إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق13%

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق مؤلف:
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 434

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225078 / تحميل: 7230
الحجم الحجم الحجم
إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٤ - ٥

قال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا (ص) ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة.. وجاء مثله عن أبي هريرة..

... الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء عائشة لم تنف الرؤية وإنما اعتمدت الإستنباط من الآيات... أما احتجاج عائشة بقول الله: لا تدركه الأبصار فإن الإدراك هو الإحاطة!

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ ص ٩٤ - هامش الساري

عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالىما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى جبريل له ستمائة جناح وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى! انتهى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ٢٠١ - ٢٠٢

... إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله! قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلى. وقال آخرون الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها! انتهى.

ولكن دعوى الحاسة السادسة تعني التنازل عن أحاديث الرؤية التي تصرح بالرؤية بالعين البشرية المعهودة، كما سيأتي.

وأيدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالى

- مسند أحمد ج ٤ ص ١١

ابن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء. ما تحته هواء وما فوقه هواء. ثم خلق عرشه على الماء.

٢١

- سنن الترمذي ج ٤ ص ٣٥١

قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء. قال أحمد قال يزيد: العماء أي ليس معه شيء. هكذا يقول حماد بن سلمة. هذا حديث حسن. انتهى ورواه ابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٤ ورواه البيهقي في المحاسن والمساوئ ج ١ ص ٤٧

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٢٢

وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزينرضي‌الله‌عنه ... قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء. قال الترمذيرضي‌الله‌عنه : العماء أي ليس معه شيء. انتهى. ورواه في كنز العمّال ج ١ ص ٢٣٦ وفي ج ١٠ ص ٣٧٠ وقال في مصادره (حم وابن جرير، طب وأبوالشيخ في العظمة. عن أبي رزين) وقال في هامشه: العماء بالفتح والمد: السحاب. قال أبو عبيد: لا يدرى كيف كان ذلك العماء. وفي رواية كان في عما بالقصر، ومعناه ليس معه شيء. النهاية ٣ - ٣٠٤. انتهى.

ملاحظة: مقصود الراوي بالعماء الفضاء الخالي، وبعض روايات الحديث نصت على ذلك، فيكون الفضاء حسب تصوره إلَهاً مع الله تعالى، أو قبله! ويكون وجوده تعالى مادياً محتاجاً لأن يكون في فضاء! وقد كان الترمذي محتاطاً فابتعد عن مسؤولية تفسيره بأنه ليس معه أحد، وجعل ذلك على عهدة يزيد وحماد بن سلمة!

ويؤيد ما ذكرنا، أن كلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمكان الخراب في مقابل العمران، شبيهاً بالأرض البائرة والمزروعة، فيقولون كانت هذه المنطقة عماء لا عمران فيها أو لا إنسان فيها. فيكون معنى أن الله تعالى كان في عماء أن الراوي تصور أن الكون كان فضاء وهواء وكان الله تعالى في ذلك الفضاء العماء، ثم أعمره بالخلق.

٢٢

وقد يقال في توجيه الحديث إنه تفسير لقوله تعالى(وكان عرشه على الماء) ولكن السؤال فيه عما قبل العرش وقبل كل الخلق، أي عما هو قبل القبل، فكيف يصح جعل العماء والهواء قديماً أو واجب الوجود قبل القبل!

وقد يقال إن المقصود بالخلق في السؤال الملائكة والناس. ولكن إطلاق السؤال عما قبل الخلق، يأبى تخصيصه بذوي الأرواح أو ببعض المخلوقات.

وكذلك لا يصح تفسير العماء بالعدم المطلق، لأن تعبير (ما تحته هواء وما فوقه هواء) يجعل تفسيره بالعدم المطلق، تعامياً!

وهاجموا أُمّهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

- كتاب التوحيد لابن خزيمة ص ٢٢٥ - ٢٣٠

قال أبو بكر: هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبوذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها... الى آخر هجوم ابن خزيمة المجسم وغيره على أمهم عائشة. راجع الفصل الأول من كتاب الوهابية والتوحيد.

ثم رووا الرؤية بالعين حتى عن ابن عباس وعائشة

- مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣١٦

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان، حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم رأى كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ! فقلت يا ابن عباس أليس يقول الله: لا تدركه الأبصار وهو يدرك

٢٣

الأبصار؟ قال: يا لا أم لك، ذلك نوره وهو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

- وقال في هامش تهذيب التهذيب ج ٤ ص ١١٣

في تهذيب الكمال عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى، فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ قال: اسكت لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلى بنوره لم يقم لنوره شيء. اهـ.

- مجمع الزوائد ج ٧ ص ١١٤

وعن ابن عباس قال: إن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه، قال عكرمة: يا ابن عباس أليس يقول الله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ؟ فقال ابن عباس لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلى بكيفية لم يقم له بصر.

قلت: له حديث رواه الترمذي غير هذا رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك. انتهى.

- مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٨

... وعن ابن عباس أنه كان يقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، خلا جهور بن منصور الكوفي، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات.

- كتاب التوحيد لابن خزيمة ص ١٩٨

... عن عبد الله ابن أبي سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن العباس يسأله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن العباس أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ قال فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، وملك في صورة أسد. انتهى.

٢٤

هذه هي الرواية التي شهرها ابن خزيمة سيفاً على مذهب أمه عائشة، لأنها خالفت فيه مذهب الخليفة عمر، وهي رواية إسرائيلية مع الأسف! وقد علق عليها الشيخ محمد الهراس بقوله (لعل ابن عباس أخذ رأيه هذا من كعب الأحبار فقد كان كعب يقول إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد).

- ثم قال ابن خزيمة في ص ١٩٩

عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً بالرؤية... عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه... عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: رأى محمد ربه. انتهى.

وعلق عليه الهراس بقوله (هذا رأي لا دليل عليه، وهذا مخالف لقولهعليه‌السلام في حديث أبي ذر (نور) أني أراه.

وقد روى ابن خزيمة نفسه حديث أبي ذر في نفي النبي رؤية ربه بعينه! قال في ص ٢٠٦:... محمد بن بشار بن بندار حدثنا بهذا الخبر، قال ثنا معاذ بن هشام، قال حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أي شيء كنت تسأله؟ فقال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال أبوذر: قد سألته فقال رأيت نوراً. انتهى.

ويلاحظ أن ابن خزيمة لم يرو تعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من سؤال أبي ذر (أنى أراه!) فقد علق عليه الهراس بقوله (قوله رأيت نوراً: يفيد أنه لم يرد بذلك النور نور ذاته عز وجل، وإلا لقال للسائل نعم رأيته، فهو أراد أن يفهم السائل أن الذي رآه هو النور، ولعله نور الحجاب كما ورد في حديث أبي موسى (حجابه النور) وهو الذي حال دون رؤيته له سبحانه). انتهى.

ولم يترك ابن خزيمة شيئاً إلا وتشبث به لإثبات الرؤية بالعين فقد روى أن الحسن

٢٥

البصري كان يحلف الأيمان على الرؤية بالعين!! قال في ص ١٩٩:.. ابن سليمان عن المبارك بن فضالة قال: كان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه. انتهى.

وعلق عليه الهراس بقوله: كيف يحلف الحسن سامحه الله على أمر لم يتبين صدقه، وهو محل خلاف بين الصحابة وجمهورهم على نفيه! انتهى.

ثم أفتوا بكفر وضلال من خالفهم وشملت فتواهم أُمّهم عائشة!

- قال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ١٥ ص ٨

باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم.. إن مذهب أهل السنة أن رؤية الله ممكنة.. وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً.

- قال الشاطبي في الإعتصام ج ١ ص ٣٣١

ومنها ردهم أهل البدع للأحاديث التي غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم.. كالمنكر لعذاب القبر والصراط المستقيم والميزان، ورؤية الله في الآخرة، وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء والآخر دواء!

- وقال الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٣٩٦

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فإن جحد بعد

٢٦

ذلك فهذا معاند، نسأل الله الهدى، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة.

- وقال الذهبي في سيره ج ٧ ص ٣٨١

قال حفص بن عبد الله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إلَه إلا هو لقد رأى محمد ربه.

وقال أبوحاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان.

وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ. وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً على الجهمية.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

واختلف في جواز الرؤية فأكثر المبتدعة على إنكار جوازها في الدنيا والآخرة وأكثر أهل السنة والسلف على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة.

- وقال الذهبي في تذكرة الحفّاظ ج ٢ ص ٤٣٥

وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء! فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء.

هذه حكاية صحيحة رواها البيهقي في الأسماء والصفات. قال البخاري: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.

- وقال السبحاني في بحوث في الملل والنحل ج ٢ ص ٣٧٣

... وقفنا على فتوى لعبد العزيز بن عبد الله بن باز مؤرخة ٨/٣/١٤٠٧ مرقمة

٢٧

١٧١٧/٢ جواباً على سؤال عبد الله عبد الرحمن في جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة فأفتى: من ينكر رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة لا يصلى خلفه وهو كافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) ذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك: إن قوماً يزعمون أن الله لا يرى يوم القيامة فقال مالكرحمه‌الله : السيف السيف.

وقال أبو حاتم الرازي: قال أبو صالح كاتب الليث: أملى عليَّ عبد العزيز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمية فقال: لم يزل يملي لهم الشيطان حتى جحدوا قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.

... عن أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العواطف إن الله لا يرى في الآخرة فقال: لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال: أخزى الله هذا.

وقال أبو بكر المروزي: من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر. وقال: من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر.

وقال إبراهيم بن زياد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الرؤية من كذب بها فهو زنديق، وقال: من زعم أن الله لا يرى فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.. إلخ) انتهى.

ويشمل حكم الشيخ ابن باز هذا أم المؤمنين عائشة لأنها كذبت من زعم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى الله تعالى واستدلت على نفي إمكانية رؤية الله تعالى مطلقاً في الدنيا والآخرة بقوله تعالى:لا تدركه الأبصار . ولا طريق أمام ابن باز إلا أّ يقول بكفر عائشة، أو يكذب روايات البخاري ومسلم عنها!!

وقد كان الألباني أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حكم التكفير عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمين فقال في فتاوىه ص ١٢٣

- علماء السلف كفروا الجهمية وأعلنوا كفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لكنهم لا

٢٨

يكفرون الأباضية الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة كذلك المعتزلة.. لكنهم يكتفون بتضليلهم دون كفرهم.. وقال في ص ٢٩٢ قال ابن تيميه:... كان أبو حنيفه والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابيه ويصححون الصلاة خلفهم.. أئمة الدين لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين لا في مسائل علمية ولا عملية... كتنازع الصحابة هل رأى محمد ربه.

.. وأهل السنه لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما.

وفي مقابل حملة التكفير هذه، فإن الذين نفوا رؤية الله تعالى بالعين لم يكفروا أصحاب الرؤية بل أفتوا بأنهم: لا يفهمون ما يقولون! قال الشاطبي في الإعتصام ج ١ ص ٢٣٦: حكى أبو بدر العزلي عن بعض من لقي بالمشرق من المنكرين للرؤية أنه قيل له: هل يكفر من يقول بإثبات الرؤية؟ فقال لا، لأنه قال بما لا يعقل.. قال ابن العزلي: فهذه منزلتنا عندهم!

وكبَّر كعب الأحبار لأنه انتصر على المسلمين!!

- روى الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٤٥ عن عكرمة حديث ابن عباس ، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ١٩٩ من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً ص ١٩٧ من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد ج ٣ ص ٣٦-٣٧. انتهى.

٢٩

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه، فقد روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢٢٥ - ٢٣٠.... عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم! انتهى.

ومن الواضح أن تكبير كعب الأحبار (حتى جاوبته الجبال!) يدل على أن إثبات رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مطلباً مهماً عند كعب وأنه كان يبحث عمن يوافقه عليه ولا يجد، فلما وافقه ابن عباس كما تدعي الرواية صرخ بصوت عال من فرحه، لأن ذلك يوافق مصادره اليهودية في تجسيد الله تعالى وجلوسه على عرشه ونزوله إلى الأرض ومصارعته ليعقوب.. إلى آخر افتراءات اليهود على الله تعالى!

واشتغل الوضّاعون وكثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم

تقدم عن عائشة وغيرها تكذيب أحاديث الرؤية عموماً، وقد طفح كيل هذه الأحاديث من كل لون، لأن الدول كانت تشجعه، ولأن الموضوع قابل للأسطورة.. حتى اعترفت مصادر الجرح والتعديل عند إخواننا بوضع عدد كبير منها!

٣٠

هل روى حمّاد أحاديث الرؤية والتشبيه أم دسّوها في لحيته؟

- قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٣ ص ١٥

حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الأحاديث أي في الصفات، حتى أخرج مرة إلى عبادان فجاء وهو يرويها، فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في لحيته. وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه..

وأنكر مالك أحاديث التشبيه واعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل

- قال الذهبي في سيره ج ٨ ص ١٠٣

أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر، قال قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا: إن الله خلق آدم على صورته. والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد. فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له: أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد. قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات. رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا: حدثنا ابن القاسم.

قلت: أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه! انتهى.

وهذا النص يدل بوضوح على أن الأمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم، وأن الإمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتى مات. وأن أجواء هذه الإعتقادات كانت محدودة بالدولة بخلاف الجو العام للمسلمين الذي

٣١

يعيش فيه الإمام مالك. وقد بينا في كتاب الوهابية والتوحيد عدم صحة ما نسبه الوهابيون إلى الإمام مالك من تفسير الصفات بالظاهر.

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب

- قال في كتابه الموضوعات ج ١ ص ١٢٤ - ١٢٥

حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة، إذ لو رواه الثقات كان مردوداً والرسول منزه أن يحكي عن الله عز وجل ما يستحيل عليه، وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء. أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد العرار (القزاز) قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال حدثنا نعيم بن حماد، قال حدثنا ابن وهب، قال حدثنا عمرو بن الحرث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه في مخصر عليه نعلان من ذهب في وجهه مراس من ذهب.

أما نعيم فقد وثقه قوم وقال ابن عدي: كان يضع الحديث، وكان يحيى بن معين يهجنه في روايته حديث أم الطفيل وكان يقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا وليس نعيم بشيء في الحديث.

وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل، قال مهنى: سألت أحمد عن هذا الحديث فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر هذا رجل مجهول عنى مروان. قال: ولا يعرف أيضاً عمارة.

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ٤ ص ٢٦٩

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل - أنها سمعت النبي

٣٢

صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى.

- وقال في سيره ج ١٠ ص ٦٠٢

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا. وقال أبو زرعة النصري: عرضت على دحيم ما حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس: إذا تكلم الله بالوحي. الحديث فقال لا أصل له. فأما خبر أم الطفيل فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبي بن كعب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جداً.

- وقال في هامش سير أعلام النبلاء ج ١٨ ص ٤٩

(٤) أخرجه الخطيب في تاريخه ١٣ - ٣١١ من طريق نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل إمرأة أُبي أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة له نعلان من ذهب على وجهه مراس من ذهب، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: موضوع، نعيم وثقه قوم وقال ابن عدي: يضع، وصفه ابن عدي بسبب هذا الحديث، ومروان كذاب، وعمارة مجهول، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: منكر. وفي الميزان ٤ - ٩٢: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الزرقي: ضعفه أبوحاتم، وقال أبو بكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه: سمعت النسائي يقول: ومن

٣٣

مروان بن عثمان حتى يصدق على الله! قاله في حديث أم الطفيل. وأورده في الميزان ٤ - ٢٢٩ في ترجمة نعيم بن حماد في جملة الأحاديث التي أنكرت عليه. وقال الحافظ في الإصابة ٤ - ٤٧٠ في ترجمة أم الطفيل بعد أن أورده عن الدار قطني من طريق مروان بن عثمان... ومروان متروك، قال ابن معين: ومن مروان حتى يصدق.

- وقال ابن الجوزي في الموضوعات ج ١ ص ٢٩٠

عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود.

هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به محمد بن يونس وهو الكديمي، وكان وضاعاً للحديث. قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث!

- وقال في الموضوعات ج ٣ ص ٢٥٩

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أسكن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. قال: فيهبط تبارك وتعالى إلى الجنة في كل جمعة في كل سبعة آلاف يعني سنة مرة. قال وفي وحيه: وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيهبط عز وجل إلى مرج الجنة فيمد بينه وبين الجنة حجاباً من نور فيبعث جبريل إلى أهل الجنة فيأمر فليزوروه، فيخرج رجل من موكب عظيم حوله صفق أجنحة الملائكة ودوي تسبيحهم والنور بين أيديهم أمثال الجبال فيمد أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا قد أذن له على الله عز وجل فتقول الملائكة: هذا المجبول بيده والمنفوخ فيه من روحه والمعلم الأسماء والمسجود له من الملائكة الذي أبيح له الجنة، هذا آدم.

وذكر نحو هذا في إبراهيم ومحمد وقال: ثم يخرج كل نبي وأمته فيخرج الصديقون والشهداء على قدر منازلهم حتى يحفوا حول العرش فيقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته: مرحباً بعبادي. وذكر حديثاً طويلاً لا فائدة في ذكره.

٣٤

وهو حديث موضوع لا نشك فيه والله عز وجل متنزه عن أن يوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فكافأ الله من وضع هذا. وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو متروك الحديث وضرار بن عمرو قال يحيى: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال الدار قطني: ذاهب متروك. ويحيى بن عبد الله قال ابن حبان: يأتي عن الثقاة بأشياء معضلات.

- وقال في الموضوعات ج ٣ ص ٢٦٠

عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون وترفع الحجب بينه وبينهم وينظرون إليه وينظر إليهم، وذلك قوله تعالى: ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيا. هذا حديث لا يصح وفيه ميمون بن شياه قال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا انفرد. وفيه صالح المري، قال النسائي: متروك الحديث.

... قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يتجلى لأهل الجنة في مقدار كل يوم على كثيب كافور أبيض. هذا حديث لا أصل له وجعفر وجده وعاصم مجهولون.

... عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله: سلام قولاً من رب رحيم، قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يزالون كذلك حتى يحتجب فيبقى نوره وبركته عليهم وفى دارهم.

طريق ثان... طريق ثالث...

هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدار طرقه كلها على الفضل بن عيسى الرقاشي، قال يحيى: كان رجل سوء. ثم في طريقه الأول والثاني عبد الله بن عبيد، قال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه. وفي طريقة الثالث محمد بن يونس الكديمي وقد ذكرنا أنه كذاب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.

٣٥

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ١ هامش ص ٣٩

ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين ولا بالحديث الذي يذكرونه على منابرهم وهو إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا إلا كذا حتى يطلع الفجر. فإن هذا حديث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وقد قال فيه ابن معين والإمام أحمد أنه يضع الحديث. نقل ذلك محشي سنن ابن ماجة عن الزوائد. ووافقه الذهبي في الميزان في الإمام أحمد، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه: ليس حديثه بشيء، وقال الناس: متروك.

- وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢١٤

وقد روى الوليد بن مسلم خبراً يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الأخبار أنه خبر صحيح من وجه النقل وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث، وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتى لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الأخبار، وقد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه على طلاب العلم بالإحتجاج بالخبر الواهي وإني خائف من خالقي جل وعلا إذا موهت على طلاب العلم بالإحتجاج بالأخبار الواهية وإن كانت الأخبار حجة لمذهبي.

روى الوليد قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال ثنا خالد ابن اللجلاج، قال حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى.. إلخ. انتهى.

- وقال ابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٣٠٤

اللجلاج وأبو سلام الحبشي لا تصح صحبته لأن حديثه مضطرب، أخبرنا أبومنصور ابن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب بإسناده عن المعافي بن عمران، عن

٣٦

الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن زيد أنه سمع خالد بن اللجلاج يحدث مكحولاً، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي في أحسن صورة فذكر أشياء...

- وقال المزي في تهذيب الكمال ج ١٧ ص ٢٠٢

عبدالرحمان بن عائش الحضرمي ويقال: السكسكي الشامي مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه، روي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي في أحسن صورة وقيل: عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: عنه عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: غير ذلك.

وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت عبد الرحمن بن إبراهيم قلت له: لعبدالرحمان بن عائش حديث سوى: رأيت ربي في أحسن صورة؟ فقال لي عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن ربيعة بن يزيد، عن عبدالرحمان بن عائش قال: الفجر فجران... فذكر الحديث.

وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً: قلت لأحمد بن حنبل إن ابن جابر يحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي في أحسن صورة، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبد الله بن عباس فأيهما أحب اليك قال: حديث قتادة هذا ليس بشيء والقول ما قال ابن جابر.

وقال أبوحاتم الرازي: هو تابعي وأخطأ من قال له صحبة.

وقال أبو زرعة: الرازي ليس بمعروف. روى له الترمذي وقد وقع لنا حديثه بعلو.

- وقال ابن ناصر في توضيح المشتبه ج ١ ص ٥٨٨

محمد بن شجاع الثلجي الفقيه صاحب التصانيف مشهور مبتدع.. قلت:.. وبدعته كونه من أصحاب بشر المريسي يقول في القرآن، ومع ذلك رمي بالوضع

٣٧

والكذب، ومن افترائه أنه تكلم في الشافعي وأحمد.. كان يضع أحاديث التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث ليثلبهم بذلك..

- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٤٤٠ - ٤٤١

فصل: في بيان أربعة أحاديث باطلة تتعلق بالكرسي:

الحديث الأول: روي عن سيدنا ابن عباسرضي‌الله‌عنهما أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى:وسع كرسيّه السموات والأرض قال: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره.

وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً! وما هو إلا هراء يجل مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ابن عباسرضي‌الله‌عنهما أن يفوها به، إلا إن حكياه عن اليهود في مقام ذم عقائدهم الباطلة وذكر فساد ما يقولون! وقد رواه مرفوعاً الخطيب البغدادي في تاريخه ٩ - ٢٥١ وابن الجوزي في العلل المتناهية ١ - ٢٢ ورواه موقوفاً الطبراني في الكبير ١٢ - ٣٩ والحاكم ٢ - ٢٨٢ والمجسم الكذاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب (العرش) قال ابن كثير في تفسيره ١ - ٣١٧ كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره وهو غلط، ثم قال بعد ذلك بقليل وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك، عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً ولا يصح أيضاً.

قلت: الصحيح عندنا في هذا الحديث أنه إسرائيلي مأخوذ من كعب الأحبار لأن أبا هريرة وابن عباس رضوان الله عليهما رويا عن كعب الأحبار كما في تهذيب الكمال للحافظ المزي ٢٤ - ١٩٠ فإذا علمت ذلك فستعرف خطأ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ - ٣٢٣ حيث اكتفى بالتصريح بأن رجاله رجال الصحيح، وكذا الإمام الحاكم في المستدرك صحح الموقوف أيضاً على شرط الشيخين، وأقره الذهبيرحمهم‌الله فلا تغفل عن هذا، لأن هؤلاءرحمهم‌الله كثيراً ما يصححون فيرد تصحيحهم.

وقد روي نحو هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري موقوفاً كما في الأسماء

٣٨

والصفات ص ٤٠٤ للحافظ البيهقيرحمه‌الله وقد تأول هذا النص البيهقي هناك بقوله: ذكرنا أن معناه فيما نرى أنه - أي الكرسي - موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه.

وفي أثر أبي موسى هذا ذكر للأطيط!وقد صرح الحفاظ بأنه لايصح حديث في الأطيط وقد اعترف الشيخ المتناقض (يقصد الألباني) بذلك في ضعيفته ٢ - ٢٥٧ و ٣٠٧!

وفتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري

- فتاوى الألباني ص ٥٢٤ - ٥٣٥

السؤال هو: هل سبق للشيخ أن ضعف أحاديث في البخاري وضعفها في كتاب ما؟ وإن حصل ذلك فهل سبقك إلى ذلك العلماء؟ نرجو الجواب مع الإشارة جزاك الله خيراً.

جواب: حدد لي ذلك.. إلى ماذا.. لأن سؤالك يتضمن شيئين.. هل سبق لك أن ضعفت شيئاً من أحاديث البخاري وهل جمعت ذلك في كتاب.. فلما ذكرت هل سبقك إلى ذلك.. ماذا تعني: إلى تضعيف أو إلى تأليف.

سؤال: إلى الإثنين.

جواب: أما أنه سبق لي أن ضعفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الإعتراف بها ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً أولها: المسلمون كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم.. كلهم (...) يجمعون على أنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعلى هذا، من النتائج البديهية أيضاً أن أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف على رسمه، لابد أن يرسخ في ذهنه أنه لا بد أن يكون فيه شيء من الخطأ، لأن العقيدة السابقة أن العصمة من البشر لم يحظ بها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من هنا يروى عن الإمام الشافعيرضي‌الله‌عنه أنه قال: أبى الله أن يتم إلا كتابه. فهذه حقيقة لا تقبل المناقشة.

٣٩

هذا أولاً.. هذا كأصل.. أما كتفريع، فنحن من فضل الله علينا وعلى الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يشكرون. قد مكنني الله عز وجل من دراسة علم الحديث أصولاً وفروعاً وتعليلاً وتجريحاً، حتى تمكنت إلى حد كبير بفضل الله ورحمته أيضاً أن أعرف الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع، من دراستي لهذا العلم.

على ذلك طبقت هذه الدراسة على بعض الأحاديث التي جاءت في صحيح البخاري فوجدت نتيجة هذه الدراسة أن هناك بعض الأحاديث التي تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة في صحيح البخاري، فضلاً عن صحيح مسلم.

هذا جوأبي عما يتعلق بي أنا..

أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد، فأقول والحمد لله سبقت من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامي جداً بنحو ألف سنة.

فالإمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث.. أما أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث. ذلك لأنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم.. ذلك لأننا نحن بحاجة أكبر إلى تتبع الأحاديث التي وجدت في السنن الأربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها. بينما الإمام البخاري والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الأحاديث التي أودعوها في الصحيحين من مئات الألوف من الأحاديث.

هذا جهد عظيم جداً.. ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شيء أن أتوجه أنا إلى نقد الصحيحين (...) وأدع الأحاديث الموجودة في السنن الأربعة وغيرها، غير معروف صحيحها من ضعيفها.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الثالث: إنّ الرّافضة لو عقلت ما ذكروا هذا الحديث على استحقاق، لأنه شبّهه بهارون في الإستخلاف، ولم يحصل من استخلاف هارون إلّا الفتنة العظيمة والفساد الكبير بعبادة بني إسرائيل العجل، حتى أخذ موسى رأس أخيه يجرّه إليه. وكذلك حصل من استخلاف علي أيضاً، لما عرفت من قتل المسلمين يوم الجمل وفي صفّين، ووهن الإسلام، حتى طعنت فيه الأعداء، وإن لم يكن لا لوم على علي في ذلك، لكونه صاحب الحق، لكن لو لم يكن في خلافته مثل ذلك لكان أولى ».

النظر في كلامه والجواب عنه

نعم لقد أبدى هذا الرجل كوامن أضغانه، وأعلن أقصى عدوانه لأمير المؤمنينعليه‌السلام

ألا ترى إلى قوله: « لا دلالة فيه على إمامة علي »؟

أليس هذا هو قول النواصب؟

بل إنّه يقول: « إنّ في هذا الحديث دلالةً على عدم استحقاق علي للإمامة ».

فهل هذا الحديث الّذي يرويه أهل السنّة ويعترفون بصحّته وتواتره دليلُ على عدم استحقاق أمير المؤمنينعليه‌السلام الخلافة؟

أليس هذا مذهب النواصب والخوارج، وعلى خلاف أهل السنّة حيث يجعلونه أحد الخلفاء؟

وأيضاً: إذا كان هذا الحديث دليلاً على عدم الإستحقاق فالحديث المفترى الموضوع في حقّ الشيخين - المذكور سابقاً - دليل على عدم استحقاقهما كذلك فيكون ضرر هذا الهذر على الأعور من نفعه أكثر

٢٢١

لكنّه لم يكتف بهذا، بل جعل - في الوجه الثالث - يطعن في أمير المؤمنين وخلافته وشيعته فهل له من توجيةٍ معقول وتأويلٍ مقبول؟

في كلامه مطاعن لعلي أمير المؤمنين

لقد اشتملت عبارته على التشنيع والطّعن من وجوه:

١ - قوله: إن الرافضة لو عقلت ما ذكروا هذا الحديث حجة على استحقاق علي. يدل هذا الكلام على أنّ ذكر هذا الحديث والإحتجاج به على استحقاق الإمام يخالف العقل، ويدلّ على حمق وسفاهة ذاكره والمستدل به والحال أن ( الدهلوي ) يصرّح بأنّ هذا الحديث دليل - عند أهل السنة - على فضل الأمير وصحة إمامته في حينها، لدلالته على استحقاقه لها فيكون طعن الأعور متوجهاً إلى الشيعة والسنة معاً

٢ - قوله: « لأنه شبّهه بهارون في الإستخلاف، ولم يحصل من استخلاف هارون إلّا الفتنة العظيمة والفساد الكبير بعبادة بني إسرائيل العجل » تعليلٌ لنفي العقل عن الشّيعة باستدلالها بالحديث وهو يزعم أنّ نتيجة هذا التشبيه وقوع الفتنة والفساد الكبير من استخلاف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما حصل ذلك بزعمه من استخلاف هارون.

٣ - قوله: « حتى أخذ موسى برأس أخيه يجرّه إليه » معناه: أنّ هارون كان هو السّبب فيما حصل، ولذلك فعل به موسى ذلك. وإنّما ذكر هذا لإثبات مزيد الطعن واللّوم على أمير المؤمنين، كما هو واضح.

٤ - قوله: « وكذلك حصل من استخلاف علي أيضاً، لما عرفت » تصريح بترتب كلّ ذلك الذي ترتب على استخلاف هارون بزعمه، على استخلاف أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢٢٢

٥ -قوله: « أيضاً » تأكيد لحصول ما ذكر كما لا يخفى.

٦ - قوله: « لما عرفت من قتل المسلمين يوم الجمل والصفين » تصريح بالمراد والمقصود من « الفتنة العظيمة والفساد الكبير » في كلامه.

٧ - قوله: « ووهن الإسلام » يدل على أنّ قتالهعليه‌السلام الناكثين والقاسطين والمارقين كان سبب وهن الإسلام وضعف دين خير الأنامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ - قوله: « حتى طعنت الأعداء » معناه الإعتناء والإعتبار بطعن من طعن على أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتاله لأولئك الذين قاتلهم

في كلامه تناقضات

وأمّا قوله: « وإنْ لم يكن لا لوم على علي » فإنّه إنما قاله أخيراً لرفع اللّوم على الإمامعليه‌السلام وبغضّ النظر عن كون عبارته ركيكةً - لأن نفي النفي إثبات - فإنّه هذه الجملة لا تجبر ما تفوَّه به أوّلاً في الطعن واللوم والتشنيع على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل غاية الأمر وقوع التهافت والتناقض في كلامه صدراً وذيلاً، وذلك ليس ببعيد من هؤلاء النصّاب، بل ذلك شأن جميع المبطلين الأقشاب

وتناقضه غير منحصر بهذا، ففي كلامه هنا تناقضات، وبيان ذلك:

إنّه قد صرّح في الوجه الأوّل بأنّ هذا الحديث إنّما قيل تسليةً لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « الأول: إنه قيل تسليةً لعلي لا تنصيصاً عليه » وقال: « فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم تسليةً: أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى ». ثم ناقض نفسه في الثاني فادّعى إنه دليل على نفي استحقاقه الإمامة والخلافة، ثم ادّعى في الثالث ترتّب الفساد العظيم على

٢٢٣

استخلافه فهذا تناقض، لأنه إن كان دليلاً على نفي الإستحقاق وكان دليلاً على حصول الفساد الكبير، فلا تحصل التسلية لعليٍّ ولا دفع إرجاف المنافقين في المدينة به، بل بالعكس، يكون الحديث - بناءً على ما ذكره - تأييداً وتصديقاً لما زعمته المنافقون، وتصحيحاً لطعن الطاعنين فيه.

وأيضاً: إنّه - وإنْ بلغت عداوته في الوجه الثالث إلى أقصى الغايات - اعترف بدلالة الحديث على الخلافة، حيث قال فيه: « لأنه شبّهه بهارون في الإستخلاف » فهذا الكلام نصٌّ صريح في الدّلالة على ذلك، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبّه أمير المؤمنين بهارون في الإستخلاف، وظاهر أن ليس مراد الأعور من هذا الإستخلاف هو الإستخلاف حال الحياة لعدم وقوع أي فتنةٍ أو فساد حينذاك، فالمراد هو الإستخلاف بعد المماة. وإذْ ثبت تشبيه النبي علياً بهارون في الإستخلاف بعد المماة ثبت دلالة الحديث على الخلافة بالبداهة وإذا كان هذا حاصل كلامه في الوجه الثالث، فقد ناقض مدّعاه حيث نفى الدلالة على الخلافة قائلاً: « لا دلالة فيه على إمامة علي ».

وأمّا الأشياء الأخرى التي زعمها في ذاك الوجه - أعني الثالث - فهي لا تدلّ إلّاعلى كفره ونفاقه

وقال نجم الدين خضر بن محمد بن علي الرازي في ( التوضيح الأنور بالححج الواردة لدفع شبه الأعور ) في هذا المقام:

« وجه الشبه هو القرب والفضيلة، لا ما توهّمه من الفساد الكبير والفتنة العظيمة، وإلّا لم يكن تسليةً بل مذمة وتخطئة، وهو باطل بالإجماع. على أن الفتنة والفساد لم يحصل من نفس الإستخلاف بل من أهوائهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، وإلا لكان القدح في النبي المستخلف.

وعلي ما قتل إلّا البغاة الناكثين والقاسطين والمارقين، عملاً بقول رب

٢٢٤

العالمين:( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) . ووهن الإسلام من فعل المخالفين اللئام، وطعن الأعداء لقلّة بصارتهم ومتابعة الأهواء.

هذا، ولو علم الخارجي الأعور التائه في الضلال بحقيقة مآل المقال ما قال ذلك، لأنه إذا كان عليعليه‌السلام كهارون وخلافته كخلافته، لزم أنْ يكون علي صاحب الحق، والمخالف مؤثراً عليه غيره بغير حق، كما أنّ هارون كان صاحب الحق وعبادة العجل التي آثروها على متابعته كان باطلاً. فيلزم منه بطلان الثلاثة الذين خلفوا لكونهم كالعجل المتّبع، ولا دخل لمحاربة علي، لأن وجه الشبه يجب أن يكون مشتركاً بين الطرفين والمحاربة ليست كذلك ».

وأيضاً: بين الوجهين الثاني والثالث تناقض، لأن مقتضى صريح الثاني كون الحديث دليلاً على نفي الإستحقاق، لأنه شبهه بهارون، وقد مات هارون في حياة موسى، فلا استحقاق للأمير للخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومقتضى صريح الثالث كونه دالاً على خلافته، لكنْ ترتّب على خلافته فساد كبير وفتنة عظيمة كما زعم فالثاني ناف للخلافة والثالث مثبت، وبين النفي والإثبات تناقض كما هو واضح.

إفتراؤه على هارون

وبعد، فإنّ فظاعة كلمات الأعور في حقّ هارون غير خافية على العاقل الديّن لكنّا مزيداً للتوضيح نقول: إنّ ما ادّعاه من ترتّب الفتنة العظيمة والفساد الكبير على إستخلاف هارون بهتان عظيم وافتراء كبير، وتكذيب للكلام الإلهي الصريح في براءة هارون ممّا كان عند استخلافه وغياب موسى، فقد قال سبحانه وتعالى:( وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ

٢٢٥

الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (١) فإن الله يبرّىء هارون، والأعور يقول بأنّه هو السبب في عبادة بني إسرائيل العجل!!

ولقد أوضح المفسّرون من أهل السنة أيضاً واقع الأمر وحقيقة الحال حيث شرحوا القصة في تفاسيرهم:

* يقول النيسابوري: « ثم إنه سبحانه أخبر أن هارون لم يأل نصحاً وإشفاقاً في شأن نفسه وفي شأن القوم قبل أن يقول لهم السامري ما قال، أمّا شفقته على نفسه فهي: إنه أدخلها في زمرة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، اما الاقتال فإنه امتثل في نفسه وفي شأن القوم أمر أخيه حين قال لهم( يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ) .

قال جار الله: كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة فتنوا به واستحسنوه، فقبل أنْ يطلق السامري بادره هارون فزجرهم عن الباطل أولاً بأنّ هذا من جملة الفتن، ثم دعاهم إلى الحق بقوله:( وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ) ومن فوائد تخصيص هذا الإسم بالمقام: أنهم إنْ تابوا عما عزموا عليه فإنّ الله يرحمهم ويقبل توبتهم. ثمّ بيّن أن الوسيلة إلى معرفة كيفية عبادة الله هو اتباع النبي وطاعته فقال:( فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) وهذا ترتيب في غاية الحسن »(٢) .

ويقول الرازي: « إعلم أنه قال ذلك شفقةً على نفسه وعلى الخلق، أمّا شفقته على نفسه فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مأموراً من عند أخيه موسى بقولهعليه‌السلام :( اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان مخالفاً لأمر الله تعالى ولأمر موسىعليه‌السلام ، وذلك لا يجوز»(٣) .

____________________

(١). سورة طه: ٢٠، الآية ٩٠.

(٢). تفسير غرائب القرآن ٤ / ٥٦٦.

(٣). التفسير الكبير ٢٢ / ١٠٥.

٢٢٦

ويقول الرازي بتفسير الآية:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (١) :

« فإن قيل: لمـّا كان هارون نبياً والنبي لا يفعل إلا الإصلاح فكيف وصّاه بالإصلاح. قلنا: المقصود من هذا الأمر التأكيد كقوله:( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) »(٢) .

ويقول النيسابوري: « وإنما وصّاه بالإصلاح تأكيداً وإطمئناناً، وإلّا فالنبي لا يفعل إلّا الإصلاح »(١) .

وتلخص: أنّ من كان قد شمَّ رائحة الإسلام لا يصدر منه ما صدر من الأعور، ولا يشك في ضلال هذا الرجل وكفره فإنّ الطعن على نبي من الأنبياء كفر حتى لو لم ينزل في شأنه شيء في الكتاب، فكيف إذا جاء في القرآن براءته؟ بل إنّ الطعن في هارون طعن في النبي موسى الذي استخلفه، بل طعن في الله سبحانه وتعالى الذي اصطفاهما لنبوّته ونعوذ بالله من ذلك كلّه

وإذ سقط ما ذكره هذا الرجل في طرف المشبَّه به - وهو هارون - سقط ما قاله في طرف المشبَّه وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام . فإن ما وقع في زمان خلافته من قتال أهل الجمل وصفين وغيرهم لم يكن إلّا إصلاحاً وإصطلاحاً وكان بأمرٍ من الله ورسوله وهذا أيضاً ممّا اعترف به أكابر أهل السنة وأساطينهم، أخذاً بالأدلة الدالة عليه من الكتاب والسنة النبوية ولو أردنا استيفاء الأحاديث الواردة في هذا الشأن واستقصاء كلمات أعلام القوم فيه لطال بنا المقام واحتاج إلى كتابٍ برأسه، وسنذكر طرفاً منها بعد حديث « خاصف النّعل » إن شاء الله تعالى.

____________________

(١). سورة الأعراف: ٧، الآية ١٤٢.

(٢). التفسير الكبير ١٤ / ٢٢٧ والآية في سورة البقرة ٢ / ٢٦٠.

(٣). تفسير غرائب القرآن ٣ / ٣١٤.

٢٢٧

كلام ابن تيمية في الجواب عن الحديث

ثم لينظر مَن يدّعي من علماء أهل السنة - ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام خلافاً للنواصب إلى كلام ابن تيمية، الموصوف في غير واحدٍ من كتبهم ك‍ ( فوات الوفيات ) و ( الدرر الكامنة ) بالأوصاف الجليلة والألقاب الكبيرة، ليرى أن فيهم من يتفوّه بما يأبى الناصبي عن التفوّه به، وحينئذٍ لابدّ من الإقرار بأنّ كثيراً من علماء طائفته نواصب، بل هم أشد نصباً وأكثر عداوةً من النواصب وهذا كلام ابن تيمية في الجواب عن هذا الحديث:

« وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما سافر في غزوةٍ أو عمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة، كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان بن عفان، وفي غزوة بني قينقاع بشير بن المنذر، ولمـّا غزا قريشاً، ووصل إلى الفرع استعمل ابن أم مكتوم. وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره

فلمـّا كان في غزوة تبوك لم يأذن لأحدٍ في التخلّف عنها وهي آخر مغازيه صلّى الله عليه وسلّم، ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها، فلم يتخلّف عنه إلّا النساء والصبيان، أو من هو معذور لعجزه عن الخروج، أو من هو منافق، وتخلّف الثلاثة الذين تيب عنهم.

ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كل مرة، بل كان هذا الإستخلاف أضعف من الإستخلافات المعتادة منه صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لم يبق بالمدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحداً فكل استخلافٍ استخلفه في مغازيه مثل

٢٢٨

الإستخلاف في غزوة بدر وفي كلّ مرةٍ يكون بالمدينة أفضل ممن بقي في غزوة تبوك. فكان كل استخلاف قبل هذه يكون على أفضل ممن استخلف عليه علياً.

فلهذا خرج إليه عليرضي‌الله‌عنه يبكي ويقول: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟

وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه وقال: إنما خلّفه لأنّه يبغضه. فبيّن له النبي صلّى الله عليه وسلّم إني إنّما استخلفتك لأمانتك عندي، وأن ليس بنقص ولا غض، فإنّ موسى استخلف هارون على قومه، فكيف يكون نقصاً وموسى ليفعله بهارون؟ فطيّب بذلك قلب علي، وبيّن أن جنس الإستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، وذلك لأن المستخلف يغيب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد خرج معه جميع الصحابة.

والملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ومعاونته لهم، ويحتاجون إلى مشاورته والإنتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه، والمتخلف إذا لم يكن في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله، فظنّ من ظنّ أن هذا غضاضة من علي ونقص منه وخفض من منزلته، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي واجتهاد، بل تركه في المواضع التي لا يحتاج إلى كثير سعي واجتهاد، فكان قول النبي صلّى الله عليه وسلّم مبييناً أن جنس الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضّاً، إذ لو كان نقصاً أو غضّاً لما فعله موسى بهارون.

ولم يكن هنا الإستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده. وأمّا استخلاف النبي صلّى الله عليه وسلّم فجميع العسكر كان معه، ولم يخلف بالمدينة غير النساء والصبيان إلّا معذور أو عاص.

٢٢٩

وقول القائل: هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا، هو كتشبيه الشيء بالشيء، وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء.

ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأسارى لمـّا استشار أبا بكر فأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل، قال: سأخبركم عن صاحبيكم، مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ومثلك يا عمر مثل نوح

فقوله لهذا: مثلك مثل إبراهيم وعيسى، ولهذا: مثل نوح وموسى. أعظم من قوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. فإنّ نوحاً وموسى وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون. وقد جعل هذين مثلهم، ولم يرد أنهما مثلهم في كلّ شيء، لكن فيما دلَّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.

وكذلك هنا: إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون.

وهذا الإستخلاف ليس من خصائص علي، بل ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً عن أن يكون أفضل منها. وقد استخلف من علي أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك إستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي ...، بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي.

بل كان ذلك الإستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك، وكانت الحاجة إلى الإستخلاف أكثر، وأنه كان يخاف من الأعداء على المدينة، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة، وظهر الإسلام وعز، ولهذا أمر الله نبيهُ أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة

٢٣٠

تحتاج إلى من يقاتل بها العدو، ولهذا لم يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم عند علي من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات، بل أخذ المقاتلة كلّهم »(١) .

النظر في كلامه والجواب عنه

قد ذكرنا كلام ابن تيمية في هذا المقام بطوله، وأنت إذا لاحظته رأيت أنّ الشيء الذي يدّعيه ويصرّ عليه هو محاولة إثبات: إنّ استخلاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنينعليه‌السلام على المدينة في غزوة تبوك كان أضعف من الإستخلافات الكثيرة المعتادة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة، وجعل يستدلّ لهذه الدعوى ويؤكّدها بأمور فيها كذب وفيها ما لا أساس له من الصحّة فهذا عمدة ما ادّعاه وأطنب فيه، حيث ذكر أنّه في كل مرّة « كان يخرج من المدينة كان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه، فلمـّا كان في غزوة تبوك فلم يتخلّف عنه إلّا النساء والصّبيان ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرّة، بل كان هذا الإستخلاف أضعف » فهذه دعواه.

وقد استدل لها بزعمه بقول أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: « فكان كل استخلاف قبل هذه يكون على أفضل ممن استخلف عليه علياً، فلهذا خرج إليه علي يبكي ويقول: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟ ».

وإذا بينّا بطلان استدلاله، بقي ما ذكره دعوى فارغة غير مسموعة فنقول:

السبب في بكاء أمير المؤمنين عليه‌السلام

أمّا بكاء أمير المؤمنينعليه‌السلام فالسّبب فيه - بعد قطع النّظر عن أنّه

____________________

(١). منهاج السنة ٧ / ٣٢٦ - ٣٣١.

٢٣١

غير موجود فيما أخرجه الشيخان من أخبار القصّة وذلك قادح عند الرّازي، كما قال في حديث الغدير، فليكن هذا كذلك - هو: التألم ممّا قاله المنافقون في المدينة، والشّوق إلى ملازمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الغزوة كسائر الحروب والغزوات، وهذا صريح روايات القصة في جميع الكتب التي جاء فيها ذكر البكاء، فقد روى النسائي - كما سمعت سابقاً - عن مالك قال: « قال سعد بن مالك: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا على ناقته الحمراء وخلّف عليّاً، فجاء علي حتى تعدّى الناقة فقال: يا رسول الله زعمت قريش أنك إنما خلّفتني أنّك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكى علي، فنادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الناس: ما منكم أحد إلّاوله خابّة، يا ابن أبي طالب أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي »(١) .

وقال إسحاق الهروي في ( السهام الثاقبة ) في جواب الحديث:

« ثم أقول: قد ذكر أهل التحقيق من المحدثين في صدور هذا الكلام من سيد الأنام صلوات الله عليه إلى يوم القيام: إنه لمـّا توجه صلّى الله عليه وسلّم إلى غزوة تبوك استخلف عليّاًرضي‌الله‌عنه على المدينة وعلى أهل بيته، فجاء عليرضي‌الله‌عنه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باكياً حزيناً لكثرة شوقه إلى الغزاء وملازمة سيد الأنبياء صلوات الله عليه وسلامه. فقال: يا رسول الله تتركني مع الأخلاف؟ فقالعليه‌السلام تسليةً له رضي الله تعالى عنه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ».

فالعجب من ابن تيمية كيف يقلب هذا البكاء الذي يعدّ فضيلةً من فضائل الإمامعليه‌السلام إلى دليل على ضعف استخلافه على المدينة؟

____________________

(١). خصائص علي: ٧٧ رقم ٦١.

٢٣٢

السبب في قوله: أتخلّفني ...؟

وكذلك الحال في قولهعليه‌السلام : يا رسول الله أتخلّفني مع النساء والصبيان؟ فإنه لما تألّم وتأذّى ممّا قالته قريش في استخلافه، قال هذا للنبي صلّى الله وآله وسلّم ليصدر منه كلام يكون جواباً قاطعاً عما قيل فيه، ولذا لمـّا قال له ذلك أجابصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كذبوا ».

وكما قال ابن تيميّة نفسه: « فبيّن له النبي صلّى الله عليه وسلّم إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي ».

فإذن، لم يكن استخلافه إيّاه نقصاً عليه، ولم يكن هذا الإستخلاف ضعيفاً، ولم يكن قول الأمير ذلك وبكاؤه لهذا الذي زعمه ابن تيمية

وأيضاً قوله: « فكان قول النبي صلّى الله عليه وسلّم تبييناً أن جنس الإستخلاف » صريح في أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع بقوله: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » توهّم أن استخلافه في المدينة يدل على نقصٍ فيه، وأفاد أنّه لو كان الإستخلاف دالاً على ذلك لما فعله موسى بهارون فهذا الكلام من ابن تيمية وجه آخر لإبطال استدلاله بالبكاء وقول: « أتخلّفني » على أنّ هذا الإستخلاف كان أضعف الإستخلافات، وهكذا يتضح وقوع التهافت والتناقض في كلماته.

لكنّه يدعي - مع ذلك كلّه - أنّ متوهّم هذا الوهم الذي دفعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه فيقول: « وقول القائل: إذ جعله بمنزلة هارون إلاّفي النبوة. باطل، فإن قوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، دليل على أنه يسترضيه بذلك ويطيّب قلبه، لما توهم من وهن الإستخلاف ونقص درجته، فقال هذا على سبيل الجبر له ».

لكنّها دعوى لا أساس لها ولا شاهد عليها.

٢٣٣

تأييد ابن تيمية إرجاف المنافقين وتناقضاته

وبالجملة، فإنّ هذا الرّجل يدّعي وهن إستخلاف النبي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويريد إثبات دعواه هذه بأباطيل وأكاذيب، وهو في الوقت ذاته يناقض نفسه ويقول بأنّ ما قاله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ينفي هذا التوهّم ويبطل هذه الدعوى ففي كلماته تناقض واضح ولكنْ لماذا هذا الإنهماك في تأييد إرجاف المنافقين بمولانا أمير المؤمنين وتقوية أكاذيبهم، ثم التناقض مرة بعد اُخرى؟

إنّه يقول: « فبيّن له النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا تخوينه ».

ثم يعود فيقول: « وذلك لأن المستخلف ». وظاهر أنَّ هذا الكلام ليس توضيحاً وبياناً للكلام السابق عليه وهو « فبيّن »، إذ لا مناسبة بين هذا الكلام وبين « وإنّما استخلفتك لأمانتك عندي » و « الإستخلاف ليس بنقصٍ ولا غض » و « الإستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته لا يقتضي إهانته وتخوينه »

فالمشار إليه بقوله: « وذلك » إمّا ما ذكره من قبل من « أنّ هذا الإستخلاف أضعف » وإمّا إرجاف المنافقين وطعنهم في أمير المؤمنين.

فظهر أنّ ابن تيمية قد أغرق نزعاً في إثبات مزعوم المنافقين وتأييده بأن « الملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ومعاونته لهم ويحتاجون إلى مشاورته ».

ثم أبطل كل هذا الذي نسجه بقوله: « فكان قول النبي ».

ثم عاد فقال: « ولم يكن هذا الإستخلاف كاستخلاف هارون » فأيّد طعن الطاعنين في استخلافهعليه‌السلام وردَّ على قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصراحة

٢٣٤

نسبة إلى الصحيحين كاذبة

ثم إنّ الحديث الذي استشهد به ابن تيمية في خلال كلماته قائلاً: « ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي » غير موجود في الصحيحين، وليس من أحاديثهما، كما لا يخفى على من راجعهما وهذا شاهد آخر على أنّ الرّجل لا وازع له حتّى عن الكذب الواضح الصّريح.

٢٣٥

العودُ إلى كلمات الدّهلوي

قوله:

وقالوا: إنّ هذه الخلافة ليست الخلافة المتنازع فيها حتى يثبت استحقاق تلك الخلافة بهذا الإستخلاف.

أقول:

قد عرفت أن هذا الذي نسبه ( الدهلوي ) إلى النواصب قد صرّح كبار علماء أهل السنّة من المحدّثين والمتكلّمين وسنأتي على هذه الشبهة فيما بعد بالتفصيل بما يقلع جذورها ويخجل المتفوّهين بها

ولا يخفى أنّ هذه شبهة في مقابل تمسّك أصحابنا بحديث المنزلة من حيث دلالة خصوص الإستخلاف لأمير المؤمنين على إمامته وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سنبيّن، وأمّا الإستدلال بهذا الحديث من الجهات والوجوه الأخرى التي يذكرها أصحابنا الإمامية من غير دخلٍ للإستخلاف، فلا تضرّ به هذه الشبهة الركيكة، لأن تلك الوجوه مبنيّة على إثبات ما كان لهارون من المنازل، لسيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة، والتي منها: الخلافة عن موسى بعد الوفاة، والأعلميّة، والأفضليّة، والعصمة، ووجوب الطّاعة وكلّ واحدة من هذه المنازل كافية لثبوت الإمامة والخلافة للإمام عليه الصّلاة والسلام.

وبغضّ النظر عن هذا، فإنّ هذه الخلافة - حتى وإنْ لم تكن الخلافة

٢٣٦

الكبرى - كافية للإستدلال كما سنبيّن، إذْ لنا أنْ نستصحب تلك الخلافة الجزئية - الثابتة في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى بعد وفاته، لعدم الدّليل على العزل، كما لم يكن دليل على تحديدها بزمنٍ خاص، وإذا صح استصحاب تلك الخلافة الجزئية - حسب الفرض - إلى بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبتت الخلافة الكبرى بالإجماع المركب، لأنّ خلافته على بعضٍ دون بعض مخالف لإجماع الاُمّة.

وبمثل هذا البيان تشبّث أهل السنّة لإثبات الخلافة الكبرى لأبي بكر، بزعم استخلاف النبي إيّاه في الصلاة، مع أنّ أصل الإستخلاف في الصلاة مدخول، وبعدم الثبوت بل ثبوت العدم معلول، فشتّان ما بين المقامين.

قوله:

فإنّ النبيعليه‌السلام قرّر في تلك الغزوة إلى محمد بن مسلمة أن يكون عاملاً في المدينة، وسباع بن عرفطة عسّاساً فيها، وابن اُم مكتوم إماماً للصّلاة في مسجده بإجماع أهل السير.

أقول:

في هذه العبارة كلام من جهتين:

نسبة إلى أهل السّير كاذبة

أمّا أولاً: فإنّ أهل السّير ذكروا أن الذي استخلفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة هو محمد بن مسلمة أو سباع بن عرفطة وسنذكر بعض عبائرهم. فهم مختلفون فيه، وكذا ذكر صاحب المرافض، أمّا هذا الذي ذكره ( الدهلوي ) فغير وارد في شيء من كتب السّير، بل هو افتعال منه.

٢٣٧

دعوى الإجماع منهم كاذبة

وأما ثانياً: فدعواه الإجماع منهم على ما نسبه إليهم، دعوى كاذبة باطلة جدّاً. ولنذكر طرفاً من كلماتهم لتوضيح الجهة الأولى، وأنْ لا إجماع منهم على ما ذكره، ولا يخفى أنّ الذي في كلمات جمع منهم هو الإستخلاف على الناس في المدينة المنوّرة، فمنهم من ذكر علياًعليه‌السلام فقط، ومنهم من ذكر غيره، فتردّد بين أحد الرجلين، ففي كلماتهم - بصورة عامة - دلالة على كذب ما زعمه ( الدهلوي ) من أن الإمام إنما استخلف على العيال فقط.

قال الحلبي: « وخلّف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه على ما هو المشهور، قال الحافظ الدمياطيرحمه‌الله : وهو أثبت عندنا. وقيل: سباع بن عرفطة. أي: وقيل: ابن أم مكتوم. وقيل: علي بن أبي طالب، قال ابن عبد البر: وهو الأثبت، هذا كلامه »(١) .

وقال الشامي: « قال ابن هشام: واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاريرضي‌الله‌عنه . قال: وذكر الدراوردي: إنه استخلف عام تبوك سباع بن عرفطة. زاد محمد بن عمر بعد حكاية ما تقدم: ويقال: ابن اُم مكتوم. قال: والثابت عندنا محمد بن مسلمة، ولم يتخلف عنه في غزوة غيرها. وقيل: علي بن أبي طالب. قال أبو عمرو وتبعه ابن دحية: وهو الأثبت. قلت: ورواه عبد الرزاق في المصنف بسندٍ صحيح عن سعد بن أبي وقاص ولفظه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمـّا خرج إلى تبوك، إستخلف على المدينة علي بن أبي طالب»(٢) .

____________________

(١). السيرة الحلبية ٣ / ١٣١.

(٢). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٥ / ٤٤٢.

٢٣٨

لم يستخلف النبيّ في تبوك على المدينة غير علي

أقول:

لقد ظهر أن التفصيل الذي ذكره ( الدهلوي ) غير مذكور في كتب السّير، ودعواه الإجماع كاذبة والحقيقة: إن النبي صلّى الله عليه آله وسلّم لم يستخلف على المدينة في عام تبوك غير علي.

وأمّا ذكر محمد بن مسلمة أو سباع أو غيرهما، فمن مفتريات المبغضين لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، السّاعين في إنكار فضائله ومناقبه، والذي يهوّن الأمر وجود التنافي بين رواياتهم وأقوالهم، فيما بينهم، فإن ذلك كافٍ لإسقاطها عن درجة الإعتبار. ويبقى خبر استخلاف الأميرعليه‌السلام بلا معارضٍ ومؤيَّداً باتّفاق الشيعة عليه، وعليه عبد الرزاق وابن عبد البر وابن دحية وغيرهم.

وقد روى خبر استخلافه وحده جماعة آخرون غير من ذكر، فرواه أبو الحسين ابن أخي تبوك عن طريق خيثمة بن سليمان بن الحسن بن حيدرة الإطرابلسي قال: « حدثنا إسحاق بن إبراهيم الديري، عن عبد الرزاق، عن معمر قال: أخبرني قتادة وعلي بن زيد بن جدعان: أنهما سمعا سعيد بن المسيب يقول: حدثني سعد بن أبي وقاص:

إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمـّا خرج إلى تبوك استخلف عليّاً على المدينة، فقال: يا رسول الله، ما كنت أحب أن تخرج وجهاً إلّاوأنا معك. فقال: أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي »(١) .

____________________

(١). كتاب مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأبي الحسين عبد الوهاب الكلابي المعروف بابن أخي تبوك الموجود في آخر مناقب المغازلي: ٤٤٣.

٢٣٩

ورواه الطّبراني، فقد روى الوصابي في ( الإكتفاء ) « عن علي بن أبي طالب، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمـّا خلّفني على المدينة: خلّفتك لتكون خليفتي. قلت: كيف أتخلّف عنك يا رسول الله؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. أخرجه الطبراني في الأوسط ».

ورواه أحمد والحاكم، ففي ( مفتاح النجا ): « أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ».

كما روى الحاكم في ( المستدرك ) قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين: « إن المدينة لا تصلح إلّابي أو بك »(١) .

ونصّ عليه - عدا عبد الرزاق وأحمد والطبراني وابن عبد البر وابن المغازلي وابن دحية والشّامي - جماعة آخرون من أعلام الأعيان، أمثال: القاضي عياض، والسرّاج، والنووي، والمزي، وابن تيمية، والقسطلاني، والعلقمي، وابن روزبهان، وابن حجر المكي، ومحمد پارسا، وشيخ العيدروس وإسحاق الهروي، والبدخشاني، وولي الله الدهلوي، والرشيد الدهلوي وغيرهم.

قال القاضي عياض - كما في ( المرقاة ) -: « وليس فيه دلالة على استخلافه بعده، لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك »(٢) .

وقال ابن عبد البر: « ذكر السرّاج في تاريخه: ولم يتخلّف - أي علي - عن

____________________

(١). مستدرك الحاكم ٢ / ٣٣٧.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434