• البداية
  • السابق
  • 117 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20578 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
الدعاء  حقيقة - آدابه - آثارة

الدعاء حقيقة - آدابه - آثارة

مؤلف:
العربية

قال الإمام الرضاعليه‌السلام لأصحابه : «عليكم بسلاح الأنبياء ، فقيل : وما سلاح الأنبياء؟ قالعليه‌السلام :الدعاء »(1) .

وفي الكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة أمثلة كثيرة لآثار الدعاء في ردّ كيد الأعداء والانتصار عليهم.

قال تعالى : «ونُوحا إذ نادى مِن قَبلُ فاستَجَبنا لَهُ فَنَجّيناهُ وأهلَهُ مِنَ الكَربِ العظيم * ونَصرناهُ مِنَ القومِ الذين كذَّبوا بآياتِنا إنّهُم كانوا قومَ سُوءٍ فأغرقناهُم أجمعين »(2) .

ولما اشتدّ الفزع بأصحاب طالوت لكثرة العدد والعدة في صفّ جالوت وجنوده ، دعوا اللّه متضرعين ، قال تعالى : «وَلما بَرزوا لجالُوتَ وجُنُودِهِ قَالُوا ربَّنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وأنصُرنا على القومِ الكافرين * فهَزَمَوهُم بإذنِ اللّه »(3) .

وفي بدر حيث التقى الجمعان ، دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه واستنصره متضرعا إليه حتى سقط رداؤه(4) ، فأنجز له اللّه تعالى ما وعده ، وأمدّه بألف من الملائكة مردفين ، ولاحت بشائر الانتصار ، قال تعالى : «إذ تستَغيثُونَ ربَّكُم فاستجابَ لكُم أني مُمدُّكُم بألفٍ من الملائكة مُردفينَ »(5) .

وعندما دخل الإمام الصادقعليه‌السلام على المنصور العباسي ، الذي توعّده

__________________

(1) الكافي 2 : 340 / 5.

(2) سورة الانبياء : 21 / 76 ـ 77.

(3) سورة البقرة : 2 / 250 ـ 251.

(4) راجع دلائل النبوة / البيهقي 3 : 50 ـ 51.

(5) سورة الانفال : 8 / 9.

١٠١

بالقتل ، دعا الإمامعليه‌السلام ربّه متوسلاً إليه للخلاص من الشرِّ والعدوان ، قالعليه‌السلام : «يا عدتي عند شدتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام »(1) .

ولمّا عزم موسى الهادي بن المهدي العباسي على قتل الإمام الكاظمعليه‌السلام بعد مقتل الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخرضي‌الله‌عنه ، دعا الإمام الكاظمعليه‌السلام ربّه للخلاص من شرّه وظلمه ، فمات الهادي بعد الدعاء بأيام(2) .

ولمّا تمادى المتوكل بالظلم والعدوان ، دعا عليه الإمام الهاديعليه‌السلام ، فقتل المتوكل بعد ثلاثة أيام على يد ابنه المنتصر وبغا ووصيف وجمع من الأتراك(3) .

6 ـ الدعاء تلقين لاُصول العقيدة :

إذا تأملنا الأدعية المأثورة عن أهل البيتعليهم‌السلام نجد أنّها تمثّل مدرسة لتعليم العقيدة الإسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها ، حيث يستحضر الداعي في وعيه توحيد الخالق وصفاته ومشيئته وارادته وعلمه وقضاءه وقدره ، ويتحدث عنها بطريقة ايحائية تحرك الأصل الأول من أصول العقيدة في الروح ، وتعمّق إحساسها بخالقها جلَّ وعلا في حالةٍ من التقاء الفكر والشعور ، تحقق وضوح الرؤية وحصول اليقين ، حينما يجد المؤمن ربه قريبا فيناجيه ، ومحيطا به فيدعوه ، ويجد نفسه محتاجا فيعطيه.

__________________

(1) عدة الداعي : 62.

(2) راجع الدعاء في مهج الدعوات : 319. وأمالي الطوسي 2 : 35.

(3) راجع الدعاء في مهج الدعوات : 265.

١٠٢

ومن الأدعية التي تتضمن الأصل الأول من أصول العقيدة الإسلامية ، دعا الإمام السجادعليه‌السلام في الصحيفة السجادية ، قالعليه‌السلام : «الحمدُ للّه الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين »(1) .

والنبوة من مفردات المضمون العقيدي التي يجدها الإنسان ظاهرة في الدعاء ، حيث الحديث عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسؤوليته إزاء الرسالة ، بشكل يعمّق علاقة الداعي الروحية بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعزز فهمه لأبعاد شخصيته ومكارم أخلاقه وإخلاصه للّه ، ودوره في تبليغ الرسالة وتجسيد معانيها ، ووصيّته بالإمامة لمن بعده ، باعتبارها الامتداد الطبيعي للنبوة ، وبيان مهمتها في اقامة مبادى ء الدين والكتاب الكريم والحفاظ على السُنّة المباركة ، وبيان صفات الإمام ومكارم أخلاقه وفضائله ودلائله.

وكان من دعاء الإمام الكاظمعليه‌السلام المعروف بدعاء الاعتقاد : «اللهمّ إنّي أقرُّ وأشهدُ ، واعترفُ ولا أجحدُ ، وأُسرُّ وأُظهرُ ، وأعلنُ وأبطنُ ، بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، ووارث علم النبيين إمامي ومحجّتي ، ومن لا أثق بالأعمال وإن زكت ، ولا أراها منجيةً لي وان صلحت إلاّ بولايته والائتمام به والاقرار بفضائله ..

اللهمّ وأقرُّ بأوصيائه من أبنائه أئمةً وحججا وأدّلةً وسُرجا ، وأعلاما ومنارا ، وسادة وأبرار ...

اللهمّ فادعني يوم حشري وحين نشري بإمامتهم ، واحشرني في

__________________

(1) الصحيفة السجادية : الدعاء رقم (1) في التحميد للّه عزَّ وجلّ والثناء عليه.

١٠٣

زمرتهم ، واكتبني في أصحابهم ، واجعلني من إخوانهم ، وانقذني بهم يا مولاي من حرِّ النيران ... »(1) .

وأكثر ما يلاحظ الداعي في التراث العريق لأهل البيتعليهم‌السلام هو التذكير باليوم الآخر ، واستحضار الموقف بين يدي اللّه تعالى عندما يقوم الناس لربِّ العالمين ، حيث شمول الحساب ودقته لكلِّ ما قام به الإنسان في حياته مع التذكير بالجنة ونعيمها الخالد الذي أعده اللّه تعالى للمؤمنين المتقين ، وبالنار وعقابها المقيم الذي أعده اللّه للكافرين المتمردين.

وجميع أدعيتهمعليهم‌السلام تلهج بنغمة توحي بالخوف من عقاب اللّه تعالى والرجاء في ثوابه ، وأغلبها تصلح شواهد على ذلك ، وقد جاءت بأساليب بليغة تبعث في قلب المتدبر الرعب والفزع من الاقدام على المعصية.

7 ـ الدعاء يردُّ القضاء ويدفع البلاء :

الدعاء من أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ويكشف بها السوء والضرُّ والكرب العظيم ، قال تعالى : «أمّن يُجِيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السُّوءِ »(2) .

وقال تعالى : «وأيوبَ إذ نادى ربَّهُ أني مَسَّني الضُرُّ وأنتَ أرحمُ الرَّاحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍّ »(3) .

__________________

(1) مهج الدعوات : 233.

(2) سورة النمل : 27 / 62.

(3) سورة الانبياء : 21 / 83 ـ 84.

١٠٤

وقال تعالى : «ونُوحا إذ نادى من قبلُ فاستجبنا لهُ فنجّيناهُ وأهلَهُ من الكربِ العظيم »(1) .

فبالدعاء يرد القضاء ويصرف البلاء المقدّر ، وبذلك وردت الأحاديث عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادفعوا أبواب البلاء بالدعاء »(2) .

وروى زرارة عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال : قال لي : «ألا أدلّك على شيءٍ لم يستثنِ فيه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قلتُ : بلى ، قال :الدعاء يردُّ القضاء وقد أبرم إبراما » وضمّ أصابعه(3) .

وروى ميسر بن عبدالعزيز ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : قال لي : «يا ميسر ، ادعُ ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه ، إنّ عند اللّه عزَّ وجلّ منزلة لا تنال إلاّ بمسألة »(4) .

وعنهعليه‌السلام ، قال : «إنّ الدعاء يردُّ القضاء ، ينقضه كما ينقض السلك وقد أُبرم إبراما »(5) .

وقال الإمام أبو الحسن موسى الكاظمعليه‌السلام : «عليكم بالدعاء ، فإنّ الدعاء للّه والطلب إلى اللّه يردُّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبقَ إلاّ إمضاؤه ، فإذا

__________________

(1) سورة الانبياء : 21 / 76.

(2) قرب الاسناد : 55.

(3) الكافي 2 : 341 / 6.

(4) الكافي 2 : 338 / 3.

(5) الكافي 2 : 340 / 1. وسائل الشيعة 7 : 36 / 4.

١٠٥

دعي اللّه عزَّ وجلّ وسُئل صرف البلاء صَرَفه »(1) .

وأحاديث هذا الباب كثيرة ، نكتفي بهذا القدر للدلالة على صحة دفع الضرر ورد القضاء والبلاء بالدعاء والتضرّع والاقبال إلى الغفور الرحيم بقلب يملؤه الاخلاص ويعمره الإيمان.

وإلى هذا الحد تنتهي الآثار المترتبة على الدعاء والابتهال إلى اللّه تعالى في دار الدنيا ، وللدعاء مضامين كثيرة تترتب عليها آثار أُخرى لا يمكن الاحاطة بها في هذه الرسالة ، ويمكن مراجعتها في كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسيرضي‌الله‌عنه .

وفيما يلي نتعرض للردّ على الشبهة القائلة بمنافاة الدعاء مع الاعتقاد بالقضاء والقدر.

الدعاء والقضاء والقدر :

هناك تساؤلات كثيرة حول منافاة الدعاء مع الاعتقاد بالقضاء والقدر ، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو قول اليهود المعبّر عنه في قوله تعالى : «وقالتِ اليهودُ يَدُ اللّه مغلُولةٌ غُلَّت أيديهم ولُعنُوا بما قالُوا بل يداهُ مبسوطَتانِ يُنفقُ كيفَ يشاءُ »(2) .

قال اليهود : (إنّ اللّه لما خلق الأشياء وقدّر التقادير ، تمّ الأمر وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتّمه من القضاء ، فلا نسخ ولا استجابة

__________________

(1) الكافي 2 : 341 / 8. وسائل الشيعة 7 : 36 / 1.

(2) سورة المائدة : 5 / 64.

١٠٦

لدعاء ؛ لأنّ الأمر مفروغ منه )(1) .

وقد تسرّب هذا الاعتقاد في جملة ما تسرب من معتقدات اليهود والاسرائيليات إلى التراث الإسلامي العريق الذي ينبذ بوضوحه وإشراقه كل وافدٍ غريب لا يمتُ إلى الدين القويم وشرعة الإسلام الحنيف بصلة.

وكان من جملة الإثارات حول هذا الموضوع ، أن قالوا : (إنّ المطلوب بالدعاء إن كان معلوم الوقوع عند اللّه تعالى ، كان واجب الوقوع ، فلا حاجة إلى الدعاء ، وإن كان غير معلوم الوقوع ، كان ممتنع الوقوع ، فلا حاجة أيضا إلى الدعاء)(2) .

وقالوا : (المدعو إن كان قدرا ، لم يكن بدّ من وقوعه ، دعا به العبد أو لم يدع ، وإن لم يكن قدرا لم يقع سواء سأله العبد أم لم يسأله )(3) .

ومع وضوح الإجابة عن مثل هذه التساؤلات من خلال محكمات الكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة على ما سيأتي بيانه ، إلاّ أن البعض ظنَّ بصحتها ، فتركوا الدعاء وسائر أعمال البرّ ، لاعتقادهم بأن للإنسان مصيرا واحدا لا يمكن تغييره ولا تبديله ، وأنه ينال ما قُدّر له من الخير أو الشرّ.

ولا شكّ أن ذلك ناشى ء عن فرط جهلهم بظنهم أن الدعاء أمرٌ خارج عن نطاق القضاء والقدر ويعيد عن الحكمة الالهية ، والواقع أن الدعاء واجابته من أجزاء القضاء والقدر ، وأن المقدَّر معلّق بأسباب ، ومن أسبابه الدعاء ، ومتى أتى العبد بالسبب وقع المقدَّر ، وإذا لم يأت بالسبب انتفى

__________________

(1) تفسير الميزان 2 : 32.

(2) تفسير الرازي 5 : 98.

(3) الجواب الكافي : 15.

١٠٧

المقدَّر ، ويعتبر الدعاء من أقوى الأسباب ، وليس شيء من الأسباب أنفع منه ولا أبلغ في حصول المطلوب ، لما ورد في فضله من آيات الكتاب وصحيح الأثر ، فإذا قدّر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء.

وفيما يلي نجيب عن هذه الشبهة بشيءٍ من التفصيل :

علمه تعالى :

قيل : إنّ تغيير مصير الإنسان بالدعاء وغيره من أعمال البر يقتضي التغيير فيما قدّره اللّه تعالى في علمه الأزلي ، وذلك يعني تغيير علمه تعالى ، وهو محال.

نقول : إنّ اللّه تعالى عالم بمصير الأشياء كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها ، وعلمه هذا أزلي قديم لا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل ، قال تعالى : «إنّ اللّه لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ »(1) .

وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : «لم يزل اللّه عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء »(2) .

أم الكتاب ولوح المحو والاثبات :

إنّ لعلمه تعالى مظاهر عبّر عنها في الكتاب الكريم ، منها أُمّ الكتاب ، وهذا المظهر يعبر عن علمه الأزلي المحيط بكلِّ شيء ، والذي هو عين

__________________

(1) سورة آل عمران : 3 / 5.

(2) الكافي 1 : 83 / 4.

١٠٨

ذاته ، لا يتطرق إليه التغيير والتبديل ، قال تعالى : «وإنَّهُ في أُمِّ الكتابِ لدينا لعليٌّ حكيمٌ »(1) ، وفي أمُّ الكتاب التقدير القطعي الذي يشتمل على جميع السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإنسان.

والمظهر الآخر من علمه تعالى هو المعبّر عنه بلوح المحو والاثبات ، وللّه تعالى فيه المشيئة يقدّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء حسب ما تقتضيه حال العباد من حسن الأفعال أو قبحها التي تؤدي بالانسان إلى السعادة أو الشقاء ، قال تعالى : «يمحُو اللّه ما يشاءُ ويُثبتُ وعندَهُ أمُّ الكتابِ »(2) .

قال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «من الاُمور أمور محتومة جائية لا محالة ، ومن الاُمور أمور موقوفة عند اللّه يقدم منها ما يشاء ، ويثبت منها ما يشاء »(3) .

وفي لوح المحو والاثبات يكتب التقدير الأول ، ولكنه يُعلّق بتحقق شرطه أو زوال مانعه ، أي إنّه موقوف على أعمال العباد ، فالدعاء والذكر والصدقة وصلة الأرحام وبر الوالدين واصطناع المعروف ، تحوّل شقاء الإنسان إلى سعادة ، بأن تُنسى ء في أجله وتقيه مصارع الهوان وتدفع عنه ميتة السوء وتزكي أعماله وتنمي أمواله ، وما إلى ذلك من الآثار الكثيرة الحسنة الواردة في الكتاب الكريم والحديث الصحيح.

وعلى العكس من ذلك فان اقتراف الذنوب وارتكاب السيئات كقطيعة الرحم وعقوق الوالدين وسوء الخلق وغيرها تحوّل مصير الإنسان من

__________________

(1) سورة الزخرف : 43 / 4.

(2) سورة الرعد : 13 / 39.

(3) بحار الانوار 4 : 119 / 58.

١٠٩

السعادة إلى الشقاء ، قال تعالى : «إنَّ اللّه لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيّرُوا ما بأنفُسِهِم »(1) .

والتغيير الذي في لوح المحو والاثبات لا يمسّ بكامل علم اللّه تعالى ، فليس هو انتقال من عزيمة إلى عزيمة ، وليس هو حصول للعلم بعد الجهل ، وليس هو معارضا للتقدير الأول ، بل إنّ اللّه تعالى عالم بما يؤول إليه مصير الإنسان في لوح المحو والاثبات ، والظهور بعد الخفاء هو بالنسبة لنا ، لا إلى علمه تعالى المحيط بكلِّ شيء ، وذلك كالنسخ في التشريع الذي لا يختلف عليه أهل العدل.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى : «يمحُو اللّه ما يشاءُ ويُثبتُ وعندهُ أمُّ الكتابِ »(2) : «فكل أمر يريده اللّه فهو في علمه قبل أن يصنعه ، ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ اللّه لا يبدو له من جهل »(3) .

وقالعليه‌السلام : «من زعم أن اللّه عزَّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس ، فأبرؤوا منه »(4) .

ومما تقدم تبين أن الإنسان لم يكن محكوما بمصير واحد مقدور غير قابل للتغير والتبديل ، بل أنّه يستطيع أن يغير مصيره لكي ينال سعادة الدارين بحسن أفعاله وصلاح أعماله ، ومنها الدعاء والتضرع ، وقد صحّ عن عبداللّه بن عباسرضي‌الله‌عنه أنّه قال : «لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن اللّه

__________________

(1) سورة الرعد : 13 / 11.

(2) سورة الرعد : 13 / 39.

(3) بحار الانوار 4 : 121 / 63.

(4) بحار الانوار 4 : 111 / 30.

١١٠

يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر»(1) .

وهذا مما يبعث الرجاء في القلوب المظلمة كي تشرق بنور الإيمان ، ويوقد النور في أفئدة المذنبين ، فلا ييأسوا من روح اللّه ، ويسعوا للخلاص بالدعاء والتضرع والذكر وسائر أعمال البر ، فإنّ اللّه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، وكل يوم هو في شأن ، ويداه مبسوطتان بالرحمة والمغفرة.

والقول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية قول بالجبر الباطل بمحكمات الكتاب والسُنّة والعقل ، وهو يقضي إلى القول بتعطيل جميع الأساب وإلغاء إرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإلى بعث اليأس والقنوط في النفوس ، فيستمر الفاسق في فسقه والظالم في ظلمه والمذنب في ذنبه ، وذلك خلاف مشيئة اللّه وحكمته القاضية بأثر الدعاء في رد البلاء ، والتوبة في طلب المغفرة والرحمة ، وصلة الأرحام في طول الأعمار ، وهكذا إلى آخر أعمال البر وصنائع المعروف.

ثانيا : الآثار الآجلة :

بالدعاء ينال ما عند اللّه تعالى من الرحمة والمغفرة والنجاة من العذاب في الآخرة ، وذلك من أبرز آثار الدعاء والتضرع إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ عطاء الآخرة دائم مقيم لا نفاد له.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «أكثروا من أن تدعوا اللّه ، فإنّ اللّه يحبُّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعده عباده المؤمنين الاستجابة، واللّه مصيّر

__________________

(1) مستدرك الحاكم 2 : 350.

١١١

دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم في الجنة » (1) .

وقالعليه‌السلام : «عليكم بالدعاء ، فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى اللّه والمسألة ، فارغبوا فيما رغبكم اللّه فيه ، وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم لتفلحوا وتنجوا من عذاب اللّه »(2) .

وآخر دعواهم أن الحمدُ للّه ربِّ العالمين

__________________

(1) الكافي 8 : 7 / 1.

(2) الكافي 8 : 4 / 1.

١١٢

فهرس المصادر

1 ـ القرآن الكريم.

2 ـ الاحتجاج / الشيخ أحمد بن علي الطبرسي ـ منشورات المرتضى ـ مشهد 1403 هـ.

3 ـ الإرشاد / الشيخ المفيد ـ مكتبة بصيرتي ـ قم.

4 ـ أساس البلاغة / العلاّمة الزمخشري ـ دفتر تبيغات إسلامي ـ قم.

5 ـ الاعتقادات / العلاّمة المجلسي (ت عام 111 هـ) أصفهان ـ إيران.

6 ـ الأمالي / الشيخ الصدوق ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت 1400 هـ.

7 ـ الأمالي / الشيخ الطوسي ـ مطبعة النعمان ـ النجف الأشرف 1384 هـ.

8 ـ الإنباء بما في كلمات القرآن من أضواء / الشيخ محمد جعفر الكرباسي ـ مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف.

9 ـ بحار الأنوار / العلاّمة المجلسي ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

10 ـ تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

11 ـ تفسير الرازي / منشورات دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ط 3.

12 ـ تفسير العيّاشي / محمد بن مسعود العياشي ـ المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران 1380 هـ.

13 ـ تفسير القمّي / علي بن إبراهيم القمّي ـ مؤسسة دار الكتاب ـ قم 1404 هـ ط3.

14 ـ تفسير الميزان / السيد محمد حسين الطباطبائي ـ إسماعيليان ـ قم.

١١٣

15 ـ تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ط4.

16 ـ التوحيد / الشيخ الصدوق ـ جماعة المدرسين ـ قم.

17 ـ الثقات / ابن حبان ـ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.

18 ـ ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق ـ منشورات الرضي ـ قم 1364 هـ ط 2.

19 ـ الجواب الكافي / ابن قيم الجوزية ـ دار الوفاق ـ بيروت.

20 ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام / الشيخ محمد حسن النجفي ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ـ إيران.

21 ـ الخصال / الشيخ الصدوق ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ جماعة المدرسين ـ قم 1403 هـ.

22 ـ دلائل النبوة / البيهقي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

23 ـ الزهد / الحسين بن سعيد الأهوازي ـ المطبعة العلمية ـ قم 1399 هـ.

24 ـ سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم / السيد محمد حسين الطباطبائي ـ المكتبة الإسلامية ـ 1366ه ش ط 4.

25 ـ شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ دار إحياء الكتب العربية ـ 1378 هـ ط1.

26 ـ الصحاح / الجوهري ـ دار العلم للملايين ـ بيروت 1397ه ط 4.

27 ـ الصحيفة السجادية / الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ـ دار التعاون ـ بيروت.

28 ـ عدّة الداعي / الشيخ أحمد بن فهد الحلّي ـ دار المرتضى ودار الكتاب الإسلامي ـ بيروت.

29 ـ عيون أخبار الرضاعليه‌السلام / الشيخ الصدوق ـ تحقيق السيد مهدي الحسيني ـ إيران.

30 ـ القاموس المحيط / الفيروزآبادي ـ دار الجيل ـ بيروت.

١١٤

31 ـ قرب الإسناد / الشيخ أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

32 ـ الكافي / الشيخ الكليني ـ المكتبة الإسلامية ـ طهران 1388 هـ.

33 ـ كامل الزيارات / الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ـ المطبعة المرتضوية ـ النجف الأشرف.

34 ـ كفاية الأثر / الشيخ أبو القاسم الخزاز القمي ـ بيدار ـ قم 1401 هـ.

35 ـ لسان العرب / العلاّمة ابن منظور ـ نشر أدب الحوزة ـ قم 1405ه.

36 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ أبو علي الطبرسي ـ دار المعرفة ـ بيروت.

37 ـ مجمع الزوائد / أبو بكر الهيثمي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت.

38 ـ المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ـ حيدرآباد ـ الهند.

39 ـ مستطرفات السرائر / الشيخ ابن إدريس الحلّي ـ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم.

40 ـ مصباح المتهجّد / الشيخ الطوسي ـ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت.

41 ـ المصباح المنير / الفيومي ـ دار الهجرة ـ قم.

42 ـ معاني الأخبار / الشيخ الصدوق ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.

43 ـ معجم مقاييس اللغة / ابن فارس ـ مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم.

44 ـ مفردات ألفاظ القرآن الكريم / الراغب الأصفهاني ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران.

45 ـ مناهج اليقين / العلاّمة الحلي ـ تحقيق ونشر الشيخ محمد رضا الأنصاري.

46 ـ من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ط 5.

١١٥

47 ـ مهج الدعوات / السيد ابن طاووس ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران.

48 ـ نهج البلاغة / جمع السيد الرضي + ـ تحقيق صبحي الصالح ـ دار الهجرة ـ قم.

49 ـ نهج السعادة (كتاب الدعاء) / الشيخ محمد باقر المحمودي ـ مؤسسة التضامن الفكري ـ بيروت.

50 ـ وسائل الشيعة / الشيخ الحر العاملي ـ مؤسسة آل البيتعليه‌السلام ـ قم 1410 هـ ط1.

١١٦

المحتويات

مقدمة المركز 5

المقدِّمة 7

الفصل الأول. 9

مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة 9

الدعاء في اللغة : 9

الدعاء في الاصطلاح : 11

الفصل الثاني. 25

آداب الدعاء وشروطه 25

الفصل الثالث.. 53

استجابة الدعاء 53

العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء : 54

الفصل الرابع. 95

آثار الدعاء 95

الدعاء والقضاء والقدر : 106

علمه تعالى : 108

أم الكتاب ولوح المحو والاثبات : 108

فهرس المصادر 113

المحتويات.. 117

١١٧