• البداية
  • السابق
  • 117 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21698 / تحميل: 6078
الحجم الحجم الحجم
الدعاء  حقيقة - آدابه - آثارة

الدعاء حقيقة - آدابه - آثارة

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

مقدمة المركز

الحمدُ للّه ربِّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ..

وبعد : إنّ الدعاء مخُّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد û.

بهذا البيان الوجيز يجمع الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قيمة الدعاء وأثره في الحياة فإذا كان اللّه تعالى قد قال : « وما خلقتُ الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون » فإنّ الدعاء مخُّ العبادة وجوهرها ، الذي جعله القرآن الكريم في نصّ آخر مرادفا للعبادة : « وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين » ، فجعل الدعاء هنا ممثلاً للعبادة ومترجما لها.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : إنّ الدعاء هو العبادة û ثم تلا هذه الآية الكريمة التي تعبر عن هذا المعنى ، وقال : هي واللّه العبادة ، هي واللّه العبادة û يريد الدعاء ..

ومن ناحية اُخرى تعطي هذه الآية الكريمة صورة الدعاء المقابلة لصورة الاستكبار صورتان متضادتان ، تعكس الاُولى خصائص العابد العارف بحق ربه تعالى شأنه والعارف بحقيقته عبدا للّه ، وبقيمة صلته بخالقه ومولاه ، فيما تعكس الثانية ، ملامح عاصٍ عنيد جافٍ بعيدٍ عن إدراك كل تلك المعاني الاُولى ليعود بنا هذا المشهد إلى تصديق دلالة الدعاء على العبادة ، وكون محلّه منها محل المخّ واللبّ والجوهر والمعنى.

وهذا هو الذي يفسّر لنا النصوص المعصومة التي تفيد بأنّ أفضل العبادة هو الدعاء ذلك أن غاية العبادة هي التقرب إلى اللّه تعالى بمعرفة حقه وسلطانه الذي لا يشركه فيه أحد ، والتذلل إليه المعبر عن يقين المرء بحاجته إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض ، الذي لا معطي لما منع ،

٥

ولا مانع لما أعطى ، ولا دافع لما قدّر إلاّ هو.

ولا تتجلى هذه المعاني في شيء مثل تجليها في الدعاء ، فهو أفضل وسيلة إذن للتعبير عنها وامتثالها وجدانا وسلوكا ، حاضرا ومستقبلاً ، إنّها الحالة التي تتجلى فيها العبودية في أروع صورها وأتمّها ، فلا غرابة في أن تكون هي أحب حالات العبد إلى اللّه تعالى ، ففي حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أحبُّ الأعمال إلى اللّه عزَّ وجلّ في الأرض الدعاء ».

وإذا كانت الشريعة السمحة قد عُنيت بأمر من الاُمور إلى هذا الحدّ ، فلابدّ أن تضع للناس آدابه وشرائطه التي بها يستكمل صورته ويؤتي أُكُلَه ، وهكذا كان شأن هذه الشريعة السمحة والمحجة البيضاء مع الدعاء ، فعرّفت الناس بآدابه ، والتي في مقدمتها الصدق والاخلاص في التوجه إلى اللّه تعالى ، والثقة به ، واليقين بأنّه سميع مجيب ، وحسن التأدّب بين يديه بأدب العبد الخاضع الذي يرجو نظرة ربه ولطفه ورحمته كما عرّفتهم بشروطه التي بها يكون دعاءً صحيحا ترجى من ورائه أحسن الآثار العاجلة منها والآجلة ، وبدونها سيكون لغوا كسائر ما يهذر به بعض الناس في ساعات التسامح واللامبالاة.

وهذا الكتاب الذي يقدمه مركز الرسالة لقرّائه الكرام ضمن ( سلسلة المعارف الإسلامية ) سينفتح على كلِّ هذه الآفاق بالتعريف الوافي ، ضمن السياق الروحي والتربوي الذي لا غنى للإنسان عنه.

واللّه من وراء القصد وهو الهادي إلى سبيل الرشاد

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

الحمدُ للّه ربِّ العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خير الأنام ومصباح الظلام محمد المصطفى الأمين وآله الهداة الميامين. وبعد :

قال تعالى :( ادعُوني أستجب لكم إنّ الذينَ يستكبرُونَ عن عِبادَتي سَيدخُلُونَ جَهنَّم داخِرِين ) (١) .

الدعاء عبادة يمارسها الإنسان في جميع حالاته ، لأنّه يترجم عمق الصلة بين العبد وبارئه ، ويعكس حالة الافتقار المتأصلة في ذات الإنسان إلى اللّه سبحانه ، والإحساس العميق بالحاجة إليه والرغبة فبما عنده.

فالدعاء مفتاح الحاجات ووسيلة الرغبات ، وهو الباب الذي خوّله تعالى لعباده كي يلجوا إلى ذخائر رحمته وخزائن مغفرته ، وهو الشفاء من الداء ، والسلاح في مواجهة الاعداء ، ومن أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ويُردُّ القضاء.

ولذلك فإنّنا نجد الدعاء من أبرز القيم الرفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصالحين ، ومن أهمّ السنن المأثورة عنهم.

ولقد اهتمّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته المعصومونعليهم‌السلام بالدعاء اهتماما خاصا ، وحفلت كتب الدعاء الكثيرة المروية عنهمعليهم‌السلام بتراث فذّ

__________________

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

٧

من أدعيتهم ، يُعدُّ صفحة مشرقة من صفحات التراث الإسلامي ، فهو من حيث الفصاحة والبلاغة آية من آيات الأدب الرفيع ، ومن حيث المضمون وسيلة لنشر تعاليم القرآن وآداب الإسلام وتلقين اُصول العقيدة وتهذيب النفوس وصفائها وتنمية نزعاتها الخيرة لتصل إلى درجات الطاعة والفضيلة.

والرسالة التي بين يديك هي إحدى ثمرات ذلك الأدب الرفيع ، فهي دراسة متواضعة تعكس للقارئ الكريم وباسلوب بسيط أهم ما يتعلق بموضوع الدعاء وفقا لما جاء في الكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة ، وذلك في أربعة فصول :

الفصل الأول : مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة.

الفصل الثاني : آداب الدعاء.

الفصل الثالث : استجابة الدعاء ، ويشتمل على العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، وأسباب تأخر الاجابة ، والدعوات المستجابة وغير المستجابة.

الفصل الرابع : آثار الدعاء في الدنيا والآخرة.

نرجو من اللّه تعالى أن ينفع بها الإخوة المؤمنين ، ونسأله سبحانه العون والسداد ، ونستلهمه التوفيق والرشاد.

٨

الفصل الأول

مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة

الدعاء في اللغة :

الدعاء : هو أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك.

تقول : دعوت فلانا أدعوه دعاءً ، أي ناديته وطلبت إقباله ، وأصله دُعاوٌ ، إلاّ أنّ الواو لمّا جاءت بعد الألف هُمزت.

وللدعاء في الكتاب الكريم وجوه عدّة ، كلّها تدور حول المعنى اللغوي المتقدم ، نذكر منها :

١ ـ النداء ، يقال : دعوت فلانا ، أي ناديته وصحت به ، قال تعالى : «فَقُل تعالوا ندعُ أبنَاءَنا وأبنَاءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسنَا وأنفُسَكُم »(١) أي ، ننادي ...

وقد يستعمل كل واحد من النداء والدعاء موضع الآخر ، قال تعالى : «كمَثلِ الذي يَنعقُ بما لا يَسمَعُ إلاّ دُعاءً ونِداءً »(٢) .

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧١.

٩

 ٢ ـ الطلب ، يقال : دعاه ، أي طلبه ، قال تعالى : «وإن تدعُ مُثقلةٌ إلى حَملِها »(١) ، أي تطلب أن يحمل عنها.

٣ ـ القول ، قال تعالى : «فما كان دعواهُم إذ جاءَهُم بأسُنَا »(٢) ، أي قولهم إذ جاءهم العذاب.

٤ ـ العبادة ، قال تعالى : «لن ندعُوا مِن دُونه إلها »(٣) ، أي نعبد.

٥ ـ الاستعانة ، قال تعالى : «وادعوا شُهداءَكُم من دونِ اللّه »(٤) ، أي استعينوا واستغيثوا بهم.

٦ ـ الحثّ على الشيء ، قال تعالى : «قال ربِّ إنِّي دعوتُ قومي ليلاً ونهارا »(٥) ، أي حثثتهم على عبادة اللّه سبحانه.

٧ ـ النسبة ، قال تعالى : «ادعُوهُم لآبائهم هو أقسطُ »(٦) ، أي انسبوهم واعزوهم.

٨ ـ السؤال ، قال تعالى : «قال ادعُ لنا ربَكَ »(٧) أي سله(٨) .

__________________

(١) سورة فاطر : ٣٥ / ١٨.

(٢) سورة الاعراف : ٧ / ٥.

(٣) سورة الكهف : ١٨ / ١٤.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.

(٥) سورة نوح : ٧١ / ٥.

(٦) سورة الاحزاب : ٣٣ / ٥.

(٧) سورة البقرة : ٢ / ٦٩.

(٨) يراجع في معنى الدعاء ، صحاح الجوهري ـ دعا ـ ٦ : ٢٣٣٧. ومعجم مقاييس اللغة ـ دعو ـ ٢ : ٢٧٩. وأساس البلاغة ـ دعو ـ ١٣١. والقاموس المحيط ـ دعا ـ ٤ : ٣٢٩. ولسان العرب

١٠

الدعاء في الاصطلاح :

طلب الأدنى من الأعلى : على جهة الخضوع والاستكانة(١) .

ودعاء العبد ربه جلَّ جلاله : طلب العناية منه ، واستمداده إياه المعونة(٢) .

ويقال : دعوتُ اللّه أدعوهُ دعاءً : ابتهلتُ إليه بالسؤال ، ورغبتُ فيما عنده من الخير(٣) .

قال تعالى : «وقالَ ربُكُم ادعُوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرُون عن عبادتي سيدخُلُون جهنَّم داخرين »(٤) .

ويقول العلاّمة المجلسي : الأدعية المأثورة على نوعين :

١ ـ الأوراد والأذكار الموظفة المقررة في كلِّ يوم وليلة المشتملة على تجديد العقائد وطلب المقاصد والأرزاق ودفع كيد الأعداء ونحو ذلك ، وينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب والتوجه والتضرع عند قرائتها ، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسر ذلك.

٢ ـ المناجاة ، وهي الأدعية المشتملة على صنوف الكلام في التوبة والاستغاثة والاعتذار وإظهار الحب والتذلل والانكسار ، وظني أنه

__________________

ـ دعا ـ ١٤ : ٢٥٧. ومفردات الراغب : ١٧٠. والأنباء بما في كلمات القرآن من أضواء ٢ : ٢٧٠.

(١) عمدة الداعي : ١٢.

(٢) تفسير الرازي ٥ : ٩٧.

(٣) المصباح المنير ١ : ١٩٤.

(٤) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

١١

لا ينبغي أن تقرأ إلاّ مع البكاء والتضرع والخشوع التام ، وينبغي أن تترصد الأوقات لها.

وهذان القسمان من الدعاء ببركة أهل البيتعليهم‌السلام عندنا كثير.

فأما القسم الأول فأكثرها مذكورة في مصباحي الشيخ الطوسي والكفعمي ، وكتابي التتمات والاقبال لابن طاووس في ضمن التعقيبات وأدعية الاُسبوع وأعمال السنة وغيرها.

والقسم الثاني أيضا منشورة في عرض تلك الكتب وغيرها ، كالأدعية الخمس عشرة ، والمناجاة المعروفة بالانجيلية ، ودعاء كميل النخعي وغيرها ، والصحيفة الكاملة جلّها بل كلّها في المقام الثاني(١) .

علاقة الدعاء بالعبادة :

تقدّم أن العبادة هي أحد الاُمور التي يصدق عليها مفهوم الدعاء اللغوي الواسع ، ويدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا السياق ، منها قوله تعالى : «لن ندعُوا مِن دُونِه إلها »(٢) أي لن نعبد إلها دونه ، فهذه الآية وغيرها تترجم الصلة اللغوية الدائمة القائمة بين العبادة والدعاء.

أما الصلة الاصطلاحية بين العبادة والدعاء ، فإنّ الدعاء في نفسه عبادة ؛ لأنّهما يشتركان في حقيقة واحدة ، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى اللّه تعالى ، وهو غاية الخلق وعلّته ، قال تعالى : «وما خلقتُ الجنَّ

__________________

(١) الاعتقادات / المجلسي : ٤١.

(٢) سورة الكهف: ١٨ / ١٤.

١٢

والانسَ إلاّ لِيعبُدُونِ »(١) ، وقال تعالى : «قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُم ربي لولا دُعاؤكُم »(٢) .

فالدعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الإنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «الدعاء هو العبادة التي قال اللّه : «إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين » »(٣) يعني أنّ الدعاء هو معظم العبادة وأفضلها ، وذلك كقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحج عرفة » أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم(٤) .

ويؤيد ذلك حديث الإمام الباقرعليه‌السلام : «أفضل العبادة الدعاء »(٥) .

وما رواه سدير عنهعليه‌السلام ، قال : قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أي العبادة أفضل؟ فقالعليه‌السلام : «ما من شيء أفضل عند اللّه عزَّ وجلَّ من أن يسأل ويطلب ممّا عنده »(٦) .

وإذا قيل : إنّ الدعاء لا يصحّ إطلاقه على العبادة الشرعية التكليفية ، فإنّ الصيام مثلاً لا يسمى دعاءً لغةً ولا شرعا ، وعليه فليس كلّ عبادة شرعية دعاءً.

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥١ / ٥٦.

(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧٧.

(٣) الكافي ٢ : ٣٣٩ / ٧ ، والآية من سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.

(٤) تفسير الرازي ٥ : ٩٩.

(٥) الكافي ٢ : ٣٣٨ / ١.

(٦) الكافي ٢ : ٣٣٨ / ٢.

١٣

نقول : (الدعاء من العبد لربه : هو عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية ، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاءً ، لأنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية والاتصال بمولاه بالتبعية والذلّة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه ، وهو الدعاء)(١) .

وإلى ذلك يشير قوله تعالى : «وقالَ ربُكُم ادعُوني استجب لكم إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين »(٢) ، فالآية تدعو إلى الدعاء وتحثّ عليه وتعد بالاجابة ، وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة ، فقد عبّرت أولاً بالدعاء (ادعوني) ثمّ عبرت عن الدعاء بالعبادة (عن عبادتي) أي عن دعائي ، بل (إنّ الآية تجعل مطلق العبادة دعاءً ، حيث إنها تشتمل على الوعيد لترك الدعاء بالنار ، والوعيد بالنار إنّما هو على ترك العبادة رأسا ، لا على ترك بعض أقسامها دون بعض ، فأصل العبادة إذن دعاء)(٣) .

وإذا تأملنا في قوله تعالى : «وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون »(٤) .

نلاحظ أنه (كما يشتمل على الحكم وهو إجابة الدعاء ، كذلك يشتمل على علله ، فكون الداعين عبادا للّه تعالى هو الموجب لقربه منهم ، وقربه منهم هو الموجب لاجابته المطلقة لدعائهم)(٥) .

__________________

(١) تفسير الميزان ١٠ : ٣٨.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٦٠.

(٣) تفسير الميزان ٢ : ٣٣.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.

(٥) تفسير الميزان ٢ : ٣٢.

١٤

فاخلاص العبودية للّه تعالى هو علّة القرب منه تعالى والارتباط به ، والقرب منه هو مظنّة الإجابة ، وهو يكشف عن الصلة الموضوعية بين حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «عليكم بالدعاء ، فانكم لا تُقرّبون بمثله »(١) .

الدعاء مخُّ العبادة :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الدعاء مخُّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد(٢) هذا الحديث المبارك يكشف لنا عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني «يا أيُّها النَّاسُ أنتم الفقراءُ إلى اللّه واللّه هو الغنيُ الحميدُ »(٣) .

وهذا الاقبال هو التعبير الحي عن الصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق ، وعن شعور الإنسان بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أموره واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى ، والتي تتجسد في الشعور بالارتباط العميق باللّه سبحانه ، فجوهر العبادة إذن هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق ، والدعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة ، فهو إذن مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفضل العبادة الدعاء ، وإذا أذن اللّه لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة ، إنّه لن يهلك مع الدعاء أحد »(٤) .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٣٩ / ٦.

(٢) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٠٠.

(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ١٥.

(٤) عدة الداعي : ٣٥.

١٥

الدعاء في البلاء والرخاء :

الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارى ء الكون ، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال ، نابعا من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الانساني.

الدعاء في البلاء :

إنّ علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان ، ولكلِّ امرى ء طريق من قلبه إلى خالقه ، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكلِّ شيء محيط ، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن ، وعندما توصد في وجهه الأبواب ، وتنقطع به العلل والأسباب ، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا ، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم ، قال تعالى : «وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ »(١) .

وقال تعالى : «وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون »(٢) .

وقال تعالى : «وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الإنسانُ كفورا »(٣) ، والآيات في هذا المعنى

__________________

(١) سورة يونس : ١٠ / ١٢.

(٢) سورة الروم : ٣٠ / ٣٣.

(٣) سورة الاسراء ١٧ : ٦٧.

١٦

كثيرة ، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى اللّه تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده.

قال رجل للإمام الصادقعليه‌السلام : يا بن رسول اللّه ، دلّني على اللّه ما هو؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني ، فقال له : «يا عبداللّه ، هل ركبت سفينة قط؟ قال : نعم. قال عليه‌السلام : فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الأشياء قادرٌ على أن يخلصك من ورطتك؟ قال : نعم. قال الإمام الصادق عليه‌السلام : فذلك الشيء هو اللّه القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث »(١) .

لقد جعل الإمام الصادقعليه‌السلام الرجل يعرف اللّه تعالى عن طريق قلبه ، لقد دلّه الإمامعليه‌السلام على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر ، إنّ هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلّى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة ، هو الدليل على وجود تلك القدرة ، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان.

إنّ التوجه إلى اللّه تعالى في حال الشدّة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء ، أمرٌ غير مرئي بالحواس ، ويمكننا أن نشبّهه بتوجّه غريزي مرئي ومعروف ، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أُمّه ، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته ، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أُمّه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعوّد عليه ، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان

__________________

(١) بحار الانوار ٣ : ٤١ / ١٦.

١٧

معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما ، وكذلك حال الغرائز الاُخرى في الإنسان ، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الإنسان.

إنَّ هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان ، قد تغطّيه حجب الإثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة ، فيتراءى للإنسان أنّه قد استغنى ، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلّقا بالاسباب التي هي دونه ، قال تعالى : «كلاّ إنَّ الإنسان ليطغى * ان رآهُ استغنى »(١) ، وقال تعالى : «فلمّا كشفنا عنه ضرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ »(٢) ، وقال تعالى : «فلمَّا نجاكم إلى البرِّ أعرضتُم »(٣) .

فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة ، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانيا ولا إخلاصا عباديا ، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة.

الدعاء في الرخاء :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله موصيا الفضل بن العباس : «احفظ اللّه يحفظك ، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدّة »(٤) يعني أدع اللّه في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك ، ولا تكن من الذين نسوا اللّه فنسيهم ، وذلك لأنّ من نسي ربه

__________________

(١) سورة العلق : ٩٦ / ٦ ـ ٧.

(٢) سورة يونس : ١٠ / ١٢.

(٣) سورة الاسراء : ١٧ / ٦٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٦.

١٨

في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء ، ثم إذا دعا ربه في الشدّة ، كان معنى عمله أنّه يذعن بالربوبية في حال الشدّة وحسب ، وليس هو تعالى على هذه الصفة ، بل هو ربّ في كلِّ حال وعلى جميع التقادير.

عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان ، يجب أن يعلم بأنّ ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من اللّه ، وانه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها ، وذلك لأنّه خالق الكون والإنسان والحياة ، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم.

ولهذا نجد أنّ الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش ، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله :« وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فردا وأنت خيرُ الوارثينَ * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين »(١) .

إنّ اللّه تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم ، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم ، وقد ورد في الروايات ما يدلُّ على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء.

فعن الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه كان يقول : «ما من أحد ابتلي وان عظمت بلواه أحقُّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء »(٢) .

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٨٥ / ٨٥٣. وأمالي الصدوق : ٢١٨ / ٥. ونهج البلاغة ـ الحكمة (٣٠٢).

١٩

وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أنّه كان يقول : «لم أرَ مثل التقدّم في الدعاء ، فان العبد ليس تحضره الاجابة في كلِّ ساعة »(١) .

وعن الإمام أبي الحسنعليه‌السلام : «إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة ، ليس إذا اعطي فتر ، فلا تملّ الدعاء ، فإنّه من اللّه عزَّ وجلّ بمكان »(٢) .

فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطّاه الاجابة ، لأنّه يقع ضمن دائرة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء ، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الأسباب في الشدة والرخاء ، هو الآخر لا تتخطّاه الاجابة ، وهو مخُّ العبادة وجوهرها النقي ، وهو الذي وصف به المتقون : «ذُبُل الشفاه من الدعاء ، صُفُر الألوان من السهر ، على وجوههم غيرة الخاشعين »(٣) .

والدعاء بالمعنى الأخير عبادة حيّة متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للأفعال الخاصة والكلمات المحددة ، بل ينطلق فيها الإنسان حرا في المكان الذي يقف فيه ، والوقت الذي يختاره ، واللغة التي يتحدث بها ، والكلمات التي يعبر بها ، والمضمون الذي يريده.

اقتران الدعاء بمظاهر العبادة :

لقد اهتم الشارع المقدس بالدعاء لأنّه أحب الأعمال إلى اللّه تعالى في

__________________

(١) الارشاد : ٢٥٩.

(٢) ٢ : ٣٥٤ / ١. وقرب الاسناد : ١٧١.

(٣) نهج البلاغة : الخطبة (١٢١).

٢٠

نموذج للصفحة الأخيرة من النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي (قدس سره)، ضمن المجموع المرقم 243 والتي رمزت لها بالحرف (أ)

٢١

نموذج للصفحة الأولى من النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي (قدس سره)، ضمن المجموع المرقم 78 والتي رمزت لها بالحرف (ب)

٢٢

نموذج للصفحة الأخيرة من النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي (قدس سره)، ضمن المجموع المرقم 78 والتي رمزت لها بالحرف (ب)

٢٣

نموذج للصفحة الأولى من النسخة الخطية المحفوظة في خزانة المجلس النيابي - الشورى الإسلامي - في طهران، ضمن المجموع المرقم 8 وبالرقم العام 63615 والتي رمزت لها بالحرف (ج)

٢٤

نموذج للصفحة الأخيرة من النسخة الخطية المحفوظة في خزانة المجلس النيابي - الشورى الاسلامي - في طهران، ضمن المجموع المرقم 8 وبالرقم العام 63615 والتي رمزت لها بالحرف (ج)

٢٥

٢٦

٢٧

٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

رَبِّ يَسِّرْ وَأعِنْ برَحْمَتِكَ

الحمد لله على سبوغ نعمته، وله الشكر على ما خصَّنا به من معرفته، و هدانا إليه من سبيل طاعته، ووقفنا من الاستبصار بحجته، ورزقنا من التمسك بحبله المتين وعروته، الذين اصطفاهم من خيرته، واجتباهم للحجة على بريته، محمد سيد أنبيائه وصفوته، والأئمة الطاهرين من عترته، عليهم أفضل صلواته ورحمته، وإياه نسأل تمام ما حبانا فيه من كرامته، بالعصمة مما شمل أهل عداوته؛ من الخذلان بالضلال عن حكمته، والاختلاف في شرع نبيه (صلى الله عليه وآله) والخلاف لسنته؛ وإن ثبَّت لنا برأفته ما نستديم به التوفيق في القول والعمل بمعونته، إنه وليُّ ذلك بلطفه وقدرته.

وبعد:

فقد وقفت - أدام الله عزك - على ما ذكرت عن شيخ بناحيتك من أصحاب الرأي، وما هو عليه من التحريك في عداوة أولياء الله منهم، والتبديع لهم، فيما يذهبون إليه من الأحكام المأثورة عن أئمة الهدى من آل محمد (عليهم

٢٩

السلام)، وأنه قد لجّ بذكر عشر مسائل، عزى إليهم فيها أقوالاً قصد بها التشنيع، وحكم عليهم فيها بالتضليل، وادَّعى أنهم خارجون بها عن الإيمان، مخالفون بمقالهم فيها نصوص القرآن.

وسألت - بعد ذكرك في كتابك اليَّ على التفصيل والبيان - أن أقفك على الحقيقة من ذلك بما يرفع الريب فيما تعمَّده من التخرص علينا والبهتان.

وأنا مجيبك - أيدك الله - إلى ما سألت، ومبين عين وجه الحق فيما فصَّلت وأجملت، وموضَّح عن القول فيه كما أحببت والتمست.

ومبين لك بعد الفراغ من ذلك - بمشيئة الله - أقوالاً ابتدعها إمام هذا الشيخ المتعصب على أهل الحق في الأحكام، خالف فيها سائر فقهاء الإسلام، و باين برأيه فيها جميع علماء الأنام، بدَّعه بهاذوو العقول والأفهام، لتكشف - أيدك الله - بها عن عواره، عند أصحابه المغترِّين به وأتباعه، وتهتك بها قناع ضلاله، عند المعظمين له بجهالتهم من أشياعه، وتخرسه الفضيحة بها عن الشناعات، التي يلجأ إليها بعجزه - في المناظرة - عن الحجاج بانقطاعه وبالله التوفيق ...

٣٠

المسألة الأولى

ذكرت - أيدك الله - عن هذا الشيخ المتفقه عند نفسه لأهل العراق، أنه زعم أن الإمامية تبيح الزنا المحظور في نص التنزيل، من نكاح الاستمتاع، المعقود باشتراط الآجال، وأن قولهم في ذلك خلاف لجماعة فقهاء الأمصار، وقد حرمه الله تعالى في القرآن حيث يقول:(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (1) .

قال: وقد اتفق هذا الفريق - يعني الإمامية - على أن المتمتع بها ليست بزوجة ولا ملك يمين؛ وفي اتفاقهم على ذلك إقرار بأنهم فيما أباحوه من النكاح ضالون.

فصل

قلت: وزعم أن الخبر قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الولد

____________________

(1) المؤمنون 5 - 7.

٣١

للفراش وللعاهر الحجر(1) ؛ وأن الرافضة على ما(2) اتفق على نفي ولد المتعة، فلو كان عن نكاح لثبت بالفراش، وإذا لم يكن نكاح المتعة فراشاً فهو سفاح محظور.

فأقول: - وبالله التوفيق - إن أول ما افتتح به هذا الشيخ كلامه سفه، و فرية توجب عليه الحد باتفاق، وذلك أنه لا خلاف بين فقهاء الأمة أن حدَّ الزنا ساقط في نكاح الاستمتاع، فالمحلل له منهم يسقطه(3) باعتقاد الإباحة فيه، كما يسقطه من ضروب النكاح الحلال؛ والمحرِّم له يسقط الحدّ فيه للشبهة الرَّافعة - عنده - للحدود(4) ؛ وهم مجمعون - مع ذلك - على أن من سمى المستمتع زانياً، أو سمى المستمتع بها زانية، كان مفترياً بذلك قاذفاً(5) ، والقرآن مصرِّح والسنة معاً بإيجاب الحد على المفترين(6) ؛ وهذا ينبئ عن صحة ما حكمنا به على

____________________

(1) الموطأ 2: 739، مسند أحمد بن حنبل 2: 239، سنن الدارمي 2: 152، صحيح البخاري 4:، صحيح مسلم 2: 108، سنن أبي داود 2: 282، سنن ابن ماجه 2: 904، سنن الترمذي 3: 463، سنن النسائي 6: 108، من لا يحضره الفقيه 3: 450، تهذيب الأحكام 8: 183.

(2) بياض في أبمقدار كلمة.

(3) في جميع النسخ: يسقط، وما أثبته أنسب.

(4) المدونة الكبرى 6: 202، المغني لابن قدامة 10: 151، الشرح الكبير 10: 177، التفريع لابن الجلاب 2: 48، 49، الكافي لابن عبد البرّ: 238، الفروع لابن مفلح 6: 74، النتف في الفتاوي 2: 633، بداية المجتهد 2: 434، مغني المحتاج 4: 145، نهاية المحتاج 7: 425، فتح المعين 4: 144، الانصاف 10: 182، كشاف القناع 5: 97، البحر الزخار 6: 146، مجمع الأبهر 1: 595.

(5) المدونة الكبرى 6: 202.

(6) أما من القرآن الكريم فهو قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور: 4.

وأما السنة ففيها الكثير، منها قوله صلى الله عليه وآله لهلال بن أمية - لما قذف امرأته - «أربعة شهداء، وإلا فحدّ في ظهرك؛ يردد ذلك عليه مراراً». سنن النسائي 6: 172.

ومنها: ما قضى به أمير المؤمنين (ع) أن الفرية ثلاثة: - يعني ثلاث وجوه - إذا رمى الرجل الرجل بالزنا، وإذا قال إن أمه زانية، وإذا دعي لغير أبيه فذلك حد ثمانون. فروع الكافي 7: 205

٣٢

هذا الشيخ المتعصب من استحقاق العقاب على ما لفظ به من الكلام المحظور.

فصل

ثم من أعجب الأمور وأطرفها من هذا الخصم، وأدلها على فرط غباوته وجهله، أن أبا حنيفة إمامه، وجميع من أخذ عنه رأيه، وقلَّده من أصحابه، لا يختلفون في أن العاقد على أمه أو ابنته وأخته، وسائر ذوات أرحامه، ووطئه لهن بعد العقد، مع العلم بصحة نسبه منهن، واعتقاد حظر ذلك عليه، وتغليظه في الشريعة، ليس بزان؛ من أجل العقد، وأن الحدّ ساقط عنه لذلك، ومن سماه زانياً - به - كان مفترياً عنده(1) ؛ ثم شنّع على الشيعة بنكاح المتعة الذي شرّعه النبي (صلى الله عليه وآله) بإجماع الأمة، واتفق على إباحته آل محمد (عليهم السلام)(2) ، وخيار الصحابة الأبرار، ووجوه التابعين بإحسان(3) ، و يسمي العاقد له على الأجنبية منه، المباح عقد النكاح عليها له زانياً.

إن هذا لبدع من المقال لا يذهب الخلل والتناقض فيه على سليم من الآفات.

____________________

(1) المبسوط للسرخسي 9: 85، فتح القدير 5: 35، المحلى 11: 25 3، المغني 10: 149، رحمة الأمة: 152.

(2) وقد استفاضت به أحاديثهم (ع) فمن ذلك حديث زرارة - في الصحيح - قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر (ع) فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: أحلّها الله في كتابه وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وآله، فهي حلال إلى يوم القيامة الحديث (فروع الكافي 5: 449)

(3) يأتي تفصيله في ص.

٣٣

فصل

فأما احتجاجه بما تلاه من سورة المؤمنين، فإنه لا حجة فيه له على حال، و ذلك أن المستمتع بها زوجة عند جميع الشيعة، ومن دان بإباحتها من مخالفيهم، وما ادعاه عليهم من إنكار ذلك، باطل منه وبهتان ومذهبهم فيه - على اجتماعهم - نقيض دعواه.

ولو امتنع منهم ممتنع من التسمية للمستمتع بها بالزوجية - على ما تظنّى له - يناف(1) بذلك حكم ما تلاه، لجواز وجود نكاح ثالث ينضمُّ إلى هذين النكاحين في التحليل، ينطق به قرآن أو سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فيقوم ذلك مقام الآية الواحدة في تضمنها للأقسام، ولم يكن ممتنعاً باتفاق أهل اللسان أن تنزل الآية على هذا الترتيب، فيكون تقدير الكلام:(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (2) .

وإذا لم يستحل ذلك في تقدير الكلام، لم يبق في صحته إلا وجوده في آية أخرى من القرآن، أو سنة ثابتة عن النبي (صلى الله عليه وآله).

وهو موجود في الموضعين جميعاً على البيان، قال الله تعالى: بعد ذكر المحرمات في النكاح(وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (3) ، فنطق الذكر الحكيم بإباحة نكاح الاستمتاع على اليقين.

____________________

(1) كذا في النسخ، ولعل الصواب «لم يناف».

(2) المؤمنون: 5، 6.

(3) النساء: 24.

٣٤

وثبتت الرواية عن عبد الله بن مسعود(1) و عبد الله بن عباس(2) أنهما كان يقرآن هذه الآية(فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى) (3) ؛ وهذا ظاهر صريح في نكاح المتعة المخصوص.

وأما السنة: فالإجماع ثابت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطلق نكاح المتعة المشروط بالأجل، وأذن فيه، وعمل به المسلمون في حياته(4) ، و ولد منه أولاد في عصره(5) ، وفي إجماع الأمة على ذلك بطلان ما تعلق به الخصم في كلامه لما قدمناه.

وقد استقصيت الكلام في هذه المسألة في مواضع شتى من أمالي، و أفردت أيضاً فيها كتباً معروفات(6) ، فلا حاجة بي إلى الإطالة فيه والإطناب.

____________________

(1) هو أبو عبد الرحمن، ابن أم عبد الهذلي؛ صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، وخادمه؛ أسلم قبل عمر، و حفظ من في رسول الله صلى الله عليه وآله سبعين سورة. (تذكرة الحفاظ: 240)

(2) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، الإمام البحر، عالم العصر، أبو العباس الهاشمي، دعا له النبي صلى الله عليه وآله أن يفقهه الله في الدين، ويعلمه التأويل. (تذكرة الحفاظ: 240)

(3) الكشاف للزمخشري 1: 519، أحكام القرآن لابن العربي 1: 389، الجامع لأحكام القرآن 5: 130، تفسير ابن كثير 1: 474، التفسير الكبير 10: 50، الدر المنثور 2: 484، نيل الأوطار 6: 275.

(4) المغني 7: 57 1، الشرح الكبير 7: 537، الإنصاف 8: 163، وفيه: وعن أحمد: الحكم بالكراهة، كشاف القناع 5: 97، المبسوط 5: 152، أحكام القرآن للجصاص 2: 147، المحلّى 9: 519، كتاب النيل 6: 318.

(5) استمتع ابن حريث وابن فلان، كلاهما ولد له من المتعة، زمان أبي بكر وعمر. (كنز العمال 16: 518)

سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعرّض بابن عباس، يعيب عليه قوله في المتعة، فقال ابن عباس: يسأل أمه إن كان صادقاً، فسألها، فقالت: صدق ابن عباس، قد كان ذلك. فقال ابن عباس: لو شئتَ لسميت رجالاً من قريش ولدوا فيها. (مشكل الآثار للطحاوي 3: 24).

عيّر عبد الله بن الزبير عبدَ الله بن عباس بتحليله المتعة، فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك؟! فسألها، فقالت: ما ولدتك إلّا في المتعة. (محاضرات الأدباء 2: 214).

(6) للمؤلف ثلاثة كتب في المتعة، ذكرها النجاشي في رجاله عند تعداده لمصنفات المؤلف، وهي كتابه =

٣٥

فصل

فأما دعواه علينا - في نكاح المتعة - الخلاف على كافة فقهاء الأمصار، فهو من تخرصه الذي قدمنا وصفه فيه بالبهتان، وعيون فقهاء الصحابة والتابعين بإحسان يروون في إباحته ما يلائم مذهب آل محمد (عليهم السلام)، وقد حكى ذلك عنهم مَن لا يُتَّهم عليهم، من الفقهاء ورواة الأخبار.

فذكر أبو علي الحسين بن علي بن يزيد(1) - وهو من جملة فقهاء العامة - في كتابه المعروف بكتاب (الأقضية): أنه قال بنكاح المتعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): عبد الله بن مسعود(2) ، ويعلي بن أمية(3) ، و جابر بن عبد الله(4) ، وعبد الله بن عباس(5) ، وصفوان بن أمية(6) ، ومعاوية بن

____________________

= في المتعة، وكتاب الموجز في المتعة، وكتاب المختصر فيها. وقد نقل عنها - كتاب المتعة - المجلسي في البحار، والحر العاملي في وسائل الشيعة. انظر: رجال النجاشي 2: 328، بحار الانوار 100: 305، وسائل الشيعة 21: 10، الذريعة 19: 66.

(1) الذي يغلب على الظن أنه: الكرابيسي، رغم أن مترجميه لم يذكروا له هذا المصنف في تعداد مؤلفاته، وهو: الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي، البغدادي، صاحب الشافعي وأشهرهم بانتياب مجلسه، وأحفظهم لمذهبه. له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه، وكان متكلما، عارفا بالحديث، وصنف في الجرح والتعديل، وأخذ عنه خلق كثير. توفي سنة خمس - وقيل: سنة ثمان - وأربعين ومائتين. (الوافي بالوفيات 12: 430).

(2) وقد تقدمت قراءته للآية الشريفة (فما استمتعتم به منهن إلى أجل).

(3) هو يعلي بن أمية، ابن منية، ومنية أمه، التميمي، حليف قريش، عامل عمر على نجران، له صحبة. (التاريخ الكبير للبخاري 8: 414).

(4) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، أبو عبد الله الأنصاري، الفقيه، مفتي المدينة في زمانه، كان آخر من شهد بيعة العقبة، في السبعين من الأنصار، حمل عن النبي صلى الله عليه وآله الشئ الكثير. (تذكرة الحفاظ: 43)

(5) وقد تقدم أنه كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل).

(6) صفوان بن أمية بن خلف، أبو وهب الجمحي، له صحبة. (التاريخ الكبير 4: 304)

٣٦

أبي سفيان(1) ، وغيرهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وجماعة من التابعين، منهم: عطاء(2) ، وطاوس(3) ، وسعيد بن جبير(4) ، وجابر بن يزيد(5) ، وعمرو بن دينار(6) ، وابن جريج(7) ، وجماعة من أهل مكة والمدينة، وأهل اليمن، وأكثر أهل الكوفة.

قال أبو علي: لم يحكم أحد من المسلمين على مَن تمتَّع بحدّ، وعذرهم الفقهاء بما رووا فيها عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه والتابعين.

____________________

(1) معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية، أمه هند بن عتبة بن ربيعة، أظهر إسلامه يوم الفتح، حدَّث عن النبي صلى الله عليه وآله، وكتب له مرَّات يسيرة. عدَّه ابن حزم الأندلسي ممن ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. (سير أعلام النبلاء 3: 12 2، وانظر المحلى 9: 519)

(2) عطاء بن أبي رباح، مفتي أهل مكة ومحدثهم، ولد في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة عمر، و كان أسود مفلفلاً، فصيحاً كثير العلم؛ من مولدي الجند. عدّه ابن حزم ممن ثبت على تحليل المتعة. (تذكرة الحفاظ: 89، المحلى 9: 519)

(3) طاوس بن كيسان، أبو عبد الرحمن، اليماني الجندي، كان شيخ أهل اليمن، وبركتهم، ومفتيهم، و كان كثير الحج، فاتفق موته بمكة، قبل يوم التروية بيوم، سنة ست ومائة. عدَّه ابن حزم ممن ثبت على تحليل المتعة. (تذكرة الحفاظ: 90، المحلى 9: 519)

(4) سعيد بن جبير الوالبي، مولاهم الكوفي، المقرئ الفقيه، أحد الأعلام، سمع من ابن عباس وعدي ابن حاتم قتله الحجاج في شعبان، سنة خمس وتسعين، وله تسع وأربعون سنة. وهو من الذين كانوا يقرؤن هذه الآية (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى). (تذكرة الحفاظ: 76، وانظر: تفسير ابن كثير 1: 474)

(5) جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله، قال وكيع: مهما شككتم في شئ فلا تشكوا في أن جابراً ثقة. وقال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلَّمت في جابر الجعفي لأتكلمنُ فيك. (تهذيب الكمال 4: 465)

(6) عمرو بن دينار الحافظ، إمام الحرم، أبو محمد الجمحي، مولاهم المكي الأثرم، ولد سنة ست و أربعين، سمع ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله. (تذكرة الحفاظ: 113)

(7) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، فقيه الحرم، أبو الوليد الرومي، الأموي، مولاهم المكي، الفقيه صاحب التصانيف، قال جرير: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج ستين امرأة. وقال الشافعي: استمتع ابن جريج بسبعين امرأة. (تذكرة الحفاظ: 170)، (تهذيب التهذيب 6: 360)

٣٧

ثمَّ ذكر بعض الأخبار في ذلك، فقال:

أخبرنا محمد بن عبد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نتمتع من النساء.

قال: وأخبرنا عبد الوهاب بن مسعود بن عطا عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بملء القدح سويقاً، وبالقبضة من التمر.

قال: وأخبرنا عبد الوهاب عن ابن جريج عن عطا عن ابن عباس: أنه كان يراها حلالا، ويقرأ(فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) (1) .

وذكر أبو جعفر محمد بن حبيب النحوي(2) ، في كتابه المعروف بكتاب (المحبَّر) مَن كان يرى المتعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: جابر عن عبد الله الأنصاري، وزيد بن ثابت(3) ، وسلمة بن الأكوع السلمي(4) ، و

____________________

(1) لم أعثر على هذه الأحاديث في مظانها، مضافاً إلى فقدان الكتاب الذي ينقل عنه المؤلف، إلّا أن مضامينها متواترة، أذكر منها:

خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء. (صحيح مسلم: 1022)

وعن جابر بن عبد الله: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر. (صحيح مسلم: 1023)

وعن جابر: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حديث. (صحيح مسلم: 1023)

(2) محمد بن حبيب صاحب كتاب (المحبر)، حدث عن هشام بن محمد الكلبي، كان عالماً بالنسب و أخبار العرب، موثقاً في رواياته، وحبيب أمه، وهو ولد ملاعنة. (تاريخ بغداد 2: 277)

(3) زيد بن ثابت بن الضحاك، أبو خارجة الأنصاري، الخزرجي، النجاري، المقرئ، الفرضي، كاتب وحي النبي صلى الله عليه وآله. (تذكرة الحفاظ: 30)

(4) سلمة بن الأكوع بن عبد الله بن قشير، أبو عامر، وكان من أشد الناس وأشجعهم راجلاً. وهو الذي يقول: كنا في جيش فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إنه أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا. (الثقات لابن حبان 3: 167، صحيح مسلم: 1022)

٣٨

عمران بن الحصين الخزاعي(1) ، و عبد الله بن مسعود الهذلي، و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وأنس بن مالك(2) .

قال ابن حبيب: والصحيح علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3) .

فصل

وإذا كان من عددناه من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتابعين بإحسان يقول بمتعة النساء، ويفتي بتحليلها، ويدين الله بذلك، على ما ذكره ورواه من سميناه، ممن لا يتهم بعصبية للشيعة ولا يشك أهل الخلاف في ثقته وأمانته، وغيرهم من الفقهاء ورواة الأخبار، فكيف يجوز لهذا الشيخ المسرف على نفسه دعوى الإجماع من الفقهاء على تحريمها وخلاف الشيعة في تحليلها؟! لولا أنه لا يستحي من العناد.

فصل

فأما ما ادعاه علينا من نفي ولد المتعة، فإنه لا حق ببهتانه ومكابرته و

____________________

(1) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف، أبو نجيد الخزاعي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، إسلامه وقت إسلام أبي هريرة، له أحاديث عديدة، وكان ممن بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل البصرة ليفقههم. (تذكرة الحفاظ: 29)

(2) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، أبو حمزة الأنصاري، النجاري، المدني، خادم رسول الله صلى الله عليه وآله، وله صحبة طويلة وحديث كثير، وكان آخر الصحابة موتاً. (تذكرة الحفاظ: 44)

(3) المحبر: 289، وفيه: خالد بن عبد الله، بدل (جابر)، وليس فيه عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب (ع)، ولعل نسخة المحبر التي بين أيدينا ناقصة.

٣٩

تخرصه وقدر أمانيه، إذ الإمامية مجمعة على الفتيا بثبوت نسبه، وتعظيم القول في نفيه، المبالغة في إنكار ذلك على فاعله، ومتفقة على تسليم الوراثة له، عن أئمتها من آل محمد (عليهم السلام)، وتأكيد ثبوت النسب من هذا النكاح، وذلك موجود في كتبهم ومصنفاتهم(1) ، وأخبارهم، ورواياتهم(2) ، لا يختلف منهم اثنان فيه، ولا يشك أحد منهم في صحته، والجهل بذلك من إجماعهم بُعد عن الصواب، والإنكار له مع العلم به بهت شديد تسقط معه مكالمة مستعمله، وارتكابه العناد.

وأعجب شيء من هذا الباب أن المحرم لنكاح المتعة من مخالفي الشيعة يرى إلحاق ولد المتعة بأبيه، وينكر نفيه عنه، مع إطباقهم على أنه نكاح فاسد، وإنما يلحقون الولد فيه للشبهة - فيما يزعمون - بالعقد(3) ، ثم تكون الشيعة التي ترى إباحتها، وتدين الله بتحليلها، وتعتقد صحة النكاح بها، وترى أن استعمالها سنة، تنفي الولد منها، ولا تثبت النسب بها؟! كلّا ما يتوهم ذلك إلا مؤوف(4) خارج عن صفة العقلاء

____________________

(1) انظر: المقنع: 114، الهداية بالخير: 69، الكافي في الفقه: 298، المقنعة: 498، النهاية للطوسي: 243، الوسيلة: 310، المراسم: 155، السرائر 2: 624، الشرائع 2: 306.

(2) انظر: فروع الكافي 5: 454، 464، من لا يحضره الفقيه 3: 292، تهذيب الأحكام 7: 269، الاستبصار 3: 152.

(3) المغني 9: 58، 10: 151، الشرح الكبير 9: 69، 10: 177، الكافي لابن عبد البر: 238، التفريع 2: 49، كشاف القناع 10: 97، النتف في الفتاوي 2: 632، القوانين الفقهية: 213، المحلى 11: 250.

(4) يقال طعام موؤف: أصابته آفة. (لسان العرب 9: 16).

٤٠

٤١

٤٢

٤٣

٤٤

٤٥

٤٦

٤٧

٤٨

٤٩

٥٠

٥١

٥٢

٥٣

٥٤

٥٥

٥٦

٥٧

٥٨

٥٩

٦٠

٦١

٦٢

٦٣

٦٤

٦٥

٦٦

٦٧

٦٨

٦٩

٧٠

٧١

٧٢

٧٣

٧٤

٧٥

٧٦

٧٧

٧٨

٧٩

٨٠

٨١

٨٢

٨٣

٨٤

٨٥

٨٦

٨٧

٨٨

٨٩

٩٠

٩١

٩٢

٩٣

٩٤

٩٥

٩٦

٩٧

٩٨

٩٩

١٠٠

١٠١

١٠٢

١٠٣

١٠٤

١٠٥

١٠٦

١٠٧

١٠٨

١٠٩

١١٠

١١١

١١٢

١١٣

١١٤

١١٥

١١٦

١١٧