الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 92430
تحميل: 6872

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92430 / تحميل: 6872
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيعة في الإسلام

١

٢

الشيعة في الإسلام

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

مقدّمةُ المُترجِم

تعريفٌ بالكتاب:

قد يتساءل البعض: مَن هم الشيعة؟ وما هو التشيّع؟ متى وجِدَ؟ وكيف نَشأ؟ وإلى غير ذلك من الأسئلة؟

فقال البعض: إنّهم فرقة استحدثت وتشعّبت من الإسلام، وقال آخرون: إنّهم غُلاة ليسوا بمسلمين، وذهب جماعة إلى أنّهم فرقة ضالّة مضلّة، لا يربطهم بالإسلام رابط، وما إلى ذلك من الأقوال …

كتابُ (الشيعةُ في الإسلام) تحقيقٌ جاد في تعريف الشيعة من جميع جوانبهم، لمَن لم يتعرّف على الفكر الشيعي، فهو يُجيب على جميع تلك التساؤلات، ويردّ على الشُبهات التي طالما تمسّك بها الأعداء، فجعلوها ذريعة للحطّ من شأن الشيعة ومقامهم.

لقد عالجَ المؤلِّف هذا الهدف دون تعرّض لأهل السُنّة، في حين يقف مدافعاً عن أصالة الشيعة، ويُبيّن عِلل نشوئهم، وقد حاول المؤلِّف أن يَعرض التشيّع، وهو جانب من الإسلام الأصيل، بعيداً عن التفرقة والانشقاق في صفوف المسلمين.

جاء الكتاب مُبسّطاً وبلُغةٍ يفهمها الجميع، لا يستغني عنه

٧

الشيعة ذاتهم وخاصّةً الشباب.

لقد قسّم المؤلِّف (قدِّس سرّه) بحثهُ القيّم هذا إلى ثلاثة فصول، استعرضَ خلالها تاريخ الشيعة ومعتقداتهم وعلومهم.

فَبحثَ في الفصل الأوّل: كيفيّة نشوء الشيعة وانقساماتها، وموجزاً عن تاريخ الشيعة الاثني عشريّة.

واستعرض في الفصل الثاني: الفكر الشيعي، والطُرق التي ينتهجها في الاحتجاج، من ظواهر دينيّة أو بحوث عقليّة. وتناولَ في الفصل الثالث: أصول الدين وفروعه من وِجهة نظر الشيعة، في الله سبحانه وصفاته، وفي معرفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والوحي، في المعاد، وفي الإمامة، والفرقُ بين النبي والإمام، وموجَز عن تاريخ الأئمّة الاثني عشر، ومبحث في ظهور المهدي (عليهم السلام).

تعريفٌ بالكاتب:

ولِدَ المؤلِّف العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي في بيت علم وفضل، في بيتٍ له تاريخ طويل في خدمة شريعة الإسلام ومنهج الرسول وأهل بيته، إذ إنّ أربعة عشر من أجداد المؤلِّف كانوا من العلماء البارزين في مدينة تبريز الإيرانيّة.

ولِدَ سنة 1321 للهجرة، فتابعَ دراسته الأوّليّة هناك، ثُمّ رَحل إلى النجف الأشرف سنة 1344هجري، ومكثَ هناك، مدّة لا تقل عن عشر سنوات، اكتسبَ خلالها مختلف العلوم الإسلاميّة، فدرسَ الفقه والأصول، والفلسفة والرياضيات والأخلاق، ثُمّ رجعَ إلى موطنه سنة 1354 هجري.

لم يكتفِ بدراسة الفقه والأصول بشكلها المبسّط، وإنّما تعمّق في دراسة هذين العِلمَين، وتناولَ دراسة علم النحو والصرف أيضا‍ً، ودراسة الأدب العربي، وتطرّق إلى دراسة علم الرياضيات القديم كـ(أصول) لأقليدس ،

٨

و (المَجَسْطي) لبطليموس ، والفلسفة وعلم الكلام والعرفان والتفسير أيضاً.

ذاعت شهرتهُ في إيران، بعد أن هاجرَ من مسقط رأسه إلى مدينة قُم، إثرَ الحوادث السياسيّة للحرب العالميّة الثانية، فأقامَ فيها سنة 1365هجري، وشرعَ بتدريس التفسير، والحكمة، والمعارف الإسلاميّة، ولم يتوانَ في البحث مع المُخالفين، فأرشدَ العديد منهم إلى طريق الحقّ والصواب.

كان لمحاضراته في الحوزة العلميّة أثرٌ بليغ في طلاّبها، بل شَملت المثقّفين أيضاً، فكانت لقاءاته مع الأستاذ (هنري كربن) مستمرّة في كلّ خريف، يحضرها جَمعٌ من الفضلاء والعلماء، تُطرح فيها المسائل الدينيّة والفلسفيّة، فكانت لها نتائجها المثمرة.

ومن الجدير بالذكر، أنّ تلك اللقاءات والمباحثات لم يكن لها نظير في العالَم الإسلامي، منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين الإسلام والمسيحيّة.

أحيا العلاّمة الطباطبائي العلوم العقليّة وتفسير القرآن، فاهتمّ بتدريس الحكمة، فشرعَ بتدريس كتاب (الشفاء) و (الأسفار) .

كان يمتاز بدَماثة الخلق، فكان عاملاً رئيسيّاً في شدّ الطلاّب إلى محاضراته القيّمة، إذ كان يحضرها المئات، فنالَ الكثير منهم درجة الاجتهاد في الحكمة، وأصبحوا أساتذة قادرين على تدريسها.

كان العلاّمة يحرص على الأخلاق وتزكية النفس فضلاً عن اهتمامه بالحكمة والعرفان، ويمكن القول بأنّه أسّس مدرسة جديدة في التربية وعلم الأخلاق، فقدّم للمجتمع نماذج تتّصف بأخلاق إسلاميّة عالية، وكان يؤكّد كثيراً على ضرورة تلازم

٩

التعاليم الإسلاميّة مع التربية المدرسيّة، ويَعتبرها من المسائل الأساسيّة في المعارف الإسلاميّة، إلاّ أنّه من المؤسف لم يُراعَ هذا الأمر في المدارس الحديثة ببلاد المسلمين.

مؤلّفاتهُ:

1) تفسير الميزان في (20) جزءاً باللغة العربيّة، وتُرجِم إلى الفارسيّة والانجليزيّة.

2) مبادئ الفلسفة وطريقة المثاليّة، مع شرح وهوامش للعلاّمة الفيلسوف الشهيد مرتضى المطهّري.

3) شرحُ الأسفار لصدر الدين الشيرازي، في ستّة مجلّدات.

4) حوار مع الأستاذ (هنري كربن) في مجلّدين.

5) رسالة في الحكومة الإسلاميّة، طُبعت بالعربيّة والفارسيّة والألمانيّة.

6) حاشيةُ الكفاية.

7) رسالةٌ في القوّة والفعل.

8) رسالةٌ في إثبات الذات.

9) رسالةٌ في الصفات.

10) رسالةٌ في الأفعال.

11) رسالةٌ في الوسائط.

12) الإنسان قبل الدنيا.

13) الإنسان في الدنيا.

14) الإنسان بعد الدنيا.

15) رسالةٌ في النبوّة.

16) رسالةٌ في الولاية.

17) رسالةٌ في المشتقّات.

١٠

18) رسالةٌ في البرهان.

19) رسالةٌ في المغالطة.

20) رسالةٌ في التحليل.

21) رسالةٌ في التركيب.

22) رسالةٌ في الاعتبارات.

23) رسالةٌ في النبوّة والمنامات.

24) منظومةٌ في رسم خط النستعليق.

25) عليٌ والفلسفة الإلهيّة.

26) القرآنُ في الإسلام.

27) الشيعةُ في الإسلام (الكتاب الحاضر).

هذا، فضلاً عن المقالات المتعدّدة التي كانت تُنشر في المجلاّت العلميّة آنذاك.

لعلّ من أهمّ آثار العلاّمة ومؤلّفاته هو كتابه (الميزان في تفسير القرآن) ويُعتبر من التفاسير القيّمة لهذا العصر، فقد خَدم هذا التفسير المجتمع الإسلامي، كما خَدمت التفاسير القيّمة القديمة المسلمين، بتناسبها وتلازمها مع العلوم والفلسفة حينئذٍ، لفهم معاني القرآن في العصور السالفة.

لقد اتّخذ العلاّمة نهجاً خاصّاً في تفسيره هذا، إذ يبتني على نصّ الحديث، وهو تفسير القرآن بالقرآن.

لقد قضى العلاّمة عمراً في خدمة الدين الحنيف، والمجتمع الإسلامي، فكان - ولا يزال - مناراً لروّاد الفضيلة والعلم، فقد أنارَ الطريق للعديد ممّن قرأوا مصنّفاته، وحضروا مجلسه، فمَنحهم روحاً علميّة خالصة واتّجاهاً فكريّاً سليماً، حفظهُ الله تعالى وأيّده، ومَنحهُ الصحّة والعافية.

١١

مقدّمةُ المؤلِّف

الكتابُ الذي بين أيدينا (الشيعةُ في الإسلام) يُعرب عن حقيقة مذهب التشيّع وماهيّته، وهو أحدُ المذهَبين الرئيسيّين الإسلاميَيَن (الشيعي والسنّي).

يستعرض الكتاب كيفيّة نشوء المذهب الشيعي، وأسلوب التفكير الديني لدى الشيعة، والمعارف الإسلاميّة من وِجهة نظرهم.

الدينُ: لاشكّ في أنّ أيّ إنسان يميل في حياته إلى أبناء جنسه، ولا تخلو أعماله التي يقوم بها في بيئته من صلة بعضها بالبعض الآخر: كالأكل، والشرب، والسكون، والحركة، والنوم، واليقظة … في الوقت الذي تنفصل كلّ من هذه الأفعال والحركات عن الأخرى، تكون مرتبطة بعضها بالبعض ارتباطاً وثيقاً.

على هذا الأساس، فإنّ الإعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته، تتحقّق في حدود نظامٍ لا يتعدّاه، وتنبع من نظرة معيّنة، ألا وهي أنّ الإنسان يريد أن يحيى حياة سعيدة، يظفر بآماله وأُمنياته، وبعبارةٍ أخرى: يطمح الإنسان قدر استطاعته إلى تحقيق متطلّباته بصورة أكمل، وما ذلك إلاّ للحفاظ على وجوده وبقائه.

وانطلاقاً من هذه النظرة، باتَ الإنسان يُنظّم أعماله وفقَ قوانين وأحكام، وَضعها بميله، أو اقتبسها من آخرين، وبالتالي نجده يتّخذ أسلوباً خاصّاً في حياته، فهو يكدّ ويسعى من أجل إعداد متطلّبات حياته؛ لأنّه يعتبرها من الأُسس والمقوِّمات لها.

فهو يبادر إلى تناول الماء والطعام، ليسدّ بها عطشه وجوعه؛ لأنّ الأكل والشرب حاجتان ضروريّتان لاستمرار الحياة.

إنّ هذه القوانين التي تحكم حياة الإنسان تبتني على اعتقاد أساسي، والإنسان يعتمد عليها في بناء علاقاته، وهو تصوّره عن الحياة والكون، والذي هو جزء منه،

١٢

وتأمّلاته عن حقيقتها، ويتّضح هذا الموضوع بالتأمّل في الآراء المختلفة التي يرتأيها الناس في حقيقة العالَم.

فالذين يحصرون الوجود في هذا العالَم المادّي المحسوس، ويعدّون الإنسان كائناً ماديّاً محضاً (يحيى بتدفّق الحياة في جسمه، ويفنى بالموت)، فإنّ نظرتهم هذه إلى الحياة نظرة ماديّة بحتة، فهم يسعون إلى تحقيق متطلّباتهم الماديّة، ويبذلون في هذا السبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف والعوامل الطبيعيّة لأغراضهم ومصالحهم الخاصّة.

وأمّا الذين يعتقدون بأنّ عالَم الطبيعة من صُنع خالق أعلى شأناً من الطبيعة، مثل: عَبَدة الأوثان، فإنّهم يذهبون إلى أنّ العالَم مخلوق، وخاصّة الإنسان، وقد أسبغَ الخالق نِعمهُ عليه، كي ينعم بخيراتها، فهم يُنسّقون برامج حياتهم وفقاً لرضا الخالق، مبتعدين عن سخطه وغضبه، فإذا ما استطاعوا جلبَ رضاه، فنِعمهُ موفورة، مُغدَقة عليهم، وإذا زالت النِعم، فدليل سَخَطه عليهم.

وهناك مَن يعتقد بالله سبحانه وحده، وينظر إلى حياة الإنسان خالدة، وهو مسؤول عن أعماله خيرها وشرّها، ويقرّ بيوم الجزاء (القيامة) كالمجوس، واليهود، والنصارى، والمسلمين، فهم يسلكون طريقاً في حياتهم، مُراعين فيه هذا الأصل الاعتقادي، كي يحصلوا على سعاة الدارَين: الدنيا، والآخرة.

إنّ مجموع هذه المعتقدات والأسس (الاعتقاد بحقيقة الإنسان والكون) - وما يلازمها من أحكام، وأنظمة متناسقة، والتي تدخل في نطاق عَملهم في الحياة - تسمّى بـ (المَذهب) مثل: مذهبُ التسنّن والتشيّع في الإسلام، أو مذهب المَلكاني والنسطوري في المسيحيّة.

وبناءً على ما تقدّم: يستحيل على الإنسان - وإن كان مُنكراً لوجود الله تعالى - أن يكون في غِنى عن الدين (دستور الحياة الذي بُني على أصل اعتقادي)، فالدين إذاً طريقة الحياة التي لا تنفكّ عنها.

والقرآن الكريم يشير إلى أنّ الإنسان لابدّ أن ينتهج الدين طريقاً له ومَسلكاً، وهذا الطريق قد جَعلهُ الله تعالى لكافّة البشر، وبانتهاجه يصل إلى الله جلّ وعَلا.

ولكنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الأفراد، فأمّا الذين سَلكوا الدين الحقّ وهو الإسلام، فقد سَلكوا طريق الصواب، وأمّا الذين مالوا عن هذا الطريق، فقد ضلّوا ضلالاً مبيناً (1) .

____________________

(1) ( أَنّ لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ) الآية 44، سورة الأعراف.

١٣

الإسلام: الإسلام لغةً، هو الانقياد لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض، وقد أطلقَ القرآن الكريم كلمة الإسلام على هذه الدعوة، وإطاره العام هو تسليم الإنسان أمام ربّ العالمين (1) ، وألاّ يُعبد إلاّ الله الواحد الأحد، وألاّ يُتّبع إلاّ أوامره.

والقرآن الكريم يخبرنا أنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام)، هو أوّل مَن سمّى هذا الدين بالإسلام، ومُتّبعيه بالمسلمين (2).

الشيعة: يُراد بها الاتباع، وتُطلق على الذين يرونَ أنّ الخلافة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منحصرة في أهل بيته، والمراد منها في المعارف الإسلاميّة: التابعون لأهل البيت (عليهم السلام) (3).

____________________

(1) ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) الآية 125، سورة النساء.

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) الآية 64، سورة آل عمران.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً ) الآية 208، سورة البقرة.

(2) ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ) الآية 128، سورة البقرة.

( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ ) الآية 78، سورة الحج.

(3) تُطلق كلمة الشيعة على طائفة من الزيديّة، التي تقرّ بخلافة الخليفتين الأوّل والثاني، قَبل الإمام علي (عليه السلام)، وتتّبع فقه أبي حنيفة في الفروع، والسبب في هذه التسمية: هو أنّهم كانوا يرونَ الخلافة لعلي وأولاده، قِبال خلافة بني أُميّة وبني العبّاس.

١٤

الفصلُ الأوّل:

كيفيّة نشوء الشيعة وتطوّرهم..

١٥

ألف: كيفيّة النشوء

1) بداية نشوء الشيعة وكيفيّته.

2) سببُ انفصال الأقليّة الشيعيّة عن أكثريّة السُنّة، وظهور الاختلافات.

3) موضوعا الخلافة والمرجعيّة العلميّة.

4) الطريقة السياسيّة للخلافة الانتخابيّة، ومغايرتها للفكر الشيعي.

5) انتهاء الخلافة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته.

6) ما حَصَلت عليه الشيعة طوال خلافة الإمام علي (عليه السلام) في خمس سنوات.

7) انتقال الخلافة إلى معاوية وتحوّلها إلى ملوكيّة موروثة.

8) الأيّام العصيبة التي مرّت بها الشيعة.

9) استقرار ملوكيّة بني أُميّة.

10) الشيعة في القرن الثاني للهجرة.

11) الشيعة في القرن الثالث للهجرة.

12) الشيعة في القرن الرابع للهجرة.

13) الشيعة في القرن الخامس وحتّى القرن التاسع الهجري.

14) الشيعة في القرن العاشر والحادي عشر للهجرة.

15) الشيعة في القرن الثاني عشر وحتّى القرن الرابع عشر للهجرة.

١٦

1. بدايةُ نشوء الشيعة

يجب أن نعلم أنّ بداية نشوء الشيعة، والتي سُمّيت لأوّل مرّة بشيعة علي (أوّل إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام) وعُرفت بهذا الاسم، كان في زمن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فظهور الدعوة الإسلاميّة وتقدّمها وانتشارها خلال ثلاث وعشرين سنة من البعثة النبويّة، أدّت إلى ظهور مثل هذه الطائفة بين صحابة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (1) .

ألف) وفي الأيّام الأولى من بعثته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمرَ بنصٍ من القرآن الكريم، أن يدعو عشيرته الأقربين (2) ، وصرّح في جَمعهم أنّ أوّل مَن يُبايعني على هذا الأمر سيكون خليفتي ووصيّي من بعدي، فكان علي (عليه السلام) أوّل مَن تقدّم، وقَبِل الإسلام، والنبي قَبَل إيمانه، وتعهّد بكلّ ما وعدهُ به (3) ، ويستحيل عادةً على قائد

____________________

(1) أوّل اسم ظهرَ في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسمُ الشيعة، واشتهرَ كلّ من: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمّار بهذا اللقب، حاضِر العالَم الإسلامي 1: 188.

(2) سورة الشعراء: الآية 215.

(3) جاء في الحديث عن علي (عليه السلام): (وقلتُ: ولأنّي لأَحدَثهم سنّاً أنا يا نبيّ الله، أكونُ وزيرك عليه، فأخذَ برَقبتي، ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمركَ أن تسمع لابنك وتُطيع)، تاريخ اليعقوبي ج2: 63، تاريخ أبي الفداء ج1: 116، البداية والنهاية ج3: 39، غايةُ المرام: 320.

١٧

نهضة، وفي أيّامها الأولى أن يُعيّن أحد أصحابه وزيراً وخليفة له على الآخرين، ولا يُعرّفهُ للخُلّص من أصحابه وأعوانه، أو أن يكتفي بهذا الامتياز ليعرِفهُ وليعرّفه، ولا يُطلعه على مهمّته طوال حياته ودعوته، أو أن يجعلهُ بعيداً عن مسؤوليّات الوزارة والخلافة، ويغضّ النظر عن مقام الخلافة، وما يجب أن يُبدي لها من احترام وتقدير، ولا يفرِّق بينه وبين الآخرين.

ب) إنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفقاً للروايات المستفيضة والمتواترة عن طريق أهل السُنّة والشيعة، والتي يُصرّح فيها أنّ عليّاً (عليه السلام) مصون من الخطأ والمعصية في أقواله وأفعاله (1)، وكلّ ما يقوم به فهو مُطابق للدعوة وللرسالة، وهو أعلم الناس بالعلوم الإسلاميّة وشريعة السماء (2) .

ج) قامَ الإمام علي (عليه السلام) بخدَمات جمّة للرسالة وتضحيات مُدهشة (3) ، كمنامه في فراش النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة الهجرة، فلو لم يكن الإمام علي (عليه السلام) مشاركاً في إحدى الغزوات: (بدر، وأُحد، والخَندق، وخيبر)، لمَا حقّق الإسلام ولا

____________________

(1) عن أُم سلمة قالت: لقد سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (عليّ مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتّى يرِدا عَليّ الحوض)، ونُقل هذا الحديث عن 15 طريقاً من العامّة، و11 طريقاً من الخاصّة، ورواته: أُم سلمة، وابن عبّاس، وأبو بكر، وعائشة، وعلي، وأبو سعيد الخدري، وأبو ليلى، وأبو أيّوب الأنصاري، غايةُ المرام: 539 - 540، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رَحمَ الله عليّاً دارَ الحقّ معهُ حيث دار)، البداية والنهاية ج7: 360.

(2) عن علقمة قال: كنتُ عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فسُئل عن علي؟ فقال: (قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، أُعطيَ عليّ تسعة والناس جزءاً واحداً).

(3) عندما قرّر كفّار مكّة قتلَ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحاصروا بيته، صمّمَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يهاجر إلى المَدينة، فقال لعلي: (هل أنت مُستعد أن تبيت في فراشي حتّى يظنّوا بأنّني نائم، فأكُن في مأمنٍ منهم)، وافقَ علي (عليه السلام) على الاقتراح بكلّ سرور.

١٨

المسلمون انتصاراً في إحداها، وكان القتل والفشل حليفهم (1) .

د) موضوع غدير خُم، والذي أعلنَ فيه النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الولاية العامّة لعلي (عليه السلام)، فجعلهُ على المسلمين ما كان له عليهم (2).

من الطبيعي أنّ هذه الخصائص والفضائل التي انفردَ بها الإمام علي (عليه السلام) - والتي هي مورد اتفاق الجميع (3) ، والعلاقة الخاصّة (4) التي كان يُبديها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - جَعلت له مؤيّدين محبّين مُخلِصين من صحابة النبي وأنصاره، كما أثارت لدى البعض الآخر الحقد والحسد.

وفضلاً عن هذا كلّه، فإنّ كلمة (شيعة علي) و (شيعة أهل البيت) ، قد جاءت في كثير من أقوال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (5).

2. سببُ انفصال الأقلّيّة الشيعيّة عن أكثريّة السُنّة، وظهور الاختلافات

كان شيعة علي (عليه السلام) وأصحابه، يعتقدون اعتقاداً راسخاً أنّ الخلافة ستكون لعلي (عليه السلام) بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ وذلك لِمَا كان يتّسم به (عليه السلام) من مقام

____________________

(1) راجع: كُتب التاريخ والحديث.

(2) حديث الغدير: من الأحاديث المتّفق عليه سُنّة وشيعة، وقد نَقل هذا الحديث أكثر من مائة صحابي بأسانيد وعبارات مختلفة، وهي مدوّنة في كُتب العامّة والخاصّة، لمزيدٍ من التفصيل يُراجع كتاب غاية المرام: ص 79، وكتاب العَبَقات، مجلّد الغدير، وكذا كتاب الغدير.

(3) تاريخ اليعقوبي: طبع النجف الأشرف، المجلّد الثاني صفحة 137 - 140، تاريخ أبي الفداء: المجلّد الأوّل ص 156، صحيح البخاري ج4: 107، مُروج الذهب ج2: 437، ابن أبي الحديد ج1: 127 و 161.

(4) صحيح مسلم ج5: 176، صحيح البخاري ج4: 207، مُروج الذهب ج2: 437، تاريخ أبي الفداء ج1: 127 و 181.

(5) عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأقبلَ عليّ بن أبي طالب، فقال النبي: (قد أتاكم أخي، ثُمّ التفتَ إلى الكعبة فضرَبها بيده، ثُمّ قال: والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهُم الفائزون يوم القيامة).

عن ابن عبّاس قال: لمّا نَزلت هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبي: (هُم أنتَ وشيعتك تأتي أنتَ وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين)، وقد وردَ هذان الحديثان، وأحاديث أخرى في كتاب الدرّ المنثور ج1: 379، وغايةُ المرام: صفحة 326.

١٩

ومنزلة لدى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والصحابة والمسلمين، وظواهر الأمور والحوادث تؤيّد ذلك، عدا ما حدثَ في أيّام مرضه (1) (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ولكنّ ما حَدثَ هو غير ما كان يتوقّعونه، ففي الوقت الذي التحقَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرفيق الأعلى، ولم يُغسّل جسدهُ الطاهر، ولم يُدفن بعد، وحينما كان أهل البيت وعدد من الصحابة مُنصرفين في العزاء، وإجراء المقدّمات اللازمة، إذ وصَلهم نبأ انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذه القلّة التي غَلبت الكثرة، قد بادرت بهذا الأمر عُجالة، دون أن يستشيروا أهل البيت،

____________________

(1) لمّا مرضَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضَ الموت، دعا أُسامة بن زيد بن حارثة، فقال: (سِر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتُك على هذا الجيش، وإن أظفركَ الله بالعدو، فاقلُل اللبث، وبثّ العيون، وقدِّم الطلائع، فلم يبقَ أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلاّ كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين والأنصار، فغضبَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا سمعَ ذلك وخرجَ عاصباً رأسه، فصعدَ المنبر وعليه قطيفة، فقال: أيّها الناس ما مقالة بَلَغتني عن بعضكم في تأمير أُسامة، لئِن طَعنتم في تأميري أُسامة، فقد طعَنتم في تأميري أباه من قَبله، وأيمَ الله إن كان لخليقاً بالأمارة، وابنه من بعده لخليق بها، وإنّهما لمَن أحبّ الناس إليّ، فاستوصوا خيراً …) شرحُ ابن أبي الحديد ج1: 159.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا حَضرتهُ الوفاة: (ائتوني باللوح والدواة، أو بالكتف والدواة، أكتُب لكم كتاباً لا تضلّون بعده) فقالوا: (إنّ رسول الله ليهجُر).

تاريخ الطبري ج2: 436، صحيح البخاري: ج3، صحيح مسلم: ج5.

البداية والنهاية ج5: 227، ابن أبي الحديد ج1: 133.

وقد تكرّرت مثل هذه الحادثة في مرض موت الخليفة الأوّل، وقد أوصى بخلافة عمر، وأُغميَ عليه في أثناء وصيّته، فلم يعترض عمر على الأمر، ولم يَنسب إليه الهَذَيان، في حين أنّه أُغميَ عليه في أثناء الوصيّة، عِلماً بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معصوم، ولم يفقد وعيه حتّى آخر لحظة من لحظات حياته، روضة الصفا ج2: 260.

٢٠