قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار16%

قاعدة لا ضرر ولا ضرار مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 360

قاعدة لا ضرر ولا ضرار
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190535 / تحميل: 7535
الحجم الحجم الحجم
قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها لأمرٍ دبّر بليل، أو أنّه ما يبالي بما يقول.

أوليس المسعودي المتوفى ٣٤٦هـ يقول في التنبيه والأشراف ص٢٢١: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم؟!

أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة ٣٢٩هـ؟ وقبله فرات بن ابراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر...

فالكتب هذه الفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ (٣٥٢).

أوليس الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة ٢٥٩هـ وذكر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه - المتوفى سنة ٢٠٣ - يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

والامام الصادق المتوفى سنة ١٤٨هـ قد علّم أصحابه بذلك كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيداً...

هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوّراه بدعة مغزوّة إلى معزّ الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

الغدير: ١/٢٨٧ - ٢٨٩، نهاية الأرب: ١/١٧٧، الخطط: ٢/٢٢٢.

ولزيادة الإطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيّد هاشم البحراني، عبقات الانوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني، منهج في الانتماء المذهبي: ٩٠ - ١٥٦، الغدير في التراث لاسلامي للعلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيّد محمد جواد الشبيري، ومصادر أخرى كثيرة.

٤١

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين: ٣٣٦هـ - ٤١٣هـ

٤٢

سنة ٣٣٦هـ:

فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقيل: مولده سنة ٣٣٨هـ.

قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.

ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.

وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ

٤٣

طرف من كفّتي الميزان.

وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.

قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.

قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره - بدرب رياح - يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.

فهرست ابن النديم: ١٧٨، رجال النجاشي: ٣٩٩ - ٤٠٣ ترجمة رقم ١٠٦٧، تاريخ بغداد: ٣/٢٣١، المنتظم: ٨/١١ - ١٢، العبر: ٣/١١٤ - ١٥٥، مرآة الجنان: ٣/٢٨.

سنة ٣٣٨هـ:

فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.

٤٤

المنتظم: ٦/٣٦٣ - ٣٦٤، البداية والنهاية: ١١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/٣٤٥.

الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.

معجم البلدان: ٤/٤٤٨، المنجد: ٨٥٦.

وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!

سنة ٣٤٠هـ:

فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.

البداية والنهاية: ١١/٢٢٤.

سنة ٣٤٥هـ:

فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل

٤٥

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.

الكامل في التاريخ: ٨/٥١٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٠.

وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة ٣٢٨هـ، وملك طبرستان سنة ٣٣٦هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة ٣٣٦، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.

نهاية الأرب: ٢٦/١٧٥ - ١٧٩.

ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!

وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.

سنة ٣٤٦هـ:

فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة ٣٤٦هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.

المنتظم ٦/٣٨٤، البداية والنهاية: ١١/٢٣٢.

٤٦

سنة ٣٤٨ هـ:

فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.

المنتظم: ٦/٣٩٠، الكامل في التاريخ: ٨/٥٢٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٤، شذرات الذهب: ٢/٣٧٦.

وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.

معجم البلدان: ٥/٣٠٨.

سنة ٣٤٩هـ:

فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.

المنتظم: ٦/٣٩٤ - ٣٩٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٣٣، دول الاسلام: ١٩٣، البداية والنهاية: ١١/٢٣٦، النجوم الزاهرة: ٣/٣٢٣، العبر: ٢/٢٨٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٢ - ٣٤٣، تاريخ الاسلام: ٢٣١ حوادث ووفيات ٣٤١هـ - ٣٥٠هـ، شذرات الذهب

٤٧

٢/٣٧٩.

والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.

معجم البلدان: ٤/٤٠٦.

ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.

معجم البلدان: ١/٣٦٢ - ٣٦٣.

ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة ٣٣٤هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.

المنتظم: ٧/٣٨ - ٣٩، نهاية الأرب: ٢٦/١٨٢ - ١٩٢.

وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا

٤٨

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.

سنة ٢٥٣هـ:

فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.

الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٤، البداية والنهاية: ١١/٢٤١.

وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.

سنة ٣٥٢هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.

وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.

ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم

٤٩

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.

وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.

وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.

وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!

أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.

المنتظم: ٧/١٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، تاريخ الاسلام: ١١ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، العبر: ٢/٢٩٤، دول الاسلام: ١٩٥،

٥٠

البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٣٩٧، شذرات الذهب: ٣/٩، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٤.

وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة - وهويوم عيد غدير خم - أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.

وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!

وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!

ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.

المنتظم: ٧/١٦، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩ - ٥٥٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، شذرات الذهب: ٣/٩، البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٤٠٠، تاريخ الاسلام: ١٢ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، دول الاسلام: ١٩٥ - ١٩٦.

٥١

سنة ٣٥٣هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.

المنتظم: ٧/١٩، الكامل في التاريخ: ٨/٥٥٨، تاريخ الاسلام: ١٣ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، البداية والنهاية: ١١/٢٥٣، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٦.

وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.

معجم البلدان: ٤/٣٧٦.

وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!

سنة ٣٥٤هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.

٥٢

وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.

وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!

وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!

والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.

المنتظم: ٧/٢٣، تاريخ الاسلام: ١٧ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٩، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.

البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.

وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم

٥٣

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.

وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!

وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!

ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!

ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.

ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن منع المغالات في صداق النساء؟!

ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.

واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!

وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.

وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم...

وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.

٥٤

المنتظم: ٧/٢٤، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

سنة ٣٥٥هـ:

فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.

وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

المنتظم: ٧/٣٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٠، النجوم الزاهرة: ٤/١١.

سنة ٣٥٦هـ:

فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.

المنتظم: ٧/٤٨، مرآة الجنان: ٢/٣٥٨، العبر: ٢/٢٠٣، تاريخ الاسلام: ٣٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، شذرات الذهب: ٣/١٨، البداية والنهاية: ١١/٢٦٢، النجوم الزاهرة: ٤/١٤.

سنة ٣٥٧هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.

٥٥

المنتظم: ٧/٤٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥، النجوم الزاهرة: ٤/١٨، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.

المنتظم: ٧/٤٣، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥.

سنة ٣٥٨هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.

وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...

الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!

المنتظم: ٧/٤٧، الكامل في التاريخ: ٨/٦٠٠، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.

٥٦

المنتظم: ٧/٤٧، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

سنة ٣٥٩هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....

وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....

وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!

المنتظم: ٧/٥١، تاريخ الاسلام: ٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٧، النجوم الزاهرة: ٤/٥٦.

سنة ٣٦٠هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.

قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة....

ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).

المنتظم: ٧/٥٣، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧، تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

٥٧

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.

تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧.

سنة ٣٦١هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.

قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....

وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.

ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.

المنتظم: ٧/٧٥، النجوم الزاهرة: ٤/٦٢، تاريخ الاسلام: ٢٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

الكامل في التاريخ: ٨/٦١٩، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة ٣٠٤هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،

٥٨

ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة ٤٠٠هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.

المنتظم ٧/٢٤٧، الكامل في التاريخ: ٩/١٨٢.

والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة ٣٦٣هـ وعمره تسع وخمسون سنة.

وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.

سنة ٣٦٢هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:

فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.

وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.

٥٩

البداية والنهاية: ١١/٢٧٣، النجوم الزاهرة: ٤/٦٥.

وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.

وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة ٣٤٤هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٣٥٦هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة ٣٦٧هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.

نهاية الأرب ٢٦/١٩٤ - ٢١٠.

وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.

شذرات الذهب: ٣/٤٨.

وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصّب للسنّة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وفي نيل الاوطار(١) : ( ان الزوج اذا اعسر عن نفقة امراته واختارت فراقه فرّق بينهما واليه ذهب جمهور العلماء على ما حكاه في فتح الباري ، وحكاه صاحب البحر عن الامام عليّعليه‌السلام ، وعمر ، وابي هريرة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، وحماد وربيعة ، ومالك ، واحمد بن حنبل ، والشافعي ، والامام يحيى ، وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنّه يلزم المرأة الصبر وحكاه في البحر عن عطاء ، والزهري ، والثوري ، والقاسمية ، وابي حنيفة واصحابه وأحد قولي الشافعي ).

وتعرض لنقل اقوال الصحابة والتابعين وفقهاء العامة ابن حزم أيضاً في كتاب المحلى(٢) ثم ان القائلين بهذا القول اختلفوا في انه هل للزوجة طلب الفسخ أو الطلاق أو هي مخيرة بينهما ؟ ففي نيل الأَوطار(٣) نقل للعامة في ذلك أقوالاً ثلاثة وفي المغني(٤) ( كل موضع يثبت لها الفسخ لاجل النفقة لم يجز الا بحكم الحاكم فاذا فرّق بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه وبهذا قال الشافعي وابن المنذر ، وقال مالك : هو تطليقة وهو احق بها ان أيسر في عدتها ).

فظهر بذلك انه لا اجماع هناك في عدم خيار تخلف الشرط الضمني الارتكازي والصريح في عقد النكاح ، لكنه مخالف للروايات الآتية ، ومع ذلك يمكن القول بأن الشرط المرتكز هو ان يكون الخيار لها بالرجوع إلى الحاكم وفسخه ، وان لم يتيسر فبنفس الزوج ، فلا مخالفة لمفاد الروايات

__________________

(١) نيل الاوطار ٧ : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) ج ١٠ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) نيل الاوطار ٧ : ١٣٥.

(٤) المغني ٩ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

٣٠١

المشار اليها. وعلى تقدير منع ذلك ، فالوجه في عدم الحاق النكاح عند الإعسار بخيار الغبن في استحقاق الفسخ انما هو الروايات الواردة في الموضوع.

البحث الثاني : في انه هل يثبت حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ؟

اما ( قاعدة لا ضرر ) ، فلإثبات ذلك بها تقريبان :

التقريب الأَوّل : ما يماثل التقريب الذي يذكر لإثبات خيار الغبن في صورة عدم اقدام المغبون على الضرر ـ وهو ان يقال : إن حكم الشارع باستمرار الزوجية حتى بعد فسخ الزوجة لها من جهة حرمانها من حقها ـ المعبَّر عن هذا الحكم باللزوم ـ ضرر على الزوجة فهو منفي.

وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب‍ ( لا ضرر ) تمسكاً به لنفي الحكم لا لإثباته ، كما انه انما يتجه في فرض انكار ارتكازية الشرط أو تأثير الشرط الارتكازي ونحو ذلك ـ كما يظهر مما سبق في التنبيه السابق ـ.

وقد يعترض على هذا التقريب بما عن شيخنا الحلِّي (قده) من ان الضرر المتوجه على الزوجة في حال عدم قيام الزوج بحقوقها ليس مسبباً توليدياً عن نفس لزوم النكاح لينتفي بالحديث المذكور اذ من المعلوم ان اختيار الزوج دخيل في البين(١) .

وهذا الاعتراض مبني على ما ذهب اليه (قده) وفاقاً لشيخه المحقق النائيني من أن الضرر المنفي عنوان توليدي لنفس الحكم الشرعي ، كالاضرار فيكون الحكم الشرعي منفياً حيث ينطبق عليه الاضرار. وقد مرت مناقشة هذا المبنى في محله وذكرنا ان الصحيح في تخريج ما ذهب اليه

__________________

(١) بحوث فقهية : ٢٠٧.

٣٠٢

المشهور من تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري هو ان مفاده نفي التسبيب الشرعي إلى تحمل ضرر من الغير.

وعلى هذا فيمكن التمسك به في المقام حيث يفرض سقوط الحكم بالانفاق لعدم قدرة الزوج أو ثبوته في حقه مع عدم عمله على وفقه ولو إجباراً ، إذ يصدق على جعل لزوم الزوجية وبقائها أنّه تسبيب إلى الضرر من قبل الشارع فينتفي بلا ضرر.

وبذلك يظهر ان هذا التقريب أيضاً تامّ لولا دلالة الروايات على خلافه ، حيث إنها تدل على ان ازالة الطلاق لا بُدّ ان يكون صادراً عن الولي الإجباري وهو الحاكم.

التقريب الثاني : انه يلزم من عدم جعل سلطنة لغير الزوج على الطلاق وازالة عقد الزوجية تسبيب الشارع إلى ضرر الزوجة ، فيستكشف من ( لا ضرر ) وجود هذا الحق للحاكم.

وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب‍ ( لا ضرر ) استدلالاً به في اثبات وجود حكم شرعي. وعليه يبتنى تمسك السيد الطباطبائي بهذه القاعدة وب‍ ( لا حرج ) لهذا المدعى. بل على هذا الاساس يبتنى تمسك العلامة ب‍ ( لا ضرر ) في اثبات حق الفسخ للزوجة ، وكذا استدلال ابن الجنيد ب‍ ( لا حرج ) لهذا المدعى فانه ليس نظرهم إلى دفع اللزوم. بل وكذا تمسك الشيخ والعلامة وغيرهما ب‍ ( لا ضرر ) لإثبات خيار الغبن الذي هو من الحقوق القابلة للارث.

ويلاحظ : ان بين رفع الحكم ب‍ ( لا ضرر ) واثباته به فرقاً ، فان الامر في الأوّل واضح لان المفروض تعيّن الحكم الموجب للضرر وهو ما يتوهّم بسبب عموم أو اطلاق أو غيرهما. ولكنه ليس كذلك في الثاني لأن الحكم الذي يراد استكشافه لا يكون متعيناً غالباً لامكان رفع الضرر بجعل عدة

٣٠٣

احكام ، كما أشار إلى ذلك الشيخ الانصاري (قده) في خيار الغبن فلا يمكن استكشاف حكم معين منها الاّ بمؤونة زائدة.

ففي المقام يدور الامر بين ان يكون الحكم المجعول لرفع الضرر عن الزوجة هو ثبوت حق الطلاق للحاكم عند وجود الشرائط التي منها مطالبة الزوجة بالطلاق ، وبين ان يكون ثبوت هذا الحق لنفس الزوجة وبين ثبوت حق الفسخ لأحدهما. وبين الطلاق والفسخ فرق فإنه على تقدير الطلاق قد يكون الطلاق رجعياً فيكون للزوج الرجوع في اثناء العدة اذا تمكن من الانفاق وهذا بخلاف الفسخ.

وتعيّن احد هذه الاحكام بحاجة إلى مزيد بيان.

ويمكن تقريب ثبوت حق الطلاق بأن المستفاد من الادلة العامة هو ان وظيفة الزوج احد الأَمرين اما إمساك بالمعروف أو تسريح باحسان ، ويشهد له بالخصوص معتبرة جميل ، عن أصحابنا ، أو عن عنبسة بن مصعب ، وسورة بن كليب ، عن احدهما قال : اذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها اقامت معه والاّ طلّقها )(١) .

واذا امتنع الزوج من الطلاق ولو بمراجعة الحاكم الشرعي يكون الحاكم هو المتصدي للطلاق لانه ولي الممتنع.

ويشهد لذلك ما ورد في المفقود من انه يطلقها الولي ولو باجباره على ذلك ، وإن لم يكن لها ولي طلقها السلطان(٢) وكذلك ما ورد في ان حق

__________________

(١) لاحظ الوسائل ـ كتاب النكاح. أبواب النفقات ـ الباب ١ ـ الحديث ٤ ج ٢١ / ٥١٠ ولاحظ ان الكافي الموجود عندنا يختلف مع ما نقله الشيخ عنه في سند الرواية لكن لا يسع المقام بيان ذلك ( منه ).

(٢) لاحظ المصدر السابق. كتاب الطلاق. أبواب أقسام الطلاق وأحكامه. الباب ٢٣ الحديث ٥ ج ٢٢ / ١٥٨.

٣٠٤

الطلاق لا يكون بيد الزوجة مطلقاً ولو بجعل الزوج ، ففي معتبرة محمّد بن قيس عن ابي جعفرعليه‌السلام انه قضى في رجل تزوج امرأة واصدقته هي واشترطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق. قال : خالفت السنَّة ووليت حقاً ليست بأهله ، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنّة(١) .

فمن ذلك وغيره يعلم ان الحكم بعدم كون الطلاق بيد الزوجة ليس من باب اللا اقتضاء ، بل من باب اقتضاء العدم. هذا ما يتعلق باثبات حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة ( لا ضرر ).

واما اثبات حق الطلاق للحاكم بقاعدة لاضرار فيختص بالزوج الذي يكون مضارّاً قال تعالى :( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (٢) ووجه استفادته منها : ما سبق في شرح مقطع ( لا ضرار ) من انه يستفاد منه ان للحاكم الشرعي الحق في المنع عن الاضرار حدوثاً وبقاءً بانسب وأخفّ الوسائل الممكنة ، وهو في المقام بعد سلسلة من الاجراءات طلاق الزوجة ، فيكون حكم طلاق الزوجة حكم نخلة سمرة بن جندب التي امر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقلعها ، وعلى هذا فتثبت للحاكم هذه السلطة لانها من شؤون الولاية التنفيذية ، وقد أشير إلى هذا التقريب فيما عن شيخنا الحلي (قده)(٣) .

البحث الثالث : في حكم المسألة على ضوء الروايات الواردة في المقام ، وهي روايات عديدة :

فمنها : ما رواه الصدوق ، عن ربعي بن عبد الله ، والفضيل بن يسار ،

__________________

(١) لاحظ الوسائل كتاب النكاح. أبواب المهور. الباب ٢٩ ـ الحديث ١ ج ٢١ / ٢٨٩.

(٢) البقرة ٢ / ٢٣١.

(٣) بحوث فقهية : ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٣٠٥

جميعاً ، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) (١) قال : ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والاّ فرق بينهما. وللصدوق سند صحيح إلى كل منهما في المشيخة. وقد رواه الشيخ بسند فيه محمّد بن سنان ، عنهما إلا انه قال ( ما يقيم صلبها )(٢) .

ومنها : ما رواه الصدوق بسنده المعتبر عن عاصم بن حميد عن ابي بصير قال : سمعت ابا جعفرعليه‌السلام يقول : ( من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الامام ان يفرّق بينهما ).

ومنها : ما نقله في الكافي ـ بسند مخدوش ـ عن روح بن عبد الرحيم قال : قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : قوله عزّ وجلّ :( وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) قال : ( اذا انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والا فرق بينهما ).

والظاهر ان كلاً من الصدوق والكليني يفتون بذلك كما افتى به بعض آخر من فقهائنا ، فقد ذكر في الحدائق(٣) في عداد اقوال علمائنا انه ( قيل بان الحاكم يبينها وهذا القول نقله السيد السند في شرح النافع قال : نقل المحقق الشيخ فخر الدين عن المصنف انه نقل عن بعض علمائنا قولاً بان الحاكم يبينها ).

ويظهر من كلام المحقق النائيني المناقشة في الاستدلال بها بوجهين :

__________________

(١) الطلاق ٦٥ / ٧.

(٢) لاحظ الوسائل. كتاب النكاح ـ أبواب النفقات ـ الباب ١٠ الحديث ١ ج ٢١ / ٥٠٩.

(٣) ج ٦ ص ١٤١ ط الحجر.

٣٠٦

الأَوّل : انها غير معمول بها(١) وذلك لان قدماءنا بين من قال بلزوم صبرها وبين من قال بان لها فسخ العقد كابن الجنيد. لكن قد ظهر مما ذكرنا انه لا وجه لدعوى الاعراض عنها ، بل توقف من توقف في الموضوع قد يكون لعدم الاطلاع على صحة سند ما صح منها كما اشار اليه صاحب الحدائق(٢) .

الثاني : معارضتها بمثل النبوي ( تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين بموته أو طلاقه ) والعلوي ( هذه امرأة ابتليت فلتصبر ) ونحو ذلك(٣) .

ولعله يشير بنحو ذلك إلى ما رواه الشيخ عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن بنان بن محمّد ، عن ابيه ، عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام ان علياًعليه‌السلام قال في المفقود : لا تتزوج امراته حتى يبلغها موته أو طلاقه أو لحوقه بأهل الشرك )(٤) .

لكن لا يمكن الاعتماد على شيء من الاخبار الثلاثة : ( اما رواية السكوني ) فلأن في سندها بنان بن محمّد وهو عبد الله بن محمّد بن عيسى

__________________

(١ و ٢) تقريرات المحقق النائيني : ٢٢١ ، ومن الغريب ما أورده السيد الاستاذ على ذلك من ان الروايات الآمرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج من الموافقة ( لاحظ مصباح الأصول ٢ : ٥٦١ ) فان نظر المحقق النائيني إلى النبوي والعلوي الآتيين وهما واردان في المفقود ولا يرتبطان بمن امتنع عن الموافقة.

(٣) قال في ج ٦ / ١٤١ ط الحجر وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف أيضاً حيث اقتصر على نقله الأقوال وادلتها ولم يرجح شيئاً في البين إلا أن الظاهر انه لم يقف على صحة الخبرين اللذين قدمناهما دليلاً لابن الجنيد فانه إنما نقل رواية ربعي والفضيل عارية عن وصفها بالصحة والظاهر انه اخذها من التهذيب فانها فيه ضعيفة وإلاّ فهي في الفقيه صحيحة وأما صحيحة أبي بصير فلم يتعرض لها والظاهر انه لو وقف على صحة هاتين الروايتين لما عدل عنهما بناء على عادته وطريقته كما علمته من سبطه في شرح النافع.

(٤) الوسائل ٢٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨ / ٢٨٢٦٦.

٣٠٧

الأَشعري ولم تثبت وثاقته(١) .

واما الأَوّلان : فلم يتعرض لهما الا الشهيد الثاني حيث قال : ( لو تعذر البحث عنه من الحاكم اما لعدمه أو لقصور يده تعيّن عليها الصبر إلى ان يحكم بموته شرعاً ، أو يظهر حاله بوجه من الوجوه لاصالة بقاء الزوجية ، وعليه يحمل ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن عليعليه‌السلام ومن العامة من أوجب ذلك مطلقاً عملاً بهاتين الروايتين )(٢) وقد ذكر السيد الطباطباثي في مقام الجواب عن هذه الروايات الثلاث انه لا عامل بها مع ان الاولين عاميان(٣) .

والظاهر انه لا اعتبار لهما سنداً حتى عند العامة وان كانا موافقين لفتاوى اهل الرأي وبعض الظاهرية كما تقدم.

اما النبوي : ففي المغني لابن قدامة(٤) متعرضاً للاستدلال به ( فأما الحديث الذي رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يثبت ولم يذكره اصحاب السنن ).

واما العلوي : ففيه أيضاً بعد ذكر نقله عن الحكم ، وحماد ، عن علي ( وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا )

__________________

(١) نعم في موثقة سماعة قال سألته عن المفقود فقال إن علمت أنه فهي ارضٍ في منتظرة له ابداً حتىٰ يأتيها موته او يأتيها طلاق ( الوسائل ج ٢٠ ص ٥٠٦ حديث ٢٦٢١٤ ) ولكن موردها خصوص المفقود الذي يعلم حياته ولا مانع من العمل بها في موردها وجعلها مخصصة لتلكم الروايات والحكم بلزوم الصبر على المرأة وإن لم يكن للمفقود مالٌ ينفق عليها منه ولا ولي ينفق عليها من مال نفسه.

(٢) لاحظ الجواهر ط الحديث ٣٢ ص ٢٩٠.

(٣) ملحقات العروة ص ٢٧٠.

(٤) ج ٩ ص ١٣٥.

٣٠٨

وغرضه بالمسند عنه ما ذكره من انه قد روى الجوزجاني وغيره باسنادهم عن علي في امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ، وتعتد بعد ذلك أربعة اشهر وعشراً فان جاء زوجها المفقود بعد ذلك خيِّر بين الصداق وبين امراته.

وقال الزيلعي(١) : ( قلت رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق : اخبرنا محمّد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة : ان علياً قال في امرأة المفقود : هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق انتهى. اخبرنا معمر عن ابن ابي ليلى عن الحكم : ان علياً قال مثل ما سبق. اخبرنا ابن جريح قال : بلغني ان ابن مسعود وافق علياً على انها تنتظره أبداً. انتهى.

ونقل المحدث النوري في المستدرك(٢) عن ابن شهرآشوب في المناقب ( وروي أن الصحابة اختلفوا في امرأة المفقود فذكروا ان علياًعليه‌السلام حكم بانها لا تتزوج حتى يجيء موته وقال : هي امراة ابتليت فلتصبر. وقال عمر : تتربص اربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص اربعة أشهر وعشراً. ثم رجع إلى قول علي ).

وعلى اي حال فلا حجية للنبوي ولا للعلوي.

فظهر أن الصحيح هو الاعتماد على ما يدل على ان الحاكم يفرق بينهما ، والظاهر أنّه على نحو الطلاق ، ولا فرق بين كونه موسراً أو معسراً ، خلافاً لصاحب الحدائق حيث فصل بينهما فحمل هذه الروايات على الموسر ووافقه بعض المتأخرين.

__________________

(١) نصب الراية ج ٣ ص ٤٧٣.

(٢) المستدرك للنوري ١٥ : ٣٣٧ / ١٨٤٣٠.

٣٠٩

التنبيه السادس : في تعارض الضررين :

ولذلك صور عديدة تعرض لها بعض الاصوليين في المقام ونحن نتعرض لتحقيقها تبعاً رغم عدم ارتباط بعضها بهذه القاعدة ، وهي ترجع إلى صور أصلية ثلاث :

الصورة الأُولى : ما اذا دار أمر شخص بين ضررين بالنسبة اليه بحيث لا بُدّ له من الوقوع في احدهما ، ومنشأ حدوث هذه الحالة أحد عوامل ثلاثة لانه اما ان يكون بفعل نفس المتضرر او بعامل طبيعي أو بفعل شخص آخر والفروض الثلالة تختلف بعض الشيء في حكم المسألة ـ على ما سيتضح خلال تحقيقها ـ ويتصورجميعها فيما اذا وقع شخص من السطح ودار امره بين ان يقع على أحد شيئين يستوجب تلفه ، أو ادخل شخص راس بعيره في قدر ثم تعذر اخراجه الا بتلف احدهما.

ولهذه الصور كما ذكر فروع ثلاثة :

الفرع الأَوّل : ان يدور الامر بين ضررين مباحين.

والحكم التكليفي في هذه الحالة واضح اذ المفروض اباحة ارتكاب كل من الضررين تكليفاً فيبقى كل منهما على اباحته بلا اشكال فنتيجة ذلك تخيّر المكلف عقلاً في ارتكاب ايهما شاء.

واما الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ فلا معنى لتحقّقه فيما كان العامل في هذا الاضطرار نفس المكلف أو جهة طبيعية واما اذا كان العامل شخصاً آخر فاذا كان الضرران متساويين ، او كانا مختلفين ولكن ارتكب المضطر اخفهما فانه لا اشكال في ضمان الغير لما ارتكبه المضطر بخصوصه لأَن وقوعه في ذلك يستند إلى الغير ، وموضوع الضمان اعم من تحقيق الضرر مباشرة أو تسبيباً.

واما اذا كان الضرران مختلفين وارتكب المضطر أشدّهما فها هنا وجوه :

٣١٠

الأَوّل : ان يضمن الضرر الأَشد نظراً إلى ان الغير قد سبب إلى الضرر ـ حسب الفرض ـ والضرر الواقع انما هو الضرر الأَشد دون الأَخف ليكون ضامناً له ، فيكون ضامناً له لما وقع لا محالة.

الثاني : ان يضمن الجامع بين الضررين ؛ نظراً إلى انّ الغير انما سبب إلى وقوع المضطر في احدهما ، وانما كان وقوعه في الأَشد باختيار منه لا بتسبيب من الغير فيكون ضامناً ايّاه.

الثالث : ان يقال انه اذا كان المضطر عالماً بأشدية أحد الضررين من الآخر ، أو احتمله احتمالاً معتداً به عقلاءً فانه لا يضمنه الغير أصلاً ، واما اذا كان جاهلاً بأشدية احد الضررين أو احتمله احتمالاً ضعيفاً لا يجب الاعتناء به عقلاءً ، فان حكمه حكم صورة التساوي ويكون الغير ضامناً لما ارتكبه المضطر منهما.

وهذا الوجه هو الصحيح وذلك لان ما سبب اليه الغير أوّلاً وبالذات انما هو أحد الضررين ، ولكن هذا العنوان الانتزاعي انما ينطبق عقلاءً على خصوص الأَخف فيما اذا كان المضطر عالماً باشدية احد الضررين ، أو محتملاً لها احتمالاً معتداً به ، فلا يكون ارتكاب الأَشد مستنداً إلى تسبيب الغير في هذه الحالة لكي يكون ضامناً له ، وهذا بخلاف ما اذا كان جاهلاً بها أو محتملاً لها احتمالاً ضعيفاً فان العنوان الانتزاتي في هذه الحالة ينطبق على ما ارتكبه المضطر منهما كما في حالة تساوي المحتملين ـ فيكون ضامناً لذلك.

وتوضيح هذا المعنى بحاجة إلى الرجوع إلى كيفية تطبيق الحكم بالضمان في مورد التسبيب إلى احد الضررين ، لكي يتضح تخريج هذا الوجه في ضوء ذلك فنقول : ان التسبيب إلى أحد الضررين لا يستوجب الضمان بهذا العنوان لان عنوان الأحد عنوان انتزاعي جامع بين الضررين ،

٣١١

والحكم بالضمان في كل ضرر انما يقتضي ثبوت الضمان بالنسبة إلى كل ضررٍ ضررٍ معيناً ـ لا الاصل الجامع بين ضررين أو اكثر ـ لأَن العام ينحل بحسب الافراد المعينة دون المنتزعة ، ولا سبيل إلى الالتزام بثبوت الضمان بالنسبة إلى كلا الضررين كما هو واضح ، ولا بالنسبة إلى واحد منهما معيناً لأن نسبة الأَحد اليهما على حدّ سواء ، فتعيين واحد منهما ترجيح من غير مرجّح ، وعلى ضوء هذا : يعرض الابهام في كيفية تطبيق الحكم بالضمان على ذلك.

وكلما طرأ الابهام في متعلق الحكم أو موضوعه من ناحية التطبيق ، فانه تدعو الحاجة إلى خطاب متمم يطبق الماهية على شيء معين ليرتفع الابهام بذلك ، ونحن نعبر عن هذا الخطاب ب‍ ( متمم الجعل التطبيقي ) تمييزاً له عن سائر انحاء متمم الجعل. وانما يعرض الابهام في مرحلة الجعل في أحد موردين :

المورد الأَوّل : الماهيات الاعتبارية بنحو عام كالصلاة والحج والزكاة ـ على المختار فيها ـ وذلك لان المعنى الاعتباري لا ينطبق على شيء خاصّ قهراً ، بل لا بُدّ في تطبيقه من توسط اعتبار آخر ، مثلاً مجرد وجود السلام والتحية في عرف اجتماعي لا يعين عملاً خاصاً ينطبق عليه قهراً ، وهكذا وجود ( الدينار ) في القانون المالي لدولة لا يعين نقداً خاصاً يتعين انطباقه عليه كما هو واضح ، بل ذلك منوط بتطبيق الماهية الاعتبارية ممّن بيده الامر ، وذلك قد يختلف من دين إلى دين أو من مجتمع إلى مجتمع ، أو من دولة إلى دولة وهكذا على ما هو ملحوظ في هذه الأَمثلة.

المورد الثاني : ان تكون هناك خطابات متعددة ( بالذات أو بالانحلال من خطاب واحد ) وفعلية كل واحد أو تنجزه مشروط بشرط ـ مشترك بينها ـ

٣١٢

بالنسبة إلى موضوعها ، ففي هذه الحالة تعرض الحاجة إلى متمم الجعل مع توفر شرطين :

احدهما : ان يتحقق المعنى المجعول شرطاً بالنسبة إلى احد الموضوعات لا بالنسبة إلى كل واحد منها لكي يصير الحكم بالنسبة اليها فعلياً أو منجزاً قهراً.

الثاني : ان لا يمكن الالتزام بعدم فعلية شيء من الحكمين أو تنجزه للعلم بتحقق ملاك الحكم بالنسبة إلى احد الموضوعين.

لكن كيف يمكن صيرورة احد الحكمين فعلياً أو منجزاً ـ ابتداءً ـ لان كلاً منهما مشروط بتحقق الشرط بالنسبة إلى خصوص متعلقه ولم يتحقق ذلك بالنسبة إلى شيء منهما ، فلا يكون شيء منهما فعلياً أو منجزاً في هذه الحالة دون عناية زائدة.

وحل ذلك : ان ينشأ هنا خطاب آخر يطبق الأَحد الانتزاعي على واحد بخصوصه. وحينئذ ينحلّ الاشكال ويصير الحكم الذي طبّق الأَحد على موضوعه أو موضوع تنجزه فعلياً أومنجزاً قهراً.

وكيفية تطبيق ذلك وضابطه انه متى كان الطرفان متساويين يطبّق الأَحد على كل منهما بشرط عدم تحقّق الآخر واذا كانا مختلفين فيطبق الأَحد على ذي المزية ـ على اختلاف بين الموارد بحسب تناسباتها لها ـ.

ولهذا المورد تطبيقات كثيرة متعددة خلال المباحث الاصولية والفقهية.

منها : في مورد قاعدة الاضطرار وهي ما ورد في الحديث ( وكل شيء ، اضطر اليه ابن ادم فقد احله الله ) فاذا فرضنا اضطرار المكلف بالنسبة إلىٰ أحد محرمين لم يوثر الاضطرار ابتداءً في حلية شيء منهما ، إذ خطاب الحلية إلى كل محرم محرم فان الجامع بين محرمين ليس بمحرم ، لكن حيث لا

٣١٣

يمكن الالتزام بعدم تأثير الاضطرار في رفع الحرمة لحجة انه قد تعلق بالأَحد الجامع ، وهو ليس بمحرم ـ لكي يصير حلالاً ، ولم يتعلق بشيء من الطرفين فتبقى حرمة كل منهما على حالها فلا بُدّ من تعيين المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي ليتأتى رفع حرمته بمعونة قاعدة الاضطرار وبموجب هذا المتمم يكون المضطر اليه في مورد التساوي احتمالاً ومحتملاً ما ارتكبه المضطر بشرط عدم سبق ارتكاب الآخر او مقارنته اياه.

وفي مورد التفاوت يكون المضطر اليه هو الأَخف محتملاً والأَضعف احتمالاً ، وعلى هذا لا يجوز اتكاب الأَشد أو الاقوى بحجة الاضطرار إلى احدهما ـ كما يظهر من كلمات الاصوليين في تنبيهات بحث الاشتغال في الكلام على الاضطرار إلى بعض غير معين من اطراف العلم الاجمالي ـ لان الأَشد ليس بمضطر اليه كما هو واضح عقلاءً وانما مثل ارتكاب الأَشد في هذه الحالة كارتكاب الحرام فيما اضطر إلى أحد شيئين احدهما محرم والآخر مكروه.

ومنها : في باب تزاحم الخطابين من جهة قصور القدرة عن الجمع بين امتثالهما بناء على أخذ القدرة الثابتة في موضوع الحكم في مرحلة الانشاء ، فانه حيث لا تتوفر هذه القدرة بالنسبة إلى كل من المتعلقين ، فلا يمكن الحكم بعدم توجه شيء من الخطابين ـ أيضاً ـ للزوم فوت الملاكين المعلومين باطلاق المادة أو بجهة اخرى بعد كون القدرة عقلية لا شرعية دخيلة في الملاك ، فلا بُدّ من اعتبار هذه القدرة لواحد منهما معيناً ليصير احد الحكمين فعلياً ، فاذا كانا متساويين اعتبرت القدرة لكل منهما بشرط عدم الاتيان بالآخر. واذا كانا مختلفين اعتبرت القدرة قدرة على الاهم وعلى المهم أيضاً على تقدير ترك الأَهم.

وبناء على المختار ـ في هذا الباب ـ من أخذ القدرة التامة في موضوع

٣١٤

الحكم الجزائي في مرحلة تنجز الخطاب ، ففي مورد المتساويين يحكم بكون الموضوع للحكم الجزائي هو احد الأَمرين فيكون العقاب عليه أيضاً لعدم موافقة العقلاء على تعدّد العقوبة ولا حاجة إلى اعتبار القدرة لكل واحد منهما مشروطا ، واما في المختلفين فتعتبر القدرة قدرة على الأَهم ، وعلى المهم على تقدير ترك الأَهم.

ومنها : غير ذلك مما ذكرناه في محله ـ ولا يناسب ذكره في المقام ـ.

ومما يندرج تحت هذا المورد الثاني : مقامنا هذا حيث ان التسبيب انما هو إلى احد الضررين بينما الحكم بالضمان منصب على التسبيب إلى كل ضرر من الاضرار معيناً.

فكيفية تخريج الحكم بالضمان على ضوء ما ذكرنا ان يعين الأَحد بمتمم الجعل التطبيقي ، فاذا كان الضرران متساويين احتمالاً ومحتملاً ـ او ما هو في حكم التساوي كما لو كان التفاوت في مستوى من القلة والضعف لا يعتنى به عقلاءً ـ فينطبق الاحد المسبّب اليه على ما ارتكبه المضطر منهما اياً كان ويكون المسبّب ضامناً له. واما اذا كانا مختلفين اختلافاً معتداً به اما احتمالاً أومحتملاً مع علم المضطر بذلك او ما في حكمه فان الاحد حينئذٍ ينطبق على الاخف والاضعف فيكون هو الذي سبب اليه الغير فان ارتكبه المضطر ضمنه الغير واذا ارتكب الأَشد فان ارتكابه اياه لا يستند إلى تسبيب الغير عقلاءً فلا يوجب ضماناً عليه.

وبما ذكرنا يظهر النظر في الوجه الأَوّل والثاني.

اما الأَوّل : فلأَن الغير وان كان قد سبب إلى الضرر وكان الضرر الواقع هو الأَشد ، الا ان الضرر الذي سبب اليه الغير ليس هو الأشد لينتج ضمانه اياه ، وانما هو أحد الأَمرين المنطبق بمعونة متمم الجعل التطبيقي على الأَخف ، فلا يكون الأشد مستنداً إلى الغير أصلاً ، بل ما سبب اليه الغير لم

٣١٥

يقع خارجاً ، وذلك نظير ما لو اضطر المكلّف إلى ارتكاب احد محرمين كشرب النجس والخمر ، وكان احدهما اشدّ ـ كالخمر في المثال ـ فارتكب الاشد حيث لا ترتفع عقوبته عنه لعدم كونه مضطراً اليه عقلاءً وإن كان مضطراً إلى احد الامرين وهذا واضح.

واما الثاني : فلأَنّ احد الأمرين وان كان قد سبب اليه الغير ، الا ان الضمان لا يتعلق به كما عرفت وانما يتعلق بالضرر المعيّن ، فلا بُدّ من تطبيقه على معين بمتمم الجعل لكي يتحقق موضوع الحكم بالضمان في إثر ذلك.

الفرع الثاني : ان يدور الامر بين ضرر مباح وآخر محرم.

وفي هذه الحالة يكون الحكم التكليفي بعد عروض الاضطرار إلى ارتكاب احد الضررين نفس الحكم المفروض قبل عروض ذلك ـ كما في الفرع الأَوّل ـ فما كان مباحاً أولاً يكون مباحاً كذلك بعد الاضطرار ، كما أن ما كان محرماً يبقى على حرمته بعد ذلك. ولا ترتفع الحرمة أو تنجزها بالاضطرار فان الاضطرار انما يؤثّر في احدى حالتين :

الأُولى : ان يتعلق بامر محرم.

الثانية : ان يتعلق بأحد امرين وينطبق علىٰ المحرم بمتمم الجعل التطبيقي.

والمقام ليس من قبيل الحالة الأولى لان احد الأَمرين ـ حتى فيما كان الامران جميعاً محرمين ـ ليس بمحرم فضلاً عما اذا كان احدهما حلالاً والآخر حراماً ، ولا من قبيل الحالة الثانية ؛ لان الاضطرار وان تعلق بأحد الامرين الا انه لا ينطبق على الحرام الذي يكون طرفه حراماً اخف من الأَوّل حرمة ـ كما اتضح مما ذكرناه في الفرع الأَوّل ـ فضلاً عما اذا كان طرفه مباحاً كما في المقام ، فالمضطر اليه هنا بمقتضى متمم الجعل انما هو خصوص المباح ، ولا مبرر لارتكاب الحرام في ذلك.

٣١٦

واما الحكم الوضعي : فهو واضح فانه اذا كان الغير هو السبب للوقوع في الضرر وارتكب المضطر الضرر المباح كان الغير ضامناً له لانه المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي واما اذا ارتكب المضطر الضرر المحرم فلا يكون ضامناً له لانه لم يسبب اليه الغير.

الفرع الثالث : ان يدور الأَمر بين ضررين محرمين.

وحينئذٍ يكون المضطر اليه في حالة التساوي ونحوه كل منهما بشرط عدم ارتكاب الآخر سابقاً أو مقارناً ، وفي حالة التفاوت ما كان اخف محتملاً واضعف احتمالاً ، وذلك بمؤونة متمم الجعل التطبيقي على ما سبق شرحه في الفرع الأَوّل.

وعليه فبالنسبة إلى الحكم التكليفي ترتفع الحرمة عن المضطر اليه ـ بناء على ان مقتضى قاعدة الاضطرار رفع حرمة المضطر اليه ـ واما ان قلنا بان مفادها رفع تنجزها على ما قربناه في محله فتبقى الحرمة ولكن لا يُستحق العقاب بمخالفتها إلا اذا كان الاضطرار بسوء الاختيار.

واما بالنسبة إلى الحكم الوضعي : فاذا كان الضرر بتسبيب الغير فينطبق احد الأَمرين ( المسبّب اليه ) على المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي فيكون الغير ضامناً له لو ارتكبه المضطر ، واما لو ارتكب غيره كان يرتكب ما هو أقوى محتملاً فلا يكون الغير ضامناً لعدم تسبيبه اليه عقلاءً كما عرفت توضيحه.

الصورة الثانية : ان يدور امر الضررين بشخصين عكس الصورة الأولى ، ومثاله المعروف ما اذا دخل رأس دابّة شخص في قدر شخص آخر ولم يمكن تخليصها منه الا بكسر القدر او ذبح الدابة.

ويخرج عن محل البحث ما اذا كان مال الغير نفساً محترمة كالعبد المسلم أو ما بحكمه فان الضرر حينئذٍ يكون دائراً بين اشخاص ويتعين فيه

٣١٧

اتلاف المال الآخرتحفظاً على نفس العبد.

و لهذه الصورة أيضاً فروع ثلاثة :

الفرع الأَوّل : ما اذا كان ذلك بفعل احد المالكين.

وقد ذكر السيد الأَستاذ (قده) ان الحكم فيه وجوب اتلاف ماله وتخليص مال الآخر مقدمة لرده على مالكه لقاعدة اليد ولا يجوز اتلاف مال الغير ودفع مثله او قيمته إلى مالكه ، لانه متى امكن ردّ العين وجب ردّها ولا تصل النوبة إلى المثل أو القيمة والانتقال إلى المثل والقيمة انما هو بعد تعذّر العين(١) .

والتحقيق أن يقال : انه اما ان يأذن له مالك المال الآخر بايقاع الضرر المادي علىٰ ماله ولو بشرط الضمان أو لا يأذن له في ذلك.

فعلى الأَوّل : يلحق هذا الفرع من ناحية الحكم التكليفي بالصورة. الأُولى وهو ما اذا كان الضرر يدور بين مالين لشخص واحد ، فلا بُدّ من ملاحظة ان اتلاف كل من المالين هل هو في نفسه عمل مباح فيتخير ، أو ان اتلاف احدهما مباح والاخر محرم ولو من جهة صدق الاسراف ونحوه ، فيتعين اختيار المباح ، أو ان اتلاف كل منهما محرم فيجوز ارتكاب المضطر اليه منهما وهو في المتساويين ما اختاره المضطر ، وفي المختلفين ما كان اخف محتملاً واضعف احتمالاً كما سبق بيانه ؟

وعلى الثاني حيث لا يأذن مالك المال الآخر بايقاع الضرر على ماله ويطالب بدفع النقيصة الحاصلة من الحالة الطارئة على ماله بسبب محل الآخر.

فان كان ايقاع الضرر على مال نفسه مباحاً فلا بُدّ من ايقاع الضرر

__________________

(١) لاحظ مصباح الأصول ٢ : ٥٦٣.

٣١٨

عليه دون مال الغير وذلك لا من جهة قاعدة اليد فانه ربما لا يكون تحت يده ، بل مقدمة لدفع العيب الطارئ على مال الآخر ، ولا يجوز ايقاع الضرر الذي يتوقّف عليه التخليص بمال الغير لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه.

واما ان كان ايقاع الضرر على مال نفسه محرماً فيندرج في باب تزاحم الحكمين ويلحقه احكام هذا الباب.

الفرع الثاني : ان يكون بفعل شخص ثالث غير المالكين.

وقد ذكر السيد الاستاذ (قده) ان في مثله يتخير في اتلاف مال أيهما شاء ويضمن مثله أو قيمته لمالكه اذ بعد تعذر إيصال كلا المالين لمالكهما فعليه ايصال احدهما بخصوصه ، والآخر بماليته من المثل أو القيمة ، لعدم امكان التحفظ على كلتا الخصوصيتين. الا اذا كان التصرف في احدهما اكثر عدواناً في نظر العرف فيجب عليه اتلاف الآخر(١) .

لكن الظاهر انه لا وجه للحكم بجواز ايقاع الضرر في احد المالين مخيراً في ذلك مطلقاً بحسب الوظيفة العملية ولو بحكم العقل ، بل عليه استئذان كل من المالكين في التصرف في ماله.

فان اذن له في ذلك احدهما دون الآخر فيتعين ايقاع الضرر على ماله وان كانت اباحته مشروطة باعطاء قيمته أو مثله أو الأَرش فلا بُدّ من بذله له.

وان اذن له كل منهما فلا مانع له من هذه الجهة في ايقاع الضرر على أيّهما شاء.

واما ان لم يأذن له كل منهما وطالبه برفع الحالة الطارئة الموجبة لنقص ماله ، فلا محالة يقع النزاع بينهما وبين هذا الأَجنبي فيرجع في حلّ النزاع إلى الحاكم الشرعي ، والظاهر انه ليس له الامر بايقاع الضرر على مال

__________________

(١) لاحظ الدراسات : ٣٤٦. ومثله في مصباح الأصول ٢ : ٥٦٣ لكن لم يذكر فيه قوله ( إلاّ اذا كان ).

٣١٩

احدهما بلا مرجح ، بل يرجع إلى القرعة لانها مرجح عقلائي حيث لا مرجح عند تزاحم الحقوق والرغبات كما في المقام اذ المفروض ان كلا منهما يرغب في ارجاع نفس ماله اليه على ما كانت عليه من الحالة الأَولية وقد اوضحنا ذلك في رسالة القرعة.

واما القول بثبوت الاختيار للجاني في ايقاع الضرر على مال كل منهما اراد وضمانه ، فليس له وجه يعتمد عليه وربما يكون له غرض خاص في اتلاف مال احد المالكين كما اذا كانت البقرة في المثال حلوباً وتعلق غرض شخصي منه بذبحها.

الفرع الثالث : ان يكون الحالة الطارئة لعامل طبيعي كالزلزلة ونحوها.

وفي هذه الحالة : ( تارة ) لا يريد احدهما تخليص ماله كما لو قال صاحب القدر اني لا احتاج إلى القدر فعلاً ولكن الآخر أراد تخليص ماله ـ وهو البقرة ـ وحينئذٍ فللأَول ان يأذن للثاني في اتلاف ماله مع الضمان فيستقر الضمان عليه ، ولو لم يأذن له في ذلك فلا يبعد ان يجوزتكليفاً لمن يريد تخليص ماله ان يوقع الضرر في مال الآخر مع بذل الغرامة له.

واخرى : يريد كل منهما تخليص ماله عن هذه الحالة الطارئة. وحينئذٍ اذا تراضى الطرفان في طريق رفعها بايقاع الضرر على احد المالين مع بذل غرامته ـ ولو على وجه القرعة ـ فالصلح خير ، وان لم يتراضيا بذلك فيحصل بينهما تخاصم لا بد لرفعه من الرجوع إلى الحاكم. وللحاكم بماله من السلطنة والولاية ان يرفع الخصومة بينهما بايقاع الضرر على أحد المالين ، لكن في ايقاعه على واحد معين منهما لا بُدّ من مرجح طبيعي أو جعلي :

والأَوّل : فيما اذا كان ايقاع الضرر على أحد المالين أقل ـ من حيث زوال المالية أو تنقيصها من ايقاعه على الآخر ـ فيتعين عليه في هذه الحالة اختيار أخف الضررين تقليلاً للخسارة التي يتحملها المتخاصمان ـ على ما

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360