قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار16%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190634 / تحميل: 7544
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

قاعدة

لا ضرر ولا ضرار

محاضرات آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني

١
٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين

بين يديك ـ أيها القارئ العزيز ـ مجموعة من محاضرات سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ، التي ألقاها قبل سنين في مهد العلم والمعرفة جامعة النجف الأشرف ، حول القاعدة الفقهية المعروفة ـ لا ضرر ولا ضرار ـ.

وإننا بعد مراجعتها واستئذان سماحته في طبعها نقدمها لأرباب الفضيلة وأساتذة الحوزة العلمية منهلاً زاخراً بالعطاء الفكري علىٰ صعيد علم الفقه والأصول والحديث والرجال.

نسال الله تعالىٰ أن يوفق الجميع للعلم والعمل الصالحين إنه جواد كريم.

مكتب

سماحة آية الله العظمى

السيد السيستاني دام ظله

ـ قم المقدّسة ـ ٢٠ رجب

١٤١٤ه‍

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الانبياء والمرسلين محمّد وعلىٰ آله الهداة المهديين الغُر الميامين.

وبعد :

هذه بحوث حول قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) حررتها من محاضرات سيدي الاستاذ الوالد مد ظله الوارف.

أسال الله العلي القدير أن ينفعني بها ويوفقني لما يحب ويرضى إنّه حسبنا ونعم الوكيل.

٧
٨

( قاعدة لا ضرر ولا ضرار )

تمهيد :

من القواعد المعروفة بين فقهاء المسلمين قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وعلىٰ المسلك المشهور في تفسيرها من أن مفادها نفي الحكم الضرري تترتب عليها آثار مهمة في الكثير من الفروع الفقهية ، حتىٰ ادّعى بعض العامة(١) ان الفقه يدور علىٰ خمسة احاديث احدها حديث لا ضرر ولا ضرار.

وقد أصبحت هذه القاعدة مورداً لاهتمام علمائنا لا سيّما في العصر الاخير حيث عُنيَ بها الشيخ الاعظم الانصاريقدس‌سره عناية خاصة ، وتطرّق إلىٰ البحث عنها في رسائله فانتظمت بذلك في سلك علم الأصول ، وأشبع البحث فيها لدى المتأخرين.

وحديثنا عن هذه القاعدة يقع في ضمن فصول ثلاثة :

الفصل الأَول : في تحقيق موارد ذكر حديث لا ضرر ولا ضرار في الروايات وتشخيص متنه.

الفصل الثاني : في تحقيق مفاده.

الفصل الثالث : في أُمور شاع التعرض لها بعنوان تنبيهات القاعدة ، وهي اما مكملة للبحث عنها أو متضمنة لبعض تطبيقاتها.

ويلاحظ انا قد تركنا البحث عن سند اصل الحديث لأنّه لا اشكال في

__________________

(١) نقله السيوطي في تنوير الحوالك ٢ / ٢١٨ عن أبي الفتوح الطائي في الأربعين عن أبي داود وفي أربعينه : ٤٠ وفيه : يدور علىٰ أربعة

٩

وروده بطريق معتبر(١) ، عن طريق زرارة كما سيأتي.

كما أنّ اسانيده ومصادره من كتب العامة والخاصة تظهر مما سنذكره في الفصل الاول ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) حكى الشيخ الانصاري عن فخر المحققين ( قدهما ) انّه ادعى تواتر حديث نفي الضرر في باب الرهن من الايضاح ، ويظهرمن الشيخ (ره) قبوله لذلك ، ولكنه غير واضح لأنّه لم يرد هذا الحديث من طرق الخاصة مسنداً إلا عن راويين في الطبقة الأولىٰ وهما زرارة وعقبة ، وفي سائر الطبقات ربما يكون عدد الرواة ثلاثة أو أربعة ، وهذا المقدار لا يكفي في عدّ الحديث مستفيضاً فضلاً عن أن يُعدّ متواتراً ، وربما يظن ان دعوىٰ التواتر تستند إلىٰ الاطلاع علىٰ اخبار اخرى لم تصل الينا لفقد اكثر كتب الحديث في عصرنا ولكنه ضعيف ، ولعل الأَوجه ان يقال : إن نظره (قده) إلىٰ مجموع أخبار الخاصة والعامة فان العامة كما سيأتي في الفصل الاول قد رووا هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، فيمكن عدّ الحديث متواتراً بلحاظ ذلك وهو محل تأمل أيضاً.

١٠

الفصل الأول

وفيه بحثان :

البحث الأَول : في ذكر قضايا ( لا ضرر ) وتحقيقها.

وهي قضايا اشتملت علىٰ ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تطبيقاً له ـ ولو علىٰ بعض الاقوال والاحتمالات ـ علىٰ مواردها ، ولهذا البحث أهمية كبرى ، لأن ملاحظة هذه الموارد والتعرف علىٰ مبنى تطبيق الحديث عليها يسلط بعض الضوء علىٰ معنىٰ الحديث نفسه ، ويبطل بعض الوجوه التي ذكرت في تفسيره كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالىٰ في الفصل الثاني.

والقضايا التي تضمنت ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تبلغ ثماني قضايا ، وردت في مجموع كتب الفريقين : منها ثلاث قضايا وردت في كتب الإماميّة ، وواحدة وردت في دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري الاسماعيلي ، واربع قضايا وردت في كتب العامة ، ونحن نبحث عن الجميع مفصلاً.

١ ـ قضية سمرة بن جندب مع رجل من الانصار

وهي أشهر القضايا ، ولا ينبغي الاشكال في ثبوت هذه الجملة ـ أي لا ضرر ولا ضرار ـ في موردها(١) إلا أنّه قد يبالغ فيعدّ ذلك مستفيضاً بل فوق

__________________

(١) لكن قد يستشكل في ثبوتها من وجهين :

الأَول : إنّ قاعدة لا ضرر ولا ضرار لا يمكن تطبيقها علىٰ مورد قضية سمرة ، مما يثير الشكوك في اشتمالها علىٰ جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) ، لا سيّما أنها نقلت مجردة عنها أيضاً كما سيأتي ، وهذا الوجه سوف يجيء الكلام في تقريبه ودفعه في الفصل الثالث.

الثاني : إن هذه القضية ـ كما اشرنا ـ قد نقلت علىٰ نحوين مقرونة بهذه الجملة ومجردة عنها فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة ، ولا ترجيح لأَصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على

١١

حدّ الاستفاضة ، بادعاء ان هذه القضية مذكورة في كتب الفريقين بطرق متعددة(١) .

ولكن الصحيح : ان قضية سمرة وإن ذكرت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا إنها لم تذكر مقرونة بهذه الجملة في جميع طرقها ، بل ذكرت مقرونة بها تارة ومجردة عنها اخرى :

فأمّا النحو الأَول : فلم يرد في شيء من كتب العامة واحاديثهم ، وانما ورد في كتبنا ، وقد انفرد بنقله في الطبقة الأولىٰ من السند زرارة بن أعين ناقلاً

__________________

اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة كما سيأتي تحقيقه في البحث الثاني من هذا الفصل ، فالنتيجة أنه لا يمكن اثبات اشتمال قضية سمرة علىٰ هذه الجملة.

ويرد عليه ( اولاً ) إن الروايات التي نقلت القضية مجردة عن هذه الجملة لم تصح بطريق معتبر ، فلا معارض لمعتبرة ابن بكير المشتملة عليها.

و ( ثانياً ) : إن مورد دوران الامر بين الزيادة والنقيصة هو ما إذا لم تكن الزيادة المحتملة جملة مستقلة بحيث لا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ الرواية لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ وشموله كما في حذف العلّة وبقاء المعلل نحو لا تأكل الرمان لأنّه حامض. ـ معنىٰ الرواية ـ وإلا فما يتضمن الزيادة حجة علىٰ ثبوتها بلا معارض ، ومقامنا من هذا القبيل فان جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) جملة مستقلة وبمثابة العلّة للحكم المذكور في القضية فلا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ بقية الرواية ، لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ المعلل بها. ومما تقدّم يظهر النظر فيما افاده العلامة شيخ الشريعة قدس سره في رسالة لا ضرر : ٦ : حيث بنى ثبوت الجملة المذكورة في قضية سمرة رغم خلو بعض رواياتها عنها علىٰ قاعدة الترجيح لاصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة عند دوران الامر بين الزيادة والنقيصة ، قال قده ( ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكلّ بوجود لا ضرر ولا ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح عن الصيقل عن الحذاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرة كما عرفت.

ووجه النظر فيما أفاده أن ثبوت جملة ـ لا ضرر ـ في المقام ليس من باب ترجيح أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة ، فإننا لا نقول بها بل من باب أن ما تضمن الزيادة حجة في نفسه بلا معارض.

(١) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : ١٩٣.

١٢

ذلك عن أبي جعفرعليه‌السلام ، ونقله عنه اثنان من الرواة هما : عبد الله بن بكير وعبدالله بن مسكان.

و ( رواية ابن بكير ) عن زرارة نقلت بصورتين :

الصورة الأولىٰ : ما نقله الكليني في باب الضرار من كتاب المعيشة عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار ـ وكان منزل الانصاري بباب البستان ـ وكان يمرّ به إلىٰ نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الانصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبىٰ سمرة ، فلمّا تأبّى جاء الانصاري إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وخبّره الخبر ، فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّره بقول الانصاري وما شكا ، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبى. فلما أبىٰ ساومه حتىٰ بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبىٰ أن يبيع ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبىٰ أن يقبل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للانصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار(١) .

وهذه الرواية معتبرة سنداً ، وقد اوردها الشيخ في التهذيب(٢) مبتدئاً فيها باسم ( أحمد بن محمّد بن خالد ) ، والظاهر انّه قد أخذها عن الكافي ـ فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً لها ـ ، وذلك لما اوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من أن دأب الشيخقدس‌سره علىٰ الابتداء باسم البرقي بعنوان ( أحمد بن أبي عبد الله ) حينما ينقل الرواية عن كتاب البرقي نفسه والابتداء باسمه بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) حينما ينقل الرواية عن الكافي دون

__________________

(١) الكافي ٥ / ٢٩٢.

(٢) التهذبب ٧ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ح ٦٥١.

١٣

كتابه(١) .

__________________

(١) توضيحاً لما اشار اليه مد ظله لا بأس بذكر امرين مستفادين مما ذكره دام ظله في شرح مشيخة التهذيبين :

الأَول : انّه ربما يتصور ـ ولعلّه هو التصور السائد ـ إن جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة إنّما يروى الاحاديث المبدوءة باسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة ، ـ ولعل الاصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدمة المشيخة ـ ولكن هذا غير صحيح ، بل التحقيق انّ رجال المشيخة علىٰ ثلائة اقسام :

الأول : من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وهم اكثر رجال المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسن الوليد ، وعلي بن الحسن بن فضال وغيرهم.

الثاني : من اخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة ، وهو بعض مشايخ الكليني ومشايخ مشايخه كالحسين بن محمّد الاشعري ، وسهل بن زياد ، فهؤلاء إنما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

الثالث : من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة ، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة ( وما ذكرته عن فلان ) ، وأُخرى تبعاً في ذيل ذكر اسانيده إلىٰ آخرين بصيغة ( ومن جملة ما ذكرته عن فلان ) وهؤلاء هم الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، واحمد بن محمّد بن عيسى ، والفضل بن شاذان ، واحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فإن هؤلاء وإن نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة ولكن نقل عنها أيضاً بتوسط غيرهم ممّن ذكرهم بعد ايراد اسانيده اليهم ، فالبرقي ـ مثلاً ـ قد ذكره الشيخ مرتين : تارة بعد ذكر اسانيده إلىٰ الكليني بقوله ( ومن جملة ما ذكرته عن احمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الاسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمّد بن خالد ) وذكره مرة أُخرى مستقلاً بقوله ( وأمّا ما ذكرته عن احمد بن أبي عبد الله البرقي فقد اخبرني ) فهذا يقتضي أنه (قده) قد اعتمد في نقل روايات البرقي علىٰ كتابه تارة ـ واليه ينتهي سنده الاخير ـ وعلىٰ الكافي تارة اخرى ـ واليه ينتهي سنده الاول ـ.

وعلى هذا فلا يمكن لنا بمجرد ابتداء الشيخ باسم البرقي واضرابه استكشاف ان الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة.

الثاني : انّ في القسم الثالث حيث ينقل الشيخ روايات الشخص من كتبه علىٰ نحوين : مباشرة تارة ومع الواسطة أُخرى ، هل يمكن تمييز احد النحوين عن الآخر أم لا ؟ ذكر مد ظله إن ذلك ممكن في بعض هؤلاء ومنهم البرقي فإنّه متى ابتدأ به بعنوان ( احمد بن محمّد بن

١٤

الصورة الثانية : ما نقله الصدوق في الفقيه(١) قال : روىٰ ابن بكير عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار ، وكان منزل الانصاري فيه الطريق إلىٰ الحائط فكان يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن ، فقال : إنك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره أن ترانا عليه ، فإذا جئت فاستأذن حتىٰ نتحرّز ثم نـأذن لك وتدخل قال لا أفعل هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الانصاري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وأخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء فقال استأذن عليه فأبىٰ وقال له مثل ما قال الانصاري ، فعرض عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشتري منه بالثمن فأبىٰ عليه وجعل يزيده فيأبىٰ أن يبيع ، فلما رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : لك عذق في الجنّة فأبىٰ أن يقبل ذلك فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الانصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال : لا ضرر ولا ضرار.

__________________

خالد ) فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدأ به بعنوان احمد بن أبي عبد الله فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة ، وهذا مضافاً إلىٰ أنه مقتضىٰ ظاهر عبارة المشيخة حيث فرق بين القسمين في التعبير كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشواهد الخارجية منها إنّ الملاحظ أن كل رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشيخ بعنوان احمد بن محمّد بن خالد موجود في الكافي ـ كما تحققته بالتتبع ـ لاحظ ج ٣ ح ٩١٠ وج ٦ ح ٣٥٢ ، ٣٥٨ ، ٣٦٦ ، ٣٦٩ ، ٣٧٢ ، ٦٠٨ ، ٦٩٧ ، ٨٥٠ ، ٨٨٦ ، ١١٥٨. وج ٧ ح ٢٨ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٤ ، ٥ ٤ ، ٥٦ ، ٦٥١ ، ٧٠٩. وج ٩ ح ٣٨٣ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤٦٥ ، ٤٦٧ ، ٤٧٠. وج ١٠ ح ٦٧ ، ١١٥ ، ٢٠٨ ، ٢٦٢ ، ٤٥٢ ، ٨٠٣ ، ٨٠٥ ، ٨٧٢ ، ٩٠١ ، ٩٠٣ ، ٩٣١ ، ٩٣٧ ، وليس كذلك ما ابتدء فيه بعنوان احمد بن أبي عبد الله فانه قد يوجد في الكافي وقد لا يوجد فيه كما في ج ١ ح ١٠٥٦ ، ١١٤٤. وج ٢ ح ٤١٥. وج ٣ ح ٢٩٥ ، ٤٨٦ ، ٧١١. وج ٦ ح ٢٥٨ ، ٣٢٩ ، ٨٧٨ ، ١٠٦٠.

وبهذا يتجلى صحة ما ذكرناه من انّه كلما ابتدأ الشيخ بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) فإنه يكون قد اخذ الحديث من كتاب الكافي فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً في مقابله.

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ١٤٧ ، ٦٨٤.

١٥

ويلاحظ أن هذه الصورة أكثر تفصيلاً من الصورة الأُولىٰ لاشتمالها علىٰ بعض الخصوصيات التي لم تذكر في تلك ، وكيف كان فهذه الرواية معتبرة أيضاً ـ لصحة طريق الصدوق إلىٰ عبد الله بن بكير في المشيخة ـ بل يمكن عدّها أقوىٰ سنداً من رواية الكليني لأن في سند الكليني محمّد بن خالد البرقي وقد قال النجاشي ( إنّه ضعيف في الحديث وإن كان المعتمد وثاقته )(١) .

نعم يلاحظ أن مصدر الصدوق في نقل هذه الرواية غير معلوم عندنا وما قيل من انّه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أمرٌ لا قرينة عليه ، بل القرائن الواضحة تدل علىٰ خلافه كما ذكرناها في شرح مشيخة الفقيه.

هذا عن رواية ابن بكير عن زرارة.

وأمّا ( رواية ابن مسكان ) عنه فقد أوردها الكليني(٢) أيضاً في باب الضرار من كتاب المعيشة عن علي بن محمّد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الانصار فكان يجيء ويدخل إلىٰ عذقه بغير إذن من الانصاري. فقال له الانصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا علىٰ حال لا نحب ان تفاجئنا عليها ، فاذا دخلت فاستأذن. فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، قال فشكا الانصاري إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه فقال له إن فلاناً قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلىٰ أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٥ / رقم ٨٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٤ / ٨.

١٦

أن تدخل ، فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال لا ، قال : فلك اثنان ، قال لا أُريد ، فلم يزل يزيده حتىٰ بلغ عشرة أعذاق فقال لا ، قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبىٰ ، فقال خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة ، قال لا أُريد ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار علىٰ مؤمن ، قال ثم أمر بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقُلِعَت ، ثم رمىٰ بها إليه وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق فاغرسها حيث شئت.

وهذه الرواية ضعيفة بالارسال ، ولا سيّما ان مرسلها هو محمّد بن خالد البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء كثيراً كما ذكر ذلك ابن الغضائري(١) ، وربما يناقش في سندها أيضاً بعدم ثبوت وثاقة ( علي بن محمّد بن بندار ) ولكنه في غير محله ، لأنّه ـ كما احتمل ذلك الوحيد البهبهاني (قده)(٢) ـ هو علي بن محمّد بن أبي القاسم الذي وثقه النجاشي(٣) ، فإن بندار لقب أبي القاسم جده كما صرح بذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي القاسم(٤) .

هذا كل ما ورد في نقل قضية سمرة مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ).

وأمّا النحو الثاني : في نقل قضية سمرة مجردة عن جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) فقد ورد في جملة من كتبنا وكتب العامة.

أمّا في ( كتبنا ) فقد ورد في الفقيه(٥) قال : روى الحسن الصيقل عن

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ / ٢٠٥.

(٢) تنقيح المقال ٢ / ٣٠٣.

(٣) رجال النجاشي : ٢٦٨ / ٧٠٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٣ / ٩٤٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٩ / ٢٠٨.

١٧

أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان إذا جاء إلىٰ نخلته نظر إلىٰ شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال فذهب الرجل إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكاه ، فقال : يا رسول الله إن سمرة يدخل عليَّ بغير إذني ، فلو أرسلت اليه فأمرته أن يستأذن حتىٰ تاخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل اليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال : يا سمرة استأذن انت إذا دخلت ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسرُّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا ، قال لك ثلاثة قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه.

وسند الصدوق في المشيخة إلىٰ الحسن الصيقل هو : محمّد بن موسى المتوكل ، عن علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن ابي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد الصيقل.

ويمكن أن يناقش في اعتبار هذه الرواية تارة من جهة الحسن الصيقل وأُخرى من جهة سند الصدوق اليه.

أمّا الجهة الأولىٰ : فلأن الحسن الصيقل لم يوثق وان استظهر المحدث النوري وثاقته من وجهين ذكرهما في خاتمة المستدرك(١) وفصَّلهما العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته(٢) وهما :

١ ـ رواية خمسة من أصحاب الاجماع عنه وهم : عبد الله بن مسكان وحماد بن عثمان وابان بن عثمان من الستة الوسطى ، ويونس بن عبد الرحمن

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ / ٥٨٨.

(٢) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٥٥ ـ ٥٦.

١٨

وفضالة بن أيوب من الستة الأخيرة علىٰ تردد في عدّ فضالة منهم(١) .

ويرد عليه إن استكشاف وثاقة الراوي من رواية هؤلاء عنه يبتني علىٰ احد أمرين :

الاول : ان يفسّر ما قاله الكشي في حق هؤلاء من الاجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنهم بصحة ما رووه من الروايات ، ليكون ذلك في قوة توثيق رواتها ، ولكن هذا التفسير غير صحيح فإن المقصود بما ذكره ـ كما اوضحناه في محله ـ هو الاجماع علىٰ صحة نقل هؤلاء والثقة بهم في ذلك لا صحة الحديث الذي رووه ، مضافاً إلىٰ ان تصحيح أحاديثهم أعمّ من الحكم بوثاقة رواتها كما لا يخفى.

الثاني : ان بناء اجلاء الاصحاب وأعاظمهم ـ كهؤلاء ـ علىٰ عدم الرواية عن الضعفاء ، ولكن هذا أيضاً لم يثبت كقاعدة كلية ، نعم ثبت علىٰ المختار في حق ثلاثة منهم وهم محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي نصر البزنطي.

٢ ـ رواية جعفر بن بشير عنه(٢) ، وقد قال النجاشي في ترجمته ( روى عن الثقات ورووا عنه )(٣) وهو يقتضي وثاقة من يروي عنهم.

ويرد عليه انه لا وجه لاستظهار الحصر من العبارة المذكورة لان اثبات روايته عن الثقات لا ينفي روايته عن غيرهم.

( لا يقال ) إن الامر وإن كان كذلك إلا أن هذه العبارة لما كانت مسوقة في مقام المدح فلا محيص من ارادة الحصر منها ، لان أصل رواية الشخص عن الثقات ورواية الثقات عنه امر لا يستوجب المدح ولا تميز لجعفربن بشير

__________________

(١) لاحظ رجال الكشي : ٥٥٦ / رقم ١٠٥٠.

(٢) رسالة لا ضرر ولا ضرار : ٥٦.

(٣) رجال النجاشي : ١١٩ / ٣٠٤.

١٩

عن غيره في ذلك ، بل هو ثابت في حق كثير من الرواة حتىٰ الضعفاء منهم.

( فإنّه يقال ) المقصود بالعبارة المذكورة اكثاره الرواية عن الثقات وإكثار الثقات الرواية عنه ، ولا شك ان هذا أمر ممدوح وصفة عالية في الشخص في مقابل ما يذكر في شأن بعض الرواة كمحمد بن خالد البرقي من انّه يروي عن الضعفاء والمجاهيل ، فإنه يعد نوعاً من القدح والذم في حقه.

وبالجملة لا يستفاد من العبارة المذكورة انحصار رواية جعفر بن بشير بما يرويه عن الثقات مضافاً إلىٰ أن هذه الاستفادة لا تخلومن غرابة في ناحية الرواة عنه فإنا لم نجد أحداً مهما بلغ من الجلالة والعظمة لا يروي عنه إلاّ الثقات حتىٰ أن الائمة المعصومينعليهم‌السلام كثيراً ما روى عنهم الوضّاعون والكذّابون.

ويشهد لما ذكرناه ما قاله الشيخ في التهذيب فإنه بعد أن أورد روايتين لجعفر بن بشير ، الأولىٰ : عمن رواه عن أبي عبد الله والثانية عن عبد الله بن سنان أو غيره عنهعليه‌السلام (١) . قال بصدد النقاش في الخبر المحكي بهما ( أول ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الاسناد لأن جعفر بن بشير في الرواية الأولىٰ قال عمن رواه ، وهذا مجهول يجب اطراحه ، وفي الرواية الثانية قال عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ). فيلاحظ انهقدس‌سره لم يبأ في إسقاط الرواية بالارسال بكون المرسل هو جعفر بن بشير ، وهذا لا وجه له لو كان جميع مشايخه ومن يروي عنهم من الثقات فتأمل(٢) .

__________________

(١) التهذيب ١ / ١٩٦ / ٥٦٧ و ٥٦٨.

(٢) وجهه أن الاستشهاد بكلام الشيخقدس‌سره مدفوع نقضاً وحلاً ( أما النقض ) فإن الشيخ قد ناقش في موضع من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردها بالارسال ( التهذيب ج ٨ ح ٩٣٢ ) مع أننا نرى حجية مراسيله اعتماداً علىٰ كلام الشيخ نفسه في العدة من انّه لا يروى

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والخلافُ في مجرّد الاصطلاح ؛ وإلاّ فقد يقبلون الخبرَ الشاذّ، والمعلَّل ؛ ونحن قد لا نقبلهما، وإنْ دخلا في الصحيح بحسبِ العوارض.

وقد يُطلَقُ الصحيحُ عندنا على سليمِ الطريقِ من الطّعنِ(١) ، بما يُنافي الأمرين ؛ وهما: كون الراويباتصالٍ، عدلاً إمامياً ، وإن اعتراه مع ذلك الطريقِ السالمِ إرسالٌ أو قطع(٢) .

وبهذا الاعتبار، يقولونَ كثيراً: روى ابن أبي عُمير(٣) في الصحيحِ كذا، أو في صحيحتهِ كذا(٤) ، مع كونِ روايته المنقولة كذلك مرسلَة.

ومثله وقع لهم في المقطوع كثيراً.

وبالجملة، فيطلقونالصحيح على ما كان رجال طريقه، المذكورين فيه، عدولاً إمامية، وإنْ اشتملَ على أمرٍ آخر بعد ذلك ؛ حتّى أطلقوا الصحيحَ على بعضِ الأحاديث المرويّة عن غير إمامي ؛ بسبب صحّةِ السّندِ إليه، فقالوا في صحيحةِ فلان: وجدناها صحيحة بِمَن عداه.

وفي الخُلاصة وغيرها: إنَّ طريقَ الفقيهِ إلى معاوية بن ميسرة(٥) ، وإلى عائذ الأحمَسيّ(٦) ،

____________________

(١) ذكرى الشيعة إلى أحكام الشريعة، ص٤.

(٢) يُنظر: المصدر نفسه.

وقد علَّق المددي هنا بقوله: (بحسب إطلاق اللفظ ؛ إذ الظاهر من (الاتّصال إلى المعصوم بعدلٍ إمامي)، باعتبار العدالة والإيمان في الراوي، عن المعصوم مباشرةً، ولا يدلّ على اعتبار العدالة والإيمان في جميع الطبقات).

(٣) محمد...، لقي أبا الحسن موسىعليه‌السلام ... وروى عن الرِّضاعليه‌السلام ، جليلُ القدر،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١٤/ ٢٩٥ - ٣١١.

(٤) قال المددي: هذه العبارات وقعت كثيراً، في كلام مَن تأخّر عن العلاّمة الحليّ كثيراً. وأمَّا قبله، فلم يكن مُتعارفاً عندَ الأصحاب. قالَ فخر المحقّقين - وهو نجلُ العلاّمة - في إيضاح الفوائد (١/ ٢٥ - ٢٦) في مسألة العجين النجس، وأنَّه هل يجوز بيعه أم لا؟ قالقدس‌سره ما نصُّه: (أقولُ: رواية البيع هي رواية محمد بن عليّ بن محبوب في الصحيح، عن محمد بن الحُسين، عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا،...، قال: قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : العجين يُعجن من الماء النّجس كيف يُصنع به؟ قال: (يُباع ممَّن يستحِلُّ أكل الميتة). وروى محمد بن أبي عُمير في الصحيح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (يُدفَن ولا يُباع،...).

(٥) ابن شريح بن الحارث الكندي القاضي، روى عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام .... ينظر: رجال ابن داوود، ق١، عمود ٣٥٠ - ٣٥١.

(٦) من أصحاب السجّادعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٩/ ٢١٣ - ٢١٤.

٨١

والِى خالدِ بن نجيح(١) ، وإلى عبدِ الأعلى مولى آل سام(٢) ، صحيحٌ(٣) ؛ مع أنَّ الثلاثةَ الأُوَلَ لم يُنَصّ عليهم بتوثيقٍ ولا غيره، والرابع لم يوثِّقه، وإنْ ذكرَهُ في القسم الأوَّل(٤) .

وكذلك نقلوا الإجماع(٥) على تصحيح ما يصحُّ، عن أبانِ بنِ عُثمان(٦) ، مع كونِه فَطحِيّاً(٧) .

وهذا كلّهُ خارجٌ عن تعريفِ الصَّحيح الذي ذكروه في التعريفين ؛ خصوصاً الأوّلَ المشهور.

ثُمَّ في هذا الصحيح ما يُفيدُ فائدةَ الصحيح المشهور(٨) ، كصحيحِ أبان.

ومنهُ ما يُرادُ منهُ وصفُ الصحَّةِ دونَ فائدتِها(٩) ، كالسالم طريقُهُ مع لُحوقِ الإرسالِ به، أو القطع، أو الضعف، أو الجهالة بِمَنْ اتَّصلَ بهِ الصحيحُ، فينبغي التدبّر لذلك ؛ فقد زلّ فيه أقدامُ أقوامٍ.

____________________

(١) من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام .... ينظر: معجم رجال الحديث: ٧/ ٣٨ - ٤٠.

(٢) من أصحاب الصادقعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٩/ ٢٦٥ - ٢٦٧.

(٣) ينظر: خلاصة الأقوال في معرفة الرِّجال، ص٢٧٧ - ٢٧٨.

(٤) ينظر: المصدر نفسه، ص١٢٧.

وأَضاف المددي هنا بقوله: (لكنَّ العلاّمة جعلَ القسمَ الأوّل مختصّاً بالثّقات).

(٥) قال المددي: (الناقلُ هو الكشّيّ ؛ حيثُ قال: (أجمعت العُصابةُ على تصحيح ما يصحُّ عن هؤلاء، وتصديقهم كما يقولون، وأقرّوا لهم

بالفقه...، ستة نفر: جميل بن درّاج، وعبدالله بن مسكان، وعبدالله بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى، وأبان بن عثمان). وحولَ مغزَى هذا الإجماع وقعتْ أبحاث عميقةٌ في كتُب الرّجال، ويُعَبّر عنهم ب- : أصحاب الإجماع ).

(٦) من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١/ ٣٢ - ٤٠.

(٧) نسبةً إلى الفطحيَّة ؛ وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر... ؛ سُمّوا بذلك لأنَّ عبد الله كان أفطح الرأس، وقال بعضُهُم: كان أفطح الرِّجلين.... كتابُ المقالات والفِرَق، ص٨٧.

(٨) قال المددي: أي: يصحّ الاعتماد عليه، والاحتجاج به، كسائر الروايات الصحاح.

(٩) وعلَّق المددي هنا بقوله: (يعني: هذا القسم، وإنْ صدَقَ عليه أنَّه صحيحٌ، إلاّ أنَّه لا يصح الاعتماد عليه، والعملُ به ؛ للإرسال، أو

الضعف، أو غيرهما، الطارئة له.

٨٢

الحَقلُ الثاني:

في

الحَسَن(١)

وهو: ما اتّصلَ سندُهُ كذلك - أي إلى المعصوم - بإمامي ممدوحٍ، من غير نصٍّ على عدالته، مع تَحقُّق ذلك في جميع مراتبه - أي جميع [مراتب] رواة طريقه - أو تحقّق ذلك في بعضها ؛ بأن كانَ فيهم واحدٌ إمامي ممدوحٌ غير موثَّق، مع كون الباقي من الطريقِ من رجالِ الصحيح ؛ فيُوصفُ الطريقُ بالحسَن لأجلِ ذلك الواحد.

واحترز بكونالباقي من رجال الصحيح عمَّا لو كان دونه، فإنَّه يلحق بالمرتبة الدُّنيا، كما لو كان فيه واحدٌ ضعيفٌ فإنَّه يكون ضعيفاً، أو واحدٌ غير إمامي عدلٌ فإنَّه يكونُ مِن الموثَّق.

وبالجملة، فيَتْبع أخَسَّ ما فيه من الصفاتِ، حيثُ تتعدَّد.

وهذا كُلُّهُ واردٌ على تعريفِ مَنْ عرَّفه من الأصحاب - كالشهيدِرحمه‌الله - بأنَّه: (ما رواه الممدوح من غير نصٍّ على عدالته)(٢) .

أ - فإنَّه يشملُ: ما كان في طريقه واحدٌ كذلك(٣) ، وإن كانَ الباقي ضعيفاً، فضلاً عن غيرهِ.

ب - ويُزيد: أنَّهُ لم يُقيِّد الممدوحَ بكونه إمامياً، مع أنَّه مُراداً.

ويُطلقُ الحسنُ أيضاً على ما يشملُ الأمرين - وهما كونُ الوصفِ المذكور:في جميعِ مراتبهِ، وفي بعضها ؛ بمعنى كونُ روَاتهِ متَّصِفين بوصفِ الحسَن - إلى واحدٍ مُعيَّن،

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١٣، لوحة ب، سطر ١٠): (الثاني: الحسن) فقط، بدون: (الحقل الثاني: في الحسن).

(٢) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٣) أي: الإمامي الممدوح. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٤.

٨٣

ثم يصيرُ بعد ذلك ضعيفاً أو مقطوعاً أو مرسلاً - كما مرَّ في الصحيح - مع اتصاف رواته بالوصفين ؛ وهما: كونُ كُلِّ واحدٍ إمامياً، وممدوحاً على وجهٍ لا تبلغُ العدالةُ كذلك ؛ أي كما أنَّ الصحيحَ يُطلقُ على سليمِ الطريقِ ممَّا يُنافي الأمرين - [وهما كونُ الراوي: عدلاً، إمامياً] - وإنْ لم يتّصلْ.

ومن هذا القسم حُكْمُ العلاّمةِ(١) وغيرُهُ: بكونِ طريقِ الفقيهِ(٢) إلى منذرِ بن جبير(٣) حسَناً ؛ مع أنَّهم لم يذكروا حالَ منذرٍ بمدحٍ ولا قَدح.

ومثلهُ طريقُه إلى إدريسِ بن يزيد(٤) .

وإنَّ طريقَه إلى سُماعة بن مهران(٥) حَسَنٌ(٦) ، مع أنَّ سُماعةَ واقفي(٧) . وإن كانَ ثقةً ؛ فيكون من الموثَّق، لكنَّه حسنٌ بهذا المعنى.

____________________

(١) الحسنُ بنُ يوسف بنُ المطهَّر الحلّي(٦٤٨ه- - ٧٢٦ه-).... ينظر: الأعلام: ٢/ ٢٤٤.

(٢) أي طريق الصدوق في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه). ينظر: شرح مشيخة الفقيه: ٤/ ٩٩.

(٣) يُنظر: خُلاصة الأقوال في معرفة الرّجال، ص٢٨٠. وفي مستدرك الوسائل(٣/ ٦٨٨): (الصحيح: أنَّ منذر هو ابن جيفر) ؛ حيثُ قد قيل أيضاً: جعفر، وجيفر.

ويُراجَع كذلك: معجم رجال الحديث(١٨/ ٣٨٠ - ٣٨١).

أمَّا في نسختنا الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر ٢)، فإنَّه: منذرُ بن جُبير، بدلاً مِن كُلّ ما سَبَق.

(٤) مِن أصحابِ الصادقعليه‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٤/ ١٤. والذي في النسخة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر ٤) (إدريس بن زيد)، بدلاً من إدريس بن يزيد.

(٥) روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٨/ ٢٩٩ - ٣٠٤.

(٦) يُنظر: خلاصةُ الأقوال في معرفة الرجال، ٢٧٧.

(٧) نسبةً إلى الواقفة ؛ سُمُّوا بذلك: لوقوفهم على موسى بن جعفر، أنَّه الإمام القائم، ولم يأتمُّوا بعده، ولم يتجاوزوا إلى غيره. ينظر: كتاب المقالات والفِرق، ص٩٠.

٨٤

وقد ذكر جماعةٌ من الفقهاء(١) : أنَّ روايةَ زرارةَ(٢) - في مُفسدِ الحجِّ، إذا قضاه ؛ أنَّ الأُولى حجّةُ الإسلام(٣) - مِن الحسن(٤) ؛ مع أنَّها مقطوعةٌ(٥) .

ومثلُ هذا كثيرٌ، فينبغي مراعاتُهُ كما مرَّ في الصحيح.

_____________________

(١) قالَ المددي: (منهم المحقق الثاني، كما في (جامع المقاصد): ١/ ١٨٤ ).

(٢) مِن أصحابِ الباقر والصادق والكاظمعليهم‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٧/ ٢١٨ - ٢٤٠.

أمَّا القولُ بكونه من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، كما ذهبَ إلى ذلك مثلُ الشيخ الطوسيّ، فإنَّما بلحاظ أنَّهُ أدرك زمانه (صلواتُ الله عليه). وأمَّا مَن يَذهب إلى أنَّه لم يكن من أصحابهعليه‌السلام ، فذلك بلحاظ كونه لم يروِ عنهعليه‌السلام .

(٣) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (روايةُ زرارة ؛ هي ما رواه الكليني - والشيخ عنه - بإسناده عن زرارة ؛ وفي ذيلها: (قلتُ: فأيُّ الحجَّ-تين لهما؟ قال: (الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والأخرى عليها عقوبة). ينظر: جامع أحاديث الشيعة: ١١/ ١٧٧).

(٤) وهنا علَّق المددي أيضاً بقوله: (باعتبار اشتمال السَّند على إبراهيم بن هاشم ؛ فهو وإن كان إمامياً، ممدوحاً، كثير الرواية، حتى أنَّه لا يُوجد أكثر روايةٍ منه في الكتب الأربعة، إلاّ أنَّه لم يُنص على توثيقه صريحاً ؛ وبذلك تكون الرواية باعتباره حسنة).

(٥) كما علَّق المددي هنا أيضاً بقوله: (مرادهُرحمه‌الله من المقطوعة: المضمرَة، وهذا دأبه في جميع مؤلَّفاتهقدس‌سره .

والمُضمرة: هي الروايةُ التي لم يُذكَر فيها المرويُّ عنه، ولم يُعلَم مَنْ هو المسؤولُ عنه.

وهذه الرواية رُويت عن زُرارة، قال: سألتهُ... إلخ، ولم يُعيِّن المسؤول عنه. وسيأتي الكلامُ في حجيَّة هذا القسم من الرّوايات).

٨٥

الحقل الثالث:

في

الموثَّقِ(١)

سُمِّيَ بذلك لأنَّ راويه ثقة، وإن كانَ مُخالفاً ؛ وبهذا فارقَ الصحيحَ مع اشتراكهما في الثقة، ويُقالُ لهُ: القويُّ أيضاً ؛ لقُوّة الظنِّ بجانبه بسببِ توثيقهِ.

وهو:

[ أوَّلاً ]:

ما دخلَ في طريقهِ (مَن نصَّ الأصحابُ على توثيقه، مع فساد عقيدته)(٢) ؛ بأن كان من إحدى الفرق المُخالفة للإمامية، وإن كانَ من الشيعة.

واحترز بقوله(٣) : (نصَّ الأصحابُ على توثيقه) عمَّا لو رواه المخالفون في صحاحهم التي وثَّقوا رُواتها ؛ فإنَّها لا تدخلُ في الموثَّق عندنا ؛ لأنَّ العبرة بتوثيق أصحابنا للمُخالف، لا بتوثيق غيرنا ؛ لأنَّا لم نقبلْ إخبارَهم بذلك(٤) .

وبهذا يندَفِعُ ما يُتَوَهَّمُ: من عدمِ الفرقِ بينَ رواية مَن خالفنا، مِمَّن ذُكر في كتب حديثنا، وما رووه في كتبهم.

وحينئذٍ، فذلك كلُّهُ يلحق بالضّعيف عندنا ؛ لِمَا سيأتي من صِدق تعريفه عليه، فيُعمل منهُ بما يُعمل بهِ منه.

[ثانياً]:

ولم يشتَمل باقيه ؛ أي باقي الطريق، على ضعيف ؛ وإلاّ لكانَ الطريقُ ضعيفاً، فإنّه يتبعُ الأَخسَّ كما سبَق.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر٨): (الموثَّق) فقط، بدون: (الحقل الثالث: في الموثَّق).

(٢) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٣) فيما يبدو: أنَّ مرجع الضمير هو: المعرِّف، وما شابه ذلك.

(٤) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (لأنَّ مرجع التوثيق - على ما هو المعروف عندهم - مردُّه إلى الشهادة، والعدالة معتبرةٌ فيها).

٨٦

وبهذا القيد سَلِمَ ممَّا يَرِد على تعريفِ الأصحاب لهُ بأنَّ الموثَّقَ: (ما رواهُ مَن نُصَّ على توثيقهِ، مع فسادِ عقيدته)(١) ؛ فإنَّهُ يشتَمِلُ بإطلاقه ما لو كانَ في الطريقِ واحدٌ كذلك، معَ ضعفِ الباقي، وليس بِمُرادٍ كما مرَّ.

وقد يُطلق القويّ على مرويِّ الإمامي ؛ غير الممدوح ولا المذموم(٢) ، ك-: نوح بن درَّاج(٣) ، وناجية بن أبي عُمارةَ الصيداويِّ(٤) ، وأحمد بن عبد الله بن جعفرِ الحِميريِّ(٥) ، وغيرهم، وهُم كثيرون.

وقولُنا:(غيرُ المَمدوح ولا المَذموم)

[أ] خيرٌ من قولِ الشهيدرحمه‌الله وغيرهِ في تعريفهِ:(... غيرُ المذموم) (٦) ، مُقتصرين عليه ؛ لأنَّه يشمُلُ الحَسَن، فإنَّ الإمامي المَمدوحَ: غيرُ مذموم، ولو فُرِضَ كونُهُ قد مُدِحَ وذُم كما اتّفق لكثير.

[ب] وردٌّ على تعريف الحسن أيضاً ؛ والأولى: أن يطلب حينئذ الترجيحُ، ويُعملُ بِمُقتضاهُ، فإن تحقَّقَ التعارضُ، لم يكُن حسَناً. وعلى هذا ؛ فينبغي زيادة تعريفِ الحسن: بكونِ المدحِ مقبولاً ؛ فيُقالُ: ما اتّصلَ سندُهُ بإمامي ممدوحٍ مدحاً مقبولاً... إلخ ، أَو غير معارض بذمٍّ ؛ ونحو ذلك.

____________________

(١) ينظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٢) ينظر: المصدر نفسه.

(٣) من أصحابِ الصادقعليه‌السلام ،.... معجم رجال الحديث: ١٩/ ٢١٩ - ٢٢٢.

(٤) من أصحاب الباقرعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١٩/ ١٤٤ - ١٤٥.

(٥) كان له مكاتبة،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٢/ ١٣٧.

(٦) ويبدو أنّ في المقام اشتباهاً: إمَّا من الشهيد الثاني في نقله، وإمَّا من قول الشهيد الأوَّل في نسخه ؛ ذلك لأنَّ الذي وردَ في الكتاب المطبوع (ذكرى الشيعة إلى أحكام الشريعة)(ص٤) جاءَ فيه: (وقد يُرادُ بالقويّ: مرويّ الإمامي، غير المذموم ولا الممدوح ؛ أو مرويّ المشهور في التقدُّم غير الموثّق ؛ والضعيف يقابلهُ ؛ وربَّما قابل الضعيف: القبيحُ، والحسنُ، والموثّقُ).

٨٧

الحقل الرابع:

في

الضعيف(١)

وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدِّمةِ ؛ بأن يشتملَ طريقُهُ على مجروح بالفسقِ ونحوه، أو مجهول الحالِ، أو ما دونَ ذلك ؛ كالوضَّاعِ.

ويُمكن اندراجهُ في المجروح، فيُستغنَى به عنِ الشّقّ الأخير(٢) .

[أ] - ودرجاته في الضّعف متفاوتةٌ بحسبِ بُعده عن شروط الصحّة، فكلَّما بعُدَ بعضُ رجاله عنها، كانَ أقوى في الضّعف ؛ وكذا ما كثُر فيه الرواةُ المجروحون، بالنِّسبةِ إلى ما قلّ فيه(٣) .

كما تتفاوتُ درجاتُ الصحيح، وأخويه الحسن والمُوَثّق، بحسبِ تمكُّنه من أوصافها. فما رواهُ الإمامي الثقةُ، الفقيه الورع الضابطُ - كابنِ أبي عُميرٍ - أصحّ ممَّا رواه مَن نقصَ في بعضِ الأوصاف، وهكذا إلى أن ينتهي إلى أقلِّ مراتبه.

وكذلك ما رواه الممدوح كثيراً - كإبراهيم بن هاشمٍ(٤) - أحسنُ ممَّا رواه مَن هو دونه في المدح، وهكذا إلى أن يتحقَّق مُسمَّاهُ.

وكذا القولُ في المُوَثّق ؛ فإنَّ ما كانَ في طريقه، مثلُ عليّ بن فَضَّال(٥) ، وأبانِ بن عثمان(٦) ، أقوَى مِن غَيره، وهكذا...

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٥، لوحة ب، سطر ٧): (الرابع الضعيف) فقط، بدون: (الحقل الرابع: في الضعيف).

(٢) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (ولعلّ الأحسنَ إبقاءه ؛ للفرق الواضح بينَ خبرِ شاربِ الخمر، وخبرِ الكذَّاب الوضَّاع).

(٣) سيأتي مزيدُ بيانٍ عن أنواعِ الحديثِ الضعيف في النظرِ الثاني من القسمِ الثاني مِن البابِ الأوّلِ، حسبَ الهيكل العامّ المعدَّل، الذي عملنا على رسمه.

(٤) من أصحاب الرّضاعليه‌السلام ،.... يُنظَر: معجم رجال الحديث: ١/ ١٧٧ - ١٩١.

(٥) هو عليُّ بن الحسَن بن فضّال الفطحيّ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ١٢/ ١٢٣.

(٦) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (أبانُ بن عثمان: ثِقةٌ جليلٌ ؛ وقد عُدَّ مِن أصحابِ الإجماع ؛ إلاّ أنَّه نوقشَ في مذهبه ؛ فعَنْ بعضِ نُسَخِ الكشّي: وكان من الناووسيّة. وعن المحقِّق - والعلاّمة في خاتمة الخلاصةِ - : أنَّهُ فطحيُّ. كما نُسِبَ إلى العلاّمةِ في محكيّ المختلَف: أنَّه واقفيّ.

ولم يثبت شيءٌ من ذلك كُلّهِ، وللتفصيلِ مجالٌ آخر، لا يسعه هذا المختصر).

٨٨

[ب]. وَيَظهرٌ أثر القوّةعندَ التعارضِ ؛ حيث يعمَل بالأقسام الثلاثة، ويخرج أحد الأخيرين شاهداً(١) ، أو يتعارضُ صحيحان أو حسنان، حيثُ يجوزُ العملُ بهِ(٢) .

وكثيراً ما يُطلَق الضعيفُ في كلام الفُقهاء على روايةِ المجروحِ خاصة، وهو استعمالُ الضعيفِ في بعضِ مواردهِ، وأمرُهُ سهلٌ.

____________________

(١) أي: الحسن أو الموثّق، بأن جعله شاهداً للصحيح، بدون العمل به. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٧.

(٢) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (أي: بالقويّ (الموثَّق) ؛ فعند تعارضِ الصحيحين أو الحسنين، يُرجعُ إلى الموثَّق، ويُعمل به ِ؛ ويكونُ مُرَجِّحاً لأحدهما على الآخر).

٨٩

النظرُ الثاني: في حُجِّيَّةِ العملِ بها

وفيه حُقول:

الحقل الأوَّل:

في

العملِ بخبرِ الواحد(١)

وأعلَم: أنَّ مَن منعَ العملَ بخبر الواحد مُطلقاً، كالسيِّدِ المرتضى، تنتَفي عندَهُ فائدةُ البحثِ عن الحديثِ غير المتواتر مُطلَقاً ؛ ومَنْ جوَّزَ العملَ بخبرِ الواحدِ، كأكثرِ المتأخّرين في الجُملة.

فائدةُ القيد: التنبيه، على أنَّ مَن عمِل بخبر الواحد، لم يعمل به مُطلقاً ؛ بَلمنهم مَن خصَّه بالصحيح،ومنهم من أضاف الحسَن،ومنهم من أضافَ الموثَّق،ومنهم من أضافَ الضعيفَ على بَعض الوجوه كما سننبّه عليهِ.

فالعاملُ بخبر الواحدِ على أيّ وجهٍ كان: قَطَعَ بالعمل بالخبر الصحيح ؛ لِعدم المانع منه، فإنَّ رواته عُدول، صحيحو العقايد ؛ لكن لم يُعمل به مطلقاً ؛ بل حيثُ لا يكون شاذّاً، أو معارضاً بغيره من الأخبارِ الصحيحة، فإنَّه حينئذٍ يُطلبُ المُرَجِّحُ.

ورُبَّما عمِل بعضهم بالشاذِّ أيضاً، كما اتّفقَ للشيخين(٢) في صحيحة زُرارة ؛ في مَن دخل في الصلاة بتيمُّم ثُمّ أحدثَ؟

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٦، لوحة ب، سطر ١٠): (النظر الثاني: في حُجِّ-يَّةِ العمل بها. وفيه حقول: الحقل الأول: في العمل بخبر الواحد) غير موجود ؛ وإنَّما أضفناه للضرورة المنهجية والإخراجيَّة.

(٢) يقول الفقيه المقداد السيوريّ في مقدِّمة كتابه (التنقيح الرائع لمختصر الشرائع)، وهو مخطوطٌ محفوظ في (مكتبة آية الله الحكيم العامّة) في النجف الأشرف، تحت رقم ٣٠٦، يقول المقدادُ: (المرادُ بالشيخ هو: الطوسيرحمه‌الله . وبالشيخين: هو مع المفيد. والثلاثة: هما مع المُرتضى. وعلَمُ الهدى: هو المُرتضى).

٩٠

إنَّه: يتوضأُ حيث الماء، ويبني على الصلاة ؛ وإنْ خصَّاها بحالة الحدث ناسياً(١) ؛ ومثل ذلك كثيرٌ.

___________________

(١) قلتُ: صحيحة زرارة هذه، إنَّما هي من الشاذ بالتفسير الذي فسَّره به بعضُ العامَّة ؛ وهو ما انفرد به راوٍ واحد.

وأمَّا الشذوذ بالتفسير الذي ذكره أكثرهم، واعتمده الوالدقدس‌سره فيما يأتي، وهو: (ما رواه الثقة مخالفاً لِمَا رواه الأكثرُ)، فليسَ ذلك بمتحقِّق فيها ؛ إذ لم يرد بخلافها رواية، فضلاً عن رواية الأكثر له.

نعم، هي مخالفة للمعهود في نظائر الحكم من منافيات الصلاة ؛ ولفظُ التفسير كما لا يخفى، غير متناول لمثل هذه المخالفة، فليُنظر.

حسنرحمه‌الله (هامش الخطِّيَّة المعتمدة: روقة ١٦، لوحة ب)

والمقصود بعبارة (حسنرحمه‌الله ) هو: الشيخ حسن صاحب كتاب (المعالم)، وهو ابن الشهيد الثاني صاحبٍ (الدراية).

وأمَّا بخصوص الصحيحة، فينظر: مَن لا يحضرهُ الفقيه: ١/ ٥٨، باب التيمّم، حديث ٢١٤/ ٤، وتهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي، في شرحِ المقنعة للشيخ المفيد): ١/ ٢٠٥، باب التيمّم وأحكامه، حديث ٥٩٥/ ٦٩، والاستبصار: ١/ ١٦٧، بابُ مَن دخلَ في الصلاةِ بتيمّم ثُمَّ وجدَ الماءَ، حديثُ ٥٨٠/ ٦.

٩١

الحقل الثاني:

في

العمل بالخبر الحسن(١)

واختلفوا في العمل بالحسن:

فمنهم مَنعمل به مطلقاً كالصحيح، وهو الشيخرحمه‌الله - على ما يظهر من عمله - وكلّ مَن اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام، ولم يشترط ظهورها.

ومنهم مَن ردَّهمطلقاً ، وهم الأكثرون ؛ حيث أشترطوا في قبول الرواية: (الإيمانَ، والعدالةَ)، كما قطَع بهالعلاّمةُ في كتبه الأُصوليَّة،وغيره .

والعجبُ أنَّ الشيخرحمه‌الله اشترطَ ذلك أيضاً في كتبِ الأصولِ، ووقع له في الحديث وكتب الفروع الغرائب ؛ فتارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقاً، حتّى أنَّه يُخصِّص به أخباراً كثيرةً صحيحةً، حيث تعارضه بإطلاقها، وتارةً يُصرِّح بردِّ الحديث لضعفه، وأخرى يردّ الصحيح ؛ معلِّلاً بأنَّه خبر واحد، لا يوجب علماً ولا عملاً كما هي عبارة المرتضى.

وفصّل آخرون في الحسن: كالمحقِّق في المُعتبر، والشهيد في الذّكرى ؛ فقبلوا الحسن، بل الموثَّق ؛ وربَّما ترقّوا إلى الضعيف أيضاً إذا كان العمل بمضمونه مشتهراً بين الأصحاب ؛ حتّى قدّموهُ حينئذٍ على الخبرِ الصحيحِ حيثُ لا يكونُ العملُ بمضمونهِ مشتهِراً.

____________________

(١) الذي في النسخةِ الخطِّيَّة (روقة ١٦، لوحة ب، سطر ٩): (الحقل الثاني: في العمل بالخبر الحسن)، غير موجود.

٩٢

الحقل الثالث:

في

العمل بالخبرِ الموثَّق(١)

وكذا اختلفوا في العمل بالموثّق نحو اختلافهم في الحسن،فقبله قوم مطلقاً ،وردَّه آخرون، وفصّل ثالث [بالشهرة وعدمِها](٢) .

ويُمكنُ اشتراكُ الثلاثة في دليل واحدٍ يدلّ على جواز العمل بها مطلقاً ؛ وهو: أنَّ المانعَ من قبول خبرِ الفاسق هو فسقه ؛ لقوله تعالى:( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا... ) (٣) . فمتى لم يُعلم الفسق، لا يجب التثبُّت عند خبر المُخبر مع جهل حاله ؛ فكيف مع توثيقه ومدحه، وإن لم يبلُغ حدَّ التعديل؟ وبهذا احتجَّ مَن قبل المراسيل.

وقدأجابوا عنه ب-: أنَّ الفسقَ لمَّا كان علَّة التثبُّتِ، وجبَ العلمُ بنفيه ؛ حتّى يُعلم وجود انتفاء التثبُّت، فيجب التفحُّصُ عن الفسق، ليُعلَم أو

عدمه، حتّى يُعلَم التثبُّت أو عدمه.

وفيه نظرٌ ؛ لأنّ الأصل عدمُ وجودِ المانع في المُسلمِ. ولأنَّ مجهولَ الحال، لا يُمكن الحكمُ عليهِ بالفسقِ ؛ والمُرادُ في الآية: المحكومُ عليهِ بالفسقِ.

____________________

(١) الذي في النسخة المعتمدةِ (ورقة ١٧، لوحة أ، سطر ٩): (الحقل الثالث: في العمل بالخبر الموثق) غير موجود.

(٢) هذه الزيادة غير موجودة في النسخة الخطِّيَّة المتداولة (ورقة ١٧، لوحة ب، سطر ١٠)، وإنَّما هي موجودة في طبعة النعمان المتداولة، وقد أثبتناها هنا لمزيد إيضاح وتوضيح.

(٣) سورة الحجرات، آية ٧.

٩٣

الحقل الرابع:

في

العمل في الخبر الضعيف(١)

وأمَّا الضعيف ؛فذهبَ الأكثر إلى منع العمل به مُطلقاً ؛ للأمر بالتثبُّت عندَ إخبارِ الفاسق المُوجبِ لردِّهِ.

وأجازَهُ آخرون - وهُم جماعةٌ كثيرةٌ: منهم مَن ذكرناه - مع اعتضادِه بالشّهرة روايةً ؛ بأن يكثر تدوينها وروايتها: بلفظٍ واحدٍ، أو ألفاظٍ متغايرةٍ متقاربة المعنى، أوفتوىً بمضمونها في كتب الفقه ؛ لقوَّة الظنّ بصدق الرّاوي في جانبها - أي جانب الشّهرة - وإن ضعُفَ الطريقُ ؛ فإنَّ الطريقَ الضعيفَ، قد يثبُتُ بهِ الخبرُ مع اشتهارِ مضمونِهِ ؛ كما تُعلَمُ مذاهبُ الفِرَقِ الإسلاميَّة - كقول: أبي حنيفة(٢) ، والشافعيِّ(٣) ، ومالك(٤) ، و أحمد - بإخبار أهلها - مع الحكم بضعفهم عندَنا - وإن لم يبلغوا حدَّ التواتر.

وبهذا اعتُذر للشيخرحمه‌الله في عمَله بالخبر الضّعيفِ.

وهذهِ، حجّةُ مَنْ عمِلَ بالموثّق أيضاً، بطريقٍ أولى.

وفيه نظرٌ ، يخرج تحريره عن وضع الرسالة ؛ فإنَّها مبنيةٌ على الاختصار، ووجهُهُ على وجه الإيجاز: إنَّا نمنع من كون هذه الشُّهرة التي ادّعوها مؤثِّرةً في جبر الخبر الضّعيف ؛ فإنَّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشّهرة متحقّقةٌ قبلَ زمنِ الشيخرحمه‌الله ، والأمرُ ليس كذلك ؛ فإنَّ مَنْ قبله من العلماء كانوا بينَ مانع من خبر الواحد مُطلقاً - كالمرتضى والأكثر، على ما نقله جماعة - وبين جامع للأحاديث، من غير التفات إلى تصحيح ما يصحُّ، وردِّ ما يُرَدُّ. وكانَ البحثُ عن الفتوى مُجرَّدةً - لغيرِ الفريقين - قليلاً جداً كما لا يخفَى على مَن اطّلعَ على حالِهِم.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٧، لوحة ب، سطر ٦): (الحقل الرابع: في العمل بالخبر الضعيف) غير موجود.

(٢) النعمان بن ثابت: ٨٠ - ١٥٠ه-،.... ينظر: الأعلام: ٩/ ٤ - ٥.

(٣) محمد بن إدريس: ١٥٠ - ٢٠٤ه-،.... ينظر: الأعلام: ٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠.

(٤) مالك بن أنس: ٩٣ - ١٧٩،.... ينظر: الأعلام: ٦/ ١٢٨.

٩٤

فالعمل بمضمون الخبر الضّعيف قبل زمن الشيخ، على وجه يجبر ضعفه، ليس بمتحقّقٍ. ولمّا عمل الشيخ بمضمونه، في كتبه الفقهيَّة، جاء مَن بعده من الفقهاء واتّبعه منهم عليها الأكثر ؛ تقليداً له، إلاّ مَن شذّ منهم. ولم يكن فيهم مَن يسبر الأحاديث، وينقِّب على الأدلّة بنفسه سوى الشيخ المحقِّق ابن إدريس(١) ، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً.

فجاء المتأخّرون بعد ذلك، ووجدوا الشيخ ومَن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضّعيف ؛ لأمر ما رأوه في ذلك، لعلّ الله تعالى يعذرهم فيه ؛ فحسبوا العلم به مشهوراً، وجعلوا هذه الشّهرة جابرةً لضعفه. ولو تأمّل المنصف، وحرَّر المنقِّب، لوجد مرجع ذلك كلّه إلى الشيخ، ومثل هذه الشّهرة، لا تكفي في جبر الخبر الضّعيف.

ومن هنا، يظهر الفرق بينه وبين ثبوت فتوى المخالفين بأخبار أصحابهم ؛ فإنَّهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أوّل زمانهم، ولم يزالوا في أزياد(٢) .

وممَّن اطّلع على أصل هذه القاعدة - التي بيَّنتُها وتحقَّقتُها - من غير تقليدٍ: الشيخ الفاضل المحقِّق سديد الدّين محمود الحُمُّصي(٣) ، والسيّد رضيّ الدّين ابن طاووس(٤) ، وجماعة.

قالَ السيّدرحمه‌الله في كتابه (البهجة لثمرة المهجة): (أخبرني جدّي الصالح، ورّام بن أبي فراس (قدّس الله سرّه)(٥) ، أنَّ الحُمُّصي حدَّثه: أنَّه لم يبق للإماميّة مفتٍ على التّحقيق، بل كلّهم حاكٍ.

____________________

(١) صاحب كتاب: (السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي)،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٦/ ٢٧٤ - ٢٩٠.

(٢) أي: العلم بمذاهب المخالفين وفتاويهم مستفادٌ من أصحابهم، وحيثُ لم يكونوا ثقة عندنا، كان إخبارُهم بمذاهبهم من باب الأخبار الضعيفة، لكن اعتبرها أصحابنا، وحكموا بأنَّ هذا القول لأبي حنيفة، وهذا للشافعي، وغيرهما، استناداً إلى الشهرة التي انجبر الضعيف بها. وليس تلك الشّهرة كالشهرة التي ادّعاها أصحابنا في بعض الأخبار ؛ لِمَا عرفت أصلها. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٢٠.

(٣) علاّمةُ زمانه في الأُصولَين، ورع ثقة،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٧/ ١٥٨ - ١٦٤.

(٤) السيّد الشريف: رضيّ الدين أبو القاسم علي، بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى، بن جعفر، بن محمد، بن أحمد، بن محمد، بن أحمد، بن أبي عبد الله محمد، بن الطاووس ؛ ينتهي نسبه الشريف إلى الحسن المثنّى.... ينظر: البحار: ١/ ١٤٣ - ١٤٦.

وكذلك له ترجمةٌ ضافيةٌ في مقدِّمة: كشف المحجّة لثمرة المهجة، المطبوع في النجف الأشرف، بقلم البحّاثة الكبير آغا بزرگ الطهراني.

(٥) من أولاد مالك الأشتر النخعيّ، عالم فقيه،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٨/ ١٧٧ - ١٧٩.

٩٥

وقالَ السيّد عقيبه: والآن، فقد ظهر أنَّ الذي يُفتى به ويُجاب عنه، على سبيل ما حُفظ من كلام العلماء المتقدّمين)(١) انتهى.

وقد كشفتُ لك بذلك بعضَ الحال، وبقيَ الباقي في الخَيال، وإنَّما يتنبّه لهذا المقال، مَن عرف الرِّجال بالحقّ، وينكره مَن عرف الحقّ بالرّجال(٢) .

وجوّزَ الأكثر العمل به - أي بالخبر الضعيف - في نحو: القصص، والمواعظ، وفضائل الأعمال، لا في نحو: صفات الله المُتعال، وأحكام الحلال والحرام.

وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والاختلاق ؛ لِمَا اشتهر بين العلماء المحقِّقين من التساهل بأدلَّة السُّنن، وليس في المواعظ والقصص غير محض الخير، لِمَا ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - من طريق الخاصّة والعامّة - أنَّه قال: (مَن بلغه عن الله تعالى فضيلةً، فأخذها وعمل بما فيها إيماناً بالله ورجاء ثوابه، أعطاه الله تعالى ذلك وإنْ لم يكن كذلك)(٣) . وروى هشام بن سالم - في الحسن(٤) -، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (مَن سمع شيئاً من الثواب على شيء، فصنعه، كان له أجر، وإن لم يكن على ما بلغه)(٥) .

____________________

(١) وقد علّق المددي هنا بقوله: (إنَّ كتاب (البهجة لثمرة المهجة) لم يصل إلينا، ولكنّ السيّد ابن طاووس ذكر هذا الكلام بعينه في كتابه: (كشف المحجّة لثمرة المهجة)(ص١٢٧)، المطبوع في النجف الأشرف).

(٢) هذه العبارة - فيما يبدو - مستلهمّة من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (يا حَار... إنَّه ملبوس عليك ؛ إنَّ الحقّ لا يُعرف بالرجال، فاعرف الحقّ تعرف أهله)، وهذا من التضمين الجميل. يُنظر: البيان والتبيين للجاحظ: ٣/ ١٣٦.

(٣) ينظر: عُدّة الدّاعي، ص٤.

(٤) وقد علّق المددي هنا بقوله: (وصفه ب-: الحسن ؛ باعتبار أنَّ الكليني رواه بإسناد فيه إبراهيم بن هاشم، وهو إماميّ ممدوح ؛ إلاّ أنَّ البرقي رواه في المحاسن (ص٢٥) بسند صحيحٍ عن هشام بن سالم، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

وقال السيّد ابن طاووس: ووجدنا هذا الحديث في أصل هشام بن سالم، رواه عن الصادقعليه‌السلام ). ينظر: البحار: ٢/ ٢٥٦.

(٥) ينظر: الأُصول من الكافي: ٢/ ٨٧، وعُدّة الدَّاعي، ص٣، والبحار: ٢/ ٢٥٦، وجامع أحاديث الشيعة: ج١، المقدّمات، الباب٩.

٩٦

القسم الثاني:

في

الأنواعِ والفُروع

أمَّا وقد عرَفتَ تلكَ المعاني الأربعة(١) ، التي هي أصول علم الحديث، بقي هنا عبارات لمعانٍ شتّى:

منها: ما يشترك فيها الأقسام الأربعة ، إمَّا جميعها أو بعضها، بحيث لا يختصّ بالضعيف ؛ ليدخل فيه المقبول، فإنَّه ليس من أقسام الصحيح، وإنَّما يشترك فيه الثلاثة الأخيرة، على ظاهر الاستعمال ؛ وإن كان إطلاق مفهومه، قد يفهم منه كونه أعمُّ من الصحيح أيضاً.

وجملةُ المشتركِ: ثمانيةَ عشرَ نوعاً.

ومنها: ما يختصُّ بالضعيف ؛ وهو: ثمانية.

فجملة الأنواع الفروع: ستّة وعشرون، ومع الأصول: ثلاثون نوعاً ؛ وذلك على وجه الحصرالجعليّ ، أوالاستقرائي ؛ لإمكان إبداء أقسامٍ أخر(٢) .

[وعليه، ففي هذا القسم: نظران](٣)

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٢): (وإذ قد عرفت هذه المعاني الأربعة)، بدلاً من: (القسم الثاني: في الأنواع والفروع. أمَّا وقد عرفت تلك المعاني الأربعة).

(٢) قال أبو عمرو بن الصلاح بعد ذكر تعداد أنواع الحديث: وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنَّه قابل للتنويع إلى ما لا يُحصى ؛ إذ لا تُحصى أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها. ينظر: مقدمة ابن الصلاح، ص٨١.

وقال ابن كثير في تعقيبه على ابن الصّلاح: وفي هذا كلّه نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر ؛ إذ يمكن إدماج بعضها في

بعض، وكان أليق ممَّا ذكره. الباعث الحثيث، ص٢١.

(٣) هذه الزيادة غير موجودة في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ١٠) وإنَّما أثبتناها هنا للضرورة المنهجيَّة.

٩٧

النظر الأوَّل: في أنواع المشترك

وفيه حقول:

الحقل الأوَّل:

في

المسند(١)

وهو ما اتّصل سنده مرفوعاً، من راويه إلى منتهاه، إلى المعصوم.

وأكثر ما يُستعمل في ما جاء عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

فخرج باتّصال السّند: المرسل، والمعلّق، والمعضل.

وبالغاية: الموقوف، إذا جاء بسند متّصل، فإنَّه لا يسمَّى في الاصطلاح مسنداً.

وربَّما أطلقه بعضهم على المتّصل مطلقاً(٣) ؛ وآخرون: على ما رُفع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنْ كان منقطعاً.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ١١): (فمن القسم الأول - وهو المشترك - أمور ؛ أحدها: المسند)، بدلاً من (النظر الأوّل: في أنواع المشترك، وفيه حقول، الحقل الأوّل: في المسند)، وهذا ممَّا وضعناه للضرورة المنهجيَّة.

(٢) قال الحاكم: هو ما اتّصل إسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال الخطيب: هو ما اتّصل إلى منتهاه.

وحكى ابن عبد البرّ: إنَّه المرويّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء كان متّصلاً أم منقطعاً.

وقال أحمد محمد شاكر: وعلى تعريف الخطيب يدخل الموقوف - على الصحابة إذا روي بسند - في تعريف المسند، وكذلك يدخل فيه ما روي عن التابعين بسندٍ أيضاً، ولا يدخلان فيه على تعريف الحاكم وابن عبد البرّ.

ويدخل المنقطع والمعضل على تعريف ابن عبد البرّ، ولا يدخل على تعريف الحاكم. ينظر: الباعث الحثيث، ص٤٤ - ٤٥ (جمعاً بين المتن والهامش)، وينظر: كتاب الكفاية في علم الرواية، ص٢١، ومعرفة علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)، ص١٧.

(٣) وقد علّق المددي هنا بقوله:

أي: سواءٌ أكان مسنداً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم إلى الصحابة ؛ وهو المسمَّى: بالموقوف.

٩٨

الحقل الثاني:

في

المتَّصل(١)

ويُسمَّى أيضاً: الموصول(٢) .

وهو ما اتّصل إسناده إلى المعصوم أو غيره، وكان كلّ واحد من رواته، قد سمعه ممَّن فوقه، أو ما هو في معنى السماع: كالإجارة، والمناولة.

وهذا القيد(٣) ، أخلّ به كثيرٌ، فورد عليهم ما تناوله ؛ سواءٌ كانَ مرفوعاً إلى المعصوم، أم موقوفاً على غيره.

وقد يُخص بما اتّصل إسناده إلى المعصوم، أو الصحابيّ، دون غيرهم.

هذا مع الإطلاق، أمَّا مع التقييد، فجائز مطلقاً [و] واقع ؛ كقولهم: هذا متّصل الإسناد بفلانٍ، ونحو ذلك.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ٣): (وثانيها المتّصل) فقط، بدون (الحقل الثاني: في المتَّصل).

(٢) الخلاصةُ في أصول الحديث، ص٤٦، وينظر: الباعث الحثيث، ص٤٥.

(٣) أي: قوله: أو ما هو في معنى السماع. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٢٢.

٩٩

الحقل الثالث:

في

المرفوعِ(١)

- ١ -

وهو ما أضيف إلى المعصوم(٢) ؛ من قولٍ، بأن يقول في الرواية: أنَّهعليه‌السلام قال كذا، أوفعل ، بأن يقول: فعل كذا، أوتقرير ، بأن يقول: فعل فلان بحضرته كذا ولم ينكره عليه، فإنَّه يكون قد أقرَّه عليه، وأولى منه: ما لو صُرِّح بالتقرير.

سواء كان إسناده متَّصلاً بالمعصوم بالمعنى السابق، أم منقطعاً: بترك بعض الرواة، أو إبهامه، أو رواية بعض رجال سنده عمَّن لم يلقه(٣) .

وقد تبيَّن من التعريفات الثلاثة: أنَّ بين الأخيرين منها عموماً من وجه(٤) ؛ بمعنى: صدق كلٍّ منهما على شيء ممَّا صدق عليه الآخر، مع عدم استلزام صدق شيءٍ منهما صدق الآخر.

ومادّة تصادقهما هنا: فيما إذا كان الحديث متّصل الإسناد بالمعصوم، فإنَّه يصدق عليه الاتصال والرَّفع ؛ لشمول تعريفهما له.

ويختص المتّصل: بمتّصل الإسناد، على الوجه المقرَّر، مع كونه موقوفاً على غير المعصوم.

ويختصّ المرفوع: بما أضيف إلى المعصوم بإسناد منقطعٍ.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١٠): (وثالثها: المرفوع) فقط، بدون:(الحقل الثالث: في المرفوع).

(٢) وقد علَّقَ المددي هنا بقوله: (وعند العامّة: خصوص ما أُضيفَ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٣) ينظر: الخلاصة في أصول الحديث، ص٤٦، والباعث الحثيث، ص٤٥.

وقد علّق المددي هنا بقوله: (مثاله: ما رواه الشيخ في التهذيب(٩/ ٢٦) بإسناده عن ابن أبي عُمير، عن زرارة، عن محمد بن مسلم...، فإنَّ ابن أبي عُمير، لم يلقِ زرارة ؛ فحديثه عنه مرفوع).

(٤) العموم المطلق، والعموم من وجه، والخصوص المطلق، والخصوص من وجه، بل كذلك العموم والخصوص من وجه، كلّ هذه وغيرها اصطلاحات منطقيَّة. ينظر من مثل: (كتاب المنطق)، للشيخ المظفَّر.

ويظهر من هذا الحقل: كيف أنَّ علمَ المنطق يدخل في خدمة الحديث ؛ وكيف أنَّ العلوم في مباحثها بلحاظٍ ولحاظٍ متداخلةٌ....

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360