صلح الحسن (عليه السلام)

صلح الحسن (عليه السلام)15%

صلح الحسن (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 400

  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47965 / تحميل: 8355
الحجم الحجم الحجم
صلح الحسن (عليه السلام)

صلح الحسن (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

إملاء مامن به الرحمن

من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن

الجزء الثاني

أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري

(٥٣٨ ـ ٦١٦ هـ)

١

سورة الانفال

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(عن الانفال) الجمهور على إظهار النون، ويقرأ بإدغامها في اللام، وقد ذكر في قوله " عن الاهلة " و (ذات بينكم) قد ذكر في آل عمران عند قوله " بذات الصدور " (وجلت) مستقبله توجل بفتح التاء وسكون الواو وهى اللغة الجيدة، ومنهم من يقلب الواو ألفا تخفيفا، ومنهم من يقلبها ياء بعد كسر التاء، وهو على لغة من كسر حرف المضارعة، وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها، ومنهم من يفتح التاء مع سكون الياء فتركب من اللغتين لغة ثالثة، فتفتح الاول على اللغة الفاشية، وتقلب الواو ياء على الاخرى (وعلى ربهم يتوكلون) يجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير المفعول في زادتهم، ويجوز أن يكون مستأنفا.

قوله تعالى (حقا) قد ذكر مثله في النساء و (عند ربهم) ظرف، والعامل فيه الاستقرار، ويجوز أن يكون العامل فيه درجات لان المراد به الاجور.

قوله تعالى (كما أخرجك) في موضع الكاف أوجه: أحدها أنها صفة لمصدر محذوف، ثم في ذلك المصدر أوجه تقديره: ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك.

والثانى: وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا كما أخرجك، وفي هذا رجوع من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد.

والثالث تقديره: وأطيعوا الله طاعة كما أخرجك، والمعنى: طاعة محققة.

والرابع تقديره: يتوكلون توكلا كما أخرجك.

والخامس هو صفة لحق تقديره: أولئك هم المؤمنون حقا مثل ما أخرجك.

والسادس تقديره: يجادلونك جدالا كما أخرجك.

والسابع تقديره: وهم كارهون كراهية كما أخرجك: أى ككراهيتهم أو كراهيتك لاخراجك، وقد ذهب قوم إلى أن الكاف بمعنى الواو التى للقسم وهو بعيد، و (ما) مصدرية، و (بالحق) حال، وقد ذكر نظائره (وإن فريقا) الواو هنا واو الحال.

٢

قوله تعالى (وإذ يعدكم) إذ في موضع نصب: أى واذكروا، والجمهور على ضم الدال، ومنهم من يسكنها تخفيفا لتوالى الحركات، و (إحدى) مفعول ثان، و (أنها لكم) في موضع نصب بدلا من إحدى بدل الاشتمال، والتقدير: وإذ يعدكم الله ملكة إحدى الطائفتين.

قوله تعالى (إذ تستغيثون) يجوز أن يكون بدلا من إذ الاولى، وأن يكون التقدير: اذكروا، ويجوز أن يكون ظرفا لتودون (بألف) الجمهور على إفراد لفظة الالف، ويقرأ بآلف على أفعل مثل أفلس، وهو معنى قوله " بخمسة آلاف " (مردفين) يقرأ بضم الميم وكسر الدال وإسكان الراء، وفعله أردف، والمفعول محذوف: أى مردفين أمثالهم، ويقرأ بفتح الدال على مالم يسم فاعله: أى أردفوا بأمثالهم، ويجوز أن يكون المردفون من جاء بعد الاوائل: أى جعلوا ردفا للاوائل، ويقرأ بضم الميم وكسر الدال وتشديدها، وعلى هذا في الراء ثلاثة أوجه: الفتح وأصلها مرتدفين، فنقلت حركة التاء إلى الراء وأبدلت ذالا ليصح إدغامها في الدال، وكان تغيير التاء أولى لانها مهموسة والدال مجهورة. وتغيير الضعيف إلى القوى أولى.

والثانى كسر الراء على إتباعها لكسرة الدال، أو على الاصل في التقاء الساكنين.

والثالث الضم إتباعا لضمة الميم، ويقرأ بكسر الميم والراء على إتباع الميم الراء، وقيل من قرأ بفتح الراء وتشديد الدال فهو من ردف بتضعيف العين للتكثير، أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرجته وفرجته.

قوله تعالى (وماجعله الله) الهاء هنا مثل الهاء التى في آل عمران.

قوله تعالى (إذ يغشيكم) " إذ " مثل " إذ تستغيثون " ويجوز أن يكون ظرفا لما دل عليه " عزيز حكيم " ويقرأ " يغشاكم " بالتخفيف والالف، و (النعاس) فاعله، ويقرأ بضم الياء وكسر الشين وياء بعدها، والنعاس بالنصب: أى يغشيكم الله النعاس، ويقرأ كذلك إلا أنه بتشديد الشين و (أمنة) مذكور في آل عمران (ماء ليطهركم) الجمهور على المد والجار صفة له، ويقرأ شاذا بالقصر وهى بمعنى الذى (رجز الشيطان) الجمهور على الزاى، ويراد به هنا الوسواس، وجاز أن يسمى رجزا لانه سبب للرجز وهو العذاب، وقرئ بالسين، وأصل الرجس الشئ القذر، فجعل مايفضى إلى العذاب رجسا استقذارا له.

٣

قوله تعالى (فوق الاعناق) هو ظرف لاضربوا، وفوق العنق الرأس، وقيل هو مفعول به، وقيل فوق زائدة (منهم) حال من (كل بنان) أى كل بنان

كائنا منهم، ويضعف أن يكون حالا من بنان إذ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف (ذلك) أى الامر، وقيل ذلك مبتدأ، و (بأنهم) الخبر: أى ذلك مستحق بشقاقهم (ومن يشاقق الله) إنما لم يدغم لان القاف الثانية ساكنة في الاصل وحركتها هنا لالتقاء الساكنين فهى غير معتد بها.

قوله تعالى (ذلكم فذوقوه) أى الامر ذلكم، أو ذلكم واقع أو مستحق، ويجوز أن يكون في موضع نصب: أى ذوقوا ذلكم، وجعل الفعل الذى بعده مفسرا له، والاحسن أن يكون التقدير: باشروا ذلكم فذوقوه، لتكون الفاء عاطفة (وأن للكافرين) أى والامر أن للكافرين.

قوله تعالى (زحفا) مصدر في موضع الحال، وقيل هو مصدر للحال المحذوفة: أى تزحفون زحفا، و (الادبار) مفعول ثان لتولوهم.

قوله تعالى (متحرفا أو متحيزا) حالان من ضمير الفاعل في يولهم.

قوله تعالى (ذلكم) أى الامر ذلكم (و) الامر (أن الله موهن) بتشديد الهاء وتخفيفها، وبالاضافة والتنوين وهو ظاهر.

قوله تعالى (وأن الله مع المؤمنين) يقرأ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح على تقدير: والامر أن الله مع المؤمنين.

قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم) إنما جمع الصم وهو خبر شر، لان شرا هنا يراد به الكثرة، فجمع الخبر على المعنى، ولو قال الاصم لكان الافراد على اللفظ والمعنى على الجمع.

قوله تعالى (لاتصيبن) فيها ثلاثة أوجه: أحدها أنه مستأنف، وهو جواب قسم محذوف: أى والله لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل تعم.

والثانى أنه نهى، والكلام محمول على المعنى كما تقول: لا أرينك هاهنا: أى لاتكن هاهنا، فإن من يكون هاهنا أراه، وكذلك المعنى هنا، إذ المعنى لاتدخلوا في الفتنة فإن من يدخل فيها تنزل به عقوبة عامة.

٤

والثالث أنه جواب الامر، وأكد بالنون مبالغة، وهو ضعيف لان جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد، وقرئ في الشاذ " لتصيبن " بغير ألف.

قال ابن جنى: الاشبه أن تكون الالف محذوفة كما حذفت في أم والله.

وقيل في قراء‌ة الجماعة: إن الجملة صفة لفتنة، ودخلت النون على المنفى في غير القسم على الشذوذ.

قوله تعالى (تخافون) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة كالذى قبله: أى خائفون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في مستضعفون.

قوله تعالى (وتخونوا أماناتكم) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على الفعل الاول وأن يكون نصبا على الجواب بالواو.

قوله تعالى (وإذ يمكر) هو معطوف على " واذكروا إذ أنتم ".

قوله تعالى (هو الحق) القراء‌ة المشهورة بالنصب، وهو هاهنا فصل، ويقرأ بالرفع على أن: هو مبتدأ، والحق خبره، والجملة خبر كان، و (من عندك) حال من معنى الحق: أى الثابت من عندك (من السماء) يجوز أن يتعلق بأمطر، وأن يكون صفة لحجارة.

قوله تعالى (أن لا يعذبهم) أى في أن لا يعذبهم، فهو في موضع نصب أو جر على الاختلاف، وقيل هو حال، وهو بعيد لان " أن " تخلص الفعل للاستقبال.

قوله تعالى (وماكان صلاتهم) الجمهور على رفع الصلاة ونصب المكاء، وهو ظاهر. وقرأ الاعمش بالعكس وهى ضعيفة، ووجهها أن المكاء والصلاة مصدران، والمصدر جنس، ومعرفة الجنس قريبة من نكرته، ونكرته قريبة من معرفته. ألا ترى أنه لافرق بين خرجت فإذا الاسد أو فإذا أسد، ويقوى ذلك أن الكلام قد دخله النفى والاثبات، وقد يحسن في ذلك مالا يحسن في الاثبات المحض ألا ترى أنه لا يحسن كان رجل خيرا منك، ويحسن ماكان رجلا إلا خيرا منك؟ وهمزة المكاء مبدلة من واو لقولهم مكا يمكو. والاصل في التصدية تصددة، لانه من الصد، فأبدلت الدال الاخيرة ياء لثقل التضعيف، وقيل هى أصل وهو من الصدى الذى هو الصوت.

٥

قوله تعالى (ليميز) يقرأ بالتشديد والتخفيف، وقد ذكر في آل عمران، و (بعضه) بدل من الخبيث بدل البعض: أى بعض الخبيث على بعض. ويجعل هنا متعدية إلى مفعول بنفسها، وإلى الثانى بحرف الجر، وقيل الجار والمجرور حال تقديره: ويجعل بعض الخبيث عاليا على بعض.

قوله تعالى (نعم المولى) المخصوص بالمدح محذوف: أى نعم المولى الله سبحانه.

قوله تعالى (أن ماغنمتم) " ما " بمعنى الذى: والعائد محذوف، و (من شئ) حال من العائد المحذوف تقديره: ماغنمتموه قليلا وكثيرا (فأن لله) يقرأ بفتح الهمزة.

وفى الفاء وجهان: أحدهما أنها دخلت في خبر الذى لما في الذى من معنى المجازاة، و " أن " وماعملت فيه في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: فالحكم أن لله خمسه.

والثانى أن الفاء زائدة و " أن " بدل من الاولى، وقيل " ما " مصدرية والمصدر بمعنى المفعول: أى واعلموا أن غنيمتكم: أى مغنومكم، ويقرأ بكسر الهمزة في " أن " الثانية على أن تكون " أن " وما عملت فيه مبتدأ وخبرا في موضع خبر الاولى والخمس بضم الميم وسكونها لغتان قد قرئ بهما (يوم الفرقان) ظرف لانزلنا أو لآمنتم (يوم التقى) بدل من يوم الاول، ويجوز أن يكون ظرفا للفرقان لانه مصدر بمعنى التفريق.

قوله تعالى (إذ أنتم) إذ بدل من يوم أيضا، ويجوز أن يكون التقدير: اذكروا إذ أنتم، ويجوز أن يكون ظرفا لقدير، والعدوة بالضم والكسر لغتان قد قرئ بهما (القصوى) بالواو، وهى خارجة على الاصل، وأصلها من الواو. وقياس الاستعمال أن تكون القصيا لانه صفة كالدنيا والعليا، وفعلى إذا كانت صفة قلبت واوها ياء فرقا بين الاسم والصفة (والركب) جمع راكب في المعنى، وليس بجمع في اللفظ، ولذلك تقول في التصغير ركيب كما تقول فريخ، و (أسفل منكم) ظرف: أى والركب في مكان أسفل منكم: أى أشد تسفلا، والجملة حال من الظرف الذى قبله، ويجوز أن تكون في موضع جر عطفا على أنتم: أى وإذ الركب أسفل منكم (ليقضى الله) أى فعل ذلك ليقضى (ليهلك) يجوز أن يكون بدلا من ليقضى بإعادة الحرف، وأن يكون متعلقا بيقضى أو بمفعولا (من هلك) الماضى هنا بمعنى المستقبل، ويجوز أن يكون المعنى: ليهلك بعذاب الآخرة من هلك في

٦

الدنيا منهم بالقتل (من حى) يقرأ بتشديد الياء وهو الاصل لان الحرفين متماثلان متحركان، فهو مثل شد ومد، ومنه قول عبيد: عيوا بأمرهم كما * عيت ببيضتها الحمامه ويقرأ بالاظهار وفيه وجهان: أحدهما أن الماضى حمل على المستقبل وهو يحيا، فكما لم يدغم في المستقبل لم يدغم في الماضى، وليس كذلك شد ومد فإنه يدغم فيهما جميعا.

والوجه الثانى أن حركة الحرفين مختلفة، فالاولى مكسورة والثانية مفتوحة، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين، ولذلك أجازوا في الاختيار لححت عينه وضبب البلد إذا كثر ضبه، ويقوى ذلك أن الحركة الثانية عارضة، فكان الياء الثانية ساكنة، ولو سكنت لم يلزم الادغام، وكذلك إذا كانت في تقدير الساكن، والياآن أصل وليست الثانية بدلا من واو، فأما الحيوان فالواو فيه بدل من الياء، وأما الحواء فليس من لفظ الحية، بل من حوى يحوى إذا جمع، و (عن بينة) في الموضعين يتعلق بالفعل الاول.

قوله تعالى (إذ يريكهم) أى اذكروا، ويجوز أن يكون ظرفا لعليم.

قوله تعالى (فتفشلوا) في موضع نصب على جواب النهى، وكذلك (وتذهب ريحكم) ويجوز أن يكون فتفشلوا جزما عطفا على النهى، ولذلك قرئ " ويذهب ريحكم ".

قوله تعالى (بطرا ورئاء الناس) مفعول من أجله أو مصدر في موضع الحال (ويصدون) معطوف على معنى المصدر.

قوله تعالى (لا غالب لكم اليوم) غالب هنا مبنية، ولكم في موضع رفع خبر لا، واليوم معمول الخبر، و (من الناس) حال من الضمير في لكم، ولايجوز أن يكون اليوم منصوبا بغالب، ولا من الناس حالا من الضمير في غالب، لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لا يجوز بناؤه، والالف في (جار) بدل من واو لقولك جاورته، و (على عقبيه) حال.

قوله تعالى (إذ يقول المنافقون) أى اذكروا ويجوز أن يكون ظرفا لزين أو لفعل من الافعال المذكورة في الآية مما يصح به المعنى.

قوله تعالى (يتوفى) يقرأ بالياء، وفى الفاعل وجهان: أحدهما (الملائكة) ولم يؤنث للفصل بينهما ولان تأنيث الملائكة غير حقيقى، فعلى هذا يكون (يضربون وجوههم) حالا من الملائكة أو حالا من الذين كفروا، لان فيها ضميرا يعود عليهما. والثانى أن يكون الفاعل مضمرا: أى إذ يتوفى الله والملائكة على هذا مبتدأ، ويضربون الخبر، والجملة

٧

حال ولم يحتج إلى الواو لاجل الضمير: أى يتوفاهم والملائكة يضربون وجوههم، ويقرأ بالتاء والفاعل الملائكة.

قوله تعالى (كدأب) قد ذكر في آل عمران مايصح منه إعراب هذا الموضع.

قوله تعالى (وإن الله سميع عليم) يقرأ بفتح الهمزة تقديره: ذلك بأن الله لم يك مغيرا وبأن الله سميع، ويقرأ بكسرها على الاستئناف.

قوله تعالى (الذين عاهدت) يجوز أن يكون بدلا من الذين الاولى، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف: أى هم الذين. ويجوز أن يكون نصبا على إضمار أعنى، و (منهم) حال من العائد المحذوف.

قوله تعالى (فإما تثقفنهم) إذ أكدت أن الشرطية بما أكد فعل الشرط بالنون ليتناسب المعنى (فشرد بهم) الجمهور على الدال وهو الاصل، وقرأ الاعمش بالذال وهو بدل من الدال، كما قالوا: خراديل وخراذيل، وقيل هو مقلوب من شذر بمعنى فرق، ومنه قولهم: تفرقوا شذر مذر، ويجوز أن تكون من شذر في مقاله إذا أكثر فيه. وكل ذلك تعسف بعيد.

قوله تعالى (فانبذ إليهم) أى عهدهم فحذف المفعول، و (على سواء) حال.

قوله تعالى (ولاتحسبن الذين) يقرأ بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والمفعول الثانى (سبقوا) ويقرأ بالياء، وفى الفاعل وجهان: أحدهما هو مضمر: أى يحسبن من خلفهم، أو لا يحسبن أحد، فالاعراب على هذا كإعراب القراء‌ة الاولى. والثانى أن الفاعل الذين كفروا، والمفعول الثانى سبقوا، والاول محذوف: أى أنفسهم، وقيل التقدير: أن سبقوا، وأن هنا مصدرية مخففة من الثقيلة حكى عن الفراء وهو بعيد لان أن المصدرية موصولة، وحذف الموصول ضعيف في القياس شاذ في الاستعمال (إنهم لايعجزون) أى لايحسبوا ذلك لهذا. والثانى أنه(١) متعلق بتحسب إما مفعول أو بدل من سبقوا، وعلى كلا الوجهين تكون لازائدة وهو ضعيف لوجهين: أحدهما زيادة لا والثانى أن مفعول حسبت إذا كان جملة وكان مفعولا ثانيا كانت فيه إن مكسورة لانه موضع مبتدأ وخبر.

٨

قوله تعالى (من قوة) هو في موضع الحال من " ما " أو من العائد المحذوف في استطعتم (ترهبون به) في موضع الحال من الفاعل في اعدلوا، أو من المفعول لان في الجملة ضميرين يعودان إليهما.

قوله تعالى (للسلم) يجوز أن تكون اللام بمعنى إلى، لان جنح بمعنى مال، ويجوز أن تكون معدية للفعل بنفسها وأن تكون بمعنى من أجل، والسلم بكسر السين وفتحها لغتان، وقد قرئ بهما وهى مؤنثة، ولذلك قال (فاجنح لها).

_____________________

(١) (قوله والثانى أنه الخ) الظاهر أنه مقابل لقوله لايحسبوا ذلك الخ يعنى أنه وجه ثان اه‍. (*)

٩

قوله تعالى (حسبك الله) مبتدأ وخبر، وقال قوم: حسبك مبتدأ، والله فاعله: أى يكفيك الله (ومن اتبعك) في من ثلاثة أوجه: أحدها جر عطفا على الكاف في حسبك، وهذا لايجوز عند البصريين لان العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار لايجوز.

والثانى موضعه نصب بفعل محذوف دل عليه الكلام تقديره: ويكفى من اتبعك.

والثالث موضعه رفع على ثلاثة أوجه(١) : أحدها هو معطوف على اسم الله، فيكون خبرا آخر كقولك: القائمان زيد وعمرو، ولم يثن حسبك لانه مصدر.

وقال قوم: هذا ضعيف لان الواو للجمع، ولا يحسن هاهنا كما لم يحسن في قولهم: ماشاء الله وشئت، وثم هنا أولى. والثانى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: وحسبك من اتبعك.

قوله تعالى (إن يكن) يجوز أن تكون التامة فيكون الفاعل (عشرون)، و (منكم) حال منها أو متعلقة بيكون، ويجوز أن تكون الناقصة فيكون عشرون اسمها ومنكم الخبر.

قوله تعالى (أسرى) فيه قراء‌ات قد ذكرت في البقرة (والله يريد الآخرة) الجمهور عل نصب الآخرة على الظاهر، وقرئ شاذا بالجر تقديره: والله يريد عرض الآخرة، فحذف المضاف وبقى عمله، كما قال بعضهم:

أكل امرئ تحسبين أمرأ

ونار توقد بالليل نارا أى وكل نار

قوله تعالى (لولا كتاب) كتاب مبتدأ، و (سبق) صفة له. و (من الله) يجوز أن يكون صفة أيضا، وأن يكون متعلقا بسبق والخبر محذوف: أى تدارككم.

قوله تعالى (حلالا طيبا) قد ذكر في البقرة.

قوله تعالى (خيانتك) مصدر خان يخون، وأصل الياء الواو فقلبت لانكسار ما قبلها ووقوع الالف بعدها.

قوله تعالى (من ولايتهم) يقرأ بفتح الواو وكسرها وهما لغتان، وقيل هى بالكسر الامارة، وبالفتح من موالاة النصرة.

_____________________

(١) (قوله على ثلاثة أوجه) لم يذكر منها غير وجهين، وانظر لم اسقط الثالث مع أنه معيب اه‍. (*)

١٠

قوله تعالى (إلا تفعلوه) الهاء تعود على النصر، وقيل على الولاء والتأمر.

قوله تعالى (في كتاب الله) في موضع نصب بأولى: أى يثبت ذلك في كتاب الله.

سورة التوبة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (براء‌ة) فيه وجهان: أحدهما هو خبر مبتدأ محذوف: أى هذا براء‌ة أو هذه، و (من الله) نعت له، و (إلى الذين) متعلقة ببراء‌ة كما تقول: برئت إليك من كذا. والثانى أنها مبتدأ، ومن الله نعت لها، وإلى الذين الخبر، وقرئ شاذا " من الله " بكسر النون على أصل التقاء الساكنين، و (أربعة أشهر) ظرف لفسيحوا.

قوله تعالى (وأذان) مثل براء‌ة، و (إلى الناس) متعلق بأذان أو خبر له (أن الله برئ) المشهور بفتح الهمزة، وفيه وجهان: أحدهما: هو خبر الاذان: أى الاعلام من الله براء‌ته من المشركين. والثانى هو صفة: أى وأذان كائن بالبراء‌ة، وقيل التقدير: وإعلام من الله بالبراء‌ة، فالباء متعلقة بنفس المصدر (ورسوله) يقرأ بالرفع وفيه ثلاثة أوجه: أحدها هو معطوف على الضمير في برئ، وما بينهما يجرى مجرى التوكيد، فلذلك ساغ العطف.

والثانى هو خبر مبتدأ محذوف: أى ورسوله برئ.

والثالث معطوف على موضع الابتداء، وهو عند المحققين غير جائز، لان المفتوحة لها موضع غير الابتداء بخلاف المكسورة، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن، ويقرأ بالجر شاذا وهو على القسم، ولايكون عطفا على المشركين لانه يؤدى إلى الكفر.

قوله تعالى (إلا الذين عاهدتم) في موضع نصب على الاستثناء من المشركين ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر فأتموا (ينقصوكم) الجمهور بالصاد، وقرئ بالضاد أى ينقضوا عهودكم فحذف المضاف، و (شيئا) في موضع المصدر.

قوله تعالى (واقعدوا لهم كل مرصد) المرصد مفعل من رصدت، وهو هنا مكان، وكل ظرف لاقعدوا، وقيل هو منصوب على تقدير حذف حرف الجر أى على كل مرصد أو بكل.

قوله تعالى (وإن أحد) هو فاعل لفعل محذوف دل عليه مابعده، و (حتى يسمع) أى إلى أن يسمع أو كى يسمع.

١١

ومأمن مفعل من الامن وهو مكان، ويجوز أن يكون مصدرا ويكون التقدير: ثم أبلغه موضع مأمنه.

قوله تعالى (كيف يكون) اسم يكون (عهد) وفي الخبر ثلاثة أوجه: أحدها كيف وقدم للاستفهام، وهو مثل قوله " كيف كان عاقبة مكرهم ".

والثانى أنه للمشركين، و (عند) على هذين ظرف للعهد، أو ليكون أو للجار، أو هى وصف للعهد.

والثالث الخبر عند الله وللمشركين تبيين أو متعلق بيكون، وكيف حال من العهد (فما استقاموا) في " ما " وجهان أحدهما هى زمانية، وهى المصدرية على التحقيق، والتقدير: فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، والثانى هى شرطية كقوله " مايفتح الله " والمعنى: إن استقاموا لكم فاستقيموا، ولاتكون نافية لان المعنى يفسد، إذ يصير المعنى استقيموا لهم لانهم لم يستقيموا لكم.

قوله تعالى (كيف وإن يظهروا) المستفهم عنه محذوف تقديره: كيف يكون لهم عهد أو كيف تطمئنون إليهم (إلا) الجمهور بلام مشددة من غير ياء، وقرئ " إيلا " مثل ريح. وفيه وجهان: أحدهما أنه أبدل اللام الاولى ياء لثقل التضعيف وكسر الهمزة. والثانى أنه من آلى يئول إذا ساس، أو من آل يئول إذا صار إلى آخر الامر، وعلى الوجهين قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها (يرضونكم) حال من الفاعل في لا يرقبوا عند قوم، وليس بشئ لانهم بعد ظهورهم لايرضون المؤمنين، وإنما هو مستأنف.

قوله تعالى (فإخوانكم) أى فهم إخوانكم، و (في الدين) متعلق بإخوانكم.

قوله تعالى (أئمة الكفر) هو جمع إمام، وأصله أئمة مثل خباء وأخبية، فنقلت حركة الميم الاولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الاخرى، فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الاصل، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها المنقولة إليها، ولايجوز هنا أن تجعل بين بين كما جعلت همزة أئذا، لان الكسرة هنا منقولة وهناك أصلية، ولو خففت الهمزة الثانية هنا على القياس لكانت ألفا لانفتاح ماقبلها، ولكن ترك ذلك لتتحرك بحركة الميم في الاصل.

قوله تعالى (أول مرة) هو منصوب على الظرف (فالله أحق) مبتدأ.

١٢

وفي الخبر وجهان: أحدهما هو أحق، و (أن تخشوه) في موضع نصب أو جر: أى بأن تخشوه، وفي الكلام حذف: أى أحق من غيره بأن تخشوه، أو أن تخشوه مبتدأ بدل من اسم الله بدل الاشتمال، وأحق الخبر، والتقدير خشية الله أحق. والثانى أن أن تخشوه مبتدأ، وأحق خبره مقدم عليه، والجملة خبر عن اسم الله.

قوله تعالى (ويتوب الله) مستأنف، ولم يجزم لان توبته على من يشاء ليست جزاء على قتال الكفار، وقرئ بالنصب على إضمار أن.

قوله تعالى (شاهدين) حال من الفاعل في يعمروا (وفى النار هم خالدون) أى وهم خالدون في النار، وقد وقع الظرف بين حرف العطف والمعطوف.

قوله تعالى (سقاية الحاج) الجمهور على سقاية بالياء، وهو مصدر مثل العمارة، وصحت الياء لما كانت بعدها تاء التأنيث، والتقدير: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج، أو يكون التقدير: كإيمان من آمن ليكون الاول هو الثانى، وقرئ " سقاة الحاج وعمار المسجد " على أنه جمع ساق وعامر (لايستوون عند الله) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا من المفعول الاول والثانى، ويكون التقدير: سويتم بينهم في حال تفاوتهم.

قوله تعالى (لهم فيها نعيم) الضمير كناية عن الرحمة والجنات.

قوله تعالى (ويوم حنين) هو معطوف: على موضع في مواطن، و (إذ) بدل من يوم.

قوله تعالى (دين الحق) يجوز أن يكون مصدر يدينون، وأن يكون مفعولا به، ويدينون بمعنى يعتقدون (عن يد) في موضع الحال: أى يعطوا الجزية أذلة.

قوله تعالى (عزير ابن الله) يقرأ بالتنوين على أن عزيرا مبتدأ، وابن خبره، ولم يحذف التنوين إيذانا بأن الاول مبتدأ، وأن مابعده خبر وليس بصفة، ويقرأ بحذف التنوين وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه مبتدأ وخبر أيضا، وفي حذف التنوين وجهان: أحدهما أنه حذف لالتقاء الساكنين، والثانى أنه لاينصرف للعجمة والتعريف وهذا ضعيف لان الاسم عربى عند أكثر الناس، ولان مكبره ينصرف لسكون أوسطه فصرفه في التصغير أولى.

والوجه الثانى أن عزيرا خبر مبتدأ محذوف تقديره: نبينا أو صاحبنا أو معبودنا، وابن صفة، أو يكون عزيرا مبتدأ وابن صفة والخبر محذوف أى عزيرا ابن الله صاحبنا.

١٣

والثالث أن ابنا بدل من عزير، أو عطف بيان، وعزير على ماذكرنا من الوجهين وحذف التنوين في الصفة، لانها مع الموصوف كشئ واحد (ذلك) مبتدأ، و (قولهم) خبره، و (بأفواههم) حال والعامل فيه القول، ويجوز أن يعمل فيه معنى الاشارة، ويجوز أن تتعلق الباء بيضاهون،

فأما (يضاهون) فالجمهور على ضم الهاء من غير همز، والاصل ضاهى، والالف منقلبة عن ياء وحذفت من أجل الواو، وقرئ بكسر الهاء وهمزة مضمومة بعدها وهو ضعيف، والاشبه أن يكون لغة في ضاهى وليس مشتقا من قولهم امرأة ضهياء، لان الياء أصل والهمزة زائدة، ولا يجوز أن تكون الياء زائدة إذ ليس في الكلام فعيل بفتح الفاء.

قوله تعالى (والمسيح) أى واتخذوا المسيح ربا فحذف الفعل وأحد المفعولين، ويجوز أن يكون التقدير: وعبدوا المسيح (إلا ليعبدوا) قد تقدم نظائره.

قوله تعالى (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) يأبى بمعنى يكره، ويكره بمعنى يمنع فلذلك استثنى لما فيه من معنى النفى والتقدير: يأبى كل شئ إلا إتمام نوره.

قوله تعالى (والذين يكنزون) مبتدأ، والخبر (فبشرهم) ويجوز أن يكون منصوبا تقديره: بشر الذين يكنزون. ينفقونها الضمير المؤنث يعود على الاموال أو على الكنوز المدلول عليها بالفعل، أو على الذهب والفضة لانهما جنسان، ولهما أنواع، فعاد الضمير على المعنى أو على الفضة لانها أقرب، ويدل ذلك على إرادة الذهب، وقيل يعود على الذهب ويذكر ويؤنث.

قوله تعالى (يوم يحمى) يوم ظرف على المعنى: أى يعذبهم في ذلك اليوم، وقيل تقديره: عذاب يوم، وعذاب بدل من الاول، فلما حذف المضاف أقام اليوم مقامه، وقيل التقدير: اذكر، و (عليها) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل وقيل القائم مقام الفاعل مضمر: أى يحمى الوقود أو الجمر (بها) أى بالكنوز.

وقيل هى بمعنى فيها: أى في جهنم، وقيل يوم ظرف لمحذوف تقديره: يوم يحمى عليها يقال لهم هذا ما كنزتم.

قوله تعالى (أن عدة الشهور) عدة مصدر مثل العدد، و (عند) معمول له، و (في كتاب الله) صفة لاثنى عشر، وليس بمعمول لعدة، لان المصدر إذا أخبر عنه لايعمل فيما بعد الخبر، و (يوم خلق) معمول لكتاب على أن كتابا هنا مصدر لاجثة، ويجوز أن يكون

١٤

جثة، ويكون العامل في معنى الاستقرار، وقيل في كتاب الله بدل من عند، وهو ضعيف لانك قد فصلت بين البدل والمبدل منه بخبر العامل في المبدل (منها أربعة) يجوز أن تكون الجملة صفة لاثنى عشر، وأن تكون حالا من استقرار، وأن تكون مستأنفة (فيهن) ضمير الاربعة، وقيل

ضمير اثنى عشر، و (كافة) مصدر في موضع الحال من المشركين، أو من ضمير الفاعل في قاتلوا.

قوله تعالى (إنما النسئ) يقرأ بهمزة بعد الياء، وهو فعيل مصدر مثل النذير والنكير، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول: أى إنما المنسوء، وفي الكلام على هذا حذف تقديره: إن نسا النسئ أو إن النسئ ذو زيادة، ويقرأ بتشديد الياء من غير همز على قلب الهمزة ياء، ويقرأ بسكون السين وهمزة بعدها وهو مصدر نسأت، ويقرأ بسكون السين وياء مخففة بعدها على الابدال أيضا (يضل) يقرأ بفتح الياء وكسر الضاد، والفاعل (الذين) ويقرأ بفتحهما وهى لغة، والماضى ظللت بفتح اللام الاولى وكسرها، فمن فتحها في الماضى كسر الضاد في المستقبل، ومن كسرها في الماضى فتح الضاد في المستقبل، ويقرأ بضم الياء وفتح الضاد على مالم يسم فاعله، ويقرأ بضم الياء وكسر الضاد: أى يضل به الذين كفروا أتباعهم، ويجوز أن يكون الفاعل مضمرا: أى يضل الله أو الشيطان (يحلونه) يجوز أن يكون مفسرا للضلال فلا يكون له موضع، ويجوز أن يكون حالا.

قوله تعالى (اثاقلتم) الكلام فيها مثل الكلام في ادارأتم، والماضى هنا بمعنى المضارع: أى مالكم تتثاقلون، وموضعه نصب: أى أى شئ لكم في التثاقل، أو في موضع جر على رأى الخليل، وقيل هو حال: أى مالكم متثاقلين (من الآخرة) في موضع الحال: أى بدلا من الآخرة.

قوله تعالى (ثانى اثنين) هو حال من الهاء: أى أحد اثنين، ويقرأ بسكون الياء وحقها التحريك، وهو من أحسن الضرورة في الشعر، وقال قوم: ليس بضرورة، ولذلك أجازوه في القرآن (إذ هما) ظرف لنصره لانه بدل من إذ الاولى، ومن قال العامل في البدل غير العامل في المبدل قدر هنا فعلا آخر: أى نصره إذ هما (إذ يقول) بدل أيضا، وقيل إذ هما ظرف لثانى (فأنزل الله سكينته) هى فعيلة بمعنى مفعلة: أى أنزل عليه مايسكنه، والهاء في

١٥

(عليه) تعود على أبى بكر رضى الله عنه لانه كان منزعجا، والهاء في (أيده) للنبى صلى الله عليه وسلم (وكلمة الله) بالرفع على الابتداء، و (هى العليا) مبتدأ وخبر، أو تكون هى فضلا، وقرئ بالنصب: أى وجعل كلمة الله، وهو ضعيف لثلاثة أوجه: أحدها أن فيه وضع الظاهر موضع المضمر، إذ الوجه أن تقول كلمته.

والثانى أن فيه دلالة على أن كلمة الله كانت سفلى فصارت عليا، وليس كذلك.

والثالث أن توكيد مثل ذلك بهى بعيد إذ القياس أن يكون إياها.

قوله تعالى (لو كان عرضا قريبا) اسم كان مضمر تقدير ولو كان مادعوتم إليه (لو استطعنا) الجمهور على كسر الواو على الاصل، وقرئ بضمها تشبيها للواو الاصلية بواو الضمير نحو " اشتروا الضلالة " (يهلكون أنفسهم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا من الضمير في يحلفون.

قوله تعالى (حتى يتبين) حتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره: هلا أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين، وقوله " لم أذنت لهم " يدل على المحذوف، ولايجوز أن يتعلق حتى بأذنت، لان ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية أو لاجل التبيين، وهذا لايعاتب عليه.

قوله تعالى (خلالكم) ظرف لاوضعوا: أى أسرعوا فيما بينكم (يبغونكم) حال من الضمير في أوضعوا.

قوله تعالى (يقول ائذن لى) هو مثل قوله " ياصالح ائتنا " وقد ذكر.

قوله تعالى (هل تربصون) الجمهور على تسكين اللام وتخفيف التاء، ويقرأ بكسر اللام وتشديد التاء ووصلها والاصل تتربصون، فسكن التاء الاولى وأدغمها ووصلها بما قبلها وكسرت اللام لالتقاء الساكنين، ومثله " نارا تلظى " وله نظائر (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم) مفعول نتربص، وبكم متعلقة بنتربص.

قوله تعالى (أن تقبل) في موضع نصب بدلا من المفعول في منعهم، ويجوز أن يكون التقدير: من أن تقبل، و (أنهم كفروا) في موضع الفاعل، ويجوز أن يكون فاعل منع الله، وأنهم كفروا مفعول له: أى إلا لانهم كفروا.

قوله تعالى (أو مدخلا) يقرأ بالتشديد وضم الميم وهو مفتعل من الدخول، وهو الموضع الذى يدخل فيه، ويقرأ بضم الميم وفتح الخاء من غير تشديد، ويقرأ بفتحهما وهما مكانان

١٦

أيضا، وكذلك المغارة وهى واحد مغارات، وقيل الملجأ ومابعده مصادر: أى لو قدروا على ذلك لمالوا إليه.

قوله تعالى (يلمزك) يجوز كسر الميم وضمها وهما لغتان قد قرئ بهما (إذا هم) إذا هنا للمفاجأة، وهى ظرف مكان وجعلت في جواب الشرط كالفاء لما فيها من المفاجأة، ومابعدها ابتداء وخبر، والعامل في إذا (يسخطون).

قوله تعالى (فريضة) حال من الضمير في الفقراء: أى مفروضة، وقيل هو مصدر، والمعنى فرض الله ذلك فرضا.

قوله تعالى (قل أذن خير) أذن خبر مبتدإ محذوف: أى هو ويقرأ بالاضافة أى مستمع خير، ويقرأ بالتنوين ورفع خير على أنه صفة لاذن، والتقدير: أذن ذو خير، ويجوز أن يكون خير بمعنى أفعل: أى أذن أكثر خيرا لكم (يؤمن بالله) في موضع رفع صفة أيضا واللام في (للمؤمنين) زائدة دخلت لتفرق بين يؤمن بمعنى يصدق، ويؤمن بمعنى يثبت الامان (ورحمة) بالرفع عطف على أذن: أى هو أذن ورحمة، ويقرأ بالجر عطفا على خير فيمن جر خيرا.

قوله تعالى (والله ورسوله) مبتدأ، و (أحق) خبره، والرسول مبتدأ ثان وخبره محذوف دل عليه خبر الاول.

وقال سيبويه: أحق خبر الرسول، وخبر الاول محذوف وهو أقوى، إذ لايلزم منه التفريق بين المبتدإ وخبره، وفيه أيضا أنه خبر الاقرب إليه، ومثله قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأى مختلف وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين، لان أمر الرسول تابع لامر الله تعالى، ولان الرسول قائم مقام الله بدليل قوله تعالى " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " وقيل أفرد الضمير وهو في موضع التثنية، وقيل التقدير: أن ترضوه أحق، وقد ذكرناه في قوله " والله أحق أن تخشوه " وقيل التقدير: أحق بالارضاء.
قوله تعالى (ألم يعلموا) يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين، وتكون (أنه) وخبرها سد مسد المفعولين، ويجوز أن تكون المتعدية إلى واحد، و (من) شرطية موضع مبتدإ، والفاء جواب الشرط، فأما (أن) الثانية فالمشهور فتحها وفيها أوجه أحدها أنها بدل من الاولى، وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما أن الفاء التى معها تمنع من ذلك، والحكم بزيادتها ضعيف، والثانى أن جعلها بدلا يوجب سقوط جواب " من " من الكلام.

١٧

والوجه الثانى أنها كررت توكيدا كقوله تعالى " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " ثم قال " إن ربك من بعدها " والفاء على جواب الشرط.

والثالث أن " أن " هاهنا مبتدأ والخبر محذوف: أى فلهم أن لهم.

والرابع أن تكون خبر مبتدأ محذوف: أى فجزاؤهم أن لهم، أو فالواجب أن لهم، ويقرأ بالكسر على الاستئناف.

قوله تعالى (أن تنزل) في موضع نصب بيحذر على أنها متعدية بنفسها، ويجوز أن يكون بحرف الجر: أى من أن تنزل، فيكون موضعه نصبا أو جرا على ماذكرنا من اختلافهم في ذلك.

قوله تعالى (أبالله) الباء متعلقة ب‍ (يستهزء‌ون) وقد قدم معمول خبر كان عليها، فيدل على جواز تقديم خبرها عليها.

قوله تعالى (بعضهم من بعض) مبتدأ وخبر: أى بعضهم من جنس بعض في النفاق (يأمرون بالمنكر) مستأنف مفسر لما قبلها.

قوله تعالى (كالذين) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: وعدا كوعد الذين (كما استمتع) أى استمتاعا كاستمتاعهم (كالذى خاضوا) الكاف في موضع نصب أيضا، وفى " الذى" وجهان: أحدهما أنه جنس، والتقدير: خوضا كخوض الذين خاضوا، وقد ذكر مثله في قوله تعالى " مثلهم كمثل الذى استوقد ". والثانى أن " الذى " هنا مصدرية: أى كخوضهم وهو نادر.

قوله تعالى (قوم نوح) هو بدل من الذين.

قوله تعالى (ورضوان من الله) مبتدأ، و (أكبر) خبره.

قوله تعالى (واغلظ عليهم ومأواهم جهنم) إن قيل كيف حسنت الواو هنا والفاء أشبه بهذا الموضع ففيه ثلاثة أجوبة: أحدها أنها واو الحال، والتقدير افعل ذلك في حال استحقاقهم جهنم، وتلك الحال حال كفرهم ونفاقهم.

والثانى أن الواو جئ بها تنبيها على إرادة فعل محذوف تقديره: واعلم أن مأواهم جهنم.

والثالث أن الكلام محمول على المعنى، والمعنى: أنه قد اجتمع لهم عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة وعذاب الآخرة بجعل جهنم مأوى لهم.

١٨

قوله تعالى (ما قالوا) هو جواب قسم، ويحلفون قائم مقام القسم.

قوله تعالى (ومانقموا إلا أن أغناهم الله) أن وماعملت فيه مفعول نقموا أى وماكرهوا إلا إغناء الله إياهم، وقيل هو مفعول من أجله، والمفعول به محذوف أى ما كرهوا الايمان إلا ليغنوا.

قوله تعالى (لئن آتانا من فضله) فيه وجهان: أحدهما تقديره: عاهد فقال لئن آتانا. والثانى أن يكون عاهد بمعنى قال، إذا العهد قول.

قوله تعالى (الذين يلمزون) مبتدأ، و (من المؤمنين) حال من الضمير في " المطوعين " و (في الصدقات) متعلق بيلمزون، ولايتعلق بالمطوعين لئلا يفصل بينهما بأجنبى (والذين لا يجدون) معطوف على الذين يلمزون، وقيل على المطوعين: أى ويلمزون الذين لايجدون، وقيل هو معطوف على المؤمنين، وخبر الاول على هذه الوجوه فيه وجهان: أحدهما (فيسخرون) ودخلت الفاء لما في الذين من الشبه بالشرط. والثانى أن الخبر (سخر الله منهم) وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون الذين يلمزون في موضع نصب بفعل محذوف يفسر سخر تقديره: عاب الذين يلمزون، وقيل الخبر محذوف تقديره منهم الذين يلمزون.

قوله تعالى (سبعين مرة) هو منصوب على المصدر، والعدد يقوم مقام المصدر كقولهم: ضربته عشرين ضربة.

قوله تعالى (بمقعدهم) أى بقعودهم، و (خلاف) ظرف بمعنى خلف (رسول الله) أى بعده، والعامل فيه مقعد، ويجوز أن يكون العامل فرح، وقيل هو مفعول من أجله، فعلى هذا هو مصدر: أى لمخالفته، والعامل المقعد أو فرح، وقيل هو منصوب على المصدر بفعل دل عليه الكلام لان مقعدهم عنه تخلف.

قوله تعالى (قليلا) أى ضحكا قليلا أو زمنا قليلا، و (جزاء) مفعول له أو مصدر على المعنى.

قوله تعالى (فإن رجعك الله) هى متعدية بنفسها ومصدرها رجع، وتأتى لازمة ومصدرها الرجوع.

قوله تعالى (منهم) صفة لاحد، و (مات) صفة أخرى، ويجوز أن يكون منهم حالا من الضمير في مات (أبدا) ظرف لتصل.

١٩

قوله تعالى (أن آمنوا) أى آمنوا، والتقدير: يقال فيها آمنوا، وقيل إن هنا مصدرية تقديره: أنزلت بأن آمنوا، أى بالايمان.

قوله تعالى (مع الخوالف) هو جمع خالفة وهى المرأة، وقد يقال للرجل خالف وخالفة، ولايجمع المذكر على خوالف.

قوله تعالى (وجاء المعذرون) يقرأ على وجوه كثيرة قد ذكرناها في قوله " بألف من الملائكة مردفين ".

قوله تعالى (إذا نصحوا) العامل فيه معنى الكلام: أى لايخرجون حينئذ.

قوله تعالى (ولاعلى الذين) هو معطوف على الضعفاء فيدخل في خبر ليس، وإن شئت عطفته على المحسنين فيكون المبتدأ من سبيل، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا: أى ولا على الذين إلى تمام الصلة حرج أو سبيل، وجواب إذا (تولوا) وفيه كلام قد ذكرناه عند قوله " كلما دخل عليها زكريا " (وأعينهم تفيض) الجملة في موضع الحال، و (من الدمع) مثل الذى في المائدة، و (حزنا) مفعول له أو مصدر في موضع الحال أو منصوب على المصدر بفعل دل عليه ماقبله (ألا يجدوا) يتعلق بحزن وحرف الجر محذوف، ويجوز أن يتعلق بتفيض.

قوله تعالى (رضوا) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا، وقد معه مرادة.

قوله تعالى (قد نبأنا الله) هذا الفعل قد يتعدى إلى ثلاثة أولها " نا " والاثنان الآخران محذوفان تقديره: أخبارا من أخباركم مثبتة، و (من أخباركم) تنبيه على المحذوف وليست " من " زائدة، إذ لو كانت زائدة لكانت مفعولا ثانيا، والمفعول الثالث محذوف وهو خطأ، لان المفعول الثانى إذا ذكر في هذا الباب لزم ذكر الثالث، وقيل " من " بمعنى عن.

قوله تعالى (جزاء) مصدر: أى يجزون بذلك جزاء، أو هو مفعول له.

قوله تعالى (وأجدر أن لايعلموا) أى بأن لا يعلموا.

قوله تعالى (بكم الدوائر) يجوز أن تتعلق الباء بيتربص، وأن يكون حالا من الدوائر (دائرة السوء) يقرأ بضم السين وهو الضرر وهو مصدر في الحقيقة يقال سؤته سوء‌ا ومساء‌ة ومسائية، ويقرأ: بفتح السين وهو الفساد والرداء‌ة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

للتغافل عن عناصر الموضوع التي كان لها أروع الاثر في النتائج التي توخاها الحسن بن علي من صلحه مع معاوية بن أبي سفيان. ولذلك، ولما لهذه التفاصيل الحساسة الثقيلة على النفس من الاهمية القصوى لموضوعنا العام، فلابد لنا من مسايرة هذا الموضوع في سائر خطواته، حتى ينتهى بنا أو ننتهي به الى النتائج الواضحة المملاة عن مقدماتها المسلمة، بما في هذه النتائج من مجد المظلوم ( الغالب ) وخزاية الظالم ( المغلوب )، فنقول:

١

الوفاء بالشرط الاول

كان هذا الشرط هو الشرط الوحيد الذي لمعاوية على الحسن.

فكان هو الشرط الوحيد الذي حظي بالوفاء من شروط هذه المعاهدة اطلاقاً.

ثم لا يعهد من الحسن بعد توقيعه الصلح، أي محاولة لنقض شرطه هذا ولا التحدث بذلك، ولا الرضا بالحديث عنه.

وجاءه زعماء شيعته بعد أن أعلن معاوية التخلّف عن شروطه، فعرضوا عليه - وقد رجع الى المدينة - أنفسهم واتباعهم للجهاد بين يديه، ووعده الكوفيون منهم باخلاء الكوفة من عاملها الاموي، وضمنوا له الكراع والسلاح لاعادة الكرة على الشام، فلم تهزه العواصف ولا قلقلته حوافز الانصار المتوثبين.

فقال له سليمان بن صرد، وهو اذ ذاك سيد العراق ورئيسهم - على حد تعبير ابن قتيبة عنه -: « وزعم - يعني معاوية - على رؤوس الناس ما قد سمعت: اني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات ومنيتهم أمانيّ

٣٠١

فان كل ما هنالك تحت قدميَّ هاتين، وواللّه ما عنى بذلك الا نقض ما بينك وبينه، فأعد الحرب خدعة وأْذَنْ لي أشخص الى الكوفة، فأخرج عاملها منها وأُظهر فيها خلعه، وانبذ اليه على سواء، ان اللّه لا يهدي كيد الخائنين.

« ثم سكت ابن صرد، فتكلم كل من حضر مجلسه بمثل مقالته، وكلهم يقول: ابعث سليمان بن صرد وابعثنا معه، ثم الحقنا، اذا علمت انا قد أشخصنا عامله، وأظهرنا خلعه(١) ».

وجاءه - ايضاً - حجر بن عدي الكندي، ومركزه القويّ في العراق مركزه، كما ستعرف قريباً.

وجاءه المسيب بن نجية، فارس مضر الحمراء كلها، اذا عدّ من أشرافها عشرة كان هو أحدهم - على حد تعبير زفر بن الحارث الكلابي عنه -.

وجاءه آخرون من نظرائهم، وكلهم لم يحظ من الحسن الا بالرّد الجميل والاستمهال الى موت معاوية، لانه صاحب عهده فيما تعاهدا عليه، ولانه كان قد درس من أحوال الكوفة في تجربته الاولى، ما أغناه عن تجارب أخرى.

وكان آخر جوابه اليهم قوله: « ليكن كل رجل منكم حلساً من أحلاس(٢) بيته ما دام معاوية حياً، فان يهلك معاوية، ونحن وانتم احياء، سألنا اللّه العزيمة على رشدنا، والمعونة على أمرنا، وأن لا يكلنا الى انفسنا، فان اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون(٣) ».

__________________

١ - ابن قتيبة ( ج ١: ص ١٥١ ).

٢ - فلان حلس بيته يعني ( ملازم بيته لا يبرحه ).

٣ - الامامة والسياسة ( ج ١ ص ١٥٢ ).

٣٠٢

٢

الوفاء بالشرط الثاني

أجمع المؤرخون - بما فيهم المتحزبون والمستقلون - على أن العهد لذي أعطاه معاوية للحسن في شروط الصلح، هو أن لا يعهد بالامر من بعده الى أحد، ومعنى ذلك رجوع الامر من بعده الى صاحبه الشرعي، أعني الحسن بن علي فان لم يكن فللحسين أخيه، تمشياً مع مفهوم الشرط القائل بتسليم الامر محدوداً بحياته، ومفهوم سلبه صلاحية العهد الى أحد من بعده.

وأجمع المؤرخون - بعد ذلك - على أن معاوية نقض هذا العهد علناً، وعهد من بعده الى ابنه يزيد ( المعروف!!! ).

ولسنا الآن بصدد مناقشة معاوية على نقضه العهد بعد ميثاقه، وهو - على كل حال - جماع غلطاته التي أركسه « الصلح » فيها من حيث يدري أو لا يدري، ولكنا وقد مررنا على موقف معاوية من عهوده مراتٍ ومرات، لا نريد ان نمر هنا على تعيينه يزيد ابنه لخلافة المسلمين دون أن نقول: انه ارتكب بهذا العمل الجريء أكبر اثم في دينه، وأفظع جريمة في الصالح العام. وقد كان من أبرز النتائج، لاعمال معاوية الارتجالية الجريئة هذه، ان تنحرف قيادة الاسلام عن منهجها القويم، وان تفقد الرعية قدوتها العملية، وان تسود الاثرة، ويضطرب حبل الثقة بين الافراد والجماعات، وأن ينعدم التجاوب والتفاعل الوجداني بين القادة والاتباع. فتتوزع الميول وتتباين المقاصد، ثم لا يزال الامر يأخذ بهم سفالاً، حتى يستعد الى الثورات الدامية والانتفاضات الداخلية التي كان لابد منها لتدارك الاخطاء والتنبه على الاخطار. دع عنك ما كان يقال عن يزيد هذا، وعن قابلياته الشخصية والخلقية التي عجت بها التواريخ، من يومه الى يومنا، والتي

٣٠٣

كان من آثارها - في حكومته - ما كان ( مما لا نريد التوسع في ذكره )، وانما جل ما نريد هو التنبيه على الغلطة الكبرى التي أتاها معاوية، فتقمص بها مسؤولية الحرمات الاسلامية التي انتهكها بهذه الغلطة غير متحرج ولا متأثم.

وكان من الاساليب العجيبة التي توفر على روايتها أصدقاء الرجل فضلاً عن أعدائه، فيما لجأ اليه يوم نصب ابنه ولياً لعهد المسلمين، ما يكفينا للتأكد من وزنه كمسلم فضلاً عن وزنه كخليفة!! وانها لصفحة من أنكد صفحات التاريخ، وأبعدها عن « الاسلام » روحاً ومعنى وأهدافاً، ولولا أنها - بنتائجها التي تنكشف عنها في معاوية وفي المجتمع الذي كان يدور في فلك معاوية - أحد شرايين بحثنا الواسع فيما يهدف اليه هذا البحث من بيان أسرار الحسن فيما أتاه من الصلح، لاعرضنا عن ذكرها، ولكُنّا أحرص على سترها، رغم افتضاحها المكشوف مدى ثلاثة عشر قرناً.

أما الآن فسنعرض خلاصة من نصوص المؤرخين، دون ان نتعمد الشرح والتعليق في الاثناء، لان هذه النصوص بذاتها غنية عن الشرح والتعليق.

هكذا بايع معاوية ليزيد:

قال ابو الفرج الاصفهاني: « وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن وسعد بن ابي وقاص، فدس اليهما سماً، فماتا منه(١) ».

وقال ابن قتيبة الدينوري: « ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن الا يسيراً حتى بايع ليزيد بالشام وكتب ببيعته الى الآفاق(٢) ».

وقال ابن الاثير: « وكان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن شعبة، فان

__________________

١ - المقاتل ( ص ٢٩ ).

٢ - الامامة والسياسة ( ج ١: ص ١٦٠ ).

٣٠٤

معاوية أراد ان يعزله عن الكوفة، ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك، فقال: الرأي ان أشخص الى معاوية فاستعفيه، ليظهر للناس كراهتي للولاية، فسار الى معاوية وقال لاصحابه حين وصل اليه: ان لم أكسبكم الآن ولاية وامارة لا أفعل ذلك ابداً، ومضى حتى دخل على يزيد(١) وقال له: انه ذهب أعيان اصحاب النبي صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم، وكبراء قريش وذوو أسنانهم!(٢) وانما بقي أبناؤهم، وأنت من أفضلهم! وأحسنهم رأياً! وأعلمهم بالسنة!! والسياسة!، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟ قال: أَوَترى ذلك يتم؟ قال: نعم. فدخل على أبيه، وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد؟. فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد خلف (! )، فاعقد له، فان حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك، ولا تسفك دماءٌ (!! ). ولا تكون فتنة (!! ). قال: ومن لي بهذا؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال: فارجع الى عملك، وتحدث مع من تثق اليه في ذلك، وترى ونرى.

« فودّعه ورجع الى أصحابه. فقالوا: مه؟. قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد!!، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً!(٣) ».

« وتواطأ معاوية مع رؤساء الوفود المناصحين له، أن يخطبوا ويذكروا

__________________

١ - وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ ( ج ١: ص ١٠٨ ) مناورة المغيرة بن شعبة هذه، ولكنه رأى أو روى ان المغيرة ابتدأ بمعاوية اولاً، وان معاوية لما وثق منه أرجعه الى عمله وقال له: « انصرف الى عملك، وأحكم الامر لابن اخيك، وأعاده على البريد يركض ( كذا ) ».

٢ - انظر الى مكانة السن في عرف المغيرة

٣ - كامل ابن الاثير ( ج ٣: ص ١٩٨ - ٢٠١ ). وفي هذا الحديث ما يشعرك بروحية المغيرة بن شعبة ومدى غيرة هذا الصحابي ذي الفتوق على أمة محمد (ص)!.

٣٠٥

فضل يزيد!! فلما اجتمعت عند معاوية وفود الامصار، وفيهم الاحنف بن قيس الفهري، فقال له: اذا جلست على المنبر، وفرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذن للقيام فاذا أذنا لك، فاحمد اللّه تعالى واذكر يزيد، وقل فيه الذي يحق له من حسن الثناء عليه!! ثم ادعني الى توليته!. ثم دعا عبد الرحمن بن عثمان الثقفي وعبيد اللّه بن مسعدة الفزاري وثور بن معن السلمي وعبد اللّه بن عصام الاشعري، فأمرهم ان يقوموا اذا فرغ الضحاك، وان يصدقوا قوله!! فقام هؤلاء النفر خطباء يشيدون بيزيد!! الى أن قام الاحنف بن قيس [ ولم يكن من الممثلين الذين رتبهم معاوية لهذه الرواية ] فقال:

« أصلح اللّه الامير، ان الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف، وقد حلبت الدهور وجربت الامور، فاعرف من تسند اليه الامر بعدك، ثم اعص من يأمرك، ولا يغررك من يشير عليك ولا ينظر اليك، مع أن أهل الحجاز وأهل العراق، لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما دام الحسن حياً ».

ثم أردف قائلاً:

« وقد علمت يا معاوية، أنك لم تفتح العراق عنوة، ولم تظهر عليه مقصاً، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود اللّه ما قد علمت، ليكون له الامر من بعدك(١) . فان تف فأنت أهل الوفاء، وان تغدر تظلم. واللّه ان وراء الحسن خيولاً جياداً، وأذرعاً شداداً، وسيوفاً حداداً. وان تدن له شبراً من غدر، تجد وراءه باعاً من نصر. وانك تعلم من أهل العراق، ما أحبوك منذ أبغضوك، ولا أبغضوا علياً وحسناً منذ أحبوهما، وما نزل

__________________

١ - واخطأ فهم هذه الحقبة من الزمن كثير ممن كتب عنها، فقال حسن مراد في « الدولة الاموية » ( ص ٧٠ ): « ومن هنا نرى أن عهد معاوية بالخلافة لابنه يزيد على ما سيجيء لم يكن انتقالاً غير منتظر!! ». وقد عرفت من كلام الاحنف هنا ومن كلامنا في البحوث الآنفة أنه كان انتقالاً غير منتظر.

٣٠٦

عليهم في ذلك غيَرٌ من السماء، وان السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين، لعلى عواتقهم، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم(١) ».

أقول: وكلام الاحنف هذا، صريح بأن معاوية حاول البيعة لابنه يزيد في حياة الحسن بن علي، بينما صرح آخرون، بأن بيعة يزيد انما وقعت بعد وفاة الحسن، حتى قال ابو الفرج: « انه سم الحسن وسعد بن ابي وقاص تمهيداً لبيعة ابنه يزيد » ( كما اشير اليه ). اذاً فقد كان لمعاوية محاولتان لهذا التصميم: احداهما في حياة الحسن رغم العهود والأيمان والمواثيق، وهي انما فشلت لمكان وجود صاحب العهد حياً. وثانيتهما بعد وفاة الحسنعليه‌السلام ، وهي التي تمت بأساليبها الظالمة التي عرضها أكثر المؤرخين.

« فعزل مروان عن المدينة حين عجز عن أخذ البيعة على أهلها ليزيد، وولى المدينة سعيد بن العاص، فاظهر الغلظة وأخذهم بالعزم والشدة، وسطاً بكل من ابطأ عن البيعة ليزيد، فأبطأ الناس عنها الا اليسير، لا سيما بني هاشم، فانه لم يجبه منهم أحد.

« أما مروان فذهب الى الشام مغاضباً، وواجه معاوية بكلام طويل قال فيه: وأقم الامر يا ابن أبي سفيان، واهدأ من تأميرك الصبيان، واعلم أن لك في قومك نظراء، وأنهم على مناوأتك وزراء

- ثم سكت لانه رزقه الف دينار في كل هلال!! -

« وكتب معاوية الى عبد اللّه بن عباس والى عبد اللّه بن الزبير والى عبد اللّه بن جعفر والى الحسين بن علي، يدعوهم الى البيعة ليزيد!.

- وكان كتابه الى الحسينعليه‌السلام ما لفظه -:

« أما بعد. فقد انتهت اليَّ منك امور، لم اكن اظنك بها، رغبةً

__________________

١ - ابن قتيبة ( ج ١ ص ١٥٦ - ١٥٨ )، والمسعودي - هامش ابن الاثير ( ج ٦ ص ١٠٠ - ١٠٢ ).

٣٠٧

بك عنها، وان احق الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها، فلا تنازع الى قطيعتك، واتق اللّه!!. ولا تردَّنَّ هذه الامة في فتنة!!. وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون!! ».

- فكتب اليه الحسين بما يلي -:

« أما بعد فقد جاءني كتابك، تذكر فيه أنها انتهت اليك مني أمور لم تكن تظنني بها رغبةً بي عنها، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد عليها الا اللّه تعالى. واما ما ذكرت انه رقى اليك عني، فانما رقاه الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع. وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حرباً ولا خلافاً. واني اخشى اللّه في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين، حزب الظلم وأعوان الشيطان الرجيم. الست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟. فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة، جراءة على اللّه واستخفافاً بعهده، أَوَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم(١) لنزلت من شعف(٢) الجبال. أولست المدعي زياداً في الاسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان؟، وقد قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم، أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل!. سبحان اللّه يا معاوية، لكأنك لست من هذه الامة وليسوا منك!!. أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد أنه على دين علي؟، ودين علي هو دين ابن عمه صلى اللّه عليه وسلم الذي

__________________

١ - العصم [ جمع اعصم ] وهو: ( الظبي في ذراعيه او في احداهما بياض وسائره أسود او احمر ).

٢ - الشعفة بالتحريك: ( رأس الجبل ). وشعفة كل شيء: ( اعلاه ) وجمعه: [ شعف ] محركاً في النص.

٣٠٨

أجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين، رحلة الشتاء والصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منةً عليكم!.

وقلت فيما قلت: لا تردَّ هذه الامة في فتنة. واني لا أعلم فتنة لها أعظم من امارتك عليها.

وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد، واني واللّه ما أعرف أفضل من جهادك ( أي: قتالك )، فان أفعل، فانه قربة الى ربي، وان لم أفعل، فأستغفر اللّه لذنبي، واسأله التوفيق لما يحب ويرضى.

وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك، فكدني يا معاوية فيما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، واني لارجو ان لا تضر الا نفسك، ولا تمحق الا عملك، فكدني ما بدا لك!.

« واتق اللّه يا معاوية!، واعلم ان للّه كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها! واعلم ان اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة، وامارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب!!. ما أراك الا وقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعية، والسلام(١) ».

ثم قدم معاوية بعد ذلك الى المدينة، ومعه خلق كثير من أهل الشام عدهم ابن الاثير بألف فارس. قال: « ثم دخل على عائشة، وكان قد بلغها انه ذكر الحسين وأصحابه وقال: لاقتلنهم ان لم يبايعوا فقالت له فيما قالت: وارفق بهم فانهم يصيرون الى ما تحب، ان شاء اللّه!!(٢) ».

وقال الدينوري(٣) بعد ذكره ورود معاوية الى المدينة: « ثم جلس معاوية صبيحة اليوم الثاني، وأجلس كتابه بحيث يسمعون ما يأمر به،

__________________

١ - ابن قتيبة ( ج ١ ص ٦٣ - ٦٥ ).

٢ - أقول: ولنا ان نفهم من هذه اللغة أن ام المؤمنين نفسها كانت قد صارت الى ما يحب معاوية من البيعة ليزيد!!

٣ - ( ج ١ ص ١٦٨ - ١٧٢ ).

٣٠٩

وأمر حاجبه ان لا يأذن لاحد من الناس وان قرب. ثم أرسل الى الحسين بن علي وعبد اللّه بن عباس، فسبق ابن عباس، فأجلسه عن يساره، وشاغله بالحديث حتى أقبل الحسين ودخل، فأجلسه عن يمينه، وسأله عن حال بني الحسن (!! ) وأسنانهم، فأخبره.

« ثم خطب معاوية خطبة أثنى فيها على اللّه ورسوله وذكر الشيخين وعثمان، ثم ذكر أمر يزيد، وانه يحاول ببيعته سدّ خلل الرعية!، وذكر علمه بالقرآن والسنة!، واتصافه بالحلم!، وأنه يفوقهما سياسة ومناظرة! وان كانا أكبر منه سناً(١) ، وأفضل قرابة. واستشهد بتولية النبي صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم عمرو بن العاص في غزوة « ذات السلاسل » على أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة ثم استجابهما عما ذكر ».

قال: « فتهيأ ابن عباس للكلام، فقال له الحسين: على رسلك، فانا المراد(٢) ، ونصيبي في التهمة أوفر.

وقام الحسين، فحمد اللّه تعالى وصلى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال:

« أما بعد - يا معاوية -، فلن يؤدي القائل وان أطنب في صفة الرسول صلى اللّه عليه وسلم من جميع جزءاً، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول اللّه(٣) من ايجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية، فضح الصبح فحمة الدجا، وبهرت الشمس انوار السُرُج، ولقد فضلت حتى أفرطتَ، واستأثرت حتى أجحفت ومنعت حتى بخلتَ، وجرتَ حتى جاوزتَ، ما بذلتَ لذي حق من اسمٍ حقه

__________________

١ - سبق ان معاوية كان يحتج على الحسن بكبر سنه، ولم تكن له حجة غيرها على استحقاقه الخلافة دونه. فما لهذه الباء لا تجر هنا؟!!.

٢ - لانه هو صاحب الحق بالخلافة بعد الحسن، كما نص عليه جده رسول اللّه (ص) اولاً، وكما نصت عليه معاهدة الصلح ثانياً.

٣ - يشير الى اعراضه عن ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام فيمن ذكره بعد رسول اللّه (ص).

٣١٠

من نصيب، حتى أخذ الشيطان حظه الاوفر(١) ، ونصيبه الأكمل.

« وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً، أو تخبر عما كأنك احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السُبَّق لاترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي - تجده ناصراً.

ودع عنك ما تحاول!!. فما أغناك ان تلقى اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فواللّه ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملئت الاسقية، وما بينك وبين الموت الا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص

« وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما صار ذلك لعمرو يومئذ، حتى أنف القوم امرته، وكرهوا تقديمه، وعدوا عليه أفعاله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا جرم معشر المهاجرين، لا يعمل عليكم بعد اليوم. فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الاحوال وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف ضاهيت بصاحب تابعاً؟ وحولك من يؤمن في صحبته، ويعتمد في دينه وقرابته، تتخطاهم الى مسرف مفتون، تريد أن تلبس الناس شبهة، يسعد بها الباقي في دنياه، وتشقى بها في آخرتك. ان هذا لهو الخسران المبين، واستغفر اللّه لي ولكم ».

قال: « فنظر معاوية الى ابن عباس، فقال: ما هذا يا ابن عباس؟ ولما عندك أدهى وأمرّ! فقال ابن عباس: لعمر اللّه، انه لذرية الرسول، وأحد أصحاب الكساء، ومن البيت المطهر فالهُ عما تريد، فان لك في

__________________

١ - يريد ان هذا الاجحاف المقصود كان هو منية الشيطان في تأريث الخلاف

٣١١

الناس مقنعاً، حتى يحكم اللّه بأمره، وهو خير الحاكمين.

ثم خرج معاوية الى مكة كما يحدثنا ابن الاثير وغيره من المؤرخين، قال: « وسبقه الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر اليها. ولما كان آخر أيامه بمكة، أحضر هؤلاء وقال لهم: اني أحببت ان اتقدم اليكم، انه قد أعذر من انذر، اني كنت اخطب فيكم، فيقوم اليَّ القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح. واني قائم بمقالة، فأقسم باللّه لئن ردَّ عليَّ أحدكم كلمةٌ في مقامي هذا، لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه، فلا يبقينَّ رجل الا على نفسه!.

ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين، ومع كل واحد سيف، فان ذهب رجل منهم يردّ عليَّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفهما!!

ثم خرج وخرجوا معه، حتى أتى المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يبتز أمرٌ دونهم، ولا يقضى الا عن مشورتهم. وانهم قد رضوا وبايعوا يزيد!! فبايعوا على اسم اللّه!. فبايع الناس. انتهى ملخصاً.

وولدت هذه البيعة البغيضة ولكن بعد اعسار شديد، لم تنجع فيه الا السيوف المشهورة على رؤوس الرجال، فاذا هي بنت مؤامرات ومناورات وارهاب!.

واذا كانت هذه هي خلافة الاسلام، فعلى الاسلام السلام.

وأخرج البخاري في صحيحه عن النبي (ص): « ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم، الا حرم اللّه عليه الجنة ».

٣١٢

٣

الوفاء بالشرط الثالث

قال ابن الاثير « ان معاوية كان اذا قنت سبّ علياً وابن عباس والحسن والحسين والاشتر(١) ». ونقل أبو عثمان الجاحظ في كتاب [ الرد على الامامية ]: « ان معاوية كان يقول في آخر خطبته: اللهم ان أبا تراب - يعني علياً - الحد في دينك، وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً وعذبه عذاباً اليماً. وكتب بذلك الى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر(٢) ».

وقيل لمروان: « ما لكم تسبونه على المنابر؟ » فقال: « لا يستقيم لنا الامر الا بذلك!! »

وكان من مجهود معاوية في هذا السبيل ما طفحت به السير والتواريخ. وهو - على هذا - أول من سن الجهر بسب صحابة الرسول، وأول من فتح هذا الباب على مصراعيه لمن جاء من بعده، ولا نعرف أن أحداً سبقه الى مثل هذا اللهم الا ما كان من عائشة يوم قالت: « اقتلوا نعثلاً فقد كفر!! »، ثم لا نعهد في علماء المسلمين من حكم على عائشة بالكفر، ولا على معاوية بالمروق من الدين، لانهما استباحا سبَّ الصحابة، أو لانهما أوغلا في السب حتى عمدا الى التكفير. ومما لا شك فيه أن حكم الامثال واحد لا يختلف مع الزمان، ولذلك، فانا لا نجد مساغاً الى الحكم على من نال من معاوية أو نال من صحابي آخر، الا بما حكم به علماء المسلمين على معاوية وعائشة في نيلهما من علي وعثمان، لا أقل ولا أكثر.

وأما الاثر المزعوم القائل « بأيهم اقتديتم اهتديتم »، فقد خُصَّ حتى سقط عمومه عن الحجية، والا لكان السبابون للصحابة من الصحابة أولى

__________________

١ - « النصائح الكافية » لابن عقيل ( ص ١٩ - ٢٠ ).

٢ - « النصائح الكافية » لابن عقيل ( ص ١٩ - ٢٠ ).

٣١٣

بالعمل به. ولو كف معاوية لسانه عن النجوم من آل محمد (ص) الذين كان عليه ان يقتدي بهم ليهتدي، لكف الناس ألسنتهم عنه وعن أمثاله من الظالمين، ولماتت النعرات ولتم الصلح بصلاح المسلمين.

ولكنها كانت البذرة الخبيثة التي زرعها الرجل عامداً، ثم تعاهدها هو وذووه بالتغذية والسَّقي، فاذا بها شجرة العوسج في تاريخ الاسلام، استغفلوا بها البسطاء ولبسوا بها على عقول الجهلاء، وجعلوا من السبّة في التاريخ « سُنّة » في المسلمين، يتنادون عليها، ويحتفلون بها، ويحتجون(١) على تركها اذا تركت!!

وما لمعاوية فيما قدم لنفسه من هذه الباقيات من عذر يرجى، ولا فيما أخَّر لتاريخه من مجد يحسد عليه أو يطرى. واذا كان الدهاء هو فشل الانسان فيما قدّم وفيما أخّر، فمعاوية أدهى الدهاة!.

وكان من أروع مظاهر الدهاء فيه موقفه من صلح الحسنعليه‌السلام بما جرَّ عليه هذا الصلح من ويلات معنوية ونكبات تاريخية في حياته وبعد مماته!!.

وكان معنى الصلح في مفهوم الناس، واعني الصلح الذي لج هو في تحصيله حتى أقام الدنيا وأقعدها - هو ان يُحطم السنان وان يكمَّ اللسان وان يكون كل وشأنه. وفق الحدود التي ستقررها المعاهدة فيما يتفق عليه الفريقان. وجاءت المادة الثالثة من اتفاقيتهما، وهي صريحة بوجوب الكف عن السب، فكان على معاوية ان يكف، لو انه أراد الصلح حقيقة، أو أراد الوفاء بالشروط كما يفرضه الذمام والعهد والايمان.

ولكن الرجل لم يطلب الصلح الا ليسرح الجنود، وليأمن غائلة حربه مع الحسن ابن رسول اللّه (ص) - كما اشير اليه -، لم يشأ ان يرجع في صلحه الى التزام المقررات، أو الاكتراث بالمعاهدات، فوقَّع الصلح ولكنه انما وقعه حبراً على ورق، وحلف الايمان وأعطى المواثيق ولكنه

__________________

١ - سبق في الفصل ( ١٤ ) زيادة توضيح للبحث مع ذكر المصادر بأرقامها.

٣١٤

أرسلها ارسالاً لا يتحسس من ورائه ذمةً ولا سؤالاً. وجاء الكوفة، وسبق الى منبرها فذكر علياً ونال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال ما شاء أن يقول من أسلوب حكيم، ودعوة حق الى صراط مستقيم [ وقد مرّت خطبة الحسن بطولها وما قاله معاوية قبلها في الفصل(١٨) ].

وكان فيما هتف الناس به للحسن على خطابه وجوابه، ما لم يرض له معاوية، وهو اذ ذاك لا يزال ثملاً بخمرة الانتصار الموهوم، فرأى أن ينظم حملة جديدة لتربيب الخلق الذي لا يُحسد عليه - خلق السباب والشتم والطعن في الناس -، رغم أن المثالية الاسلامية تناقض هذا الخلق وتنكره على الناس وتدعوهم الى التراحم والتحابب والاخوة في الدين، وتقول فيما تقول: « لا يكون المؤمن سباباً ولا فحّاشاً ولا طعاناً ولا لعاناً ».

« فقال ابو الحسن علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني في كتاب الاحداث: كتب معاوية نسخة واحدة بعد عام الجماعة، أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب - يعني علياًعليه‌السلام - وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر، يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليعليه‌السلام (١) ».

ودعا المغيرة بن شعبة وهو يريد أن يستعمله على الكوفة - بعد الصلح - فقال له: أما بعد. فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، ولا يجزي عنك الحليم بغير التعليم، وقد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة، انا تاركها، اعتماداً على بصرك. ولست تاركاً ايصاءك بخصلة واحدة، لا تترك شتم علي وذمه!!(٢) ».

ثم خلفَ المغيرة على الكوفة زياد « فكان يجمع الناس بباب قصره

__________________

١ - ابن ابي الحديد ( ج ٣ ص ١٥ ).

٢ - ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٨٧ )، والطبري ( ج ٦ ص ١٤١ ).

٣١٥

يحرضهم على لعن علي، فمن أبى عرضه على السيف!!(١) ».

وأما في البصرة. فانه استعمل عليها بسر بن أرطاة « فكان يخطب على منبرها فيشتم علياً، ويقول: ناشدت اللّه رجلاً علم أني صادق الا صدقني أو كاذب الا كذبني ». قال الطبري في تاريخه: « فقال له أبو بكرة: اللهم انا لا نعلمك الا كاذباً!، قال: فأمر به فخنق، ثم أنقذوه منه!!(٢) ».

واما في المدينة، وواليه عليها مروان بن الحكم، فكان لا يدع سب عليعليه‌السلام على المنبر كل جمعة. قال ابن حجر المكي: « وكان الحسن يعلم ذلك ولا يدخل المسجد الا عند الاقامة، فلم يرض بذلك مروان، حتى أرسل الى الحسن في بيته بالسب البليغ لابيه وله!!(٣) ».

« ولما حج معاوية - بعد الصلح - طاف بالبيت ومعه سعد بن أبي وقاص، فلما فرغ انصرف معاوية الى دار الندوة، فأجلسه معه على سريره، ووقع معاوية في علي وشرع في سبه، فزحف سعد، ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي!. واللّه لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحبّ اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس!. واللّه لأن اكون صهر الرسول صلى اللّه عليه وسلم، لي من الولد ما لعلي، أحب اليَّ من ان يكون لي ما طلعت عليه الشمس!. وللّه لأن يكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لي ما قاله يوم خيبر: لاعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله، ليس بفرّار، يفتح اللّه على يديه، أحب اليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس!. واللّه لأن يكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لي ما قاله له في غزوة تبوك: ألا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي، أحب اليَّ من ان يكون لي ما طلعت عليه الشمس!، وايم اللّه

__________________

١ - المسعودي ( هامش ابن الاثير ج ٦ ص ٩٩ ).

٢ - الطبري ( ج ٦ ص ٩٦ ) وابن الاثير ( ج ٣ ص ١٠٥ ).

٣ - يراجع النصائح الكافية ( ص ٧٣ الطبعة الاولى ).

٣١٦

لادخلت لك داراً ما بقيت(١) ».

وروى المسعودي من جواب معاوية لسعد، ما نربأ بقلمنا عن التصريح به لقبحه، ولكنه على كل حال دليل جديد على مبلغ اسفاف الرجل في خلقه وفي آدابه وفي مجاملاته

٤

الوفاء بالشرط الرابع

قال الطبري ( ج ٦ ص ٩٥ ): « وحال أهل البصرة بينه - يعني بين الحسن - وبين خراج دارابجرد، وقالوا: فيئُنا ».

وقال ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٦٢ ): « وكان منعهم - يعني منع أهل البصرة - بأمر من معاوية ايضاً!! ».

٥

الوفاء بالشرط الخامس

وكان الشرط - كما علمت - هو العهد بالامان العام، والامان لشيعة علي على الخصوص، وأن لا يبغي للحسنينعليهما‌السلام وأهل بيتهما غائلة سراً ولا جهراً.

وللمؤرخين فيما يرجع الى موضوع هذا الشرط نصوص كثيرة، بعضها وصف للكوارث الداجية التي جوبه بها الشيعة من الحكام الامويين في عهد معاوية، وبعضها قضايا فردية فيما نكب به معاوية الشخصيات الممتازة من أصحاب أمير المؤمنين، وبعضها خيانته تجاه الحسن والحسين خاصة. وليكن عرضنا لهذه النصوص هنا على الترتيب المذكور ايضاً.

__________________

١ - المسعودي ( هامش ابن الاثير ج ٦ ص ٨١ - ٨٢ ).

٣١٧

٣١٨

 

معاوية وشيعة علي ( ع )

٣١٩

كانت السياسة الاموية التي وضعها معاوية ثم تبعه عليها الامراء الامويون من بعده، هي أن يخلقوا من أنفسهم سادة يستأثرون بكل محمدة في الناس، فما الكرم ولا الحلم ولا الدهاء ولا الشجاعة ولا الفصاحة الا بعض هباتهم الخاصة التي احتجزوها من دون الناس جميعاً، وقد وضعوا في سبيل تركيز هذه السياسة المتعمدة، التاريخ الزائف الذي ظل يفيض بسلسلة من الاحاديث الموضوعة، والقصص المصطنع، والاكاذيب المنوعة، والادعاء الفارغ، وأمروا الوّعاظ المأجورين، ومعلمي الكتاتيب في سائر بلدان المملكة الاسلامية، بدراسة الامالي الاموية بما فيها من مدح زائف أو قدح كاذب، وعملوا كل ما كان بوسعهم أن يعملوه ليثيروا في قلوب الناشئة من أولاد الناس الغرور بحبهم، والانقياد المطلق لدهائهم، فاذا بهذه الناشئة بعد لأي جنود لامية يتخاصمون بدمائهم البريئة لاهدافها، واذا بسيول الدماء تصبغ بقاع الارض لتستقيم صفوف الخدم والحشم والوكلاء والمقدمين في بلاد الاسياد المتغلبين.

ولم يكن ثمة هدف آخر غير هدف الاستئثار بالسيادة والملك والثراء واللذات الدنيوية الرخيصة، وهو ما كان يضيق به المعنيون بدينهم من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المسلمين الثابتين على الاخلاص للّه في اسلاميتهم، ومن هنا كان مبعث الشقاق المتواصل الحلقات بين هذه الطبقة من أموية الاسلام، وتلك الفئة من حملة تراث الاسلام ودعاته المخلصين.

جاء في تاريخ الطبري ( ج ٧ ص ١٠٤ ) استطراد مقتضب يرفعه الى زيد بن أنس عن الوضع العام الذي كان يرزح تحته معاشر الشيعة في أيام معاوية، وكان فيما يقوله أحدهم وهو يخاطبهم: « انكم كنتم تقتلون

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400