إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225048 / تحميل: 7225
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

العقائد الإسلامية

عرض مقارن لأهمّ موضوعاتها من مصادر السنّة والشيعة

المجلّد الثاني

قام بإعداده

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

١

٢

مقدّمة المجلّد الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فهذا هو المجلد الثاني من العقائد الإسلامية وقد اشتمل على مجموعة مسائل: الرؤية والتشبيه والتجسيم، وعدد من البحوث النافعة فيها.

وقد حرصنا فيه على استقصاء الأحاديث والآراء من مصادرها الأساسية في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والتاريخ، وغيرها.. لأن غرضنا أن يكون مرجعاً لكل باحث في هذا الموضوع، يجد فيه بغيته بدون تعب، وله بعد ذلك أن يوافقنا في الفهم والإستنتاج أو يخالفنا.

إن توفير المادة العلمية للباحث عمل محترم.. خاصة إذا كانت تعجز عنها قدرة الشخص الواحد؛ لأنها موزعة في المصادر الكثيرة، ومبثوثة في المتون الطويلة، كما ترى في مسائل هذا المجلّد.

وبهذا المناسبة ندعو القائمين على مراكز البحوث الإسلامية لأن يهتموا بهذا المنهج، ويوجهوا طاقاتهم إلى هذا الهدف.. ففي ذلك خدمة كبيرة للبحث المقارن، وعونٌ على فهم حقائق العقيدة والشريعة المقدسة،وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي

٣

٤

الباب الثاني

في التوحيد

٥

٦

الفصل الأوّل

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد إخواننا السنّة أن الله تعالى يرى بالعين

المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يرى الإنسان الله تعالى بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة.

والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالى بشيء من مخلوقاته.

وقد نفى كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيتعليهم‌السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، واستدلوا على ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالى( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) .. إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة، لأن ما يرى بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان.

بينما تبنى الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية، القول برؤية الله تعالى بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات

٧

رووها، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين.

وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والاشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد.

متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية، وأن الله تعالى ليس من نوع الأشياء التي ترى بالعين أو تحس بالحواس الخمس.. لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر.

ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده، فنهض أهل البيتعليهم‌السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها.

وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام، المناقضة لما بَلَّغه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربه تعالى، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة، بل هي فرية عظيمة على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها!!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

- صحيح البخاري ج ٦ ص ٥٠

... عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشةرضي‌الله‌عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب

٨

ثم قرأت:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت:يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك الآية، ولكنه رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين.

- صحيح البخاري ج ٨ ص ١٦٦

... عن الشعبي عن مسروق عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وهو يقول:لا تدركه الأبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهى. وروى نحوه في ج ٢ جزء ٤ ص ٨٣ وج ٣ جزء ٦ ص ٥٠ وج ٤ ص ٨٣ وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب (الوهابية والتوحيد).

موج الفرية جاء من الشام

مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم، وأن يكتب المسلمون عنهم، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام، ووصلت إلى المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة!

تدل الرواية التالية على أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم على المسلمين، ويظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتى تأصلت أفكارهم فيهم.

ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه

٩

والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالى التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام، فقد صارت كلمة (متاولة) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأوّل! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له!

- قال الصدوق في التوحيد ص ١٧٩

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقنديرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام :يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين، وجلَّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

- ورواه العياشي في تفسيره ج ١ ص ٥٩، ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ١٠٢ ص٢٧٠ وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وعلى أي حال يدل على استحباب الصلاة عليه. انتهى. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:

١٠

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله:واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى ، أن نتخذه مصلى. انتهى.

ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقرعليه‌السلام بتعبيره (أهل الشام) بني أمية، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيتعليهم‌السلام وهذا يدعونا إلى القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول، الخليفة عمر رغم أنه أعطى كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة، وكما نرى في الموقف التالي لعليعليه‌السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً على أفكاره التجسيمية اليهودية!

- فقد روى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤٤ ص ١٩٤

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة.

قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً.

فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟

فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!

قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام حاضراً فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله.

١١

قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم.

فالتفت عليعليه‌السلام إلى كعب فقال:

غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خلق الإنسان علمه البيان) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم.

يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه . فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن. انتهى.

وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا عليعليه‌السلام وقد قبل الخليفة تنزيه

١٢

عليّ لله تعالى ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالى، وأنه يجلس على عرشه ويطقطق العرش من ثقله.. إلخ.

وابن عباس يحكم بشرك من يشبّه الله تعالى بغيره

- قال الديلمي في فردوس الأخبار ج ٤ ص ٢٠٦

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشيء أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شيء، فهو من المشركين.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٨

عن ابن عباس قوله تعالى: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٣ ص ٢١١

قال وهب: واختلف العلماء في معنى التجلّي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.

- وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠

واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:

لم أقف على هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦/٢٨٥ في قوله تعالى:مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (٣٢٨٠).

ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قولهولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين

١٣

رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدقدس‌سره وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدقدس‌سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهى.

وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب على كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه:

(٦) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده ٣٤٨٤/١ من طريق أبي قلابة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه . وأبو قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي - لم يسمع من ابن عباس - التهذيب ٥ - ١٩٧ ومن طريقه أخرجه الترمذي ٣٢٣٣ وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اهـ. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال ٣٢٦٦/١٠ ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم ١٢ و١٣ و١٤ وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح... وقال أبو بكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف... وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف ٤/٣٨٣ عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشيء... وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٣١٩ - ٣٢٠ والآجري في الشريعة ص ٤٩٦ والترمذي بنحوه ٣٢٣٤ وابن أبي عاصم في السنة ٤٦٩ وأبو يعلى ٢٦٠٨ من طرق عن ابن عباس.

١٤

وتعقبه الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف ٤/٣٨٢ نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه عند ابن أبي عاصم في السنة ٤٦٥ وعن أبي أمامةرضي‌الله‌عنه في المصدر المذكور ٤٦٦ وعن ثوبانرضي‌الله‌عنه أيضاً برقم ٤٧٠ وعند البزار ٢١٢٨ وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم ٤٧١ وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير ٩٣٨ وعن ابن عمر عند البزار ٢١٢٩ من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها، والله تعالى أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالى. انتهى.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٦

٢٥ - لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى. انتهى.

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه افتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالى يرى بالعين أو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه بعينه.

وأبو هريرة يوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود

يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية.. إلى أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها! قال ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ١٤٢٦: عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا

١٥

مشعوف، ثم يقال له فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.

وكان الجمهور يرون رأي عائشة ويكذبون أحاديث الرؤية بالعين

- قال الثعالبي في الجواهر الحسان ج ٣ ص ٢٥٣

ولقد رآه... فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبرئيل.

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ١٧٦

الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن (...) بما صح عن النبي (ص) حتى ردوا كثيراً من الأمور الأخرى... وأنكروا رؤية الباري.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ١٩٧

بعض علماء الكلام.. عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالى بالعلو وبأنه على عرشه... وهذا هو عين السنة المأثورة عن الصحابة.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ٣٣٤

وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره.. فقالوا لا يجوز أن يرى الله في الآخرة لأنه تعالى يقول:لا تدركه الأبصار..

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٢٠ ص ١٥٣

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخارى وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية

١٦

والنزول، ويحرم المسكر توفي سنة ٢٦٤ ه- في رمضان. انتهى. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل على أنه يوجد كثيرون ينفونها.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٦

روى مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ولكن رأى جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخرى أن مسروقاً لما قال لها: هل رأى محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، وقرأت الآية، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة، وتأولوا الآية على الإحاطة، وقد بينا فساد ذلك.

عليعليه‌السلام يوضح ما لم توضحه عائشة

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود.

فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله،

١٧

ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده . انتهى.

وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالى.

وأصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

- قال الذهبي في سيره ج ١٠ ص ٤٥٥

قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم... قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لأصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف. انتهى.

نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل على المحكم، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن، مضافاً إلى أن

١٨

بعضها كذبه الصحابة، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٤٧

اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة.. وقول أهل السلف إنه حق ولا يتكلم في تأويلها. انتهى.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلى ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روى في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم.

وغلبت موجة كعب ودخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوى من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار على خطه أن يحدثوا موجة من القول بالرؤية كما ستعرف، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلى يومنا هذا، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته، بل تجرؤوا على رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها!! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- قال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى أم لا، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف،

١٩

وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين، وأجازه جماعة من السلف وأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء بعيني رأسه، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة، والمشهور عنهما الأول، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه، وهو الأصح، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية... قلت: رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية... وأما استدلال عائشةرضي‌الله‌عنها على عدم الرؤية بقوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الإدراك والإبصار فرق، فيكون معنى لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفى الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالى:فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ ، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالى عنهم:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، ويكرم المؤمنين أو من شاء الله منهم بالرؤية كما قال تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة . وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهى.

وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف، ثم خلط الإدراك بمعنى اللحوق بالإدراك بمعنى الرؤية، وجعل إمكان تخصيص الله تعالى لعموم آية تخصيصاً بالفعل، ثم كابر في إنكار الظاهر.. ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له.. كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن!!

- وقال في عارضة الأحوذي ج ٦ جزء ١١ هامش ص ١٨٨

عن ابن عربي إن الله أنزل هذه الآية لا لنفي الرؤية لله ولا قالت به عائشة، فإنه يرى في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً!!

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

عنه ، سقط الفور في تلك السنة عنه ؛ لأنّ المال إنّما يعتبر وقت خروج الناس ، وقد يتوسّل المحتال بهذا إلى دفع الحجّ.

مسألة ٤٣ : لو كان له مال يكفيه لذهابه وعوده دون نفقة عياله ، سقط عنه فرض الحجّ ؛ لما تقدّم من الأمر بالنفقة على العيال ، ولأنّ نفقة العيال تتعلّق بالفاضل عن قوته ، وفرض الحجّ(١) يتعلّق بالفاضل عن كفايته ، فكان الإِنفاق على العيال أولى من الحجّ.

والمراد بالعيال هنا من تلزمه النفقة عليه دون من تُستحب.

مسألة ٤٤ : لو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مؤونة له لسفره أو لعياله ، فبذل له باذل الزاد والراحلة ومئونته ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله مدّة غيبته ، وجب عليه الحجّ عند علمائنا ، سواء كان الباذل قريباً أو بعيداً ؛ لأنّه مستطيع للحجّ.

ولأنّ الباقر والصادقعليهما‌السلام سُئلا عمّن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك ، أهو ممّن يستطيع إلى ذلك سبيلا؟ قال : « نعم »(٢) .

وللشافعي قولان في وجوب الحجّ إذا كان الباذل ولدا :

أحدهما : الوجوب ؛ لأنّ الابن يخالف غيره في باب المنّة.

والثاني : عدم الوجوب ؛ لأنّه لا يلزمه القبول ؛ لاشتماله على المنّة.

وإن لم يكن ولداً ، لم يجب القبول(٣) .

وقال أحمد : لا يجب الحجّ مطلقاً ، سواء بُذل له الركوب والزاد أو بُذل له مال ؛ لأنّه غير مالك للزاد والراحلة ولا لثمنهما ، فسقط عنه فرض الحجّ(٤) .

____________________

(١) في « ف ، ن » زيادة : على الكفاية.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣ - ٤ / ٣ و ٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤٠ / ٤٥٥ و ٤٥٦.

(٣) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥ - ٤٦.

(٤) المغني ٣ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨١.

٦١

ونمنع ثبوت المنّة وعدم الملك المشروط في الاستطاعة.

فروع :

أ - لو بُذل له مال يتمكّن به من الحجّ ويكفيه في مئونته ومؤونة عياله ، لم يجب عليه القبول ، سواء كان الباذل له ولداً أو أجنبياً ؛ لاشتماله على المنّة في قبول الطاعة.

ولأنّ في قبول المال وتملّكه إيجاب سببٍ يلزم به الفرض ، وهو : القبول ، وربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة ، فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة وقضاء دين.

ولأنّ تحصيل شرط الوجوب غير واجب ، كما في تحصيل مال الزكاة.

ب - لو وجد بعض ما يلزمه الحجّ به وعجز عن الباقي فبُذل له ما عجز عنه ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّه ببذل الجميع مع عدم تمكّنه من شي‌ء أصلاً يجب عليه فمع تمكّنه من البعض يكون الوجوب أولى.

ج - لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة ، لم يجب القبول ، لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب.

نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكاً للباقي ، وجب عليه الحجّ.

وكذا لو قبل مال الهبة ؛ لأنّه صار الآن مالكاً للاستطاعة.

د - قال ابن إدريس من علمائنا : إنّ من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مؤونة الطريق يجب عليه الحجّ بشرط أن يملّكه ما يبذل له ويعرض عليه ، لا وعدا بالقول دون الفعل ، وكذا فيمن حجّ به بعض إخوانه(١) .

____________________

(١) السرائر : ١٢١.

٦٢

والتحقيق أن نقول : البحث هنا في أمرين :

الأول : هل يجب على الباذل بالبذل الشي‌ء المبذول أم لا؟

فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له ، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال أقربه عدم الوجوب.

وإن قلنا بعدم وجوبه ، ففي إيجاب الحجّ إشكال ، أقربه : العدم ؛ لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب.

الثاني : هل بين بذل المال وبذل الزاد والراحلة ومئونته ومؤونة عياله فرق أم لا؟ الأقرب : عدم الفرق ؛ لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد والراحلة والمؤن بغير منّة كالمال.

ه - لو وهب المال ، فإن قبل ، وجب الحجّ ، وإلاّ فلا ، ولا يجب عليه قبول الاتّهاب ، وكذا الزاد والراحلة ، لأنّ في قبول عقد الهبة تحصيل شرط الوجوب وليس واجبا.

و - لا يجب الاقتراض للحجّ إلّا أن يحتاج إليه ويكون له مال بقدره يفضل عن الزاد والراحلة ومئونته ومؤونة عياله ذهاباً وعوداً ، فلو لم يكن له مال ، أو كان له ما يقصر عن ذلك ، لم يجب عليه الحجّ ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس واجباً.

ز - لو كان له ولد له مال ، لم يجب عليه بذله لأبيه في الحجّ ولا إقراضه له ، سواء كان الولد كبيراً أو صغيراً ، ولا يجب على الأب الحجّ بذلك المال.

وقال الشيخرحمه‌الله : وقد روى أصحابنا أنّه إذا كان له ولد له مال ، وجب أن يأخذ من ماله ما يحجّ به ، ويجب عليه إعطاؤه(١) .

ونحن نحمل ما رواه الشيخ على الاستحباب.

ج - لو حجّ فاقد الزاد والراحلة ماشياً أو راكباً ، لم يجزئه عن حجّة‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٥٠ ، المسألة ٨.

٦٣

الإِسلام ؛ لأنّ الحج على هذه الحالة غير واجب عليه ، فلم يكن ما أوقعه واجباً عليه ، فإذا حصل شرط الوجوب الذي هو كالوقت له ، وجب عليه الحجّ ؛ لأنّ الفعل أوّلاً كان فعلاً للواجب قبل وقته ، فلم يكن مجزئاً كالصلاة.

مسألة ٤٥ : لا تباع داره التي يسكنها في ثمن الزاد والراحلة ، ولا خادمه ولا ثياب بدنه ولا فرس ركوبه بإجماع العلماء ؛ لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه ، ويجب عليه بيع ما زاد على ذلك من ضياع وعقار وغير ذلك من الذخائر والأثاث التي له منها بُدٌّ إذا حصلت الاستطاعة معه.

مسألة ٤٦ : لو(١) فقد الاستطاعة فغصب مالاً فحجّ به ، أو غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته ، أثم بذلك ، وعليه اُجرة الحمولة وضمان المال ، ولم يجزئه عن الحجّ.

أمّا لو كان واجداً للزاد والراحلة والمؤونة فغصب وحجَّ بالمغصوب ، أجزأه ذلك - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الحجّ عبادة بدنيّة ، والمال والمحمولة يُرادان للتوصّل إليه ، فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه.

نعم لو طاف أو سعى على الدابة المغصوبة ، لم يصحّا.

ولو وقف عليها فالأقوى : الصحّة ؛ لأنّ الواجب هو الكون في الموقف وقد حصل.

وقال أحمد : إذا حجّ بالمال المغصوب ، لم يصح ، وكذا لو غصب حمولةً فركبها حتى أوصلته(٣) ؛ لأنّ الزاد والراحلة من شرائط الحجّ ولم يوجد على الوجه المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة.

وليس بجيّد ؛ لأنّ الشرط(٤) ليس تملّك عين الزاد والراحلة ، بل هما أو‌

____________________

(١) في النسخ الخطية : ولو ، بدل مسألة : لو.

(٢ و ٣) المجموع ٧ : ٦٢.

(٤) في الطبعة الحجرية : لأنّ شرط الحج ، بدل لأنّ الشرط.

٦٤

ثمنهما ، والبحث في القادر.

مسألة ٤٧ : الفقير الزمن لا يجب عليه الحجّ إجماعاً ، فلو بذل له غيره الحجّ عنه بأن ينوبه ، لم يجب عليه أيضاً - وبه قال مالك وأبو حنيفة(١) - لقولهعليه‌السلام : ( السبيل زاد وراحلة )(٢) .

ولأنّ الحجّ عبادة بدنيّة فوجب أن لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها ، كالصلاة والصوم.

ولأنّ العبادات ضربان :

منها : ما يتعلّق بالأبدان ، فتجب بالقدرة عليها ، كالصلاة والصيام.

ومنها : ما يتعلّق بالأموال ، فيعتبر في وجوبها ملك المال ، كالزكاة ، ولم يُعهد في الاُصول وجوب عبادة ببذل الطاعة(٣) .

وقال الشافعي : يجب ؛ لما روي أنّ امرأةً من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل ترى أن أحجّ عنه؟ فقال : ( نعم ) فقالت : أو ينفعه؟ فقال : ( أرأيت لو كان على أبيكِ دَيْنٌ فقضيِته أكان ينفعه؟ ) فقالت : نعم ، قال : ( فدَيْن الله أحقّ أن يقضى )(٤) .

وجه الدلالة : أنّها بذلت الطاعة لأبيها ، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحجّ عنه من غير أن يجري للمال ذكر ، فدلّ على أنّ الفرض وجب ببذل الطاعة.

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، المجموع ٧ : ١٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٨ / ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٠.

(٣) قوله : ببذل الطاعة ، أي بالتقرّب إلى الله تعالى بالنيابة عنه في الحج ، فلم يجب على النائب. هامش « ن ».

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٣ / ١٣٣٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧١ / ٢٩٠٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨ بتفاوت واختصار.

٦٥

ولأنّ المغصوب(١) الموسر يجب عليه الحجّ بالاستنابة للغير بالمال ، وهذا في حكمه ؛ لأنّه قادر على فعل الحجّ عن نفسه فلزمه ، كالقادر بنفسه(٢) .

والحديث لا يدلّ على الوجوب ، ولهذا شبّههعليه‌السلام بالدَّيْن مع أنّ الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدَّيْن ، بل يستحب له ، فكذا هنا.

ونمنع وجوب الاستنابة على المعضوب ، وسيأتي(٣) إن شاء الله.

تنبيه : شرط الشافعية في وجوب الحجّ ببذل الطاعة سبعة شرائط ، ثلاثة في الباذل :

أ - أن يكون الباذل من أهل الحجّ ، فيجمع البلوغ والعقل والحرّية والإِسلام ؛ لأنّ من لا يصح منه أداء الحجّ عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره.

ب - أن لا تكون عليه حجة الإِسلام ليصحّ إحرامه(٤) بالحجّ عن غيره.

ج - أن يكون واجداً للزاد والراحلة ؛ لأنّه لمـّا كان ذلك معتبراً في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى ؛ إذ ليس حال الباذل أوكد في إلزام الفرض من المبذول له.

وبعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة وإن اعتبره في فرض نفسه ؛ لأنّه التزم الطاعة باختياره ، فصار كحجّ النذر المخالف للفرض بالأصالة.

____________________

(١) المعضوب : الزمن الذي لا حراك به. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٥ ، المجموع ٧ : ٩٧ و ١٠١.

(٣) يأتي في المسألة ٩٩.

(٤) في « ف » : الإِحرام.

٦٦

وأربعة في المبذول له :

أ - أن يكون المبذول له واثقاً بطاعة الباذل عالماً أنّه متى أمره بالحجّ امتثل أمره ؛ لأنّ قدرة الباذل قد اُقيمت مقام قدرته ، فافتقر إلى الثقة بطاعته.

ب - أن يكون الفرض غير ساقط عنه.

ج - أن يكون معضوباً آيساً من أن يفعل بنفسه.

د - أن لا يكون له مال ؛ لأنّ ذا المال يجب عليه الحجّ بماله.

فإذا اجتمعت الشروط نُظر في الباذل ؛ فإن كان من غير ولد ولا والد ، ففي لزوم الفرض ببذله وجهان :

أحدهما - وهو الصحيح عندهم ونصّ عليه الشافعي - : أنّه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته ؛ لكونه مستطيعاً للحجّ في الحالين.

والثاني : أنّ الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده ؛ لما يلحقه من المنّة في قبوله ، ولأنّ حكم الولد مخالف لغيره في القصاص وحدّ القذف والرجوع في الهبة ، فخالف غيره في بذل الطاعة.

وإذا كملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة أن يأذن للباذل أن يحجّ عنه ؛ لوجوب الفرض عليه ، وإذا أذن له وقبل الباذل إذنه فقد لزمه أن يحجّ عنه متى شاء ، وليس له الرجوع بعد القبول.

إذا تقرّر هذا فعلى المبذول له أن يأذن وعلى الباذل أن يحجّ.

فإن امتنع المبذول له من الإِذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الإِذن للباذل؟ وجهان :

أحدهما : القيام فيأذن للباذل في الحجّ ؛ لأنّ الإِذن قد لزمه ، ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه ، كالديون.

والثاني - وهو الصحيح عندهم - : أنّ إذن الحاكم لا يقوم مقام إذنه ؛ لأنّ البذل كان لغيره ، فإن أذن المبذول له قبل وفاته ، انتقل الفرض عنه إلى‌

٦٧

الباذل ، وإن لم يأذن حتى مات ، لقي الله تعالى وفرض الحجّ واجب عليه.

فلو حجّ الباذل بغير إذن المبذول له ، كانت الحجّة واقعةً عن نفسه ؛ لأنّ الحجّ عن الحي لا يصحّ بغير إذنه ، وكان فرض الحجّ باقياً على المبذول له(١) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

البحث الخامس : في إمكان المسير‌

ويشتمل على اُمور أربعة : الصحة ، والتثبّت على الراحلة ، وأمن الطريق في النفس والبُضع والمال ، واتّساع الوقت ، فالنظر هنا في أربعة :

النظر الأول : الصحة‌

مسألة ٤٨ : أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أنّ القادر على الحجّ بنفسه الجامع لشرائط وجوب حجّة الإِسلام يجب عليه إيقاعه مباشرةً ، ولا تجوز له الاستنابة فيه ، فإن استناب غيره لم يجزئه ، ووجب عليه أن يحجّ بنفسه.

فإن مات بعد استطاعته واستنابته واستقرار الحجّ في ذمّته ، وجب أن يُخرج عنه اُجرة المثل من صلب ماله ؛ لأنّ ما فعله أوّلاً لم يُفده براءة ذمّته ، فيكون بمنزلة التارك للحجّ بعد استقراره في الذمّة من غير إجارة.

أمّا المريض مرضاً لا يتضرّر بالسفر والركوب فإنّه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحجّ بنفسه ، فإن وجد مشقّة أو احتاج إلى ما يزيد على مؤونة سفر الصحيح مع عجزه عنه ، سقط عنه فرض المباشرة ، ولو احتاج إلى الدواء‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٠ - ١١ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٥ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٦ و ١٠٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦.

٦٨

فكالزاد.

مسألة ٤٩ : المريض الذي يتضرّر بالركوب أو بالسفر إن كان مرضه لا يرجى زواله وكان مأيوساً من بُرئه لزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان معضوباً نِضْو(١) الخلقة لا يقدر على التثبّت على الراحلة إلّا بمشقّة غير محتملة أو كان شيخاً فانياً وما أشبه ذلك إذا كان واجداً لشرائط الحج من الزاد والراحلة وغيرهما ، لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعاً ؛ لما فيه من المشقّة والحرج وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) .

ولما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جائر فمات فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً )(٣) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « من مات ولم يحجّ حجّة الإِسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانياً »(٤) .

وهل تجب عليه الاستنابة؟ قال الشيخ : نعم(٥) ، وبه قال في الصحابة : عليعليه‌السلام ، وفي التابعين : الحسن البصري ، ومن الفقهاء : الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق(٦) .

لما رواه العامة عن عليعليه‌السلام أنّه سُئل عن شيخ يجد الاستطاعة ،

____________________

(١) أي : مهزولاً. لسان العرب ١٥ : ٣٣٠.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) حلية الأولياء ٩ : ٢٥١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٨.

(٤) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ / ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ / ٤٩.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢٤٨ ، المسألة ٦.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣ ، تفسير القرطبي ٤ : ١٥١.

٦٩

فقال : « يجهّز من يحجّ عنه »(١) .

ولحديث الخثعمية(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ عليّاًعليه‌السلام رأى شيخاً لم يحج قطّ ولم يُطق الحجّ من كبره ، فأمر أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه »(٣) .

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها ، كالصوم إذا عجز عنه.

وقال بعض علمائنا : لا تجب الاستنابة(٤) ، وبه قال مالك ؛ لأنّ الاستطاعة غير موجودة ؛ لعدم التمكّن من المباشرة ، والنيابة فرع الوجوب والوجوب ساقط ؛ لعدم شرطه ، فإنّ الله تعالى قال( مَنِ اسْتَطاعَ ) وهذا غير مستطيع.

ولأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز ، كالصوم والصلاة(٥) .

ونمنع عدم الاستطاعة ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام فسّرها بالزاد والراحلة(٦) ، وهي موجودة ، والقياس ضعيف ، وهذا القول لا بأس به أيضاً.

قال مالك : ولا يجوز أن يستأجر من يحجّ عنه في حال حياته ، فإن وصّى أن يُحجّ عنه بعد وفاته ، جاز(٧) .

____________________

(١) تفسير القرطبي ٤ : ١٥١ ، المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة ٦٤ ، الهامش (٤)

(٣) التهذيب ٥ : ١٤ / ٣٨.

(٤) قاله ابن إدريس في السرائر : ١٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، المجموع ٧ : ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣ ، تفسير القرطبي ٤ : ١٥٠.

(٦) الكافي ٤ : ٢٦٨ / ٥.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣ ، تفسير القرطبي ٤ : =

٧٠

وقال أبو حنيفة : إن قدر على الحجّ قبل زمانته ، لزمه الحجّ ، وإن لم يقدر عليه ، فلا حجّ عليه(١) .

مسألة ٥٠ : لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى بُرؤه مالاً يستنيب به ، لم يكن عليه حجّ إجماعاً ؛ لأنّ الصحيح لو لم يجد ما يحجّ به لم يجب عليه فالمريض أولى ، وإن وجد مالاً ولم يجد مَنْ ينوب عنه لم يجب عليه أيضاً ؛ لعدم تمكّنه من الاستئجار.

وعن أحمد روايتان في إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي ، فإن قلنا : من شرائط لزوم السعي ، ثبت الحجّ في ذمّته يُحجّ عنه بعد موته ، وإن قلنا : من شرائط الوجوب ، لم يجب عليه شي‌ء(٢) .

وهذا ساقط عندنا.

مسألة ٥١ : المريض الذي لا يرجى بُرؤه لو استناب من حجّ عنه ثم عُوفي ، والمعضوب إذا تمكّن من المباشرة بعد أن أحجّ عن نفسه ، وجب عليه أن يحجّ بنفسه مباشرةً.

قال الشيخرحمه‌الله : لأنّ ما فعله كان واجباً في ماله وهذا يلزمه في نفسه(٣) .

وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنّ هذا بدل اياس فإذا برأ تبيّنّا أنّه لم يكن مأيوساً منه ، فلزمه الأصل كالآيسة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت لا تجزئها تلك العدّة(٤) .

____________________

= ١٥٠ - ١٥١.

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٨ - ٩.

(٢) المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

(٤) الاُم ٢ : ١١٤ و ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المغني ٣ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

٧١

وقال أحمد وإسحاق : لا يجب عليه حجٌّ آخر ؛ لأنّه فَعَل المأمور به ، فخرج عن العهدة ، كما لو لم يبرأ ، ولأنّه أدّى حجة الإِسلام بأمر الشارع ، فلم يلزمه حجّ ثانٍ ، كما لو حجّ بنفسه ، ولإِفضائه إلى إيجاب حجّتين وليس عليه إلّا حجّة واحدة(١) .

ونمنع فعله للمأمور به ، والفرق بينه وبين عدم البرء ظاهر ، ونمنع أداء حجّة الإِسلام بل بدلها المشروط بعدم القدرة على المباشرة ، ونمنع أنّه ليس عليه إلّا حجّة واحدة.

إذا عرفت هذا ، فلو عُوفي قبل فراق النائب من الحجّ ، قال بعض العامة : لم يجزئه الحجّ ؛ لأنّه قدر على الأصل قبل تمام البدل فلزمه ، كالصغيرة ومن ارتفع حيضها إذا حاضتا قبل تمام عدّتهما بالشهور ، وكالمتيمّم إذا رأى الماء في صلاته.

ويحتمل الاجزاء ، كالمتمتّع إذا شرع في الصيام ثم قدر على الهدي ، والمكفّر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل ، وإن برأ قبل إحرام النائب ، لم يجزئه بحال(٢) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٥٢ : المريض إذا كان مرضه يرجى زواله والبرء منه ، والمحبوس ونحوه إذا وجد الاستطاعة وتعذّر عليه الحجّ ، يستحب أن يستنيب ، قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله .

ومنع منه الشافعي وأحمد ، فإن استناب غيره ، لم يجزئه كالصحيح ، سواء برأ من مرضه أو لم يبرأ ؛ لأنّه يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ، فلم تكن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٨٢ - ١٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٤.

(٢) المغني ٣ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

٧٢

له الاستنابة ، ولا يجزئه إن فعل ، كالفقير(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز له ان يستنيب ، ويكون ذلك مراعىً ، فإن قدر على الحج بنفسه ، لزمه ، وإلّا أجزأه ذلك ؛ لأنّه عاجز عن الحج بنفسه ، فأشبه المأيوس من برئه(٢) .

وفرّق الشافعية بأنّ المأيوس عاجز على الإِطلاق ، آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت ، ولأنّ النصّ إنّما ورد في الحجّ عن الشيخ الكبير وهو ممّن لا يرجى منه مباشرة الحج ، فلا يقاس عليه إلّا ما يشابهه(٣) .

والمعتمد : ما قاله الشيخ ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « كان عليعليه‌السلام يقول : لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ثم ليبعثه مكانه»(٤) وهو عام.

ولأنّه غير قادر على الحجّ بنفسه ، فجاز له الاستنابة ، كالمعضوب.

إذا ثبت هذا ، فلو استناب من يرجو القدرة على الحجّ بنفسه ثم صار مأيوساً من بُرئه ، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة اُخرى ؛ لأنّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها ، فأشبه الصحيح.

قال الشيخ : ولأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله وهذه عن بدنه(٥) .

ولو مات سقط الحج عنه مع الاستنابة وبدونها ؛ لأنّه غير مستطيع للحجّ.

وللشافعي وجهان مع الاستنابة :

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، المغني ٣ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦.

(٣) راجع : المغني ٣ : ١٨٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٨٥.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٤ - ١٥ / ٤٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

٧٣

أحدهما : عدم الإِجزاء ؛ لأنّه استناب وهو غير مأيوس منه ، فأشبه ما إذا برأ.

والثاني : الإِجزاء ؛ لأنّا تبيّنّا أنّ المرض كان مأيوساً منه حيث اتّصل الموت به(١) .

مسألة ٥٣ : قد بيّنّا أنّ من بذل طاعة الحج لغيره لا يجب على ذلك الغير القبول ، خلافاً للشافعي حيث أوجب القبول والإِذن للمطيع في الحجّ عنه.

ولو مات المطيع قبل أن يأذن له ، فإن كان قد أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه ، استقرّ في ذمّته ، وإن كان قبل ذلك ، لم يجب عليه ؛ لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعاً.

وهل يلزم الباذل ببذله؟ قال : إن كان قد أحرم لزم المضيّ فيه ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا يجب عليه البذل ، فلا يلزمه به حكم ؛ لأنّه متبرّع به(٢) .

وهذه كلّها ساقطة عندنا ؛ لأنّها مبنية على وجوب الحج بالطاعة ، وهو باطل ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل ما يوجب الحجّ؟ فقال : ( الزاد والراحلة )(٣) .

ولو كان على المعضوب حجّتان : منذورة وحجة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب اثنين في سنة واحدة ؛ لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما ، ولا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإِسلام ، بل يقعان معاً ، فأجزأ ذلك ، بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٥ و ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ١٧٧ / ٨١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٧ / ٢٨٩٦ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢١٥ / ٣.

٧٤

وللشافعي وجهان(١) .

تذنيبان :

الأول : قال الشيخ : المعضوب إذا وجب عليه حجّة بالنذر أو بإفساد حجّه ، وجب عليه أن يُحجّ غيره عن نفسه ، وإن برأ فيما بعدُ ، وجب عليه الإِعادة(٢) .

وفيه نظر.

الثاني : يجوز استنابة الصرورة وغير الصرورة على ما يأتي(٣) .

مسألة ٥٤ : يجوز للصحيح الذي قضى ما عليه من حجّة الإِسلام أن يستنيب في حجّ التطوّع وإن تمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه ، فجاز أن يستنيب فيها ، كالمعضوب.

وقال الشافعي : لا يجوز - وهو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه قادر عليه ، فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض(٥) .

وهو خطأ ؛ للفرق ، فإنّ الفرض لم يؤدّه مباشرة وهنا قد أدّاه ، فافترقا.

ولو لم يكن قد حجّ حجّة الإِسلام ، جاز له أن يستنيب أيضاً في حجّ التطوّع ، سواء وجب عليه الحجّ قبل ذلك أو لا ، وسواء تمكّن من أداء الواجب أو لا ؛ لعدم المنافاة بينهما.

ولو كان قد أدّى حجّة الإِسلام وعجز عن الحجّ بنفسه ، صحّ أن يستنيب‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٩.

(٣) يأتي في المسألة ٨٤.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ١١٦.

(٥) المجموع ٧ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٢.

٧٥

في التطوّع ؛ لأنّ ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله ، كالصدقة.

مسألة ٥٥ : يجوز الاستئجار على الحجّ ، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين(١) ، ومنع في الرواية الاُخرى منه ومن الاستئجار على الأذان وتعليم القرآن والفقه ونحوه ممّا يتعدّى نفعه ويختصّ فاعله أن يكون من أهله القربة(٢) .

وجوّز ذلك كلّه الشافعي ومالك ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)(٣) .

وأخذ أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الجعل على الرقية بكتاب الله ، وأخبروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فصوّبهم.

ولأنّه تجوز النفقة عليه فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد والقناطر(٤) .

واحتجّ المانعون : بأنّ عبادة بن الصامت كان يُعلّم رجلاً القرآن ، فأهدى له قوساً ، فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فقال له : ( إن سرّك أن تتقلّد قوساً من نار فتقلّدها )(٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعثمان بن أبي العاص : ( واتّخذ مؤذّناً لا يأخذ على أذانه أجراً )(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١ ، الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤ و ٢٥٧ ، المجموع ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٢١ ، سنن البيهقي ١ : ٤٣٠.

(٤) الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٨ و ٧ : ٤٩ ، المجموع ٣ : ١٢٧ و ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٧ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٦٢ و ٤ : ٤١٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ و ٣٧٤ و ٣٧٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٥) أورده ابن قدامة في المغني ٣ : ١٨٦ ، وفي سنن البيهقي ٦ : ١٢٥ ، ومسند أحمد ٥ : ٣١٥ ، وتفسير القرطبي ١ : ٣٣٥ بتفاوت.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٤٦ / ٥٣١ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٩ - ٤١٠ / ٢٠٩ ، سنن النسائي =

٧٦

ولأنّها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة ، فلم يجز أخذ الاُجرة عليها ، كالصلاة والصوم.

والرقية قضية في عين ، فتختص بها.

وأمّا بناء المساجد فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، ويجوز أن يقع قربةً وغير قربة ، فإذا وقع باُجرة لم يكن قربةً ولا عبادةً ، ولا يصح هنا أن يكون غير عبادة ، ولا يجوز الاشتراك في العبادة ، فمتى فعله من أجل الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، فلم يصح.

ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الاُجرة ، كالقضاء والشهادة والإِمامة يؤخذ عليها الرزق من بيت المال ، وهو نفقة في المعنى ، ولا يجوز أخذ الاُجرة عليها(١) .

ونمنع أنّه إذا فعل من أجل أخذ الاُجرة خرج عن كونه عبادةً ، وإنّما يتحقّق ذلك لو لم يقصد سوى أخذ الاُجرة ، أمّا إذا جعله جزءاً لمقصود فلا.

وفائدة الخلاف : أنّه متى لم يجز أخذ الاُجرة عليها فلا يكون إلّا نائباً محضاً ، وما يدفع إليه من المال يكون نفقةً لطريقة ، فلو مات أو اُحصر أو مرض أو ضلّ الطريق ، لم يلزمه الضمان لما أنفق ؛ لأنّه إنفاق بإذن صاحب المال ، قاله أحمد(٢) ، فأشبه ما لو أذن له في سدّ بثق فانفتق ولم ينسد.

وإذا ناب عنه آخر ، فإنّه يحجّ من حيث بلغ النائب الأول من الطريق ؛ لأنّه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه ، فلم يكن عليه الإِنفاق دفعةً اُخرى ، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق ، فإنّه يحجّ عنه من حيث انتهى ، وما فضل معه من المال ردّه إلّا أن يؤذن له في أخذه ، ويُنفق على نفسه‌

____________________

= ٢ : ٢٣ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ١٩٩ ، مسند أحمد ٤ :٢١.

(١) المغني ٣ : ١٨٦ - ١٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٦.

٧٧

بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تقتير ، وليس له التبرّع بشي‌ء منه إلّا أن يؤذن له في ذلك.

وعلى القول بجواز الاستئجار للحجّ يجوز أن يدفع إلى النائب من غير استئجار ، فيكون الحكم فيه على ما مضى.

وإن استأجره ليحجّ عنه أو عن ميت ، اعتبرت فيه شرائط الإِجارة من معرفة الاُجرة وعقد الإِجارة ، وما يأخذه اُجرةً له يملكه ويباح له التصرّف فيه والتوسّع في النفقة وغيرها ، وما فضل فهو له.

وإن اُحصر أو ضلّ الطريق أو ضاعت النفقة منه ، فهو في ضمانه ، والحجّ عليه ، وإن مات ، انفسخت الإِجارة ؛ لأنّ المعقود عليه تلف فانفسخ العقد ، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ، ويكون الحجّ أيضاً من موضع بلغ إليه النائب.

وما يلزمه من الدماء فعليه ؛ لأنّ الحجّ عليه.

النظر الثاني : التثبّت على الراحلة‌

التثبّت على الراحلة شرط في وجوب الحجّ ، فالشيخ الهِمّ والمعضوب الذي لا يتمكّن من الاستمساك على الراحلة لا يجب عليه الحجّ.

وكذا لو كان يتثبّت على الراحلة لكن بمشقّة عظيمة ، يسقط عنه فرض عامه ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً)(١) .

إذا عرفت هذا ، فمقطوع اليدين أو الرِّجْلين إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقّة شديدة يجب عليه مباشرة الحجّ ، ولا تجوز الاستنابة.

ولو احتاج المعضوب إلى حركة عنيفة يعجز عنها ، سقط في عامه ، فإن‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٣٤.

٧٨

مات قبل التمكّن ، سقط.

النظر الثالث : أمن الطريق‌

وهو شرط في وجوب الحجّ ، فلو كان الطريق مخوفاً أو كان فيه مانع من عدوّ وشبهه ، سقط فرض الحجّ في ذلك العام وإن حصلت باقي الشرائط ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الله تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع وهذا غير مستطيع.

ولأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ ، فكان شرطاً ، كالزاد والراحلة.

ولأنّ حفص الكناسي سأل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٢) ما يعني بذلك؟ قال : « مَنْ كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحج »(٣) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : إنّه ليس شرطاً للوجوب ، بل هو شرط لزوم السعي ، فلو كملت شرائط الحج ثم مات قبل وجود هذا الشرط ، حُجّ عنه بعد موته ، وإن أعسر قبل وجوده، بقي في ذمته ، لأنّ النبيعليه‌السلام لمـّا سئل ما يوجب الحج؟ قال : ( الزاد والراحلة )(٤) وهذا له زاد وراحلة.

ولأنّ هذا عذر يمنع نفس الأداء ، فلم يمنع الوجوب ، كالعضب.

ولأنّ إمكان الأداء ليس شرطاً في وجوب العبادات بدليل ما لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٧ ، المغني ٣ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣٦.

٧٩

أداؤها فيه(١) .

وليس بجيّد ، لأنّ تكليف الخائف بالسعي تكليف بالمنهي عنه ، فإنّ الله تعالى قال :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٢) وهو قبيح.

والمراد بقولهعليه‌السلام : ( الزاد والراحلة ) ليس على إطلاقه ، بل مع حصول باقي الشرائط قطعاً.

ونمنع الوجوب في حقّ المعضوب ، وقد تقدّم(٣) .

وللفرق : بأنّ المعضوب يتمكّن من الاستنابة ، بخلاف المتنازع ، فإنّه غير متمكّن من الاستئجار ، فإنّ الأجير لا يتمكّن المضيّ مع الخوف.

مسألة ٥٦ : أمن الطريق على النفس والبُضْع والمال شرط في وجوب الحجّ ، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ في الطريق ، لم يلزمه الحجّ ، ولهذا جاز التحلّل عن الإِحرام بمثل ذلك على ما يأتي في باب الإِحصار ، وقد تقدّم الخلاف فيه.

هذا إذا لم يجد طريقاً سواه ، فإن وجد طريقاً آخر آمناً ، لزمه سلوكه وإن كان أبعد إذا وجد النفقة المحتاج إليها في سلوكه واتّسع الزمان ، وهو قول الشافعية(٤) .

ولهم وجه آخر : إنّه لا يلزمه ، كما لو احتاج إلى بذل مؤونة زائدة في ذلك الطريق(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مستطيع ، وليس للطريق ضابط.

مسألة ٥٧ : لو كان في الطريق بحر ، وكان له في البرّ طريق آخر ، فإن استويا في الأمن ، تخيّر في سلوك أيّهما شاء ، وإن اختصّ أحدهما بالأمن دون‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٦٦ - ١٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) تقدّم في المسألة ٤٧.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ١٧ ، المجموع ٧ : ٨١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434