أن يأخذ حاجته وحاجة عياله من بيت المال.

قال السيد الطباطبائي اليزدي:

«ودار السكن والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله، ولو لعزه وشرفه، لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها»(١) .

ولا يقتصر فيما يدفع لهم على قدر الحاجة والكفاف، وإنما يبذل لهم من مال الزكاة ما يلائم مكانتهم الاجتماعية وما يغنيهم.

فقد سئل أبو جعفر -عليهما‌السلام -: «كم يعطى الرجل من الزكاة؟ فقال: اعطه من الزكاة حتى تغنيه»(٢) .

وقال رجل لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : «اعطي الرجل من الزكاة مائة درهم؟ قال: نعم. قال: مائتين؟ قال: نعم. قال: خمسمائة؟ قال: نعم.. حتى تغنيه»(٣) .

وكذلك يظهر للباحث من خلال الكتاب والسنة أنه ليس في تقبل هذه الطائفة للزكاة ما يشعر بالهوان، وإنما هو حق طبيعي لهم، يتقاضونه من الدولة كما يتقاضون أي حق آخر لهم.

ويدخل رجال الثقافة والفقهاء، والعلماء، والأطباء،

____________________

(١) العروة الوثقى: كتاب الزكاة.

(٢) جواهر الكلام: كتاب الزكاة.

(٣) جواهر الكلام: كتاب الزكاة.

٦٦

ورجال الشرطة والإدارة، والجند.. في عداد هؤلاء وتيسر لهم الدولة حياتهم المادية، ليتفرغوا لما يُقدِّمون للمجتمع من خدمات عامة، وإن كانوا يقدرون على الاكتساب.

قال الفقيه اليزدي في «العروة الوثقى»:

«لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان مما يجب تعلمه عيناً أو كفاية، وكذا إذا كان مما يستحب تعلمه»(١) .

وعن مؤلف «جواهر الكلام» عن «نهاية الأحكام» و«السنن» و«التحرير» وغيرها:

«لو كان التكسب يمنع من التفقه في الدين، جاز أخذها؛ لأنه مأمور به إذا كان من أهله.. وجاز الإنشغال بالتعليم والتعلم عن الاكتساب»(٢) .

وكذلك شأن القضاة والحكام، والجند والشرطة، وأطباء المستشفيات العامة، والسعاة - كما تصرح به الآية الكريمة - من الذين يقومون بالخدمات الاجتماعية داخل الإدارة الحكومية وخارجها -.

____________________

(١) العروة الوثقى: كتاب الزكاة.

(٢) جواهر الكلام: كتاب الزكاة: ٧٧.

٦٧

أصل التوظيف في الإسلام:

ومن هنا يتبين للباحث، شكل «التوظيف» في الدولة الإسلامية.

فالراتب الذي يأخذه الموظف في مجتمع غير إسلامي..، إنما يأخذه ازاء ما يُقدِّمه من خدمات اجتماعية في حقول الثقافة والطب والمحافظة على الأمن والإدارة.

أما في الدولة الإسلامية، فهذه الخدمات تعتبر واجبات شرعية عينية أو كفائية، يستحقها المجتمع على كل فرد مسلم أو أفراد مخصوصين.

فالمريض يستحق من الطبيب، المعالجة، والجاهل يستحق من العالم، التثقيف، والمجتمع يستحق من رجال الشرطة والجند، الأمن الداخلي والخارجي، والأُمة تستحق على الحكومة، الرعاية. ولا يجوز مطالبة شيء - عادة - إزاء هذه الحقوق، إذا اعتبرناها فرائض شرعية واجبة.

ويُقدِّم لهم بيت المال أرزاقهم بصورة محترمة، ليتفرغوا لمهامهم الاجتماعية.

فلا يجوز للاستاذ أن يتقاضى أجراً من الدولة أزاء تدريسه، كما لا يجوز للجندي أن يتقاضى أجراً أزاء حمايته للوطن، ولا يجوز للطبيب أن يتقاضى شيئاً أزاء معالجة المرضى - إذا توقف العمل عليهم وكان واجباً كفائياً أو عينياً عليهم -.

٦٨

قال الفقيه الشيخ الأنصاري -رحمه‌الله - في «المكاسب»:

«مما يحرم التكسب به، ما يجب على الإنسان فعله عيناً أو كفاية، تعبداً أو توصلاً، على المشهور - كما في «المسالك» -، بل عن «مجمع البرهان» كأن دليله الإجماع»(١) .

تخلص فقهي:

وفي الأوضاع الاجتماعية التي عاصرت التاريخ الإسلامي، لم يتحقق الشكل السليم للمجتمع، ولم يضمن القائمون بالخدمات الاجتماعية من قبل الدولة بالشكل الذي يريده الإسلام.

فكان هؤلاء يضطرون إلى الإحتيال بصورة شرعية لأخذ الأُجرة لإمرار حياتهم الخاصة.

وقد أَربك هذا الواقع اللاإسلامي موقف الفقهاء.

فالضرورة تلجؤهم إلى الاعتراف بذلك من جانب.. والأدلة الشرعية تمنعهم عن ذلك من جانب آخر.

فتجد هذا الموقف المرتبك الحاصل من محاولة الجمع بين ضرورة الأوضاع الاجتماعية غير الإسلامية وبين مقتضى الأدلة الشرعية في كلام الشيخ الأنصاري:

«ثمّ إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشيء (أي الخدمات

____________________

(١) المكاسب للشيخ الأنصاري: ١ / ٦١.

٦٩

الاجتماعية) كونه حقاً لمخلوق يستحقه على المكلفين. فكل من أقدم عليه فقد أدى حق ذلك المخلوق. فلا يجوز له أخذ الأُجرة منه ولا من غيره ممن وجب عليه أيضاً كفاية. ولعل من هذا القبيل تجهيز الميت وإنقاذ الغريق، بل ومعالجة الطبيب لدفع الهلاك».

«ثمّ أن هنا إشكالاً مشهوراً، وهو أن الصناعات التي يتوقف النظام عليها، تجب كفاية لوجوب إقامة النظام. بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه.. مع أن جواز أخذ الأُجرة مما لا كلام فيه. وكذا يلزم أن يحرم على الطبيب أخذ الأُجرة على الطبابة، لوجوبها عليه كفاية أو عيناً. وقد يتفصّى عنها بوجوه»(١) .

ثمّ يشرح الشيخ الأنصاري -رحمه‌الله - الوجوه التي ذكرها الفقهاء للتخلص من هذا المأزق الفقهي لتبرير أخذ الأُجرة على الواجبات بشكل من الأشكال.

ومما تقدم يبدو واضحاً للباحث شكل التوظيف في المجتمع الإسلامي، فهو حق يقدمه الموظف للمجتمع، من غير أن يحق له أن يطالب بجزاء عنه. والدولة بدورها يجب عليها تقديم المساعدات المادية المحترمة إليه، حتى يتفرغ للعمل.

____________________

(١) المكاسب: ١ / ٦٣.

٧٠

(ح) الفقراء العاطلون:

وهؤلاء هم طائفة من الناس يؤثرون حياة الذل والراحة - إذا كان فيها شيء من الراحة - على أن يخوضوا ميادين الحياة، ويعتمدون على ما يدره عليهم عطف الناس، وإن كان ضئيلاً مقروناً بالذل.

ويقف التشريع الإسلامي موقفاً حاسماً من هؤلاء، ولا يجوز تقديم أي مساعدة مالية من بيت المال لهؤلاء، مهما بلغ الأمر.

قال الفقيه الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر):

«فمن يقدر على اكتساب ما يموّن نفسه وعياله على وجه يليق بحاله، لا تحل الزكاة له؛ لأنه كالغني. وكذا ذو الصنعة اللائقة بحاله التي تقوم بذلك، كالتجارة والحياكة ونحوهما، بلا خلاف معتد به»(١) .

٣ - العاملون عليها:

وهم السعاة الجباة الذين يقومون بجمع الضرائب المالية وجبايتها، والولاية عليها، وتنظيم شؤونها وتسجيل حساباتها.

٤ - المؤلفة قلوبهم:

وهم كفار يستمالون للجهاد مع المسلمين، أو مسلمون ضعفاء

____________________

(١) جواهر الكلام: كتاب الزكاة: ٧٧.

٧١

الإيمان يستمالون إلى حفظ الثغور والأمن في الوطن الإسلامي.

وذلك فيما يخص الأشخاص الذين تبذل لهم الدولة النفقات التي تنهض بأمرهم.

(ب) الجهات والمرافق العامة «وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله»

قلنا - فيما تقدم من هذا الحديث - أن موقع «وفي» في الجزء الثاني من الآية الكريمة يشعر بأنه من الإنفاق على جهة عامة أو مصلحة إجتماعية، وليس من الإنفاق على شخص خاص أو تمليك لفرد من الأفراد.

ومن ذلك يستظهر الباحث أمرين:

الأول، أن مصرف الزكاة في الآية الكريمة لا يقتصر على الأشخاص، بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية الكريمة، كما تشمل الأشخاص المعوزين والعاملين والمؤلفة قلوبهم.

وقد أساءت المالكية فهم هذه الآية بوجهها وسياقها الخاص، حيث قالت:

«لا يجوز أن يصرف الزكاة في بناء مسجد أو مدرسة أو حج أو جهاد أو إصلاح طريق أو سقاية أو قنطرة أو نحوها من

٧٢

تكفين ميت ولكل ما ليس فيه تمليك، لمستحق الزكاة»(١) .

وقد رأينا - فيما تقدم - إن الإنفاق قد يتم عن طريق التمليك لفرد من الأفراد، كما قد يتم عن طريق الانفاق على مشروع خيري أو مصلحة اجتماعية تخدم الأُمة من الجهات المتقدمة في الآية الكريمة.

والآية الكريمة تحوي على كلتا الصورتين من الإنفاق: الإنفاق على الأشخاص والإنفاق على الجهات والخدمات العامة والمرافق الاجتماعية. وهي ظاهرة في هذين القسمين من الأموال.

الثاني: أن الإنتفاع من المرافق والخدمات العامة التي يصرف عليها من بيت المال ومن الزكاة لا يتوقف على فقر المنتفع وحاجته وإنما هي مرافق عامة لكل المنتفعين، لا تخص فئة خاصة منهم، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، فقراء كانوا أم أغنياء، وذلك كالمال الذي يصرف من بيت المال في إقامة الجسور والسدود ومشاريع الريّ والمدارس والمستشفيات العامة وغير ذلك من المرافق والمؤسسات الاجتماعية.

ومن هنا قال الفقيه كاشف الغطاء -رحمه‌الله -:

«لا يعتبر في المدفوع إليه، الإسلام والإيمان، والعدالة، ولا الفقر ولا غير ذلك»(٢) .

____________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الزكاة.

(٢) جواهر الكلام: كتاب الزكاة: ٩١.

٧٣

وقال آية الله الحكيم -رحمه‌الله - في المستمسك:

«ولذا لا يظن الاشكال في جواز انتفاع الغني بالقناطر والخانات»(١) .

فإذن تخصص جملة من هذه السهام لرفع مستوى الحياة عامة وليست لخدمة طبقة خاصة، وجزء منها فقط يخصص لمصلحة الفقراء والمعوزين كأشخاص وجماعات.

وفيما يلي نشرح واحداً من هذه المصارف كشاهد على ما نقول:

في سبيل الله:

«سبيل الله» جهة من مصارف الزكاة، ولا يعنى به شخص خاص. ومعنى «سبيل الله» الطريق الذي يؤدي إلى رضى الله - تعالى - وهو يشمل كافة المرافق الاجتماعية الخيرية. وإضافة «السبيل» إلى «الله» تفيد هذا المعنى.

وليس في هذه الكلمة ما يدل على حصر مدلولها بالجهاد والغزو فقط وما يلزمهما من شؤون وعدة.

ولذلك، فقد توسع الفقهاءرحمهم‌الله في تفسير هذه الكلمة.

قال الفقيه الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر) -رحمه‌الله -:

____________________

(١) مستمسك العروة الوثقى - ط ١ -: ٩ / ٢٣٧.

٧٤

«... فلا ريب في أن الأقوى عموم (سبيل الله لكل قربة فيدخل حينئذ جميع المصارف ويزيد عليها. وإنما يفارقها في النية. ضرورة شموله لجميع القرب، من بناء الخانات وتعمير روضة أو مدرسة أو مسجد، أو دعاء ونحوها، أو تزويج عزَّاب أو غيرها، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شيء من آلات العبادة، أو إحجاج أحد، أو إعانته على زيارة، أو في قراءة أو في تعزية، أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء، أو إعطاء أهل الظلم والشر ليخلص الناس من ظلمهم ومن شرهم، أو إعطاء من يدفع الظلم عن الناس ويخلص الناس من شرهم، أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهموشراء الأسلحة لدفاعهم، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين، من تجهيز الأموات أو خدمة المساجد والأوقاف العامة.. أو غير ذلك.

ومن هنا قال الأُستاذ في «كشفه»: إنه لا يعتبر في المدفوع إليه الإسلام والإيمان، ولا عدالة، ولا فقر، ولا غير ذلك؛ للصدق»(١) .

وأُحب أن الفت النظر إلى مدلول الفقرة الأخيرة التي نقلها الشيخ مؤلف «جواهر الكلام» عن «كاشف الغطاء» فيما يخص الفئات التي تستفيد من هذا المورد المالي.

____________________

(١) جواهر الكلام - كتاب الزكاة: ٩١.

٧٥

فإن هذا السهم من سهام الزكاة لما كان يخص المرافق الحياتية العامة، فلا يمكن تخصيصه بالمسلمين أو المؤمنين أو العدول منهم خاصة؛ نظراً إلى أن المرافق المدنية موضوعة للخدمات الاجتماعية العامة وليست تخص فئة بذاتها.

٧٦

آية الخمس

ولنعقب مصرف الزكاة في القرآن الكريم بآية من القرآن الكريم في مصرف الخمس:

( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ، وَللِرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَالْيتامى وَالمَساكينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... ) (١) .

والظاهر من الآية الكريمة،: أن خُمس الغنائم والمكاسب يقسم على ستة سهام:

(١) سهم منه لله.(٢) وسهم للرسول.(٣) وسهم لولاة الأمر بعد الرسول «ذوي القربى».(٤) وسهم لليتامى من بني هاشم.(٥) وسهم للمساكين منهم.(٦) وسهم لأبناء السبيل منهم.

والثلاثة الأُول من السهام الستة يعود إلى ولي الأمر - وهو سهم الله والرسول وذوي القربى - وليس لعامة المسلمين، وإنما هو من أموال الدولة الخاصة، ينفقها ولي الأمر على المصالح والمرافق الاجتماعية وحاجات الحكومة الخاصة، بالشكل الذي يرتئيه الحاكم الشرعي الأعلى للدولة الإسلامية.

وهذا وارد مالي كبير للدولة الإسلامية، يساوي عشر

____________________

(١) سورة الأنفال: ٤١.

٧٧

الوارد الصافي العام لمجموع الأُمة، تصرفه الدولة على المرافق الاجتماعية في الدولة.

والنصف الآخر منه - وهو سهم «اليتامى والمساكين وابن السبيل» - يعود لأشخاص الفقراء من بني هاشم فإن نقص عن حاجة الفقراء من بني هاشم فيكمله الإمام من سهم ولي الأمر، وإن زاد على حاجتهم شيء أضاف الزائد إلى حصة الدولة(١) .

وخصص فقراء بني هاشم بهذا الجزء من الخمس لعدم استحقاقهم شيئاً من زكاة الآخرين. فجعل الله ذلك لهم عوضاً عن الزكاة.

وإذا أُضيف الزائد من سهام الفقراء من بني هاشم إلى سهم ولي الأمر - وهي تزيد غالباً عن حاجاتهم، إذا تشددت الدولة في جبايتها - بلغ وارد الدولة من صافي الأرباح والمكاسب حدود الخمس.

وهذا وارد مالي ضخم، يضاف إلى وارد الحكومة الإسلامية الآُخرى، ويُمَكِّنها من القيام بكثير من المشاريع والمرافق والحاجات العامة في البلاد.

ومما يدل على أن النصف الأول من السهام الستة ملك لجهة خاصة، وهي الحكومة الإسلامية وليس ملكاً لشخص ولي الأمر هو أن الإمام القائم بالأمر يرث سهم الله وسهم الرسول.

____________________

(١) راجع مصباح الفقيه: الزكاة: ١٤٥.

٧٨

وواضح أن ملكية السهم الأول لله - سبحانه وتعالى - ليس من قبيل الملكية الاعتبارية القائمة بين الناس، فله - سبحانه وتعالى - ملك السماوات والأرض، وليس بحاجة إلى مثل هذه الاعتبارات والإضافات، وإنما المقصود من إضافة السهم إليه تعالى هو ملكية الجهة التي يريد الله - تعالى - تخصيص هذا المال لها، وهي جهة الولاية والحكومة الشرعية.

وكذلك سهم النبي (ص) فلم يعهد من النبي (ص) إنه كان يصرف هذا المال في حاجاته وحاجات أهله، وإنما كان يصرفه في حاجات الجند والقضاء والإدارة وشؤون المجتمع والدولة.

والمعني من إرث الإمام الحاكم لسهم الله ورسوله هو نهوض الإمام بعد النبي بشؤون الولاية والحكومة خلافة عن الله ورسوله وليس الغرض هو الوراثة النسبية والسببية.

فالنصف الأول من السهام الستة يعود إذن إلى الحكومة الإسلامية التي يلي أمرها الحاكم الشرعي، والنصف الثاني منها يعود إلى فقراء بني هاشم بعد إضافة الزائد منه إلى سهم ولي الأمر.

ولأمر ما عطف «الرسول» و«ذوي القربى» على «الله» باللام، ووحَّدها سياق جملي واحد وهو العطف باللام: «فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى» وعطف (اليتامى) و(المساكين) و(ابن السبيل) عليهم بغير اللام: «واليتامى والمساكين وابن السبيل».

٧٩

ولا يخلو وجود هذين السياقين في التعاطف في النصف الأول والنصف الثاني من الآية الكريمة عن دلالة أو تأييد لوجود تفاوت في إضافة السهام إلى هاتين الطائفتين.

ولا يهمنا نحن بهذا الصدد الحديث عن عصر حضور الإمام، وإنما نريد أن نحدد ملامح النظام في عصر الغيبة؛ حيث يتولى الفقيه الجامع للشرائط مهام الحكومة الشرعية والولاية نيابة عن الإمام.

وفي مثل هذه الحالة لا تعود السهام إلى شخص الفقيه، وإنما لجهة الولاية والحكومة التي يتولاها الفقيه ولا يرثها عنه ورثته، وإنما ينتقل أمره إلى الفقيه الذي يليه في الولاية والحكومة على المسلمين.

* * *

وبعد.. فهذا عرض موجز لنظام المال في الإسلام، قدمناه إلى القراء بهذا الشكل من الإيجاز والاختصار، ليكون تمهيداً لدراسة واسعة في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أيسر حقّ منها: أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

ومنها: أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره.

ومنها: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.

ومنها: أن تبرّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أنَّ له حاجةً تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرةً، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك) (1) .

وفي رواية أُخرى ذَكر (عليه السلام) جملةً من الحقوق فقال: (إنَّ من حقّ المؤمن على المؤمن: المودّة له في صدره، والمواساة له في ماله، والخَلف له في أهله، والنُصرة له على مَن ظلمه، وإن كان نافلةً في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات الزيارة في قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشّه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذب عليه، وأن لا يقول له أفّ..) (2) .

ومن الحقوق أن يناصح المؤمن غيره من المؤمنين، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه) (3) .

ومن الحقوق: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وحُسن الخُلق، والقُرب من الناس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أقربكم مني غداً في

____________________

(1) الكافي 2: 169.

(2) الكافي 2: 171.

(3) الكافي 2: 208.

١٢١

الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس) (1) .

ومن الحقوق تحكيم الأواصر المشتركة في العلاقات، والتعامل من خلال الأُفق الواسع الذي يجمع الجميع في أُطر ونقاط مشتركة، ونبذ جميع الأواصر الضيّقة، فحرّم الإسلام التعصّب للعشيرة أو القومية، ودعا إلى إزالة جميع المظاهر التي تؤدّي إلى التعصّب المقيت، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس منّا مَن دعا إلى عصبية، وليس منّا مَن قاتل على عصبية، وليس منّا مَن مات على عصبية) (2) .

ومن أهم الحقوق إصلاح ذات البين؛ لأنّه يؤدي إلى علاج كثير من الممارسات السلبية، التي تفكّك أواصر الإخاء، وتستأصل الوِئام في أجوائه، لذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) (3) .

حقوق المجتمع في رسالة الحقوق:

وضع الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق منهجاً متكاملاً، في خصوص الحقوق الاجتماعية المترتبة على الفرد، باعتباره جزءً من الأُسرة ومن المجتمع، وممّا ورد في قوله (عليه السلام): (وأمّا حق أهل ملّتك عامة: فإضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرِّفق بمسيئهم، وتألّفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه واليك، فإنّ إحسانه إلى نفسه

____________________

(1) تحف العقول: 32.

(2) كنز العمال 3: 510 / 7657.

(3) ثواب الأعمال: 178.

١٢٢

إحسانه إليك، إذا كفّ عنك أذاه وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمّهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك.

وأنزلهم جميعاً منك منازلهم؛ كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمَن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه.

وأمّا حق أهل الذمّة، فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قِبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأُجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك، فيما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم، من رعاية ذمة الله، والوفاء بعهده، وعهد رسوله، حائل، فإنّه بلغنا أنّه قال: مَن ظلم معاهداً كنت خصمه) (1) .

الآثار الايجابية لمراعاة حقوق المجتمع:

فيما يلي نستعرض بعض الروايات التي وردت في ثواب مَن راعى حقوق أفراد المجتمع.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن ردّ عن عِرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتة) (2) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (مَن كفّ عن أعراض الناس كفّ الله عنه عذاب يوم القيامة، ومَن كفّ غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم

____________________

(1) تحف العقول: 195 - 196.

(2) ثواب الأعمال / الصدوق: 175، مكتبة الصدوق، طهران 1391 هـ.

١٢٣

القيامة) (1) .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (أربع مَن كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة: مَن آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه) (2) .

وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (مَن أطعمَ مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومَن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومَن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر) (3) .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء) (4) .

ولمراعاة الحقوق الاجتماعية مزيد من الآثار الايجابية، التي تنعكس على الفرد والأسرة والمجتمع في دار الدنيا والآخرة، وردت في كتب الحديث، سيّما في كتاب (ثواب الأعمال) للشيخ الصدوق، لا مجال لذكرها جميعاً في هذا المختصر.

____________________

(1) ثواب الأعمال: 161.

(2) ثواب الأعمال: 161.

(3) ثواب الأعمال: 164.

(4) ثواب الأعمال: 169.

١٢٤

الفصل السادس

أحكام العلاقة بين الجنسينِ

سنكرّس البحث في هذا الفصل عن أحكام العلاقات بين الرجل والمرأة، والتي ينبغي أن تكون منسجمةً مع أُسس وقواعد المنهج الإسلامي، الذي رسم لها هدفاً بيّناً، وحدّد لها طريقاً معلوماً، فلم يتركها للنزوة العارضة والرغبة الغامضة، والفلتة التي لا تستند إلى موازين ثابتة، بل أراد لها أن تكون على مستوى الأمانة العظيمة التي أناطها الله تعالى ببني الإنسان، فقد جعلها علاقة سكن للنفس، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد، ثمّ ستراً، وإحصاناً، وصيانةً، ثمّ مزرعةً للنسل، وامتداداً للحب والودّ.

فقد تعامل مع الجنسينِ على أساس الفطرة، مراعياً الحاجات المادية والروحية، بلا إفراط ولا تفريط، فحرّم جميع مظاهر وألوان العلاقات المخالفة للنزاهة والعفّة، والمؤدية إلى الانحراف والانزلاق والشذوذ؛ لكي يأخذ الجنسان نصيبهما في إصلاح النفس والأُسرة والمجتمع.

وقد جعلنا هذا الفصل ضمن آداب الأُسرة؛ لأنّ الغالب في عصرنا

١٢٥

الحاضر ابتلاء الأُسر بمثل هذه الأحكام.

أحكام النظر:

النظر إلى الجنس الآخر من قِبل أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية عديدة، ومواقف سلوكية متباينة، قد تؤدي إلى إثارة الشهوة والوقوع في الفتنة.

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوةَ، وكفى بها لصاحبها فتنة) (1) .

والنظر يؤدّي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في شباك إبليس، فتعقب صاحبها الندامة والحسرة، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة) (2) .

والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون إحدى مقدمات الزنا، قال الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق (عليهما السلام): (ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القُبلة، وزنا اليدين اللّمس، صدّق الفرج ذلك أم كذّب) (3) .

ولأجل الحفاظ على المجتمع من الانحراف، والابتذال، والسقوط، دعا الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر، وتجنّب النظر إلى الجنس الآخر، قال تعالى: ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه / الصدوق 4: 18 / 4970، جماعة المدرّسين، ط2، قم 1404 هـ.

(2) الكافي / الكليني 5: 559، دار الكتب الإسلامية، طهران 1403 هـ.

(3) الكافي 5: 559.

١٢٦

ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أَبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ... ) (1) .

وفي هذه الآية أمر الله تعالى الجنسينِ بغض البصر، وأمر المرأة بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها، وحفظ مواضع الزينة إلاّ ما ظهر منها كالوجه والكفينِ (2) .

أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام، ولكن المقصود هو مواضع الزينة عند أغلب المفسّرين.

عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفراً (عليه السلام)، وسُئل عمّا تظهر المرأة من زينتها، قال: (الوجه والكفيّن) (3) .

والنظر الجائز هو النظرة الأُولى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تُتبع النظرة النظرة، فليس لك إلاّ أَوّل نظرة) (4) .

والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته، يقيّد بجواز النظرة الأُولى غير المقصودة وغير المتعمدة.

ومعاودة النظر حرام (ولا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلاّ مرةً من غير معاودة...) (5) .

____________________

(1) سورة النور: 24 / 30 - 31.

(2) مجمع البيان / الطبرسي 4: 138، مطبعة العرفان، صيدا 1355 هـ. وجواهر الكلام 29: 75.

(3) الكافي 5: 522.

(4) وسائل الشيعة 20: 193.

(5) اللمعة الدمشقية / محمد مكي العاملي: 183، دار الناصر، ط1، طهران 1406 هـ. وجامع المقاصد 12: 32.

١٢٧

وإنّه لا خلاف في (تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو مبصراً) (1) .

والنظرة الأُولى مهما كانت أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة، كأن تقع مصادفةً، أو لضرورة، أو غير ذلك، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام (2) .

المستثنى في جواز النظر إلى غير الوجه والكفين:

هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها النظر لأشخاص معيّنين مطلقاً، ولحالات ومواقف معيّنة، وجميع هذا الجواز مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في (الزوجين) (3) .

أَوّلاً: استثناء بعض الأشخاص:

جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص النظر إلى الجنس الآخر كما جاء في قوله تعالى: ( ... وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) (4) .

تقدم أنّ المراد هو موضع الزينة وليست الزينة نفسها، وموضع الزينة هو الوجه والكفان، فيجوز لأشخاص معيّنين النظر إلى أكثر من الوجه

____________________

(1) الحدائق الناضرة / يوسف البحراني 23: 65. وجامع المقاصد 12: 41 - 42.

(2) المقنعة: 521. والحدائق الناضرة 23: 61.

(3) الحدائق الناضرة 23: 61.

(4) سورة النور: 24 / 31.

١٢٨

والكفيّن، كالشعر وباقي أجزاء الجسد عدا العورة، وهم:

1 - الزوج والأب وأبو الزوج.

2 - الابن وابن الزوج من زوجة ثانية.

3 - الأخ وأبناء الأخ وأبناء الأخت.

ويجوز للرجل النظر إلى زوجته وأُمّه، وأمّ زوجته وبنته، وبنت زوجته من زوج ثانٍ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته، أي يجوز النظر إلى مطلق المحارم (1) ، وبمعنى آخر لا يتوجب على المذكورات لبس القناع، وتغطية الرأس، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة.

أمّا ما تعارف عليه عند البعض، وهو عدم الحجاب من أخ الزوج، أو زوج الخالة، أو زوج العمة، أو ابن العم، وابن الخال، ومَن بدرجتهما، أو عدم تحجّب أخت الزوجة، أو زوجة ابن الأخ، أو زوجة ابن الأخت، فهذا لا جواز له؛ لأنّ هذه الأصناف ليست من المحارم، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بالمحارم فقط.

ويحرم على المرأة المسلمة أن تتجرّد أمام اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية، إلاّ إذا كانت أَمَةً، أي مملوكةً (2) .

ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قِبل (أولي الإربة)، وهو كما قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (الأحمق الذي لا يأتي النساء) (3) ، وليس له حاجة

____________________

(1) الحدائق الناضرة 23: 61. وجامع المقاصد 12: 33.

(2) مجمع البيان 4: 183.

(3) مجمع البيان 4: 138.

١٢٩

جنسية في النساء.

ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا عورات النساء، ولم يقووا عليها؛ لعدم شهوتهم، وكذلك جواز التبرّج أمامهم، قال الإمام الرضا (عليه السلام): (لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ) (1) .

ويجوز إدامة النظر إلى البنت الصغيرة، والعجوز المسنّة (2) دون تلذّذ وريبة.

ثانياً: استثناء بعض النساء من غير المحارم:

إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل، هو منع مقدمات وأسباب الانحراف، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، ولكنّ الإسلام استثنى بعض النساء، وجوّز النظر إليهنّ دون تلذّذ؛ مراعاةً للأمر الواقع.

فجوّز النظر إلى وجوه وأيدي وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة (3) .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ) (4) .

ويجوز النظر إلى كلِّ متبرّجة غير متقيّدة بالحجاب الإسلامي، ويجوز النظر غير المتعمّد إلى المجنونة.

____________________

(1) الكافي 5: 533. وجامع المقاصد 12: 33.

(2) الحدائق الناضرة 23: 64.

(3) المقنعة: 521. وجامع المقاصد 12: 31.

(4) الكافي 5: 524.

١٣٠

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة، والأعراب، وأهل السواد، والعُلُوج لأنّهم إذا نُهوا لا ينتهون).

وقال (عليه السلام): (والمجنونة والمغلوبة على عقلها، ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك) (1) .

والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلى الأصناف المذكورة من النساء، وأن لا يكون نظر شهوة وتلذّذ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات بأن ينظرنَ إلى رجال أهل الكتاب.

ثالثاً: استثناء بعض الحالات:

المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند الضرورة، فالنظر المتبادل بين الرجل والمرأة - سواء كان متوالياً أو متقطعاً - يكون جائزاً في حال الضرورة (2) .

والضرورة قد تكون حاجةً مخفّفةً، وقد تكون ضرورةً شديدة، وجواز النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلى الوجه واليدين، والحاجة مثل الشهادة للمرأة أو عليها، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها (3) .

وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل؛ التعرّف عليها للمثول أمامه، أو الحكم عليها (4) .

____________________

(1) الكافي 5: 524.

(2) اللمعة الدمشقية: 183. وجواهر الكلام 29: 89.

(3) المبسوط 4: 161. والحدائق الناضرة 23: 63.

(4) المبسوط 4: 161.

١٣١

وجواز النظر لمَن أُريد التعامل معها، في بيع، وشراء، وإجارة، وغير ذلك من أنواع المعاملات (1) .

والضرورة تبيح جميع المحظورات حتى النظر إلى جسد المرأة، وأفضل مصداق للضرورة، هو حالات العلاج التي قد تكون على أيدي الرجال في حال الاضطرار، أو عدم وجود المِثل - أي المرأة - التي تقوم بنفس دور الطبيب من الرجال، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج وما يتوقف عليه من (فصد، وحجامة، ومعرفة نبض العروق، ونحو ذلك) (2) .

وعند الضرورة يجوز النظر إلى أي موضع لا يمكن العلاج إلاّ بعد الوقوف عليه (3) .

روى أبو حمزة الثمالي، عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها، إمّا كسر، أو جِراح، في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له أن ينظر إليها؟ قال: (إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت) (4) .

وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية من قِبل الرجال للنساء، ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها على عورة المرأة، وهذا الجواز مشروط بالضرورة، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج المرأة في الولادة، أو عدم توفّر القابلة من النساء.

____________________

(1) المبسوط 4: 161. والحدائق الناضرة 23: 63. وجامع المقاصد 12: 34.

(2) الحدائق الناضرة 23: 63.

(3) راجع المبسوط 4: 161.

(4) الكافي 5: 534.

١٣٢

والقاعدة الكلية في النظر أنّه (يجوز نظر الرجل إلى مِثله ما خلا العورة، والمرأة إلى مِثلها كذلك، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة، كل ذلك مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في الزوجين) (1) .

وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة في جميع الحالات، حتى في النظر إلى المحارم كالأخت والخالة، والعمة وزوجة الأب، وبعكسها في النساء أيضاً، كنظر الأخت والخالة، والعمة وزوجة الأب، إلى مقابلها من الرجال.

ويُكره النظر إلى أدبار النساء من خلف الثياب، وإذا كان هذا النظر مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام.

سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن هذا النظر فقال: (أَما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم) (2) .

____________________

(1) الحدائق الناضرة 23: 61.

(2) الكافي 5: 520.

١٣٣

أحكام متفرّقة في العلاقات العملية

1 - حكم سماع صوت المرأة الأجنبية:

سماع صوت المرأة الأجنبية جائز من قِبل الرجال، وقد دلّت السيرة على جوازه، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما هو متواتر - كان يسمع صوت النساء، وكنّ يسألنه عن شؤون الدين، وقد اشتهر عن الزهراء (عليها السلام) خطبتها في المسجد النبوي الشريف، ومعارضتها لأبي بكر وعمر في خصوص الخلافة، وفدك (1) .

والمحرّم من السماع هو السماع الموجب للّذة والفتنة (2) .

ولذا حرّم الإسلام على المرأة ترقيق القول، وتليين الكلام بالصورة التي تثير الرجال، أو يكون الكلام بنفسه مؤدياً للإثارة؛ لاحتوائه على معانٍ مثيرة، فلابدّ أن يكون الكلام مستقيماً بريئاً من الريبة موافقاً للدين (3) .

قال تعالى: ( ... فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ فَيَطمَعَ الَّذي في قَلبهِ مَرضٌ وقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً ) (4) .

____________________

(1) تاريخ الطبري، أحداث سَنة 11 هـ. والإمامة والسياسة. وتاريخ اليعقوبي. والكامل في التاريخ، أحداث سنة 11 هـ.

(2) الحدائق الناضرة 23: 66 - 67. وجامع المقاصد 12: 43.

(3) مجمع البيان 4: 356.

(4) سورة الأحزاب: 33 / 32.

١٣٤

2 - حكم مصافحة المرأة الأجنبية:

يحرم مصافحة المرأة الأجنبية مباشرةً، ويجوز من وراء الثياب بأن يكون عازلاً بين اليدين، بشرط أن لا يغمز كفّها، فإنّ غمز الكفّ من المحرّمات، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة، إلاّ امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها: أخت أو بنت، أو عمة أو خالة، أو ابنة أُخت أو نحوها، فأمّا المرأة التي يحلُّ له أن يتزوجها، فلا يصافحها إلاّ من وراء الثوب ولا يغمز كفّها) (1) .

فالمصافحة حرام بين الرجل والمرأة، ويمكن للإنسان الذي يعيش في أوساط الاختلاط، أو في مجتمعات غير إسلامية أن يصافح من وراء الثياب؛ دفعاً للحرج الذي يواجهه.

3 - حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية:

حرّم الإسلام الاختلاء بالمرأة الأجنبية التي يحلُّ له أن يتزوجها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يخلونّ رجل بامرأة، فإنّ ثالثهما الشيطان) (2) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (فيما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من البيعة على النساء... ولا يقعدنّ مع الرجال في الخلاء) (3) .

والاختلاء يعني الانفراد في مكان خالٍ من الناس، في موضع واحد لا يصله أحد، مع عدم الأمن من الفساد؛ لأنّ الاختلاء يؤدّي إلى إثارة

____________________

(1) الكافي 5: 525. وجامع المقاصد 12: 44.

(2) مستدرك الوسائل 14: 266.

(3) الكافي 5: 519.

١٣٥

الشهوة، وتيسير مقدمات الانحراف، وقد اعتاد البعض على ترك الأخ مع الزوجة، أو ابن الأخ مع زوجة العم، أو ما شابه ذلك، وهو من الأمور التي حرّمتها الشريعة إلاّ في حالات الضرورة القصوى.

4 - حكم مشي المرأة في الطريق:

من الأفضل للمرأة أن لا تمشي وسط الطريق، وإنّما في جانبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس للنساءِ من سَرَوات الطريق شيء، ولكنّها تمشي في جانب الحائطِ والطريقِ) (1) .

5 - حكم الدخول على النساء:

أوجب الإسلام الاستئذان في حالة دخول الرجل على المرأة، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل الرجال على النساء إلاّ بإذنهنّ).

وفي رواية (أن يدخل داخل على النساء إلاّ بإذن أوليائهنّ) (2) .

فالاستئذان واجب، وهو حق شخصي للمرأة من جهة، وهو يحول عن الوقوع في ما هو حرام على الرجال من جهة أُخرى، فطلب الإذن يتيح للمرأة الفرصة لارتداء حجابها، وبذلك يتجنّب الرجل النظرة المحرّمة.

ويجوز للعبيد المملوكين لمرأة معيّنة أو الأطفال الدخول على المرأة المالكة في أي وقت؛ لأنّ الاستئذان المتكرّر يولّد الحرج في مسألة

____________________

(1) الكافي 5: 518.

(2) الكافي 5: 528.

١٣٦

الخدمة (1) ، واستثنى الإسلام ثلاث أوقات، فلا يباح لهم الدخول إلاّ بعد الاستئذان، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.... ) (2) .

أمّا إذا بلغ الطفل الحُلُم فيجب عليه الاستئذان عند الدخول، على أيّة امرأة وإن كانت محرّمةً عليه قال تعالى: ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا... ) (3) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ومَن بلغ الحُلُم فلا يلج على أُمّه، ولا على أُخته، ولا على خالته، ولا على سوى ذلك، إلاّ بإذن...) (4) .

وقال (عليه السلام): (يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه، ولا يستأذن الأب على الابن، ويستأذن الرجل على ابنته وأُخته إذا كانتا متزوجتين) (5) .

فالاستئذان حقّ يجب العمل به؛ لكي لا يفاجأ الداخل المرأة وهي في حالة لم تكن متهيّئةً لاستقباله.

6 - حكم تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس:

خلق الله تعالى الإنسان ذكراً وأنثى، ووضع لكل جنس خصوصياته،

____________________

(1) مجمع البيان 4: 154.

(2) سورة النور: 24 / 58.

(3) سورة النور: 24 / 59.

(4) الكافي 5: 529.

(5) الكافي 5: 528.

١٣٧

التي تميّزه عن غيره من الحركة والسكون، ومن الاندفاع نحو ممارسة معيّنة والانكماش عنها؛ ولذا فمن الواجب على الجنسين أن يحافظ كل منهما على خصوصياته المميّزة له، في كلامه وجلوسه ومشيته، ولباسه وعاداته وتقاليده؛ لذا حرّم الإسلام تشبّه أحد الجنسين بالجنس الآخر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال) (1) .

وتشديداً على الحرمة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء) (2) .

وأعراف المجتمع وتقاليده هي التي تشخّص وتحدّد طبيعة التشبّه، وهو قد يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.

7 - حكم العلاقة مع الصبيان قبل البلوغ:

وضع الإسلام بعض الأُسس والقواعد السلوكية؛ لوقاية الإنسان من الانحراف، وتهذيب ممارساته عن طريق التمرّن، والتدريب، ومجاهدة النفس؛ لتكون له حصانة من الانزلاق، ولهذا وضع الإسلام أحكام الاستحباب والكراهة لهذا الغرض، فمن المستحسن للإنسان المسلم أن يداوم على المستحبات، ويتجنّب المكروهات وإن كانت جائزةً، ومن هذه المكروهات التي نهى عنها الإسلام، هي تقبيل الصبي من قِبل المرأة، وتقبيل الصبيّة من قِبل الرجل من غير محارمه، فهو مكروه إن كان بدون شهوة، ومحرّم إن كان بشهوة.

____________________

(1) علل الشرائع / الصدوق: 602، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت 1385 هـ.

(2) علل الشرائع / الصدوق: 602، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت 1385 هـ.

١٣٨

عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): إنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله، فأتى بصبيّة له، فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها، فقيل: (خمس سنين، فنحّاها عنه) (1) .

وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا بلغت الجارية ستّ سنين، فلا ينبغي لك أن تقبّلها) (2) .

وقال (عليه السلام): (إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين) (3) .

فمن المستحسن عدم تعويد الصبيان على هذه الممارسات؛ لكي لا يشبّوا عليها؛ لأنّهم سوف لا يجدون حرجاً منها عند بلوغهم، وقد أثبت الواقع صحة ذلك، فكثير من الانحرافات عند البلوغ تكون مستشريةً بين النساء أو الرجال، الذين واجهوا مثل هذه الممارسات في مرحلة الصبا.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين

____________________

(1) الكافي 5: 533.

(2) تهذيب الأحكام 7: 481. والكافي 5: 533.

(3) وسائل الشيعة 20: 230 / 25502.

١٣٩

الفهرس

مقدمة المركز 5

المقدِّمة 7

الفصل الأَوّل: مقدمات تشكيل الأُسرة 11

معنى الأُسرة: 11

استحباب النكاح وأهميته: 12

كراهية العزوبة: 14

استحباب السعي في النكاح: 15

استحباب الدعاء للنكاح: 16

اختيار الزوجة: 17

اختيار الزوج: 21

الكفاءة في الزوج: 22

الأحكام المتعلّقة بالخطبة: 24

استحباب الخطاب أثناء الخطبة: 25

أحكام خطبة المرأة ذات العِدّة: 26

المهر والصَداق: 27

حكم ما يأخذه الأب: 29

الفصل الثاني: الأحكام العملية لبناء الأُسرة 31

صيغة العقد: 31

الإشهاد في العقد: 32

شروط العقد الذاتية والإضافية: 33

أولياء العقد: 34

المحلّل والمحرّم في النكاح: 35

مراسيم الزواج: 39

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153