الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 92383
تحميل: 6871

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92383 / تحميل: 6871
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصلُ الثاني

الفِكرُ الديني لدى الشيعة

٦١

1) معنى الفكر الديني.

2) المصادر الرئيسيّة للفكر الديني في الإسلام.

3) الطُرق التي يعرضها الإسلام للفكر الديني.

4) الاختلاف بين هذه الطُرق الثلاثة.

5) الطريق الأوّل: الظواهر الدينيّة، أقسام الظواهر الدينيّة، القرآن وأحاديث الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام).

6) حديثُ الصحابة.

7) بحثٌ آخر في الكتاب والسُنّة.

8) ظاهرُ القرآن وباطنه.

9) تأويلُ القرآن.

10) تتمّةُ البحث عن الحديث.

11) الشيعةُ والعمل بالحديث.

12) التعلّمُ والتعليم العام في الإسلام.

13) الشيعةُ والعلوم النقليّة.

٦٢

1. معنى الفكر الديني

يُطلق هذا الاصطلاح على التحقيق والبحث في موضوعٍ من المواضيع الدينيّة، للحصول على نتيجة معيّنة.

كما أنّ المراد من الفكر الرياضي مثلاً: هو الفكر الذي يُعطي النتيجة لنظريّة رياضيّة معيّنة، أو يحلّ مسألة رياضيّة.

2. المصادرُ الرئيسيّة للفكر الديني في الإسلام

من الطبيعي أنّ الفكر الديني كسائر الأفكار، يَعتمد على مصادر كي يستلهم منها موادّه وأُسسه، كما هو الحال في الفكر الرياضي لحلّ مسألة ما، فإنّه لابدّ من الاستعانة بمجموعة من النظريات والفرضيات، وبالنتيجة ينتهي إلى المعلومات الخاصّة به، والمصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام (من جهة ارتباطه بالوحي السماوي) هو: القرآن الكريم ، إذ إنّه المصدر الرئيسي للنبوّة الشاملة للنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما يحتويه من الدعوة إلى الإسلام، فالقرآن لا ينفي المصادر الأخرى للفكر الصحيح والحُجج الواضحة كما سنتعرّض لها.

٦٣

3. الطُرق التي يعرضها الإسلام للفكر الديني

فالقرآنُ الكريم يضعُ ثلاثة طُرق أمامَ متّبعيه للوصول إلى المفاهيم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة، ويوضِّح لهم أنّ الظواهر الدينيّة والحُجج العقليّة والإدراك المعنوي، لا يتأتّى إلاّ من الخلوص في العبادة.

إنّ الله سبحانه يخاطب الناس عامّة في القرآن، ويَعرض أموراً دون إقامة حجّة أو دليل، انطلاقاً من قدرة هيمنته كخالق، ويُطالب بقبول الأصول والأُسس الاعتقاديّة: كالتوحيد، والنبوّة، والمعاد، والأحكام العمليّة: كالصلاة، والصوم وغيرها، كما يأمر بالنهي والامتناع أحياناً، وإذا لم تكن الآيات لتعطي الحجيّة، لم يكن ليطالب الناس بقبولها واتّباعها، إذاً لابدّ من القول بأنّ هذه الآيات الواضحة الدلالة طريق لفهم المفاهيم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة وإدراكها، ونسمّي هذا البيان اللفظي بالظواهر الدينيّة مثل: ( آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ) ، و ( أَقِيمُواْ الصَّلاةَ )

ونرى القرآن من جهةٍ أخرى في كثير من الآيات يدعو إلى الحُجيّة العقليّة، وذلك بدعوة الناس إلى التفكير والتدبّر في الآفاق والأنفس، وهو يسلك الاستدلال العقلي في بيان الحقائق.

وحقاً أنّ القرآن هو الوحيد من الكتب السماويّة الذي يُعرِّف للإنسان العلم والمعرفة بطريقة استدلاليّة، فالقرآن ببيانه هذا يَعتبر الحجّة العقليّة والاستدلال المنطقي من الأمور المُسلّمة، أي أنّه لا يطالِب بتقبّل المعارف الإسلاميّة دون نقاش،

٦٤

ثُمّ يَنتقل إلى الاحتجاج العقلي، ويستنتج منه المعارف الإسلاميّة، انطلاقاً من الاعتماد الكامل على واقعيّته إذ يقول: مَحِّصوا في الاحتجاج العقلي، واستنبطوا منه صحّة المعارف، ومن ثُمّ القبول والرضا.

وما يُسمع من كلامٍ عن الدعوة الإسلاميّة، يمكن التأمّل فيه والاستفسار عنه، والإصغاء إلى قول الخالق، وبالتالي فإنّ التصديق والإيمان يجب أن يُحصل عليه بدليل أو حجّة، وليس المراد الإيمان مسبقاً، ثُمّ إقامة الأدلّة وفقاً له، فالفكر الفلسفي طريق يدعمهُ القرآن الكريم ويُصادق عليه.

ومن جهةٍ أخرى، نرى القرآن الكريم وبأسلوبه الرائع، يوضِّح لنا أنّ جميع المعارف الحقيقيّة تنبع من التوحيد ومعرفة الله حقيقة، وما كمال معرفة الله جلّ وعلا، إلاّ لأولئك الذين جَعلهم الله من خير عباده، وخَصصهم لنفسه، وهم الذين قد قطعوا علائقهم وارتباطهم بهذا العالَم، ونَسوا كلّ شيء، وإثر الإخلاص والعبوديّة، وجّهوا قواهم إلى العالَم العُلوي، ونوّروا قلوبهم بنور الله سبحانه، ونظروا ببصيرتهم حقائق الأشياء، ومَلكوت السماوات والأرض؛ لأنّهم قد وصلوا إلى مرحلة اليقين، إثر إخلاصهم وعبوديّتهم، وعند حصولهم هذه المنزلة (اليقين)، انكشفَ لهم ملكوت السماوات والأرض، والحياة الخالدة في العالَم الخالد.

ويتّضح هذا الادّعاء مع الالتفات إلى الآيات الكريمة التالية:

قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (1) .

وقوله تعالى: ( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (2).

ويقول تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

____________________

(1) سورة الأنبياء: الآية 25، ويُفهم من الآية: أنّ العبادة في الدين فرعٌ للتوحيد، وعليه يُبنى.

(2) سورة الصافات: الآية 159، إنّ الوصف فرع من المعرفة والإدراك، ويُفهم من الآية: أنّ المُخلصين فحسب، يعرفون الله حقّ معرفته، والله منزّه عن وصف الآخرين له.

٦٥

فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (1).

ويقول سبحانه: ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )(2) .

وقوله: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (3).

وقوله: ( كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) (4) .

وقوله تعالى أيضاً: ( كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) (5) .

إذاً، إحدى طرق استيعاب المعارف الإلهيّة وإدراكها هي: تهذيب النفس، والإخلاص في العبوديّة.

4. الاختلافُ بين هذه الطُرق الثلاثة

اتّضح ممّا سبق: أنّ القرآن الكريم يَعرض ثلاثة طُرق لفهم المعارف الدينيّة: الظواهر الدينيّة، والعقل، والإخلاص في العبوديّة، والذي مؤدّاه انكشاف الحقائق،

____________________

(1) سورة الكهف: الآية 11، يُستنبط من الآية: أنّ الطريق للقاء الله هو التوحيد والعمل الصالح، ولا طريق سواه.

(2) سورة الحجر: الآية 99، ويُستفاد من الآية: أنّ عبادة الله تؤدّي إلى اليقين.

(3) سورة الأنعام: الآية 75، يُفهم من الآية: أنّ إحدى لوازم اليقين، مشاهدة مَلكوت السماوات والأرض.

4) سورة المطفّفين: الآية 21، يُستفاد من الآيات: أنّ عاقبة (الأبرار) في كتابٍ يُدعى (علّيين) المرتفع جدّاً، ويُشاهده المقرّبون لله تعالى، عِلماً أنّ لفظ (يشهده) صريحٌ بأنّ المراد ليس الكتاب المخطوط، بل عالَم تقرّب وارتقاء.

(5) سورة التكاثر: الآية 5، يُستفاد من الآية: أنّ علم اليقين موروث لمشاهدة عاقبة حالة الأشقياء وهو الجحيم (جهنّم).

٦٦

والمشاهدة الباطنيّة لها، ولكن يجب أن نعلم أنّ هذه الطُرق الثلاثة، تتفاوت فيما بينها من جهاتٍ عدّة:

الأولى: إنّ الظواهر الدينيّة بيانات لفظيّة، تُستفاد من أبسط الألفاظ، وفي متناول أيدي الناس، وكلّ يستفيد (1) منها حسب قدرته وفهمه واستيعابه، على خلاف الطريقين الآخرَين، إذ يختصّان بجماعة خاصّة، ولم يكونا لعامّة الناس.

الثانية: إنّ طريق الظواهر الدينيّة لهوَ الطريق الموصِل إلى أصول المعارف الإسلاميّة وفروعها، ويمكن الحصول على المسائل الاعتقاديّة والأخلاقيّة، وكذا الكلّيات للمسائل العمليّة (فروع الدين)، ولكن جزئيات الأحكام ومصالحها الخاصّة بها لم تكن في متناوَل العقل، وخارجة عن نطاقها، وهكذا طريق تهذيب النفس؛ لأنّ نتيجتها انكشاف الحقائق، وهو عِلم لدُنّي (من قِبل الله تعالى)، ولا يسعنا أن نُحدِّد نتائجها والحقائق التي تنكشف عن هذه الموهبة الإلهيّة، وهؤلاء لمّا انفصلوا عن كلّ شيء ونسوه سوى الله تعالى، فإنّهم تحت رعاية الله بصورة مباشرة، وكلّ ما يريده (لا كلّ ما يريدونه) ينكشف لهم.

____________________

(1) ومن هنا يتّضح لنا قول النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواية ينقلها العامّة والخاصّة: (إنّا مَعاشر الأنبياء نكلِّم الناس على قَدَر عقولهم) البحار ج1: 36.

٦٧

5. الطريقُ الأوّل: الظواهر الدينيّة أقسامها

وكما سبقت الإشارة إليه: أنّ القرآن الكريم والذي يُعتبر مصدراً أساسيّاً للفكر الديني الإسلامي، قد أعطى للسامعين حُجيّة واعتبار ظواهر الألفاظ، وأنّ هذه الظواهر للآيات قد جَعلت أقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المرحلة الثانية بعد القرآن، وتُعتبر حجّة كالآيات القرآنيّة، ويؤيّده قوله تعالى:

( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (1) .

وقوله جلّ شأنه: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (2) .

وقوله أيضاً: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (3) .

فإذا لم تكن أقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأفعاله وحتّى صَمته وإقراره، حجّة كالقرآن الكريم، لم نجد مفهوماً صحيحاً للآيات المذكورة، لذا فإنّ أقواله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجّة لازمة الإتّباع، للذين قد سَمعوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،

____________________

(1) سورة النحل: الآية 44.

(2) سورة الجمعة: الآية 2.

(3) سورة الأحزاب: الآية 21.

٦٨

أو قد نُقل إليهم عن طريق رواة ثقات، وكذلك يُنقل عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طُرق متواترة قطعيّة، أنّ أقوال أهل بيته كأقواله، وبموجب هذا الحديث والأحاديث النبويّة القطعيّة الأخرى، تصبح أقوال أهل البيت تالية لأقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وواجبة الاتّباع، وأنّ أهل البيت لهم المرجعيّة العلميّة في الإسلام، ولم يخطأوا في تبيان المعارف والأحكام الإسلاميّة، فأقوالهم حجّة يُعتمد عليها سواء كانت مشافهةً أو نقلاً.

يتّضح من هذا التفصيل: أنّ الظواهر الدينيّة والتي تُعتبر مصدراً في الفكر الإسلامي على قسمين: الكتاب، والسُنّة، والمراد بالكتاب: ظواهر الآيات القرآنيّة الكريمة، والمقصود بالسُنّة: الأحاديث المرويّة عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام).

6. حديثُ الصحابة

أمّا الأحاديث التي تُنقل عن الصحابة، فإذا كانت متضمّنة أقوال الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو أفعاله، ولم تُخالف أحاديث أهل البيت، تؤخَذ بنظر الاعتبار، وإذا كانت متضمّنة لرأي الصحابي فحسب، فليست لها حجيّة، ويُعتبر الصحابي كسائر المسلمين، عِلماً بأنّ الصحابة أنفسهم كانوا يَعتبرون الصحابي كبقيّة المسلمين، ويُعاملونه معاملتهم.

٦٩

7. بحثٌ آخر في الكتاب والسُنّة

يُعتبر كتاب الله (القرآن الكريم) هو المصدر الأساسي للفكر الإسلامي، وهو الذي يُعطي الاعتبار والحُجيّة للمصادر الدينيّة الأخرى، لذا يجب أن يكون قابلاً للفهم لعامّة الناس.

وفضلاً عن هذا، فإنّ القرآن الكريم يُعلن أنّه نور موضِّح لكلّ شيء، وفي مقام التحدّي يُطالِب بتدبّر آياته، إذ ليس فيه أيّ اختلاف أو تناقض، وإذا كان باستطاعتهم معارضته والإتيان بمثله، لفَعلوا ذلك.

وواضحٌ أنّ القرآن لو لم يكن مفهوماً لدى العامّة، فإنّ مثل هذه الآيات لا اعتبار لها.

وليس هناك مجال للظن، أنّ هذا الموضوع (القرآن يفهمهُ عامّة الناس)، يتنافى مع الموضوع السابق (أنّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته هم مراجع علميّة للمعارف الإسلاميّة، والتي هي حقيقة يدلّ عليها القرآن الكريم).

إنّ بعضاً من المعارف الإسلاميّة، وهي الأحكام والقوانين التشريعيّة، فإنّ القرآن الكريم يشير إلى الكلّيات منها، ويتوقّف تفصيلها بالرجوع إلى السُنّة (حديث أهل البيت (عليهم السلام)) مثل: أحكام الصلاة، والصوم، والمعاملات، وسائر العبادات.

والبعض الآخر: كالاعتقادات، والأخلاق، وإن كانت مضامينها وتفاصيلها يفهمها العامّة، لكن إدراك وفهم معانيها يستلزم اتّخاذ نهج أهل البيت، مع الاستعانة بالآيات، فإنّها تُفسِّر بعضها بعضاً، ولا يمكن الاستعانة برأي خاص، والذي أصبحَ من العادات والتقاليد، وباتت النفس تستأنس به.

٧٠

يقول الإمام علي (عليه السلام): (كتابُ الله تُبصرون به، وتَنطقون به، وتَسمعون به ويَنطق بعضهُ ببعضه، ويشهدُ بعضهُ على بعض) (1) .

يقول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (القرآن يُصدِّق بعضه بعضاً) (2) ، وكذا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن فسّر القرآن برأيه، فليتبوّأ مقعدهُ من النار) (3) .

هناك أمثلة بسيطة لتفسير القرآن بعضهُ ببعض، وذلك في قوله تعالى في قصّة لوط: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) (4) .

وفي آيةٍ أخرى جاءت كلمة (ساء) بكلمة (حجارة) كما في الآية الكريمة: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) (5) .

يتّضح من الآية الثانية: أنّ المراد من الآية الأولى ( فَسَاء مَطَرُ ) هو ( حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) ، والذي يُتابع أحاديث أهل البيت بدقّة وكذا الروايات المنقولة عن مفسّري الصحابة والتابعين، لا يتردّد بأنّ طريقة تفسير القرآن بالقرآن تنحصر في طريقة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

8. ظاهرُ القرآن وباطنه

اتّضح أنّ القرآن الكريم بألفاظه وبيانه، يوضِّح الأغراض الدينيّة، ويُعطي الأحكام اللازمة للناس في الاعتقادات والعمل بها، ولكن لا تنحصر أغراض القرآن بهذه المرحلة،

____________________

(1) نهج البلاغة: خطبة رقم 133.

(2) الدرّ المنثور ج2: 6.

(3) تفسير الصافي: صفحة 8، البحار ج19: 28.

(4) سورة الشعراء: الآية 173.

(5) سورة الحجر: الآية 74.

٧١

فإنّ في كُنه هذه الألفاظ وهذه الأغراض، تستقرّ مرحلة معنويّة، وأغراض أكثر عُمقاً، والذي يُدركه الخواص بقلوبهم الطاهرة المنزّهة.

فالنبيّ العظيم، وهو المعلّم الإلهي للقرآن يقول: (ظاهرٌ أنيق وباطنٌ عميق) (1) ، ويقول أيضاً: (للقرآن بطنٌ وظهر ولبطنه بطن، إلى سبعة بطون) (2) ، وقد وردَ الكثير عن باطن القرآن في أقوال أهل البيت (عليهم السلام) (3) .

فالأصل في هذه الروايات، هو التشبيه الذي قد ذكرهُ الله تعالى في سورة الرعد الآية 17، يُشبّه فيه الإفاضات السماويّة بالمطر الذي يَهطل من السماء بقوله:

( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) .

وتشير هذه الآية: إلى أنّ استيعاب الناس وقدرتهم على اكتساب المعارف السماويّة والتي تُنير النفوس، وتمنحها الحياة متفاوتة.

فهناك مَن لا يُعطي الأصالة لهذا العالَم - الذي سرعان ما يزول - إلاّ للمادّة والحياة الماديّة، ولا يرجو سوى ما تشتهيه نفسه من الحياة الماديّة، ولا يخشى إلاّ الحرمان منها، وهؤلاء على اختلافٍ في مراتبهم.

وغاية ما يمكن قبوله من المعارف السماويّة: هو الاعتقاد بمُجملٍ من المعتقدات، وأداء أحكام الإسلام العمليّة ظاهراً، ومن ثُمّ عبادة الله جلّ شأنه أملاً في الثواب وخوفاً من العقاب.

____________________

(1) تفسير الصافي: صفحة 4.

(2) سفينةُ البحار، تفسير الصافي: ص 15، الكافي، معاني الأخبار، وروايات أخرى.

(3) البحار ج1: 117.

٧٢

وهناك أُناس إثر صفاء فطرتهم لا يرونَ السعادة بالركون إلى لذائذ هذه الحياة بأيّامها القليلة الزائلة، وما الفائدة والضرر، والبهجة والبؤس في الحياة هذه إلاّ ظن مغرٍ، وما أولئك الذين كانوا بالأمس سُعداء، وأصبحوا اليوم قَصصاً تُروى، سوى دروس عِبَر لهم تُلقى في أذهانهم باستمرار وعلى الدوام.

وهؤلاء بالطبع يتّجهون بقلوبهم المنزّهة إلى العالَم الأبدي، وينظرون إلى هذا العالَم بما فيه من مظاهر مختلفة، بأنّها دلالات وإشارات لا غير، وليست فيها أيّة أصالة أو استقلال.

وعندما تُفتح لهم أبواب من المعرفة والإدراك المعنوي للآيات والظواهر الأرضيّة والسماويّة، وتَشرق في نفوسهم أنوار غير متناهية من عظمة وجلال الخالق سبحانه، وتَعجب نفوسهم وقلوبهم الطاهرة برموز الخليقة إعجاباً، فتعرج أرواحهم في الفضاء غير المتناهي للعالَم الأبدي، بدلاً من انغماسها في مصالحها الماديّة الخاصّة.

وعندما يستمعون عن طريق الوحي الإلهي، أنّ الله تعالى قد نهى عن عبادة الأوثان، وظاهر الآية مثلاً التعظيم أمام الأصنام، فإنّهم يُدركون أنّ العبادة تختصّ بالله سبحانه، وليس لأحدٍ سواه؛ لأنّ حقيقة العبادة هي العبوديّة المطلقة، وأكثر من هذا، فهم يُدركون على أنّ الخوف والرجاء لا يكون إلاّ من الله ولله وحده، ويجب ألاّ يستسلموا لأهواء النفس، ولا يجوز التوجّه إلاّ لله تعالى.

وعندما يُتلى عليهم حُكم وجوب الصلاة، وظاهر الحُكم إقامة العبادة الخاصّة، لكن بحسب الباطن يدركون أنّ هذه العبادة يجب أن تتحقّق بقلوبهم وبكلّ وجودهم، وأكثر من هذا يجب أن ينسوا أنفسهم، فهم لا شيء تجاه الخالق، ويتفانوا في عبادة الله وحده.

٧٣

وكما هو واضح، أنّ المعنى الباطني المستفاد من المثالين السابقين، لم يكن مدلولاً لفظيّاً للأمر أو النهي بذاته - للذي جَعَل مجال فكره متّسعاً - يُرجِّح النظر إلى العالَم والكون على النظر في نفسه، وما تنطوي عليه من أنانيّة وحُبّ للذات.

ومع هذا البيان، يتبيّن معنى ظاهر القرآن وباطنه، وكذلك يتّضح أنّ باطن القرآن لا يُلغي ولا يُبطل ظاهره، بل إنّه بمنزلة الروح التي تمنح الجسم الحياة، وبما أنّ الإسلام دين عام شامل وأبدي، يهتمّ أوّلاً وقَبل كلّ شيء بإصلاح المجتمع البشري، ولا يتخلّى عن الأحكام الظاهريّة والتي مؤدّاها إصلاح المجتمع، وكذا لا يتخلّى عن الاعتقادات البسيطة والتي تُعتبر حارسة للأحكام المشار إليها.

وكيف يمكن لمجتمع أن ينال السعادة بالاقتناع أنّ الانسان يكفيه أن يكون منزّهاً، وليس هناك ثمّة اعتبار للعمل، ويعيش في حياة مُحاطة بعدم التنظيم والاستقرار؟

وكيف يمكن لفكرٍ سقيم وأقوال سقيمة أن تخلق قلوباً طاهرة زكيّة، أو أن يُظهر من قلبٍ زكي، أقوالاً سقيمة؟

ويقول تعالى في كتابه العزيز: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) .

ويقول أيضاً: ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً... ) (1) .

ويُستفاد ممّا ذَكرنا: أنّ للقرآن الكريم ظاهراً وباطناً، وباطنهُ أيضاً ذو مراتب مختلفة، والحديث هو المبيّن لمفاهيم القرآن الكريم.

____________________

(1) سورة الأعراف: الآية 58.

٧٤

9. تأويلُ القرآن

وممّا كان مشهوراً عند إخواننا أهل السُنّة في صدر الإسلام، هو إمكان الرجوع عن ظاهر القرآن الكريم إذا وجِدَ دليل، وأن تُحمل الآية على خلاف الظاهر، هذا ما يسمّى بـ (التأويل) ، فكلمةُ التأويل في القرآن الكريم، كانت تُفسّر بهذا المعنى.

وممّا يُشاهد في كُتب أهل السُنّة: أنّ المناظرات الدينيّة المختلفة، كانت تؤيَّد بإجماع علماء المذاهب، أو بدليلٍ آخر، فإذا ما خالفت ظاهر آية من الآيات القرآنيّة، كانوا يلجأون إلى تأويل الآية، حَملاً لخلاف ظاهرها، وأحياناً كان يلجأ كلّ من الطرفين المتخاصمين لقولين متضاربَين، إلى الآيات القرآنيّة والاحتجاج بها، وكلّ منهما كان يُؤوّل آية الطرف المتخاصم.

قلّما تسرّب هذا النوع من الاحتجاج إلى الشيعة، وقد ذُكر في بعض كُتبهم في علم الكلام…

وممّا يُستفاد من الآيات القرآنيّة وأحاديث أهل البيت بعد تدبّرها: أنّ القرآن الكريم مع صراحته ووضوح بيانه، لا يريد أن تكون الآيات مُبهمة وتبقى لغزاً دون حلٍ، وكلّ ما جاء إلى الناس من أحكام ومسائل، فهي بألفاظ تُناسب ذلك الموضوع.

وما يذكرهُ القرآن بكلمة (تأويل)، لم يكن مدلولاً للفظ، بل حقائق وواقعيّات أعلى شأناً من فهم عامّة الناس، وهي الأساس للمسائل الاعتقاديّة والأحكام العَمَليّة للقرآن.

نعم، إنّ لكلّ آيات القرآن تأويلاً، ولا يُدرَك تأويلهُ عن طريق التفكّر مباشرة، ولا يتّضح ذلك من ألفاظه، وينحصر فهمه وإدراكه للأنبياء والصالحين من عباد الله،

٧٥

الذين نزّهوا أنفسهم من كلّ رجسٍ، فإنّهم يستطيعون إدراكه عن طريق المشاهدة، نعم، إنّ تأويل القرآن سوف ينكشف يوم تقوم الساعة.

نحنُ نعلم جيّداً أنّ احتياج المجتمع المادّي، دَفعَ الإنسان إلى الكلام ووضْعِ الكلمات، وكذا كيفيّة الاستفادة من الألفاظ، فالإنسان في حياته الاجتماعيّة مُضطرّ أن يُبدي ما في ضميره من مفاهيم إلى أبناء نوعه، ويستمدّ العونَ في هذا عن طريق الصوت والأُذن، وقلّما استفاد من الإشارة أو حركة العين.

ومن هنا نجد أنّ التفاهم لا يحصل بين أفرادٍ صُم عُمي؛ لأنّ ما يقولهُ الأعمى لا يسمعهُ الأصمّ، وما يقوم به الأصمّ من الإشارات لا يراها الأعمى، فعلى هذا، فإنّ وضعَ الكلمات وتسمية الأشياء، ما هو إلاّ لرفع الاحتياجات الماديّة، وقد اصطُنعت الكلمات للأشياء والأوضاع والأحوال الماديّة التي تقع في متناول الحِسّ، أو على مَقربة من المحسوس، وكما نشاهد في موارد، إذا كان المخاطَب فاقداً لإحدى الحواس، وأردنا التكلّم معهُ عن طريق ذلك الحسّ المفقود، نلجأ إلى نوعٍ من التمثيل والتشبيه، فعلى سبيل المثال: إذا أردنا أن نصف لشخصٍ أعمى منذ الولادة النور والضياء، وإذا أردنا أن نصف لطفلٍ لم يبلغ سِنّ البلوغ لذّة العمل الجنسي، فإنّنا نقوم بنوع من المقارنة والتشبيه المناسب.

فعليه، إذا افترضنا أنّ هناك في الكون واقعيّات ليست بمادّة (وواقع الأمر هكذا)، فهناك من البشر في كلّ عصر، لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع، لهم القدرة على إدراكها ومشاهدتها، وهذه الأمور لا يمكن توضيحها للآخرين عن طريق البيان اللفظي والفكر الاعتيادي، ولا يَسعنا الإشارة إليه إلاّ بالتمثيل والتشبيه، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1) ، أي لا يتوصّل إليه الفهم الاعتيادي، ولا يبلغهُ.

____________________

(1) سورة الزُخرف: الآية 3، 4.

٧٦

ويقول ايضاً: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) .

ويقول أيضاً ‎ في شأن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام): ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) .

وِفقاً لدلالات هذه الآيات، فإنّ القرآن الكريم يَصدر من ناحية تَعجز أفهام الناس من الوصول إليها، والتوغّل فيها، فلا يُدركها إلاّ مَن كان من المُخلَصين وعباده المقرّبين، وأوليائه الصالحين، فأهل بيت النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)خيرُ مصداقٍ لذلك.

ويقول عزّ مَن قائل: ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (3) ، أي ترى الأشياء بالعَيان يوم القيامة.

ويقول أيضاً في آية أخرى: ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) (4) .

____________________

(1) سورة الواقعة: الآية 77 - 79.

(2) سورة الأحزاب: الآية 33.

(3) سورة يونس: الآية 39.

(4) سورة الأعراف: الآية 53.

٧٧

10. تتمّةُ البحث عن الحديث

إنّ اعتبار أصالة الحديث، والذي يؤيّده القرآن الكريم، تقرّه الشيعة وسائر المذاهب الإسلاميّة، ولكنّ أثر التفريط الذي حَصلَ من الولاة والحُكّام في صدر الإسلام في حفظه، والإفراط الذي حَدثَ من الصحابة والتابعين في نشر الأحاديث، كانت عاقبة الحديث مؤسفة مؤلِمة.

فمن جهةٍ، منعَ خلفاء الوقت من كتابة الحديث وتدوينه، إذ كانوا يُحرقون الأوراق التي دوِّنت فيها الأحاديث، ما وَسَعهم ذلك، وأحياناً كانوا يَمنعون من نقل الأحاديث، هذا ما أدّى إلى أنّ الكثير من الأحاديث أصابها التغيير والتحريف والنسيان، ونُقلت الأحاديث بمضامينها.

ومن جهةٍ أخرى، قامَ صحابة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - الذين حضروا مجلسه، واستمعوا إلى حديثه، وكانوا مورد احترام خلفاء الوقت وعامّة المسلمين - بنشر الأحاديث، حتّى آلَ الأمر إلى أن يصبح الحديث ذا أهميّة أكثر من القرآن، فأحياناً كان الحديث يَنسخ الآية (1) .

وكان يتّفق أنّ نَقَلة الأحاديث، يتحمّلون مصاعب الطريق والسفر لاستماع حديث واحد.

وقد تزيّ البعض من غير المسلمين بزيّ الإسلام، وتلبّس به، وذهبَ بعضٌ من أعداء الإسلام إلى وضع الأحاديث وتغييرها، حيث أسقطوا الحديث

____________________

(1) موضوع نَسخ القرآن بالحديث أحد مواضيع علم الأصول، ويؤيّده جَمع من علماء أهل السُنّة، ويتّضح من قضيّة (فدك) أنّ الخليفة الأوّل يؤيّد ذلك أيضاً.

٧٨

من الاعتبار، والوثوق به (1) .

ولهذا السبب، فكّر علماء الإسلام ومُفكروهم لوضع حلّ لهذه المُعضلة، فوضعوا عِلمَين: عِلمُ الرجال، وعِلم الدراية؛ ليميّزوا الحديث الصحيح من السقيم.

والشيعة فضلاً عن أنّهم يسعونَ لتنقيح سند الحديث، يرونَ وجوب مطابقة الحديث للقرآن الكريم في صحّة اعتباره.

وقد وردَ في أخبار كثيرة (2) وبأسانيدٍ قطعيّة عن طريق الشيعة، عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أنّ الحديث الذي يُخالف القرآن لا اعتبارَ له، والحديث المُعتبر هو ما وافقَ القرآن، فوفقاً لهذه الأخبار الشيعيّة، لا يُعمل بالأحاديث التي تُخالف القرآن.

أمّا الأخبار التي (3) لا يُعلم مدى مخالفتها أو موافقتها، فإنّها توضَع جانباً، دون ردٍّ أو قبول، وتُعتبر مسكوتاً عنها، ويُستدلّ على هذا الأمر بأحاديثٍ أخرى لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يخفى أنّ هناك فئة من الشيعة، مثلَ ما عند أهل السُنّة، يعملونَ بأيّ حديثٍ يقع في متناول أيديهم.

11. الشيعةُ والعمل بالحديث

الأحاديثُ التي سُمعت من النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) دون واسطة، حُكمها حُكم القرآن الكريم.

____________________

(1) ما يؤيِّد هذا القول: مصنّفات كثيرة وضَعها العلماء في الأحاديث الموضوعة، وكذا في كُتب الرجال اشتهرَ جماعة من الرواة بأنّهم كذّابون وضّاعون.

(2) البحار ج1: 139.

(3) البحار ج1: 171.

٧٩

أمّا الأحاديث التي وصلت إلينا بواسطة، فإنّ الشيعة تعمل بها كالآتي:

فيما يتعلّق بالمسائل الاعتقاديّة والذي يُصرِّح به القرآن، يستلزم العلم والقطع بالخبر المتواتر، أو الخبر الذي تتوفّر في صحّته الشواهد القطعيّة، فإنّه يُعمل به، وعدا هذين النوعين، والذي يسمّى الخبر الواحد، فلا اعتبارَ له.

ولكنّ في استنباط (1) الأحكام الشرعيّة، نظراً للأدلّة القائمة، فضلاً عن الخبر المتواتر والخبر القطعي، فإنّه يُعمل أيضاً بالخبر الواحد الذي يكون موثّقاً.

إذاً، فالخبرُ المتواتر والخبر القطعي مطلقاً عند الشيعة، يكون حجّة ولازم الإتّباع، أمّا الخبر غير القطعي (الخبر الواحد) فإنّه حُجّة بشرط أن يكون موثّقاً في نوعه، وينحصر ذلك في الأحكام الشرعيّة.

12. التعلّمُ والتعليم العام في الإسلام

تحصيلُ العلم إحدى الوظائف الدينيّة في الإسلام، وخيرُ دليلٍ على ذلك: قول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (طَلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم ومسلمة)، ووفقاً للأخبار التي تؤيَّد بالشواهد القطعيّة، أنّ المراد من العلم: هو معرفة أصول الدين الثلاثة: (التوحيد، والنبوّة، والمعاد) مع ما يلازمها، ومعرفة الأحكام والقوانين الإسلاميّة بصورة مفصّلة، كلّ حَسب احتياجه.

وواضحٌ أنّ تحصيل العلم في أصول الدين، وإن كان مع دليلٍ مُجمل، فهو ميسور للجميع، ولكنّ تحصيل العلم مع تفاصيل الأحكام والقوانين الدينيّة، لا يتحقّق إلاّ من الاستفادة والاستنباط الفنّي من المصادر الأصليّة،

____________________

(1) مبحثُ حجيّة الخبر الواحد في علم الأصول.

٨٠