المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية الجزء ١

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية15%

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 369

  • البداية
  • السابق
  • 369 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37480 / تحميل: 7383
الحجم الحجم الحجم
المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المهدي الموعود المنتظر

عند علماء أهل السنة والإمامية

الجزء الأول

الشيخ نجم الدين جعفر بن محمَّد العسكري

١

٢

المَدْخَل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا ونبينا محمّد وآل بيته الهداة المهديّين.

ثمّة سؤال يساور أذهان المبتدئين في دراسة الآثار والروايات الإسلامية، يدور حول روايات مدرسة آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتب أهل السُنّة والجماعة، فهذه الروايات كافية لإثبات جميع عقائد أتباع مدرسة آل البيت (عليهم السلام)، فلماذا لا يلتزم أهل السُنّة والجماعة بهذه العقائد المنبثقة من روايات واردة في كتبهم؟

الجواب على هذا السؤال يتطلب استعراضاً طويلاً لتاريخ جَمْع الحديث، وللتيارات المتصارعة التي ظهرت بعد رحلة القائد الأوّل، لكنّنا نكتفي بالإشارة إلى النقاط التالية:

١ - هذه الروايات ضاعت بين ركام من الروايات والأحاديث الأخرى، ولَمْ تَعُد في متناول يد الجميع.

٢ - وضّاع الحديث الذين سخّروا أنفسهم لخدمة أصحاب القوّة والنفوذ، وضَعوا أحاديث في شأن أعداء مدرسة آل البيت (١) ، تشبه الروايات التي وردت في حقّ آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبذلك صَعُب التمييز بين أصحاب الحق والباطل (٢) .

٣ - هؤلاء الوضّاع اختلقوا أحاديث وروايات للحَطّ مِن مكانة أهل بيت رسول الله، وأحاديث وروايات أخرى تُطْرِي على أعداء أهل البيت، وتبرّر انحرافاتهم، وبذلك عقَّدوا الأمر على مَن يطلب سبيل الرشاد (٣) .

٤ - حين يستلزم الأمر أحياناً نقل أحاديث بشأن أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإنّ هذه الأحاديث تُنْقَل مع تأويل وتحريف لمعناها، كتأويل كلمة (المولى) - في حديث الغدير -، بالصاحب، والمحبّ.

ويتحمّل المسلمون اليوم - بأَجمعهم - مسؤولية استخراج هذه الروايات من مظانِّها، وتوضيح معانيها الصحيحة ودلالاتها الواقعية، وما تُقدّمه من معتقدات وإرشادات لتبيين معالم طريق الإسلام.

لقد نهض بهذه المسؤولية ثلّة من كبار علماء المسلمين، من أمثال: الشيخ المفيد

٣

والعلاّمة الحلّي والحاج ميرزا حسين النّوري، والمِير حامد حسين الهندي، والعلاّمة السيّد شرف الدين، والعلاّمة الأميني (رضوان الله عليهم أجمعين).

ومؤسّسة الإمام المهدي، إيماناً منها بأهمية هذا الخط وضرورة مواصلته، عازمةٌ - بإذن الله تعالى - على نشر مؤلَّفات هؤلاء العلماء المجاهدين، وابتدأت لعملها هذا، من نشر كتب العلاّمة الفقيد الشيخ نجم الدين جعفر بن محمّد العسكري (رحمة الله عليه)، وهو من أكابر العلماء الذين تبنّوا خدمة خط أهل بيت رسول الله، والدفاع عنه، نأمل أن تكون المجموعة التي سننشرها - بإذن الله - في هذا المجال، خير دليل على أنّ ما يؤمن به شيعة آل بيت رسول الله، مسنود بروايات وردت في كتب أهل السُنّة والجماعة أيضا، والله من وراء القصد.

____________________

(١) العلاّمة عبد الحسين الأميني، الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب: ج٥، ص٢٠٩ – ٢٧٥، وفي هذا الكتاب وردت أسماء سبعمائة راوٍ، قال عنهم علماء أهل السنّة والجماعة: أنّهم وضّاعون، وقد أحصيتُ عدد الروايات المنقولة عن (٤١) من هؤلاء الوضّاعين، فبلغت (٤٠٨٦٨٤) حديثاً (الغدير ٥، ٢٨٨ – ٢٩٠).

كما أنّ لبعض هؤلاء الوضّاعين كتباً مستقلة (راجع التفاصيل في الغدير، ج٥، ٢٩٠- ٢٩١).

ويقول صاحب الغدير - في حديثه عن هؤلاء الوضّاعين -:

ويُعْرِب عن كثرة الموضُوعات، اختيار أئمّة الحديث أخبار تآليفهم الصحاح والمسانيد من أحاديث كثيرة هائلة، والصفح عن ذلك الهوش الهائش. قد أتى أبو داود في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديث، وقال: انتخبته من خمسمائة ألف حديث. (طبقات الحفّاظ للذهبي: ٢/ ١٥٤. تاريخ بغداد: ٩/ ٥٧. المنتظم لابن الجوزي ٥/٩٧. ويحتوي صحيح البُخاري من الخالص بلا تكرار: ألْفَي حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثاً، اختاره بين زهاء ستمائة ألف حديث (طب ٢/٨، إرشاد الساري ١/٢٨، صفة الصفوة ٤/١٤٣)، وفي صحيح مسْلِم أربعة آلاف حديث أصول دون المكرّرات، صنّفه من ثلاثمائة ألف، (المنتظم لابن الجوزي ٥/ ٣٢، طبقات الحفاظ للذهبي ٢/١٥١، شرح صحيح مسلم للنّووي ١/٣٢)، وذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألْف حديث، وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألْف حديث، وكان يحفظ ألْف ألْف حديث، (ترجمة أحمد، المنقولة عن: طبقات ابن السبكي، المطبوعة في آخر الجزء الأوّل من مسنده. طبقات الذهبي ٢/١٧). وكتب أحمد بن الفرات (المتوفّى ٢٥٨): ألْف ألْف وخمسمائة ألْف حديث، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألْف في التفسير والأحكام والفوائد وغيره. صه ص٩.

(نفس المصدر، ص٢٩٢، ٢٩٣)

(٢)، (٣) لمزيد من التفصيل، راجع المصدر: ص٢٩٧، ٣٧٥.

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله الغرّ الميامين، الأوصياء بالحق: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وأولاده الأحد عشر المعصومين (عليهم صلوات الله وسلامه)، ما دامت السموات والأرضين.

وبعد، يقول جعفر بن محمّد، نجم الدين: لا حَوْلَ ولا قُوّة إلاّ باللهِ العليّ العظيم، وبحول الله وقوّته استعين، في أن أجْمَعَ في هذا المختصر، بعض ما روي في أحوال المهدي الموعود المنتظر، إمام زماننا عجّل الله فرجه، وسهّل مخْرَجه، وجعلنا من أنصاره وأعوانه، والذابّين عنه. أروي بعض ما عثرت عليه في كتب علماء أهل السُنّة، وبعض ما في كتب الإمامية بحذف السند. غير إنّي - إنشاء الله تعالى - أذكر مصادرَ الأحاديث حَسب الإمكان، والله المستعان في جميع الأمور، وهو حسبي ونعم المستعان.

وسمّيت هذا المختصر (المهدي الموعود المنتظر، عند علماء الجمهور من أهل السُنّة وعند الإمامية) وهو في مقدّمة وخاتمة.

المقدّمة:

وفيها أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيّن لأُمته - المرحومة - قبل انتقاله من عالم الفناء إلى عالم البقاء في موارد عديدة وبعبارات مختلفة أنّ أوصياءه والخلفاء من بعده اثنا عشر، وهم: ابن عمّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وَبَنُوه

٥

الأحد عشر المعصومين. وقد رُويَ عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تعيينهم (عليهم السلام) أحاديث مجملة ومفصّلة، نذكر بعضها بروايات علماء أهل السُنّة، وهي كثيرة، ذكرنا قسماً منها في كتابنا (علي والوصية) ونذكر لك منها اثني عشر حديثاً في هذه المقدّمة.

١- منها، ما أخرجه العلاّمة أستاذ الذهبي الشيخ إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي (المتوفّى سنة ٧٢٢ هـ)، فقد روى بسنده، عن سعيد بن جُبير، عن عبد الله بن عبّاس، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّ خلفائي وأوصيائي (وحجج الله على الخلق بعدي) لاثنا عشر أوّلهم أخي، وآخرهم وَلَدِي. قيل: يا رسول الله، ومَن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل: ومَن وَلَدُك؟ قال: المهدي، الذي يملأها قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، والذي بَعَثَنِي بالحقّ بشيراً، لو لَمْ يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه وَلَدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب »، فرائد السمطين (ج٢، الحديث الأول).

المؤلِّف:

أخرج العلاّمة الشيخ سليمان القندوزي الحنفي الحديث، في ينابيع المودّة (ص ٤٤٧، طبع / إسلامبول)، وقال - ما هذا نصّه -: قال في كتاب فرائد السمطين، للشيخ محمّد بن إبراهيم الجويني، الخراساني، الحمويني، المحدّث الفقيه الشافعي، بسنده، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاثنا عشر، أوّلهم عليٌ، وآخرهم ولَدَي المهدي. فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلف المهدي، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب » .

المؤلِّف:

الظاهر أنّ صاحب ينابيع المودّة ذكر الحديث بالمعنى؛ لِما فيه من اختلاف اللفظ والاختصار والزيادة، والله أعلم. وقد أخرج الحديث

٦

العلاّمة الحجة السيّد هاشم في غاية المرام (ص٤٣)، ولفظه يساوي لفظ الحمويني في الفرائد، وفيه قوله: « وحُجج الله على الخلق بعدي » ، وأخرجه في (ص١٩٢) أيضاً، من فرائد السمطين (ج٢)، الحديث الأول، ولفظه يساوي ما تقدم، وفيه قوله: « وحجج الله على الخلق بعدي »، ولعلّ إسقاط هذه الجملة من سهو الكاتب، والله أعلم. وأخرجه في إلزام الناصب (ج١، ص١٨٧، طبعة / ٢).

٢ - ومنها، ما أخرجه الحمويني أيضا، في فرائد السمطين (ج٢)، في الحديث الثاني - من الأحاديث التي أخرجها في أحوال الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الكتاب - أخرج بسنده، عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عبّاس، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « أنا سيد النبيّين، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم المهدي » .

٣ - ومنها، ما في ينابيع المودّة (ص ٨٥، طبع/ إسلامبول)، أخرج بسنده، عن أبي الطُفيل، عامر بن واثلة، وهو آخر مَن تُوفيّ من الصحابة، وقد رُوي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، أنّه قال:

« قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا علي أنت وصيي، حَرْبك حَرْبي وسِلْمك سِلْمي، وأنت الإمام، وأبو الأئمّة الإحدى عشر، الذين هم المطهّرون المعصومون، ومنهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فويلٌ لمُبغضهم يا علي، لو أنّ رجلاً أحبّك وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك، فأنتم معي في الدرجات العُلى، وأنتَ قسيم الجنّة والنار؛ تُدخِل مُحبيك الجنّة ومبغضيك النار » .

المؤلِّف:

هذا الحديث الشريف أخرجه جماعة من علماء أهل السُنّة وعلماء الإمامية، وهذا الحديث الشريف يتضمن أحاديث عديدة رواها علماء المسلمين، من أهل السنّة والإمامية، بالانفراد، وبالاجتماع، والمقام لا يناسب التفصيل.

٤ - ومنها، ما في تاريخ مَقْتَل الحسين (عليه السلام) (ج١، ص٩٥)،

٧

تأليف العلاّمة، أخطب خطباء خوارزم، موفّق بن أحمد الحنفي (المتوفّى سنة ٥٦٨)، أخرج بسنده المتصل، عن سلامة عن أبي سلْمى، راعي إبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يقول:

« لَيلةَ اُسريَ بي إلى السماء، قال لي الجَليل - جلّ وعلا -: آمنَ الرسولُ بما أُنزِل إليه من ربّه، قلتُ: والمؤمنون، قال: صدقت يا محمّد، مَن خَلّفْتَ في أمتك؟ (قلتُ): خَيرُها، قال: علي بن أبي طالب، (قلت): نعم يا ربّ، (قال: يا محمّد) إنّي اطلعت إلى الأرض اطلاعه، فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أُذْكَر في موضع إلاّ ذُكِرت معي، فأنا المحمود وأنتَ محمّد، ثمّ اطلعت الثانية، فاخترت علياً، فَشَقَقتُ له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو عليّ، (يا محمّد): إنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً وفاطمة والحَسن والحُسين، والأئمّة مِن ولْدِه من سِنْخ نورٍ من نُوري، وعَرَضْتُ ولايَتَكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمَن قَبِلها كان عندي من المؤمنين، ومَن جَحَدها كان عندي من الكافرين، (يا محمّد): لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني، حتى ينقطع أو يصير كالشنِّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له، حتى يقرّ بولايتكم، (يا محمّد): أتحب أن تراهم؟ قلتُ: نعم، يا ربّ، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفتُ، فإذا أنا بعليّ، وفاطِمة، والحَسَن، والحُسَين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والمهدي، في ضِحْضاح من نور، قياماً يصلّون وهو في وسطهم (يعني: المهدي) ، كأنّه كوكب دريّ، (قال: يا محمّد) هؤلاء الحُجَج، وهو الثائر مِن عِترتك، وعزتي وجلالي، إنّه الحُجّة الواجبة لأوليائي، والمنتَقِم مِن أعدائي (والمُمِدّ لأوليائي) » .

المؤلِّف:

ما كتب بين هلالين لاختلاف النسخ، ثمّ لا يخفى على أهل الحديث أنّ هذا الحديث أخرجه جماعة من علماء أهل السُنّة، وقد أخرجه

٨

موفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي، في كتابه الآخر المعروف بالمناقب، وقد طُبع في إيران وفي النجف الأشرف، وما أخرجه في المناقب (ص ٥) يساويه في اللفظ، إلاّ في بعض الكلمات التي لا توجد في الحديث الأوّل.

وأخرجه الشيخ سليمان الحنفي، في ينابيع المودّة (ص ٤٨٦) عن أبي سليمان، راعي إبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه اختصار وزيادة.

٥ - ومنها، ما في فرائد السمطين (ج٢، في الباب الحادي والثلاثين) أخرج بسنده المتصل، عن مُجاهد عن ابن عبّاس (رضي الله عنه)، قال: قَدِم يهودي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يقال له (نَعْثَل)، فقال: يا محمّد، إنّي أسألك عن أشياء تُلجلِج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمتُ على يدك؟ قال: « سَلْ يا أبا عمارة ، قال: يا محمّد، صف لي ربك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه؛ وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الأوصاف أن تُدْرِكَه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار الإحاطة به، جلّ عمّا يصفه الواصفون، ناءٍ في قُربه، وقريب في نأيه، كيّف الكيف فلا يقال له كيف، وأيّن الأين فلا يقال له أين، هو منقطع الكيفية فيه والأينونة، فهو الواحد الأحَد والصمد، كما وصف به نفسه، والواصفون لا يبلغون نَعْتَه، لَمْ يلدْ ولَمْ يُولَد، ولم يكن له كُفواً أحد.

قال: صَدَقْت يا محمّد، فأخبرني عن قَولِك إنّه واحدٌ لا شبيه له، ألَيس الله تعالى واحدٌ والإنسان واحد، بوحدانيته قد أشبهت وحدانيته الإنسان؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الله تعالى واحدٌ أحديّ المعنى، والإنسان واحدٌ ثنائي المعنى، جسم وعرض وبدن وروح، فإنّما التشبيه في المعاني لا غير، قال: صَدَقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيّك مَن هو؟ فما مِن نبي إلاّ وله وصي، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يُوشع بن نون ، فقال: نعم إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، وبعده سِبطاه الحَسن والحُسين، يتلوه تسعة من صُلب

٩

الحسين، أئمّة أبرار، قال: يا محمّد، فسمِّهم لي؟ قال: نعم إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمّد، ثمّ ابنه علي، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ الحجّة بن الحسن، فهؤلاء اثنا عشر، أئمّة عدد نُقباء بني إسرائيل، قال: فأين مكانهم في الجنّة؟ قال: معي في درجتي ».

قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله، وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدتُ هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران، أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له (أحمد) خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده، فيخرج من صُلبه أئمّة أبرار عدد الأسباط. الحديث، وله بقية. راجع فرائد السمطين أو كتاب غاية المرام (ص٣٩) تجد الحديث كامل.

وقد أخرج الحديث الشيخ سليمان الحنفي، في ينابيع المودّة (ص٤٤١) مع الاختصار، ولا يعرف الحديث لاختصاره.

المؤلِّف:

ذُكر في الحديث أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: « فهؤلاء اثنا عشر، أئمّة عدد نُقباء بني إسرائيل » ، وهذا البيان ورد في أحاديث عديدة روتها علماء أهل السنّة في كتبهم المعتبرة وهي كثيرة.

٦ - ومنها، ما في مسند أحمد بن حنبل (ج١، ص٣٩٨)، حيث أخرج مسنده عن الشعبي عن مسروق، قال: كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يُقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمان، هل سألتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم تملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد - منذ قدمت العراق - قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: « اثنا عشر، كعدّة نقباء بني إسرائيل » .

٧ - ومنها، ما في منتخب كنز العمّال (بهامش ج٥)، مسند أحمد (ص٣١٢)، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « يملك هذه الأمّة اثنا عشر خليفة، كعدّة نقباء بني

١٠

إسرائيل»، ثمّ قال: أخرجه أحمد والطبراني في (المعجم) الكبير، والحاكم في المستدرك للصحيحين، البُخاري ومسلم.

٨ - ومنها، ما في تاريخ الخلفاء للسيوطي الشافعي (ج١، ص٧)، قال: وعند أحمد والبزّار - بِسَنَد حسنٍ - عن ابن مسعود، أنّه سُئل: كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: « اثنا عشر، كعدّة نُقَبَاء بني إسرائيل » .

٩ - ومنها، ما في الصواعق المحرقة لابن حَجَر الهَيْتَمي الشافعي (ص١٢)، قال: روي عن ابن مسعود بسند حسن أنّه سُئل كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ قال: سألنا عنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: « اثنا عشر، كعدّة نُقَباء بني إسرائيل » .

١٠ - ومنها، ما في كنز العمّال (ج٦، ص٢٠١)، في (الحديث ٣٤٨)، من فتن نعيم بن حمّاد بسنده، عن ابن مسعود أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: « يكون بعدي من الخلفاء عدّة نُقباء موسى » .

١١ - ومنها، ما في كنز العمّال أيضاً (ج٣، ص٣٠٥)، في (الحديث ٣١٦٢)، من تاريخ ابن عساكر، ومن كتاب الكامل لابن عدي عن ابن مسعود، أنّه قال، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّ عدّة الخلفاء بعدي عدّة نقباء موسى » .

١٢ - ومنها، ما في ينابيع المودّة، (ص ٤٨٥)، قال: أخرج صاحب المناقب بسنده، عن عبد السلام الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم)، قال: « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ما خََلَق الله خَلْقاً أفضل مِنّي، ولا أكرم عليه مِنّي، قال علي، فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل؟ فقال: يا علي، إنّ الله - تبارك وتعالى - فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النبيين والمرسلين، والفَضْل بعدي لك يا عليّ وللأئمّة مِن وِلدِك مِن بعدك، فإنّ الملائكة من خُدّامنا وخُدّام

١١

محبينا، يا عليّ الذين يحملون العرْش، ومَن حَوْله، يسبّحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا عليّ، لولا نحنُ ما خَلَقَ الله آدم ولا حوّاء، ولا الجنّة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة؛ وقد سبقناهم إلى معرفة ربِّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه؛ لأنّ أوّل ما خلق الله - عزّ وجلّ - أرواحنا، فأنْطَقَنا بتوحيده وتحميده، ثمّ خَلَقَ الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبّحنا؛ لتعلم الملائكة: أنّا خَلْقٌ مخلوقون، وإنّه تعالى منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا، ونزّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عِظَم شأنِنا، هلّلنا؛ لتَعْلَم الملائكة: أن لا إله إلاّ الله، وأنّا عبيد، ولسنا بآلهة يجب أن تُعبد معه، أو دونه، فقالوا: لا إله إلاّ الله، فلمّا شاهدوا كِبَرَ محلِّنا، كبَّرنا؛ لتَعْلَم الملائكة: أنّ الله أكبر، فلا يَنَالُ مخلوقه عِظَم المحل إلاّ به. فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا، من العز والقوة، قلنا: لا حَوْلَ ولا قوّة إلاّ بالله؛ لتعلم الملائكة: أن لا حَوْلَ ولا قوّة إلاّ بالله. فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه لنا مِن فَرْضِ طاعة الخَلْقِ إيانا، قلنا: الحَمدُ لله؛ لتعلم الملائكة: أنّ الحَمْدَ لله على نعمته، فقالت الملائكة: الحمد لله، فَبِنَا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله، وتسبيحه، وتهليله، وتكبيره، وتحميده، وإنّ الله - تبارك وتعالى - خلق آدم (عليه السلام) ، فأودَعَنَا في صُلبه، وأمر الملائكة بالسجود له؛ تعظيماً وإكراماً له، وكان سجودهم لله عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لأمر الله؛ لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون. وإنّه لمّا عُرِج بي إلى السماء، أذّن جبرائيل مَثْنَىً مَثْنَىً، وأقام مَثْنَىً مَثْنَىً، ثمّ قال: تقدّم يا محمّد، فقلت: يا جبرائيل، أتقدم عليك؟ فقال: نَعم، إنّ الله - تبارك وتعالى - فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضّلك خاصّة على جميعهم. فتقدّمت فصلّيتُ بِهم، ولا فخر. فلمّا انتهيت إلى حُجُب النور، قال لي جبرائيل: تقدّم يا محمّد، وتخلّف هو عنّي، فقلت: يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد، إنّ هذا انتهاء حدي الذي وضعني الله فيه، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربي جلّ جلاله، فزَجّ بي النور زَجّة

١٢

حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علوّ مُلكه، فنوديتُ: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد وعليّ فتوكّل، وخلقتك من نوري وأنت رسولي إلى خَلْقي وحجتي على بريتي، لك ولِمَن اتّبعك خلقت جنّتي، ولِمَن خالفك خلقت ناري.

  وأوصياؤُك المكتوبون على سُرادق عرشي، فنظرت فرأيت اثنا عشر نوراً، وفي كل نور سطراً أخضر، عليه اسم وصيّ من أوصيائي أوّلهم: عليٌ، وآخرهم: القائم المهدي، فقلت: يا ربّ، هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديتُ: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحُجَجِي بَعدك على بريتي، وهم أوصياؤك، وعزتي وجلالي، لأُطهِّرنّ الأرض بآخرهم المهدي من الظلم، ولأُمَلِّكنّه مشارق الأرض ومغاربه، ولأُسخِّرنّ له الرياح، ولأُذلِلنَّ له السَحاب الصِعاب، ولأُرقِيّنه في الأسباب، وَلأنْصُرنّه بِجُندي، ولأمُدّنه بملائكتي، حتى تعلو دعوتي، ويُجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأُديمن مُلكه، ولأُداوِلنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة ».

١٣

البابُ الأوّل

نذكر فيه - إنشاء الله تعالى - بعض ما روي من الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) من أهل بيته، أو من عِترته، أو من ذريته، أو من وُلْدِه، أو ما بهذه المضامين والمعنى. وما روي بمضمون ما ذكرناه - في كُتب علماء أهل السنّة، أو كُتب الإمامية - كثيرة، ونُقدم بعض الأحاديث التي ذُكر فيها أنّه (عليه السلام) من وُلْده، - ثمّ بقية الأحاديث بعده - إنشاء الله تعالى وبحول الله وقوته.

١ - ومنها، ما في كنز العمّال (ج٧، ص١٨٦)،عن حُذيفة، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « المهدي رجلٌ من وُلدي، وجهه كالكوكب الدرّي » من مسند الرُوْياني.

ا لمؤلِّف:

آخر الحديث في الصواعق المحرقة لابن حجر (ص١٠٠)، ولفظه يساوي ما يأتي من إسعاف الراغبين سنداً ومتناً.

٢ - وفي كتاب: العُرف الوردي (ص ٦٦)، قال: أخرج الرُوْياني في مسنده، وأبو نعيم في (صفة المهدي)، عن حُذيفة قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « المهدي رَجلٌ من وُلدي، وجهُه كالكوكب الدرّي » .

المؤلِّف:

أسقط السيوطي الشافعي - ومَن قَبْله - من ألفاظ الحديث، ولم يتفكروا أنّ ذلك يظهر لأصحاب الحديث.

١٤

٣ - وفي كتاب إسعاف الراغبين، المطبوع بهامش نور الأبصار (ص ١٢٤)، قال: أخرج الرُوْياني والطبراني، وغيرهما، أنّه - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال: « المهدي من وِلْدي، وجْهُه كالكوكب الدرّي، اللون لونٌ عربي، والجسم جِسمٌ إسرائيلي - أي طويل -، يملأُ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، يَرضَى لخلافته أهلُ السماء وأهلُ الأرض » .

المؤلِّف:

أخرج الحديث في: نور الأبصار (ص١٥٣) إلى قوله: « كما مُلئت جوراً » وقال: أخرجه الرُوْياني والطبراني.

٤- وفي كتاب ينابيع المودّة (ص ٤٦٩)، أخرج ما أخرجه في إسعاف الراغبين، ولفظه يساوي لفظه، غير أنّه قال: أخرجوه مرفوعاً.

٥ - وفي كتاب عقد الدُّرر في أخبار المهدي المنتظر في (الباب الثالث، الحديث ٤٦)، قال، وعن حُذيفة (رض) قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « المهدي رجل من وُلدي، وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لَوْنُ عربي، والجِسْمُ جِسْمُ إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، يُرضى في خلافته أهل السماء، والطيرَ في الجوّ، يملك سنة » .

أخرجه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي، وأخرجه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه.

المؤلِّف:

أخرج ابن الصبّاغ المالكي الحديث في الباب الثاني عشر من الفصول المهمّة (ص٢٧٥ – ص ٢٧٦)، وفيه: « المهدي وَلَدي، وجْهُه كالقمر الدرّي » الحديث.

٦ - وفي كتاب عقد الدُّرر في (الباب الأوّل، الحديث ٨)، قال: وعن حُذيفة (رضي الله عنه)، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « المهدي رَجُل مِن وُلْدي، وجْهُه كالكوكب الدرّي » . أخرجه أبو نعيم في صفة المهدي.

المؤلِّف:

وأخرجه في ينابيع المودّة (ص ٤٦٩) من إسعاف الراغبين، وفي ذخائر العقبى (ص١٣٦).

١٥

٧ - وفيه أيضا، (في الباب الأول، الحديث ٩) عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من وُلْدي، ولا يَخْرُجْ حتى يَخْرُج ستون كذّاب، كلهم يقول أنا نبيّ » .

٨- وفيه أيضاً، في (الباب الأول، الحديث ١٣) عن أبي سعيد الخِدْري (رضي الله عنه) قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من وُلْدي. لَيَمْلأُنّ الأرض عدواناً، ثمّ لَيَخرجَنَّ رجلٌ مِن أهل بيتي يملأُها قِسطاً وعدلاً » . أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي.

٩ - وفيه أيضا، في (الباب الأوّل، الحديث ٢٥) عن حُذيفة (رضي الله عنه)، قال: خَطَبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فذكر لنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، ثمّ قال: « لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحد لطوّل الله عزّ وجل ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من وُلْدي اسمه اسمي، قال، فقام سلمان (رضي الله عنه)، فقال: يا رسول الله، مِن أيّ وِلْدك؟ قال: هو من وَلَدي هذا » وضرب بيده على الحسين (بن علي). أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي.

المؤلِّف:

أخرج الحديث في ينابيع المودّة (ص٢٢٤)، من قوله: « لو لمْ يبقَ مِن الدنيا إلاّ يوم واحد » .. إلخ. وقال: أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني

في الأحاديث الأربعين في المهدي (رضي الله عنه)، وقال فيه: « اسمهُ كاسمي » .

وفي ذخائر العقبى للمحب الطبري الشافعي (ص ١٣٦)، أخرج الحديث بسنده عن حُذيفة، ولفظه يساوي لفظ القندوزي في ينابيع المودّة، وعلّق عليه.

المؤلِّف:

أخرج الحديث في ينابيع المودّة (ص٤٣٣)، وقال: أخرجه الرُوْياني، والطبراني، وأبو نعيم، والدَيْلمي في مسنده.

١٠- وفيه أيضاً، في الباب الثاني (الحديث ٤١) عن حُذيفة، رواه عنه أبو الحسن الرابع المالكي، عن حُذيفة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآل J ه وسلّم)، أنّه قال: « لو لَمْ

١٦

يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من وَلْدي اسمه اسمي، وخُلُقه خُلُقي، يُكنّى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يردّ الله به الدين ويفتح له فتوحاً، ولا يبقى على وجه الأرض إلاّ مَن يقول لا إله إلاّ الله، فقام سلمان، فقال: يا رسول الله، مِن أيّ ولدك؟ قال: من وِلْد ابني هذا » وضرب بيده على الحسين.

المؤلِّف:

أخرج الكنجي في كتاب البيان في (الباب ١٣) الحديث بسنده، عن زر بن حبيش، عن حُذيفة، ولفظه يساوي لفظه، وقال: هذا حديث حسن رزقناه عالي.

١١ - وفيه أيضا، في (الباب الثاني، الحديث ٤٢) عن عبد الله (ابن عمر)، (رض)، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « يَخرُج في آخر الزمان رجل من وِلْدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً » .

١٢- وفيه أيضاً، في (الباب الثالث، الحديث ٤٩) عن حُذيفة بن اليمّان (رض) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - في قضية السُفياني وما يفعله من الفجور والقتل - قال: « فعند ذلك ينادي منادٍ من السماء: يا أيّها الناس، إنّ الله قطع عنكم مدّة الجبّارين والمنافقين وأشياعهم، ووليكم خيّر أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فالْحَقوه بمكّة، فإنّه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله، قال حُذيفة بن اليمّان: فقام عمران بن الحصين، فقال: يا رسول الله، كيف لنا بهذا حتى نعرفه؟ قال: هو رجل من وُلدي كأنّه من رجال بني إسرائيل، عليه عباءتان قطوانيّتان، كأنّ وجهه الكوكب الدّري، عربي اللون، في خدّه الأيمن خال، كابن أربعين سنة » . أخرجه الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد المقري في سُننه.

١٣- وفيه أيضا، في (الباب الثالث، الحديث ٥٠) عن أبي إمامة الباهلي (رض)، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن (في) يوم الرابعة على يد رجل من آل هارون (آل هرقل) يدوم سبع سنين، فقال رجل من عبد القيس - يقال له المستورد بن غيلان (بجلان) - يا رسول الله،

١٧

مَن إمام الناس يومئذٍ؟ قال: المهدي من وُلدي، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب درّي، في خدّه الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيّتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يملك عشرين سنة، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك » .

أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي.

المؤلِّف:

أخرج الحديث في ينابيع المودّة (ص٤٤٧) عن أبي إمامة، وفي لفظه اختلاف، والظاهر أنّ ذلك من الطابع.

أخرجه الكنجي في كتاب البيان (في الباب ١٨، وفي الباب ٢٢) مع اختلاف في اللفظ، أخرجه الحمويني في فرائد السمطين في (الحديث ٥)، من آخر (ج٢).

١٤ - وفي كتاب الفصول المهمّة في الباب الثاني عشر (ص٢٨٠، طبع/ النجف الأشرف)، قال: وعن أبي إمامة الباهلي، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل تدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس - يقال له المستورد بن غيلان -: يا رسول الله مَن إمام الناس يومئذٍ؟ قال: المهدي من وُلْدي، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب درّي، في خدّه الأيمن خال أسود، وعليه عبايتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك » .

المؤلِّف:

أخرج الحديث الحافظ أبو نعيم في الأربعين حديث، الذي جمعه في الإمام المهدي (عليه السلام) وفيه اختلاف في اللفظ وسيأتي لفظه في (رقم ٣٠).

١٥- وفي فرائد السمطين في آخر الجزء الثاني، أخرج بسنده، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضوان الله عليهم أجمعين)، قال: « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : المهدي من وُلْدي، يكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملأُها عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً » .

١٨

المؤلِّف:

أخرج الحديث في ينابيع المودّة (ص ٤٤٨)، وفيه اختلاف في اللفظ واختصار، والظاهر أنّ ذلك منه، ويأتي الحديث برواية حُذيفة وهو (الحديث ١٢٨) من الفصل الثاني من عقد الدرر، وفيه زيادات وأمور مهمّة، وهو (الحديث ٢١) من الباب الأول من هذا المختصر، فتبصّر.

١٦- وفيه أيضاً، في آخر الجزء الثاني، أخرج بسنده، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « المهدي من وُلْدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاُ، يكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم. ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً » .

المؤلِّف:

أخرج الحديث في ينابيع المودّة (ص٤٩٣) بسند متصل عن جابر بن عبد الله الأنصاري، ولفظه يساوي لفظه وقال: أخرجه في المناقب.

١٧- وفي ينابيع المودّة (ص ٤٤٨) من الفرائد للحمويني الشافعي، قال: وفيه عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّ علياً وصيّي، ومن وُلْدِه القائم المنتظر المهدي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إنّ الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر ، فقام إليه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربي، ليُمحِّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، ثمّ قال: يا جابر، إنّ هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، فإياك والشكّ؛ فإنّ الشك في أمر الله عزّ وجل كفر » .

١٨- وفي نور الأبصار (ص ١٥٤) للشبلنجي الشافعي (المتوفّى سنة ١٢٩٨)، قال أخرج ابن شيرويه في كتاب الفردوس (في باب الألف واللام) عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله سلم): « المهدي طاووس أهل الجنّة » .

١٩

يأتي الحديث في باب أوصاف المهدي (عليه السلام) في كتب عديدة، وعنه بإسناده، عن حُذيفة بن اليمّان (رضي الله عنهما) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: « المهدي من وُلْدِي، وجهه كالقمر الدرّي، واللون منه لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جَوْراً، يرضى بخلافته أهل السماء والأرض والطير في الجوّ، يملك عشر سنين (يملك عشرين سنة) » .

المؤلِّف:

أخرج ابن الصبّاغ المالكي الحديث في الفصول المهمّة (ص ٢٧٥) من كتاب فردوس الدَيلَمي ولفظه يساوي لفظه، ولعلّ الكنجي الشافعي نقل الحديث منه ولم يذكر ذلك، أخرجه الكنجي الشافعي في كتاب البيان(في الباب ٨)، وقال فيه: « يملك عشرين سنة » ، وهذا دليل على أنّ ما في نور الأبصار أنّه (عليه السلام) يملك عشر سنين خطأ من الراوي أو الطابع.

وأخرج الحديث أيضاً الكنجي في (الباب ١٧)، وفيه: « المهدي رجل من وُلْدي، وجهه كالكوكب الدرّي » الحديث، وفيه أنّه (عليه السلام) يملك عشرين سنة.

١٩- وفي كتاب الفتن لابن طاووس (باب ٧٠، ط / ٣، ص ١١٥)، نقلاً من فتن أبي صالح السليلي، عن ربعي بن خراش، قال: سمعت حُذيفة بن اليمّان يقول، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إذا كان رأس الخمسين والثلاثمائة - وذكر كلمة - نادى منادٍ من السماء: ألا أيّها الناس، إنّ الله قد قطع مدّة الجبّارين والمنافقين وأتباعهم، وَوَلِيكم الجابر خير أمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فالْحَقوه بمكّة فإنّه المهدي، واسمه أحمد بن عبد الله، قال عمران بن حصين: (قلنا)، صِفْ لنا - يا رسول الله - هذا الرجل وما حاله؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّه رجل من وُلْدي، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يخرج عند جَهد من أمّتي وبلاء، عربي اللون، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب درّي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يملك عشرين سنة، وهو صاحب مدائن الكفر كلها قسطنطينية ورومية، يخرج إليه الأبدال من الشام وأشتاتهم كأنّ قلوبهم زُبر الحديد، رُهبانٌ بالليل، ليوثٌ بالنهار، وأهل اليمن حتى يأتونه

٢٠

المرصدُ الأوّل

في الأُمور العامّة

وفيه فصول

٢١

٢٢

الفصل الأوّل

في المقدمات

المقدّمة الأُولى: [في التّصور والتّصديق]

العلم إمّا تصوّرٌ، وهو حصولُ صورة الشّيء في العقل من غير حكم؛ وإمّا تصديقٌ، وهو الحكمُ ببعض المتصوّرات على بعض إيجاباً أو سلباً. وكلٌّ منهما ضروريٌّ ومكتسبٌ:

فالضّروريّ من التّصوّرات، ما لا يتوقّف حصوله على طلب وكسب، كتصوّر الحرارة والبرودة؛ والمكتسبُ، ما يتوقّف، كتصوّر الجوهر والعرض.

والضّروريّ من التّصديقات ما يكفي تصوّرُ طرفيه في الحكم، كالتّصديق بأنّ (الكلّ أعظمُ من الجزء)؛ والمكتسبُ ما لا يكفي، كالحكم بحدوث العالم.

وكاسبُ التّصوّر: الحدُّ، وهو التّعريفُ بالأجزاء؛ أو الرّسمُ، وهو التّعريفُ بالأعراض الخارجيّة (1) .

____________________

(1) ألف: الخارجة.

٢٣

وكاسبُ التّصديق هو الحجّةُ؛ وهي (1) إمّا قياسٌ، إن استدلّ بالعامّ على الخاصّ؛ وإمّا استقراءٌ، إن كان بالعكس؛ وإمّا تمثيلٌ، إن استدلّ بالمُساوي على المُساوي (2) .

والأوّلُ يقينيٌّ والأخيران (3) ظنّيان.

المقدّمةُ الثّانيةُ: [في التعريف]

اعلم أنّ المعلوم من كلّ وجه، والمجهول من كلّ وجه، لا يمكنُ طلبهما لاستحالة تحصيل الحاصل؛ وعدم الاشتياق إلى ما لا شعورَ به البتّةَ؛ فلابُدّ وأن يكونَ معلوماً من وجه ومجهولاً من آخر. والوجهان متغايران، والمطلوبُ ليس كلّ واحد منهما، بل معروضُهما، وهو الماهيّة ذاتُ الوجهين.

والماهيّة إن كانت مركّبةً جاز تحديدُها وإلاّ عُرِّفت بالرّسم (4) لا غير؛ وإن (5) كانت جزءاً من غيرها جاز التّحديدُ بها وإلاّ فلا.

والحدُّ إن اشتمل على جميع المقوّمات فهو التّامّ، وإلاّ فهو النّاقصُ.

والرسم إن أفاد تمييز الماهية عن جميع ما عداها فهو التّام وإلاّ فهو الناقص؛ والحدُّ إنّما يتألّفُ من الجنس والفصل.

____________________

(1) ج: هو.

(2) ألف، ج: مثله.

(3) ب: الآخران.

(4) ألف: بالرّسوم.

(5) ألف: فإن.

٢٤

والجنسُ هو كمالُ الجزء (1) المشترك، وهو الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟

والفصل هو الجزء المميّز، وهو الكلي المقول على كثيرين في جواب أيُّما هو في جوهره.

والمركّبُ منهما هو النّوعُ.

وتترتبُ (2) الأجناسُ بعضُها فوقَ بعض إلى أن ينتهي إلى جنس لا جنسَ فوقه، ويُسمّى جنس الأجناس، وفي التّنازل إلى جنس لا جنسَ تحته، وهو الجنسُ السّافلُ، والأنواعُ كذلك.

والخارج عن الماهيّة إن اختصّ بها فهو الخاصّةُ، وإلاّ فهو العرضُ العامُّ.

فالكليّاتُ هي هذه الخمسةُ لا غير: الجنسُ والفصلُ والنّوعُ والخاصّةُ والعرض العامُّ.

المقدّمةُ الثّالثةُ: [في القياس]

اعلم أنّ كلّ قياس إنّما يتركّبُ من مقدّمتين لا أزيدَ ولا أقلّ، ويشترك المقدّمتان في حدّ (واحد) هو أوسط، وتتباينان بجزأين (3) آخرين هما الأصغر والأكبر.

____________________

(1) ب: الحد.

(2) ب: ترتيب/ ج: يتربَّت.

(3) ج: في جزأين.

٢٥

وهذا المشترك إن كان محمولاً في الصّغرى موضوعاً في الكبرى فهو الشّكل الأوّل؛ وعكسهُ الرّابعُ؛ وإن كان محمولاً فيهما فهو الثّاني؛ وإن كان موضوعاً فيهما فهو الثّالثُ.

ويشترط: في الأوّل: إيجابُ الصّغرى وكلّيّةُ الكبرى.

وفي الثّاني: اختلافُ المقدّمتين بالإيجاب والسّلب، وكلّيّة الكبرى.

وفي الثّالث: إيجابُ الصّغرى وكلّيّة إحداهما.

وفي الرّابع: عدمُ اجتماع الخِسّتين (1) إلاّ إذا كانت الصّغرى موجبة جزئيّة واستعمال السّالبة الكليّة الكبرى مع الموجبة الجزئيّة الصّغرى لا غير.

المقدّمةُ الرّابعةُ: [في مواد الأقيسة وصورها]

مقدّمتا الدّليل إن كانتا قطعيّتين فالنّتيجة كذلك، وإن كانتا ظنّيتين أو إحداهما فالنّتيجة ظنّيّة؛ لأنّها تتبعُ أخسّ المقدّمتين (2) .

والضّروريّاتُ ستّةٌ: الأوّلياتُ والمشاهداتُ والمجرّباتُ والحدسيّاتُ والمتواترات وقضايا قياساتُها معها.

ولا يكفي حصول المقدّمتين في اكتساب (3) النّتيجة، بل لابُدَّ

____________________

(1) ب: الحيثيتين.

(2) ب: الأخس من المقدّمتين.

(3) ب: في النتيجة.

٢٦

من ترتيب مخصوص بينهما، وهو الجزء الصّوريّ للنّظر، والمقدّمتان أجزاءٌ مادّيّةٌ، وبصحّتهما يصحّ النّظرُ، وبفسادهما أو فساد إحداهما يكون فاسداً.

فهذه إشارةٌ مختصرةٌ إلى كيفيّة اكتساب المطالب، والتّفريعُ مذكورٌ في كتبنا العقليّة.

٢٧

الفصل الثّاني

في مباحث الوجود والعدم

وهي أربعةٌ:

[البحثُ] الأوّل: [تصوّر الوجود والعدم]

تصوّرُ الوجود والعدم بديهيٌّ، إذ لا تصوّر أجلى (1) منهما. وقد يذكرُ على سبيل التّعريف اللّفظيّ: أنَّ الوجود هو الثّابتُ العين، والمعدومَ هو المنفيُّ العين.

والوجود قد يكون ذهنيّاً وقد يكون خارجيّاً.

وكلّ من الوجود والعدم إمّا أن يكونَ واجباً للماهيّة لذاتها أو ممكناً.

فواجبُ الوجود لذاته هو اللهُ تعالى؛ وممكنُ الوجود لذاته هو ما عداه؛ وواجبُ العدم لذاته هو الممتنعُ؛ ولغيره هو الممكنُ؛ فكلّ ماهيّة إذا نُسِبَ الوجودُ إليها إمّا أن تكونَ واجبة الوجود لذاته أو ممكنة أو ممتنعَةُ.

____________________

(1) ب: أعلى/ ج: أصلاً.

٢٨

البحثُ الثاني: في أنّ الوجودَ معنىً مشترك (بينَ الموجودات)

(المشهور أنَّ الوجود معنى مشترك بين الموجودات) وقال أبو الحسين البصريّ (1) وأبو الحسن الأشعريّ (2) إنّه مشترك لفظاً لا معنىً، ووجودُ كلّ شيء نفسُ حقيقته.

والحقُّ: الأوّلُ.

لنا: أنّا نُقسّمُ الوجودَ إلى الواجب والممكن، وموردُ التّقسيم مشترك فيه.

ولأنَّ العدمَ واحدٌ، لاستحالة التّميّز والاختلاف (3) والتماثل (4) في العدم، فيكونُ مقابلُهُ، وهو الوجود، [واحداً] (5) ، وإلاّ لبطل الحصرُ في الموجود والمعدوم.

احتجّوا: بأنّ محلّ الوجود إن كان معدوماً لزم اتّصاف المعدوم بالوجود، وهو باطلٌ بالضّرورة؛ وإن كان موجوداً لزم الدّورُ أو التّسلسلُ.

والجواب: المحلُّ الماهيّةُ لا باعتبار القيدين.

____________________

(1) هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، المتوفّى 436هـ، صاحب كتاب المعتمد في أُصول الفقه.

(2) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل شيخ أهل السنّة والجماعة إمام الأشاعرة، كان معتزلياً وتاب من ذلك بعد أن أقام على عقيدتهم أربعين سنة، توفّي 324هـ. وفيات الأعيان: 1/464.

(3) ألف: لاختلاف.

(4) ب: التمكن.

(5) ألف، ب: واحدٌ.

٢٩

تذنيبٌ

لمّا ثبت أنّ الوجودَ مشترك ثبت أنّه زائدٌ على الماهيّات، لاستحالة أن يكونَ نفسَها، وإلاّ لزم اشتراك الحقائق المختلفة في تمام الماهيّة؛ وأن يكونَ جزءاً منها، وإلاّ لكان جنساً، لكونه أعم الأجزاء (1) المشتركة، فيفتقرُ إلى فصل، وفصل الوجود موجود، فيكونُ الجنسُ داخلاً في الفصل ويتسلسلُ.

البحث الثالث: [ما هو المعدوم؟]

ذهب المحقّقون إلى أنّ المعدومَ نفيٌ محضٌ؛ وليس بشيءٍ. وذهب جماعةٌ من المعتزلة إلى أنّه شيءٌ ثابتٌ خارجَ الذّهن ولا تأثيرَ للفاعل فيه، بل في جَعْلِ الذات موجودةً؛ وتلك المعدومات متباينة بأشخاصها. والثّابتُ من كلّ نوع عددٌ غيرُ متناه، وإنّها بأسرها متّفقةٌ في كونها ذواتاً، وإنّما تتباينُ بالصّفات.

لنا : أنّ المفهوم من الثّبوت إنّما هو الوجود؛ فلو كان المعدوم ثابتاً في العدم كان موجوداً، وهو محال؛ ولأنّه إذا أوجد اللهُ - تعالى - منها شيئاً، فإن بقيت كما كانت كان الشّيءُ مع غيره كهو (2) لا مع غيره وهو باطلٌ بالضّرورة؛

____________________

(1) ب: أتمّ الأجزاء.

(2) ج: كما هو.

٣٠

وإن نقصت تناهت، فيتناهى مقدوراتُ الله تعالى، وهو محال؛ ولأنّه يلزمُ الاستغناء عن الفاعل، إذ الذّواتُ أزليّة، فلا تكونُ مقدورةً.

والوجود من قبيل الأحوال عندهم فلا يكون مقدوراً، والاتّصاف ليس أمراً زائداً على الماهيّة والصّفة، وإلاّ لزم التّسلسلُ فتكون الذّاتُ الموجودة غنيّةً عن الفاعل، هذا خلفٌ.

احتجّوا: بأنَّ المعدومَ متميّزٌ. وكلّ متميّزٍ ثابتٌ.

أمّا الصّغرى فلأنّ المعدوم معلوم؛ لأنّا نعلمُ طلوعَ الشّمس غداً من المشرق، وكلّ معلوم متميّزٌ؛ ولأنّ الحركة المقدورة لنا متميّزةٌ عن الممتنعة وإن كانتا معدومتين؛ ولأنّ بعض المعدومات يرادُ وقوعها كاللّذات، وبعضها لا يرادُ، فتكونُ متميّزةً.

وأمّا الكبرى، فلأنّ المتميّز هو الموصوفُ بصفةٍ لا يُشاركه فيها غيرُه، وذلك يستدعي كونه متعيّناً في نفسه متحقّقاً (1) . ولا نعني بالثّابت إلاّ ذلك.

والجواب: التّميّز قد يكون ذهنيّاً وقد يكون خارجيّاً؛ والمعدوم متميّزٌ بالاعتبار الأوّل دون الثّاني، كما يتصوّرُ الممتنعاتُ والمركّباتُ والوجود، وليس شيءٌ منها بثابتٍ (2) .

____________________

(1) ج: محققاً.

(2) ج: ثابتاً.

٣١

البحث الرّابع: [لا واسطة بين الموجود والمعدوم]

لا واسطةَ بين الموجود والمعدوم؛ لأنّ العقلَ قاضٍ بالضّرورة بأنَّ قولنا: (الشّيء إمّا أن يكون موجوداً أو معدوماً) حاصرٌ، فالواسطةُ غير معقولة.

وأثبت أبو هاشم واسطةً بينهما وهي صفة لموجود لا موجودةٌ ولا معدومةٌ ولا معلومةٌ، وسمّاها بـ (الحال).

واحتجّ بأنّ الوجودَ لا يوصفُ بالوجود، أمّا أولاً، فلاستحالة التّسلسل، وأمّا ثانياً، فلأنّ الموجودَ كلّ ذاتٍ لها صفةُ الوجود، والوجود ليس بذات، فلا يوصف بالوجود ولا يوصف بالعدم للتّغاير (1) بين الوجود والعدم، فإنّ المعدوم (2) كلّ ذات ليس لها صفةُ الوجود.

والجوابُ: الغلطُ نشأ من تخصيص الموجود والمعدوم بالذّوات، (3) ولا يلزمُ من عدم اتّصاف الشّيء بنفسه ونقيضه ثبوتُ واسطة بينه وبين نقيضه.

____________________

(1) ب: للتعاند.

(2) ب: فالمعدوم.

(3) ج: بالذات.

٣٢

الفصل الثالث

في مباحث الوجوب وقسيميه

وهي ثلاثة:

(البحث) الأوّل: [الوجوب والإمكان والامتناع]

الوجوب والإمكان والامتناع من التّصوّرات البديهيّة، لا شيء منها بثابتٍ، وإلاّ لزم التّسلسلُ ووجود المعدوم، ولأنّها أُمورٌ نسبيّة، فتتوقف على وجود المنتسبين.

والوجوب (1) والإمكان متأخّران عن (هذا) الوجود، هذا، خلفٌ.

والامتناع يتوقّفُ على ما لا يوجد، فلا يكونُ موجوداً.

وأثبت الأوائل الإمكانَ في الخارج، وإلاّ لم يبق فرقٌ بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ.

وهو خطأ؛ لأنّ التمايز (2) يقعُ في الأحكام العقليّة كما يقعُ في الأُمور العينيّة. ولو اقتضى ذلك الثّبوتَ لزم كون الامتناع ثبوتيّاً.

____________________

(1) ب: فالوجوب.

(2) ب: المائز.

٣٣

[البحث] الثاني: [في خواص الواجب]

الشّيء الواحد لا يكونُ واجباً لذاته ولغيره، لأنّ الواجبَ لذاته مستغنٍ عن الغير، والواجبَ لغيره غيرُ مستغنٍ عن ذلك الغير، فيجتمع النّقيضان.

والواجبُ لذاته بسيطٌ، لافتقار كلّ مركّب إلى جزئه، وجزؤه غيرُه.

ووجوده نفسُ حقيقته؛ لأنّه لو كان زائداً عليه (1) لكان ممكناً؛ لأنّه حينئذٍ يكونُ صفةً له وكلّ صفة مفتقرةٌ إلى الموصوف؛ والتّالي باطلٌ، لأنّ المؤثّر فيه إن كان غير الله تعالى لزم افتقاره إلى غيره، فيكونُ ممكناً، وإن كان هو الله - تعالى - لزم تأثيرُ المعدوم في الموجود أو وجودُ الماهيّة مرّتين أو الدّورُ.

البحث الثالث: [في عروض الإمكان للماهيّة]

الإمكانُ واجبُ للماهيّة، وإلاّ جاز انتقالُها منه إلى الوجوب أو الامتناع، وهو مُحال.

وكلّ ممكن الوجود فإنّه لا يوجَدُ ولا يُعدَمُ إلاّ بسبب منفصل، لاستحالة ترجيح أحد الطرفين المتساويين على الآخر لا لمرجّحٍ؛ ثمّ مع ذلك السّبب يجبُ، وإلاّ فإن بقي الاستواء افتقر إلى غيره؛ وإن ترجّح أمكن

____________________

(1) ب: عليها.

٣٤

وقوع المرجوح مع الأولويّة في وقتٍ وعدمِه في آخر: فاختصاصُ أحد الوقتين بالوجود يقتضي الاحتياجَ إلى سبب غير الأوّل، فلا يجوزُ أن يكونَ أحد الطرفين أولى.

والإمكانُ علّةُ الاحتياج إلى المؤثّر، لقضاء العقل به (1) عنده وبانتفائه عند عدمه.

ولا يجوز أن يكونَ هي الحدوثَ، كما ذهب إليه بعضُ قدماء المتكلّمين، لأنّه كيفيّة للوجود، فيتأخّرُ عنه، والوجودُ متأخّرٌ عن الإيجاد المتأخّر عن الاحتياج المتأخّر عن علّة الاحتياج؛ فلو كانت هي الحدوث لزم تقدّمُ الشّيء على نفسه بمراتب.

تذنيبٌ

لمّا ثبت أنّ علّة الاحتياج (2) هي الإمكان وهو ثابتٌ للباقي ثبت معلولُه، وهو الاحتياج إلى المؤثّر. وذهب بعض قدماء المتكلّمين إلى استغنائه.

واحتجّوا: بأنّ المؤثّر إن لم يكن له فيه أثرٌ كان مستغنياً قطعاً؛ وإن كان له أثرٌ فإن كان هو الوجود الحاصل أوّلاً (3) لزم تحصيلُ الحاصل، وهو

________________________

(1) ج: - به

(2) ب، ألف: الحاجة .

(3) ج: وإلاّ / ب: - أوّلاً.

٣٥

مُحال؛ وإن كان أمراً جديداً كان التّأثير في الجديد لا في الباقي، فيكون الباقي مستغنياً.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة الأخيرة، لأنّ الباقي مفتقرٌ إلى البقاء الجديد.

٣٦

المرصد الثّاني

في تقسيم الموجودات

وفيه مقصدان

٣٧

٣٨

[المقصد] الأوّل

في التّقسيم على رأي المتكلّمين

قالوا: الموجود إمّا أن يكونَ قديماً أو مُحدثاً، لأنّه إن لم يكن لوجوده أوّل، فهو القديمُ وهو اللهُ تعالى، وإن كان لوجوده أوّلُ فهو المحدثُ، وهو ما عداه.

وقد يفسّرون القديمَ بأنّه: الّذي لا يسبقه العدمُ، والمُحدَث بما سبقه العدم. فهاهُنا مباحث ثلاثةٌ:

[البحث] الأوّل: في مباحث القديم

معنى قولنا: (الله - تعالى - قديم) هو أنّا لو قدّرنا أزمنةً لا نهاية لها في جانب الماضي لكان الله (1) - تعالى - مصاحباً لها. ولا يعتبر في القدم والحدوث الزّمان وإلاّ لكان للزّمان زمان آخر ويتسلسل. وليس القدم والحدوث من الصّفات الثّبوتيّة، بل من الاعتبارات الذّهنيّة، وإلاّ لزم التّسلسل؛ خلافاً لعبد الله بن سعيد من الأشعريّة في الأوّل، والكرّاميّة في الثّاني.

____________________

(1) ألف: إنّه تعالى.

٣٩

البحث الثاني: في خواصّ القديم

لا يمكن إسناد (1) القديم إلى المؤثّر المختار، لأنّ الفاعل بالاختيار إنّما يفعل بواسطة القصد والاختيار، وإنّما يصحّ توجّه القصد إلى معدوم ليوجده ولا يصحّ توجّهه إلى موجود. نعم يصحّ إسناده (2) إلى المُوجَب؛ والتّنازع بين الحكماء والمتكلّمين يرتفع بهذا التّفصيل.

والقديمُ لا يصحّ عليه العدم؛ لأنّه إمّا واجب لذاته أو معلول له مطلقاً أو بشرطٍ قديم؛ وعلى كلّ تقدير يستحيل عدم علّته (3) ، فيستحيل عدمُه.

لا يقال: لم لا يتوقّف على شرط عدميّ أزليّ، ويجوز زوال الشّرط الأزليّ، لكونه عدميّاً، فيعدم القديم لعدم شرطه.

لأنّا نقول: المقتضي لوجود ملكة ذلك العدم ليس هو القديم ولا معلوله، للتّنافي بينهما؛ ولا علّته، لاستحالة صدور المتنافيين عن علّة واحدة.

والقديم لا يجوز أن يكون أكثر من واحد؛ لأنّ واجب الوجود واحدٌ مختارٌ، على ما يأتي، فباقي الموجودات محدثة.

____________________

(1) ج: استناد.

(2) ج: استناده.

(3) ج، ب: عليه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369