أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 76309
تحميل: 8319

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76309 / تحميل: 8319
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اليوم.

فَمِنْ هذا وأضعاف أمثاله اسْتَمْكَنَ البُغْضُ له والكراهة في قلوب المسلمين، وعرفوا أنَّه رجل دُنْيَا لا علاقة له بالدين، وما أصدق ما قال عن نفسه فيما حدَّثنا الزمخشري في (ربيعه) قال: قال معاوية:

أمَّا أبو بكر فقد سَلِمَ من الدنيا وسلمتْ منه، وأمَّا عمر فقد عالجها وعالجتْه، وأمَّا عثمان فقد نال منها ونالتْ منه، وأمَّا أنا فقد تضجّعتُها ظهراً لِبَطْن، وانقطعتُ إليها وانقطعتْ إليَّ(١) .

ومِن ذلك اليوم - أعني يوم خلافة معاوية ويزيد - انفصلتْ السُّلطة المدنيّة عن الدينيّة، وكانتْ مجتمعةً في الخلفاء الأوّلين، فكان الخليفة يقبض على إحداهما باليمين وعلى الأُخرى بالشمال، ولكن مِن عهد معاوية عرفوا أنَّه ليس من الدين على شيء، وأنّ الدين له أئمّة ومراجِع هم أَهْلُهُ وأحقُّ به، ولم يجدوا مَنْ توفَّرتْ فيه شروط الإمامة - مِن:

- العلم.

- والزهد.

- والشجاعة.

- وشرف الحسب والنسب - غير علي (عليه السلام) ووُلْدِهِ.

ضُم إلى ذلك ما يرويه الصحابة للناس من كلمات النبي في حَقِّهم، والإيعاز إلى أَحَقِّيَّتِهِم، فلم يزل التشيُّع لعلي (عليه السلام) وأولاده - بهذا وأمثاله - ينمو ويسري في جميع الأُمّة الإسلاميّة سريان البُرء في جسد العليل، خفيّاً وظاهراً، ومستوراً وبارِزاً.

ثمّ تلاه شهادة الحسين (عليه السلام)، وما جرى عليه يوم الطف، ممَّا أوجب انكسار القلوب والجروح الدامية له في النفوس، وهو ابن رسول الله وريحانته، وبقايا الصحابة:

كزيد بن أرقم.

وجابر بن عبد الله الأنصاري.

وسهل بن سعد الساعدي.

وأنس بن مالك.

الذين شاهدوا حفاوة رسول الله

____________________________

(١) ربيع الأبرار ج١: ٩٠.

٢٠١

(صلّى الله عليه وآله) به وبأخيه، وكيف كان يحملهما ويقول:

((نِعْمَ المطيّة مَطِيَّتكُمَا، ونِعْمَ الراكِبَانِ أَنْتُمَا. وأنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة)) (١) ، وكثير من أمثال ذلك، لم يزالوا بين ظهراني الأمَّة يَبُثُّون تلك الأحاديث، وينشرون تلك الفضائل، وبنو أُمَيَّة يَلِغُون في دمائهم، ويتعقَّبونهم قَتْلاً وسمَّاً وأَسْراً.

كلُّ ذلك كان بطبيعة الحال مِمَّا يزيد التشيّع شيوعاً وانتشاراً، ويجعل لعلي (عليه السلام) وأولاده المكانة العظمى في النفوس. وغرس المحبّة في القلوب، والمظلوميّة - كما يعلم كلُّ أحد - لها أعظم المدخليّة.

فكان بنو أُميّة كلّما ظلموا واستبدّوا، واستأْثروا وتقاتلوا على المُلك، كان ذلك كـ:

- خدمةٍ منهم لأهل البيت (عليهم السلام).

- وترويجاً لأمرهم.

- وعطفاً للقلوب عليهم.

وكلّما شدَّدوا بالضغط على شيعتهم ومواليهم، وأعلنوا على منابرهم سَبَّ علي (عليه السلام) وكتمان فضائله، وتحويرها إلى مثالب، انعكس الأمر وصار (ردّ فعل) عليهم.

أَمَا سَمِعْتَ ما يقول الشعبي لِوَلَدِهِ:

يا بُني، ما بُنِيَ الدين شيئاً فهدَّمَتْهُ الدنيا، وما بَنَتْ الدنيا شيئاً إلاّ وهدَّمه الدين، انظر إلى علي [عليه السلام] وأولاده، فانّ بَنِي أميَّة لم يزالوا يجهدون في كَتْم فضائلهم، وإخفاء أمرهم، وكأنّما يأخذون بضبعهم إلى السماء. وما زالوا يبذلون مساعيهم في نشر فضائل أسلافهم، وكأنّما ينشرون منهم جِيْفَة.

هذا مع أنَّ الشعبي كان مِمَّن يُتْهَمُ بِبُغِْض علي (عليه السلام)(٢) .

____________________________

(١) تراجع كتب الفضائل المختلفة، فقد استفاضت بإيراد الكثير من الروايات الصحيحة الدالة على عظيم منزلة الحسنين عليهما السلام.

(٢) راجع كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد أبي القاسم الخوئي رحمه الله: ٥٠٠ ، فقد أورد فيه مبحثاً شافياً حول هذا الموضوع، موثَّقاً بالأدلّة الواضحة والصريحة.

٢٠٢

ولكنَّ الزمخشري يُحدِّثنا عنه في (ربيعه): أنَّه كان يقول:

ما لقينا من علي [(عليه السلام)] إنْ أحببناه قُتِلْنا وإنْ أبغضناه هَلَكْنا(١) .

إلى أنْ تصرَّمتْ الدولة السفيانيّة وخَلَفَتْهَا الدولة المروانيّة(٢) ، وعلى رأسها عبد الملك، وما أدراك ما عبد الملك:

- نَصَبَ الحجّاج المجانيق على الكعبة بأمره حتّى هَدَمَهَا وأحرقها.

- ثمّ قتل أهاليها.

- وذبح عبد الله بن الزبير في المسجد الحرام بين الكعبة والمقام.

- وانتهك حرمة الحرم الذي كانت الجاهليّة تُعظِّمه ولا تستبيح دماء الوحش فيه فضلاً عن البشر.

- وأعطى عهد الله وميثاقه لابن عمِّه عمرو بن سعيد الأشدق.

- ثمّ قتله غدراً وغِيْلَةً، حتّى قال فيه عبد الرحمن بن الحكم من أبيات:

غَدرتُم بعمرو يابني خيط باطِلٍ

وَمثلكُمْ يبني العُهودَ على الغَدرِ(٣)

____________________________

(١) ربيع الأبرار ج١: ٤٩٤.

(٢) ينقسم الأمويُّون إلى بطنين كبيرين، هما: العنابسة، والاعياص.

فالعنابسة:

يعودون بنسبهم إلى عنبسة عَمّ أبي سفيان بن حرب، ومنه كل سرتْ تسميته عليهم، فأًسموا بالسُفْيَانِيِّيْنَ.

وأمّا الاعياص:

فيعودون بنسبهم إلى رجل يُقال له: العيص، أو العويص، أو العاص، أو أبا العاص، والذي من أبنائه الحكم، طريد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو وابنه مروان سَيِّء الذِكْر.

فالسفيانيّون كانوا هم الذين امتطَوا أوّل الأمر ناصية الدولة الإسلاميّة في عهد معاوية بن أبي سفيان عام (٤١ هـ) وحيث امتدَّتْ دولتهم حتّى نهاية حكم معاوية الثاني وتسلُّم مراون بن الحكم زمام الأمور عام (٦٤ هـ) ليُقِيْم بعد ذلك ما أُسْمِي بالدولة المروانيّة، خَلَفَاً للسفيانيِّين، فَشَابَهَ الخَلَفُ السَلَفَ.

(٣) روتْ المصادر التاريخيّة:

أنَّه بعد أنْ خالف عمرو بن سعيد عبد الملك وغلبه على دمشق في سَنَة تسع وستِّين هجريّة، حصل بين الاثنين قتالٌ استمرَّ أيّاماً، ثُمّ عَقَدَا بينهما صُلحاً، وكتبا بذلك كتاباً، وآمن عبد الملك عمرواً وأعطاه على ذلك العهود، إلاّ أنّ عبد الملك لم يلبث أنْ نقض عهده، وضرب عرض الحائط بوعوده، وخان - وليست الخيانة إلاّ خصلة متواضعة من خصالهم - بعمرو، حيث أرسل إليه بعد أربعة أيّام من دخوله دمشق مستضيفاً إيّاه، ومُرَحِّباً به أشدّ الترحيب، فَوَثِقَ به عمرو، واطمأنَّ إليه، إلاّ أنّ عبد الملك لم يلبث =

٢٠٣

فهل هذه الأعمال تُسِيغ أنْ يكون صاحبها مسلماً، فضلاً عن أنْ يكون خليفةَ المسلمين، وأمير المؤمنين؟!

ثمّ سارتْ المروانيّة كلّها على هذه السيرة، وما هو أشقّ وأشقى منها، عدا ما كان من العبد الصالح عمر بن عبد العزيز.

ثمّ خَلفَتْهَا الدولة العباسيّة، فزادتْ - كما يُقال - في الطنبور نغمات، حتّى قال أحد مخضرمي الدولتَين:

يا لَيتَ جَور بَني مَروانَ دامَ لنا

وَلَيتَ عَدل بني العَبّاسِ في النّار

وتتبعوا الذراري العلويّة من بني عَمِّهم، فقتلوهم تحت كلّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ، وخرَّبوا ديارهم، وهدَّموا آثارهم، حتّى قال الشعراء في عصر المتوكِّل:

تَاللهِ ان كانت اُميَّةُ قَد أتت

قَتَل ابنَ بنت نبيّها مَظلُوما

فلَقَد أتَتهُ بَنُو أبيهِ بمثلِهِ

هذا لَعمرُكَ قَبرهُ مَهدوما

أسفوا على أن لايَكونُوا شارَ

كُوا في قَتلِه فَتَتَبعُوهُ رَميما(١)

ضع في قِبَال ذلك سيرة بني علي (عليه السلام) وانْسِبْها إلى سيرة المروانيِّين والعبّاسيِّين، هناك تنجلي لك الحقيقة في أسباب انتشار التشيّع،

____________________________

أنْ قتله قتلةً بَشِعَةً، بعد أنْ احتال عليه بِحِيَل ماكِرة.

انظر:

تاريخ الطبري ج٦: ١٤٠. الكامل في التاريخ ج٤: ٢٩٧. مروج الذهب ج٣: ٣٠٤. العقد الفريد ج٥: ١٥٥.

(١) ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء (صفحة ٢٧٧) وغيره:

أنّ في سَنَة ست وثلاثين هجريّة أمر المتوكِّل لعنه الله تعالى بـ:

- هَدْم قبر الإمام الحسين (عليه السلام).

- وهَدْم ما حوله من الدور.

- وأنْ يُعْمَل مزارع.

- ومُنع الناس من زيارته، وخُرِّبَ وبقي صحراء.

وكان المتوكّل معروفاً بالتعصّب، فتألّم المسلمون مِن ذلك، وكتب أهل بغداد شَتْمَهُ على الحيطان والمساجد، وهَجَاه الشعراء، فمِمَّا قيل في ذلك... وأورد الأبيات المذكورة.

٢٠٤

وتعرف سخافة المهوسين أنّها نزعةٌ فارسيّة أو سبائيّة أو غير ذلك، هناك تُعرف أنّها إسلاميّة محمّديّة لا غير.

انظر في تلك العصور إلى بني علي (عليه السلام) وفي أيِّ شأنٍ كانوا، انْظُرْهم وعلى رأسهم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فإنّه بعد شهادة أبيه:

- انقطع عن الدنيا وأهلِها.

- وتخلّص للعبادة.

- وتربية الأخلاق.

- وتهذيب النفس.

- والزهد في حطام الدنيا.

وهو الذي فتح هذا الطريق لجماعة من التابعين كـ:

- الحسن البصري.

- وطاووس اليماني.

- وابن سيرين.

- وعمرو بن عبيد. ونظائرهم من الزهاد والعرفاء، بعد أنْ أوشك الناس أنْ تزول معرفة الحقّ مِن قلوبهم، ولا يبقى لذكر الله أثراً إلا بأفواههم، ثمّ انتهى الأمر إلى ولده محمّد الباقر (عليه السلام) وحفيده جعفر الصادق (عليه السلام). فشادوا ذلك البناء.

وجاءت الفترة بين دولتي بني أُميّة وبني العباس، فاتّسع المجال للصادق (عليه السلام)، وارتفع كابوس الظلم وحجاب التقيّة، فتوسّع في بثّ الأحكام الإلهيّة، ونَشْر الأحاديث النبويّة التي استقاها من عينٍ صافيةٍ من أبيه، عن جدِّه، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

- وظهرتْ الشيعة ذلك العصر ظهوراً لم يسبق له نظير فيما غبر من أيّام آبائه.

- وتولَّعوا في تحمّل الحديث عنه، وبلغوا من الكثرة ما يفوتُ حدّ الإِحصاء، حتّى إنّ أبا الحسن الوشّاء قال لبعض أهل الكوفة: أدركتُ في هذا الجامع - يعني مسجد الكوفة - أربعة آلاف شيخ من أهل الورع والدين، كُلٌّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد(١) .

ولا نُطيل بذكر الشواهد على هذا فنخرج عن الغَرَض؛ مع أنّ الأمر

____________________________

(١)راجع: رجال النجاشي: ٤٠/٨٠.

٢٠٥

أجلى من ضاحية الصيف.

ولا يرتاب متدبّر أنّ اشتغال بني أُميّة وبني العبّاس في:

- تقوية سلطانهم.

- ومحاربة أضدادهم.

- وانهماكهم في نعيم الدنيا.

- وتجاهرهم بالملاهي والمطربات.

وانقطاع بني علي (عليه السلام) إلى:

- العلم والعبادة.

- والورع والتجافي عن الدنيا وشهواتها.

- وعدم تدخّلهم في شأن من شؤون السياسة - وهل السياسة إلا الكذب والمَكْر والخِدَاع - كل ذلك هو الذي أوجب انتشار مذهب التشيّع، وإقبال الجَمّ الغفير عليه.

ومن الواضح الضروري أنّ الناس وإنْ تمكّن حبُّ الدنيا والطموح إلى المال في نفوسهم، وتملَّكَ على أهوائهم، ولكنْ مع ذلك فإنّ للعلم والدين في نفوسهم المكان المكين، والمنزلة السامية، لا سِيَّما وعهد النبوّة قريب، وصدر الإسلام رحيب لا يمنع عن طلب الدنيا من طرقها المشروعة، لا سِيَّما وهم يجدون عياناً أنّ دين الإسلام هو الذي:

- دَرَّ عليهم بضروع الخيرات، وصبّ عليهم شآبيب البركات.

- وأذلّ لهم ملك الأكاسرة والقياصرة.

- ووضع في أيديهم مفاتيح خزائن الشرق والغرب، وبعض هذا فضلاً عن كلِّه لم تكن العرب لِتَحْلم به في المنام، فضلاً عن أنْ تأتي بتحقيقه الأيّام، وكل هذا مِمّا يبعث لهم: أشدّ الرغبات في الدين، وتعلّم أحكامه، والسير ولو في الجملة على مناهجه، ولو في النظام الاجتماعي، وتدبير العائلة، وطهارة الأنساب، وأمثال ذلك، لا جرم أنّهم يطلبون تلك الشرائع والأحكام أشدّ الطلب، ولكن لم يجدوها عند أولئك المتخلِّفين، والمتسمّي كلّ واحد منهم بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين!!.

نعم، وجدوا أكمله وأصحّه وأوفاه عند أهل بيته، فدنَوا لهم، واعتقدوا بإمامتهم، وأنّهم خلفاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حقّاً، وسَدَنَة شريعته، ومُبَلِّغُو أحكامه إلى أُمَّتِهِ. وكانت هذه العقيدة الإيمانيّة، والعاطفة الإلهيّة،

٢٠٦

كشعلة نارٍ في نفوس بعض الشيعة، تَدْفعهم إلى ركوب الأَخطار، وإلقاء أنفسهم على المشانِق، وتقديم أعناقهم أضاحي للحقّ، وقرابين للدين.

اعطف بنظرك في هذا المقام إلى: حِجْر بن عَدِي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، ورشيد الهجري، وميثم التمّار، وعبد الله بن عفيف الأزدي، إلى عشرات المئات من أمثالهم.

انظر كيف نطحوا صخرة الضلال والجور وما كَسَرَتْ رؤوسَهم حتّى كسروها وفَضَّخوها، وأعلنوا للملأ بمخازيها.

فهل تلك الإقدامات والتضحية من أولئك الليوث كانت لِطَمع مال أو جاه عند أهل البيت (عليهم السلام) أو خوفاً منهم وهم يومئذ الخائفون المشرّدون؟!

كلا، بل عقيدة حقّ، وغريزة إيمان، وصخرة يقين.

ثمّ انظر إلى فطاحل الشعراء في القرن الأوّل والثاني، مع شِدّة أطماعهم عند ملوك زمانهم، وخوفهم منهم، ومع ذلك كلّه لم يمنعهم عظيم الطمع والخوف - والشاعر مادّي على الغالب، والسلطة من خلفهم، والسيوف مشهورة على رؤوسهم - أنْ جهروا بالحقّ ونصروه، وجاهدوا الباطل وفضحوه.

خذ من الفرزدق، إلى الكميت، إلى السيد الحميري، إلى دعبل، إلى ديك الجن، إلى أبي تَمّام، إلى البحتري.

إلى الأمير أبي فراس الحمداني، صاحب الشافية:

الدِّينُ مختُرمٌ والحَقُّ مُهتَضَمُ

وَفَيءُ آل رسُولِ اللهِ مُقتَسَمُ

إلى آخر القصيدة، راجعها وانظر ما يقول فيها(١) .

____________________________

(١) تُعَدُّ هذه القصيدة من روائع هذا الشاعر المُبدِع المتوفّى سنة (٣٥٧ هـ)، ومنها:

الحَقّ مهتضمِ والدِّينُ مُختَرمُ

وَفَيء رَسولِ اللهِ مُقتَسَمُ

وَالناسُ عندك لاناسٌ فيَحفظَهُم

سَومُ الرُّعاة ولاشاءٌ ولا نعِمُ

=

٢٠٧

بل لكلّ واحد من نوابِغ شعراء تلك العصور القصائد الرنّانة، والمقاطيع العبقريّة في مدح أئمّة الحقّ، والتشنيع على ملوك زمانهم بالظلم والجَور، وإظهار الولاء لأولئك والبراءة من هؤلاء.

فلقد كان دعبل يقول:

إنّي أحمِل خشبتي على ظهري منذ أربعين سَنَة، فلم أجد مَنْ يصلبني عليها وكان قد هجا: الرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم ومدح الصادق، والكاظم، والرضا وأَشْعَاره بذلك مشهورة، وفي كتب الأدب والتاريخ مسطورة(١) .

هذا كلّه في أيّام قوّة بني أُميّة وبني العبّاس، وشِدّة بَأْسهم وسَطْوتهم، فانظر ماذا يصنع الحق واليقين بنفوس المسلمين، واعرف هنالك حق الشجاعة والبسالة، والمفاداة والتضحية، وهذا بحث طويل الذيل ينصب - لو أردنا استيفاءه - انصباب السيل، وليس هو المقصود الآن بالبيان، وإنّما المقصود:

- بيان مبدأ [شجرة] التشيّع.

- وغارسها في حديقة الإسلام.

- وشرح أسباب نشوئها ونُمُوِّها، وسُمُوِّها وعُلُوِّها.

وما تكلّمْتُ عن عاطفةٍ، بل كباحثٍ

____________________________

=

إنِّي أبيتُ قَليلُ النَّوم أرَّقَنِي

قَلبٌ تَصارعَ فيهِ الهَمَّ والهِمَم

يا لِلرجالِ أما لله مُنتَصِرٌ

مِن الطُّغاةِ؟ أما لله منتقم؟

بَنُو عليٍ رعايا في ديارِهمُ

والامرَ تَملكُهُ النسوانُ والخَدمُ

محلَّئونَ فاصفى شربَهُمُ وَشَل

عندَ الورُود وَأوفى ودَهُم لممُ

أتَفخَرون عليهم لا أباً لكُم

حتَّى كأنَّ رسولُ اللهِ جَدَّكُم!

ولا تَوازنَ فيما بينكم شَرَفٌ

ولا تَساوَت لكم في موطِن قَدَمُ

بِئسَ الجَزاءُ جَزَيتُم في بَني حَسَن

أباهُم العَلَمُ الهادي وأُمَّهُم

يا باعَةَ الخَمر كُفُّوا عن مَفاخِرِكُم

لِمَعشَر بَيعهُم يَومَ الهِياج دَمُ

الركنُ وَالبيتُ والاستارُ مَنزلَهُم

وَزَمزَمُ والصَّفا والحجِرُ والحَرَمُ

(١) راجع ترجمتنا له في التراجم الملحقة بالكتاب.

٢٠٨

عن حقيقةٍ، يمشي على ضوء أمور راهنة، وعلل وأسباب معلومة، وأحسبني بتوفيقه تعالى قد أصحرتُ بذلك وأعطيتُه من البحث حقّه، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.

ثُمّ لا يذهبنّ عنك أنّه ليس معنى هذا أَنَّا نريد أنْ نُنْكِر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات، وبعض الخدمات للإسلام، التي لا يجحدها إلا مكابر، ولسنا بحمد الله من المكابرين، ولا سبّابين ولا شَتّامين، بل مِمَّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيئة، ونقول:

تلك أُمّة قد خلتْ لها ما كسبتْ وعليها ما اكتسبتْ، وحسابهم على الله، فإنْ عَفَا فَبِفَضْلِهِ، وإنْ عاقب فَبِعَدْلِهِ، وما كنّا نسمح لصلِّ القلم أنْ ينفث بتلك النفثات لولا أنْ بعض كُتَّاب العصر بتحاملهم الشنيع على الشيعة أحرجونا فأحْوَجُونَا إلى بَثِّها (نفثة مصدور) وما كان صميم الغرض إلاّ الدلالة على غارِس بذرة التشيّع، وقد عرفتَ أنّه هو النبيّ الأمين، وأنّ أسباب شيوعها وانتشارها سلسلة أُمور مرتبطة بعضها ببعض، وهي علل ضرورية تقتضي ذلك الأثر بطبيعة الحال.

ولِنَكْتفِ بهذا القدر من (المقصد الأوّل) ونستأنف الكلام في:

٢٠٩

(المقصد الثاني)

وهو بيان عقائد الشيعة أصولاً وفروعاً، ونحن نُورِد أُمَّهات القضايا، ورؤوس المسائل، على الشرط الذي أشرنا إليه آنفاً من الاقتصار على المجتمع عليه، الذي يصحُّ أنْ يُقال: أنّه مذهب الشيعة، دون ما هو رأي الفرد والأفراد منهم.

فنقول:

إنّ الدين ينحصر في قضايا خَمْس:

١ - معرفة الخالق.

٢ - معرفة المبلِّغ.

٣ - معرفة ما تَعَبَّدَ به، والعمل به.

٤ - الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة.

٥ - الاعتقاد بالمعاد والدينونة.

فالدين علم وعمل و:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (١).

والإسلام والإيمان مترادفان، ويُطْلَقَان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان:

التوحيد، والنبوة، والمعاد.

فلو أنكر الرجل واحداً منها فليس بمسلم ولا مؤمن.

وإذا دان بتوحيد الله، ونبوّة سيِّد الأنبياء محمّد (صلّى الله عليه وآله)، واعتقد بيوم الجزاء - مَنْ آمن بالله ورسوله واليوم الآخر - فهو مسلمٌ حقّاً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ حَرامٌ.

ويُطْلَقان أيضاً على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع، وهو العمل بالدعائم التي بني الإسلام عليها وهي خَمْس:

____________________________

(١) آل عمران ٣: ١٩.

٢١٠

الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والجهاد.

وبالنظر إلى هذا قالوا:

الإيمان اعتقاد بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان(١) ، مَنْ آمن بالله ورسوله وعمل صالحاً.

فكلّ مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، يُراد به الإسلام والإيمان بالمعنى الأوّل.

وكلّ مورد أُضيف إليه ذكر العمل الصالح يُراد به المعنى الثاني.

والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى:(قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢) .

وزاده تعالى إيضاحاً بقوله بعدها:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٣) .

يعني: أنّ الإيمان قولٌ ويقينٌ وعملٌ.

فهذه الأركان الأربعة هي أُصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين.

ولكنّ الشيعة الإماميّة زادوا رُكْنَاً خَامِسَاً وهو:

الاعتقاد بالإمامة. يعني أنْ يُعْتَقَد: أنّ الإمامة منصبٌ إلهيٌّ كالنبوّة، فكما أنّ الله سبحانه يختار مَنْ يشاء من عباده للنبوّة والرسالة، ويُؤَيِّده بالمعجزة التي هي كَنَصٍّ من الله عليه:(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٤).

فكذلك يختار

____________________________

(١)انظر:

نهج البلاغة ج٣: ٢٠٣/٢٢٧. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج١: ٢٢٦/ ١ و٢. أمالي الشجري ج١: ٢٤. جامع الأخبار: ١٠٣/١٧٢. سنن ابن ماجة ج١: ٢٥/ ٦٥١. الفردوس بمأثور الخطاب ج١: ١١٠/٣٧١.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٤.

(٣) الحجرات ١٥:٤٩.

(٤) القصص ٢٨: ٦٨.

٢١١

للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماماً للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أنْ يقوم بها، سوى أنّ الإمام لا يُوحى إليه كالنبي وإنّما يَتَلقّى الأحكام منه مع تسديد إلهي. فالنبي مبلِّغ عن الله والإمام مبلِّغ عن النبي.

- والإمامة متسلسلة في اثني عشر.

- كلُّ سابقٍ يَنُصُّ على اللاحق.

- ويشترطون أنْ يكون معصوماً كالنبي عن الخطأ والخطيئة، وإلاّ لزالتْ الثقة به. وكريمةُ قوله تعالى:(إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ،(٢) .

صريحةٌ في لزوم العصمة في الإمام لِمَنْ تدبَّرها جيِّداً.

- وأنْ يكون أفضل أهل زمانه في كلّ فضيلة.

- وأعلمهم بكلّ علم؛ لأنّ الغرض منه تكميل البشر، وتزكية النفوس وتهذيبها بالعلم والعمل الصالح:

____________________________

(١) البقرة ٢: ١٢٤.

(٢) قال شيخنا الطوسي رحمه الله تعالى في كتابه الموسوم بالتبيان في تفسير القرآن (ج١: ٤٤٩) تعليقاً على هذه الآية الكريمة:

استدلّ أصحابُنا بهذه الآية على أنّ الإمام لا يكون إلاّ معصوماً من القبائح؛ لأنّ الله تعالى نفى أنْ ينال عهدَه - الذي هو الإمامة - ظالمٌ، ومَنْ ليس بمعصوم فهو ظالِم، إمّا لنفسه، أو لغيره.

فإنْ قيل:

إنّما نفى أنْ يناله ظالمٌ في حال كونه كذلك، فأمّا إذا تاب وأناب فلا يُسمّى ظالماً، فلا يمتنع أنْ ينال.

قلنا:

إذا تاب لا يخرج مِن أنْ تكون الآية تناولتْه - في حال كونه ظالماً - فإذا نفى أنْ يناله فقد حكم عليه بأنّه لا ينالها، ولم يفد أنّه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها، فيجب أنْ تُحْمَل الآية على عموم الأوقات في ذلك، ولا ينالها وإنْ تاب فيما بعد.

واستدلّوا بها أيضاً على أنّ منزلة الإمامة منفصلةٌ عن النبوّة؛ لأنّ الله تعالى خاطب إبراهيم (عليه السلام) وهو نبي، فقال له:

إنّه سيجعله إماماً، جزاءً له على إتمامه ما ابتلاه اللهُ به من الكلمات، ولو كان إماماً في الحال لَمَا كان للكلام معنى. فدلّ ذلك على أنّ الإمامة منفصلةٌ من النبوّة، وإنّما أراد الله تبارك وتعالى أنْ يجعلها لإبراهيم (عليه السلام).

٢١٢

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (١) .

والناقص لا يكون مكمّلاً، والفاقد لا يكون معطياً.

فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر.

فمَنْ اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص.

وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم.

تترتّب عليه جميع أحكام الإسلام، مِن حرمة دَمه، ومَاله، وعِرضه، ووجوب حِفظه، وحُرمة غَيبته، وغير ذلك، لا أنّه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلماً (معاذ الله).

نعم، يظهر أثر التديّن بالإمامة في منازل القُرب والكرامة يوم القيامة، أمّا في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء، وبعضهم لبعض أكفّاء، وأمّا في الآخرة فلا شكّ أنْ تتفاوت درجاتُهم ومنازلُهم حسب نِيَّاتهم وأعمالهم، وأَمْرُ ذلك وعِلْمُهُ إلى الله سبحانه، ولا مساغ للبتِّ به لأحد من الخلق.

والغرض:

إنّ أهمَّ ما امتازت به الشيعة عن سائر فِرَق المسلمين هو: القول بإمامة الأئمّة الاثني عشر، وبه سُمِّيَتْ هذه الطائفة (إماميّة) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك، كيف واسم الشيعة يجري على الزيديّة(٢) ،

____________________________

(١) الجمعة ٦٢: ٢.

(٢) نشأت هذه الفرقة إبّان الظروف القاسية التي أحاطتْ بالشيعة في العراق أثناء حكم الأمويِّين المعروف بعدائه الشديد، وبغضه المشهور للشيعة وأئمّتهم (عليهم السلام)، وَكَرَدَّةِ فِعْلٍ للأحوال المُزْرِيَة المحيطة بهم.

فقد كان العراق آنذاك تحت ولاية يوسف بن عمر الثقفي:

- الجندي المطيع.

- والكلب الوفي.

- والعميل المخلص المتفاني في تحقيق أهداف الأمويِّين.

- بل ويدهم الضاربة، التي لا تتردّد في البَطْش بكلّ مَنْ يُفَكِّر في الاعتراض على سياستهم الخرقاء الفاسدة، وظلمهم الذي لا يقف عند أيِّ حدٍّ.

ومِن الثابت أنّ هذا الرجل كان مِن أشدِّ المبغضين للشيعة، حتّى قبل تسنّمه لمنصب ولاية =

٢١٣

____________________________

= العراق؛ لأنّه عمل جهده قبل ذلك على إقصاء خالد القسري عن هذه الولاية لانتهاجه سياسة الرفق واللين مع عموم الناس في العراق.

وحيث يُمثّل الشيعة الأكثريّة منهم، فألقى في رَوْع الأمويِّين ما يُمكن أنْ تشكِّله سياسة خالد المتساهِلة مع الشيعة من عوامل لعلّها تؤدِّي إلى:

- تقوية شوكتهم.

- وتنامي قوّتهم.

فعزل خالدَ وولّي يوسف الثقفي محلّه، فكان أوّل ما افتتح به ولايته أنْ:

- شدَّد الخِنَاق على الشيعة.

- وضيَّق عليهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

- ونكّل بهم.

- وشرّدهم.

- وأعمل السيف في رِقابهم.

فعاش الشيعة ظروفاً قاسيةً ومُرّة، شملتْ الصغيرَ منهم والكبيرَ، والنساء منهم والرجال، فلم يسلم منهم أحد، ولا سِيَّما وجوههم وأعيانهم، حيث كان الأمر عليهم شديداً، والبلاء حولهم مضيقاً، ومنهم أخ الإمام الباقر (عليه السلام) زيد بن علي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، فناله ما نالهم، وتعرّض لمثل ما تعرَّضوا له من الظلم والتعدِّي، بل ووشى به يوسف إلى أسياده، فاسْتُدْعِي (أي زيد) إلى مقرِّ الحكم الأموي في الشام، وحيث كان آنذاك هشام بن عبد الملك، فتعمَّد توجيه الإهانات اللاذِعَة والجارحة لزيد رحمه الله تعالى، فثار بوجهه، وردّ عليه حتّى أَلْجَمَهُ ولمْ يحرْ أمامه جواباً.

ثمّ خرج بعد ذلك زيدٌ من الشام حانقاً على هشام، ثائراً على سياسته، وتوجّه إلى الكوفة، ثمّ أراد أنْ يقصد المدينة إلاّ أنّ أهل الكوفة استغاثوا به وطلبوا منه الخروج على الأمويِّين، وأعطوه على مناصرته العهود والمواثيق، وبايعه على ذلك أربعون ألفاً - وفي خبر: أنّهم بلغوا ثمانين ألفاً - فخرج بهم.

لقد كان زيد رحمه الله تعالى: مشهوراً بالصلاح والورع والتقوى وكان صاحب فضل وعلم مشهود وكان أيضاً من أكثر الداعين إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولم يدّعِ الإمامة لنفسه قطعاً - كما يدَّعي البعض ذلك - لإدراكه قبل غيره موضع الحَقّ وأهله.

ولكن وبعد النهاية المفجعة لثورته العارمة تلك، وبالتحديد بعد ما يقارب مِن نصف قَرن من الزمان وقع الخلاف من بعض الشيعة، والذي يُعدّ من أوضح أسبابه:

- شدّة ضيقهم.

- وبغضهم للأمويِّين وسياستهم الظالمة الخرقاء.

- وقساوتهم وشدّة تنكيلهم بالشيعة.

حيث توهّموا وادّعوا بأنّ الإمامة لكلّ فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة، وكان من أهل العلم والشجاعة، وكانت بيعته تجريد السيف للجهاد.

ومن هنا ونتيجة لرأي دعاة هذه الفرقة فإنّ الإمامة بعد مقتل زيد قد انتقلتْ إلى وَلَدِهِ يحيى الذي خرج بعد ذلك على الأمويِّين أيضاً، وحاربهم حتّى قتلوه بعد فترة في الجوزجان، وهكذا. =

٢١٤

والإسماعيليّة(١) ،

____________________________

= ومِن هنا فإنّ هذه الطائفة من الشيعة قد كوّنتْ لها آراء مستقلّة وخاصّة بها، تختلف مع العقائد الشيعية الأساسيّة في العديد من الموارد المعروفة، والتي توسَّعتْ مع الأيّام نتيجةً لانقساماتهم وتفرّقهم... وحيث يذهب المؤرّخون إلى أنّهم انقسموا إلى ثلاثة فِرَق:

١- جاروديّة.

٢- وسليمانيّة.

٣- وبَتَرِيَّة.

حين يُضيف البعض الآخر إليهم فِرَقَاً أكثر؟ وإنْ كان النوبختي يذهب إلى أنّ فِرَق الزيديّة تشعَّبتْ من الجاروديّة.

وأتباع هذه الفرقة - أو الفِرَق - يُشكِّلون أُوْلَى الفِرَق الإسلاميّة مِن سُكّان اليمن في عصرنا الحاضر.

راجع:

فِرَق الشيعة: ٢١ و٥٥. أوائل المقالات: ٤٦. الفصول العشرة في الغيبة: ٢٧٣. الملل والنحل ج١: ١٥٤. الإمام زيد: ٥. تأريخ المذاهب الإسلاميّة: ٤٤. الفَرْق بين الفِرَق: ٢.

(١) تفترق هذه الجماعة عن الشيعة الإماميّة بقولهم:

أنّ الإمامة بعد الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) تنتقل لولده الأكبر إسماعيل، لذهابهم إلى القول بنصِّ الإمام عليه دون وُلْدِه؛ ولذا فَهُم :

- بين مَنْ يقول بوفاته الثابتة في حياة أبيه إلاّ أنّه يُرجِع الإمامة إلى وُلْده وأوّلهم محمّد بن إسماعيل.

- وبين مَنْ يقول ببقائه حيّاً إلى ما بعد وفاة أبيه، وأنّ أباه (عليه السلام) أظهر موته خوفاً عليه من العبّاسيِّين.

وهكذا فإنّ هؤلاء ينقسمون إلى قسمين اثنين:

القسم الأوّل:

منهم يقف على محمّد بن إسماعيل ولا يتجاوزه إلى غيره.

والقسم الثاني:

يتعدّاه ويجعل الإمامة في سبعة سبعة، بين ظاهر ومستور: أوّلهم محمّد بن إسماعيل ثمّ وَلده جعفر المصدّق ثمّ وَلده محمّد الحبيب وبعده عبد الله المهدي، الذي ظهر في شمالي أفريقيا والذي مِن وُلده تكوّنتْ الدولة الفاطميّة.

ومِن ثَمّ فإنّ هذه الجماعة وبمرور الزمن بدأتْ تأخذ لنفسها جملة مستقلّة من الآراء والمعتقدات الخاصّة به كنتيجةٍ منطقيّةٍ لتشعّبهم وتفرّقهم، ولعلّ مِن أوضح ذلك قول جماعة منهم، وهم السبعيّة:

- بأنّ الإمامة تدور على سبعة سبعة، كأيّام الأسبوع والسموات والأرضيين والأفلاك.

- وأنّ السبعة الأوّل أوّلهم علي (عليه السلام) وآخرهم إسماعيل بن جعفر، وهم يُمثِّلون الدور الأوّل.

- والذي يبتدئ الثاني منه بمحمّد بن إسماعيل ومَنْ يَلِيْهِ مِن الأئمّة المستورين السائرين في البلاد سِرّاً.

- وأنّ الإمام السابع ينسخ شرائع مَنْ تقدّمه... وهكذا.

انظر:

فِرَق الشيعة: ٦٧. الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٣٠٨. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٧٨. تأريخ المذاهب الإسلاميّة: ٥٤. الملل والنحل ج١: ١٦٧.

٢١٥

والواقفيّة(١) ،

____________________________

(١) تُطْلَق هذه التسمية على:

الأفراد والجماعات المنحرفة، مِن الذين وقفوا على إمام مِن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ولم يذهبوا إلى القول بوجوب امتداد الإمامة إلى مَنْ بعده مِن الأئمّة كما هو ثابت ومنصوص عليه، رغم أنّ هذه التسمية، ولكثرة ما اشتهر من الذين وقفوا على الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، أخذتْ تنصرف إلى هذه الجماعة عند الإطلاق.

والحق يقال:

إنّ هذه الظاهرة المنحرفة كانت تُشكِّل حالة مرضيّة لا يُمكن الإعراض عنها وإهمالها؛ لِمَا تُمثِّله مِن تفكير فاسدٍ ومنحرف، وَضَعَ لَبِنَاتِهِ جملةٌ مشخَّصة من الجماعات؛ لأغراض ومآرب واضحة ومعروفة، ولذا فقد تصدّى لإبطال شُبُهَات ودعاوى هذه الجماعات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وكبار رجالات الطائفة وأعيانها، ودعَوا الناسَ إلى نَبْذِهِم وإدراك أَغْراضهم من هذا الطرح الباهت والباطل.

ولعلّ المرور المتعجّل على الأسباب التي نشأتْ مِن خلالها هذه الأَطروحة الساقطة يبين بوضوح أنّ أُوْلَى تلك الأسباب كان:

- الجشع والطمع.

- والضعف قِبَال الثروات الهائلة التي اُؤْتُمِنَ عليها أولئك الروّاد الأوائل لهذه الجماعات المنحرِفة.

والتي كان ينبغي أنْ تخضع لوصاية الإمام التالي للإمام المتوفّى، والتي كانت أوضح صورها بعد استشهاد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، بعد غيبته التي امتدّت لسنين طويلة في سجن الرشيد.

فكان وجود هذه الثروات الضخمة والطائلة بأَيْدِي ذلك البعض إبّان الظروف العَسِرَة والشاقّة التي أحاطتْ بالشيعة - ولا سِيَّما:

- وإمامهم مُغَيَّب في قَعْر السجون.

- وهم دائماً تحت طائلة العِقَاب، من سجنٍ ونَفْيٍ وتشريدٍ وقَتْلٍ، بأيدي أزلام السلطة.

- والعديد مِن عُشَّاق المال والثروة.

- وطلاّب الْجَاه والشُهرة - غنيمةً باردةً، صَوَّرَتْها لهم نفوسُهم المريضةُ، وأفكارُهم المضطرِبةُ أمام بريق هذا المال وَوَهْجِهِ البرّاق، فكان أنْ وقع ما هو ليس بِمُسْتَغْرَب، بل وكثير ما نُشاهده ونَسمعه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، مِن انهيار البعض وسقوطه في هذا الامتحان الكبير... فلم يجد أولئك المفتونين - بعد قدح زناد الفِكر- حيلةً، كما صوّرتْها لهم أفكارهم الفاسدة، أَنْسَبَ مِن ادِّعاء عدم وفاة الإمام الذي كان هو المصرف الأوّل لشؤون هذه الأُمّة، ومَنْ له الحقّ المُطْلق في كيفيّة إنفاق هذه الأموال، والقول:

- بأنّه حيٌّ يُرْزَق.

- وأنّه سيعود لتصريف هذه الشؤون ولو بعد حين.

وإذاً، فلا ولي لهذه الأموال في غيبة الإمام - كنتيجةٍ لقولهم هذا - إلاّ هم، وهم أسياد في التصرّف بما لا رقيب عليه. فطلبوا لدعواهم الباهِتَة هذه وزمّروا، وتشبَّثوا بها تشبُّثاً مُسْتَمِيْتَاً.

وكان مِن نتيجة ذلك الموقف أنْ رَدُّوا إمامةَ وَلَده علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وبقيتْ أيديهم حُرَّة في التلاعب بتلك الأموال الطائلة. =

٢١٦

والفَطَحِيَّة(١) ، وغيرهم، هذا إذا اقتصرنا على الداخلين في حظيرة الإسلام منهم، أمّا لو توسّعنا في الإطلاق والتسمية حتّى للملاحدة - الخارجين عن الحدود - كالخطابيّة وأَضْرَابِهِم(٢) فقد تتجاوز طوائف الشيعة المائة أو أكثر، ببعض الاعتبارات والفوارق، ولكنْ يختصّ اسم الشيعة اليوم - على إطلاقه - بالإماميّة التي تمثل أكبر طائفة في المسلمين بعد طائفة السُنَّة.

والقول بالاثني عشر ليس بغريب عن أُصول الإسلام وصِحَاح كُتُب المسلمين، فقد رَوَى البخاري - وغيره - في صَحِيْحِهِ حديث الاثني عشر

____________________________

= نعم، هذا الجانب كان يُشكِّل الطرف الأهم في بروز ونشوء هذه الحالة المنحرفة لدى تلك الجماعات المنبوذة والمردودة، وإنْ كانتْ هناك جملة أُخرى من الأسباب الباهتة التي سَوَّغتْ لهم هذا الموقف المشين والمُخْزي، ومن ضمنها:

- حالة الغرور والتكبّر والتَفَرْعُن التي أصابتْ رُوّاد تلك المدرسة المنحرفة، مع تقادم السنين.

- وتَكدّس الثروات بأيدهم.

- واحترام وتكريم الناس لهم. فلم يكن هذا ليتوافق في مُخَيَّلتهم المريضة.

- مع إذعانهم لإمامٍ يَصْغُرُهُم سِنَّاً، والانقياد لأوامره.

- مضافاً إلى غير ذلك من الشبهات والارتباكات الفكريّة، التي تفاعلتْ مع غيرها من الأسباب في صناعة هذه الفتنة الفاسدة والتي ليستْ هنا بمحلّ بحثنا.

راجع:

فِرَق الشيعة: ٥٤، ٨١. الفصول المختارة: ٣١٣. فوائد الوحيد البهبهاني: ٤٠. معراج أهل الكمال في معرفة الرجال (مخطوط). الواقفيّة ج١: ١٨ وما بعدها. الملل والنحل ج١: ١٦٧.

(١) ذهبتْ هذه الجماعة إلى أنّ الإمامة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) إلى وَلده عبد الله المعروف بالأفطح، لشبهات دخلتْ عليهم، إلاّ أنّهم لا يُخَالِفون الإماميّة في الاعتراف ببقيّة الأئمّة المنصوص عليهم، باستثناء إضافتهم عبد الله الأفطح إليهم، حيث يقولون بإمامة ثلاثة عشر، وإنْ كان حياة عبد الله لم تمتدّ بعد أبيه الصادق (عليه السلام) إلاّ سبعين يوماً لا غير.

راجع:

فِرَق الشيعة: ٧٨. روضة المتقين ج١٤: ٣٩٥. تنقيح المقال ج١: ١٩٤. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: ٧٧. الملل والنحل ج١: ١٦٧.

(٢) تقدّم الحديث عن ذلك، فراجع.

٢١٧

خليفة بِطُرُق متعدِّدة:

منها:

- بسنده عن النبي (صلّى الله عليه وآله):((إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)) .

قال [الراوي]: ثمّ تكلّم بكلام خَفِيَ عليّ فقلتُ لأبي: ما قال؟

قال: كلّهم من قريش.

- ورُوي أيضاً:((لا يزال أمر الناس ماضياً ما وَلِيَهم أثنا عشر رجلاً)) .

- وروى أيضاً:((لا يزال الإسلامُ عزيزاً إلى اثني عشر خليفة)) (١).

وما أدري مَن هؤلاء الاثنا عشر؟ والقوم يَرْوُوْنَ عنه (صلّى الله عليه وآله):

((الخلافة بعدي ثلاثون ثمّ تعود مُلْكَاً عَضُوضَاً)) (٢).

دع عنك ذا فَلَسْنَا بصدد إقامة الدليل والحجّة على إمامة الاثني عشر، فهناك مؤلّفات لهذا الشأن تنوف على الألوف، ولكن القصد أنْ نذكر أُصول عقائد الشيعة ورؤوس أحكامها المُجْمَع عليها عندهم، والعُهْدَة في إثباتها على موسوعات مؤلّفاتهم.

وهنا نعود فنقول:

الدين علم وعمل، وظائف للعقل ووظائف للجسد، فهاهنا منهجان:

الأوّل:

في وظائف العقل.

____________________________

(١) هذه الأحاديث وغيرها مِن التي تَنْحُو عين مَنْحَاهَا، روتْها كُتُبُ العامّة بكثرة وبأسانيد متعدِّدة يصعب حصرها، ولكنْ انْظُر على سبيل المثال لا الحصر:

صحيح البخاري: (كتاب الأحكام). صحيح مسلم: (كتاب الأمارة). سنن الترمذي: (كتاب الفتن). مسند أحمد ج١: ٣٩٨، ٤٠٦، وج٥: ٨٦، ٩٠، ٩٣، ٩٨، ٩٩، ١٠١، ١٠٦، ١٠٧. المعجم الكبير للطبراني ج٢: ٤١٢.

(٢)انظر:

فتح الباري ج٨: ٧٧. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج١٢: ٢٩٧. البداية والنهاية ج٣: ٣١٩.

٢١٨

التوحيد:

يجب على العاقل بحكم عقله عند الإماميّة:

- تحصيل العلم والمعرفة بصانعه.

- والاعتقاد بوحدانيَّته في الإلوهيّة.

- وعدم شريك له في الربوبيّة.

- واليقين بأنّه هو المستقِل بالخَلْق والرزق والموت والحياة والإيجاد والإعدام.

- بل لا مؤثِّر في الوجود عندهم إلاّ الله.

فمَنْ اعتقد أنّ شيئاً مِن الرزق أو الخَلْق أو الموت أو الحياة لغير الله فهو كافر مُشرِك خارج عن رِبْقَة الإسلام.

- وكذا يجب عندهم إخلاص الطاعة والعبادة لله.

فَمَنْ عَبَدَ شيئاً معه، أو شيئاً دونه، أو ليقرِّبه زُلْفى إلى الله فهو كافر عندهم أيضاً.

- ولا تجوز العبادة إلاّ لله وحده لا شريك له.

- ولا تجوز الطاعة إلاّ له.

- وطاعة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) فيما يُبَلِّغون عن الله طاعة الله.

- ولكن لا يجوز عبادتهم بدعوى أنّها عبادة الله، فإنّها خِدَعة شيطانيّة، وتلبيسات إبليسيّة.

نعم، التبرّك بهم، والتوسّل إلى الله بكرامتهم ومنزلتهم عند الله، والصلاة عند مراقدهم لله، كُلّه جائز، وليس من العبادة لهم بل العبادة لله، وفَرْق واضح بين الصلاة لهم والصلاة لله عند قبورهم:(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١).

هذه عقيدة الإماميّة في التوحيد - المُجْمَع عليها عندهم - على اختصار وإيجاز، ولعلّ الأمر في التوحيد أشدّ عندهم مِمَّا ذكرناه،

وله مراتب ودرجات، كـ:

- توحيد الذات.

- وتوحيد الصفات.

- وتوحيد الأفعال، وغير ذلك مِمَّا لا يُناسب المقام ذكرها وبَسْط القول فيها.

____________________

(١) النور ٢٤: ٣٦.

٢١٩

النبوّة:

يعتقد الشيعة الإماميّة:

- أنّ جميع الأنبياء الذين نصّ عليهم القرآنُ الكريم رُسُلٌ من الله، وعباد مكرمون.

- بعثوا لدعوة الخَلْق إلى الحق.

- وأنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء، وسيِّد الرسل.

- وأنّه معصوم من الخطأ والخطيئة.

- وأنه ما ارتكب المعصية مُدّة عمره، وما فعل إلاّ ما يُوافق رضا الله سبحانه حتّى قبضه الله إليه.

- وأنّ الله سبحانه أَسْرَى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثمّ عرج من هناك بجسده الشريف إلى ما فوق العرش والكرسي، وما وراء الحُجُب والسُرَادِقَات، حتّى صار مِن رَبِّه قاب قوسين أو أدنى.

- وأنّ الكِتَاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه:

للإعجاز والتحدِّي.

ولتعليم الأحكام.

وتمييز الحلال من الحرام.

وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة. وعلى هذا إجماعهم.

ومَنْ ذهب منهم - أو مِن غيرهم مِن فِرَق المسلمين - إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) .

والأخبار الواردة مِن طُرُقِنَا أو طُرُقهم الظاهرة في نَقْصه أو تحريفه ضعيفةٌ شاذّةٌ، وأخبار آحاد لا تفيد عِلْمَاً ولا عملاً، فإمّا أنْ تُأَوَّل بنحوٍ من الاعتبار، أو يُضْرَب بها الجدار.

ويعتقد الإماميّةُ أنّ كلّ مَنْ اعتقد أو ادَّعى نبوّةً بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله)، أو نزول وحي أو كتاب فهو كافر يجب قتله.

____________________

(١) الحجر١٥: ٩.

٢٢٠