الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام27%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103766 / تحميل: 8186
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيعة في الإسلام

١

٢

الشيعة في الإسلام

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

مقدّمةُ المُترجِم

تعريفٌ بالكتاب:

قد يتساءل البعض: مَن هم الشيعة؟ وما هو التشيّع؟ متى وجِدَ؟ وكيف نَشأ؟ وإلى غير ذلك من الأسئلة؟

فقال البعض: إنّهم فرقة استحدثت وتشعّبت من الإسلام، وقال آخرون: إنّهم غُلاة ليسوا بمسلمين، وذهب جماعة إلى أنّهم فرقة ضالّة مضلّة، لا يربطهم بالإسلام رابط، وما إلى ذلك من الأقوال …

كتابُ (الشيعةُ في الإسلام) تحقيقٌ جاد في تعريف الشيعة من جميع جوانبهم، لمَن لم يتعرّف على الفكر الشيعي، فهو يُجيب على جميع تلك التساؤلات، ويردّ على الشُبهات التي طالما تمسّك بها الأعداء، فجعلوها ذريعة للحطّ من شأن الشيعة ومقامهم.

لقد عالجَ المؤلِّف هذا الهدف دون تعرّض لأهل السُنّة، في حين يقف مدافعاً عن أصالة الشيعة، ويُبيّن عِلل نشوئهم، وقد حاول المؤلِّف أن يَعرض التشيّع، وهو جانب من الإسلام الأصيل، بعيداً عن التفرقة والانشقاق في صفوف المسلمين.

جاء الكتاب مُبسّطاً وبلُغةٍ يفهمها الجميع، لا يستغني عنه

٧

الشيعة ذاتهم وخاصّةً الشباب.

لقد قسّم المؤلِّف (قدِّس سرّه) بحثهُ القيّم هذا إلى ثلاثة فصول، استعرضَ خلالها تاريخ الشيعة ومعتقداتهم وعلومهم.

فَبحثَ في الفصل الأوّل: كيفيّة نشوء الشيعة وانقساماتها، وموجزاً عن تاريخ الشيعة الاثني عشريّة.

واستعرض في الفصل الثاني: الفكر الشيعي، والطُرق التي ينتهجها في الاحتجاج، من ظواهر دينيّة أو بحوث عقليّة. وتناولَ في الفصل الثالث: أصول الدين وفروعه من وِجهة نظر الشيعة، في الله سبحانه وصفاته، وفي معرفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والوحي، في المعاد، وفي الإمامة، والفرقُ بين النبي والإمام، وموجَز عن تاريخ الأئمّة الاثني عشر، ومبحث في ظهور المهدي (عليهم السلام).

تعريفٌ بالكاتب:

ولِدَ المؤلِّف العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي في بيت علم وفضل، في بيتٍ له تاريخ طويل في خدمة شريعة الإسلام ومنهج الرسول وأهل بيته، إذ إنّ أربعة عشر من أجداد المؤلِّف كانوا من العلماء البارزين في مدينة تبريز الإيرانيّة.

ولِدَ سنة ١٣٢١ للهجرة، فتابعَ دراسته الأوّليّة هناك، ثُمّ رَحل إلى النجف الأشرف سنة ١٣٤٤هجري، ومكثَ هناك، مدّة لا تقل عن عشر سنوات، اكتسبَ خلالها مختلف العلوم الإسلاميّة، فدرسَ الفقه والأصول، والفلسفة والرياضيات والأخلاق، ثُمّ رجعَ إلى موطنه سنة ١٣٥٤ هجري.

لم يكتفِ بدراسة الفقه والأصول بشكلها المبسّط، وإنّما تعمّق في دراسة هذين العِلمَين، وتناولَ دراسة علم النحو والصرف أيضا‍ً، ودراسة الأدب العربي، وتطرّق إلى دراسة علم الرياضيات القديم كـ(أصول) لأقليدس ،

٨

و (المَجَسْطي) لبطليموس ، والفلسفة وعلم الكلام والعرفان والتفسير أيضاً.

ذاعت شهرتهُ في إيران، بعد أن هاجرَ من مسقط رأسه إلى مدينة قُم، إثرَ الحوادث السياسيّة للحرب العالميّة الثانية، فأقامَ فيها سنة ١٣٦٥هجري، وشرعَ بتدريس التفسير، والحكمة، والمعارف الإسلاميّة، ولم يتوانَ في البحث مع المُخالفين، فأرشدَ العديد منهم إلى طريق الحقّ والصواب.

كان لمحاضراته في الحوزة العلميّة أثرٌ بليغ في طلاّبها، بل شَملت المثقّفين أيضاً، فكانت لقاءاته مع الأستاذ (هنري كربن) مستمرّة في كلّ خريف، يحضرها جَمعٌ من الفضلاء والعلماء، تُطرح فيها المسائل الدينيّة والفلسفيّة، فكانت لها نتائجها المثمرة.

ومن الجدير بالذكر، أنّ تلك اللقاءات والمباحثات لم يكن لها نظير في العالَم الإسلامي، منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين الإسلام والمسيحيّة.

أحيا العلاّمة الطباطبائي العلوم العقليّة وتفسير القرآن، فاهتمّ بتدريس الحكمة، فشرعَ بتدريس كتاب (الشفاء) و (الأسفار) .

كان يمتاز بدَماثة الخلق، فكان عاملاً رئيسيّاً في شدّ الطلاّب إلى محاضراته القيّمة، إذ كان يحضرها المئات، فنالَ الكثير منهم درجة الاجتهاد في الحكمة، وأصبحوا أساتذة قادرين على تدريسها.

كان العلاّمة يحرص على الأخلاق وتزكية النفس فضلاً عن اهتمامه بالحكمة والعرفان، ويمكن القول بأنّه أسّس مدرسة جديدة في التربية وعلم الأخلاق، فقدّم للمجتمع نماذج تتّصف بأخلاق إسلاميّة عالية، وكان يؤكّد كثيراً على ضرورة تلازم

٩

التعاليم الإسلاميّة مع التربية المدرسيّة، ويَعتبرها من المسائل الأساسيّة في المعارف الإسلاميّة، إلاّ أنّه من المؤسف لم يُراعَ هذا الأمر في المدارس الحديثة ببلاد المسلمين.

مؤلّفاتهُ:

١) تفسير الميزان في (٢٠) جزءاً باللغة العربيّة، وتُرجِم إلى الفارسيّة والانجليزيّة.

٢) مبادئ الفلسفة وطريقة المثاليّة، مع شرح وهوامش للعلاّمة الفيلسوف الشهيد مرتضى المطهّري.

٣) شرحُ الأسفار لصدر الدين الشيرازي، في ستّة مجلّدات.

٤) حوار مع الأستاذ (هنري كربن) في مجلّدين.

٥) رسالة في الحكومة الإسلاميّة، طُبعت بالعربيّة والفارسيّة والألمانيّة.

٦) حاشيةُ الكفاية.

٧) رسالةٌ في القوّة والفعل.

٨) رسالةٌ في إثبات الذات.

٩) رسالةٌ في الصفات.

١٠) رسالةٌ في الأفعال.

١١) رسالةٌ في الوسائط.

١٢) الإنسان قبل الدنيا.

١٣) الإنسان في الدنيا.

١٤) الإنسان بعد الدنيا.

١٥) رسالةٌ في النبوّة.

١٦) رسالةٌ في الولاية.

١٧) رسالةٌ في المشتقّات.

١٠

١٨) رسالةٌ في البرهان.

١٩) رسالةٌ في المغالطة.

٢٠) رسالةٌ في التحليل.

٢١) رسالةٌ في التركيب.

٢٢) رسالةٌ في الاعتبارات.

٢٣) رسالةٌ في النبوّة والمنامات.

٢٤) منظومةٌ في رسم خط النستعليق.

٢٥) عليٌ والفلسفة الإلهيّة.

٢٦) القرآنُ في الإسلام.

٢٧) الشيعةُ في الإسلام (الكتاب الحاضر).

هذا، فضلاً عن المقالات المتعدّدة التي كانت تُنشر في المجلاّت العلميّة آنذاك.

لعلّ من أهمّ آثار العلاّمة ومؤلّفاته هو كتابه (الميزان في تفسير القرآن) ويُعتبر من التفاسير القيّمة لهذا العصر، فقد خَدم هذا التفسير المجتمع الإسلامي، كما خَدمت التفاسير القيّمة القديمة المسلمين، بتناسبها وتلازمها مع العلوم والفلسفة حينئذٍ، لفهم معاني القرآن في العصور السالفة.

لقد اتّخذ العلاّمة نهجاً خاصّاً في تفسيره هذا، إذ يبتني على نصّ الحديث، وهو تفسير القرآن بالقرآن.

لقد قضى العلاّمة عمراً في خدمة الدين الحنيف، والمجتمع الإسلامي، فكان - ولا يزال - مناراً لروّاد الفضيلة والعلم، فقد أنارَ الطريق للعديد ممّن قرأوا مصنّفاته، وحضروا مجلسه، فمَنحهم روحاً علميّة خالصة واتّجاهاً فكريّاً سليماً، حفظهُ الله تعالى وأيّده، ومَنحهُ الصحّة والعافية.

١١

مقدّمةُ المؤلِّف

الكتابُ الذي بين أيدينا (الشيعةُ في الإسلام) يُعرب عن حقيقة مذهب التشيّع وماهيّته، وهو أحدُ المذهَبين الرئيسيّين الإسلاميَيَن (الشيعي والسنّي).

يستعرض الكتاب كيفيّة نشوء المذهب الشيعي، وأسلوب التفكير الديني لدى الشيعة، والمعارف الإسلاميّة من وِجهة نظرهم.

الدينُ: لاشكّ في أنّ أيّ إنسان يميل في حياته إلى أبناء جنسه، ولا تخلو أعماله التي يقوم بها في بيئته من صلة بعضها بالبعض الآخر: كالأكل، والشرب، والسكون، والحركة، والنوم، واليقظة … في الوقت الذي تنفصل كلّ من هذه الأفعال والحركات عن الأخرى، تكون مرتبطة بعضها بالبعض ارتباطاً وثيقاً.

على هذا الأساس، فإنّ الإعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته، تتحقّق في حدود نظامٍ لا يتعدّاه، وتنبع من نظرة معيّنة، ألا وهي أنّ الإنسان يريد أن يحيى حياة سعيدة، يظفر بآماله وأُمنياته، وبعبارةٍ أخرى: يطمح الإنسان قدر استطاعته إلى تحقيق متطلّباته بصورة أكمل، وما ذلك إلاّ للحفاظ على وجوده وبقائه.

وانطلاقاً من هذه النظرة، باتَ الإنسان يُنظّم أعماله وفقَ قوانين وأحكام، وَضعها بميله، أو اقتبسها من آخرين، وبالتالي نجده يتّخذ أسلوباً خاصّاً في حياته، فهو يكدّ ويسعى من أجل إعداد متطلّبات حياته؛ لأنّه يعتبرها من الأُسس والمقوِّمات لها.

فهو يبادر إلى تناول الماء والطعام، ليسدّ بها عطشه وجوعه؛ لأنّ الأكل والشرب حاجتان ضروريّتان لاستمرار الحياة.

إنّ هذه القوانين التي تحكم حياة الإنسان تبتني على اعتقاد أساسي، والإنسان يعتمد عليها في بناء علاقاته، وهو تصوّره عن الحياة والكون، والذي هو جزء منه،

١٢

وتأمّلاته عن حقيقتها، ويتّضح هذا الموضوع بالتأمّل في الآراء المختلفة التي يرتأيها الناس في حقيقة العالَم.

فالذين يحصرون الوجود في هذا العالَم المادّي المحسوس، ويعدّون الإنسان كائناً ماديّاً محضاً (يحيى بتدفّق الحياة في جسمه، ويفنى بالموت)، فإنّ نظرتهم هذه إلى الحياة نظرة ماديّة بحتة، فهم يسعون إلى تحقيق متطلّباتهم الماديّة، ويبذلون في هذا السبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف والعوامل الطبيعيّة لأغراضهم ومصالحهم الخاصّة.

وأمّا الذين يعتقدون بأنّ عالَم الطبيعة من صُنع خالق أعلى شأناً من الطبيعة، مثل: عَبَدة الأوثان، فإنّهم يذهبون إلى أنّ العالَم مخلوق، وخاصّة الإنسان، وقد أسبغَ الخالق نِعمهُ عليه، كي ينعم بخيراتها، فهم يُنسّقون برامج حياتهم وفقاً لرضا الخالق، مبتعدين عن سخطه وغضبه، فإذا ما استطاعوا جلبَ رضاه، فنِعمهُ موفورة، مُغدَقة عليهم، وإذا زالت النِعم، فدليل سَخَطه عليهم.

وهناك مَن يعتقد بالله سبحانه وحده، وينظر إلى حياة الإنسان خالدة، وهو مسؤول عن أعماله خيرها وشرّها، ويقرّ بيوم الجزاء (القيامة) كالمجوس، واليهود، والنصارى، والمسلمين، فهم يسلكون طريقاً في حياتهم، مُراعين فيه هذا الأصل الاعتقادي، كي يحصلوا على سعاة الدارَين: الدنيا، والآخرة.

إنّ مجموع هذه المعتقدات والأسس (الاعتقاد بحقيقة الإنسان والكون) - وما يلازمها من أحكام، وأنظمة متناسقة، والتي تدخل في نطاق عَملهم في الحياة - تسمّى بـ (المَذهب) مثل: مذهبُ التسنّن والتشيّع في الإسلام، أو مذهب المَلكاني والنسطوري في المسيحيّة.

وبناءً على ما تقدّم: يستحيل على الإنسان - وإن كان مُنكراً لوجود الله تعالى - أن يكون في غِنى عن الدين (دستور الحياة الذي بُني على أصل اعتقادي)، فالدين إذاً طريقة الحياة التي لا تنفكّ عنها.

والقرآن الكريم يشير إلى أنّ الإنسان لابدّ أن ينتهج الدين طريقاً له ومَسلكاً، وهذا الطريق قد جَعلهُ الله تعالى لكافّة البشر، وبانتهاجه يصل إلى الله جلّ وعَلا.

ولكنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الأفراد، فأمّا الذين سَلكوا الدين الحقّ وهو الإسلام، فقد سَلكوا طريق الصواب، وأمّا الذين مالوا عن هذا الطريق، فقد ضلّوا ضلالاً مبيناً (١) .

____________________

(١) ( أَنّ لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ) الآية ٤٤، سورة الأعراف.

١٣

الإسلام: الإسلام لغةً، هو الانقياد لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض، وقد أطلقَ القرآن الكريم كلمة الإسلام على هذه الدعوة، وإطاره العام هو تسليم الإنسان أمام ربّ العالمين (١) ، وألاّ يُعبد إلاّ الله الواحد الأحد، وألاّ يُتّبع إلاّ أوامره.

والقرآن الكريم يخبرنا أنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام)، هو أوّل مَن سمّى هذا الدين بالإسلام، ومُتّبعيه بالمسلمين (٢).

الشيعة: يُراد بها الاتباع، وتُطلق على الذين يرونَ أنّ الخلافة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منحصرة في أهل بيته، والمراد منها في المعارف الإسلاميّة: التابعون لأهل البيت (عليهم السلام) (٣).

____________________

(١) ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) الآية ١٢٥، سورة النساء.

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) الآية ٦٤، سورة آل عمران.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً ) الآية ٢٠٨، سورة البقرة.

(٢) ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ) الآية ١٢٨، سورة البقرة.

( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ ) الآية ٧٨، سورة الحج.

(٣) تُطلق كلمة الشيعة على طائفة من الزيديّة، التي تقرّ بخلافة الخليفتين الأوّل والثاني، قَبل الإمام علي (عليه السلام)، وتتّبع فقه أبي حنيفة في الفروع، والسبب في هذه التسمية: هو أنّهم كانوا يرونَ الخلافة لعلي وأولاده، قِبال خلافة بني أُميّة وبني العبّاس.

١٤

الفصلُ الأوّل:

كيفيّة نشوء الشيعة وتطوّرهم..

١٥

ألف: كيفيّة النشوء

١) بداية نشوء الشيعة وكيفيّته.

٢) سببُ انفصال الأقليّة الشيعيّة عن أكثريّة السُنّة، وظهور الاختلافات.

٣) موضوعا الخلافة والمرجعيّة العلميّة.

٤) الطريقة السياسيّة للخلافة الانتخابيّة، ومغايرتها للفكر الشيعي.

٥) انتهاء الخلافة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته.

٦) ما حَصَلت عليه الشيعة طوال خلافة الإمام علي (عليه السلام) في خمس سنوات.

٧) انتقال الخلافة إلى معاوية وتحوّلها إلى ملوكيّة موروثة.

٨) الأيّام العصيبة التي مرّت بها الشيعة.

٩) استقرار ملوكيّة بني أُميّة.

١٠) الشيعة في القرن الثاني للهجرة.

١١) الشيعة في القرن الثالث للهجرة.

١٢) الشيعة في القرن الرابع للهجرة.

١٣) الشيعة في القرن الخامس وحتّى القرن التاسع الهجري.

١٤) الشيعة في القرن العاشر والحادي عشر للهجرة.

١٥) الشيعة في القرن الثاني عشر وحتّى القرن الرابع عشر للهجرة.

١٦

١. بدايةُ نشوء الشيعة

يجب أن نعلم أنّ بداية نشوء الشيعة، والتي سُمّيت لأوّل مرّة بشيعة علي (أوّل إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام) وعُرفت بهذا الاسم، كان في زمن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فظهور الدعوة الإسلاميّة وتقدّمها وانتشارها خلال ثلاث وعشرين سنة من البعثة النبويّة، أدّت إلى ظهور مثل هذه الطائفة بين صحابة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١) .

ألف) وفي الأيّام الأولى من بعثته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمرَ بنصٍ من القرآن الكريم، أن يدعو عشيرته الأقربين (٢) ، وصرّح في جَمعهم أنّ أوّل مَن يُبايعني على هذا الأمر سيكون خليفتي ووصيّي من بعدي، فكان علي (عليه السلام) أوّل مَن تقدّم، وقَبِل الإسلام، والنبي قَبَل إيمانه، وتعهّد بكلّ ما وعدهُ به (٣) ، ويستحيل عادةً على قائد

____________________

(١) أوّل اسم ظهرَ في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسمُ الشيعة، واشتهرَ كلّ من: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمّار بهذا اللقب، حاضِر العالَم الإسلامي ١: ١٨٨.

(٢) سورة الشعراء: الآية ٢١٥.

(٣) جاء في الحديث عن علي (عليه السلام): (وقلتُ: ولأنّي لأَحدَثهم سنّاً أنا يا نبيّ الله، أكونُ وزيرك عليه، فأخذَ برَقبتي، ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمركَ أن تسمع لابنك وتُطيع)، تاريخ اليعقوبي ج٢: ٦٣، تاريخ أبي الفداء ج١: ١١٦، البداية والنهاية ج٣: ٣٩، غايةُ المرام: ٣٢٠.

١٧

نهضة، وفي أيّامها الأولى أن يُعيّن أحد أصحابه وزيراً وخليفة له على الآخرين، ولا يُعرّفهُ للخُلّص من أصحابه وأعوانه، أو أن يكتفي بهذا الامتياز ليعرِفهُ وليعرّفه، ولا يُطلعه على مهمّته طوال حياته ودعوته، أو أن يجعلهُ بعيداً عن مسؤوليّات الوزارة والخلافة، ويغضّ النظر عن مقام الخلافة، وما يجب أن يُبدي لها من احترام وتقدير، ولا يفرِّق بينه وبين الآخرين.

ب) إنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفقاً للروايات المستفيضة والمتواترة عن طريق أهل السُنّة والشيعة، والتي يُصرّح فيها أنّ عليّاً (عليه السلام) مصون من الخطأ والمعصية في أقواله وأفعاله (١)، وكلّ ما يقوم به فهو مُطابق للدعوة وللرسالة، وهو أعلم الناس بالعلوم الإسلاميّة وشريعة السماء (٢) .

ج) قامَ الإمام علي (عليه السلام) بخدَمات جمّة للرسالة وتضحيات مُدهشة (٣) ، كمنامه في فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الهجرة، فلو لم يكن الإمام علي (عليه السلام) مشاركاً في إحدى الغزوات: (بدر، وأُحد، والخَندق، وخيبر)، لمَا حقّق الإسلام ولا

____________________

(١) عن أُم سلمة قالت: لقد سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (عليّ مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتّى يرِدا عَليّ الحوض)، ونُقل هذا الحديث عن ١٥ طريقاً من العامّة، و١١ طريقاً من الخاصّة، ورواته: أُم سلمة، وابن عبّاس، وأبو بكر، وعائشة، وعلي، وأبو سعيد الخدري، وأبو ليلى، وأبو أيّوب الأنصاري، غايةُ المرام: ٥٣٩ - ٥٤٠، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رَحمَ الله عليّاً دارَ الحقّ معهُ حيث دار)، البداية والنهاية ج٧: ٣٦٠.

(٢) عن علقمة قال: كنتُ عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فسُئل عن علي؟ فقال: (قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، أُعطيَ عليّ تسعة والناس جزءاً واحداً).

(٣) عندما قرّر كفّار مكّة قتلَ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحاصروا بيته، صمّمَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يهاجر إلى المَدينة، فقال لعلي: (هل أنت مُستعد أن تبيت في فراشي حتّى يظنّوا بأنّني نائم، فأكُن في مأمنٍ منهم)، وافقَ علي (عليه السلام) على الاقتراح بكلّ سرور.

١٨

المسلمون انتصاراً في إحداها، وكان القتل والفشل حليفهم (١) .

د) موضوع غدير خُم، والذي أعلنَ فيه النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الولاية العامّة لعلي (عليه السلام)، فجعلهُ على المسلمين ما كان له عليهم (٢).

من الطبيعي أنّ هذه الخصائص والفضائل التي انفردَ بها الإمام علي (عليه السلام) - والتي هي مورد اتفاق الجميع (٣) ، والعلاقة الخاصّة (٤) التي كان يُبديها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - جَعلت له مؤيّدين محبّين مُخلِصين من صحابة النبي وأنصاره، كما أثارت لدى البعض الآخر الحقد والحسد.

وفضلاً عن هذا كلّه، فإنّ كلمة (شيعة علي) و (شيعة أهل البيت) ، قد جاءت في كثير من أقوال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (٥).

٢. سببُ انفصال الأقلّيّة الشيعيّة عن أكثريّة السُنّة، وظهور الاختلافات

كان شيعة علي (عليه السلام) وأصحابه، يعتقدون اعتقاداً راسخاً أنّ الخلافة ستكون لعلي (عليه السلام) بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ وذلك لِمَا كان يتّسم به (عليه السلام) من مقام

____________________

(١) راجع: كُتب التاريخ والحديث.

(٢) حديث الغدير: من الأحاديث المتّفق عليه سُنّة وشيعة، وقد نَقل هذا الحديث أكثر من مائة صحابي بأسانيد وعبارات مختلفة، وهي مدوّنة في كُتب العامّة والخاصّة، لمزيدٍ من التفصيل يُراجع كتاب غاية المرام: ص ٧٩، وكتاب العَبَقات، مجلّد الغدير، وكذا كتاب الغدير.

(٣) تاريخ اليعقوبي: طبع النجف الأشرف، المجلّد الثاني صفحة ١٣٧ - ١٤٠، تاريخ أبي الفداء: المجلّد الأوّل ص ١٥٦، صحيح البخاري ج٤: ١٠٧، مُروج الذهب ج٢: ٤٣٧، ابن أبي الحديد ج١: ١٢٧ و ١٦١.

(٤) صحيح مسلم ج٥: ١٧٦، صحيح البخاري ج٤: ٢٠٧، مُروج الذهب ج٢: ٤٣٧، تاريخ أبي الفداء ج١: ١٢٧ و ١٨١.

(٥) عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأقبلَ عليّ بن أبي طالب، فقال النبي: (قد أتاكم أخي، ثُمّ التفتَ إلى الكعبة فضرَبها بيده، ثُمّ قال: والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهُم الفائزون يوم القيامة).

عن ابن عبّاس قال: لمّا نَزلت هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبي: (هُم أنتَ وشيعتك تأتي أنتَ وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين)، وقد وردَ هذان الحديثان، وأحاديث أخرى في كتاب الدرّ المنثور ج١: ٣٧٩، وغايةُ المرام: صفحة ٣٢٦.

١٩

ومنزلة لدى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والصحابة والمسلمين، وظواهر الأمور والحوادث تؤيّد ذلك، عدا ما حدثَ في أيّام مرضه (١) (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ولكنّ ما حَدثَ هو غير ما كان يتوقّعونه، ففي الوقت الذي التحقَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرفيق الأعلى، ولم يُغسّل جسدهُ الطاهر، ولم يُدفن بعد، وحينما كان أهل البيت وعدد من الصحابة مُنصرفين في العزاء، وإجراء المقدّمات اللازمة، إذ وصَلهم نبأ انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذه القلّة التي غَلبت الكثرة، قد بادرت بهذا الأمر عُجالة، دون أن يستشيروا أهل البيت،

____________________

(١) لمّا مرضَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضَ الموت، دعا أُسامة بن زيد بن حارثة، فقال: (سِر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتُك على هذا الجيش، وإن أظفركَ الله بالعدو، فاقلُل اللبث، وبثّ العيون، وقدِّم الطلائع، فلم يبقَ أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلاّ كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين والأنصار، فغضبَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا سمعَ ذلك وخرجَ عاصباً رأسه، فصعدَ المنبر وعليه قطيفة، فقال: أيّها الناس ما مقالة بَلَغتني عن بعضكم في تأمير أُسامة، لئِن طَعنتم في تأميري أُسامة، فقد طعَنتم في تأميري أباه من قَبله، وأيمَ الله إن كان لخليقاً بالأمارة، وابنه من بعده لخليق بها، وإنّهما لمَن أحبّ الناس إليّ، فاستوصوا خيراً …) شرحُ ابن أبي الحديد ج١: ١٥٩.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا حَضرتهُ الوفاة: (ائتوني باللوح والدواة، أو بالكتف والدواة، أكتُب لكم كتاباً لا تضلّون بعده) فقالوا: (إنّ رسول الله ليهجُر).

تاريخ الطبري ج٢: ٤٣٦، صحيح البخاري: ج٣، صحيح مسلم: ج٥.

البداية والنهاية ج٥: ٢٢٧، ابن أبي الحديد ج١: ١٣٣.

وقد تكرّرت مثل هذه الحادثة في مرض موت الخليفة الأوّل، وقد أوصى بخلافة عمر، وأُغميَ عليه في أثناء وصيّته، فلم يعترض عمر على الأمر، ولم يَنسب إليه الهَذَيان، في حين أنّه أُغميَ عليه في أثناء الوصيّة، عِلماً بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معصوم، ولم يفقد وعيه حتّى آخر لحظة من لحظات حياته، روضة الصفا ج٢: ٢٦٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وإن لم تكن له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد التبقية ؛ إذ لا فائدة لطالب القطع فيه(١) .

وإذا أبقوا الزرع بالاتّفاق أو بطلب بعضهم حيث لم تكن للمقطوع قيمة ، فالسقي وسائر الـمُؤن إن تطوّع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليها على قدر ديونهم ، فذاك.

وإن أنفق عليها بعضُهم ليرجع ، فلا بُدَّ من إذن الحاكم أو(٢) اتّفاق الغرماء والمفلس ، وإذا حصل الإذن ، قدّم المنفق بقدر النفقة ؛ لأنّه لإصلاح الزرع.

وكذا لو أنفقوا على قدر الديون ثمّ ظهر غريمٌ ، قدّم المنفقون في قدر النفقة عليه.

وهل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس؟ الوجه : الجواز ؛ لاشتماله على التنمية ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : المنع ؛ لعدم اليقين بحصول الفائدة ، وإنّما هو موهوم(٣) .

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة

مسألة ٣٤٥ : هذه الإجارة لا يكون حكمها حكم السَّلَم في وجوب قبض مال الإجارة في المجلس‌ كما يجب قبض رأس مال السَّلَم فيه ؛ للأصل الدالّ على عدم الوجوب ، السالم عن معارضة النصّ الوارد في السَّلَم ؛ لانفراد السَّلَم عن الإجارة ومغايرته لها ، فلا يجب اشتراكهما في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠١

الحكم ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّهما متساويان في وجوب الإقباض في المجلس(١) .

فعلى الأوّل تكون كالإجارة الواردة على العين. وعلى الثاني لا أثر للإفلاس بعد التفرّق ؛ لصيرورة الأُجرة مقبوضةً قبل التفرّق.

تذنيب : لا يثبت خيار المجلس في الإجارة‌ ؛ لاختصاص النصّ بالبيع ، وعدم مشاركته للإجارة في الاسم ، والأصل عدم الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر : يثبت الخيار. فإن أثبته ، كان فيه غنية عن هذا الخيار ، وإلّا فهي(٢) كما في إجارة العين(٣) .

القسم الثاني : في إفلاس المؤجر.

وفيه نوعان :

الأوّل : في إجارة العين.

فإذا آجر دابّةً من إنسان أو داراً ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، لم تنفسخ الإجارة ، ولم يكن للمستأجر ولا للغرماء فسخ الإجارة ؛ لأنّ ذلك عقد لازم عقده قبل الحجر ، والمنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال ، فيقدّم بها كما تقدّم في حقّ المرتهن ، وكما لو أفلس بعد بيع شي‌ء معيّن ، فإنّ المشتري أحقّ بما اشتراه.

ثمّ الغرماء لهم الخيار بين الصبر حتى تنقضي مدّة الإجارة ثمّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فهي ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠٢

يبيعونها ، وبين البيع في الحال ، فإن اختاروا الصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة فإن انقضت المدّة والدار بحالها ، فلا بحث. وإن انهدمت الدار في أثناء المدّة ، انفسخت الإجارة.

وإن اختار المؤجر الفسخ فيما بقي من المدّة ، فإن كانت الأُجرة لم تُقبض منه ، سقطت عنه فيما بقي من المدّة ، وإن كانت قد قُبضت منه ، رجع على المفلس بحصّة ما بقي من المدّة.

وهل يضرب بذلك مع الغرماء؟ يُنظر فإن كان ذلك قبل قسمة ماله ، فهل يرجع على الغرماء؟ وجهان مبنيّان على أنّ وجود السبب كوجود المسبّب ، أو لا؟

فإن قلنا بالأوّل ، رجع عليهم بما يخصّه ؛ لأنّ سبب وجوبه وُجد قبل الحجر ، ولو كان الاعتبار بحال وجوبه ، لكان إذا وجب قبل القسمة أن لا يشارك به.

وإن قلنا بالثاني ، لم يرجع ؛ لأنّ دَيْنه تجدّد بعد الحجر ، فلم يحاصّ به الغرماء.

والأوّل أقوى.

فإن طلب الغرماء البيعَ في الحال ، أُجيبوا إليه ؛ لأنّه يجوز عندنا بيع الأعيان المستأجرة - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّه عقد على منفعة ، فلا يمنع من بيع أصل العين ، كالنكاح.

والثاني : لا يصحّ البيع ؛ لأنّ يد المستأجر حائلة دون التسليم ، فأشبه المغصوب(١) .‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ - ٣٨٩.

١٠٣

فعلى قولنا تُباع في الحال ، ويكون المستأجر أحقَّ بالمنافع واليد مدّة إجارته.

ولو اختلف الغرماء في البيع والصبر ، أُجيب الذي يطلب البيع ؛ لأنّه يتعجّل حقّه به ، ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة ؛ إذ لا يجب على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس.

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة.

مسألة ٣٤٦ : إذا التزم المفلس نَقْلَ متاع من بلدٍ إلى آخَر أو عملَ شغلٍ ثمّ أفلس‌ ، فإن كان مال الإجارة باقياً في يده ، فله فسخ الإجارة والرجوع إلى عين ماله. وإن كانت تالفةً ، فلا فسخ ، كما لا فسخ والحال هذه عند إفلاس الـمُسْلَم إليه على الأصحّ - وبه قال الشافعي(١) - ويضارب المستأجرُ الغرماءَ بقيمة المنفعة المستحقّة ، وهي أُجرة المثل ، كما يضارب الـمُسْلِم بقيمة الـمُسْلَم فيه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذا النوع من الإجارة ليس سَلَماً ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الثاني : يكون سَلَماً.

فعلى قوله هذا ما يخصّه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه ؛ لامتناع الاعتياض عن الـمُسْلَم فيه ، بل يُنظر فإن كانت المنفعة المستحقّة قابلةً للتبعيض - كما لو استأجره لحمل مائة رطل - فينقل بالحصّة بعضها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٤

وإن لم يقبل التبعيض - كما إذا كان الملتزَم قصارةَ ثوبٍ ، أو رياضة دابّة ، أو(١) حمل المستأجر إلى بلدٍ ، ولو نقل إلى بعض الطريق ضاع - فوجهان للشافعي(٢) .

قال الجويني : للمستأجر الفسخ بهذا السبب ، والمضاربة بالأُجرة المبذولة(٣) .

وعلى ما اخترناه نحن يسقط عنّا هذا ، ويقبض الحصّة بعينها ؛ لجواز الاعتياض.

ويلزم على قوله إبطال مذهبه من منع جواز الاعتياض في السَّلَم فيما صوّرناه.

هذا إذا لم يسلّم المؤجر عيناً إلى المستأجر يستوفي المنفعة الملتزمة منها ، أمّا إذا التزم النقل إلى البلد في ذمّته ثمّ سلّمه دابّةً لينقل بها ، ثمّ أفلس ، فإن قلنا : إنّ الدابّة المسلّمة تتعيّن بالتعيين ، فلا فسخ ، ويقدّم المستأجر بمنفعتها ، كما لو كانت الدابّة معيّنةً في عقد الإجارة. وإن قلنا : لا تتعيّن ، فكما لو لم يسلّم الدابّة ، فيفسخ المستأجر ، ويضارب بمال الإجارة.

تذنيبان :

أ - لو استقرض مالاً ثمّ أفلس وهو باقٍ في يده ، فللمُقرض الرجوعُ إلى عين ماله‌ ، كالبائع في عين السلعة وإن ملكها المفلس بالشراء - وهو قول الشافعي(٤) أيضاً - سواء قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض أو بالتصرّف.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٥

أمّا إذا كان لا يُملك بالقبض : فلأنّه يقدر على الرجوع من غير إفلاس ولا حجر ، فمعهما أولى.

وأمّا إذا كان(١) يُملك بالقبض : فلأنّه مملوك ببدلٍ تعذّر تحصيله ، فأشبه البيع.

ب - لو باع شيئاً واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب ، لم يكن للمشتري الفسخ‌ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بالعين ، ولا نقصان في نفس المبيع ، فإن تعذّر قبضه ، تخيّر حينئذٍ.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

النظر الثالث : في المعوّض.

مسألة ٣٤٧ : يُشترط في المعوّض - وهو المبيع مثلاً - ليرجع إليه مع إفلاس المشتري شيئان‌: بقاؤه في ملك المفلس ، وعدم التغيّر(٣) .

فلو هلك المبيع ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لقولهعليه‌السلام : « فصاحب المتاع أحقّ بالمتاع إذا وجده بعينه »(٤) فقد جعلعليه‌السلام وجدانَ المتاع شرطاً في أحقّيّة الأخذ.

ولا فرق بين أن يكون الهلاك بآفة سماويّة ، أو بجناية جانٍ ، أو بفعل المشتري ، ولا بين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر.

وليس له إلّا مضاربة الغرماء بالثمن ؛ عملاً بالأصل ، واختصاص‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٣) يأتي الشرط الثاني - وهو عدم التغيّر - في ص ١٠٨ ، المسألة ٣٥٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٩ / ١٠٦ و ١٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥١.

١٠٦

المخالف له بالوجدان ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إذا زادت القيمة ، ضارب بها دون الثمن ، واستفاد بها زيادة حصّته(١) .

مسألة ٣٤٨ : لو خرجت العين عن ملك المشتري ببيعٍ أو هبة أو عتق أو وقف ، فهو كما لو هلكت.

وليس له فسخ هذه التصرّفات ، بخلاف الشفيع ، فإنّ له ردّ ذلك كلّه ؛ لأنّ حقّ الشفعة كان ثابتاً حين تصرّف المشتري ، لأنّ الشفعة تثبت بنفس البيع ، وهنا حقّ الرجوع لم يكن ثابتاً حين التصرّف ؛ لأنّه إنّما يثبت بالإفلاس والحجر.

وكذا لا رجوع للبائع لو كاتب المشتري العبد المبيع أو استولد الجارية المبيعة. أما لو دبّر ، فإنّ له الرجوع.

ولو نذر عتقه مطلقاً أو نذره عند شرطٍ ، فكذلك لا يرجع إلّا أن يبطل ذلك الشرط ويعلم بطلان النذر.

ولو علّق العتق بصفة ، لم يصح عندنا. وعند الشافعي يصحّ ، وله الرجوع(٢) .

ولو آجر العين ، فلا رجوع له في المنافع ، بل في العين عندنا ؛ لأنّه يجوز بيع المستأجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة إن جوّزوا بيع المستأجر ، وإن منعوه ، لم يكن له الرجوعُ في العين ، فإذا جوّزنا له الرجوع ، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحقّ المستأجر ، وإلّا ضارب بالثمن(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ - ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

١٠٧

مسألة ٣٤٩ : لو رهن المشتري العين ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لتقدّم حقّ المرتهن.

وكذا لو جنى العبد المبيع ، فالمجنيّ عليه أحقّ ببيعه.

فإن قضي حقّ المرتهن أو المجنيّ عليه ببيع بعضه ، فالبائع واجد لباقي المبيع ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

وإن انفكّ الرهن أو برىء عن الجناية ، فله الرجوع.

ولو زوّج الجاريةَ ، لم يمنع البائع من الرجوع فيها. أمّا لو باع صيداً ثمّ أحرم وأفلس المشتري ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين ؛ لأنّ تملّكه للصيد حرام.

ولو نقل العين ببيعٍ وشبهه ثمّ حُجر عليه بعد ذلك ثمّ عادت العين ، فالوجه عندي : أنّه لا يرجع البائع فيها ؛ لأنّ ملك المشتري فيها الآن متلقّى من غير البائع ، ولأنّه قد تخلّلت حالة لو صادفها الإفلاس والحَجْر لما رجع ، فيُستصحب حكمها ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إن عاد إليه بغير عوضٍ - كالهبة والإرث والوصيّة له - ففي الرجوع وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ الملك قد تلقّاه من غير البائع(١) .

وهذان الوجهان مبنيّان عندهم على ما إذا قال لعبده : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ باعه واشتراه وجاء رأس الشهر ، هل يُعتق؟(٢)

وإن عاد الملك إليه بعوضٍ كما لو اشتراه [ نُظر ](٣) إن وفّر الثمن على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٠٨

البائع الثاني ، فكما لو عاد بلا عوض ، فإن لم يوفّر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض ، فالأوّل أولى بالرجوع ؛ لسبق حقّه ، أو الثاني ؛ لقرب حقّه ، أو يستويان ويضارب كلّ واحدٍ منهما بنصف الثمن؟ فيه ثلاثة أوجُه.

تذنيب : لو كاتب العبد كتابةً مطلقة ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ ؛ لأنّه كالعتق في زوال سلطنة السيّد عنه.

وإن كانت مشروطةً ، فإن كانت باقيةً ، لم يكن له الرجوع أيضاً ؛ لأنّها عقد لازم.

وإن عجز المكاتَب عن الأداء ، فللمفلس الصبر عليه ؛ لأنّه كالخيار.

ويُحتمل عدمه.

فإن ردّه في الرقّ ، فهل للبائع الرجوع فيه؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه ليس بملك يتجدّد ، بل هو إزالة مانع.

وللشافعي طريقان :

أحدهما : أنّ رجوعه إلى الرقّ كانفكاك الرهن.

والثاني : أنّه يعود الملك بعد زواله لمشابهة الكتابة زوالَ الملك ، وإفادتها استقلالَ المكاتَب ، والتحاقه بالأحرار(١) .

مسألة ٣٥٠ : قد بيّنّا أنّه يشترط للرجوع في العين في المعوّض أمران : بقاء الملك ، وقد سلف(٢) ، وبقي الشرط الثاني ، وهو : عدم التغيّر.

فنقول : البائع إن وجد العين بحالها لم تتغيّر لا بالزيادة ولا بالنقصان ، فإنّ للبائع الرجوعَ لا محالة. وإن تغيّر(٣) ، فإمّا أن يكون بالنقصان أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١٠٥ ، المسألة ٣٤٧.

(٣) تذكير الفعل باعتبار المبيع.

١٠٩

بالزيادة.

القسم الأوّل : أن يكون التغيّر بالنقصان ، وهو قسمان :

الأوّل : نقصان ما لا يتقسّط عليه الثمن ، ولا يُفرد بالعقد ، وهو المراد بالعيب ونقصان الصفة ، كتلف بعض أطراف العبد.

والثاني : نقصان بعض المبيع ممّا يتقسّط عليه الثمن ، ويصحّ إفراده بالعقد.

ونحن نذكر حكم هذه الأقسام بعون الله تعالى ، ثمّ نتبع ذلك بقسم الزيادة.

[ القسم ] الأوّل : نقصان الصفة.

مسألة ٣٥١ : إذا نقصت العين بالتعيّب ، فإن حصل بآفة سماويّة ، تخيّر البائع‌ بين الرجوع في العين ناقصةً بغير شي‌ء ، وبين أن يضارب بالثمن مع الغرماء ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع ، يتخيّر المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثمن - عند بعض(١) أصحابنا - وبين الفسخ والرجوع بالثمن.

وعلى ما اخترناه نحن - من أنّ المشتري يرجع بالأرش - لا يتأتّى هذا ، وإنّما لم يكن للبائع هنا الرجوع بالأرش ، وكان للمشتري في صورة البيع الرجوع به ؛ لأنّ المبيع مضمون في يد البائع ، وكما يضمن جملته يضمن أجزاءه ، سواء كانت صفاتاً أو غيرها ؛ لأنّ الثمن في مقابلة الجميع ، وأمّا هنا فإنّ البائع لا حقّ له في العين إلاّ بالفسخ المتجدّد بعد العيب ، وإنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن ، فلم تكن العين مضمونةً له ، فلم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد ، بل يقال له : إمّا أن تأخذ العين مجّاناً ، أو تضارب‌

____________________

(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

١١٠

بالثمن ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص ، كما يأتي(٢) في الضرب الثاني(٣) . وهو غريب عندهم(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد وافقنا مالك والشافعي على أنّ للبائع الرجوعَ وإن كانت معيبةً(٥) .

وقال أحمد : إذا تلف جزء من العين - كتغيّر أطراف العبد ، أو ذهاب عينه ، أو تلف بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ، أو اشترى نخلاً مثمراً فتلف الثمرة ، ونحو هذا - لم يكن للبائع الرجوعُ ؛ لأنّه لم يدرك متاعه بعينه(٦) .

وهو غلط.

أمّا أوّلاً : فلأنّ العين باقية وإن تلف بعض صفاتها.

وأمّا ثانياً : فلأنّه إذا ثبت له الرجوع في جميع العين بالثمن ، فإثبات الرجوع له في بعضها بالثمن أولى ، كما لو قال : أنا أرجع في نصف العين بجميع الثمن ، فإنّه يجاب إليه قطعاً ، كذا هنا.

مسألة ٣٥٢ : إذا تعيّبت العين بجناية جانٍ ، فإمّا أن يكون الجاني أجنبيّاً أو البائعَ أو المشتري.

فإن كان أجنبيّاً ، فعليه الأرش ، وللبائع أن يأخذه معيباً ، ويضاربُ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١١٢ ، المسألة ٣٥٤.

(٣) وهو نقصان ما يتقسّط عليه الثمن.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، وفي روضة الطالبين ٣ : ٣٩١ ؛ « شاذّ ضعيف ».

(٥) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١ - ٥١٢.

١١١

الغرماءَ بمثل(١) نسبة ما انتقص من القيمة من الثمن ؛ لأنّ المشتري أخذ بدلاً للنقصان وكان مستحقّاً للبائع ، فلا يجوز تضييعه عليه ، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض.

وإنّما اعتبرنا في حقّه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي ؛ لأنّ التقدير إنّما أثبته الشرع في الجنايات ، والأعواض يتقسّط بعضها على بعضٍ باعتبار القيمة.

ولو اعتبرنا في حقّه المقدّر ، لزمنا أن نقول : إذا قطع الجاني يديه(٢) أن يأخذه البائع وقيمته ، وهذا محال ، بل يُنظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ، ونقول : يضارب البائعُ الغرماء بمثل نسبته من الثمن. ولو قطع إحدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثُلث القيمة ، ضارَب البائعُ بثلث الثمن وأخذه ، وعلى هذا القياس.

مسألة ٣٥٣ : لو كان الجاني على العين البائعَ ، فهو كجناية الأجنبيّ‌ ؛ لأنّ جنايته على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه.

وإن كان الجاني المشتري ، احتُمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبيّ أيضاً ؛ لأنّ إتلاف المشتري قبض(٣) واستيفاء منه على ما مرّ(٤) في موضعه ، وكأنّه صرف جزءً من المبيع إلى غرضه. وأن تكون جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض ؛ لأنّ المفلس والمبيع في يده كالبائع في المبيع قبل القبض من حيث إنّه مأخوذ منه غير مقرَّر في يده.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مثل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطع يدي الجاني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نقص » بدل « قبض ». والمثبت هو الظاهر.

(٤) في ج ١٠ ، ص ١١٤ ، المسألة ٦٤ من كتاب البيع.

١١٢

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها(١) كجناية الأجنبيّ.

وأصحّهما عنده : أنّها كالآفة السماويّة(٢) .

ولا يقال : إنّ حقَّ تشبيه جناية المشتري هنا بجناية البائع قبل القبض كتشبيه(٣) جناية البائع هناك حتى يقال : كأنّه استرجع بعض المبيع ؛ إذ ليس له الفسخ والاسترجاع إلّا بعد حَجْر الحاكم عليه ، وليس(٤) قبل الحَجْر حقٌّ ولا مِلْكٌ.

تذنيب : لو باع المفلس قبل الحجر بعضَ العين‌ أو وهبه أو وقفه ، فهو بمنزلة تلفه.

القسم الثاني : نقصان العين.

مسألة ٣٥٤ : إذا نقص المبيع نقصاً يتقسّط الثمن عليه ، ويصحّ إفراده بالعقد‌ - كما لو اشترى عبدين صفقةً أو ثوبين كذلك فتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس وحُجر عليه - فللبائع أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة التالف ، وله أن يضارب بجميع الثمن - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّه عين ماله وجدها البائع ، فله‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والمثبت هو الصحيح.

(٢) الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « تشبيه ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليس » بدل « وليس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٨ ، الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

١١٣

أخذها ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

ولأنّه مبيع وجده بعينه ، فكان للبائع الرجوعُ فيه ، كما لو وجد جميع المبيع.

وفي الرواية الأُخرى لأحمد : ليس له الرجوع ؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه ، أشبه ما لو كان عيناً واحدة وقد تعيّبت. ولأنّ بعض المبيع تالف ، فلم يملك الرجوع فيه ، كما لو قُطعت يد العبد(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع ، وقد سبق ، وهذا كما لو بقي جميع المبيع وأراد البائع فسخ البيع في بعضه ، مُكّن منه ؛ لأنّه أنفع للغرماء من الفسخ في الكلّ ، فهو كما لو رجع الواهب في نصف ما وهب.

مسألة ٣٥٥ : إذا اختار فسخ البيع في الباقي وأخذه ، ضرب بقسط التالف من الثمن‌ ، ولا يجب عليه فسخ البيع وأخذ الباقي بجميع الثمن ؛ لأنّ الثمن يتقسّط على المبيع ، فكأنّه في الحقيقة بيعان بثمنين ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يأخذ الباقي بجميع الثمن ، ولا يضارب بشي‌ء ، وطرّدوا هذا القول في كلّ مسألة تضاهي هذه المسألة حتى لو باع سيفاً وشقصاً بمائة ، يأخذ الشقص بجميع المائة على قولٍ(٣) . وهو بعيد.

هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئاً.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٤

ولو باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين وتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الباقي من العبدين ؛ لأنّ الإفلاس سبب يعود به جميع العين ، فجاز أن يعود بعضه(١) ، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يردّ(٢) بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أُخرى.

ولاندراج صورة النزاع فيما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام وقد سُئل عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(٤) .

وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : ليس له الرجوعُ إلى العين ، بل يُضارب بباقي الثمن مع الغرماء ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن كان قد اقتضى(٥) من ثمنه شيئاً فهو أُسوة الغرماء »(٦) (٧) .

وهذا الحديث مرسل.

____________________

(١) الظاهر : « بعضها ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يريد » بدل « يردّ ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) سنن الدارقطني ٣ : ٣٠ / ١١٢ ، و ٤ : ٢٢٩ / ٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٢٦٥ / ١٥١٦٢.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اقبض » بدل « اقتضى ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٦) سنن ابن ماجة ٣ : ٧٩٠ / ٢٣٥٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ ، ٣٥٢١ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٥

وعلى ما اخترناه يرجع في جميع العبد الباقي بجميع ما بقي من الثمن ، وبه قال الشافعي على قول الرجوع(١) .

وله فيما إذا أصدقها أربعين شاةً ، وحالَ عليها الحول فأخرجت شاةً ثمّ طلّقها قبل الدخول قولان :

أحدهما : أنّه يرجع بعشرين(٢) شاة.

والثاني : أنّه يأخذ نصفَ الموجود ، ونصفَ قيمة الشاة الـمُخرَجة(٣) .

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

[ أحدهما : تخريج القول الثاني وطرد القولين هاهنا ](٤) :

أظهرهما : أنّه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، ويجعل ما قبض من الثمن في مقابلة التالف ، كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين ، كان الآخَر مرهوناً بما بقي من الدَّيْن بجامع أنّ له التعلّق بكلّ العين ، فيثبت له التعلّق بالباقي من العين للباقي من الحقّ.

والثاني : أنّه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ، ويُضارب الغرماءَ بنصفه ؛ لأنّ الثمن يتوزّع على المبيع ، فالمقبوض والباقي يتوزّع كلّ واحدٍ منهما على العبدين.

ولا بأس به عندي.

والطريق الثاني : القطع بأنّه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، والفرق بينه وبين الصداق : أنّ الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٢) في المصدر : « بأربعين » بدل « بعشرين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

١١٦

أخذ القيمة بتمامها ، والبائع هنا لا يأخذ الثمن ، بل يحتاج إلى المضاربة(١) .

مسألة ٣٥٦ : لو قبض بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شي‌ء‌ ، احتُمل الرجوع في البعض بنسبة الباقي من الثمن ، فلو قبض نصف الثمن ، رجع في نصف العبد المبيع ، أو العبدين المبيعين ، وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : لا يرجع(٢) . وقد سلف.

مسألة ٣٥٧ : لو كان المبيع زيتاً فأغلاه المشتري حتى ذهب بعضه ثمّ أفلس ، فهو بمثابة تلف بعض المبيع‌ ، كما لو انصبّ بعضه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه كما لو تعيّب المبيع ، وكان الزائلُ صفةَ الثُّفْل(٣) .

فعلى الأوّل لو ذهب نصفه ، أخذه بنصف الثمن ، وضارَب مع الغرماء بالنصف ، فإن ذهب ثلثه ، أخذ بثلثي الثمن ، وضارَب بالثلث.

وعلى الثاني يرجع إليه ، و [ يقنع ](٤) به.

وإذا ذهب نصفه مثلاً ، فالوجه : أن يطّرد ذلك الوجه في إغلاء الغاصب الزيتَ المغصوب.

ولو كان مكان الزيت العصير ، فالوجه : المساواة بينه وبين الزيت هنا وفي الغاصب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفرق بأنّ الذاهب من العصير ما لا ماليّة له ، والذاهب من‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ - ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ينتفع ». والصحيح ما أثبتناه.

١١٧

الزيت متموّل(١) .

ويُمنع عدم الماليّة ؛ لأنّه قبل الغليان مالٌ ، فقد أتلفه بالغليان.

وعلى القول بالتسوية بين العصير والزيت لو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم ، فأغلاها حتى عادت إلى ثلاثة أرطال ، رجع إلى الباقي ، ويُضارب بربع الثمن للذاهب(٢) ، ولا عبرة بنقصان قيمة المغليّ ، كما إذا عادت قيمته إلى درهمين.

وإن زادت قيمته بأن صارت أربعةً ، بني على أنّ الزيادة الحاصلة بالصنعة أثرٌ أو عينٌ؟

إن قلنا : إنّه أثر ، فإنّه للبائع بما زاد.

وإن قلنا : عينٌ ، قال بعض الشافعيّة : إنّه كالأوّل(٣) .

وعن بعضهم : أنّ المفلس يكون شريكاً بالدراهم الزائدة(٤) .

وإن بقيت القيمة ثلاثة كما كانت ، فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين ؛ لازدياد الباقي بالطبخ ، فإن جعلنا هذه الزيادة أثراً ، فاز البائع بها.

وإن جعلناها عيناً ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٥) .

وقال غيره : يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم ، فإنّ هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب ، وهو الذي زاد بالطبخ في الباقي(٦) .

مسألة ٣٥٨ : لو كان المبيع داراً فانهدمت ولم يهلك شي‌ء من النقْض ، فقد أتلف(٧) صفة ، كعمى العبد ونحوه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الذاهب ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٧) هكذا قوله : « فقد أتلف ». والظاهر أنّ بدلها : « فهو تلف » أو « فقد تلف ».

١١٨

ولو هلك بعضه باحتراقٍ وغيره ، فهو تلف عين.

وللشافعيّة خلاف هنا مبنيّ على تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنّه كالتعيّب أو تلف أحد العبدين؟(١) .

مسألة ٣٥٩ : قد ذكرنا أنّه إذا نقصت ماليّة المبيع بذهاب صفة مع بقاء عينه‌ - كهزال العبد ، أو نسيانه صنعةً ، أو كبره ، أو مرضه ، أو تغيّر عقله ، أو كان ثوباً فخَلِق - لم يمنع الرجوع ؛ لأنّ فقد الصفة لا يُخرجه عن كونه عين ماله ، لكن يأخذ العين بتمام الثمن ، أو يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن ؛ لأنّ الثمن لا يتقسّط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علمٍ فيصير كنقصه ؛ لتغيّر السعر.

ولو كان المبيع أمةً ثيّباً فوطئها المشتري ولم تحمل ، فله الرجوع ؛ لأنّها لم تنقص في ذات ولا صفة.

وإن كانت بكراً ، فكذلك عندنا وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) ؛ لأنّ الذاهب صفة ، لا عين ولا جزء عين.

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه أذهب منها جزءاً ، فأشبه ما لو فقأ عينها(٣) . وعنده أنّ فوات الجزء مبطل للرجوع(٤) .

مسألة ٣٦٠ : لو كان المبيع عبداً فجرح ، كان له الرجوعُ فيه عندنا‌ وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) ؛ لأنّه فقد صفة ، فأشبه نسيان الصنعة وخلق الثوب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٤) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٥) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١١٩

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه ذهب جزء ينقص به الثمن ، فأشبه ما لو فُقئت عين العبد. ولأنّه ذهب من العين جزء له بدل ، فمنع الرجوع ، كما لو قُطعت يد العبد. ولأنّه لو كان نقص صفةٍ ، لم يكن للبائع مع الرجوع بها شي‌ء سواه ، كما في هزال العبد ونسيان الصنعة ، وهنا بخلافه. ولأنّ الرجوع في المحلّ المنصوص عليه يقطع النزاع ، ويزيل المعاملة بينهما ، ولا يثبت في محلٍّ لا يحصل منه هذا المقصود(١) .

ونمنع ذهاب الجزء. سلّمنا ، لكن نمنع صلاحيّته للمنع من الرجوع في العين.

إذا عرفت أنّ له الرجوعَ في العين ، فليُنظر إلى الجرح ، فإن لم يكن له أرش - كالحاصل من فعله تعالى أو فعل بهيمة أو فعل المشتري أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه - فليس له مع الرجوع أرش.

وإن أوجب أرشاً - كجناية الأجنبيّ - فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصّة ما نقص من الثمن ، فينظر كم نقص من قيمته؟ فيرجع بقسط ذلك من الثمن ؛ لأنّه مضمون على المشتري للبائع بالثمن.

لا يقال : هلّا جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبيّ؟

لأنّا نقول : لـمّا أتلفه الأجنبيّ صار مضموناً بإتلافه للمفلس ، وكان الأرش له ، وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن ، فلا يجوز أن يضمنه بالأرش ، وإذا لم يتلفه أجنبيّ ، فلم يكن مضموناً ، فلم يجب بفواته شي‌ء.

لا يقال : هلّا كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟

لأنّا نقول : الكسب بدل منافعه ، ومنافعه مملوكة للمشتري بغير‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206