• البداية
  • السابق
  • 117 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20570 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
الدعاء  حقيقة - آدابه - آثارة

الدعاء حقيقة - آدابه - آثارة

مؤلف:
العربية

فيشفّعهم اللّه فينجو »(1) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قال كل يوم خمسا وعشرين مرة : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، كتب اللّه له بعدد كل مؤمن مضى ، وبعدد كل مؤمن بقي إلى يقوم القيامة حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة »(2) .

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام : «ما من مؤمن يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إلاّ كتب اللّه له بكلِّ مؤمن ومؤمنة حسنة منذ بعث اللّه آدم عليه‌السلام إلى أن تقوم الساعة »(3) .

2 ـ دعاء خاص للأخ المؤمن بظهر الغيب أو لأربعين مؤمنا ، وينبغي أن يكون الداعي لأخيه بظهر الغيب محبّا له بباطنه ، ومخلصا له في دعائه ، متمنيا أن يرزقه اللّه تعالى بفضل دعائه ، فإذا كان كذلك فإنّ اللّه تعالى يستجيب له فيه ويعوّضه أضعافه ، لأنّ حبّ المؤمن حسنة على انفراده ، وإرادة الخير له حسنة اُخرى ، فكيون الدعاء له مشتملاً على ثلاث حسنات : المحبة ، وارادة الخير ، والدعاء.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب »(4) .

وروي عن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، في قوله تعالى : «ويستَجِيبُ

__________________

(1) بحار الانوار 93 : 385 / 10.

(2) بحار الانوار 93 : 384 / 5.

(3) ثواب الاعمال : 161.

(4) الكافي 2 : 370 / 7.

٨١

الذين آمنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ ويزيدُهُم من فَضلِهِ »(1) ، قالعليه‌السلام : «هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين ، ويقول اللّه العزيز الجبار: ولك مثلا ماسألت، وقد أعطيت ماسألت بحبّك إياه »(2) .

وعنهعليه‌السلام قال : «أوشك دعوة وأسرع إجابة ، دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب »(3) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «الدعاء لأخيك بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق ، ويصرف عنه البلاء ، ويقول الملك : ولك مثل ذلك »(4) .

وروي أن اللّه سبحانه وتعالى أوحى إلى موسىعليه‌السلام : «يا موسى ، ادعني على لسانٍ لم تعصني به. فقال عليه‌السلام : أنّى لي بذلك؟ فقال : ادعني على لسان غيرك »(5) .

ويدخل في إطار الدعاء الخاص الدعاء لأربعين من المؤمنين قبل أن يدعو المؤمن لنفسه ، وهو من الأدعية المستجابة أيضا.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ، ثم دعا لنفسه ، استجيب له »(6) .

وقالعليه‌السلام : «من قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه

__________________

(1) سورة الشورى : 42 / 26.

(2) الكافي 2 : 368 / 3.

(3) الكافي 2 : 367 / 1.

(4) أمالي الطوسي 2 : 290.

(5) عدة الداعي : 183. وبحار الانوار 93 : 390.

(6) أمالي الصدوق : 369 / 4.

٨٢

استجيب له فيهم وفي نفسه »(1) .

ويتأكد هذا الدعاء بعد الفراغ من صلاة الليل بأن يقول وهو ساجد : ( اللهمّ ربّ الفجر ، والليالي العشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر ، وربّ كلِّ شيء ، وإله كلّ شيء ، ومليك كلّ شيء ، صلِّ على محمد وآله ، وافعل بي وبفلان وبفلان ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، يا أهل التقوى وأهل المغفرة )(2) .

إيثار المؤمنين بالدعاء :

عن الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام ، قال : «رأيت أُمي فاطمة عليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عموم الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بني ، الجار ثمّ الدار »(3) .

وروي عن ابن ناتانه ، عن علي ، عن أبيه ، قال : رأيت عبداللّه بن جندب بالموقف ، فلم أرَ موقفا أحسن من موقفه ، ما زال مادا يديه إلى السماء ، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض ، فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمد ، ما رأيت موقفا أحسن من موقفك.

قال : واللّه ما دعوت إلاّ لاخواني ، وذلك أن أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك

__________________

(1) أمالي الطوسي 2 : 38. وأمالي الصدوق : 310 / 8.

(2) عدة الداعي : 182.

(3) علل الشرائع : 181 / 1.

٨٣

مائة ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا(1) .

وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، قال : كان عيسى بن أعين إذا حجّ فصار إلى الموقف ، أقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس ، فقيل له : تتفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تُبَثّ فيه الحوائج إلى اللّه ، أقبلت على الدعاء لاخوانك ، وتترك نفسك؟ فقال : إنّي على يقين من دعاء الملك لي ، وفي شكّ من الدعاء لنفسي(2) .

ثانيا : ومن الدعوات التي أكدت النصوص الإسلامية على استجابتها :

1 ـ دعاء الوالد الصالح لوده إذا برّه ، ودعاؤه عليه إذا عقّه.

2 ـ دعاء الولد الصالح لوالده.

3 ـ دعاء المظلوم الذي لا يجد ناصرا إلاّ اللّه على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له.

4 ـ دعاء الإمام العادل لرعيته.

5 ـ دعاء المريض لعائده.

6 ـ دعاء الغازي في سبيل اللّه.

7 ـ دعاء الحاج أو المعتمر حتى يرجع.

8 ـ دعاء الصائم حتى يفطر.

__________________

(1) بحار الأنوار 93 : 384 / 8.

(2) بحار الانوار 93 : 391 / 25.

٨٤

9 ـ دعاء الاطفال ما لم يقارفوا الذنوب.

وفيما يلي نورد النصوص الدالة على استجابة هذه الدعوات :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أربعة لا تُرَدَ لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو تصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ، والصائم حتى يفطر »(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إياكم ودعوة المظلوم ، فإنّها ترفع فوق السحاب حتى ينظر اللّه عزَّ وجلّ إليها فيقول : ارفعوها حتى استجيب له ، وإياكم ودعوة الوالد فإنّها أحدّ من السيف » (2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «دعاء أطفال أُمتي مستجاب مالم يقارفوا الذنوب »(3) .

وقال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى : دعوة الإمام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول اللّه عزَّ وجلّ : لأنتقمنّ لك ولو بعد حين ، ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله »(4) .

وقالعليه‌السلام : «اتقوا الظلم، فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء »(5) .

وقالعليه‌السلام : «ثلاث دعوات لا يحجبن عن اللّه : دعاء الوالد لولده إذا برّه ،

__________________

(1) الكافي 2 : 370 / 6. والفقيه 2 : 146 / 644.

(2) الكافي 2 : 369 / 3.

(3) بحار الانوار 93 : 357 / 14.

(4) الكافي 2 : 369 / 2.

(5) الكافي 2 : 369 / 4.

٨٥

ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على من ظلمه ، ودعاؤه لمن انتصر له منه »(1) .

وقالعليه‌السلام : «ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج فانظروا كيف تخلفونه، والغازي في سبيل اللّه فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه »(2) .

دعوات لا تستجاب :

من الدعوات التي أكدت النصوص الإسلامية على أنّها لا تستجاب :

1 ـ الداعي الذي يطلب تغيير حالة ناتجة عن ارتكابه إثما ، أو تقصيرا في واجب.

ومثل هذا الداعي لا يمكن أن يترتّب أثر على دعائه حتى يتوب مما ارتكب أو يزيل أسباب حصول تلك الحالة وعللها.

مثال ذلك المظلوم الذي يدعو لازالة مظلمته وهو متحمّل لمظالم العباد وتبعات المخلوقين ، فهذا هو الذي يدعو لتغيير الحالة الناتجة عن ارتكابه إثما.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «قال اللّه عزَّ وجلّ : وعزتي وجلالي لا أُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة »(3) .

وعنهعليه‌السلام أنّه قال : «إذا ظُلِمَ الرجل فظلّ يدعو على صاحبه ، قال اللّه

__________________

(1) أمالي الطوسي 1 : 286.

(2) الكافي 2 : 369 / 1.

(3) وسائل الشيعة 7 : 146 / 1.

٨٦

عزَّوجلّ : إنّ هاهنا آخر يدعو عليك ، يزعم أنك ظلمته ، فإن شئت أجبتك ، وأجبت عليك ، وإن شئت أخّرتكما فيوسعكما عفوي »(1) .

ومثال طلب تغيير الحالة الناتجة عن التقصير في واجب ، التواكل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ذلك لأنّهما واجبان وجوبا كفائيا لقوله تعالى : «ولتكُن مَنكُم أُمّةٌ يدعُونَ إلى الخيرِ ويأمرُونَ بالمعروفِ ويَنهونَ عنِ المنكَرِ »(2) وإنّ صلاح المجتمع وفساده منوطان بالقيام بهذين الفرضين أو عدمه ، فلو تواكل العباد فيهما وتركوهما ، فستُتاح الفرصة للأشرار والظلمة كي يتسلّطوا على مقدّرات الناس ، وينزوا على مقاليد الحكم ، وعليه فقد تجد أُمّة كاملة تدعو على ظالم واحد فلا يستجاب لها، إلاّ أن يتوبوا عما بدر منهم ويطيعوا اللّه فيما فرضه عليهم «إنّ اللّه لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيَرُوا ما بأنفُسِهِم »(3) .

قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم »(4) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من عذر ظالما بظلمه ، سلّط اللّه عليه من يظلمه ، وإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره اللّه على ظلامته »(5) .

__________________

(1) أمالي الصدوق : 261 / 3.

(2) سورة آل عمران : 3 / 104.

(3) سورة الرعد : 13 / 11.

(4) نهج البلاغة ، الرسالة (47).

(5) بحار الانوار 93 : 319 / 26.

٨٧

2 ـ الدعاء على خلاف سنن التكوين والتشريع :

على الداعي أن يفهم سنن اللّه تعالى التكوينية والتشريعية ، وأن يدعو ضمن دائرة هذه السنن ، فليس من مهمة الدعاء أن يتجاوز هذه السنن التي تمثّل إرادة الخالق التكوينية ورحمته ولطفه ، قال تعالى : «فهَل ينظرُونَ إلاّ سُنَّةَ الأولينَ فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تحويلاً »(1) .

روى الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : «أن زيد بن صوحان قال لأمر المؤمنين عليه‌السلام : أي دعوة أضلّ؟ قال عليه‌السلام : الداعي بما لا يكون » (2) ، أي لا يقع ضمن دائرة سنن التكوين.

إنّ الدعاء طلب المقدرة والعون للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّتها الخليقة والتكوين أو الشرائع الالهية للإنسان ، وهو بهذه الصورة حاجة طبيعية لا يبخل الباري تعالى بلطفه ورحمته على الداعي بالعون حيثما وجدت الحاجة لذلك ، وحيثما كان الداعي مراعيا للشروط والآداب ، أما أن يطلب أشياء تخالف أهداف التكوين والتشريع فان دعاءه لا يستجاب كمن يسأل اللّه تعالى إحياء الموتى ، أو الخلود في دار الدنيا ، أو غفران ذنوب الكفار ، أو يدعو على أخيه المؤمن ، أو في قطيعة رحم ، أو يطلب شيئا محرما ، وغير ذلك من الدعوات التي لا تكون مصداقا حقيقيا للدعاء.

قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «يا صاحب الدعاء ، لا تسأل ما لا يحلُّ

__________________

(1) سورة فاطر : 35 / 43.

(2) الفقيه 4 : 274 / 729. أمالي الصدوق : 322 / 4.

٨٨

ولا يكون » (1) وما لا يحلّ يُعدّ خروجا عن سنن التشريع الإلهية ، وما لا يكون يعد خروجا عن سنن التكوين.

وقالعليه‌السلام : «من سأل فوق قدره استحق الحرمان »(2) أي إذا تجاوز الحدّ في دعائه بحيث لا يكون طلبه واقعيا ، كأن يسأل الخلود في دار الدنيا.

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ أصنافا من أُمتي لا يستجاب لهم ورجل يدعو في قطيعة رحم »(3) ، ذلك لأنّ هذا الدعاء على خلاف سنن التشريع القاضية بصلة الرحم.

وروي عن شعيب ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ـ في حديث ـ أنّه قال له : أدعُ اللّه أن يغنيني عن خلقه. فقالعليه‌السلام : «إنّ اللّه قسّم رزق من شاء على يدي من شاء ، ولكن سَلِ اللّه أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه »(4) .

وذلك لأنّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض في أمور دينهم ودنياهم من سنن اللّه تعالى في الخلق ، فلا يجوز أن يدعو الإنسان ربّه كي يغنيه عن الناس ؛ لأنّه دعاء على خلاف سُنّة اللّه تعالى وارادته الحكيمة.

ومن الأدعية المخالفة لسنن التشريع ، دعاء المرء على نفسه في حالة الضجر، قال تعالى: «ويدعُ الإنسانُ دُعاءَهُ بالخيرِ وكانَ الإنسانُ

__________________

(1) الخصال : 365 حديث الاربعمائة.

(2) عدة الداعي : 152.

(3) وسائل الشيعة 17 : 27 / 6.

(4) الكافي 2 : 205 / 1.

٨٩

عجولاً »(1) .

قال ابن عباس وغيره : إنّ الإنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه ، كما يدعو لنفسه بالخير ، فلو أجاب اللّه دعاءه لأهلكه ، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته(2) .

ولا يتوقف الأمر عند حدود الأمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها الروايات ، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن اللّه تعالى في الكون والطبيعة والمجتمع والتاريخ.

3 ـ الدعاء بلا عمل :

الدعاء من مفاتيح الرحمة الإلهية التي جعلها الباري تعالى بأيدينا لنستفتح بها خزائن لطفه ورحمته ، ونطلب بها مغفرته وفضله ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «فأكثر من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند اللّه عزَّ وجلَّ إلاّ بالدعاء » (3) .

والعمل يقترن مع الدعاء في كونه أحد مفاتيح الرحمة الإلهية الواسعة ، قال تعالى : «فَمن يَعمَل مِثقَالَ ذَرّةٍ خيرا يرهُ »(4) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ للّه عبادا يعملون فيعطيهم ، وآخرين يسألونه صادقين فيعطيهم، ثمّ يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا : ربنا عملنا فأعطيتنا ، ففيما أعطيت هؤلاء؟ فيقول : هؤلاء عبادي ، أعطيتكم

__________________

(1) سورة الاسراء : 17 / 11.

(2) مجمع البيان 6 : 618.

(3) الكافي 2 : 341 / 7.

(4) سورة الزلزلة : 99 / 7.

٩٠

أجوركم ، ولم ألتكم من أعمالكم شيئا ، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم، وهو فضلي أوتيه من أشاء »(1) .

وعلى الرغم من حالة الاقتران بين الدعاء والعمل ، إلاّ أن الدعاء لا يغني عن العمل ، ولا يصح الاكتفاء بالدعاء عن السعي والمثابرة والجد ، الدعاء مظهر من مظاهر الحاجة الحقّة ، وإنّما يدعو الإنسان عندما لا يكون مطلوبه ميسورا له أو في متناول يده ، أو يكون عاجزا ضعيفا لا يمتلك القدرة على تحصيله ، أمّا إذا خوّله اللّه تعالى مفتاح الحاجة فتكاسل عن استعماله ، والتجأ إلى الدعاء دون جدٍّ واجتهاد ، فان دعاءه لا يستجاب ، مثال ذلك المذنب الذي يستغفر اللّه تعالى ويدعوه التوبة ، ولكنه لا يثابر في تغيير ما في نفسه وتهذيبها باقتلاع عناصر الشر والفساد.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لأبي ذررضي‌الله‌عنه : «يا أبا ذر ، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر » (2) .

وقال الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «الداعي بلا عمل ، كالرامي بلا وتر »(3) .

ولذلك ورد عن أئمة الهدىعليهم‌السلام كثير من الأحاديث التي تخبرنا عن أصناف من الناس لا تستجاب لهم دعوة ؛ لأنّهم استغنوا بالدعاء عن السعي والجد والمثابرة.

__________________

(1) عدة الداعي : 42.

(2) أمالي الطوسي 2 : 147.

(3) نهج البلاغة ، الحكمة (337).

٩١

 قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول : اللهمّ ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد؟ أمل آمرك بالاصلاح؟ ثم تلا قوله تعالى : «والَّذينَ إذا أنفَقُوا لم يُسرِفُوا ولم يقترُوا وكانُ بينَ ذلِكَ قَوَاما »ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة ، فيقال له : ألم آمرك بالشهادة؟ » (1) .

وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبداللّهعليه‌السلام : رجل قال : لأقعدنّ في بيتي، ولأصلينّ ولأصومنّ، ولأعبدنّ ربي ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقالعليه‌السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم »(2) .

ويضيف الإمام الصادقعليه‌السلام صنفا آخر ممن اتكل على الدعاء تاركا الجدّ والسعي ، وهو الذي يدعو على جاره وقد جعل اللّه عزَّ وجلّ له السبيل في الخلاص ، يقولعليه‌السلام في حديث الثلاثة الذين لا تستجاب لهم دعوة : «ورجل يدعو على جاره وقد جعل اللّه عزَّ وجلّ له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره »(3) .

وهذا الأمر عام لا يقتصر على الأمثلة المذكورة في الأحاديث وحسب ، وإنّما هي أمثلة لجميع الأحوال التي يكون الإنسان فيها قادرا على حل مشكلته بالعمل والتدبر ، ولكنّه يتكاسل عن ذلك فيقيم الدعاء

__________________

(1) الكافي 2 : 370 / 2.

(2) مستطرفات السرائر : 139 / 11.

(3) الكافي 2 : 370 / 1. والفقيه 2 : 39 / 173. والخصال : 160 / 208.

٩٢

مقام العمل.

والحق أن الدعاء مكمّل للعمل ومتمم له ، فإذا كان اللّه تعالى قد حبانا القدرة لتحقيق المطلوب ، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه ، فلا بدّ من السعي المقترن بالدعاء ، لتكون عاقبة السعي أكثر ثوابا وأجزل أجرا.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يدخل الجنة رجلان ، كانا يعملان عملاً واحدا ، فيرى أحدهما صاحبه فوقه ، فيقول : يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول اللّه تبارك وتعالى : سألني ولم تسألني ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسألوا اللّه وأجزلوا ، فإنّه لا يتعاظمه شيء »(1) .

__________________

(1) عدة الداعي : 42.

٩٣

٩٤

الفصل الرابع

آثار الدعاء

لقد اهتم الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام بالدعاء اهتماما بالغا ، ذلك لما يترتب عليه من آثار تعود لصالح الداعي في الدنيا والآخرة ، فهو من أنجع الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس ، وهو مفتاح الرحمة ونجاح الحاجة ، وهو شفاء من كلِّ داء ، وبه يردُّ القضاء ويدفع البلاء ، ولا يدرك ما عند اللّه تعالى إلاّ بالدعاء والابتهال.

وقد حفلت كتب الدعاء الكثيرة بتراث غزير من أدعية أهل البيتعليهم‌السلام ، التي تعتبر صفحة مشرقة من صفحات التراث الانساني ، وذخيرة فذّة من ذخائر المسلمين ، فهي من حيث الصياغة والبلاغة آية من آيات الأدب الرفيع ، ومن حيث المضمون فقد أودع الأئمةعليهم‌السلام في أدعيتهم خلاصة المعارف الدينية ، وهي من أرقى المناهل في الالهيات والاخلاق ، وهي وسيلة لنشر تعاليم القرآن وآداب الإسلام وبيان أدقّ أسرار التوحيد والنبوة والمعاد وغيرها من المضامين التي يترتب عليها آثار واضحة في تعليم الناس روحية الدين والزهد والأخلاق.

وفيما يلي نبين بعض الآثار المترتبة على الدعاء في الدنيا والآخرة :

٩٥

أولاً : الآثار العاجلة :

وهي الآثار التي تعود لصالح الداعي في دار الدنيا ، ويمكن حصرها بما يلي :

1 ـ الدعاء مفتاح الحاجات :

الدعاء باب مفتوح للعبد إلى ربّه سبحانه ، يطلب من خلاله كل ما يحتاجه في الدنيا من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق والخلاص من البلاء والغم ، وذلك من أبرز القيم الرفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصالحين ، ومن أهم السنن المأثورة عنهم.

فقد كان خليل الرحمن إبراهيمعليه‌السلام معروفا بالدعاء والمناجاة ، وقد روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قول تعالى : «إنّ إبراهيمَ لأوّاهٌ حليمٌ »(1) أنّه قالعليه‌السلام : «الأوّاه هو الدعّاء »(2) .

وممّا جاء في الكتاب الكريم من دعاء الأنبياء ، قال تعالى : «وأيوبَ إذ نادى ربّهُ أني مسَّني الضُّرّ وأنتَ أرحمُ الراحِمينَ * فاستجبنا لهُ فكشفنا ما به من ضُرٍّ وآتيناهُ أهلهُ ومِثلَهُم مَعهُم رحمةً من عِندنا وذكرى للعابدين »(3) .

وقال تعالى : «وزكريا إذ نادى ربّهُ ربِّ لا تذَرني فردا وأنت خيرُ الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنّهم كانوا يُسارِعُونَ في الخيرات ويدعُونَنا رَغَبا ورَهبا وكانُوا لنا خاشعين »(4) .

__________________

(1) سورة التوبة : 9 / 114.

(2) الكافي 2 : 338 / 1.

(3) سورة الانبياء : 21 / 83 ـ 84.

(4) سورة الأنبياء : 21 / 89 ـ 90.

٩٦

وجاء في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه الإمام الحسنعليه‌السلام : «واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، قد أذن لك في الدعاء ، وتكفّل لك بالاجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه فإذا ناديته سمع نداك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت إليه بحاجتك ، وأبثثته ذات نفسك ، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كرويك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته مالا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار ، وصحّة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب رحمته »(1) .

2 ـ الدعاء شفاء من الداء :

الدعاء شفاء من كلِّ داء ، ومن أوكد الأسباب في إزالة الأمراض المستعصية خصوصا الأمراض النفسية الشائعة في زماننا هذا ، وقد أكدت البحوث الطبية أنّ الطب الروحي من أهم الأسباب في تخفيف مثل هذه الأمراض وإزالتها ، والدعاء يقف على رأس مفردات الطب الروحي والعلاج النفسي.

على أن الدعاء وصفة طبية روحية مقرونة بالرحمة والشفاء للمؤمنين الموقنين، قال تعالى : «ونُنَزّلُ مِن القُرآنِ ما هو شِفَاءٌ ورحمةٌ للمُؤمِنين »(2) .

عن العلاء بن كامل ، قال : قال لي أبو عبداللّهعليه‌السلام : «عليك بالدعاء ،

__________________

(1) نهج البلاغة ، الرسالة (31).

(2) سورة الاسراء : 17 / 82.

٩٧

فإنّه شفاء من كلِّ دعاء »(1) .

وعن الحسين بن نعيم ، قال : اشتكى بعض ولد أبي عبداللّهعليه‌السلام ، فقال : «يا بني ، قل : اللهمّ اشفني بشفائك ، وداوني بدوائك ، وعافني من بلائك ، فاني عبدك وابن عبدك »(2) .

والأدعية الخاصة بعلاج الأمراض المختلفة كثيرة ، يمكن الوقوف على القدر الأكبر منها في بحار الأنوار للعلاّمة المجلسيرضي‌الله‌عنه (3) .

3 ـ الدعاء ادخار وذخيرة :

ومن آثار الدعاء إذا واظب عليه العبد في حال الرخاء أنّه يكون له ذخيرة لاستخراج الحوائج في البلاء.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء »(4) .

4 ـ الدعاء يهذب النفس :

الدعاء من أهم العوامل التي تسهم في بناء الإنسان المؤمن ، لما فيه من العبودية المطلقة للواحد الحق ، التي تكسب الداعي النقاء والصفاء وخشوع القلب ورقته ، وتصنع منه ذاتا متواضعة للّه تعالى ، محبة للخير ، ومصدرا للمعروف ، وتبعا لفيض البركات ، فيصل بتلك النفس إلى

__________________

(1) الكافي 2 : 341 / 1.

(2) الكافي 2 : 411 / 3.

(3) بحار الانوار 95 : 6 ـ 122.

(4) الكافي 2 : 343 / 3.

٩٨

درجات المتقين.

والدعاء سلم المذنبين الذي يعرجون به إلى آفاق التوبة ، حيث يخلون بربهم ، ويبوءون بذنوبهم ، وينزلونها عنده ، ليخفف من غلواء نفوسهم المكبلة بالذنوب ، فهو السبب الذي يوصلهم إلى درجات الطاعة والفضيلة ، لينالوا درجة الإنسانية الكريمة ، ويهذّبوا نفوسهم ، ويفلحوا بسعادة الدارين.

قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الدعاء مفاتيح النجاح ، ومقاليد الفلاح »(1) .

واذا تطلعنا في مفردات التراث الغزير الذي تركه لنا أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في مجال الدعاء ، ولا سيما فيما روي عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام في أدعية الصحيفة السجادية ، فسنرى أنها تزخر بثروة كبيرة من النماذج التي تثير مفاهيم الحياة الفردية والاجتماعية على المستوى الاخلاقي وتحديد مكام الأخلاق وخطوطها التفصيلية ، وعلى المستوى التربوي في تحديد مفاهيم التربية الإسلامية وتهذيب النفس وصفائها ، وتنمية نزعاتها الخيرة ، وردعها عن غيّها ، وترويضها على طلب الخير.

وخير مثال على ذلك هو دعاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال الذي جاء فيه : «اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد ، ومتّعني بُهدىً صالحٍ لا أستبدل به ، وطريقة حقٍّ لا أزيغ عنها ، ونيّة رشدٍ لا أشكّ فيها اللهمّ لا تدع خصلة تعاب منّي إلاّ أصلحتها ، ولا عائبةً

__________________

(1) الكافي 2 : 340 / 2.

٩٩

أُونّب بها إلاّ حسّنتها، ولا أُكرومةً فيّ ناقصةً إلاّ أتممتها »(1) .

5 ـ الدعاء سلاح المؤمن :

الدعاء سلاح ذو حدّين ، فهو من جانب سلاح في مواجهة هوى النفس الأمارة ومطاردة شهواتها ، ومواجهة الشيطان وغروره ، وحبُّ الدنيا وزخرفها ، وهذا هو حدّ الانتصار على النفس ، الذي يؤدي إلى تهذيبها والارتفاع بها إلى درجات الصالحين ، ومن جانب آخر فإنّ الدعاء عدّة المؤمن لمواجهة أعدائه ، وهو السلاح الذي يشهره في وجه الظالمين.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السموات والأرض »(2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :تدعون ربكم بالليل والنهار ، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء »(3) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الدعاء ترس المؤمن »(4) .

ولقد اتخذ الأنبياء والأوصياء والصالحون من الدعاء سلاحا يقيهم شرور أعدائهم من الكافرين والمتمردين.

__________________

(1) الصحيفة السجادية ، الدعاء رقم (20).

(2) الكافي 2 : 339 / 1. وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 : 37 / 95.

(3) الكافي 2 : 240 / 3.

(4) الكافي 2 : 340 / 4.

١٠٠