قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار11%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190826 / تحميل: 7565
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فربما يصح الاختصار ويكون مناسبأ في مورد لخلو التفصيل عن أي فائدة مهمة ، ولا يكون كذلك في مورد آخر ، والمقام من هذا القبيل فإنّ الاختصار في نقل التفاصيل الدائرة في القضية مما ليس لها اثر فقهي لا يقارن بالاختصار في نقل كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو في مقام القاء كبرى كلية بحذف بعض كلماته ، فالاجمال من الجهة الأولىٰ موافق لاصول الاختصار ، بخلافه من الجهة الثانية فلا يمكن قياس الثاني بالأَوّل.

الوجه الثاني : أن يرجح عدم ثبوت الزيادة ، ويخرّج ورودها في رواية ابن مسكان علىٰ انها كانت اضافة من الراوي لفهمه من مناسبات الحكم والموضوع ـ كما ذكره المحقق النائيني (قده) ـ وذلك بتصوّر أن المنع من الاضرار بالغير يمثل رحمة بالنسبة اليه ، ولا يناسب شمول ذلك للكافر الذي امرنا بالشدة معه كما في قوله تعالىٰ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (١) ، فلا محالة تختص كبرى لا ضرر ولا ضرار بالمؤمن فيزاد لفظ ( علىٰ مؤمن ).

و هذا الوجه هو الاقرب في النظر لرجحان رواية ابن بكير ، الخالية عن الزيادة المذكورة من عدة جهات يمكن بملاحظة مجموعها ترجيح الوجه المزبور وهذه الجهات هي :

الأولى : قرب الاسناد في رواية ابن بكير ، فإن بين الكليني وبين الامامعليه‌السلام في رواية ابن بكير ، عن زرارة خمس وسائط وبينه وبين الامام في رواية ابن مسكان ست وسائط ومعلوم أنّه كلما قلّ عدد الوسائط يقلّ معه احتمال مخالفة النقل للواقع ، لأنّ احتمال المخالفة يجيء في كل واحد من الرواة فيقل بطبيعة الحال فيما كان اقرب اسناداً إلىٰ الامامعليه‌السلام .

الثانية : تعدد الرواة في رواية ابن بكير دون رواية ابن مسكان ، فإن

__________________

(١) سورة الفتح ٤٨ / ٢٩.

١٠١

الرواة عن عبد الله بن بكير في كل طبقة لا تقل عن رجلين ، بملاحظة ضم طريق الصدوق في المشيخة إلىٰ طريق الكليني ، وأما في رواية إبن مسكان فالراوي في كل طبقة رجل واحد فقط.

هذا مضافاً إلىٰ انّ كتاب ( عبد الله بن بكير ) كان كثير الرواة كما ذكر ذلك النجاشي ، وأما كتاب ( عبد الله بن مسكان ) فلم يذكر ذلك بشأنه ، فلو استظهرنا أن مصدر الكلينى أو الصدوق فيما روياه عن عبد الله بن بكير نفس كتابه ، فلا تقاس حينئذٍ روايته برواية ابن مسكان ، من حيث الاعتبار.

ولكن لا سبيل إلىٰ هذا الاستظهار بالنسبة إلىٰ نقل الكليني كما هو واضح ، وقد يقال بثبوته بالنسبة إلىٰ نقل الصدوق لأنّه ابتدأ باسم ابن بكير وله طريق اليه في المشيخة ، فيعلم بذلك انّه اخذ رواياته من كتابه ، ولكن هذا ليس بصحيح ـ كما تقدمت الاشارة اليه ـ لأن الصدوق (قده) لم يتقيد في الفقيه بالابتداء باسم صاحب الكتاب الذي اخذ الحديث من كتابه بل يبتدأ باسم غيره كثيراً ، فمجرد الابتداء باسم شخص وإنّ كان له سند اليه في المشيخة ، أو كان كتابه مشهوراً لا يقتضي كون مصدره في النقل عنه نفس كتابه.

الثالثة : إنّ رواة الحديث في سند الصدوق إلىٰ ابن بكير اعظم شأناً وأجل قدراً من رواته في سند الكليني إلىٰ ابن مسكان ، فمن رواة الاوّل ( الحسن بن علي بن فضال ) الذي قال عنه الشيخ : كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهداً ورعاً ثقة في الحديث ، ومنهم ( احمد بن محمّد بن عيسى ) الذي قال عنه النجاشي : شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع ، ومن رواة الثاني ذلك المجهول الذي روى عنه محمّد بن خالد البرقي ولم يذكر اسمه ، وقد ذكر في شأن البرقي انّه كان ضعيفاً في الحديث يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ومنهم احمد بن محمّد بن خالد الذي

١٠٢

قال عنه ابن الغضائري طعن عليه القميون وليس الطعن فيه وإنّما الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ علىٰ طريقه اهل الاخبار ، وقال الشيخ : كان ثقة في نفسه غير انّه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل. ونحوه كلام النجاشي.

الرابعة : إن الكليني قد فرق بين روايتي ابن بكير وابن مسكان في كيفية النقل من وجهين يقتضيان أرجحية رواية ابن بكير وهما :

١ ـ إنّه نقل رواية ابن بكير في اوائل الباب ونقل رواية ابن مسكان في اواخره ، وفصل بينهما بجملة احاديث تختلف عنهما موضوعاً ، فهذا قد يدل علىٰ ان ذكر الثانية كان علىٰ سبيل الاستشهاد والتأييد لا علىٰ سبيل الاعتماد علىٰ ما هو دأبه ـ فيما عرفناه بالتتبع في كتابه ـ من ترتيب الروايات علىٰ حسب مراتبها عنده في الصحة والاعتبار ، وقد تنبه لهذا بعض المحققين أيضاً(١) .

٢ ـ إنّه نقل رواية ابن بكير بتوسط العدة عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، ولكنه نقل رواية ابن مسكان بتوسط علي بن محمّد بن بندار عنه ، ولا يبعد أن يكون منشأ ذلك انّه قد نقل الرواية الأولىٰ عن النسخة المشهورة أو الاجزاء المشهورة من كتاب المحاسن للبرقي ، ولذا نقلها بتوسط العدة ، وأمّا الثانية فنقلها من غير كتاب المحاسن أو غير النسخة أو الاجزء المشهورة منه فلذا كان الراوي لها واحداً.

وتوضيح ذلك انّ كتاب المحاسن للبرقي وإن عدّ من الكتب المشهورة ـ كما في مقدمة الفقيه ـ إلا أن جميعه لم يكن كذلك ، وقد ذكر الشيخ والنجاشي : انّه قد زيد في المحاسن ونقص وقد اختلفت الرواة في عدد

__________________

(١) روضات الجنّات ٦ / ١١٦.

١٠٣

كتبه ، ومما يدل علىٰ عدم اشتهار جميعه ما في ترجمة محمّد بن عبد الله الحميري من انّه قال : كان السبب في تصنيفي هذه الكتب ـ اشارة إلىٰ بعض كتبه ـ اني تفقدت فهرست كتب الخاصة التي صنفها احمد بن ابي عبد الله البرقي ، ونسختها ورويتها عمن رواها عنه وسقطت هذه السنة عني فلم اجد لها نسخة ، فسألت إخواننا بقم وبغداد والري فلم اجدها عند أحد منهم فرجعت إلىٰ الأصول فاخرجتها والزمت كل حديث منها كتابه وبابه الذي شاكله.

وكيف كان فلا اشكال في ان كتب المحاسن لم يكن كلها علىٰ مستوىٰ واحد من الشهرة والنقل ، فلو كانت رواية ابن بكير مروية من الكتب المشهورة دون رواية ابن مسكان ، كما يومي اليه توسط العدة في نقل الأولىٰ ، وعلي بن محمّد بن بندار فقط في نقل الثانية ، كانت الأولىٰ اوثق واقرب إلىٰ الاعتبار.

الخامسة : إنّ زيادة ( علىٰ مؤمن ) لم ترد في سائر موارد نقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) في كتب العامة والخاصة سواء ما جاء في ضمن قضية خاصة وغيره ، وهذا مما يقرّب احتمال كونها من قبل الراوي.

فتحصل مما تقدّم انّ الاصح عدم ثبوت زيادة ( علىٰ مؤمن ) في ذيل حديث لا ضرر.

المقام الثالث : ممّا يتعلق بمتن الحديث : في تحقيق حال القسم الثاني منه وهو لفظ « لا ضرر » وقد اختلفت فيه مصادر العامة والخاصة ، امّا باختلاف الروايات أو باختلاف النسخ ـ وهذا هو الاكثر ـ.

أما في ( مصادر العامة ) فقد نقل الحديث فيها علىٰ انحاء :

١ ـ ما لا يتضمن القسم الثاني أصلاً كالمروي عن جامع الصنعاني باسناده عن الحجاج بن ارطأة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال :

١٠٤

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا ضرر في الإسلام ). وهذا يحتمل فيه السقوط للجملة الثانية.

٢ ـ ما يتضمه بصيغة ( لا ضرورة ) كرواية أبي هريرة المروية في سنن الدارقطني ، اذ جاء فيها ( لا ضرر ولا ضرورة ) وكرواية عبادة بن الصامت علىٰ ما في كنز العمال نقلاً عن زيادات عبد الله بن احمد بن حنبل في مسند أبيه ، وصحيح أبي عوانه والمعجم الكبير للطبراني ، ولكن سائر مصادر رواية عبادة ـ ممّا اطلعنا عليه ـ نقلت حديثه بصيغة ( لا ضرار ) وهي الموجودة في مسند احمد بن حنبل.

٣ ـ ما يتضمنه بصيغة ( لا إضرار ) كرواية ابن عباس بنقل احمد بن حنبل ، والدارقطني ورواية أبي سعيد الخدري بنقل الدارقطني أيضاً ، ورواية عائشة بنقل الزيلعي عن معجم الطبراني.

٤ ـ ما يتضمنه بصيغة ( لا ضرار ) وهذا هو الاكثر شيوعاً في مصادرهم الحديثية والفقهية.

وامّا ( مصادر الخاصة ) وما يلحق بها ككتاب دعائم الإسلام ، فهي مختلفة علىٰ النحوين الاخيرين : ( لا ضرار ) و ( لا إضرار ) كما يلي :

١ ـ رواية ابن بكير عن زرارة : ورد فيها في بعض نسخ الكافي ـ وهي النسخة المطبوعة بهامش مرآة العقول ـ بصيغة ( لا إضرار )(١) ، ولكن ورد في الطبعة القديمة والحديثة من الكافي وكذا التهذيب بطبعتيه والفقيه بطبعته النجفية والوسائل والوافي جميعاً بصيغة ( لا ضرار )(٢) .

__________________

(١) في النسخة التي بين ايدينا من المرآة ١٩ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ح ٢ لا ضرار. ولكن في الطبعة الحجرية ٣ / ٤٣٣ فيها : لا إضرار.

(٢) الكافي ط قديم ١ / ٤١٤ ، ط حديث ٥ / ٢٩٢ ح ٢ ، التهذيب ط قديم ٢ / ١٥٨ ، ط حديث ٧ / ١٤٦ ، الفقيه ٣ / ١٤٧ ، ح ٦٤٨ ، الوسائل ٢٥ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٣٢٢٨١ ، الوافي المجلد ٣ الجزء ١٠ / ١٠.

١٠٥

٢ ـ رواية ابن مسكان عن زرارة : ورد فيها بصيغة ( لا إضرار ) في الكافي المطبوع بهامش مرآة العقول ، وكذا في الوافي(١) ولكن في الطبعتين القديمة والحديثة من الكافي وكذا في الوسائل بصيغة ( لا ضرار )(٢) .

٣ ـ رواية عقبة بن خالد في الشفعة : ورد فيها بصيغة ( لا اضرار ) في الفقيه ـ الطبعة الحديثة ـ وكذا في الوافي نقلاً عن الكافي والتهذيب والفقيه(٣) ، ولكن في غيرهما من المصادر ورد بصيغة ( لا ضرار )(٤) .

٤ ـ رواية عقبة بن خالد في منع فضل الماء : ورد فيها في الوافي بصيغة ( لا إضرار )(٥) ولكن في غيره ورد بصيغة ( لا ضرار )(٦) .

٥ ـ مرسلة الصدوق : ورد فيها بلفظ ( لا إضرار ) في المطبوعة النجفية من الفقيه(٧) ، ولكن في الوسائل بصيغة ( لا ضرار )(٨) .

٦ ـ مرسلة ابن أبي جمهور : ورد فيها بلفظ ( لا إضرار ) في النسخة المخطوطة التي اطلعنا عليها من عوالي الللآلي(٩) .

٧ ـ مرسلة دعائم الإسلام في حديث هدم الحائط : ورد فيها بصيغة

__________________

(١) الكافي ط قديم ١ / ٤١٤ ، مرآة العقول ٣ / ٤٣٣ ، الوافي المجلد ٣ الجزء ١٠ / ١٤٣.

(٢) الكافي ط حديث ٥ / ٢٩٤ ح ٨ ، الوسائل ٢٥ / ٤٢٩ ح ٣٢٢٨٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، الوافي المجلد ٣ الجزء ١٠ / ١٠٣ ، الكافي ط قديم ١ / ٤١٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧ ، التهذيب ط قديم ٢ / ١٦٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ح ٣٢٢١٧.

(٥) الوافي المجلد ٣ الجزء ١٠ / ١٣٦ ، مرآة العقول ٣ / ٤٣٤ وط قديم ١ / ٤١٤.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٤٢٠ / ٣٢٢٥٧ ، الكافي ٥ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ح ٦ ، الكافي المطبوع في المرآة ١٩ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

(٧) الفقيه ٤ / ٢٤٣ ح ٧٧٧.

(٨) الوسائل ٢٦ / ١٤ ح ٣٢٣٨٢.

(٩) وهي من موقوفات مقبرة فقيه عصره السيد ابو الحسن الاصفهاني (قده) في النجف الأَشرف.

١٠٦

( لا إضرار ) ـ علىٰ ما في مطبوعته المصرية ، ـ ولكن في المستدرك عنه بصيغة ( لا ضرار ) مع جعل ( لا إضرار ) نسخة بدل عنها(١) .

٨ ـ مرسلة دعائم الإسلام الأُخرىٰ : ورد فيها بصيغة ( لا إضرار ) في جملة من نسخها المخطوطة التي اعتمدها محقق الطبعة المصرية ، وفي واحدة منها بصيغة ( لا ضرار ) كما هو كذلك في المستدرك أيضاً(٢) .

٩ ـ المصادر الفقهية وغيرها كالخلاف والتذكرة والتبيان والغنية(٣) ونحوها : ورد فيها بالصيغتين تارة ( لا ضرار ) وأُخرى ( لا إضرار ) والاكثر هي الاولى.

وبعد ملاحظة اختلاف لفظ الحديث باختلاف النسخ أو الروايات فما هو الارجح من بينها ؟!

الظاهر انّ الأمر دائر بين صيغتي ( لا ضرار ولا إضرار ) ، وأمّا ما ورد في بعض مصادر العامة من حذف القسم الثاني من الحديث رأساً أو ثبته بصيغة ( لا ضرورة ) فلا يمكن الاعتماد عليه أصلاً كما هو واضح ، والارجح في النظر من الصيغتين المذكورتين هي الأولىٰ منهما أي ( لا ضرار ) ـ كما استقربه في مجمع البحرين أيضاً ـ وذلك لوجوه.

الأَوّل : إنّه ورد في عنوان الكافي ( باب الضرار )(٤) وهو يناسب كون الصيغة المستعملة في الحديث ( لا ضرار ) لا لفظ ( لا إضرار ) كما لا يخفى.

الثاني : إنّه قد جاء في قضية سمرة توصيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ / ٥٠٤ ح ١٨٠٥ ، مستدرك الوسائل ١٧ / ١١٨ ح ٢٠٩٢٧.

(٢) دعائم الإسلام ٢ / ٤٩٩ ح ١٨٨١ ، مستدرك الوسائل ١٧ / ١١٨ ح ٢٠٩٢٨.

الخلاف ٣ / ٤٢ ذيل المسألة ٦٠ وص ٨١ ذيل المسألة ١٣١ وص ٨٣ ذيل المسألة ١٣٦.

(٣) التبيان ١ / ٣٧٩ والغنية الطبعة ألحجرية غير مرقمة.

(٤) الكافي ط حديث ٥ / ٢٩٢.

١٠٧

لسمرة بانّه رجل مضار ـ كما تضمن ذلك خبر ابن مسكان وخبر أبي عبيدة وبعض اخبار العامة ، ـ ولفظ ( مضار ) صفة من باب المفاعلة كلفظ ( ضرار ) ، فيناسب أن تكون الكبرىٰ المذكورة في القضية بصيغة المفاعلة أيضاً ليسانخ الصفة المذكورة فيه.

الثالث : إنّ الشهيد في القواعد(١) اعتنى بضبط الكلمة وذكر انّها بكسر الضاد وحذف الهمزة.

الرابع : إنه ورد في رواية هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة قولهعليه‌السلام ( هذا الضرار ) وهو يناسب أن تكون الكبرىٰ التي يبدو ان الامامعليه‌السلام كان بصدد تطبيقها بهذا اللفظ أيضاً دون غيره.

الخامس : إن كتب اللغة اتفقت علىٰ ضبط الكلمة بصيغة ( ضرار ) وضبطها للالفاظ اكثر اعتباراً من ضبط كتب الحديث والفقه لتركيزها علىٰ هيئة الكلمة بحسب طبعها مما يبعدها عن التحريف اكثرمن غيرها.

فبمجموع هذه الوجوه يطمئن بأن لفظ الحديث هو ( لا ضرار ) لا لفظ ( لا إضرار ).

فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الصيغة الثابتة للحديث إنّما هي ( لا ضرر ولا ضرار ) كما هو المعروف دون نقص أو تغيير أو زيادة وبذلك يتم الكلام في الفصل الاول وهو البحث عن سند الحديث ومتنه.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ / ١٢٣.

١٠٨

( الفصل الثاني في تحقيق مفاد الحديث )

وقبل الدخول في البحث لا بأس بذكر بعض كلمات اللغويين في شرح معنىٰ الحديث وتوضيح المراد به.

قال أبو عبيد كما في النهاية : وفيه ـ أي في الحديث ـ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، الضرُّ ضد النفع ، ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً ، وأضرّ به يضر إضراراً ، فمعنى قوله ( لا ضرر ) أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقه ، والضرار فعال من الضرّ : أي لا يجازيه علىٰ إضراره بادخال الضرر عليه. والضرر : فعل الواحد ، والضرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضرار : الجزاء عليه ، وقيل الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع به انت ، والضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع به وقيل هما بمعنىٰ وتكرارهما للتأكيد.

وقال الازهري : روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ولكل واحدة من اللفظتين معنىٰ غير الآخر ، فمعنى قوله ( لا ضرر ) اي لا يضر الرجل أخاه فينقص شيئاً من حقه أو مسلكه ، وهو ضد النفع ، وقوله ( لا ضرار ) أي لا يضار الرجل أخاه مجازاة فينقصه ويدخل عليه الضرر في شيء فيجازيه بمثله ، فالضرار منهما معاً والضرر فعل واحد ، ومعنى قوله ( ولا ضرار ) أي لا يدخل الضرر والنقصان علىٰ الذي ضرَّه ولكن يعفو عنه كقول الله :( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (١) .

هذا والكلام في تحقيق معنىٰ الحديث يقع تارة في مفاد المادة اللغوية

__________________

(١) سورة فصّلت ٤١ / ٣٤.

١٠٩

للضرر والاضرار والضرار ، وأُخرى في مفاد هيئتها الافرادية ، وثالثة في مفاد الهيئة التركيبية للجملتين فهنا ثلاثة مقامات.

المقام الأَوّل : في مفاد مادة ( ض ر ر ) وقد ذكر اللغويون لها معان كثيرة ، كالنقص والضيق وسوء الحال والزمانة والعمىٰ والمرض والهزال والحاجة والقحط والايذاء والعلة وغير ذلك.

ولكن لا اشكال في انّ هذه المادة ليس لها هذه الكثرة من المعاني ، بل المفهوم منها بحد ذاتها ليس إلا معنىٰ واحداً أو اثنين أو ثلاثة وأما البواقي فليست معان للمادة وتوضيح ذلك :

إنّ المعاني المذكورة تنقسم باعتبار سعتها وضيقها إلىٰ فئتين : فئة المعاني العامة ، وفئة المعاني الخاصة. أمّا فئة المعاني العامة فهي المفاهيم التي تكون ابعد عن الخصوصيات واكثر تجرداً عنها واقرب إلىٰ الشمول والسعة بالنسبة إلىٰ سائرها ، وهي ثلاثة معاني من بين المذكورات ( النقص ـ ضد النفع ـ ، والضيق ، وسوء الحال ) وأمّا فئة المعاني الخاصة فهي سائر المعاني المذكورة التي هي ذات حدود ضيقة وتعتبر مصاديق للفئة الأولىٰ كالعمى والزمانة والمرض.

وهذه الفئة لا اشكال في انّها ليست من معاني المادة ، لأن المفهوم. من المادة بحسب طبيعة معناها إنّما هو مفهوم عام لا يدخل فيه شيء من تلك الخصوصيات ، فمفهوم الضرر ومشتقاته لا يرادف العمى والزمانه والمرض والهزال ونحوها بل هي مصاديق له جزماً ، وإنّما ذكرت في كلمات اللغويين في عداد معافي المادة بسببين أمّا خلطاً للمفهوم بالمصداق بمعنىٰ خلط المعنىٰ الوضعي المدلول عليه بنفس اللفظ بالمعنى التأليفي المستفاد من الكلام علىٰ نحو تعدد الدال والمدلول ، وأمّا بغرض بيان ما اطلق عليه اللفظ سواء أكان معنىٰ له أو مصداقاً لمعناه ، لأن ذكر المصاديق يعين علىٰ معرفة

١١٠

معنى المادة وحدوده.

وكيف كان فلا اشكال في أن فئة المعاني الخاصة المتقدمة خارجة عما يحتمل أن يكون ، معنىٰ لمادة ( ض ر ر ) ، ولكن المعاني الثلاثة العامة وهي النقص والضيق وسوء الحال هل هي جميعاً معاني لمادة تطلق عليها بالاشتراك اللفظي أو ان للمادة معنىٰ واحداً فقط ، وان المذكورات مرشحات لتمثيل هذا المعنىٰ العام ؟!

ربما يستظهر الوجه الاول من كلمات كثير من اللغويين ، ولكن الصحيح هو الوجه الثاني ، لأن المنساق من هذه المادة علىٰ اختلاف مشتقاتها وفى مختلف موارد استعمالها ليس إلا معنىٰ عاماً واحداً ، لا يختلف باختلاف الموارد فينبغي طرح المعاني الثلاثة المتقدمة كاقتراحات في تعيين هذا المعنىٰ العام الوحداني فههنا عدة اقتراحات :

الأول : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ، ( سوء الحال ) ويرجع المعنيان الآخران اليه ، وهذا هو الذي اختاره الراغب في مفرداته قال ( الضر سوء الحال امّا في نفسه كقلة العلم والفضل والفقه وامّا في بدنه لعدم جارحة ونقص ، أو في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه ).

والملاحظ عليه انّ سوء الحال من المفاهيم المعنوية المحضة ـ بخلاف الضيق والنقص فإنّهما من المعاني المحسوسة ، وفرض الامور المعنوية المحضة معنىٰ اصيلاً للفظ يخالف طبيعة اللغة ، فإنّ أُصول اللغة معاني محسوسة وإنما ارتبطت الالفاظ بالمفاهيم غير المحسوسة ـ متاصلة كانت أو اعتبارية ـ بالتطور في المفاهيم الاصلية المحسوسة ، ولذلك قلنا في محله في الأصول إنّ الاعتبارات المتأصلة كالاعتبارات القانوية مثل الملكية والزوجية متأخرة في حدوثها عن الاعتبارات الادبية كالاستعارات والمجازات ، كما انّ الاعتبارات الادبية متأخرة عن المعافي الحسية ، فالمعاني الحسية هي بمثابة رأس ، المال

١١١

للمفاهيم اللغوية ، حتىٰ أن لفظ ( العقل ) المعبر عن القوة المفكرة للانسان اصله من ( عقال البعير ) وهو الحبل الذي يشدّ به ليمنعه عن الحركة وهو امر محسوس ، وهذا يشير إلىٰ مدى اصالة المفاهيم الحسية في تكوين اللغة ، وعليه فتفسير اللفظ بمعنىٰ حسي أو أعم من الحسي وغيره ـ بحيث يكون اصيلاً في الحسّ ثم يتطور إلىٰ معنىٰ أعم ـ هو الاقرب إلىٰ طبيعة اللغة وما يعرف من مبادئ تكوينها ، ففي المقام يكون تفسير مادة ( ض ر ر ) بالضيق أو النقص أولى واقرب من تفسيرها بمفهوم تجريدي كسوء الحال.

والحاصل إن تفسير الضرر بسوء الحال بعيد عن المعنىٰ اللغوي والراغب الاصفهاني الذي فسره به يغلب عليه النزعة الفلسفية في تفسير المفردات اللغوية ، فهو يفسر اللغة بالمنظار الفلسفي وانتزاعه لمعنى اللفظ متأثر في حالات كثيرة ـ بهذه النظرة ، كما انّ بعضاً آخر من اللغويين ، كالفيومي في المصباح المنير متأثر بالمصطلحات الفقهية في ذكر معاني الالفاظ ، وقد اوضحنا اختلاف حال اللغويين وتأثرهم بالعوامل الدخيلة في تفسير معاني الالفاظ في البحث عن حجية قول اللغوي في الأصول فلاحظ.

الثاني : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ( الضيق ) سواءاً كان حسياً مكانياً أو معنوياً حالياً ، بحيث يكون استعمال الضرر في موارد النقص وسوء الحال إنما هو بلحاظ تسبيبها للضيق.

ويرد عليه : انّ الملاحظ كثرة استعمال الضرر في موارد النقص وان لم يستوجب ضيقاً علىٰ الشخص ، مضافاً إلىٰ أن الضيق قد جعل في الآية الكريمة :( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (١) غاية للاضرار فلا ينسجم مع

__________________

(١) سورة الطلاق ٦٥ / ٦.

١١٢

كون الضرر بمعنىٰ الضيق إذ لا معنىٰ لجعل الشيء غاية لنفسه فتدبر.

الثالث : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ( النقص ) وهذا هو الصحيح لأنه. انسب للتدرّج في توسعة دائرة مفهوم اللفظ من الامور المحسوسة إلىٰ غيرها ، واقدر علىٰ استيعاب الموارد المختلفة التي استعملت فيها هذه المادة من دون عناية وتنزيل.

والمقصود بالنقص نقص الشيء عما ينبغي أن يكون عليه سواءاً كان النقص في الكم المتصل كما في مورد ضيق المكان ، أم في الكم المنفصل كما في نقص النقود وما ماثلها من اقسام العروض ، أم في الكيف كما في سوء الحال بالمرض ، أم في العين كما في المركبات الخارجية كنقص العضو ، أم في مورد الاعتبار القانوني كعدم مراعاة حق من حقوق الآخرين كما في قضية سمرة حيث لم يراع حق الانصاري في أن يعيش حراً في بيته بدخوله عليه من غير استيذان.

هذا وقد يفصل في المقام فيقال : إنّ معنىٰ المادة في المجرد وفي باب الافعال أي في لفظ الضرر والاضرار وتصاريفهما ، هو النقص في الاموال والانفس ـ كما هي أيضاً مورد مقابله أي النفع ـ فلا يطلق الضرر والاضرار في موارد التضييق علىٰ الشخص واحراجه بسلب حقه وايذائه ونحو ذلك كما يشهد به العرف ، وأما في باب المفاعلة كالضرار والمضارة فهو عكس ذلك ، فإنّه يستعمل في التضييق علىٰ الشخص وايقاعه في الحرج والمشقة دون النقص ، كما يظهر ذلك بملاحظة الموارد التي استعمل فيها هذا الباب في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ، كما في قوله تعالىٰ :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ

١١٣

مِن قَبْلُ ) (١) فإنّ الكفار كانوا يقصدون باتخاذهم هذا المسجد تضعيف المسلمين وتفريقهم وتقوية اعدائهم كما يظهر من تتمة الآية ، لا ادخال الضرر المالي والنفسي عليهم ، ومن ذلك استعمال الضرار في مورد قضية سمرة فإنّ سمرة لم يكن يضر بالانصاري مالاً أو نفساً وإنّما كان يضيق عليه حياته ويحرجه في بيته كما هو ظاهر.

ولكن ملاحظة موارد الاستعمال تشهد ببطلان هذا التفصيل لاستعمال الضرر والاضرار في موارد التضييق والنقص معاً ، واستعمال الضرار في موارد النقص المالي أو النفسي كما يستعمل في موارد التضييق ، ومن الاول قوله تعالىٰ :( لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ) (٢) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( من اضرّ بامرأته حتىٰ تفتدي منه نفسها لم يرض الله له بعقوبة دون النار ) ومن الثاني قوله تعالىٰ :( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) (٣) وقولهعليه‌السلام في صحيحة الغنوي ( هذا الضرار ) اشارة إلىٰ مطالبة الشريك بذبح الحيوان مع إباء الشريك الآخر عن ذلك.

هذا فيما يتعلق بتشخيص المعنىٰ العام لمادة ( ض ر ر ).

المقام الثاني : في مفاد الهيئة الافرادية للضرر(٤) والضرار والاضرار.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ١٠٧.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١١١.

(٣) سورة النساء ٤ / ١٢.

(٤) قد يقال لا وجه للبحث حول هيئة ـ الضرر ـ فإنها إن كانت مصدراً فلا توجد هيئة نوعية موضوعة لمصدر الثلاثي المضاعف الافعل بسكرن العين لا بفتحها ، وإن كانت اسم مصدر فاسم المصدر موضوع بوضع شخصي بمادته وهيئته لمعنى خاص وليست له هيئة نوعية ذات دلالة مستقلة عن دلالة المادة ؟

وجواب ذلك ان المراد بمفاد الهيئة مطلق الدلالة التي تكون منوطة بها ، وان كان ذلك

١١٤

أما ( الضرر ) فهو بحسب الهيئة اسم حدث واسماء الاحداث يمكن تقسيمها إلىٰ ثلاثة اقسام :

الأَوّل : ما يدل علىٰ المعنىٰ المصدري.

الثاني : ما يدل علىٰ المعنىٰ الاسمي.

الثالث : ما يشترك بين المعنىٰ المصدري والمعنىٰ الاسمي والفرق بين المصدر واسمه معنىٰ ـ علىٰ ما هو المحقق في محله ـ انّ المعنىٰ المصدري يتضمن نسبة تقييدية ناقصة كالنسبة التي تحتويها الاوصاف علىٰ احد قولين ، واما المعنىٰ الاسمي فهو نفس المعنىٰ دون نسبة تقترن به ، فنسبة المصدر إلىٰ اسم المصدر نسبة الايجاد إلىٰ الوجود فهما متحدان خارجاً مختلفان بالاعتبار ، فمثلاً اذا لوحظ ( العلم ) كمعنى خاص من غير لحاظه منسوباً إلىٰ عالم أو معلوم كما في المفعول المطلق حيث يقال ( علمت علماً ) كان معناه معنىٰ اسمياً ، وإذا لوحظ منسوباً إلىٰ العالم مثلاً كما في قولنا ( علم زيد بكذا محرز ) كان معناه معنىٰ مصدرياً.

وأما الفرق بينهما لفظاً فهو موجود في بعض اللغات كاللغة الفارسية حيث ان المصدر فيها غالباً مختوم بالنون دون اسم المصدر كما يقال ( رفتن

__________________

بوضع شخصي ، ولا أشكال في ان معنىٰ المصدر او اسم المصدر انما يستفاد بملاحظة الهيئة والمادة باعتبارهما جزئين من الكلمة ، إذ مادة ( ض ر ر ) لا تدل علىٰ ذلك كما هو واضح ، بل ثبوت الوضع النوعي مطلقاً حتىٰ في الهيئات العامة كالأفعال والصفات مما لم بثبت عند السيد الاستاذ (قده) كما تعرض له في مباحث الأَلفاظ من علم الأصول ، بملاحظة طبيعة تكون اللغة فإن اللغة باعتبار انطلاقها من المجتمعات البدائية ، فلا يتصور في مفرداتها الوضع النوعي ، لأَن الوضع النوعي مفاده تجريد الذهن لصورة لفظية عامة متحررة من جميع المواد ووضعها لمعنى خاص ، وهذا إبداع عقلي لا يتصور في الوضاع البدائي كما لا يخفى.

١١٥

ورفتار ، كفتن وكفتار ، كشتن وكشتار ، كردن وكردان ، كتك وزدن ، كردش ، كرديدن ) ولكن في اللغة العربية لا امتياز بينهما في اللفظ غالباً ، فيستعمل اللفظ الواحد في كلا المعنيين ، نعم ربما يختص احدهما بلفظ خاص.

والظاهر انّ لفظة ( الضرر ) اسم مصدر ـ كما عدّها بعض علماء اللغة ـ لأن المعنىٰ المنساق منها لا يتضمن النسبة التقييدية فلاحظ.

وأمّا ( الضرار ) فهو مصدر علىٰ وزن ( فعال ) لباب ( فاعل يفاعل ) والمصدر الآخر لهذا الباب هو ( المفاعلة ) يقال : ضاره يضاره مضارة وضراراً ، ويعبر عن هذا الباب بباب المفاعلة نسبة إلىٰ أشهر مصادرها ، وقد نسب إلىٰ جمع من اللغويين القول بأن باب المفاعلة موضوع للمشاركة ، بمعنىٰ انّ كلاً من الطرفين فعل بالآخر مثل ما فعله الآخر به ك‍ ( ضارب زيد عمرواً ) ، ولكن احدى النسبتين في ذلك اصلية والأخرى تبعية.

ولكن من لاحظ موارد الاستعمالات القرانية وغيرها لا يجد تمثل معنىٰ المشاركة فيها.

‌كقوله‌‌ تعالىٰ :( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (١) .

وقوله تعالىٰ :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ) (٢) .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٣١.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٣٣.

١١٦

وقوله تعالىٰ :( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) (١) .

وقوله تعالىٰ :( وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ ) (٢) .

وقوله تعالىٰ :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ) (٣) . وقوله تعالىٰ :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (٤) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً لسمرة ـ كما في خبر أبي عبيدة ـ ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، وقولهعليه‌السلام في حديث عتق بعض الشركاء حصة من العبد ( وإن اعتق الشريك مضاراً وهو معسر ) إلىٰ غير ذلك من الموارد التي لا يلاحظ في شيء منها تمثل معنىٰ المشاركة.

ولكن ربما يحاول تأويل بعض هذه الموارد تحقيقاً لمعنى المشاركة فيها فيقال مثلاً في جملة منها : إنّ المشاركة إنّما هو بلحاظ ان الاضرار بالغير يستتبع الضرر علىٰ النفس ضرراً اجتماعياً أو أخروياً فيتحقق معنىٰ المفاعلة ، أو يقال ـ في مورد قضية سمرة ـ ان العناية الموجبة لاستعمال هذا الباب فيه هو اصرار سمرة علىٰ الاضرار بالانصاري ، فكأنّ اصراره علىٰ الاضرار صار بمنبزلة صدور الفعل بين الاثنين منه فإضراره بمنزلة إضرارين ، أو يقال فيه أيضاً : إنّ الرجل الانصاري وإن كان لم يضر سمرة حقيقة إلا أن منعه إياه عن الدخول إلىٰ نخلته كان مضراً به في نظره ، إلىٰ غير ذلك من

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ٢٨٢.

(٢) سورة النساء ٤ / ١٢.

(٣) سورة التوبة ٩ / ١٠٧.

(٤) سورة الطلاق ٦٥ / ٦.

١١٧

الوجوه التي ذكرت في تأويل جملة من الموارد التي لم يتضح فيها معنىٰ المشاركة.

ويرد علىٰ هذه الوجوه ـ مضافاً إلىٰ وضوح ضعفها في انفسها ، وعدم علاجها لجميع موارد استعمال هذا الباب ـ إنّه لا مبرر للاصرار علىٰ تأويل هذه الموارد ، بعد أن ثبت مجيء باب المفاعلة لغير المشاركة ، بل كثرة مجيئها لذلك كما يظهر بالتتبع في القواميس اللغوية ، لاحظ : شاور وسافر وجادل وسارع وساور وخادع ونافق وناجى وبادر وعاند وسامح وراجع وعاين وشاهد وكابر وزاول وضارب وآجر وزارع إلىٰ غير ذلك ، وقد اعترف بهذا علماء اللغة في علم الصرف حيث ذكروا لباب المفاعلة عدة معان كما سيأتي ان شاء الله.

و كيف كان فبعد وضوح عدم تمامية الاتجاه المذكور في تفسير صيغ المفاعلة ـ وهو القول بدلالتها علىٰ المشاركة دائماً ـ فهناك اتجاهان رئيسيان في هذا المجال يبتني احدهما علىٰ تعدد المعنىٰ والآخر علىٰ وحدته.

أمّا الاتجاه الأَوّل : فهو الذي سلكه علماء الصرف حيث جعلوا لهيئة باب المفاعلة عدة معان :

منها : التكثير كباب ( فعّل ) كضاعف الشيء وضعفته بمعنىٰ كثرت اضعافه ، وناعمه الله ونعمه بمعنىٰ إنّه اكثر نعمه عليه.

ومنها : أن يكون بمعنىٰ المجرد كسافرت بمعنىٰ سفرت أي خرجت إلىٰ السفر ، وربما يقال إنّه في ذلك يفيد المبالغة في الإسفار.

ومنها : جعل الشيء ذا صفة كأفعل وفعّلَ نحو راعنا سمعك وارعنا أي اجعله ذا رعاية لنا ، وصاعر خدّه وصعره ، وعافاك الله أي جعلك ذا عافية ، وعاقبت فلاناً أي جعلته ذا عقوبة.

١١٨

وممن ذهب إلى هذا الاتجاه المحقق الرضي الاسترآبادي (قده) في شرح الشافية ، وعليه يمكن القول بأن معنىٰ المضارة هنا هو معنى المجرد ـ ولو مع افادة المبالغة والتأكيد ـ فيقال ( ضره ضرراً ، وضاره ضراراً ) بمعنى واحد بلا فارق جوهري بينهما.

ولكن هذا الاتجاه إنّما يتعين الاخذ به إذا لم يمكن الاتجاه الثاني ـ المبني على وحدة معنىٰ هذا الباب ـ من تقديم معنى عام يصلح لجمع شمل الموارد المذكورة ، وإلاّ يتعين الأخذ بالاتجاه الثاني إذ لا مبرر لدعوى تعدد المعنى حينئذٍ ، فإنها تكون كدعوى تعدد معنى المادة لغة.

وأما الاتجاه الثاني : فيضم عدة مسالك :

المسلك الأَول : ما اختاره جمع من المحققين من أنّ هيئة المفاعلة تقتضي السعي إلى الفعل ، فإذا قلت ( قتلت ) فقد اخبرت عن وقوع القتل وإذا قلت ( قاتلت ) فقد اخبرت عن السعي إلى القتل ، فربما يقع وربما لا يقع ، ولا تقتضي المشاركة ، نعم ربما تكون المادة في نفسها مقتضية للمشاركة ـ من غير ارتباط لها بالهيئة ـ وذلك كما في المساواة والمحاذاة والمشاركة والمقابلة ، والشاهد على عدم استفادة المشاركة من الهيئة عدة آيات.

منها : قوله تعالىٰ :( يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ ) (١) ، فذكر سبحانه انّ المنافقين بصدد ايجاد الخدعة لكن لا تقع خدعتهم إلا على انفسهم ، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة ، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعاً بخدعتهم لأن المخدوع ملزوم للجهل

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ٩.

١١٩

وتعالى الله عنه علواً كبيراً ، وعبّر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرد لوقوع ضرر خدعتهم علىٰ أنفسهم لا محالة.

ومنها : قوله تعالىٰ :( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) (١) حيث ذكر تحقّق القتل الفعلي من الجانبين بعد ذكر تحقّق القتال معطوفاً عليه بالفاء ، ممّا يدل علىٰ المغايرة بينهما ، وأن معنىٰ القتال هو السعي إلىٰ القتل دون نفس القتل الذي فصله بعد ذلك.

ويلاحظ عليه :

اولاً بالنقض : فإنّ السعي إلىٰ الفعل وان كان يستفاد في بعض موارد هذا الباب كما ذكر ، إلا إنّه لا يطرد في اغلب امثلته لعدم صدقها دون تحقّق المعنىٰ فعلاً ، فلا يقال سافر أو جادل أو طالع أو سارع أو شاهد أو عاوض لمجرد محاولة السفر أو الجدل أو المطالعة أو السرعة أو الشهود أو التعويض ، وهكذا في موارد كثيرة أُخرى ، مضافاً إلىٰ انّ هناك بعض الموارد التي تقتضي معنىٰ آخر ـ غير السعي إلىٰ الفعل أوتحققه فعلاً ـ كما في باب المغالبة يقال ( كارمه فكرمه ) بمعنىٰ فاخره في الكرم فغلبه فيه و ( شاعره فشعره ) أي حاول غلبته في الشعر فغلبه ونحو ذلك.

وثانياً بالحل وهو : إنّ استفادة السعي إلى الفعل من بعض امثلة هذا الباب لا يستند إلى الهيئة بل إلى المادة ، وليس المقصود بالمادة هنا المبدأ الجليّ ـ كالغلبة في المغالبة والخدعة في المخادعة ـ لوضوح انّه لا يستبطن معنى السعي ، وإنّما المراد بها المبدأ الخفي الذي اوضحناه فكرة وتطبيقاً في مبحث المشتق ، ونكتفي هنا بذكر امرين اختصاراً لما اوردناه هناك :

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ١١١.

١٢٠

الامر الاول : إنّ المبدأ الذي يكون احد جزءي المعنىٰ في المشتق بالمعنى الأعم المؤلف من المادة والهيئة الشامل للفعل المزيد فيه علىٰ قسمين :

١ ـ المبدأ الجلي ، وهو المعنىٰ الفعلي للمادة دون اضافة عنصر آخر اليه كالعلم في العالم والقصد في القاصد ، فإنّ مثل هذه المشتقات لو حللّت ، يلاحظ انّ المبدأ فيها نفس المعنىٰ الفعلي للمادة دون اضافة جهة أُخرى كالمضي والقابلية ونحو ذلك.

٢ ـ المبدأ الخفي ، وهو معنىٰ المادة ملحوظاً في المشتق علىٰ نحو خاص ؟ هو علىٰ أصناف.

منها : أن يلحظ فيه بنحو القابلية ، كما في اسم الآلة كالمفتاح والمنشار والمكنسة ، فإنّ المبدأ فيها قابلية الفتح والنشر والكنس لا فعلية هذه الأُمور.

ومنها : أن يلحظ فيه علىٰ نحو الحرفة والمهنة كما في التاجر والنجار والزارع فإنّ المبدأ فيها حرفة التجارة والنجارة والزراعة لا فعليتها.

ومنها : أن يلحظ فيه بنحو الاقتضاء كما في توصيف النار بأنها محرقة ، والسم بأنّه قاتل ، فإنّ المبدأ في ذلك اقتضاء هذه المعاني لا فعليتها.

فيلاحظ أن الخصوصية المضافة إلىٰ معنىٰ المادة في هذه الحالات ، إنما هي باعتبار اشراب المادة إياها ، ثم صياغتها مقرونة بها بالصيغة الخاصة ، وليست الخصوصية مستفادة من ذات الصيغة والهيئة بل من المادة حين تطعيمها بمعنىٰ آخر.

وعلى ضوء هذا يتجلّى لنا ما وقع من الخلط بين مفاد الهيئة ومفاد المادة في كلمات كثير من اللغويين والاصوليين ، حيث جعلوا كل خصوصية

١٢١

معنوية زائدة علىٰ اصل معنىٰ المادة ، مدلولة للهيئة ومستفادة منها مبنياً علىٰ تصور اختصاص المبدأ في المشتقات بالمبدأ الجلي ، بينما تستند كثير من الخصوصيات إلىٰ المبدأ الخفي كما ذكرنا.

وقد انتج الخلط المذكور اخطاء كثيرة في تحقيق معنىٰ الهيئات ، حيث أن اسناد تلكم الخصوصيات إلىٰ الهيئة اوجب الحكم باشتراكها بين معاني متعددة في موارد كثيرة ، منها المقام علىٰ وفق الاتجاه الاول المبني علىٰ تعدد المعنىٰ في صيغ باب المفاعلة ، وربما جعلت احدى تلك الخصوصيات معنىٰ عاماً للصيغة ، كما في المقام علىٰ مبنى من جعل باب المفاعلة للمشاركة فقط ، ومنه أيضاً ما ذكر في مبحث المشتق حيث لاحظ كثير من الاصوليين التلبس وعدمه بالقياس إلىٰ المبدأ الجلي في الامثلة المتقدمة كالمفتاح والمنشار والتاجر والنجار فاستدلوا بها علىٰ قول من يرى أن المشتق اعم من المتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه التلبس مع أن الصحيح ملاحظة التلبس بالنسبة إلىٰ المبدأ الخفي وهو الاقتضاء والقابلية ـ كما ذكرناه ـ ، فلا تكون في الامثلة المذكورة ونحوها شهادة علىٰ القول بوضع المشتق للأَعم.

الامر الثاني : إنّ المبدأ الخفي بما انه لا يتجلى غالباً إلا في بعض المشتقات ، أوجب ذلك الخلط بينه وبين مفاد الهيئة في كثير من الحالات ـ كما اشرنا اليه ـ ، ولكن يمكن التمييز بينهما بملاحظة بعد المعنىٰ ـ بطبيعته ـ عن أن يكون مفاداً للهيئة لعدم التسانخ بينه وبينها بحسب الحس اللغوي للعارف باللغة ، أو بملاحظة عدم اطراده في سائر موارد الهيئة بعد استظهار وحدة معنىٰ الهيئة في جميعها ، فيتعين ان يكون منشأ استفادة المعنىٰ الخاص غيرها.

ويمكن اختبار ذلك في بعض الامثلة كمثال التاجر ، فإنّه يستعمل

١٢٢

فيمن كانت حرفته ومهنته التجارة وإن لم يشتغل بها فعلاً ـ وهو استعمال غير مقرون بالعناية ليعد استعمالاً مجازياً ـ ، فهنا يمكن تشخيص عدم نشوء المعنىٰ المذكور عن الهيئة اما بلحاظ أن مفاد صيغة ( فاعل ) حسب ما يقضي به الحس اللغوي ، إنّما هو وقوع المعنى من الذات من غير ان يتضمن دلالة على الحرفة والمهنة أصلاً ، وبذلك تكون الدلالة عليها اجنبية عن مفاد الهيئة ، أو بلحاظ أن امثلة هذه الصيغة في سائر الموارد لا تدل على المعنى المذكور ، فمع استظهار وحدة المعنى المستفاد من الهيئة في جميعها ـ كما يساعده الحس اللغوي ـ يتعين أن تكون الخصوصية المذكورة ملحوظة في المادة لتكون من قبيل المبدأ الخفي.

إذا اتضح ما ذكرناه فنقول : إنّ معنى السعي إلى الفعل في بعض امثلة باب المفاعلة إنّما يستند إلى المبدأ الخفي لا إلىٰ هيئة هذا الباب نظير معنى الغلبة في ( شاعر ) والمفاخرة في ( كارم ) ، والدليل على ذلك مضافاً إلىٰ أنّ الأنسب بمعنى هذا الباب بحسب الحس اللغوي هو نوع معنى يكون من قبيل الامتداد ( كسافر ) أو التكرر ( كضاعف ) أو المشاركة ( كضارب ) لا من قبيل السعي ، أن هذا المعنى لو كان مفاد هيئة باب المفاعلة لوجب الالتزام بتعدد معناها بحسب اختلاف الموارد ، وهذا على خلاف تقدير هذا المسلك وسائر المسالك الآتية في هذا الاتجاه ، لما سبق من أن معنى السعي لا يتمثل في جميع موارد هذا الباب بل في القليل منها جداً.

وعلى ضوء هذا يتضح أن السعي نحو الفعل لا يصلح أن يكون هو المعنى الموحد العام للهيئة ، ولا يمكن طرحه بديلاً عن معنى المشاركة ، كما يتضح عدم صحة النقض على استفادة المشاركة من هذه الهيئة ، بجملة من الامثلة المتقدمة ك‍ ( ضارب ) و ( قاتل ) ، لأن بناء النقض بها على تصور أن المبدأ فيها هو القتل والضرب فيقال إنه لا مشاركة فيها ، وأمّا إذا لوحظ

١٢٣

المبدأ فيها بمعنى السعي إلى الفعل فإنّ معنى المشاركة متحقّق فيه بوضوح ، لأن المضاربة والمقاتلة لا يستعملان إلا في موارد اشتراك الطرفين في السعي إلىٰ الفعل ، فهذان المثالان قد يشهدان للقول بدلالة هيئة المفاعلة على المشاركة ، ولا شهادة فيهما علىٰ خلاف ذلك.

المسلك الثاني : ما اختاره المحقق الاصفهانيقدس‌سره من انّ هيئة المفاعلة معناها تعدية المادة وإسراؤها إلى الغير ممّا لم تكن تقتضي التعدي اليه بنفسها ، وتختلف نتيجة ذلك بحسب اختلاف الموارد ، فإنّ هذه الهيئة تارة توجب اخذ الفعل مفعولاً لم يكن يأخذه مباشرة وإنّما كان يصل اليه بحرف الجر ، اما لأنّه لم يكن متعدياً أصلاً كما في ( جلس اليه ) و ( جالسه ) ، أو لأنه كان متعدياً ولكن إلىٰ أمر آخر غير ما اصبح متعدياً اليه بهذه الهيئة كما في ( كتب الحديث اليه ) و ( كاتبه الحديث ) ، فإنّ المعنىٰ في ( كتب ) لم يكن يتعدى إلىٰ الهاء بنفسه فتعدى اليه في ( كاتب ).

و ( أُخرى ) لا توجب اخذ الفعل مفعولاً زائداً علىٰ ما كان يأخذه في المجرد كما في ( ضرب زيد عمراً ) و ( ضاربه ) ، وأثر باب المفاعلة في حصول التعدية إلىٰ الغير في الحالة الأولىٰ واضح ، وأما في الحالة الثانية فربما يستشكل في ذلك بتحقق التعدية في المجرد فيكون تحققها بهيئة المفاعلة من قبيل تحصيل الحاصل ، إلا انّه يندفع بأنّ التعدي في المجرد تعدية ذاتية بمعنىٰ أنّ إنهاء المادة وتعديتها إلى المفعول غيرملحوظ في الهيئة وإنّما هو لازم نسبة الفعل لمفعوله وأما في المزيد فالتعدية والانهاء إلىٰ المفعول ملحوظة في مفاد الهيئة فهي تعدية لحاظية.

فالحاصل ان هيئة المفاعلة تقتضي تعدي المادة إلى ما لم تكن تقتضي هيئة المجرد تعديها اليه سواء أكانت تتعدى اليه في المجرد باعتبار كون ذلك لازم النسبة ، أم كانت تصل اليه بوسط حرف الجّر.

١٢٤

وقد رتّبقدس‌سره علىٰ ذلك استفادة معنىٰ التصدي ( التعمد والتقصد ) لالحاق المعنىٰ بالغير من هيئة باب المفاعلة دون المجرد ، إما لكونه لازماً لهذا الباب مطلقاً كما يظهر من بعض كلماته(١) أو واقع فيه في الجملة كما يظهر من بعض كلماته الأُخرىٰ(٢) ، وقد مثل لذلك ب‍ ( ضارب ) و ( خادع ) بالقياس إلىٰ ( ضرب ) و ( خدع ) فإنّ الاخيرين لا يقتضيان تعمد الفاعل في الفعل بخلاف الاولين ، ولكن المثال الثاني لا يخلو عن اشكال لان الخدعة في نفسها من المعاني القصدية اذ تتقوم بقصد ايهام الشخص خلاف الواقع ، فلا يكون ثمة ، فرق بين ( خدع ) و ( خادع ) من هذه الجهة ، وانّما تظهر التفرقة المذكورة حيث لا يكون المعنىٰ في المجرد عنواناً قصدياً كما في المثال الأَوّل.

وقد نسب اليه (قده) المسلك الأَوّل(٣) في بعض الكلمات ، مع انّ الفرق بين هذا المسلك والمسلك السابق واضح لأَن مفاد هذا المسلك تحقّق المعنىٰ في باب ( فاعل ) كتحققه في المجرد مثل ضرب وقتل ، إلا أن الفارق بين ـ فاعل ـ كضارب والمجرد كضرب حصول القصد في ـ فاعل ـ دون المجرد ، وإنما كان مفاد هذا المسلك هو تحقّق المعنىٰ لأن التحقق لازم تعدية المادة إلىٰ الغير ، بخلاف المسلك الاول فإنّه كان يرى أن مفاد هذا الباب هو السعي إلىٰ تحقّق الفعل سواء تحقّق الفعل أم لا فالفرق بينهما واضح.

ولكن يلاحظ علىٰ هذا المسلك :

أولاً : إنّ ما ذكره من الفرق بين المزيد والمجرد ـ كضارب وضرب ـ من كون التعدية في الأول لحاظية وفي الثاني ذاتية : غير واضح بل الظاهر

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٣١٨.

(٢) تعليقة المكاسب ٢ / ٢.

(٣) مصباح الفقاهة في المعاملات ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ ، ومصباح الأصول ٢ / ٥١٢.

١٢٥

أن التعدية فيهما علىٰ نسق واحد بحكم الوجدان.

( فإن قيل ) : ان الفعل المجرد المتعدي يصح استعماله من دون نسبة إلىٰ المفعول كأن يقال : ( ضرب زيد ) ولا يصح ذلك في ( فاعل ) بأن يقال ( ضارب زيدٌ ) وهذا دليل الفرق المذكور.

( قيل ) : إن هذا مجرد ادعاء لا يسنده دليل لعدم ثبوت فرق بين البابين من هذه الجهة.

وثانيا ً : إن المقدار الذي ذكره لا يفسّر ما يستفاد في مختلف موارد المادة من الاشتراك أو التكرار أو الامتداد أو نحو ذلك ـ بل ربما كانت استفادة التعمد احياناً بهذا الاعتبار لأنّ التكرار ونحوه يناسب التقصد والعمد كما ذكر في النظر إلىٰ الأَجنبية أن النظرة الأولىٰ تقع لا عن قصد بخلاف النظرة بعد النظرة.

وثالثاً : إنّه لم يتضح الترابط بين اقتضاء باب المفاعلة للنسبة إلىٰ المفعول وبين اقتضائه التعمد فإنّ ملحوظية تعدي النسبة إلىٰ المفعول في هذه الهيئة لا يقتضي كون الفعل قصدياً فإنّ تلك جهة لفظية فحسب كما لا يخفى.

نعم قد تدل الكلمة علىٰ التعمّد في بعض الموارد لدلالته علىٰ السعي نحو المادة ـ ومصدر هذه الدلالة إنّما هو المبدأ الخفي ـ كما ذكرناه آنفاً ـ دون دلالة الهيئة علىٰ التعدية ـ ولا يلزم تحقّق المادة حينئذٍ أصلاً كما في خادعه وقاتله وغالبه وما إلىٰ ذلك.

المسلك الثالث : ما عن المحقق الطهراني من أنّ معنىٰ باب المفاعلة هو معنىٰ المجرد إلا أن المجرّد يدل علىٰ أصل حركة المادة فحسب وباب المفاعلة يدل علىٰ تلك الحركة بعينها بنحو من الطول والامتداد ـ وهو الامتداد في نسبتها بين اثنين ـ فمعنى ( هاجر ) و ( طالب ) و ( سافر ) و ( باعد )

١٢٦

اطال الهجرة والطلب والسفر والبعد ـ وبذلك يفترق عن ( هجر وطلب وسفر وبعد ) التي تدل علىٰ مجرّد التلبس بهذه المعاني.

وهذا التفسير :

أوّلاً : يتضمن التناسب بين المبرِز والمبرَز ـ أي اللفظ والمعنىٰ ـ.

وثانياً : إنّه لا ينفك عن جميع الموارد المختلفة التي وردت من هذا الباب فهو مطّرد فيها واطّراد المعنىٰ في جميع موارد استعمال اللفظ يؤيد كونه مفهوماً له.

أما الأؤل : من التناسب الذاتي بين المبرِز والمبرَز ـ فلأن هيئة ( فاعل ) تتميّز عن هيئة ( فعل ) ، باضافة الف بين حركتي هيئة المجرد ـ وهي حركة الفاء والعين ـ والألف هي نحو اشباع للفتحة واطالة لها فهي تناسب الطول والامتداد بطبيعتها.

وأما الثاني : ـ من اطّرادّ هذا المعنىٰ في موارد المادة ـ فتوضيحه :

إنّ الامتداد في مورد هذه المادة إنّما تكون في نسبتها بين اثنين :

أ ـ فإذا كانت المادة بذاتها مقتضية لامتداد النسبة ـ كما في المجاروة والمحاذاة ونحوهما حيث إنّها لا محالة تقتضي نسبة ممتدة بين طرفيها ـ فلا تصلح لها هيئة إلاّ هيئة المفاعلة ولذلك تصاغ بها ضماناً لاداء هذا المعنى.

وليس لخصوص كونها بين اثنين علىٰ نحو الاشتراك مدخلية كما توهّم بعض النحاة فأدرجوا بذلك خصوصية مورد الاستعمال في أصل المعنىٰ المستعمل فيه المنطبق علىٰ هذا المورد الخاصّ. بل معناها هو الامتداد الأعم.

ب ـ وإذا لم تكن المادة مقتضية لامتداد النسبة بطبيعتها ـ بأنّ كانت صالحة في نفسها للانتساب إلىٰ واحد واثنين كسار وساير وبعد وباعد وطلب وطالب وقبل وقابل ونحو ذلك ـ : فإنّ معنىٰ الامتداد يقتضي إضافتها إلىٰ الغير فاذا لوحظت منضافة إلىٰ الغير حدثت هناك نسبة ممتدّة بين اثنين تنحلّ

١٢٧

إلى نسبتين ـ كما في القسم الأول ـ.

ثم في هذه الحالة ( تارة ) لا يكون الغير الذي وقع طرفا لهذه النسبة الممتدة مفعولاً لأَصل المادة و ( اخرى ) يكون مفعولاً لها.

ففي الفرض الأَول يكون مفاد الهيئة التعدية إلىٰ الواحد ان كانت المادة لازمة في المجرد ـ كجلست اليه وجالسته وبرزت اليه وبارزته ـ والى الاثنين ان كانت متعدية لواحد ـ ك‍ : ( جذبت الثوب ) و ( جاذبته الثوب ).

وفي الفرض الثاني : لا يستفاد من الهيئة تعدية جديدة علىٰ المجرد ، ولكن يتغير نوع التعدية وسنخها ـ فالتعدي في ( ضرب زيد عمراً ) عبارة عن صدور الضرب من زيد ووقوعه علىٰ عمرو واما في ( ضارب ) فلا نظر إلىٰ جهة الوقوع علىٰ المفعول ، لأَن نوع تعديه علىٰ نسق تعدي ( جاور ) و ( حاذى ) ، وانما هو ناظر إلىٰ انهما طرفا هذه النسبة الممتدة.

وتوضيح ذلك : ان الضرب بلحاظ صدوره من الطرفين تعتبر فيه نسبة ممتدة بينهما هي مدلول هيئة ( ضارب ) و ( قاتل ) و ( جاذب ) ، وهذه النسبة المخصوصة بحاجة إلىٰ مبدأ تصدر عنه يسمى ( فاعلاً ) ومحل تقع عليه يسمى ( مفعولاً ) ـ فيلاحظ فيها مبدأ صدور النسبة الممتدة ومحل وقوعها بالاعتبارين. وربما يصلح كل من الطرفين لكل من الاعتبارين اذا استويا في استناد الحدث اليهما كما تقول ( ضارب زيد عمرا ) و ( ضارب عمرو زيداً ) فتارة يكون زيد مبدأ صدور النسبة وعمرو محل وقوعها ـ كما في المثال الأَول ـ واخرى يكون الامر بالعكس ـ كما في الثاني ـ وليس للبادئ بأصل الفعل والسابق فيه بالشروع خصوصية.

فالمفعول في هذا الباب من وقع طرفاً للنسبة الممتدة لا من وقع عليه اصل المادة ـ كما في المجرد ـ ولذا ينفك احد الامرين عن الآخر كما في ( جاذب زيد عمرو الثوب ) فان ما وقع عليه اصل المادة هو الثوب فهو

١٢٨

المجذوب ، ومن وقعت عليه النسبة الممتدة هو ( عمرو ) واذا اجتمع الامران ـ اي كان المفعول طرفاً للنسبة الممتدة ومحلاً لوقوع اصل المادة ـ كما في ( عمرو ) في مثال ( ضارب زيد عمرا ) فانهما يختلفان بالاعتبار ، فعمرو مفعول لضارب من حيث انه مضارب لا من حيث انه مضروب كما في المجردّ.

هذا تقرير هذا المسلك.

( لكن ) يلاحظ عليه ـ انه رغم قربه من جهة ضمانه التناسب بين المبرِز والمبرَز وقدرته علىٰ تفسير بعض موارد المادّة ـ الا ان ما ذكر في موارد الاشتراك من تصوير الامتداد بلحاظ نسبة منتزعة من النسبتين الموجودتين بين الشخصين اللذين وقعت المادة في كل منهما ـ رغم اختلاف النسبتين من الأَطراف ـ لا يخلو عن تكلف وبعد ظاهر.

وعلى هذا فلا يمكن قبول كون هذا المعنىٰ هو المعنىٰ الوجداني العام للهيئة.

واما التناسب المذكور فهو وان صحّ ـ الا ان مجرد التناسب الذاتي لا يحسم الامر في الدلالات اللغوية ، بل لا بد من تحقيق الموضوع باستقراء الامثلة والموارد وملاحظة مدى توافقها مع هذا التناسب واعتباره في مرحلة الوضع.

المسلك الرابع : ما هو المختار. وبيانه بحاجة إلىٰ ذكر مقدمة هي :

ان الدلالات التي تنضم إلىٰ اصل المادة في مدلول الكلمة في باب المفاعلة ليست جميعها مستندة إلىٰ هيئة هذا الباب ، كما كان هو الانطباع السائد لدى اللغويين وكثير من الاصوليين ـ بل هي علىٰ قسمين : ـ فمنها ما يستند إلىٰ الهيئة.

ومنها : ما يستند إلىٰ المبدأ الخفي الملحوظ في بعض موارد الباب.

١٢٩

وهذا الامر لا يختص بهذا الباب بل هو امر سارٍ في اكثر الهيئات ان لم نقل جميعها ، فكثيراً ما نرى ان هناك معنىٰ او معان تظهر في بعض المواد مع أنها لا تنشأ عن المادة ولا عن الهيئة وانما مصدرها المبدأ الخفي للكلمة.

وقد سبق ان اوضحنا هذه الفكرة وبعض الأمثلة لها في ابطال المسلك الاول ، وبينّا انه كيف يتدخل المبدأ الخفي في ايجاد معان غريبة عن المادة في وصفي الفاعل والمفعول ، من الاقتضاء والحرفة والمضيّ وغيرٍ ذلك رغم وحدة مفاد الهيئة فيهما بحسب الوجدان اللغوي.

ففي باب المفاعلة أيضاً يستند قسم من الدلالات المتفرقة إلىٰ المبدأ الخفي كالسعي إلىٰ الفعل والغلبة والفخر ونحو ذلك ، مما يظهر بالتتبع. وقد اوجبت الغفلة عن هذا المبدأ ـ بعض الاقتراحات في مفاد الهيئة كالمسلك الأَوّل.

( نعم ) : بعض آخر من الدلالات يستند إلىٰ الهيئة وهذا هو المقصود تحليله في هذا البحث.

وبعد اتضاح هذه المقدّمة نقول :

ان الظاهر بملاحظة الموارد المختلفة للهيئة ان هذه الهيئة تدلّ علىٰ نسبة مستتبعة لنسبة اخرى بالفعل أو بالقوة ، وذلك مما يختلف بحسب اختلاف الموارد ( فتارة ) تكون النسبة الاخرى ـ كالأول ـ صادرة من نفس هذا الفاعل بالنسبة إلىٰ نفس الشيء. و ( اخرى ) تكون احداهما صادرة من الفاعل والاخرى من المفعول ـ كما في ( ضارب ) فيعبّر عن المعنىٰ حينئذٍ بالمشاركة.

وفي الحالة الأُولى : قد يكون تعدد المعنى من قبيل الكم المنفصل فيعبر عنه بالمبالغة ـ كما ذكر في كلام المحقق الرضي (قده)(١) أو يعبر عنه

__________________

(١) شرح الشافية ط الحجر ص ٢٨.

١٣٠

بالامتداد ـ اذا لم يكن التعدد واضحاً كما فسر لفظ المطالعة في بعض الكتب اللغوية كالمنجد ـ بادامة الاستطلاع مع انه استطلاعات متعدّدة في الحقيقة وقد يكون المعنىٰ من قبيل الكم المتصل فيكون تكرره بلحاظ انحلاله إلىٰ افراد متتالية كما في ( سافر ) ونحوه وحينئذٍ يعبر عنه بالامتداد والطول. ولازمه التعمد والقصد في بعض الموارد نحو تابع وواصل كما مرّ آنفاً.

و لا يرد علىٰ ما ذكرنا ما اورده المحقق الاصفهاني علىٰ القول بدلالة الهيئة علىٰ المشاركة ، من انه لا يمكن ان يكون المدلول الواحد محتوياً لنسبتين(١) لان المدلول المطابقي علىٰ ما ذكرنا نسبة واحدة لكنها مقيدة بان تتبعها نسبة أخرى علىٰ نحو دخول التقيد وخروج القيد.

وعلى ضوء ذلك يمكن القول بان الضرار يفترق عن الضرر بلحاظ انه يعني تكرر صدور المعنىٰ عن الفاعل أو استمراره. وبهذه العناية أطلق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ سمرة انّه مضارّ لتكرر دخوله في دار الانصاري دون استيذان.

وبما ذكرناه يظهر النظر فيما سبق في أول هذا الفصل عن بعض اللغويين في تفسير الضرار في الحديث ـ مقارنة بين مدلوله ومدلول الضرر ـ بعدة تفسيرات.

احدها : ان الضرر هو فعل الواحد والضرار فعل الاثنين.

وقد سبق عدم تمامية هذا الوجه لان ضراراً لا يدل على المشاركة.

الوجه الثاني : ان الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه.

والظاهر ان هذا التفسير لا يبتني على دعوى فهم الابتداء والجزاء من

__________________

(١) لاحظ نهاية الدراية ٢ : ٣١٧ ـ ٣١٨.

١٣١

مادة الكلمتين أو هيئتهما ، لوضوح عدم افادة شيء منهما لذلك ، وانما هو نحو توجيه لمفاد الحديث ومع ذلك فلا قرينة علىٰ هذا التحديد لمدلول المادة في الحديث.

الوجه الثالث : ان الضرر ما تضر به وتنتفع به أنت والضرار ان تضره من غير ان تنتفع به.

وهذا الوجه أيضاً ليس مبنياً ظاهراً علىٰ دعوىٰ دلالة المادة أو الهيئة علىٰ هذا التحديد ، وانما يبتنى علىٰ جهة اخرى وهي قيام قرينة خارجيّة علىٰ ذلك من قبيل بعض موارد تطبيق هذه الكبرى.

لكن لم تثبت القرينة المذكورة علىٰ هذا التحديد.

الوجه الرابع : ان يكون الضرار بمعنىٰ الضرر بعينه وعلىٰ ذلك يبتني ما ذكر من ان ( لا ضرار ) انما هو لمجرد التاكيد.

ووجه هذا الاعتقاد : تصوّر ان باب المفاعلة من مادة ( الضرار ) انما هو بمعنىٰ المجرد منها ـ كما ذكروا ذلك في مواد اخرى ـ بناء علىٰ مبناهم من تعدّد معنىٰ هيئة المفاعلة علىٰ ما تقدم. وقد صرّح بذلك في بعض كلماتهم ففي لسان العرب مثلاً ( ضره يضره ضراً وضرّ به وأضرّ به وضاره مضارة وضراراً ـ بمعنىٰ )(١) .

لكن اتضح مما ذكرناه في معنىٰ الهيئة فيهما وجود الفرق بين معناهما فالضرر معنىٰ اسم مصدري ماخوذ من المجرد ، والضرار مصدر يدل علىٰ نسبة صدورية مستتبعة لنسبة أخرى ، ولذلك ذكر المحقق الرضي (قده) ، ان الصيغة تفيد معنىٰ المبالغة ، واوضحنا في المسلك المختار ان افادة معنىٰ المبالغة انما هي باعتبار الدلالة علىٰ تكرر النسبة أو استمرارها. هذا ما يتعلق

__________________

(١) ط بيروت ١٩٥٥ ه‍ ١٣٧٥ ه‍ ٤ / ٤٨٢.

١٣٢

بمفاد هيئة ( ضرار ).

واما الاضرار ـ الوارد في نسخة اخرى في الجملة الثانية للحديث بدلاً عن ( ضرار ) فقد ذكر انه بمعنىٰ المجرد. وهو أحد معاني هذا الباب في علم الصرف كقال وأقال(١) ولكن أفاد المحقق الرضي في شرح الشافية ان ذلك تسامح منهم وان المقصود افادته التأكيد والمبالغة(٢) كما أن ما ذكر في علم الصرف لهذه الهيئة من المعاني الكثيرة إنما ينشأ أكثرها عن المبدأ الخفي للكلمة علىٰ نسق ما اوضحناه في باب المفاعلة.

واما تحديد المفاد الحقيقي لنفس الهيئة ففيه وجوه واحتمالات.

لكن لا يهمنا تحقيق الحال فيها في المقام بعد عدم ثبوت هذه الصيغة في الحديث علىٰ ما اوضحناه في الفصل الأَوّل.

المقام الثالث : في مفاد الهيئة التركيبية.

وهذا البحث هو اهمّ الأَبحاث في الموضوع ـ اذ هو المقصد الأَصلي ـ وقد اشترك فيه اللغويون وفقهاء الفريقين ، الا ان العمدة ما طرحه المتاخرون من فقهائنا. ويلاحظ عليهم ان المسالك المطروحة عندهم في تفسير الحديث غالباً لم تفرق بين المفاد التركيبي للجملتين ( لا ضرر ـ ولا ضرار ) ـ مع أن بينهما فرقاً واضحاً علىٰ المختار.

ونحن نتعرض للوجه المختار في كيفية تفسير الحديث وتحقيق معناه ، ثم نتعرض لسائر المسالك التي طرحت في ذلك فهنا بحثان :

البحث الأَول : في بيان المسلك المختار في تحقيق معنىٰ الحديث.

والمختار في معنىٰ الحديث : ان مفاد القسم الأَوّل منه ـ وهو قوله ( لا

__________________

(١) لاحظ الشافية وشرحها للرضي ط الحجري ص ٢٤ ، ٢٦ وغيرهما.

(٢) لاحظ شرح الشافية ط الحجر ص ٢٦.

١٣٣

ضرر ) ما ذهب اليه الشيخ الانصاري من نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل الحكم الضرري. واما القسم الثاني منه ـ وهو ( لا ضرار ) ـ فان معناه التسبيب إلىٰ نفي الاضرار ، وذلك يحتوي علىٰ تشريعين :

الأَوّل : تحريم الاضرار تحريماً مولوياً تكليفياً.

والثاني : تشريع اتخاذ الوسائل الإجرائية حماية لهذا التحريم.

و بذلك يحتوي الحديث علىٰ مفادين :

١ ـ الدلالة علىٰ النهي عن الاضرار.

٢ ـ والدلالة علىٰ نفي الحكم الضرري. ومضافاً لذلك دلالته بناء ( علىٰ المختار ) علىٰ تشريع وسائل اجرائية للمنع عن الاضرار خارجاً ، وهذا المفاد استفدناه من الجملة الثانية وبعض الأَعاظم استفاده من الجملة الأولىٰ بجعل النهي المستفاد منها نهياً سلطانياً وهو مناقش مبنى وبناءً كما سيتضح في موضعه ان شاء الله.

ولتوضيح استفادة ذلك من الحديث علىٰ المنهج المختار نتعرض لبيان ذلك في ضمن وجهين اجمالي وتفصيلي :

اما الوجه الاجمالي : فهو أن نفي تحقّق الطبيعة خارجاً في مقام التعبير عن موقف شرعي بالنسبة اليها ، يستعمل في مقامات مختلفة كإفادة التحريم المولوي أو الإرشادي أو بيان عدم الحكم المتوهّم وما إلىٰ ذلك. ولكن استفادة كل معنىٰ من هذه المعاني من الكلام رهين بنوع الموضوع ، وبمجموع الملابسات المتعلقة به.

وملاحظة هذه الجهات تقضي في الفقرتين بالمعنى الذي ذكرناه لهما.

أمّا الفقرة الأُولىٰ : ـ وهي ( لا ضرر ) ـ فلأن الضرر معنى اسم مصدري يعبر عن المنقصة النازلة بالمتضرر ، من دون احتواء نسبة صدورية كالاضرار

١٣٤

والتنقيص ، وهذا المعنى بطبعه مرغوب عنه لدى الانسان ، ولا يتحمله أحد عادة الا بتصور تسبيب شرعي اليه ، لان من طبيعة الانسان ان يدفع الضرر عن نفسه ويتجنّبه ، فيكون نفي الطبيعة في مثل هذه الملابسات يعني نفي التسبيب اليها بجعل شرعي ولمثل ذلك كان النهي عن الشيء بعد الأَمر به أو توهّم الأَمر به دالاً على عدم الأَمر به كما كان الأَمر بالشيء بعد الحظر أو توهمه معبراً عن عدم النهي فحسب كما حقق في علم الأصول ، وعلىٰ ضوء هذا كان مفاد ( لا ضرر ) طبعاً ، نفي التسبيب إلى الضرر بجعل حكم شرعي يستوجب له.

وامّا الفقرة الثانية : ـ وهي لا ضرر ـ فهي تختلف في نوع المنفي وسائر الملابسات عن الفقرة الأُولى لان الضرار مصدر يحتوي علىٰ النسبة الصدورية من الفاعل كالاضرار. وصدور هذا المعنى من الانسان أمر طبيعي موافق لقواه النفسية غضباً وشهوة. وبذلك كان نفيه خارجاً من قبل الشارع ظاهراً في التسبيب إلى عدمه والتصدي له ، ومقتضى ذلك.

أوّلاً : تحريمه تكليفاً فإن التحريم التكليفي خطوة أولى في منع تحقّق الشيء خارجاً.

وثانياً : تشريع اتخاذ وسائل إجرائية ضد تحقّق الاضرار من قبل الحاكم الشرعي ، وذلك لان مجرد التحريم القانوني ما لم يكن مدعماً بالحماية اجراءً ـ لا سيّما في مثل ( لا ضرار ) ـ لا يستوجب انتفاء الطبيعة ولا يصحح نفيها خارجاً.

واما الوجه التفصيلي : لدلالة الحديث علىٰ ذلك فتوضيحه : ان هذا الحديث يمثل نفياً لمفهومين ( هما الضرر والضرار ) ، وهذه الصيغة ـ أعني صيغة النفي ـ رغم وحدتها صورة ووحدة المراد الاستعمالي منها تحتوي علىٰ معان مختلفة بحسب اختلاف الموارد :

١٣٥

فربما : يكون محتواها التحريم المولوي كما في( لا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (١) .

و اخرى : تكون ارشاداً إلىٰ عدم ترتب الاثر القانوني المترتب علىٰ الشيء كما في ( لا طلاق الا لمن اراد الطلاق )(٢) فانه يدل علىٰ عدم حصول الفراق القانوني بانشاء الطلاق اذا لم يكن مراداً جدياً.

وثالثةً : تكون ارشاداً إلىٰ محدودية متعلق الأمر كما في ( لا صلاة إلا بطهور )(٣) فانه يدل علىٰ محدودية الصلاة الواجبة بالطهارة.

ورابعة : تقتضي عدم وجود حكم يبعث علىٰ وجود شيء كما في ما لو قيل ( لا حرج في الدين ) ٠ إلىٰ غير ذلك من محتوياتها.

وعلى هذا فلا بُدّ في معرفة معنىٰ الحديث ، وتحقيقه من تحقيق ميزان اختلاف محتوى الكلام في هذه الموارد وغيرها رغم وحدة عنصره الشكلي ، ثم تحقيق معنىٰ الحديث علىٰ ضوء هذا الضابط العام فهنا مرحلتان :

أمّا في المرحلة الأولىٰ : فلا بُدّ قبل توضيح الميزان فيها من التنبيه علىٰ نكتة عامة فيما يتعلق بتفسير الكلام سواء أكان من قبيل صيغة الأَمر أو النهي أو النفي أو الاثبات فنقول :

ان الكلام يتألف من عنصرين عنصر شكلي يتمثل في مدلوله اللفظي ، وعنصر معنوي كامن تحت المدلول اللفظي يكون هو المحتوى الواقعي للصيغة والمصحح لاستعمالها ، وهذان العنصران لا يتحدان دائماً وان كان لا بُدّ بينهما من تسانخ وعلاقة ، ولذا تكون الصيغة الواحدة ذات

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٩٧.

(٢) جامع الأحاديث ١ : ٢٢٦ / ١٨٨٧ ، الفقيه ٤ : ٢٢ / ٦٧.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٠ / ٢٧٩٤١ ، الكافي ٦ : ٦٢ / ٢.

١٣٦

محتويات متعدّدة بحسب اختلاف الموارد كاستعمال صيغة الامر والنهي في معان كثيرة. فان هذه المعاني ليست هي المدلول الاستعمالي للكلام ، ولا هي مجرد دواعٍ واغراض لاستعماله ـ كما اوضحناه في محله من علم الأصول وانما هي محتوى الكلام وباطنه.

واختلاف مفاد النفي علىٰ الانحاء السابقة وغيرها يرتبط بالعنصر المعنوي الكامن للكلام ـ كما هو واضح لوحدة العنصر الشكلي حسب الفرض وهو النفي ـ ومعرفة الضابط العام لتشخيص محتوى الكلام ، يتوقّف علىٰ التعرف المسبق علىٰ العوامل المختلفة التي تؤثر في تعيين محتواه وتحديده لكي يتم استخراج هذا الضابط علىٰ أساسها.

وذلك : لأَن تفسير الكلام في حدّ نفسه عملية معقدة لا تكفي فيها معرفة الجهات اللفظية من المفردات اللغوية والهيئات العامة فحسب علىٰ ما أشرنا إليه.

بل يمكن القول بأن العوامل اللفظية بالنسبة إلىٰ سائرالجهات المؤثرة في معنىٰ الكلام ، مثل ما يظهر من الجبل الثابت في البحر بالنسبة إلىٰ ما كان منه كامناً تحت الماء ، لان هذه العوامل لا تؤلف الا جزءً يسيراً من مجموع ما يؤثر في محتوى الكلام ، وان كانت ظاهرة اكثر من غيرها.

وسر ذلك : ان الكلام بما انه ظاهرة حية من الظواهر النفسية او الاجتماعية فانه يتفاعل بحسب محتواه مع جميع الملابسات التي تحيط به من محيط وشائعات واعراف وغير ذلك ، فاذا ما أريد تفسيركلام ما فلا بد من ملاحظة جميع الخصوصيات التي تقترن به من الأَطار الذي القي فيه ، ومن طبيعة الموضوع الذي يتحدّث عنه ، ومن الصفات النفسية للمتكلم والمخاطب فربما تختلف الكلمة الواحدة من زمان إلىٰ زمان او من موضوع إلىٰ موضوع أو من متكلم إلىٰ متكلم أو من مخاطب إلىٰ مخاطب.

١٣٧

فاذا لاحظنا الجهات المختلفة التي تحتضن الكلام وقدّرنا نوع التفاعل المناسب معها : أمكننا تفسير الكلام في ظل مجموع تلك الجهات.

وقد عبرنا عن هذا المنهج في تفسير الكلام ب‍ ( منهج التفسير النفسي ) نظراً إلىٰ أن تأثير هذه الجهات في الكلام انما هو بلحاظ تأثيرها في الحالة النفسية للمتكلم أو المخاطب معها.

وبعد اتضاح هذه المقدّمة نقول : ـ ان اختلاف محتوى صيغة النفي في الموارد المذكورة ، إنما ينشأ عن اختلاف المواضيع وملابساتها وتناسبات المورد بحسبها ، كما يوجد نظير هذا الاختلاف في سائر الصيغ التي تعبّر عن الموقف الشرعي في موضوع ما.

و نحن نقتصر في هذا المجال علىٰ عرض جملة من هذه المواضيع بشكل عام لمختلف الصيغ كصيغة الأمر والنهي والنفي والاثبات في الجملة الخبرية مع توضيح كيفية تأثيرها في اختلاف محتوى الصيغة :

١ ـ الموضع الأَوّل : ان يكون مصب الحكم طبيعة تكوينية ذات اثار خارجيّة يرغب المكلفون فيها أو عنها من جهة نسبتها مع القوى الشهوية والغضبية للنفس ، من دون ان يكون هذا الحكم مسبوقاً بحكم مخالف له علماً أو احتمالاً كالأَمر بعد الحظر أو بعد توهمه.

ففي هذا الموضع يتضمن محتوى الخطاب أمرين : أحدهما : عامّ والاخر خاص بمورد صيغتي الاثبات والنفي.

اما محتواه العامّ : فهو الوعيد علىٰ الفعل أو الترك فان كانت الصيغة بعثاً كان محتواها الوعيد علىٰ الترك فيكون الفعل واجباً تكليفاً ، وان كانت الصيغة زجراً كان محتواها الوعيد علىٰ الفعل فيكون الفعل حراماً تكليفاً ، ومجموع الصيغة والمحتوى يؤلّف الحكم المولوي الخاص من ايجاب أو تحريم.

١٣٨

واحتواء الصيغة لهذا المحتوى لم يكن لمجرد خصوصية الصيغة اذ هي لا تدلّ إلا علىٰ البعث أو الزجر اللزومي ، وهذا المقدار ينحفظ في ظل محتويات اخرى من قبيل الارشاد ونحوه مما يأتي ، وانما تعيّن مدلول الوعيد بدلالة الاقتضاء بعد أن امتنع فرض محتوى اخر للصيغة لعدم وجود مبادئه في الجهات المكتنفة بها.

وتوضيح ذلك : ان مدلول الصيغة ـ من البعث أو الزجر ـ لا معنىٰ لاعتباره بما هو هو مجرداً عن أي معنىٰ أو اعتبار آخر ، لأنّه لا يكون بذلك مثار أثر خارجاً أو عقلاءً ، فلا بُدّ له من محتوى مسانخ له كامن فيما وراء اللفظ يكون سبباً للأثر العقلائي ، وما يكون محتوى للكلام علىٰ قسمين :

أ ـ ما يتوقّف علىٰ مبادئ مسبقة غير موجودة ولا قابلة للاعتبار في متعلق الصيغة ( ومثال ذلك ) رفع توهم الحكم السابق ـ كما يراد ذلك في الامر بعد توهم الحظر ـ فانه يتوقّف علىٰ فرض توهم خارجي للحظر. ومنه الارشاد إلىٰ عدم ترتّب الاثر المطلوب علىٰ الشيء حيث يكون للشيء اثر اعتباري بطبيعته ، وهذا يتوقّف علىٰ فرض اثر اعتباري ثابت للشيء مسبقاً ، إلىٰ غير ذلك من المحتويات الآتية.

ب ـ ما يكون امراً اعتبارياً لا بُدّ من جعله من قبل الشارع وهو الوعيد علىٰ الترك المقوّم للوجوب أو الوعيد علىٰ الفعل المقوم للحرمة.

وعلى هذا فحيث لم يتواجد في هذا الموضع شيء من العوامل النفسية وغيرها مما يندرج في القسم الأَوّل ليتفاعل معه المعنىٰ حسب الفرض ، فيتعين كون المحتوى هو القسم الثاني تصحيحاً لاعتبار البعث والزجر من الحكيم.

وعلى هذا الاساس يستفاد الحكم المولوي من البعث والزجر.

وبذلك يتضّح انه لا يتجه ما اشتهر في كلمات الأَصوليين من ان

١٣٩

الاصل في الامر والنهي ان يكون مولوياً ولا يحمل علىٰ الارشاد الا بقرينة. بل الصحيح هو العكس لان حمل الأَمر والنهي علىٰ الارشاد انما يكون وفق تناسبات ثابتة بحسب طبيعة الموضوع ، فلا يحتاج كونه للارشاد إلىٰ مؤونة زائدة ، وهذا بخلاف حمله علىٰ المولوية لأنّه إنّما يكون بموجب دلالة الاقتضاء بعد فقد سائر الجهات التي ترسم للكلام محتوى إرشادياً ، فهي في طول تلك الجهات المقتضية لإرشادية الإنشاء طبعاً.

ويلاحظ هنا : أنّه لا يفرق في استفادة الحكم المولوي من الصيغة في هذا الموضع بين ان تكون صيغة الانشاء من قبيل الامر والنهي او صيغة الاخبار من النفي والاثبات ، نعم استعمال صيغة الاخبار في هذا المجال تجوز لأنّه يخالف مفاده الاستعمالي ، وانما صحّح ذلك التناسب بين الاخبار عن وجود الشيء مع التسبيب اليه بالأَمر به ـ وكذلك التناسب بين الاخبار عن الانتفاء مع التسبيب إلىٰ ذلك بالنهي عنه ـ كما اوضحناه في البحث عن مدلول الجملة الخبرية في علم الأصول.

فهذا هو المحتوى العام للكلام في هذا الموضع.

( واما محتواه الخاص ) ـ بمورد الاثبات والنفي(١) ـ فهو تشريع اتخاذ الوسائل الاجرائية علىٰ اختلاف مراتبها ـ لتحقيق مقتضىٰ الحكم ـ فيما كان المورد مقتضياً لمثل هذا التشريع وهذه الوسائل كاِعمال القدرة في المنع عن الحرام أو الاكراه علىٰ فعل الواجب ، ويدخل في ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بما يتضمن ايقاع الضرر علىٰ الفاعل نفساً أو مالاً مع

__________________

(١) ووجه عدم اقتضاء الامر والنهي لذلك واضح لان مفادهما بالمطابقة اعتبار طلبي أو زجري فلا دلالة لهما علىٰ اكثر من ذلك وهذا بخلاف الاثبات والنفي فان مفادهما التسبيب إلىٰ الفعل أو الترك حتىٰ كأنهما متحققان فعلاً.

فيكون الاثبات والنفي منسجماً مع تشريع الوساثل الاجرائية أكثر من الأمر والنهي.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360